![]() |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري المال مال الله والخلق عيال الله 4 / 3 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " فَاتَّقُوا اللهَ مَا استَطَعتُم وَاسمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيرًا لأَنفُسِكُم وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، هَذِهِ الدُّنيَا الَّتي نَعِيشُ فِيهَا الآنَ مُختَلِفِينَ ، مَا بَينَ غَنيٍّ وَفَقِيرٍ أَو عَزِيزٍ وَذَلِيلٍ أَو شَرِيفٍ وَوَضِيعٍ ، لَيسَت هِيَ الخَاتِمَةَ وَلا نِهَايَةَ المَطَافِ ، وَمَا هِيَ بِالمِقيَاسِ الدَّقِيقِ الَّذِي تُقَاسُ بِهِ الحَقَائِقُ وَتَنتَهِي إِلَيهِ الأُمُورُ ، وَلَكِنَّهَا مَرحَلَةٌ كَونِيَّةٌ بَرَّاقَةٌ صَاخِبَةٌ ، قَد تَعشَى فِيهَا أَبصَارٌ وَتُطمَسُ بَصَائِرُ ، وَتَلتَبِسُ أُمُورٌ وَتَخفَى حَقَائِقُ ، ثم سُرعَانَ مَا تَنتَهِي وَتَنقَضِي ، فَتَتَكَشَّفُ الحُجُبُ وَتَتَبَيَّنُ الخَفَايَا ، وَهُنَالِكَ يُوفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ ، وَيَعلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ . يُقَالُ هَذَا ـ إِخوَةَ الإِيمَانِ ـ وَالمُؤمِنُ يَرَى حَولَهُ مِن عِبَادِ اللهِ مَن غَفَلُوا عَن آيَاتِ اللهِ الكَونِيَّةِ وَالشَّرعِيَّةِ ، فَتَجَاهَلُوهَا وَتَنَاسَوهَا وَأَعرَضُوا عَنهَا ، وَهِيَ الَّتي جَاءَت مِن عِندِ خَالِقِهِم لِتَنظِيمِ حَيَاتِهِم وَضَمَانِ مُضِيِّهَا عَلَى نِظَامٍ مُحكَمٍ بَدِيعٍ ، لا مَجَالَ فِيهِ لِلتَّخَبُّطِ وَالتَّخَوُّضِ ، وَلا التِبَاسَ فِيهِ لِلوَاضِحَاتِ بِالمُبهَمَاتِ . أَلا وَإِنَّ ممَّا ضَلَّت فِيهِ الأَفهَامُ وَانحَرَفَت ، قَضِيَّةَ التَّفَاوُتِ بَينَ العِبَادِ في الأَرزَاقِ وَاختِلافِ حَظِّهِم مِنَ الأَموَالِ ، حَيثُ اتُّخِذَت مِقيَاسًا لأَقدَارِ النَّاسِ وَمِيزَانًا لِمَكَانَتِهِم ، وَمِن ثَمَّ صَارَت مَيدَانًا لاستِعرَاضِ مَا تَنطَوِي عَلَيهِ النُّفُوسُ مِن صِفَاتٍ قَبِيحَةٍ وَأَخلاقٍ مَرذُولَةٍ ، فَأُحِبَّ مِن أَجلِ المَالِ وَأُبغِضَ ، وَقُرِّبَ وَأُبعِدَ وَأُعطِيَ وَمُنِعَ ، ممَّا يَعني أَنَّ ثَمَّةَ خَلطًا لِلأُمُورِ وَانحِرَافًا عَنِ الحَقِّ ، وَجَهلاً يُوجِبُ تَصحِيحَ المَفَاهِيمِ وَإِعَادَةِ الأُمُورِ إِلى نِصَابِهَا . إِنَّ في القُرآنِ وَالسُّنَّةِ مَا لَو تَدَبَّرَهُ النَّاسُ وَوَعَوهُ ، لَتَغَيَّرَت نَظرَتُهُم لِمَا في أَيدَيهِم ، وَلَتَبَدَّلَ كَثِيرٌ ممَّا في قُلُوبِهِم نَحوَ المَالِ حُبًّا وَكُرهًا ، وَلَكَانَ قَاضِيًا عَلَى كَثِيرٍ ممَّا يَتَقَلَّبُونَ فِيهِ بِسَبَبِهِ مِن مَصَائِبَ وَمُشكِلاتٍ في لَيلِهِم وَنَهَارِهِم . قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَللهِ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا بَينَهُمَا يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَالَّذِينَ يَبتَغُونَ الكِتَابَ مِمَّا مَلَكَت أَيمَانُكُم فَكَاتِبُوهُم إِنْ عَلِمتُم فِيهِم خَيرًا وَآتُوهُم مِن مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُم " فَالمَالُ إِذًا مَالُ اللهِ ، وَالمَالِكُ الحَقِيقِيُّ لَهُ هُوَ اللهُ ، وَأَمَّا وُجُودُهُ بِأَيدِي النَّاسِ وَمُلكُهُم لَهُ ، فَإِنَّمَا كُلُّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ وَدَائِعَ وَأَمَانَاتٍ استُخلِفُوا فِيهَا ، لا لِيَتَصَرَّفُوا فِيهَا تَصَرُّفًا مُطلَقًا وَحَسبَمَا يَتَشَهَّونَ ، وَلَكِنْ لِيَنتَفِعُوا بها وَيَستَعمِلُوهَ ا وِفقَ مَا شُرِعَ لهم ، بِالكَسبِ الحَلالِ وَالاستِثمَارِ الحَلالِ ، ثم الإِنفَاقِ الرَّشِيدِ وَإِعطَاءِ كُلِّ ذَي حَقٍّ حَقَّهُ ، وُصُولاً إِلى تَحقِيقِ مَصلَحَتِهِم وَمَصلَحَةِ مُجتَمَعَاتِهِم ، وَبُلُوغًا لِسَعَادَتِهِم وَسَعَادَةِ مَن حَولَهُم ، قَالَ ـ تَعَالى ـ " آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُستَخلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَأَنفَقُوا لَهُم أَجرٌ كَبِيرٌ " وَإِنَّ مَا يُرَى في عَالَمِ التَّوَحُّشِ اليَومَ مِن إِضرَارٍ بِالنُّفُوسِ بِالبَحثِ عَنِ المَالِ مِن طُرُقٍ غَيرِ مَشرُوعَةٍ ، أَو إِضرَارٍ بِالآخَرِينَ بِالتَّسَلُّطِ عَلَيهِم بِهِ ، أَو بِحَبسِهِ عَنِ التَّدَاوُلِ وَكَنزِهِ ، أَوِ امتِهَانِ كَرَامَتِهِم بِبَخسِهِم حُقُوقَهُم ، ثم إِنفَاقِهِ بَعدَ ذَلِكَ تَبَعًا لِهَوَى النُّفُوسِ في الحَرَامِ ، أَو سُلُوكِ مَسَالِكِ الإِسرَافِ وَالتَّبذِيرِ فِيهِ ، إِنَّ ذَلِكَ لَيُشعِرُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَد عَمُوا وَصَمُّوا عَن كَونِهِم مُؤتَمَنِينَ عَلَى وَدَائِعَ ثَمِينَةٍ وَأَمَانَاتٍ عَظِيمَةٍ ، فَعَاثُوا فِيهَا فَسَادًا وَإِفسَادًا ، فَمَا أَحَقَّهُم بِأَن يَنطَبِقَ عَلَيهِم قَولُ الحَبِيبِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللهِ بِغَيرِ حَقٍّ ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . إِنَّ هَذَا التَّخَوُّضَ في مَالِ اللهِ وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ بِالبَاطِلِ ، لا يَكُونُ إِلاَّ عَن شُعُورٍ مِنَ المَرءِ بِأَنَّهُ المَالِكُ الحَقِيقِيُّ لِلمَالِ ، وَإِلاَّ لَو شَعُرَ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ مُؤتَمَنٍ عَلَيهِ وَمُستَخلَفٍ فِيهِ ، لَكَبَحَ ذَلِكَ مِن جِمَاحِهِ ، وَلَقَلَّلَ مِن تَسَلُّطِهِ عَلَى النَّاسِ ، وَلَحَالَ بَينَهُ وَبَينَ الإِفسَادِ في الأَرضِ . وَإِنَّ مِن طَبِيعَةِ النَّفسِ البَشَرِيَّةِ أَنَّهَا مَيَّالَةٌ إِلى المَالِ مُحِبَّةٌ لِجَمعِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنعَامِ وَالحَرثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسنُ المَآبِ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيرِ لَشَدِيدٌ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لَو أَنَّ لابنِ آدَمَ وَادِيًا مِن ذَهَبٍ أَحَبَّ أَن يَكُونَ لَهُ وَادِيَانِ ، وَلَن يَملأَ فَاهُ إِلاَّ التُّرَابُ ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن تَابَ " رَوَاهُ الشَّيخَانِ وَهَذَا لَفظُ البُخَارِيُّ . فَكُلٌّ إِنسَانٍ يُحِبُّ المَالَ ، وَكُلُّ نَفسٍ تَمِيلُ إِلى الاستِكثَارِ مِنهُ ، وَمَا مِن أَحَدٍ يَرضَى أَن يُنقَصَ حَقُّهُ فِيهِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِنَ المُخَالَفَةِ لِفِطرَةِ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا قَبلَ أَن يَكُونَ مُخَالَفَةً لِشَرعِهِ ، أَن يَتَظَالَمَ النَّاسُ في الحُقُوقِ وَيَتَجَاحَدُون َ ، أَو يَتَجَاهَلَ غَنيٌّ حَقَّ فَقِيرٍ ، أَو يُؤَخِّرَ صَاحِبُ عَمَلٍ أَجرَ أَجِيرٍ ، أَو يَعتَدِيَ أَحَدٌ عَلَى مَالِ أَحَدٍ ، وَلِذَا فَقَد أَكَّدَ الإِسلامُ حُرمَةَ المَالِ وَحَرَّمَ العُدوَانَ عَلَيهِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأكُلُوا أَموَالَكُم بَينَكُم بِالبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِنكُم وَلا تَقتُلُوا أَنفُسَكُم إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُم رَحِيمًا " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلا تَأكُلُوا أَموَالَكُم بَينَكُم بِالبَاطِلِ وَتُدلُوا بها إِلى الحُكَّامِ لِتَأكُلُوا فَرِيقًا مِن أَموَالِ النَّاسِ بِالإِثمِ وَأَنتُم تَعلَمُونَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في حَجَّةِ الوَدَاعِ : " فَإِنَّ دِمَاءَكُم وَأَموَالَكُم وَأَعرَاضَكُم عَلَيكُم حَرَامٌ كَحُرمَةِ يَومِكُم هَذَا في بَلَدِكُم هَذَا في شَهرِكُم هَذَا " مُتَفَّقٌ عَلَيهِ ، وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَنِ اقتَطَعَ أَرضًا ظَالِمًا لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيهِ غَضبَانُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ ، وَقَالَ : " مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ مُسلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَد أَوجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيهِ الجَنَّةَ " فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَإِنْ كَانَ شَيئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ فَقَالَ : " وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِن أَرَاكٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ ، وَشَدَّدَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في الدَّينِ ، فَلَم يُصَلِّ عَلَى مَن عَلَيهِ دَينٌ حَثًّا لأَهلِهِ عَلَى سَدَادِ دَينِهِ . وَأَمَّا أَبلَغُ التَّشدِيدِ وَأَعظَمُهُ ، فَقَد جُعِلَ عَلَى الاعتِدَاءِ عَلَى أَموَالِ الضُّعَفَاءِ مِنَ الأَيتَامِ وَالنِّسَاءِ وَالأُجَرَاءِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَآتُوا اليَتَامَى أَموَالَهُم وَلا تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأكُلُوا أَموَالَهُم إِلى أَموَالِكُم إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنَّ الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَموَالَ اليَتَامَى ظُلمًا إِنَّمَا يَأكُلُونَ في بُطُونِهِم نَارًا وَسَيَصلَونَ سَعِيرًا " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِني أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَينِ : اليَتِيمُ وَالمَرأَةُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ ، وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ عَنِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " قَالَ اللهُ ـ تَعَالى ـ : ثَلاثَةٌ أَنَا خَصمُهُم يَومَ القِيَامَةِ : رَجُلٌ أَعطَى بي ثم غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمنَهُ ، وَرَجُلٌ استَأجَرَ أَجِيرًا فَاستَوفى مِنهُ وَلم يُعطِهِ أَجرَهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " أَعطُوا الأَجِيرَ أَجرَهُ قَبلَ أَن يَجِفَّ عَرَقُهُ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد حَذَّرَ الإِسلامُ مِنَ التَّنَافُسِ عَلَى المَالِ وَالتَّكَاثُرِ فِيهِ ؛ لِمَا يُسَبِّبُهُ ذَلِكَ مِن عَدَاوَةٍ وَبَغضَاءَ وَهَلاكٍ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولادُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ " مَا الفَقرَ أَخشَى عَلَيكُم وَلَكِنْ أَخشَى أَن تُبسَطَ الدُّنيَا عَلَيكُم كَمَا بُسِطَت عَلَى مَن كَانَ قَبلَكُم فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهلِكَكُم كَمَا أَهلَكَتهُم " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ ، وَعَن عَبدِاللهِ بنِ عَمرٍو عَن رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ قَالَ : " إِذَا فُتِحَت عَلَيكُم فَارِسُ وَالرُّومُ أَيُّ قَومٍ أَنتُم ؟ " قَالَ عَبدُالرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ : نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللهُ . قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَوْ غَيرَ ذَلِكَ ، تَتَنَافَسُونَ ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ أَوْ نَحوَ ذَلِكَ ، ثُمَّ تَنطَلِقُونَ في مَسَاكِينِ المُهَاجِرِينَ فَتَجعَلُونَ بَعضَهُم عَلَى رِقَابِ بَعضٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ ، فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ وَلْنَحذَرْ مِن جَعلِ كَثرَةِ المَالِ لَدَى أَحَدٍ مِقيَاسًا لِلجَاهِ وَالعُلُوِّ ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِن دَلائِلِ الفَسَادِ وَالطُّغيَانِ وَالبَغيِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَقَالَ لَهُم نَبِيُّهُم إِنَّ اللهَ قَد بَعَثَ لَكُم طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلكُ عَلَينَا وَنَحنُ أَحَقُّ بِالمُلكِ مِنهُ وَلم يُؤتَ سَعَةً مِنَ المَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصطَفَاهُ عَلَيكُم وَزَادَهُ بَسطَةً في العِلمِ وَالجِسمِ وَاللهُ يُؤتي مُلكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَومِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيهِم وَآتَينَاهُ مِنَ الكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالعُصبَةِ أُولي القُوَّةِ إِذ قَالَ لَهُ قَومُهُ لا تَفرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفَرِحِينَ . وَابتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا وَأَحسِنْ كَمَا أَحسَنَ اللهُ إِلَيكَ وَلا تَبغِ الفَسَادَ في الأَرضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفسِدِينَ . قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلمٍ عِندِي أَوَلم يَعلَمْ أَنَّ اللهَ قَد أَهلَكَ مِن قَبلِهِ مِنَ القُرُونِ مَن هُوَ أَشَدُّ مِنهُ قُوَّةً وَأَكثَرُ جَمعًا وَلا يُسأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المُجرِمُونَ . فَخَرَجَ عَلَى قَومِهِ في زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيتَ لَنَا مِثلَ مَا أُوتيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ وَيلَكُم ثَوَابُ اللهِ خَيرٌ لِمَن آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ . فَخَسَفنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ . وَأَصبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوا مَكَانَهُ بِالأَمسِ يَقُولُونَ وَيكَأَنَّ اللهَ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَيَقدِرُ لَولا أَن مَنَّ اللهُ عَلَينَا لَخَسَفَ بِنَا وَيكَأَنَّهُ لا يُفلِحُ الكَافِرُونَ . تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأَرضِ وَلا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ " فَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الانهِمَاكِ في جَمعِ المَالِ وَنِسيَانِ ذِكرِ اللهِ ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ خَسَارَةٌ وَوَبَالٌ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاحمَدُوهُ وَاذكُرُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ . عِبَادَ اللهِ ، إِنَّهُ لم يُمدَحْ في كِتَابِ اللهِ وَلا سُنَّةِ رَسُولِهِ غَنيٌّ لِمُجَرَّدِ غِنَاهُ ، وَلم يُذَمَّ فَقِيرٌ لِقِلَّةِ مَا عِندَهُ ، وَمَا الأَموَالُ وَلا الأَولادُ بِالَّتي تُقَرِّبُ يَومَ القِيَامَةِ عِندَ اللهِ ، وَإِنَّمَا مِيزَانُ التَّفَاضُلِ هُوَ الأَعمَالُ الصَّالِحَةُ وَتَقوَى اللهِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَمَا أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم بِالَّتي تُقَرِّبُكُم عِندَنَا زُلفَى إِلاَّ مَن آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُم جَزَاءُ الضِّعفِ بما عَمِلُوا وَهُم في الغُرُفَاتِ آمِنُونَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم " وَالغِنى وَالفَقرُ مَطِيَّتَانِ ، لا يُبَالي المُؤمِنُ أَيَّتَهُمَا رَكِبَ ، فَالغَنيُّ الشَّاكِرُ مَأجُورٌ ، وَالفَقِيرُ الصَّابِرُ مَأجُورٌ ، وَقَد كَانَ في الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ وَالسَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ مَن كَانَ غَنِيًّا ، كَإِبرَاهِيمَ وَأَيُّوبَ وَدَاوُدَ وَسُلَيمَانَ ، وَعُثمَانَ بنِ عَفَّانَ وَعَبدِالرَّحمن ِ بنِ عَوفٍ وَطَلحَةَ وَالزُّبَيرِ ، وَفِيهِم مَن كَانَ فَقِيرًا ، كَالمَسِيحِ عِيسَى ابنِ مَريمَ وَيَحيى بنِ زَكَرِيَّا ، وَعَليِّ بنِ أَبي طَالِبٍ وَأَبي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ ، وَمُصعَبِ بنِ عُمَيرٍ وَسَلمَانَ الفَارِسِيِّ ، وَفِيهِم مَنِ اجتَمَعَ لَهُ الأَمرَانِ فَاغتَنى تَارَةً وَافتَقَرَ تَارَةً أُخرَى ؛ فَأَتَى بِإِحسَانِ الأَغنِيَاءِ وَبِصَبرِ الفُقَرَاءِ ، وَمِن هَؤُلاءِ نَبِيُّنَا محمَّدٌ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَأَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاعلَمُوا أَنَّ رَبَّكُم ـ تَعَالى ـ حِينَ بَسَطَ الرِّزقَ لِبَعضِ عِبَادِهِ فَجَعَلَهُم أَغنِيَاءَ مُكثِرِينَ ، وَقَدَرَ عَلَى آخَرِينَ فَعَاشُوا فُقَرَاءَ مُقِلِّينَ ، لم يَجعَلْ ذَلِكَ لِيَتَكَبَّرَ الأَغنِيَاءُ عَلَى الفُقَرَاءِ أَو يَحقِرُوهُم أَو يَتَنَقَّصُوهُم ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ لِيَخدِمَ بَعضُهُم بَعضًا ؛ إِذْ يُنَمِّي الأَغنِيَاءُ الأَموَالَ وَيَحرُسُونَهَا وَيَحفَظُونَهَا ، ثم يُنفِقُونَ مِنهَا عَلَى الفُقَرَاءِ الَّذِينَ يَعمَلُونَ بَينَ أَيدِيهِم وَيَخدِمُونَهُم ، وَالنَّاسُ كُلُّهُم مَخلُوقُونَ في كَبَدٍ ، وَكُلٌّ مِنهُم في الحَقِيقَةِ عَامِلٌ نَاصِبٌ وَلَيسَ بِمُستَرِيحٍ ، وَلَيسَ العَامِلُونَ بِأَيدِيهِم مُقَابِلَ أَجرٍ بِأَكثَرَ تَعَبًا أَو أَشقَى مِن أَصحَابِ الأَموَالِ ، بَل كُلٌّ مِنهُم لَولا تَعَبُهُ وَعَمَلُهُ ، لَمَا نَالَ مَا يَرجُو وَلَمَا تَحَقَّقَ لَهُ أَمَلُهُ ، وَمِن ثَمَّ فَإِّنَهُ لا مَعنى لِمَا يَتَّصِفُ بِهِ بَعضُ الأَغنِيَاءِ مِنِ احتِقَارٍ لِلأُجَرَاءِ ، وَلا دَاعِيَ لِمَا يَحمِلُهُ بَعضُ الأُجَرَاءِ في المُقَابِلِ مِن حِقدٍ عَلَى الأَغنِيَاءِ ، لَكِنَّ الأَغنِيَاءَ المَخدُومِينَ وَاجِبٌ عَلَيهِم شُكرُ رَبِّهِم الَّذِي سَخَّرَ لهم مَن يَخدِمُهُم بِأَن يَتَوَاضَعُوا لَهُ وَلا يَتَكَبَّرُوا عَلَيهِ ، وَأَن يُعَجِّلُوا لَهُ أَجرَ عَمَلِهِ وَلا يَبخَسُوهُ شَيئًا مِن حَقِّهِ ، كَمَا أَنَّ العَامِلِينَ وَاجِبٌ عَلَيهِم في المُقَابِلِ أَن يَحمَدُوا اللهَ إِذْ سَخَّرَ لهم مَن يَجمَعُ لهم الأَموَالَ وَيُنَمِّيهَا وَيُنفِقُ مِنهَا عَلَيهِم مُقَابِلَ جُهدِهِم ، فَيَنصَحُوا لَهُ وَلا يَحسُدُوهُ ، وَيُوَفُّوهُ عَمَلَهُ وَلا يَجحَدُوهُ . قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَهُم يَقسِمُونَ رَحمَةَ رَبِّكَ نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم مَعِيشَتَهُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَرَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضًا سُخرِيًّا وَرَحمَةُ رَبِّكَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ " اللَّهُمَّ اجعَلْنَا ممَّن إِذَا أُعطِيَ شَكَرَ ، وَإِذَا ابتُلِيَ صَبَرَ ، وَإِذَا أَذنَبَ استَغفَرَ ، اللَّهُمَّ وَاكفِنَا بِحَلالِكَ عَن حَرَامِكَ ، وَأَغنِنَا بِفَضلِكَ عَمَّن سِوَاكَ ، اللَّهُمَّ اجعَلْ رِزقَنَا كَفَافًا وَقَنِّعْنَا بما آتَيتَنَا ، اللَّهُمَّ اغفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ، وَوَسِّعْ لَنَا في دُورِنَا ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقتَنَا . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري جزاك الله خير وبارك الله في الشيخ ونفع به |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري بين احتفاء الصحابة واحتفال المبتدعة 11 / 3 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، للهِ رَبِّ العَالمِينَ ـ سُبحَانَهُ ـ العَظَمَةُ المُطلَقَةُ ، وَلَهُ ـ تَعَالى ـ الكَمَالُ في ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفعَالِهِ ، وَمِن ثَمَّ كَانَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ هُوَ المُستَحِقَّ لِلعِبَادَةِ وَحدَهُ دُونَ سِوَاهُ ، إِخلاصًا لَهُ وَاستِسلامًا ، وَطَاعَةً لَهُ وَانقِيَادًا ، وَخُلُوصًا مِنَ الشِّركِ وَالبِدَعِ بِجَمِيعِ أَنوَاعِهَا وَأَشكَالِهَا . وَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ العِبَادُ مَدِينِينَ لأَنبِيَاءِ اللهِ وَرُسُلِهِ في مَعرِفَةِ رَبِّهِم وَالاهتِدَاءِ إِلَيهِ ، فَإِنَّ هَذَا غَيرُ مُسَوِّغٍ لأَحَدٍ مِن أُولَئِكَ العِبَادِ أَن يَتَجَاوَزَ بِأَحَدٍ مِن أَنبِيَاءِ اللهِ قَدرَهُ أَو يُنزِلَهُ في غَيرِ مَنزِلَتِهِ ، أَو يَغلُوَ فِيهِ وَيُجَاوِزَ بِهِ مَكَانَتَهُ ، أَو يَصرِفَ لَهُ شَيئًا مِن أَنوَاعِ العِبَادَةِ أَو يَجعَلَهُ للهِ نِدًّا ، مُدَّعِيًا أَنَّهُ يَفعَلُ هَذَا مِن بَابِ المَحَبَّةِ وَالتَّعظِيمِ . وَإِذَا كَانَتِ البَشَرِيَّةُ عَلَى مَرِّ عُصُورِهَا لم تَعرِفْ أَعظَمَ وَلا أَكرَمَ وَلا أَجَلَّ وَلا أَفضَلَ ، ولا أَمَنَّ عَلَى أُمَّتِهِ مِن محمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَلم يَمُرَّ بها جِيلٌ هُوَ أَتقَى للهِ وَلا أَنقَى قُلُوبًا وَأَفئِدَةً ، وَلا أَشَدَّ لِنَبِيِّهِ تَعظِيمًا وَأَكمَلَ حُبًّا ، وَلا أَعظَمَ وَفَاءً لَهُ مِنَ الصَّحَابِةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُم ـ فَإِنَّهَا لم تَعرِفْ عَن أُولَئِكَ الأَبرَارِ أَنَّهُم غَلَوا في حُبِّهِ فَوَقَعُوا فِيمَا يَكرَهُهُ ، أَو مَيَّزُوهُ بما لم يَخُصَّهُ اللهُ بِهِ ، لا وَاللهِ ، لم يُؤثَرْ عَنهُم ذَلِكَ ، لا تَهَاوُنًا بِقَدرِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أَو تَقصِيرًا في حَقِّهِ ، وَلَكِنْ لِمَا أَخَذُوهُ عَنهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَمَا تَعَلَّمُوهُ مِنهُ ، مِن أَنَّهُ كَانَ يَكرَهُ الغُلُوَّ في شَخصِهِ وَيُحَذِّرُ مِنهُ أَشَدَّ التَّحذِيرِ ، حَيثُ قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا تُطرُوني كَمَا أَطرَتِ النَّصَارَى ابنَ مَريمَ ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبدُهُ فَقُولُوا : عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ ، وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ في مَرَضِهِ الَّذِي لم يَقُمْ مِنهُ : " لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيَائِهِم مَسَاجِدَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . لَقَد نَالَ الصَّحَابَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُم ـ شَرَفَ لِقَائِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَاكتَحَلَت أَعيُنُهُم بِرُؤيَتِهِ ، وَطَابَت نُفُوسُهُم بِمُصَاحَبَتِهِ وَهَنِئُوا بِمُخَالَطَتِهِ ، وَتَشَرَّفُوا بِالجِهَادِ مَعَهُ وَالذَّبِّ عَنهُ وَحِمَايَتِهِ ، وَكَانَ لهم النَّصِيبُ الأَوفى مِن تَوقِيرِهِ وَتَعظِيمِهِ وَتَكرِيمِهِ ، حَتى كَانَ شَأنُهُم في ذَلِكَ عَظِيمًا ، فَفِي البُخَارِيِّ أَنَّهُ لَمَّا فَاوَضَ عُروَةُ بنُ مَسعُودٍ الثَّقَفِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في صُلحِ الحُدَيبِيَةِ ، ثم رَجَعَ إِلى قُرَيشٍ وَلم يَكُنْ قَد أَسلَمَ يَومَئِذٍ فَقَالَ : أَيْ قَومِ ، وَاللهِ لَقَد وَفَدتُ عَلَى المُلُوكِ وَوَفَدتُ عَلَى قَيصَرَ وَكِسرَى وَالنَّجَاشِيِّ ، وَاللهِ إِنْ رَأَيتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصحَابُ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مُحَمَّدًا ، وَاللهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلاَّ وَقَعَت في كَفِّ رَجُلٍ مِنهُمْ فَدَلَكَ بها وَجهَهُ وَجِلدَهُ ، وَإِذَا أَمَرَهُم ابتَدَرُوا أَمرَهُ ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصوَاتَهُم عِندَهُ ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيهِ النَّظَرَ تَعظِيمًا لَهُ ... هَكَذَا كَانَ فِعلُ أُولَئِكَ الأَبرَارِ إِجلالاً لِنَبِيِّهِم ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَتَعظِيمًا وَتَوقِيرًا ، ثم إَنَّهُم بَعدَ ذَلِكَ عُنُوا أَشَدَّ العِنَايَةِ بِنَقلِ سُنَّتِهِ وَحِفظِ شَرِيعَتِهِ ، وَأَفَاضُوا في ذِكرِ مَآثِرِهِ وَأَيَّامِهِ وَمَغَازِيهِ ، وَتَحَدَّثُوا عَن سِيرَتِهِ حَتى في أَدَقِّ مَوَاقِفِ حَيَاتِهِ ، وَوَصَفُوا هَديَهُ وَتَعَامُلَهُ حَتى في أَقصَى بَيتِهِ وَمَعَ زَوجَاتِهِ ، بَل وَفَصَّلُوا في كَيفِيَّةِ قِيَامِهِ وَجُلُوسِهِ ، وَذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ ، وَمَشيِهِ وَرُكُوبِهِ ، وَأَكلِهِ وَشُربِهِ ، بَل وَنَومِهِ وَقَضَائِهِ حَاجَتَهُ وَمُعَاشَرَتِهِ أَهلَهُ ، وَمَعَ هَذَا كَانُوا يَهَابُونَهُ وَيُجِلُّونَهُ ، وَيُحِسُّونَ بِالتَّقصِيرِ في حَقِّهِ في هَذَا الجَانِبِ ، وَيَحرِصُونَ عَلَى إِكرَامِهِ وَيَتَجَنَّبُون َ إِيذَاءَهُ حَتى بِأَقَلَّ أَنوَاعِ الإِيذَاءِ ، قَالَ عَمرُو بنُ العَاصِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ : " وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِليَّ مِن رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَلا أَجَلَّ في عَيني مِنهُ ، وَمَا كُنتُ أُطِيقُ أَن أَملأَ عَينيَّ مِنهُ إِجلالاً لَهُ ، وَلَو سُئِلتُ أَن أَصِفَهُ مَا أَطَقتُ لأَني لم أَكُنْ أَملأُ عَينيَّ مِنهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ ، وَقَالَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ : " إِنَّ أَبوَابَ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَت تُقرَعُ بِالأَظَافِيرِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ في الأَدَبِ المُفرَدِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . هَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ في تَعظِيمِهِم لِنَبِيِّهِم ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَمَحَبَّتِهِم لَهُ وَتَقدِيرِهِ وَإِجلالِهِ ، وَمَعَ هَذَا فَلَم يُؤثَرْ عَنهُم أَنَّهَم غَلَوا فِيهِ بِإِقَامَةِ حَفلٍ لِمَولِدِهِ ، أَوِ اتَّخَذُوا قَبرَهُ عِيدًا ، فَمَا أَحرَى الأُمَّةَ اليَومَ أَن تَسِيرَ عَلَى هَديِ أُولَئِكَ الأَبرَارِ ، وَأَن تَحذَرَ مَا تَفعَلُهُ بَعضُ الطَّوَائِفِ الضَّالَّةِ المُنحَرِفَةِ ، مِنَ الصُّوفِيَّةِ أَوِ الرَّافِضَةِ ، الَّذِين جَعَلُوا دِينَهُم مُجَرَّدَ احتِفَالاتٍ وَرَقصٍ وَطَرَبٍ وَغِنَاءٍ ، بَل وَشُربَ خُمُورٍ وَاحتِسَاءً لِمَا حَرَّمَهُ اللهُ ، وَهِيَ الأُمُورُ المُنكَرَةُ الَّتي وَإِنْ كُنَّا في مَعزِلٍ عَنهَا في مُعظَمِ أَجزَاءِ بِلادِنَا وَللهِ الحَمدُ ، إِلاَّ أَنَّها قَد تَمُرُّ عَلَى نَوَاظِرِ بَعضِنَا في هَذِهِ القَنَوَاتِ الفَاسِدَةِ المُفسِدَةِ ، الَّتي جَعَلَت تَنقُلُ مَا يَحصُلُ في أَجزَاءٍ مِنَ العَالمِ الإِسلامِيِّ مِن بِدَعٍ وَمُحدَثَاتٍ ، وَقَد تُهَنِّئُ الأُمَّةَ بما تُسَمِّيهِ بِعِيدِ المَولِدِ ، غَافِلَةً أَو مُتَغَافِلَةً عَن أَنَّ تَعظِيمَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لا يَكُونُ إِلاَّ بِتَحقِيقِ شَهَادَةِ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ ، وَهُوَ مَا لا يَكُونُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ ، وَتَصدِيقِهِ فِيمَا أَخبَرَ ، وَاجتِنَابِ مَا عَنهُ نَهَى وَزَجَرَ ، وَأَلاَّ يُعبَدَ اللهُ إِلاَّ بما شَرَعَ ، هَذَا هُوَ كَمَالُ التَّعظِيمِ ، وَتِلكَ هِيَ غَايَةُ التَّوقِيرِ وَالتَّكرِيمِ ، أَمَّا مَا تَتَولاَّهُ تِلكَ القَنَوَاتُ الضَّالَّةُ المُضِلَّةُ مِنِ استِضَافَةٍ لِلمُشَكِّكِينَ في أَخبَارِهِ المُستَنكِفِينَ عَن طَاعَتِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ ، وَنَشرٍ لأَقوَالِهِم المُنحَرِفَةِ أَو نَقلٍ لأَفعَالِهِمُ القَبِيحَةِ ، أَو بَثٍّ لِمَا يَرتَكِبُونَهُ مِن مُخَالَفَاتٍ أَوِ الدِّعَايَةِ لِمَا يَأتُونَهُ مِن مُبتَدَعَاتٍ ، فَإِنَّمَا كُلُّ ذَلِكَ تَقَدُّمٌ عَلَيهِ وَافتِياتٌ عَلَى هَديِهِ وَسُنَّتِهِ ، فَمَا أَشَدَّ جُرمَهُم وَأَعظَمَ جَهلَهُم !! وَمَا أَحرَاهُم بِحُبُوطِ أَعمَالِهِم !! أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَينَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرفَعُوا أَصوَاتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبيِّ وَلا تَجهَرُوا لَهُ بِالقَولِ كَجَهرِ بَعضِكُم لِبَعضٍ أَن تَحبَطَ أَعمَالُكُم وَأَنتُم لا تَشعُرُونَ . إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصوَاتَهُم عِندَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُم لِلتَّقوَى لَهُم مَغفِرَةٌ وَأَجرٌ عَظِيمٌ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ . وَاعلَمُوا أَنَّ مَحَبَّةَ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حَقٌّ مِن أَعظَمِ حُقُوقِهِ الوَاجِبَةِ عَلَينَا تِجَاهَهُ ، عَلَى هَذَا دَلَّ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُم وَأَبنَاؤُكُم وَإِخوَانُكُم وَأَزوَاجُكُم وَعَشِيرَتُكُم وَأَموَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ في سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأتيَ اللهُ بِأَمرِهِ وَاللهُ لاَ يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ " وَثَبَتَ في البُخَارِيِّ مِن حَدِيثِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَا رَسُولَ اللهِ ، لأَنتَ أَحَبُّ إِليَّ مِن كُلِّ شَيءٍ إِلاَّ مِن نَفسِي . فَقَالَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ حَتى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيكَ مِن نَفسِكَ " فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : فَإِنَّهُ الآنَ وَاللهِ لأَنتَ أَحَبُّ إِليَّ مِن نَفسِي . فَقَالَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " الآنَ يَا عُمَرُ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِن وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَإِنَّ لِحُبِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ دَلِيلاً يَتَبَيَّنُ بِهِ وَبُرهَانًا يَدُلُّ عَلَيهِ ، ذَلِكُم هُوَ تَعظِيمُ مَا جَاءَ بِهِ وَاتِّبَاعُهُ ، وَالتِزَامُهُ قَلبًا وَقَالَبًا ، وَالاستِقَامَةُ عَلَيهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، وَتَحكِيمُ أَقوَالِهِ وَأَفعَالِهِ في كُلِّ شُؤُونِ الحَيَاةِ الخَاصَّةِ وَالعَامَّةِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا ، وَالثَّبَاتُ عَلَى هَديِهِ حَتى المَمَاتِ ، وَالسَّيرُ عَلَى طَرِيقِهِ دُونَ التِفَاتٍ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قُلْ إِن كُنتُم تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحبِبْكُمُ اللهُ وَيَغفِرْ لَكُم ذُنُوبَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ " وَأَمَّا الاشتِغَالُ بِالمَظَاهِرِ الجَوفَاءِ وَإِقَامَةُ الاحتِفَالاتِ ، وَشَغلُ النَّاسِ بِذَلِكَ سَاعَاتٍ أَو لَيَاليَ وَأَيَّامًا مَعدُودَاتٍ ، ثم الانغِمَاسُ في التَّقصِيرِ وَالإِهمَالِ في سَائِرِ العَامِ ، فَإِنَّمَا كُلُّ ذَلِكَ مُشَابَهَةٌ لأَعدَاءِ اللهِ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالرَّافِضَةِ ، المَفتُونِينَ بِالاحتِفَالاتِ وَإِقَامَةِ المَوالِدِ وَبَسطِ المَوَائِدِ ، لا مَحَبَّةً لِلرَّسُولِ ، وَلَكِنِ اتَّبَاعًا لِشَهَوَاتِهِم ، وَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " ويَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وبِالرَّسُولِ وأَطَعنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنهُم مِن بَعدِ ذَلِكَ ومَا أُولَئِكَ بِالمُؤمِنِينَ " فَاللَّهُمَّ اجعَلْنَا مِنَ المُعَظِّمِينَ لِرَسُولِنَا حَقَّ التَّعظِيمِ ، المُتَّبِعِينَ لِشَرعِهِ القَوِيمِ ، المُكثِرِينَ مِنَ الصَّلاةِ عَلَيهِ وَالتَّسلِيمِ ، المُرَافِقِينَ لَهُ في جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، اللَّهُمَّ أَحيِنَا عَلَى سُنَّتِهِ ، وَأَمِتْنَا عَلَى طَرِيقَتِهِ ، وَلا تَحرِمْنَا مِن رُؤيَتِهِ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري إنكم إذًا مثلهم 18 / 3 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " عِبَادَ اللهِ ، يَقُولُ رَبُّكُم ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ : " وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم في الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعتُم آيَاتِ اللهِ يُكفَرُ بها وَيُستَهزَأُ بها فَلا تَقعُدُوا مَعَهُم حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيرِهِ إِنَّكُم إِذًا مِثلُهُم إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ في جَهَنَّمَ جَمِيعًا " قَالَ الإِمَامُ الطَّبَرِيُّ في تَفسِيرِهِ : وَفي هَذِهِ الآيَةِ الدِّلالَةُ الوَاضِحَةُ عَلَى النَّهيِ عَن مُجَالَسَةِ أَهلِ البَاطِلِ مِن كُلِّ نَوعٍ مِنَ المُبتَدِعَةِ وَالفَسَقَةِ عِندَ خَوضِهِم في بَاطِلِهِم . وَقَالَ القُرطُبيُّ في تَفسِيرِهِ : فَدَلَّ بِهَذَا عَلَى وُجُوبِ اجتِنَابِ أَصحَابِ المَعَاصِي إِذَا ظَهَرَ مِنهُم مُنكَرٌ ؛ لأَنَّ مَن لم يَجتَنِبْهُم فَقَد رَضِيَ فِعلَهُم ، وَالرِّضَا بِالكُفرِ كُفرٌ ، فَكُلُّ مَن جَلَسَ في مَجلِسِ مَعصِيَةٍ وَلم يُنكِرْ عَلَيهِم يَكُونُ مَعَهُم في الوِزرِ سَوَاءً ، وَيَنبَغِي أَن يُنكِرَ عَلَيهِم إِذَا تَكَلَّمُوا بِالمَعصِيَةِ وَعَمِلُوا بها ؛ فَإِنْ لم يَقدِرْ عَلَى النَّكِيرِ عَلَيهِم فَيَنبَغِي أَن يَقُومَ عَنهُم حَتى لا يَكُونَ مِن أَهلِ هَذِهِ الآيَةِ . أُمَّةَ الإِسلامِ ، إِنَّ مَعنى الآيَةِ ظَاهِرٌ وَمُقتَضَاهَا وَاضِحٌ ، وَقَدِ استَدَلَّ العُلَمَاءُ بِهَا عَلَى أَنَّ الرَّاضِيَ بِالذَّنبِ كَفَاعِلِهِ ، حَتى يُحدِثَ مَا يُبَيِّنُ كَرَاهِيَتَهُ لَهُ وَيُنكِرَهُ بما يَقدِرُ عَلَيهِ مِن دَرَجَاتِ الإِنكَارِ ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الادِّعَاءِ أَنَّهُ يَكرَهُ ذَلِكَ بِقَلبِهِ وَهُو مُشَارِكٌ لأَهلِهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لا يُعفِيهِ مِن مُشَارَكَتِهِم في الوِزرِ وَالذَّنبِ ، وَلا يَرفَعُ عَنهُ العَذَابَ لَو وَقَعَ وَنَزَلَ . قَد يَظُنُّ بَعضُ النَّاسِ أَنَّ الاستِهزَاءَ بِآيَاتِ اللهِ مَقصُورٌ عَلَى اللِّسَانِ ، وَأَنَّ المُستَهزِئَ هُوَ مَن يَنطِقُ بِذَلِكَ بِلِسَانِهِ وَيُقذِعُ في السَّبِّ أَوِ الاستِهزَاءِ ، دُونَ مَن يُخَالِفُ حُكمَ اللهِ وَرَسُولِهِ في مَجَامِعِ النَّاسِ المَشهُودَةِ وَمُنتَدَيَاتِه ِمُ المَقصُودَةِ ، بِأَن يُمَارِسَ فِيهَا المَعصِيَةَ جِهَارًا دُونَ حَيَاءٍ وَلا خَوفٍ وَلا وَجَلٍ، وَالحَقُّ أَنَّ مَن أَصَرَّ عَلَى مَعصِيَتِهِ في العَلَنِ ، وَجَاهَرَ بِالمُنكَرِ دُونَ حَيَاءٍ وَلا اتَّبَاعٍ لِلنَّاصِحِينَ ، فَإِنَّ جُرمَهُ لَيسَ دُونَ جُرمِ مَن مَارَسَ الاستِهزَاءَ بِلِسَانِهِ أَو قَلَمِهِ ، فَكُلٌّ مِنهُم غَيرُ مُعَظِّمٍ لِلنُّصُوصِ الَّتي جَاءَت مِن عِندِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَلا مُقَدِّرٍ لها ، وَلا مُنقَادٍ لأَمرِهِ ـ سُبحَانَهُ ـ وَلا مُجتَنِبٍ لِنَهيِهِ ، وَمِن ثَمَّ كَانَ الحُكمُ فِيهِم وَاحِدًا ، وَهُوَ وُجُوبُ إِنكَارِ المُؤمِنِ لِمَا يَأتُونَهُ بِيَدِهِ إِن كَانَ مِن أَهلِ السَّلطُةِ وَالقُدرَةِ ، أَو بِلِسَانِهِ إِن كَانَ مِن أَهلِ العِلمِ أَوِ الفَصَاحَةِ ، أَو بِقَلبِهِ إِن كَانَ دُونَ ذَلِكَ . وَإِنَّ المُتَأَمِّلَ في حَيَاةِ النَّاسِ اليَومَ وَالمُعَايَشَ لِوَاقِعِهِم ، يَلمَسُ مِنهُم في هَذَا الأَمرِ العَظِيمِ بُرُودَةً بَالِغَةً وَتَهَاوُنًا ظَاهِرًا ، يُخشَى عَلَيهِم بِسَبَبِهِ مِن أَن يَحِلَّ بهم عَذَابُ اللهِ كَمَا حَلَّ بِمَن قَبلَهُم ، أَو أَن تَمُوتَ قُلُوبُهُم فَلا يُجَابَ دُعَاؤُهُم ، وَهُوَ مَا حَصَلَ وَيَحصُلُ مِن عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ لِمُجتَمَعَاتٍ طَالَ بِأَهلِهَا المُكُوثُ عَلَى المُنكَرِ أَوِ السُّكنى حَولَ أَمَاكِنِهِ ، وَشُهُودُ المُستَهزِئِينَ يَعِيشُونَ بَينَهُم وَيَغدُونَ وَيَرُوحُونُ ، بَل وَمُشَارَكَتُهُ م في بَاطِلِهِم وَالرِّضَا بما هُم عَلَيهِ مِنِ انتِقَاصٍ لِشَرعِ اللهِ وَانتِهَاكٍ لِحُرُمَاتِهِ ، فَمَاذَا جَنَت تِلكَ المُجتَمَعَاتُ ؟ إِنَّهَا لم تَجنِ إِلاَّ حُلُولَ الجُوعِ وَالخَوفِ وَالمَسكَنَةِ ، وَانتِشَارَ الفَقرِ وَالذِّلَّةِ وَالعَيلَةِ ، وَتَزَايُدَ الظُّلمِ مِنَ الوُلاةِ الطُّغَاةِ ، وَتَكَرُّرَ التَّجَاوُزِ مِن أَعوَانِهِمُ العُتَاةِ ، وَهَضمَ الحُقُوقِ وَالاستِضعَافَ وَالاستِعبَادَ ، وَالمَنعَ مِن إِظهَارِ شَرَائِعِ الدِّينِ وَالعِبَادَاتِ ، وَمَن سَلِمَ مِن هَذَا لم يَسلَمْ مِنَ الغَلاءِ وَقِلَّةِ البَرَكَةِ وَغَورِ الآبَارِ وَقِلَّةِ الأَمطَارِ ، وَتَنَافُرِ القُلُوبِ وَضِيقِ الصُّدُورِ ، وَكَثرَةِ المُشكِلاتِ وَالمُنَغِّصَات ِ ، وَعَدَمِ الإِحسَاسِ بِالرَّاحَةِ وَالاطمِئنَانِ ، مَعَ مَا يَكتَنِفُهُم مِنَ النِّعَمِ وَمَا يُحِيطُ بهم مِنَ الخَيرَاتِ . إِنَّهَا سُنَّةُ اللهِ في الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَني إِسرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذَلِكَ بما عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ . كَانُوا لا يَتَنَاهَونَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ . تَرَى كَثِيرًا مِنهُم يَتَوَلَّونَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئسَ مَا قَدَّمَت لَهُم أَنفُسُهُم أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيهِم وَفي العَذَابِ هُم خَالِدُونَ . وَلَو كَانُوا يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِ مَا اتَّخَذُوهُم أَولِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنهُم فَاسِقُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ كَثِيرِينَ يَعتَذِرُونَ بِأَنَّهُم لا يَستَطِيعُونَ تَغيِيرَ الوَاقِعِ وَلا صَدَّ مَا حَولَهُم مِن مُنكَرَاتٍ ، لأَنَّهُم لَيسُوا مِن أَهلِ السُّلطَةِ وَلا مِن أَربَابِ العِلمِ ، وَهَذَا صَحِيحٌ في أَحوَالٍ وَغَيرُ صَحِيحٍ في أَحوَالٍ أُخرَى ، وَالمَرجِعُ في ذَلِكَ لأَهلِ العِلمِ ، الَّذِينَ يَجِبُ عَلَى الأُمَّةِ الرُّجُوعُ إِلَيهِم في كُلِّ مَا يَخفَى عَلَيهَا مِن أَحكَامِ دِينِهَا أَو يُشكِلُ عَلَيهَا فَهمُهُ ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ ثَمَّةَ أُمُورًا مِنَ الإِنكَارِ لا عُذرَ لأَحَدٍ في تَركِهَا أَو أَن يَتَهَاوَنَ في تَطبِيقِهَا ، إِذْ كُلُّهَا دَاخِلٌ في الإِنكَارِ بِالقَلبِ الَّذِي لا عُذرَ لأَحَدٍ في عَدَمِ الإِتيَانِ بِهِ مَعَ عِلمِهِ وَقِيَامِ الحُجَّةِ عَلَيهِ ، فَهَذِهِ المَهرَجَانَاتُ الَّتي تُقَامُ كُلَّ عَامٍ ، يَحضُرُهَا المُستَهزِئُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَيُقِيمُ بَرَامِجَهَا المُخَالِفُونَ لِشَرعِهِ المُعلِنُونَ لِلمُنكَرَاتِ بِلا خَوفٍ وَلا حَيَاءٍ ، وَيُجَاهَرُ فِيهَا بِالمَعَاصِي بِتَبَجُّحٍ وَإِصرَارٍ ، وَتِلكَ المُنتَدَيَاتُ وَالنَّوَادِي الَّتي تُسَمَّى ثَقَافِيَةً أَو أَدَبِيَّةً ، وَمَا هِيَ بِثَقَافِيَّةٍ وَلا أَدَبِيَّةٍ ، وَتِلكَ الجَرَائِدُ وَالصُّحُفُ وَالقَنَوَاتُ المُوَجَّهَةُ الخَبِيثَةُ ، الَّتي يَكتُبُ فِيهَا وَيَتَكَلَّمُ الرُّوَيبِضَةُ التَّافِهُ السَّاقِطُ ، فَيُشَرِّقُ في الاستِهزَاءِ وَيُغَرِّبُ ، وَيَنقُضُ الأَحكَامَ عَن جَهلٍ وَغَلَبَةِ شَهوَةٍ وَهَوًى ، أَمَا يَستَطِيعُ المُسلِمُونَ أَن يُنكِرُوهَا بِقُلُوبِهِم إِنكَارًا عَمَلِيًّا فَلا يَشهَدُوهَا وَلا يَحضُرُوهَا ، بَل وَيَنبُذُوهَا فَلا يَقرَبُوهَا ؟! أَمَا يَملِكُونَ الشَّجَاعَةَ فَيُخرِجُوا قَنَوَاتِ الفَسَادِ مِن بُيُوتِهِم وَيَهجُرُوهَا طَاعَةً للهِ وَرَسُولِهِ وَغَيرَةً عَلَى المَحَارِمِ؟! أَمَا عِندَهُم مِنَ العَزمِ مَا يُمسِكُ بِأَيدِيهِم عَن دَفعِ مَا رَزَقَهُمُ اللهُ مِن أَموَالٍ في دَعمِ جَرَائِدِ البَاطِلِ وَصُحُفِ الفَسَادِ الَّتي يَشتَرِكُونَ فِيهَا أَو يَشتَرُونَهَا يَومًا وَرَاءَ آخَرَ وَيَتَصَفَّحُون َهَا؟! عَبدَ اللهِ ، يَا مَن تَقرَأُ في الجَرَائِدِ الاستِهزَاءَ بِآيَاتِ اللهِ ، وَتُطَالِعُ فِيهَا السُّخرِيَةَ بِالآمِرِينَ بِالمَعرُوفِ وِالنَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ ، وَلا يَمُرُّ بِكَ يَومٌ إِلاَّ وَتَجِدُ عَلَى صَفَحَاتِهَا الحَطَّ مِن قَدرِ الحِسبَةِ وَأَهلِهَا وَمُحَارَبَةَ القَائِمِينَ عَلَيهَا ، وَنَشرَ صُوَرِ تَغرِيبِ المَرأَةِ وَدَعمَ مَشرُوعَاتِهِ ، عَبدَ اللهِ ، يَا مَن تُشَاهِدُ في القَنَوَاتِ البَرَامِجَ الَّتي يُدعَى فِيهَا لِلسُّفُورِ وَالاختِلاط ِ، وَتَظهَرُ فِيهَا النِّسَاءُ السَّافِرَاتُ المَائِلاتُ المُمِيلاتُ ، وَتُضرَبُ فِيهَا نُصُوصُ الشَّرعِ بَعضُهَا بِبَعضٍ وَيُفتى بِخِلافِ مَا أَنزَلَ اللهُ ، عَبدَ اللهِ ، يَا مَن قَد تُسَارِعُ لِحُضُورِ مَهرَجَانَاتِ البَاطِلِ الَّتي ظَهَرَ عَفَنُهَا وَفَاحَ نَتَنُهَا ، وَعُصِيَ اللهُ فِيهَا وَحُورِبَ شَرعُهُ ، أُمَّةَ الإِسلامِ جَمِيعًا ، يَا أَحبَابَ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللهِ ، يَا مَن تَرجُونَ أَن تَشرَبُوا مِن حَوضِهِ وَتَنَالُوا شَفَاعَتَهُ ، أَلم تَسمَعُوا مَا قَالَهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَيثُ قَامَ خَطِيبًا بِمَوعِظَةٍ فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُم تُحشَرُونَ إِلى اللهِ حُفَاةً عُرَاًة غُرلاً ، كَمَا بَدَأنَا أَوَّلَ خَلقٍ نُعِيدُهُ وَعدًا عَلَينَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ، أَلا وَإِنَّ أَوَّلَ الخَلائِقِ يُكسَى يَومَ القِيَامَةِ إِبرَاهِيمُ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ أَلا وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِن أُمَّتي فَيُؤخَذُ بهم ذَاتَ الشِّمَالِ ، فَأَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَصحَابي . فَيُقَالُ : إِنَّكَ لا تَدرِي مَا أَحدَثُوا بَعدَكَ . فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبدُ الصَّالحُ : وَكُنتُ عَلَيهِم شَهِيدًا مَا دُمتُ فِيهِم فَلَمَّا تَوَفَّيتَني كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيهِم وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُم فَإِنَّهُم عِبَادُكَ وَإِنْ تَغفِرْ لهم فَإِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ . قَالَ : فَيُقَالُ لي : إِنَّهُم لم يَزَالُوا مُرتَدِّينَ عَلَى أَعقَابِهِم مُنذُ فَارَقتَهُم . رَوَاهُ مُسلِمٌ . فَيَا أُمَّةَ الإِسلامِ ، مَنِ الَّذِي أَلجَأَكُم إِلى إِدخَالِ قَنَوَاتِ الشَّرِّ في بُيُوتِكُم وَرَفعِ صُحُونِ استِقبَالِهَا عَلَى سُطُوحِكُم ؟! مَنِ الَّذِي أَرغَمَكُم عَلَى شِرَاءِ جَرَائِدِ البَاطِلِ أَوِ الاشتِرَاكِ في الصُّحُفِ الضَّالَّةِ المُضِلَّةِ؟! مَنِ الَّذِي دَفَعَكُم إِلى حُضُورِ مَهرَجَانَاتِ البَاطِلِ بِلا رِضًا مِنكُم؟! أَلا تَستَطِيعُونَ أَن تُعرِضُوا عَنِ البَاطِلِ وَأَهلِهِ حَتى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيرِهِ ؟! إِنَّكُم ـ وَاللهِ ـ تَستَطِيعُونَ ، وَوَاللهِ لَولا دَعمُ بَعضِكُم لأَصحَابِ المُنكَرِ بِرِضَاهُم بِهِ وَسُكُوتِهِم عَن أَهلِهِ ، وَمُشَارَكَتِهِ م في تَلَقِّي مَا يَبُثُّونَهُ مِن تُرَّهَاتٍ وَيَنشُرُونَهُ مِن خُزُعبُلاتٍ ، لَولا ذَلِكَ ، لَمَا تَجَرَّأَ أَهلُ البَاطِلِ عَلَى بَاطِلِهِم ، وَلَكِنَّ الانسِيَاقَ وَرَاءَ أَصحَابِ الشَّهَوَاتِ ، وَسَمَاعَ خَبِيثِ قَولِهِم ، والاستِجَابَةَ لِمَاكِرِ دَعَوَاتِهِم ، وَتَشَرُّبَ مَا يَسُنُّونَهُ مِن أَنظِمَةٍ خَبِيثَةٍ تُضَادُّ الدِّينَ وَتُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ ، إِنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي قَوَّى شَوكَتَهُم وَرَوَّجَ لِبَاطِلِهِم ، فَرَضِيَ اللهُ عَن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ حَيثُ قَالَ : يُعجِبُني الرَّجُلُ إِذَا سِيمَ خُطَّةَ خَسفٍ أَن يَقُولَ بِمِلءِ فِيهِ : لا . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَقُولُوا بِأَلسِنَتِكُم وَقُلُوبِكُم وَجَوَارِحِكُم : لا وَأَلفُ لا لِمَن يَستَهزِئُ بِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ ، لا وَأَلفُ لا لِمَن يَتَجَرَّأُ عَلَى الدِّينِ وَيَهتِكُ الحُرُمَاتِ ، لا وَأَلفُ لا لِمَن يُجَاهِرُ بِالمَعَاصِي وَالمُنكَرَاتِ ، لا وَأَلفُ لا لِمَن يَدعُونَا لِتَغيِيرِ مَا بِأَنفُسِنَا مِنَ الحَقِّ وَيُحَاوِلُ إِلزَامَنَا بِاتِّبَاعِ البَاطِلِ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ الثَّبَاتَ في الأَمرِ وَالعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشدِ ، وَنَسأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغفِرَتِكَ ، وَنَسأَلُكَ شُكرَ نِعمَتِكَ وَحُسنَ عِبَادَتِكَ ، وَنَسأَلُكَ قُلُوبًا سَلِيمَةً وَأَلسِنَةً صَادِقَةً ، وَنَسأَلُكَ مِن خَيرِ مَا تَعلَمُ وَنَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا تَعلَمُ ، وَنَستَغفِرُكَ لِمَا تَعلَمُ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ . الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ . عِبَادَ اللهِ ، لا يَشُكُّ مَن لَهُ أَدنى عِلمٍ أَنَّ الاستِهزَاءَ بِاللهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، أَو بِرَسُولِهِ النَّبيِّ الصَّادِقِ الأَمِينِ ، أَو بِكَلامِ اللهِ أَو كَلامِ رَسُولِهِ ، لا يَشُكُّ أَحَدٌ وَلا يُنَازِعُ أَنَّهُ كُفرٌ صَرِيحٌ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَلَئِن سَأَلتَهُم لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُم تَستَهزِئُونَ . لا تَعتَذِرُوا قَد كَفَرتُم بَعدَ إِيمَانِكُم " أَلا وَإِنَّ في الجَرَائِدِ اليَومَ استِهزَاءً بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتَنَقُّصًا لِلشَّرِيعَةِ وَمُهَاجَمَةً لِلقَائِمِينَ عَلَيهَا ، وَتَنَدُّرًا بِالدُّعَاةِ وَالمُحتَسِبِين َ ، وَمُحَارَبَةً لِلآمِرِينَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ ، وَإِنَّ في المَهرَجَانَاتِ المُغَلَّفَةِ بِغِلافِ الوَطَنِيَّةِ ، وَمَا يُسَمَّى بِالمُنتَدَيَات ِ الثَّقَافِيَّةِ لِمِثلَ ذَلِكَ ، وَإِنَّنَا لَنَبرَأُ إِلى اللهِ مِن كُلِّ مَا يُغضِبُهُ ، وَنُشهِدُهُ عَلَى بُغضِ المُنكَرَاتِ وَبُغضِ مَن نَظَّمَهَا أَو مَدَحَهَا أَو حَثَّ عَلَى حُضُورِهَا ، أَو حَضَرَهَا وَشَهِدَهَا وَشَارَكَ فِيهَا وَلم يُنكِرْهَا ، نَبرَأُ إِلى اللهِ مِن كُلِّ مَا يُخَالِفُ شَرعَهُ ، وَنَبرَأُ إِلَيهِ مِن كُلِّ مَن يُجَاهِرُ بِذَلِكَ وَيُعرِضُ عَنِ النَّاصِحِينَ ، وَنُشهِدُهُ أَنَّنَا قَد أَنكَرنَا بِقُلُوبِنَا وَأَلسِنَتِنَا وَحَذَّرنَا عَلَى قَدرِ استِطَاعَتِنَا مِن دَعمِ الجَرَائِدِ أَوِ القَنَوَاتِ ، أَو حُضُورِ المَهرَجَانَاتِ وَطَنِيَّةً أَو ثَقَافِيَّةً مَا دَامَت تَفتَحُ صَفَحَاتِهَا وَأَبوَابَهَا لِلاستِهزَاءِ بِآيَاتِ اللهِ وَكَلامِ رَسُولِهِ ، وَتَستَضِيفُ المُخَالِفِينَ لأَمرِهِمَا وَنَهيِهِمَا ، اللَّهُمَّ فَاشهَدْ ، فَإِنَّا إِلَيكَ رَاجِعُونَ ، وَبِلِقَائِكَ مُؤمِنُونَ ، وَلأَمرِكَ مُمتَثِلُونَ وَلِنَهيِكَ مُجتَنِبُونَ " وَسَيَعلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ " |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري الله مولانا ولا مولى لكم 25 / 3 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " قُلْ لا يَستَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَو أَعجَبَكَ كَثرَةُ الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولي الأَلبَابِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ ، أَشرَفَ أَبُو سُفيَانَ عَلَى المُسلِمِينَ فَقَالَ : أَفي القَومِ مُحَمَّدٌ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا تُجِيبُوهُ " ثُمَّ قَالَ : أَفي القَومِ ابنُ أَبي قُحافَةَ ـ ثَلاثًا ـ قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا تُجِيبُوهُ " ثُمَّ قَالَ : أَفي القَومِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا تُجِيبُوهُ " فَالتَفَتَ إِلى أَصحَابِهِ فَقَالَ : أَمَّا هَؤُلاءِ فَقَد قُتِلُوا ، لَو كَانُوا أَحيَاءً لأَجَابُوا ، فَلَم يَملِكْ عُمَرُ نَفسَهُ أَنْ قَالَ : كَذَبتَ يَا عَدُوَّ اللهِ ، قَد أَبقَى اللهُ لَكَ مَا يُخزِيكَ ، فَقَالَ : اُعْلُ هُبَلٌ ! اُعْلُ هُبَلٌ ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ :" أَجِيبُوهُ " فَقَالُوا : مَا نَقُولُ ؟ قَالَ :" قُولُوا : اللهُ أَعلَى وَأَجَلُّ " فَقَالَ أَبُو سُفيَانَ : أَلا لَنَا العُزَّى وَلا عُزَّى لَكُم . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَجِيبُوهُ " قَالُوا : مَا نَقُولُ ؟ قَالَ : " قُولُوا : اللهُ مَولانَا وَلا مَولى لَكُم " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وفي رِوَايَةٍ لابنِ إِسحَاقَ وَصَحَّحَهَا الأَلبَانيُّ أَنَّ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ لأَبي سُفيَانَ : لا سَوَاءٌ ، قَتلانَا في الجَنَّةِ وَقَتلاكُم في النَّارِ . عِبَادَ اللهِ ، إِنَّ عَالَمَ الكُفرِ وَالإِلحَادِ اليَومَ ، الَّذِي انتَفَشَ وَمَا زَالَ يَتبَختَرُ بَعدَ أَن أَوقَعَ بِالمُسلِمِينَ في عَدَدٍ مِن بِلادِهِم في عُقُودٍ مَضَت ، إِنَّهُ بما بَلَغَهُ مِن تَقَدُّمٍ مَادِيٍّ وَعُلُوٍّ دُنيَوِيٍّ ، وَبما وَصَلَ إِلَيهِ مِن تَفَوُّقٍ عَسكَرِيٍّ في هَذِهِ الفَترَةِ العَصِيبَةِ ، يَظُنُّ أَنَّهُ قَد قَضَى عَلَى كُلِّ غَيرَةٍ وَعِزَّةٍ وَحَمِيَّةٍ في المُسلِمِينَ ، وَأَنَّ الجَوَّ قَد خَلا لَهُ لِيَئِدَ مَا تَبَقَّى في قُلُوبِهِم وَيُغَيِّرَ دِينَهُم وَيُسقِطَ قِيَمَهُم وَيُفسِدَ أَخلاقَهُم ، لَكِنَّ المُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَنظُرُونَ بِنُورِ اللهِ وَهُم مِنهُ عَلَى ثِقَةٍ ، يَنظُرُونَ لِلأُمُورِ بِمِنظَارِ مُختَلِفٍ وَيَزِنُونَهَا بِمِيزَانٍ مُغَايِرٍ ، إِذْ يَعلَمُونَ عِلمَ يَقِينٍ لا مِريَةَ فِيهِ أَنَّ نِهَايَةَ الظُّلمِ مُؤَكَّدَةٌ ، وَأَنَّ هَلاكَ الظَّالِمِينَ حَاصِلٌ لا شَكَّ فِيهِ ، وَأَنَّ نَصرَ اللهِ لأَولِيَائِهِ كَائِنٌ لا مَحَالَةَ ، وَأَنَّ جَزَاءَ المُجَاهِدِينَ في سَبِيلِهِ مَحفُوظٌ لَدَيهِ ، وَلَكِنَّهَا حِكَمٌ إِلَهِيَّةٌ بَالِغَةٌ ، وَأَقدَارٌ رَبَّانِيَّةٌ مُحكَمَةٌ ، وَسُنَنٌ كَونِيَّةٌ جَارِيَةٌ ، لا تَتَغَيَّرُ وَلا تَتَبَدَّلُ . وَلَو كَانَتِ الدُّنيَا هِيَ النِّهَايَةَ وَخَاتِمَةَ الأَمرِ ، لَكَانَ مَا وَقَعَ وَيَقَعُ لِلمُسلِمِينَ مِنِ اضطِهَادٍ مِنَ الأَعدَاءِ وَاستِضعَافٍ غَايَةً في تَخَلِّي اللهِ عَن أَولِيَائِهِ ، وَلَكِنَّهَا ابتِلاءَاتٌ لِمَا في الصُّدُورِ وَاختِبَارٌ لِلإِيمَانٍ ، وَتَمحِيصٌ لِمَا في القُلُوبِ وَتَميِيزٌ لِلخَبِيثِ مِنَ الطَّيِّبِ ، لِيَتَمَحَّضَ لِلجَنَّةِ عِبَادٌ مَحَضُوا اللهَ قُلُوبَهُم ، وَلِيَتَخَلَّصَ مِن أَوضَارِ الدُّنيَا قَومٌ أَخلَصُوا لَهُ في قَصدِهِم ، وَلِيُصطَفَى لِلشَّهَادَةِ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ ، وَلِيَبرُزَ لِلعَارِ وَالنَّارِ وَبِئسَ القَرَارُ قَومٌ عَلِمَ اللهُ مِنهُم سُوءَ النِّيَّةِ وَخُبثَ الطَّوِيَّةِ ، فَأَرَادَ العَزِيزُ الحَكِيمُ لهم أَن يُخرِجُوا كُلَّ أَضغَانِهِم وَيُمسِكُوا جَمِيعَ إِحسَانِهِم ، وَأَن يُفتَضَحُوا حَتى لا يَلتَبِسَ عَلَى أَحَدٍ أَمرُهُم ، وَحتى لا يُشَكَّ في عَدَاوَتِهِم وَفَسَادِ مَا هُم عَلَيهِ . عِبَادَ اللهِ ، قَبلَ ثَلاثِينَ عَامًا ، وَفي أَرضِ الشَّامِ ، وَتَحدِيدًا في مَدِينَةِ حَمَاةٍ في سُورِيَّةَ ، عَانى المُسلِمُونَ الأَمَرَّينِ عَلَى يَدِ الجَيشِ النُّصَيرِيِّ الظَّالمِ الغَاشِمِ ، وَقُتِلَ في تِلكَ المَدِينَةِ وَحدَهَا أَكثَرُ مِن ثَلاثِينَ أَلفًا مِن أَهلِ السُّنَّةِ ، لم يَعلَم بهم آنَذَاكَ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنَ المُطَّلِعِينَ وَالمُهتَمِّينَ بِأَمرِ إِخوَانِهِمُ المُسلِمِينَ ، لم يُدعَ لهم حِينَهَا في قُنُوتٍ ، وَلم يُتَرَحَّمْ عَلَيهِم عَلَى مِنبَرٍ ، وَلم يَدعُ لِنَصرِهِم إِلاَّ قَلِيلٌ مِنَ الغَيُورِينَ بِأَصوَاتٍ ضَعِيفَةٍ خَافِتَةٍ ، لم تَكُنْ لِتُسمَعَ أَو تُؤَثِّرَ ، وَأَمَّا أَكثَرُ الأُمَّةِ عَلَى مُستَوَى حُكُومَاتِهَا وَشُعُوبِهَا ، فَقَد كَانُوا في ذَلِكَ الوَقتِ في سُبَاتٍ عَمِيقٍ ، تُغَيَّبُ عَنهُمُ الحَقَائِقُ وَتُطمَسُ ، وَيُحَالُ بَينَهُم وَبَينَ مَا يَجرِي ، وَأَمَّا اليَومَ فَإِنَّهُ لَمَّا حَاوَلَ الابنُ الظَّالمُ أَن يُعِيدَ سِيرَةَ وَالِدِهِ الغَاشِمِ في تِلكَ البِلادِ ، أَبى اللهُ ـ تَعَالى ـ إِلاَّ أَن يَفضَحَهُمَا جَمِيعًا ، وَأَن يُبَيِّنَ خِزيَ السَّابِقِ بِجُرمِ اللاَّحِقِ ، فَتَنَاقَلَ المُسلِمُونَ في مُختَلِفِ بِلادِهِم وَعَبرَ هَذِهِ الوَسَائِلِ الَّتي فَتَحَهَا اللهُ ، تَنَاقَلُوا مَا جَرَى وَيَجرِي لإِخوَانِهِم ، وَشَاهَدَ العَالَمُ كُلُّهُ أَلوَانًا مِنَ الظُّلمِ وَالطُّغيَانِ الرَّافِضِيِّ النَّصُيرِيِّ المُجرِمِ ، الَّذِي لم يَرحَمْ شَيخًا لِكِبَرِ سِنِّهِ ، وَلا عُجُوزًا لِضَعفِهَا ، وَلا شَابًّا أَعزَلَ مُعرِضًا ، وَلا بِكرًا غَيرَ ذَاتِ قُوَّةٍ وَلا أَطفَالاً بُرَآءَ ، نَعَم ، لَقَد شَاهَدَ العَالَمُ حِقدًا دَفِينًا تَفَجَّرَت نِيرَانُهُ وَفَارَ بُركَانُهُ يَمنَةً وَيَسرَةً في مُدُنِ أَهلِ السُّنَّةِ وَأَحيَائِهِم ، فَقُتِلَ النَّاسُ وَعُذِّبُوا ، وَمُثِّلَ بهم وَأُهِينُوا ، وَحِيلَ بَينَ الأَحيَاءِ وَبَينَ جُثَثِ مَوتَاهُم ، وَقُصِفَتِ المَسَاجِدُ وَمُزِّقَت المَصَاحِفُ ، وَضُيِّقَ عَلَى النَّاسِ حَتى لم يَجِدُوا لُقمَةً وَلم يَهتَنُوا بِشَربَةٍ ، وَالأَدهَى مِن ذَلِكَ وَالأَمَرُّ أَن تَرَى أُمَمُ العَالَمِ هَذَا الظُّلمِ البَشِعِ وَتَشهَدَ تِلكَ الإِبَادَةَ المَقصُودَةَ ، فَتُصِرَّ عَلَى أَن تُصَوِّتَ ضِدَّ المُسلِمِينَ المُستَضعَفِينَ في مَجلِسِ أُمَمِهَا ، وَتَسمَحَ لِدُوَلٍ وَأَحزَابٍ بَاطِنِيَّةٍ كَإِيرَانَ وَحِزبِ الشَّيطَانِ في لِبنَانَ ، أَن يُفَرِّغُوا شَيئًا مِن حِقدِهِم في صُدُورِ أَهلِ السُّنَّةِ وَظُهُورِهِم في البِلادِ السُّورِيَّةِ ، ثم تَحُولَ في المُقَابِلِ بَينَ إِخوَانِهِم مِن أَهلِ السُّنَّةِ أَن يَتَدَخَّلُوا لِنَصرِهِم ، في تَحَدٍّ سَافِرٍ لِشُعُورِهِم ، وَتَعَمُّدٍ لِلإِضرَارِ بهم ، وَإِصرَارٍ عَلَى إِعَانَةِ الظَّالِمِ عَلَى ظُلمِهِ ، لِيَظهَرَ لِلمُسلِمِينَ أَنَّ الأَعدَاءَ وَإِنْ أَظهَرُوا حُبَّ السَّلامِ أَو تَظَاهَرُوا بِهِ أَوِ ادَّعُوا حِمَايَتَهُ ، فَهُم في الكُفرِ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ ، لا يَرقُبُونَ في مُؤمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً ، وَلا يُرِيدُونَ أَن تَقُومَ لِلإِسلامِ النَّقِيِّ قَائِمَةٌ ، بَل هُم في حَربِ المُتَمَسِّكِين َ بِهِ سَاعُونَ ، وَعَلَى ذَلِكَ مُتَظَاهِرُونَ ، وَلا يُهِمُّهُم بَعدَ ذَلِكَ لَو أُزهِقَت أَروَاحُ شَعبٍ بِأَكمَلِهِ ، أَو أُضِيعَت فِيهِ الحُقُوقُ كُلُّهَا وَمُنِعَ مِن أَيسَرِ حُقُوقِ الإِنسَانِ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ وَلْنَرجِعْ إِلى اللهِ رُجُوعَ الصَّادِقِينَ ، وَلْنَتَمَسَّكْ بما نَحنُ عَلَيهِ ، وَلْنَحذَرْ مِمَّا يُرَادُ بِنَا مِنِ انسِلاخٍ مِن دِينِنَا وَتَخَلٍّ عن قِيَمِنَا ، وَلْنَنصُرِ اللهَ بِتَحكِيمِ شَرعِهِ لِيَنصُرَنَا ، فَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنْ تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتْ أَقدَامَكُم " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوا أَمرَهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ مَهمَا انتَفَشَ العَدُوُّ الكَافِرُ أَو تَبَختَرَ ، وَمَهمَا أَبرَزَ أَعوَانُهُ مِنَ المُنَافِقِينَ وَالبَاطِنِيِّي نَ رِيشَهُم وَمَدُّوا أَجنِحَتَهُم ، فَإِنَّ في الأُمَّةِ مَن بَاعُوا الأَروَاحَ للهِ وَصَدَقُوهُ مَا عَاهَدُوهُ عَلَيهِ ، وَهُم مَاضُونَ في الجِهَادِ في سَبِيلِهِ بِأَلسِنَتِهِم وَأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم ، وَمَهمَا انخَذَلَ أَيُّ مُجتَمَعٍ مِن مُجتَمَعَاتِ المُسلِمِينَ أَوِ انشَغَلَ بِشَهَوَاتِهِ أَو عَبَثَت بِهِ الأَهوَاءُ ، فَإِنَّ البَدِيلَ مَوجُودٌ إِلى قِيَامِ السَّاعَةِ ، وَمَا زَالَ في الأُمَّةِ هُنَا وَهُنَاكَ خَيرٌ ، وَنَحنُ نَرَى المُسلِمِينَ ـ وَللهِ الحَمدُ ـ عَلَى مُختَلِفِ مُستَوَيَاتِهِم يُسَاهِمُونَ في نُصرَةِ إِخوَانِهِم ، بِالتَّصرِيحَات ِ الَّتي تَشفِي الصُّدُورَ مِن بَعضِ أَولِيَاءِ الأُمُورِ ، وَبِالقُنُوتِ في الصَّلَوَاتِ ، وَبِالدُّعَاءِ وَاللُّجُوءِ إِلى اللهِ في الخَلَوَاتِ وَالجَلَوَاتِ ، وَبِالتَّبَرُّع ِ لهم بِالمَالِ ، وَبِمُقَاطَعَةِ مَصنُوعَاتِ الدُّوَلِ المُعَادِيَةِ ، كَالصِّينِ وَالرُّوسِ وَإِيرَانَ ، وَكُلُّ تِلكَ أَنوَاعٌ مِن نُصرَةِ المُسلِمِينَ لإِخوَانِهِم . فَعَسَى اللهُ أَن يُبَارِكَ في الجُهُودِ وَإِن قَلَّت ، وَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " كَم مِن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَت فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتي اللهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَومَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ لا يَضُرُّهُم مَن خَذَلَهُم حَتى يَأتيَ أَمرُ اللهِ وَهُم كَذَلِكَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ، فَإِنَّمَا يُملَى لهم وَالنَّارُ مَثوًى لهم " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَموَالَهُم لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَه َا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيهِم حَسرَةً ثُمَّ يُغلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحشَرُونَ . لِيَمِيزَ اللهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجعَلَ الخَبِيثَ بَعضَهُ عَلَى بَعضٍ فَيَركُمَهُ جَمِيعًا فَيَجعَلَهُ في جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ " وَ" إِنَّ اللهَ لَيُملِي لِلظَّالِمِ حَتى إِذَا أَخَذَهُ لم يُفلِتْهُ " |
| الساعة الآن 07:37 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
-
arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By
Almuhajir
... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...
.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..