![]() |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري جزاك الله كل خير و وفق الله الشيخ عبد الرحمن البصري ,, وكثر من امثاله وتقبل الله مني ومنكم الصيام والقيام وصالح الاعمال وكل عام وانتم بخير |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري [IMG]file:///C:/Users/user/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.g if[/IMG] هل تفرح بالعيد وحدك24/9/1431هـ أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فَإِنَّ التَّقوَى خَيرُ زَادِ المُؤمِنِ العَاقِلِ ، وَهِيَ خَيرُ اللِّبَاسِ لِمَن تَذَكَّرَ " وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولي الأَلبَابِ " " وَلِبَاسُ التَّقوَى ذَلِكَ خَيرٌ ذَلِكَ مِن آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يُطِلُّ عَلَينَا العِيدُ بَعدَ أَيَّامٍ قَلائِلَ ، بَعدَ شَهرٍ حَافِلٍ بِالخَيرِ وَالبِرِّ وَالفَضَائِلِ ، فَيَا فَوزَ مَن خَتَمَ اللهُ شَهرَهُ بِعِتقِ رَقَبَتَهُ ، وَيَا سَعَادَةَ مَن أَصبَحَ يَومَ العِيدِ وَقَد حُطَّت خَطِيئَتُهُ ، فَخَرَجَ إِلى المُصَلَّى نَقِيًّا طَاهِرًا ، لَيسَ عَلَيهِ مِنَ السَّيِّئَاتِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ ، قَد غَفَرَ اللهُ ذُنُوبَهُ وَسَتَرَ عُيُوبَهُ ، صَامَ شَهرَهُ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا ، وَأَحيَا لَيلَهُ سُجُودًا وَاقتِرَابًا ، تَلا كِتَابَ رَبِّهِ وَحَفِظَ وَقتَهُ ، وَبَذَلَ خَيرَهُ وَكَفَّ شَرَّهُ ، لم يُفَرِّطْ في طَاعَةٍ وَلم يُسَوِّفْ بِقُربَةٍ ، وَلم يُعرِضْ عَن عَمَلِ بِرٍّ وَلم يَتَقَاعَسْ عَن بَذلِ مَعرُوفٍ ، فَكَأَنْ قَد نَالَ الجَائِزَةَ الكُبرَى وَسَعِدَ بِالعَطِيَّةِ العُظمَى ، وَفَرِحَ في يَومِ الفَرَحِ الأَكبرِ بِلِقَاءِ رَبِّهِ ، وَلِلصَّائِمِ فَرحَتَانِ : إِذَا أَفطَرَ فَرِحَ بِفِطرِهِ ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَومِهِ " قُل بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَا مَن جَعَلتُم تَستَعِدُّونَ لِلفَرَحِ في العِيدِ ، وَشَرَعتُم تُهَيِّئُونَ لَهُ اللِّبَاسَ الجَدِيدَ ، وَبَدَأَت قُلُوبُكُم وَقُلُوبُ أَهلِيكُم تَخفِقُ سُرُورًا وَاستِبشَارًا ، أَلا تَعلَمُونَ أَنَّ فِيمَن حَولَكُم قَومًا إِذَا اقتَرَبَ العِيدُ عَلَت وُجُوهَهُم مَسحَةُ حُزنٍ وَكَآبَةٍ ، وَغَشِيَتهُم سَحَابَةُ ضِيقٍ وَكَرْبٍ ، وَرَكِبَتهُم جِبَالٌ مِنَ الهَمِّ وَاستَولَت عَلَيهِم جُيُوشُ الغَمِّ ؟ أَلا تَدرُونَ أَنَّ ثَمَّةَ آبَاءً فُقَرَاءَ وَأُمَّهَاتٍ مُمَلِقَاتٍ ، يَفرَحُ النَّاسُ بِالعِيدِ وَلا يَفرَحُونَ ، وَيَهنَأُ غَيرُهُم بِالجَدِيدِ وَلا يَهنَؤُونَ ، لَهُم أَبنَاءٌ وَبُنَيَّاتٌ لا يَدرُونَ مَا الفَقرُ وَلا الغِنَى ، وَلا يُدرِكُونَ مَا العَجزُ وَلا القُدرَةُ ، وَلا يَشعُرُونَ مَا المُمكِنُ وَلا المُستَحِيلُ ، يَرَى أَحَدُهُم أَقرَانَهُ وَأَخدَانَهُ مُبتَهِجِينَ بما لَبِسُوهُ وَاسَتَجَدُّوهُ ، فَيُرِيدُ أَن يَعِيشَ كَمَا يَعِيشُ الآخَرُونَ ، فَيَفزَعُ لأُمِّهِ وَأَبِيهِ رَاجِيًا ، وَقَد يُصِرُّ عَلَيهِمَا بَاكِيًا شَاكِيًا ، فَتَنقَلِبُ المَرأَةُ عَلَى زَوجِهَا بِاللَّومِ ، وَتُلِحُّ عَلَيهِ أَن يَقُومَ فَيُصلِحَ شَأنَهَا وَشَأنَ أَبنَائِهَا وَبُنَيَّاتِهَا ، فَلَم يَبقَ وَقتٌ لِلتَّرَدُّدِ وَالتَّلَبُّثِ ، فَيتَلَفَّتُ الأَبُ المَكلُومُ يَمِينًا وَشِمَالاً ، فَلا يَجِدُ في حِسَابٍ مَالاً ، وَلا يَذكُرُ في مَصرِفٍ رَصِيدًا وَلا في صُندُوقٍ كَنزًا ، فَيَضرِبُ كَفًّا عَلَى كَفٍّ وَيَنطَلِقُ عَلَى وَجهِهِ ، لِيَصِلَ دُيُونَ الأَمسِ الفَادِحَةَ بِدَينٍ آخَرَ مُثقِلٍ أَو قَرضٍ غَيرِ حَسَنٍ ، في حِينِ تَغُصُّ حِسَابَاتُ كَثِيرِينَ بِالمَلايِينِ ، حَتَّى لا يَكَادُ أَحَدُهُم يُحصِي مَا في خَزَائِنِهِ وَلا يُدرِكُ لَهُ عَدًّا ، أَلا فَيَا مَن أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم بِوَفرَةِ المَالِ وَسَعَةِ الغِنى ، أَتَحسَبُونَ ذَلِكَ لِمَزِيدِ فَضلٍ لَكُم أَو لِوَفرَةِ حَظٍّ أَو عُلُوِّ دَرَجَةٍ ؟! " أَهُم يَقسِمُونَ رَحمَةَ رَبِّكَ نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم مَعِيشَتَهُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَرَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضًا سُخرِيًّا وَرَحمَةُ رَبِّكَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ " أَلا فَاعلَمُوا أَنَّ مِن حُسنِ الإِسلامِ وَتَمَامِ الإِيمَانِ وَكَمَالِ الإِحسَانِ ، أَن تَتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم فِيمَا آتَاكُم ، وَأَن تَتَذَكَّرُوا الرُّجُوعَ إِلَيهِ إِذْ فَتَنَكُم بِالخَيرِ وَابتَلاكُم ، وَأَن تَبذُلُوا لأَهلِ الحُقوُقِ في أَموَالِكُم مَا لَهُم ، وَلا تَبخَسُوهُم شَيئًا أَحَلَّهُ اللهُ لَهُم ، فَـ" لَيسَ المُؤمِنُ الَّذِي يَشبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ " وَ" المُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ كَالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا " وَ" المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسلِمُهُ ، وَمَن كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ في حَاجَتِهِ ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ " وَ" السَّاعِي عَلَى الأَرمَلَةِ وَالمِسكِينِ كَالمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللهِ ، أَو كَالقَائِمِ لا يَفتُرُ وَكَالصَّائِمِ لا يُفطِرُ " وَ" مَن لا يَرحَمِ النَّاسَ لا يَرحَمْهُ اللهُ " وَإِذَا كُنتُم تُحِبُّونَ أَن تَرَوا أَبنَاءَكُم وَبُنَيَّاتِكُم في العِيدِ عَلَى أَحسَنِ حَالٍ مِنَ الجَمَالِ ، وَتَبذُلُونَ الكَثِيرَ لإِدخَالِ السُّرُورِ عَلَيهِم وَالبَهجَةِ ، فَإِنَّ إِخوَانَكُم يُحِبُّونَ لأَبنَائِهِم وَبُنَيَّاتِهِم مَا تُحِبُّونَ ، وَلَكِنَّكُم تَقدِرُونَ وَهُم عَاجِزُونَ ، وَتَجِدُونَ وَهُم فَاقِدُونَ ، وَتَتَصَرَّفُون َ وَهُم مُقَيَّدُونَ ، أَفَلا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم وَيُنجِيَكُم مِنَ النَّارِ وَيُدخِلَكُمُ الجَنَّةَ ، إِنَّهُ لا يَتِمُّ لَكُم ذَلِكَ وَلا يَكمُلُ إِيمَانُكُم حَتَّى تُحِبُّوا لإِخوَانِكُم مَا تُحِبُّونَهُ لأَنفُسِكُم ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ " وَقَالَ : " مَن أَحَبَّ أَن يُزَحزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدخَلَ الجَنَّةَ ، فَلْتَأتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، وَلْيَأتِ إِلى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَن يُؤتَى إِلَيهِ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ في المُجتَمَعِ حَولَكُم أَعدَادًا غَيرَ قَلِيلَةٍ مِنَ المُحتَاجِينَ وَالعَاجِزِينَ ، يَنتَظِرُونَ الخَيرَ في شَهرِ الخَيرِ ، وَيَتَرَقَّبُون َ البِرَّ بهم في مَوسِمِ البِرِّ ، وَإِنَّهُ وَإِن كَانَت زَكَاةُ الفِطرِ قَد شُرِعَت في خِتَامِ الشَّهرِ طُعمَةً لِلمَسَاكِينِ وَسَدًّا لِجُوعِهِم ، وَكَفًّا لَهُم عَنِ السُّؤَالِ في يَومِ العِيدِ ، وَصَونًا لِوُجُوهِهِم أَن تُبتَذَلَ في يَومِ العِزِّ والفَرَحِ ، فَمَن ذَا الَّذِي يُتِمُّ فَرحَتَهُم فَيَكسُوَهُم وَيُلبِسَهُم الزِّينَةَ ؟ مَن ذَا الَّذِي يَعِيشُ هَمَّهُم فَيُذِيقَهُم طَعمَ العِيدِ مَعَ إِخوَانِهِم ؟! إِنَّ في الزَّكَاةِ لَتَفرِيجًا لِكُرُبَاتِ كَثِيرِينَ وَقَضَاءً لِحَاجَاتِهِم ، وَإِدخَالاً لِلسُّرُورِ عَلَيهِم وَإِسعَادًا لِقُلُوبِهِم ، وَدَفعًا لَهُم وَلأَبنَائِهِم لِتَذَوُّقِ العَيشِ الكَرِيمِ وَلَو في أَيَّامٍ العِيدِ ، ذَلِكُم أَنَّهَا لَيسَت مَورِدًا يَسِيرًا وَلا قَلِيلاً أَو ضَّئِيلاً ، بَل هِيَ العُشرُ أَو نِصفُ العُشرِ أَو رُبعُ العُشرِ ، فَضلاً عَن زَكَاةِ الفِطرِ الَّتي تَجِبُ عَلَى كُلِّ فَردٍ مِنَ المُسلِمِينَ ، فَلَو أُضِيفَ كُلُّ ذَلِكَ إِلى الصَّدَقَاتِ بِأَنوَاعِهَا وَالنُّذُورِ وَالكَفَّارَاتِ وَالأَوقَافِ وَالهِبَاتِ وَالمَوَارِيثِ وَالنَّفَقَاتِ ، وَغَيرِهَا مِن حُقُوقِ المَالِ في الإِسلامِ ، لَتَحَقَّقَ التَّكَافُلُ المَادِّيُّ بِأَجَلى صُوَرِهِ وَأَجمَلِهَا ، وَلَمَا بَقِيَ فَقِيرٌ وَلا مِسكِينٌ وَلا مُحتَاجٌ ، وَإِنَّ المُتَابِعَ لِلحَرَكَةِ الاقتِصَادِيَّة ِ لَيَرَى أَنَّ ثَمَّةَ بِحَارًا زَاخِرَةً مِنَ الأَغنِيَاءِ المُوسِرِينَ ، وَجِبَالاً شَاهِقَةً مِنَ الأَثرِيَاءِ المُقتَدِرِينَ ، لَو أَدَّوا مَا للهِ عَلَيهِم مِن حَقٍّ في المَالِ وَهِيَ الزَّكَاةُ خَاصَّةً ، لَدَفَنُوا فَقرَ الفُقَرَاءِ وَأَزَالُوا بُؤسَهُم ، فَأَينَ أُولَئِكَ المُمتَلِئُونَ ؟! أَلا يُعَجِّلُونَ بِالزَّكَاةِ طَاعَةً للهِ وَتَفرِيجًا عَن عِبَادِ اللهِ ؟! أَلا يَغتَنِمُونَ مَا بَقِيَ مِن أَيَّامِ هَذَا الشَّهرِ المُبَارَكِ لِيَجمَعُوا بَينَ شَرَفِ الزَّمَانِ وَفَضِيلَةِ تَفرِيجِ الكُرَبِ ؟ إِنَّ مَنعَ الزَّكَاةِ وَالشُّحَّ بها وَالتَّلَكُّؤَ في إِخرَاجِهَا وَالتَّحَايُلَ في ذَلِكَ ، إِنَّهُ لَمُصِيبَةٌ وَأَيُّ مُصِيبَةٌ ، يَكتَوِي بِنَارِهَا الفُقَرَاءُ في الدُّنيَا ، ثُمَّ يَصلَى حَرَّهَا مَانِعُوهَا في الآخِرَةِ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ واغنَمُوا هَذِهِ العَشرَ المُبَارَكَةَ ، وَاحذَرُوا الشُّحَّ وَأَنفِقُوا مِن الطَّيِّبَاتِ ، وَاتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمرَةٍ ، وَاعلَمُوا أَنَّ مَن أَبطَرَهُ الغِنَى أَذَلَّهُ الفَقرُ يَومًا مَا ، وَأَنَّهُ لَيسَ لَكُم مِن أَموَالِكُم الَّتي تَجمَعُونَ إِلاَّ مَا أَكَلتُم فَأفَنَيتُم ، أَو لَبِستُم فَأَبلَيتُم أَو تَصَدَّقتُم فَأَمضِيتُم وَأَبقَيتُم ، قَالَ رَبُّكُم ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ : " وَلا يَحسَبَنَّ الَّذِينَ يَبخَلُونَ بما آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ هُوَ خَيرًا لَهُم بَل هُوَ شَرٌّ لَهُم سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَومَ القِيَامَةِ وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاللهُ بما تَعمَلُونَ خَبِيرٌ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالَّذِينَ يَكنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا في سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَومَ يُحمَى عَلَيهَا في نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكوَى بها جِبَاهُهُم وَجُنُوبُهُم وَظُهُورُهُم هَذَا مَا كَنَزتُم لأَنفُسِكُم فَذُوقُوا مَا كُنتُم تَكنِزُونَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا مِن صَاحِبِ كَنزٍ لا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلاَّ أُحمِيَ عَلَيهِ في نَارِ جَهَنَّمَ فَيُجعَلُ صَفَائِحَ فَيُكوَى بها جَنبَاهُ وَجَبِينُهُ حَتَّى يَحكُمَ اللهُ بَينَ عِبَادِهِ في يَومٍ كَانَ مِقدَارُهُ خَمسِينَ أَلفَ سَنَةٍ ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلى النَّارِ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَيُّكُم مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيهِ مِن مَالِهِ ؟ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيهِ . قَالَ : " فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ ، وَمَالَ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ " لَقَد صُمتُم وَصَلَّيتُم مُصَدِّقِينَ بِيَومِ الدِّينِ مِن عَذَابِ رَبِّكُم مُشفِقِينَ ، أَفَلا تُعتِقُونَ أَنفُسَكُم مِن مَعَرَّةِ الجَزَعِ وَعَارِ الهَلَعِ فَتُؤَدُّوا حَقَّ اللهِ في المَالِ وَتَتَّقُوا الشُّحَّ ؟! قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعًا . إِلاَّ المُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُم عَلى صَلاتِهِم دَائِمُونَ . وَالَّذِينَ في أَموَالِهِم حَقٌّ مَعلُومٌ . لِلسَّائِلِ وَالمَحرُومِ . وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَومِ الدِّينِ . وَالَّذِينَ هُم مِن عَذَابِ رَبِّهِم مُشفِقُونَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَلا يَجتَمِعُ الشُّحُّ وَالإِيمَانُ في قَلبِ عَبدٍ أَبَدًا " وَقَالَ : " كُلِّ امرِئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقضَى بَينَ النَّاسِ " أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم وَفي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفي سَبِيلِ اللهِ وَابنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم ، وَاخَتِمُوا شَهرَكُم بِخَيرِ أَعمَالِكُم ، وَاعلَمُوا أَنَّ مَا يُرَى في عَالَمِ التُّجَّارِ وَحَيَاةِ أَربَابِ الأَموَالِ مِن تَحَاسُدٍ وَتَنَافُسٍ وَشَحنَاءَ وَأَثَرَةٍ ، بَل إِنَّ مَا أَصَابَ النَّاسَ مِن غَلاءٍ في البَضَائِعِ وَارتِفَاعٍ في المَعَايِشِ ، وَمَا بُلُوا بِهِ مِن نَزعٍ لِبَرَكَةِ المَالِ وَضَعفٍ في قِيمَةِ النَّقدِ ، إِنَّ كَثِيرًا مِن ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ نَتِيجَةٌ طَبِيعِيَّةٌ لأَخذِ المَالِ مِن غَيرِ حِلِّهِ وَحَقِّهِ ، ثُمَّ البُخلِ بِهِ وَإِمسَاكِ المَعرُوفِ عَن مُستَحَقِّهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا آتَيتُم مِن رِبًا لِيَربُوَ في أَموَالِ النَّاسِ فَلا يَربُو عِندَ اللهِ وَمَا آتَيتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجهَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضعِفُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَمحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُربي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَمَا أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فَهُوَ يُخلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ " وَصَدَقَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حَيثُ قَالَ : " إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرٌ حُلوٌ ، فَمَن أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ، وَمَن أَخَذَهُ بِإِشرَافِ نَفسٍ لم يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأكُلُ وَلا يَشبَعُ ، وَاليَدُ العُليَا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَا ابنَ آدَمَ ، إِنَّكَ أَنْ تَبذُلَ الفَضلَ خَيرٌ لَكَ ، وَأَن تُمسِكَهُ شَرٌّ لَكَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَاتَّقُوا الشُّحَّ ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُم وَحَمَلَهُم عَلَى أَن سَفَكُوا دِمَاءَهُم وَاستَحَلُّوا مَحَارِمَهُم " وَإِنَّ في الأَزمَاتِ المَالِيَّةِ وَالانهِيَارَات ِ الاقتِصَادِيَّة ِ الَّتي مَا زَالَت تَحصُلُ يَومًا بَعدَ يَومٍ ، وَيُفلِسُ بِسَبَبِهَا كَثِيرٌ مِنَ الأَثرِيَاءِ ، إِنَّ فِيهَا لَعِبرَةً لَنَا بِأَلاَّ نَغتَرَّ بِمَالٍ وَلا نَثِقَ بما في أَيدِينَا ، فَكَم مِن تَاجِرٍ بَاتَ رَافِعًا رَأسَهُ شَامِخًا بِأَنفِهِ مُعتَزًّا بِثَروَتِهِ ، لا يَنظُرُ بِعَينِ التَّوَاضُعِ لِلكُبَرَاءِ فَضلاً عَنِ الفُقَرَاءِ ، فَأَتَى اللهُ بُنيَانَ تِجَارَتِهِ مِنَ القَوَاعِدِ ، فَخَرَّ سَقفُهَا وَتَهَاوَى عَرشُهَا ، فَأَصبَحَ مَدِينًا بَعدَ أَن كَانَ دَائِنًا ، وَعَاشَ الخَوفَ بَعدَ أَن كَانَ آمِنًا ، وَسَارَ في الحَضِيضِ خَافِضًا رَأسَهُ مُتَطَامِنًا . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَاستَدرِكُوا مَا فَاتَ ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ، وَأَكثِرُوا مِنَ الصَّدَقَاتِ وَالهِبَاتِ ، وَاحذَرُوُا أَن تَكُونُوا مِمَّن يَمنَعُونَ مَا للهِ عَلَيهِم في المَالِ مِنَ حَقٍّ ، ثُمَّ يُطِيعُونَ الشَّيطَانَ فِيمَا يَأمُرُهُم بِهِ مِن تَبدِيدِهِ فِيمَا لا يُرضِيهِ ـ سبحانه ـ مِن إِقَامَةِ حَفَلاتِ التَّفَاخُرِ وَوَلائِمِ التَّكَاثُرِ ، أَو إِحرَاقِهِ في المُفَرقَعَاتِ وَالأَلعَابِ النَّارِيَّةِ ، أَو المُبَالَغَةِ في شِرَاءِ المَلابِسِ وَالحُلِيِّ وَالحَلْوَيَاتِ ، وَتَحَرَّوا أَصحَابَ الحَاجَاتِ مِمَّن مَنَعَهُمُ الحَيَاءُ عَنِ السُّؤَالِ ، ممَِّن قَالَ فِيهِمُ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لَيسَ المِسكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقمَةُ وَاللُّقمَتَانِ وَالتَّمرَةُ وَالتَّمرَتَانِ ، وَلَكِنَّ المِسكِينَ الَّذِي لا يَجِدُ غِنًى يُغنِيهِ ، وَلا يُفطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيهِ ، وَلا يَقُومُ فَيَسأَلُ النَّاسَ " اُطلُبُوا أُولَئِكَ وَدُلُّوا عَلَيهِم وَأَوصِلُوا الخَيرَ إِلَيهِم ، فَـ"الدَّالُ عَلَى الخَيرِ كَفَاعِلِهِ " وَقَد قَالَ أَجوَدُ النَّاسِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " ابغُوني ضُعَفَاءَكُم فَإِنَّمَا تُرزَقُونَ وَتُنصَرُونَ بِضُعَفَائِكُم " اللَّهُمَّ بَارِكْ لِكُلِّ مَن زَكَّى مَالَهُ وَأَعطِ كُلَّ مُنفِقٍ خَلَفًا ، اللَّهُمَّ أَخلِفْ لِكُلِّ منَ تَصَدَّقَ بخَيرٍ مِمَّا بَذَلَ وَأَعظِمْ لَهُ الأَجرَ وَضَاعِفْ مَثُوبَتَهُ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري بارك الله فيك اخي واطال عمر شيخنا البصري |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري كشف الغطاء عن فضل العطاء 11 / 5 / 1432 هـ الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى . وَصَدَقَ بِالحُسنى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى . وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاستَغنَى . وَكَذَّبَ بِالحُسنى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرَى . وَمَا يُغني عَنهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الحَيَاةُ أَخذٌ وَعَطَاءٌ ، وَيَدٌ تَمُدُّ وَأُخرَى تَقبِضُ ، وَقُلُوبٌ تَهَبُ وَأَعيُنٌ تَتَرَقَّبُ ، وَمُوسِرُونَ يُنفِقُونَ وَمُقِلُّونَ يَنتَظِرُونَ ، وَقَد جَعَلَ اللهُ النَّاسَ عَلَى قِسمَينِ : قِسمٌ يَجِدُ في العَطَاءِ لَذَّتَهُ ، وَيَرَى البَذلَ مُنتَهَى سَعَادَتِهِ ، وَآخَرُ لا يَعرِفُ إِلاَّ الأَخذَ وَالاستِعطَاءَ ، وَلا يُحسِنُ إِلاَّ السُّؤَالَ وَالاستِجدَاءَ ، وَيَأبى اللهُ لِمَن أَحَبَّهُم مِنَ المُؤمِنِينَ وَاصطَفَاهُم مِن عِبَادِهِ الموَفَّقِينَ ، إِلاَّ أَن يَكُونُوا إِلى الخَيرِ سَابِقِينَ وَفي العَطَاءِ مُتَنَافِسِينَ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ اللهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ ، وَيُحِبُّ مَعَاليَ الأَخلاقِ وَيَكرَهُ سَفسَافَهَا " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ وَغَيرِهِ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " يَا بنَ آدَمَ ، إِنَّكَ أَنْ تَبذُلَ الفَضلَ خَيرٌ لَكَ ، وَأَنْ تُمسِكَهُ شَرٌّ لَكَ ، وَلا تُلامُ عَلَى كَفَافٍ ، وَابدَأْ بِمَن تَعُولُ ، وَاليَدُ العُليَا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى " وَفي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " اليَدُ العُليَا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى ، وَاليَدُ العُليَا هِيَ المُنفِقَةُ ، وَاليَدُ السُّفلَى هِيَ السَّائِلَةُ " وَقَد كَانَت لَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى قِلَّةِ مَا مَعَهُ الأَيَادِي البَيضَاءُ ، فَضَاعَفَ البَذلَ وَتَابَعَ العَطَاءَ ، وَعُرِفَ بِالجُودِ وَالسَّخَاءِ ، وأُوتيَ نَفسًا كَرِيمَةً لا تَعرِفُ المَنعَ وَلا تَرضَى البُخلَ ، في الصَّحِيحَينِ عَن حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَأَعطَاني ، ثَمَّ سَأَلتُهُ فَأَعطَاني ... مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَعَن جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ شَيئًا قَطُّ فَقَالَ لا . رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَفي مُسلِمٍ أَيضًا عَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ غَنَمًا بَينَ جَبَلَينِ فَأَعطَاهُ إِيَّاهُ ، فَأَتَى قَومَهُ فَقَالَ : أَيْ قَومِ أَسلِمُوا ، فَوَاللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الفَقرَ . فَقَالَ أَنَسٌ : إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسلِمُ مَا يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنيَا ، فَمَا يُسلِمُ حَتَّى يَكُونَ الإِسلامُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِنَ الدُّنيَا وَمَا عَلَيهَا " نَعَمْ ـ إِخوَةَ الإِيمَانِ ـ لَقَد أَعطَى ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ ثُمَّ أَعطَى ، حَتَّى كَانَ في عَطَائِهِ وَسَمَاحَتِهِ عَجَبًا عُجَابًا ، وَوَصَلَ بِهِ الجُودُ وَالكَرَمُ إِلى أَن يُعطِيَ ثَوبَهُ الَّذِي عَلَى ظَهرِهِ وَهُوَ إِلَيهِ أَحوَجُ مِمَّنِ استَعطَاهُ إِيَّاهُ ، عَن سَهلِ بنِ سَعدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَتِ امرَأَةٌ بِبُردَةٍ ، قَالَت : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي نَسَجتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكسُوكَهَا ، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مُحتَاجًا إِلَيهَا ، فَخَرَجَ إِلَينَا وَإِنَّهَا لإِزَارُهُ ، فَجَسَّهَا رَجُلٌ مِنَ القَومِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، اُكسُنِيهَا . قَالَ : " نَعَمْ " فَجَلَسَ مَا شَاءَ اللهُ في المَجلِسِ ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاهَا ، ثُمَّ أَرسَلَ بها إِلَيهِ ، فَقَالَ لَهُ القَومُ : مَا أَحسَنتَ ، سَأَلتَهَا إِيَّاهُ وَقَد عَرَفتَ أَنَّهُ لا يَرُدُّ سَائِلاً . فَقَالَ الرَّجُلُ : وَاللهِ مَا سَأَلتُهَا إِلاَّ لِتَكُونَ كَفَني يَومَ أَمُوتُ . قَالَ سَهلٌ : فَكَانَت كَفَنَهُ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ . نَعَمْ ـ إِخوَةَ الإِيمَانِ ـ لَقَد أَعطَى نَبِيُّنَا ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ بُردَتَهُ الجَدِيدَةَ مَن سَأَلَهُ ، لا عَن كَثرَةِ مَالٍ لَدَيهِ وَاتِّسَاعِ غِنىً ، بَل أَعطَاهُ إِيَّاهَا وَهُوَ أَحوَجُ مِنهُ إِلَيهَا ، فَأَيُّ مَحَبَّةٍ لَلعَطَاءِ كَمِثلِ هَذِهِ المَحَبَّةِ ؟! وَأَيُّ جُودٍ كَمِثلِ هَذَا الجُودِ ؟! إِنَّهُ السَّخَاءُ النَّبَوِيُّ ، لم يَكُنْ تَكَلُّفًا أَو تَظَاهُرًا ، بَل كَانَ خُلُقًا كَرِيمًا جَرَى مِنهُ مَجرَى الدَّمِ في العُرُوقِ ، وَسَجِيَّةً تَنَفَّسَهَا مَعَ الهَوَاءِ ، وَمَلَكَةً جَرَت بها نَفسُهُ الشَّرِيفَةُ ، حَتَّى لَقَد بَلَغَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ بِعَطَائِهِ مَرحَلَةً تَجَاوَزَت مَن يُحِبُّهُ وَيُدنِيهِ مِن أَصحَابِهِ وَمُحِبِّيهِ ، وَشَمِلَت مَن يُبغِضُهُ وَيُعَادِيهِ ، وَوَسِعَت مَن يَكرَهُهُ وَيُقصِيهِ ، فَتَمَلَّكَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ بِذَلِكَ القُلُوبَ وَاستَمَالَهَا ، وَهَدَّأَ نُفُورَهَا وَرَدَّ شَارِدَهَا ، وَأَحَالَ نَارَ بُغضِهَا وَكَدَرَ كُرهِهَا ، إِلى جَنَّةِ مَحَبَّةٍ وَصَفَاءِ مَوَدَّةٍ ، فَعَن صَفوَانَ بنِ أُمَيَّةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : وَاللهِ لَقَد أَعطَاني رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مَا أَعطَاني وَإِنَّهُ لأَبغَضُ النَّاسِ إِليَّ ، فَمَا بَرِحَ يُعطِيني حَتَّى إِنَّهُ لأَحَبُّ النَّاسِ إِليَّ . رَوَاهُ مُسلِمٌ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد كَانَ عَطَاؤُهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ عَطَاءَ مَن عَرَفَ حَقِيقَةَ الدُّنيَا وَسُرعَةَ فَنَائِهَا ، وَمَا أَعَدَّهُ اللهُ في الآخِرَةِ لأَهلِ العَطَاءِ مِن مُضَاعَفِ الثَّوَابِ وَكَرِيمِ الجَزَاءِ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد كَانَ لا يَفرَحُ بما أَبقَى كَفَرحِهِ بما أَعطَى ، بَل لَقَد حَرِصَ أَلاَّ يَدَّخِرَ شَيئًا دُونَ مُستَحِقِّهِ أَو سَائِلِهِ ، عَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لا يَدَّخِرُ شَيئًا لِغَدٍ . وَعَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ أَنَّهُم ذَبَحُوا شَاةً فَقَالَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا بَقِيَ مِنهَا ؟ " قَالَت : مَا بَقِيَ مِنهَا إِلاَّ كَتِفُهَا . قَالَ : " بَقِيَ كُلُّهَا غَيرَ كَتِفِهَا " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يَقُولُ العَبدُ : مَالي مَالي . وَإِنَّ لَهُ مِن مَالِهِ ثَلاثًا : مَا أَكَلَ فَأَفنى ، أَو لَبِسَ فَأَبلَى ، أَو أَعطَى فَأَقنى ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . هَذَا هُوَ مَعنى العَطَاءِ عِندَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لَيسَ عَطَاءَ مَن يَرَى لِنَفسِهِ الفَضلَ وَالمِنَّةَ ، بَلْ عَطَاءُ مَن يَعلَمُ أَنَّهُ يُعَامِلُ رَبًّا كَرِيمًا وَيَرجُو إِلَهًا جَوَادًا ، يُعطِي الكَثِيرَ عَلَى القَلِيلِ ، وَيُخلِفُ مَا يَزُولُ وَيَفنى بما يَدُومُ وَيَبقَى ، وَهُوَ القَائِلُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فَهُوَ يُخلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ " يُقَالُ هَذَا الكَلامُ ـ أَيُّهَا الإِخوَةُ ـ وَنَحنُ نَرَى المُنفِقِينَ في سُبُلِ الخَيرِ وَالدَّاعِمِينَ لِجَمعِيَّاتِ البِرِّ وَالمُؤَسَّسَات ِ الخَيرِيَّةَ بَينَ مُتَرَاجِعٍ بَعدَ إِقدَامٍ ، وَمُتَأَخِّرٍ بَعدَ مُسَابَقَةٍ وَمُسَارَعَةٍ ، وَمُتَرَدِّدٍ في نِيَّتِهِ لم تَتَّضِحْ رُؤيَتُهُ وَلا يَعلَمُ أَينَ وِجهَتُهُ ، أَلا فَلْتَعلَمْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُ الدَّاعِمُ لِمُؤَسَّسَاتِ الخَيرِ وَجَمعِيَّاتِ البِرِّ ـ أَنَّكَ تُعَامِلُ رَبَّكَ وَخَالِقَكَ ، وَتُقرِضُ رَازِقَكَ الَّذِي يُضَاعِفَ مَثُوبَتَكَ ، وَأَنَّ أَجرَكَ عَلَى قَدرِ نِيَّتِكَ ، وَأَنَّكَ عِندَمَا تَبذُلُ وَتُعطِي ، فَإِنَّكَ في الوَاقِعِ لا تُعطِي بِقَدرِ مَا تَأخُذُ . نَعَمْ ، إِنَّكَ تَأخُذُ كَثِيرًا بِإِعطَائِكَ القَلِيلَ ، وَتَنَالُ نَتَائِجَ مُضَاعَفَةً وَثَمَرَاتٍ مُوَفَّرَةً ، لَو جُعِلَت إِلى جَنبِ عَطَائِكَ لَصَارَ كَنُقطَةٍ في بَحرٍ لُجِّيٍّ ، إِنَّكَ تَأخُذُ مِمَّن أَعطَيتَهُم في الدُّنيَا مَشَاعِرَ المَدحِ وَالامتِنَانِ ، وَتَكسِبُ أَلسِنَةَ الشُّكرِ وَالعِرفَانِ ، تَحُوزُ مَوَدَّتَهُم وَتَربَحُ مَحَبَّتَهُم ، وَتَأسِرُ قُلُوبَهُم وَتَملِكُ أَفئِدَتَهُم ، وَالأَهَمُّ مِن ذَلِكَ وَالأَغلَى وَالأَنفَعُ والأَبقَى ، دُعَاؤُهُم لَكَ وَذِكرُهُم إِيَّاكَ بِالخَيرِ بَعدَ رَحِيلِكَ ، وَالنَّاسُ شُهَدَاءُ اللهِ في أَرضِهِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يُوشِكُ أَن تَعرِفُوا أَهلَ الجَنَّةِ مِن أَهلِ النَّارِ " قَالُوا : بِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " بِالثَّنَاءِ الحَسَنِ وَالثَّنَاءِ السَّيِّئِ ؛ أَنتُم شُهَدَاءُ اللهِ بَعضُكُم عَلَى بَعضٍ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . كُنْ عَلَى يَقِينٍ ـ أَيُّهَا المُعطِي شَيئًا لِوَجهِ اللهِ ـ أَنَّكَ إِنْ مَنَحتَ الآخَرِينَ شَيئًا مِمَّا تَملِكُ ، فَسَتَرَبحُ أَضعَافَ مَا مَنَحتَ ؛ لأَنَّكَ بِعَطَائِكَ تُعِيدُ الابتِسَامَةَ لِشِفَاهٍ طَالَمَا أُطبِقَت ، وَتَرسَمُ البَهجَةَ عَلَى وُجُوهٍ طَالَمَا عَبَسَت ، وَتُدخِلُ الأَمَلَ وَالفَرَحَ عَلَى قُلُوبٍ يَئِسَت وَتَأَلَّمَت وَحَزِنَت ، كَم مِن يَتِيمٍ فَقَد حَنَانَ الأُبُوَّةِ أَو لم يَذُقْ لِلأُمُومَةِ طَعمًا ، اِنشَرَحَ بِعَطَائِكَ صَدرُهُ ، وَابتَهَجَت بِبَذلِكَ نَفسُهُ ، وَخَفَّت بِجُودِكَ مُعَانَاتُهُ ، وَزَالَ بِكَرَمِكَ شَيءٌ مِن شَقَائِهِ ! وَكَم مِن أَرمَلَةٍ فَقَدَتِ العَائِلَ وَغَابَ عَنهَا الرَّاعِي ، وَذَاقَت مَرَارَةَ الغُربَةِ وَالحِرمَانِ بِفَقدِ زَوجِهَا ، أعَدتَ لَهَا شَيئًا مِنَ الأَمَلِ يُنِيرُ بَقِيَّةَ حَيَاتِهَا ، لِتُوقِنَ أَنَّهُ مَا زَالَ في الدُّنيَا خَيرٌ كَثِيرٌ وَنُفُوسٌ طَيِّبَةٌ وَأَيدٍ مُبَارَكَةٌ ، وَصُدُورٌ تَفِيضُ جُودًا وَقُلُوبٌ تَنبِضُ عَطَاءً ! العَطَاءُ ـ أَيُّهَا المُبَارَكُ ـ أَن تُقَدِّمَ مَا تَجُودُ بِهِ نَفسُكَ لِمَن تُحِبُّ وَمَن لا تُحِبُّ ، العَطَاءُ أَلاَّ تَعِيشَ لِنَفسِكَ مُستَأَثِرًا بما رَزَقَكَ رَبُّكَ ، بَل تَفتَحُ قَلبَكَ لِيَسعَ حَاجَاتِ الآخَرِينَ ، وَتَمُدُّ يَدَكَ لِتَسُدَّ فَاقَاتِ المُحتَاجِينَ ، لا تَنظُرْ لِقَدرِ مَا تُعطِي وَقِيمَتِهِ ، وَلَكِنِ انظُرْ إِلى مِقدَارِ مَا سَيُحدِثُهُ مِن وَقعٍ عَلَى القُلُوبِ ، وَتَفَكَّرْ في مَدَى تَأثِيرِهِ عَلَى النُّفُوسِ ، إِنَّ مِن سِمَاتِ العَطَاءِ الحَقِيقِيِّ أَلاَّ يَنتَظِرَ صَاحِبُهُ مِمَّن أَعطَاهُ أَيَّ مُقَابِلٍ قَلِيلاً كان أَو كَثِيرًا ، وَأَن يُخلِصَ للهِ نِيَّتَهُ وَقَصدَهُ ، وَيَطلُبَ مَا عِندَهُ وَحدَهُ ، العَطَاءُ الحَقِيقِيُّ أَن يُعطِيَ المُؤمِنُ مِن دَاخِلِهِ وَأَعمَاقِ قَلبِهِ ، دُونَ أَن يَشعُرَ أَنَّهُ مُرغَمٌ عَلَى ذَلِكَ أَو مَجبُورٌ ، العَطَاءُ الحَقِيقِيُّ أَن تَكُونَ بِعَطَائِكَ أَفرَحَ مِنَ الآخِذِ بما أَخَذَ ، أَلاَّ يَستَرِيحَ قَلبُكَ وَلا تَهدَأَ نَفسُكَ حَتَّى يَفرَحَ مَن حَولَكَ بما قَدَّمتَهُ لَهُم وَيَسعَدُوا بما وَهَبتَهُم ، أَنْ تُعطِيَ مَا تُعطِي وَدُمُوعُ عَينِكَ أَسبَقُ من يَدِكَ ، ذَاكَ هُوَ العَطَاءُ الصَّادِقُ . مَعشَرَ الدَّاعِمِينَ لِجَمعِيِّاتِ البِرِّ وَمَكَاتِبِ الدَّعوَةِ وَجَمعِيَّاتِ التَّحفِيظِ ، أَمَا تَرضَونَ أَن يَجمَعَ النَّاسُ الأَمَوَالَ وَيَكنِزُوهَا لِيَأكُلَهَا غَيرُهُم بَارِدَةً وَيَتَذَوَّقُوا هم حَرَارَةَ حِسَابِهَا ، وَتَعُودُوا أَنتُم بِخَيرِ مَا عَادَ بِهِ صَاحِبُ مَالٍ ، مَوعُودِينَ بِالخَيرِيَّةِ وَالخَلَفِ ، رَاجِينَ مُضَاعَفَةَ الحَسَنَاتِ وَرِفعَةَ الدَّرَجَاتِ ، طَامِعِينَ في جِوَارِ مُحَمَّدٍ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ في الجَنَّاتِ ؟ قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَقَالَ : " فَوَاللهِ لأَنْ يَهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيرٌ لَكَ مِن أَن يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَقَالَ : " أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذَا " وَأَشارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسطَى ، رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَقَالَ : " السَّاعِي عَلَى الأَرمَلَةِ وَالمِسكِينِ كَالمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللهِ " قَالَ الرَّاوِي : وَأَحسِبُهُ قَالَ : " وَكَالقَائِمِ لا يَفتُرُ وَكَالصَّائِمِ لا يُفطِرُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . يَا مَعشَرَ الدَّاعِمِينَ للمُؤَسَّسَاتِ الخَيرِيَّةِ ، مَا مَقَالاتٌ هَزِيلَةٌ وَتَصَرُّفَاتٌ مَشِينَةٌ تَصدُرُ مِن بَعضِكُم بَينَ فَينَةٍ وَأُخرَى ، إِمَّا مِنَّةً بما بَذَلتُم وَتَعدَادًا لِمَا أَنفَقتُم ، أَو تَخِذِيلاً لِلنَّاسِ وَإِغلاقًا لأَبوَابِ الخَيرِ ، أَو غِيبَةً لِلعَامِلِينَ في الجَمعِيَّاتِ وَأَكلاً لأَعرَاضِهِم لِشَيءٍ في النُّفُوسِ لا حَقِيقَةَ لَهُ في الوَاقِعِ ، أَمَا تَخشَونَ أَن تَحبَطَ بِذَلِكَ الأَعمَالُ ؟! أَمَا تَخَافُونَ أَن تَذهَبَ الصَّدَقَاتُ هَبَاءً مَنثُورًا ؟! إِنَّ اللهَ لَغَنيٌّ عَن كُلِّ عَمَلٍ لا يُرَادُ بِه وَجهُهُ ، عَن أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : أَرَأَيتَ رَجُلاً غَزَا يَلتَمِسُ الأَجرَ وَالذِّكرَ مَالَهُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا شَيءَ لَهُ " فَأَعَادَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا شَيءَ لَهُ " ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ اللهَ لا يَقبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابتُغِيَ بِهِ وَجهُهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقضَى يَومَ القِيَامَةِ عَلَيهِ رَجُلٌ استُشهِدَ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلتَ فِيهَا ؟ قَالَ : قَاتَلتُ فِيكَ حَتَّى استُشهِدتُ . قَالَ : كَذَبتَ ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلتَ لِيُقَالَ جَرِيءٌ ، فَقَد قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وَجهِهِ حَتَّى أُلقِيَ في النَّارِ ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ القُرآنَ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلتَ فِيهَا ؟ قَالَ : تَعَلَّمتُ العِلمَ وَعَلَّمتُهُ وَقَرَأتُ فِيكَ القُرآنَ ، قَالَ : كَذَبتَ ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمتَ العِلمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ ، وَقَرَأتَ القُرآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ ، فَقَد قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وَجهِهِ حَتَّى أُلقِيَ في النَّارِ ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ وَأَعطَاهُ مِن أَصنَافِ المَالِ كُلِّهِ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلتَ فِيهَا ؟ قَالَ : مَا تَرَكتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أَن يُنفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنفَقتُ فِيهَا لَكَ ، قَالَ : كَذَبتَ ، وَلَكِنَّكَ فَعَلتَ لِيُقَالَ : هُوَ جَوَادٌ ، فَقَد قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وَجهِهِ ثُمَّ أُلقِيَ في النَّارِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاحمَدُوهُ ، فَإِنَّ هَذِهِ المُؤَسَّسَاتِ الخَيرِيَّةَ الَّتي تَفتَحُ أَبوَابَهَا لِلرَّاغِبِينَ في البَذلِ وَتَستَقبِلُ مِنهُمُ العَطَاءَ ، إِنَّهَا لَنِعمَةٌ مِنَ اللهِ عَظِيمَةٌ وَمِنحَةٌ مِنهُ جَسِيمَةٌ ، لَو لم تَكُنْ لَظَلَّ كَثِيرُونَ لا يَعرِفُونَ لِلعَطَاءِ بَابًا وَلا يَهتَدُونَ إِلَيهِ سَبِيلاً ، وَإِيَّاكُم وَالمُخَذِّلِين َ بِدَعوَى أَنَّ في الجَمعِيَّاتِ أُنَاسًا مُقصِّرِينَ ، أَو أَنَّهَا تُخطِئُ فَتُعطِي مَن لا يَستَحِقُّونَ ، فَإِنَّمَا لِلمَرءِ مِنَ الخَيرِ مَا قَصَدَ ونَوَى ، وَمَن قَصَّرَ بَعدَ ذَلِكَ مِنَ العَامِلِينَ في الجَمعِيَّاتِ أَو تَهَاوَنَ ، فَإِنَّمَا إِثمُهُ عَلَى نَفسِهِ ، وَمَنِ اجتَهَدَ فَأَخطَأَ فَإِنَّمَا هُوَ بَشرٌ ، وتَأَمَّلُوا هَذَا الحَدِيثَ لِتُدرِكُوا ذَلِكَ وَتَفقَهُوهُ ، عَن مَعنِ بنِ يَزِيدَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : كَانَ أَبي يَزِيدُ أَخرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بها ، فَوَضَعَهَا عِندَ رَجُلٍ في المَسجِدِ ، فَجِئتُ فَأَخَذتُهَا فَأَتَيتُهُ بها ، فَقَالَ : وَاللهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدتُ ، فَخَاصَمتُهُ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : لَكَ مَا نَوَيتَ يَا يَزِيدُ ، وَلَكَ مَا أَخَذتَ يَا مَعنُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ . وَأَنفِقُوا مِن مَا رَزَقنَاكُم مِن قَبلِ أَن يَأتيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولا أَخَّرتَني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَلَن يُؤَخِّرَ اللهُ نَفسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَظُنُّ كَثِيرٌ مِمَّن لم يَنضِجُوا فِكرِيًّا وَلم يَتَرَبَّوا إِيمَانِيًّا ، أَنَّ مُنتَهَى السَّعَادَةِ في صِحَّةِ بَدَنٍ أو جَمَالِ جِسمٍ أَو كَثرَةِ مَالٍ ، وَيَفرَحُ أَحَدُهُم بِقَدرِ مَا يَأخُذُهُ وَيَستَحوِذُ عَلَيهِ ، في حِينِ أَنَّ الكِبَارَ عَقلاً وَالنَّاضِجِينَ فِكرًا ، يَنظُرُونَ بِبَصَائِرِهِم إِلى مَا عِندَ رَبِّهِم ، وَيَعِيشُونَ بِقُلُوبِهِم في الدَّارِ الآخِرَةِ ، وَمِن ثَمَّ فَهُم يَجِدُونَ السَّعَادَةَ في العَطَاءِ ، وَفي جَعلِ النَّاسِ مِن حَولِهِم سُعَدَاءَ . وَإِنَّ مَن وَفَّقَهُ اللهُ فَدَاوَمَ عَلَى العَطَاءِ وَذَاقَ حَلاوَتَهُ ، عَلِمَ أَنَّ الحَيَاةَ لا تَحلُو إِلاَّ لِلمُعطِينَ ، وَاستَنكَرَ عَلَى مَن لم يُرزَقُوا العَطَاءَ كَيفَ يَفرَحُونَ ويَهَنَؤُونَ ؟! وَكَيفَ يَجِدُونَ لِحَيَاتِهِم طَعمًا ولِعَيشِهِم مَعنىً ؟! أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ مَعشَرَ المُسلِمِينَ ـ وَمَن فَتَحَ اللهُ لَهُ بَابَ عَطَاءٍ بِاستِقطَاعٍ شَهرِيٍّ في مَكتَبِ دَعوَةٍ أَو جَمعِيَّةِ قُرآنٍ ، أَو وَفَّقَهُ لاشتِرَاكٍ سَنَوِيٍّ في جَمعِيَّةِ بِرٍّ ، فَلْيَحمَدِ اللهَ أَنْ جَعَلَهُ يَدًا عُليَا ، وَلْيَستَمِرَّ عَلَى عَطَائِهِ ، وَلْيَحذَرْ أَن يُبطِلَهُ بِالمَنِّ وَالأَذَى ، فَإِنَّهُ لا يُمكِنُ أَن يُفَرِّطَ عَاقِلٌ فِيمَا عِندَ اللهِ اتِّبَاعًا لِهَوًى في نَفسِهِ ، أَوِ انقِيَادًا لِخِلافَاتٍ شَخصِيَّةٍ وَطَلَبًا لِلانتِصَارِ عِندَ خِلافٍ . ولَقَد ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ مَثَلاً بَلِيغًا لأَثَرِ الإِنفَاقِ في إِسعَادِ المُنفِقِ وَشُؤمِ البُخلِ عَلَى صَاحِبِهِ فَقَالَ : " مَثَلُ البَخِيلِ وَالمُنفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَينِ عَلَيهِمَا جُنَّتَانِ مِن حَدِيدٍ مِن ثُدِيِّهِمَا إِلى تَرَاقِيهِمَا ، فَأَمَّا المُنفِقُ فَلا يُنفِقُ إِلاَّ سَبَغَت أَو وَفَرَت عَلَى جِلدِهِ حَتَّى تُخفِيَ بَنَانَهُ وَتَعفُوَ أَثَرَهُ ، وَأَمَّا البَخِيلُ فَلا يُرِيدُ أَن يُنفِقَ شَيئًا إِلاَّ لَزِقَت كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا ، فَهُوَ يُوَسِّعُهَا فَلا تَتَّسِعُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . فَيَا مَن يُرِيدُ سَعَادَةَ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، عَلَيكَ بِالعَطَاءِ ، يَا مَن تُرِيدُ مَحَبَّةَ الخَلقِ وَرِضَا الخَالِقِ ، عَلَيكَ بِالعَطَاءِ ، يَا مَن تُرِيدُ البَرَكَةَ في مَالِكَ وَالسَّعَةَ في رِزقِكَ ، عَلَيكَ بِالعَطَاءِ ، ثُمَّ لا تَظُنَّنَّ بَعدُ أَنَّ العَطَاءَ يَختَصُّ بِإِطعَامِ الطَّعَامِ وَتَقدِيمِ المَالِ فَقَطْ ، إِنَّ العَطَاءَ أَوسَعُ مِن ذَلِكَ وَأَشمَلُ ، اُعفُ عَمَّن ظَلَمَكَ ، وَتَجَاوَزْ عَمَّن أَسَاءَ إِلَيكَ ، وَصِلْ مَن قَطَعَكَ ، وَادعُ لإِخوَانِكَ المُسلِمِينَ بِظَهرِ الغَيبِ ، صَفِّ قَلبَكَ وَنَظِّفْ فُؤَادَكَ ، اِقبَلْ عُذرَ مَنِ اعتَذَرَ ، وَأَقِلْ عَثرَةَ مَن عَثَرَ ، قَدِّمْ لِمُجتَمَعِكَ فِكرَةً تُغَيِّرُهُ لِلأَحسَنِ وَالأَفضَلِ ، كُنْ صَالحًا في مُجتَمَعِكُ مُصلِحًا لِمَن حَولَكَ ، اِجعَلِ النَّاسَ يَشعُرُونَ أَنَّ الحَيَاةَ في جِوَارِكَ رَائِعَةٌ وَجَمِيلَةٌ ، تَنَازَلْ عَمَّا تَستَطِيعُ مِن حُقُوقِكَ ابتِغَاءَ وَجهِ اللهِ ، وَآثِرْ غَيرَكَ بِشَيءٍ مِمَّا وَهَبَكَ اللهُ ، لا تَنتَظِرْ مِنَ الآخَرِينَ جَزَاءً وَلا شُكُورًا ، لِيَكُنْ عَطَاؤُكَ وَمَنعُكَ للهِ ؛ لِتَنَالَ أَعظَمَ جَائِزَةٍ وَأَسعَدَ حَيَاةٍ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن أَحَبَّ للهِ وَأَبغَضَ للهِ ، وَأَعطَى للهِ وَمَنَعَ للهِ ، فَقَدِ استَكمَلَ الإِيمَانَ " صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَإِذَا لم تَستَطِعْ أَن تُقَدِّمَ شَيئًا مِنَ الخَيرِ فَكُفَّ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَكَ صَدَقَةٌ . " وَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيرًا أَو لِيَصمُتْ " و" إِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ لِلخَيرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلخَيرِ ، فَطُوبى لِمَن جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الخَيرِ عَلَى يَدَيهِ ، وَوَيلٌ لِمَن جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيهِ " |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري فضل بلاد الشام وكفر النصيرية الطغام 18 / 5 / 1432 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فَاتَّقُوا اللهَ " وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الأُمَّةُ الإِسلامِيَّةُ اليَومَ جَسَدٌ مُثخَنٌ بِالجِرَاحِ ، تَوَالَت عَلَيهِ الطَّعَنَاتُ مِنَ الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ ، وَتَتَابَعَت عَلَيهِ النَّكََبَاتُ مِن قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ ، وَبَينَمَا يَشتَكِي بَعضُ أَجزَائِهِ عَدَاوَةَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالمُلحِدِينَ ، تَتَحَمَّلُ أَجزَاءٌ أُخرَى مَا تَتَحَمَّلُ مِن غَدرِ البَّاطِنِيَّةِ والمُنَافِقِينَ . وَإِنَّ لِبِلادِ الشَّامِ مِن ذَلِكَ نَصِيبًا كَبِيرًا ، إِذْ مَا زَالَت تَشكُو إِلى اللهِ يَهُودًا في فِلِسطِينَ يُدَنِّسُونَ مَسرَى رَسُولِهِ ، وَرَافِضَةً وَنُصَيرِيَّةً وَدُرُوزًا في سُورِيَّةَ وَلُبنَانَ يُحَارِبُونَ أَولِيَاءَهُ ، وَآخَرِينَ مِن دُونِهِم يَتَرَبَّصُونَ بِالمُسلِمِينَ الدَّوَائِرَ وَيَبغُونَهُمُ الفِتنَةَ لا يَعلَمُهُم إِلاَّ اللهُ ، وَبَينَ هَذَا وَفي ثَنَايَاهُ ممَّا يَزِيدُ الأَمرَ سُوءًا ، تَنَازُلُ بَعضِ الشَّامِيِّينَ عَن مَبَادِئِهِم ، وَغَفلَتُهُم عَن مَصدَرِ عِزِّهِم ، وَاشتِغَالُهُم بِالشَّهَوَاتِ عَلَى اختِلافِ أَنوَاعِهَا ، في أُمُورٍ قَد تَقذِفُ بِاليَأسِ في قُلُوبِ بَعضِ المُؤمِنِينَ ، فَيَظُنُّونَ أَنَّ دَولَةَ البَاطِلِ في تِلكَ البِلادِ سَتَظَلُّ أَمَدًا طَوَيلاً ، في حِينِ أَنَّ العَكسَ مِن ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ بِإِذنِ اللهِ ، إِذْ صَحَّتِ الأَحَادِيثُ وَالآثَارُ في فَضلِ الشَّامِ وَأَهلِهِ ، بما يَدفَعُ المُؤمِنِينَ لِلتَّفَاؤُلِ وَيَزِيدُهُم ثِقَةً بِنَصرِ اللهِ ، فَالشَّامُ أَرضٌ مُبَارَكَةٌ ، وَفِيهَا أَجزَاءٌ مُقَدَّسَةٌ ، وَصَفَهَا بِذَلِكَ اللهُ الَّذِي يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَختَارُ ، وَدَعَا لَهَا بِالبَرَكَةِ مُحَمَّدٌ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ ، وَأَخبَرَ أَنَّ فِيهَا صَفوَةَ بِلادِ اللهِ وَمُهَاجَرَ خِيرَةِ عِبَادِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ عَلَى لِسَانِ مُوسَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ : " يَا قَومِ ادخُلُوا الأَرضَ المُقَدَّسَةَ الَّتي كَتَبَ اللهُ لَكُم " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ عن إِبرَاهِيمَ وَلُوطٍ ـ عَلَيهِمَا السَّلامُ ـ " وَنَجَّينَاهُ وَلُوطًا إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا لِلعَالمِينَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلِسُلَيمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجرِي بِأَمرِهِ إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ " وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ قَالَ : " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في شَامِنَا " وَعَن وَاثِلَةَ بنِ الأَسقَعِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " عَلَيكُم بِالشَّامِ ؛ فَإِنَّهَا صَفوَةُ بِلادِ اللهِ ، يُسكِنُهَا خِيرَتَهُ مِن خَلقِهِ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي الشَّامِ خَيرُ جُندِ اللهِ ، صَحَّ بِذَلِكَ الخَبَرُ عَن عَبدِاللهِ بنِ حَوَالَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : "سَتُجَنَّدُونَ أَجنَادًا ، جُندًا بِالشَّامِ وَجُندًا بِالعِرَاقِ وَجُندًا بِاليَمَنِ " قَالَ عَبدُاللهِ : فَقُمتُ فَقُلتُ : خِرْ لي يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ : " عَلَيكُم بِالشَّامِ ، فَمَن أَبى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَليَسْقِ مِن غُدُرِهِ ، فَإِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قَد تَكَفَّلَ لي بِالشَّامِ وَأَهلِهِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي الشَّامِ العِلمُ وَالإِيمَانُ ، فَعَن عَبدِاللهِ بنِ عَمرٍو ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنِّي رَأَيتُ كَأَنَّ عَمُودَ الكِتَابِ انتُزِعَ مِن تَحتِ وِسَادَتي ، فَأَتبَعتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلى الشَّامِ ، أَلا وَإِنَّ الإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الفِتَنُ بِالشَّامِ " أَخرَجَهُ الطَّبَرَانيُّ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَعُقرُ دَارِ المُؤمِنِينَ الشَّامُ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ في حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَالشَّامُ أَرضُ غَنِيمَةٍ وَرِزقٍ ، فَعَن أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " إِنَّ اللهَ استَقبَلَ بِيَ الشَّامَ وَوَلىَّ ظَهرِيَ اليَمَنَ ، وَقَالَ لي : يَا مُحَمَّدُ ، إِنِّي جَعَلتُ لَكَ مَا تُجَاهَكَ غَنِيمَةً وَرِزقًا ، وَمَا خَلفَ ظَهرِكَ مَدَدًا " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي الشَّامِ تَكُونُ قَاعِدَةُ المُسلِمِينَ في زَمَنِ المَلاحِمِ ، وَفِيهَا يَكُونُ نُزُولُ عِيسَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ في آخِرِ الزَّمَانِ وَمَهلِكُ الدَّجَّالِ ، الَّذِي مَا وُجِدَت وَلَن تُوجَدَ عَلَى الأَرضِ فِتنَةٌ هِيَ أَشَدُّ مِنَ فِتنَتِهِ ، فَعَن أَبي الدَّردَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " فُسطَاطُ المُسلِمِينَ يَومَ المَلحَمَةِ بِالغُوطَةِ ، إِلى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشقُ ، مِن خَيرِ مَدَائِنِ الشَّامِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحمَدُ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَنزِلُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ عِندَ المَنَارَةِ البَيضَاءِ شَرقِيَّ دِمَشقَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنزِلَ الرُّومُ بِالأَعمَاقِ أَو بِدَابِقَ ، فَيَخرُجُ إِلَيهِم جَيشٌ مِنَ المَدِينَةِ مِن خِيَارِ أَهلِ الأَرضِ يَومَئِذٍ ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ : خَلُّوا بَينَنَا وَبَينَ الَّذِينَ سَبَوا مِنَّا نُقَاتِلْهُم ، فَيَقُولُ المُسلِمُونَ : لا وَاللهِ ، لا نُخَلِّي بَينَكُم وَبَينَ إِخوَانِنَا ، فَيُقَاتِلُونَه ُم ، فَيَنهَزِمُ ثُلُثٌ لا يَتُوبُ اللهُ عَلَيهِم أَبَدًا ، وَيُقتَلُ ثُلُثٌ هُم أَفضَلُ الشُّهَدَاءِ عِندَ اللهِ ، وَيَفتَتِحُ الثُّلُثُ ، لا يُفتَنُونَ أَبَدًا ، فَيَفتَتِحُونَ قُسطَنطِينِيَّة َ ، فَبَينَمَا هُم يَقتَسِمُونَ الغَنَائِمَ قَد عَلَّقُوا سُيُوفَهُم بِالزَّيتُونِ ، إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيطَانُ : إِنَّ المَسِيحَ قَد خَلَفَكُم في أَهلِيكُم ، فَيَخرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ ، فَإِذَا جَاؤُوا الشَّامَ خَرَجَ ، فَبَينَمَا هُم يُعِدُّونَ لِلقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ ، إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ ، فَيَنزِلُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ فَأَمَّهُم ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ المِلحُ في المَاءِ ، فَلَو تَرَكَهُ لانذَابَ حَتَّى يَهلِكَ ، وَلَكِنْ يَقتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ ، فَيُرِيهِم دَمَهُ في حَربَتِهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَأتي المَسِيحُ مِن قِبَلِ المَشرِقِ هِمَّتُهُ المَدِينَةُ ، حَتَّى يَنزِلَ دُبُرَ أُحُدٍ ، ثُمَّ تَصرِفُ المَلاَئِكَةُ وَجهَهُ قِبَلَ الشَّامِ وَهُنَالِكَ يَهلِكُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَالشَّامُ ـ كَمَا لا يَجهَلُ أَيُّ مُسلِمٍ ـ هِيَ أَرضُ المَحشَرِ وَالمَنشَرِ ، فَعَن أَبي ذَرٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " الشَّامُ أَرضُ المَحشَرِ وَالمَنشَرِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ وَإِنْ تَكُنِ الشَّامُ في أَعقَابِ الزَّمَنِ وَمُتَأَخِّرِ السَّنَوَاتِ قَد نَالَهَا مِنَ الفَسَادِ مَا نَالَ غَيرَهَا ، إِلاَّ أَنَّ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَد مَدَحَهَا بِخَيرِ مَا يُمدَحُ بِهِ حَيثُ قَالَ : " طُوبى لِلشَّامِ " قِيلَ : وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " إِنَّ مَلائِكَةَ الرَّحمَنِ بَاسِطَةٌ أَجنِحَتَهَا عَلَيهَا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَد يَسأَلُ سَائِلٌ فَيَقُولُ : إِذَا كَانَت كُلُّ هَذِهِ الفَضَائِلِ لِلشَّامِ ، فَأَينَ كَانَتِ الشَّامُ طِيلَةَ العُقُودِ المَاضِيَةِ ؟ وَلِمَاذَا نَامَ أَهلُهَا ؟ وَكَيفَ لم يَنصُرُوا قَضَايَاهُم وَيَطرُدُوا العَدُوَّ مِن دِيَارِهِم ؟! وَالجَوَابُ أَنَّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَنَطَقَ بِهِ حَقَّ لا شَكَّ فِيهِ ، وَمَا ذَكَرَهُ مِن فَضَائِلِ الشَّامِ وَأَهلِهَا صِدقٌ لا مِريَةَ فِيهِ ، نُؤمِنُ بِهِ تَمَامَ الإِيمَانِ ، كَمَا نُؤمِنُ أَنَّ مِن سُنَنِ الحَقِّ الَّتي تُفَسِّرُ وَاقِعَ أَهلِ الشَّامِ وَغَيرِهِم مِنَ المُسلِمِينَ مِمَّن ضَعُفُوا اليَومَ وَاستَكَانُوا ، مَا جَاءَ في كِتَابِ اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ حَيثُ قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لم يَكُ مُغَيِّرًا نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَوَلَمَّا أَصَابَتكُم مُصِيبَةٌ قَد أَصَبتُم مِثلَيهَا قُلتُم أَنىَّ هَذَا قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ " نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ لَمَّا عَدَلَتِ الشَّامُ عَن عَقِيدَةِ الإِسلامِ الصَّافِيَةِ ، وَاختَارَتِ الشِّعَارَاتِ الجَاهِلِيَّةَ الكُفرِيَّةَ بَعثِيَّةً وَاشتِرَاكِيَّة ً ، وَجَعَلَت مَكَانَ الهُوِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ قَومِيَّاتٍ مُتَعَصِّبَةً وَحِزبِيَّاتٍ ضَيِّقَةً ، واستَبدَلَت بِرَايَةِ الجِهَادِ المُقَاومَاتِ الوَطَنِيَّةَ ، وَاشتَغَلَ أَهلُهَا بِالدُّنيَا وَانهَمَكُوا في الشَّهَوَاتِ كَغَيرِهِم ، إِذْ ذَاكَ ضَعُفَت كَمَا ضَعُفَ غَيرُهَا ، وَكَانَ الجَزَاءُ أَنْ سَلَبَ اللهُ ـ تَعَالى ـ ذَلِكَ الجِيلَ الخَيرِيَّةَ ، وَسَلَّطَ عَلَيهِ شَرَّ البَرِيَّةِ ، مِن يَهُودٍ وَنَصَارَى وَرَافِضَةٍ وَنُصَيرِيَّةٍ ، فَذَاقُوا بَعدَ العِزَّةِ ذُلاًّ وَمَهَانَةً ، مِصدَاقًا لِقَولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرهَمِ وَتَبَايَعُوا بِالعِينَةِ ، وَتَبِعُوا أَذنَابَ البَقَرِ وَتَرَكُوا الجِهَادَ في سَبِيلِ اللهِ ، أَدخَلَ اللهُ ـ تَعَالى ـ عَلَيهِم ذُلاًّ لا يَرفَعُهُ عَنهُم حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُم " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . ثُمَّ إِنَّ مَا جَاءَ مِن فَضَائِلَ لِلشَّامِ وَأَهلِهَا لَيسَت قَطعًا لِلقَومِيِّينَ وَلا لِلبَعثِيِّينَ وَلا الاشتِرَاكِيِّي نَ ، وَلا لِلبَاطِنِيَّةِ النُصَيرِيَّةِ وَلا لِلرَّافِضَةِ وَالدُّرُوزِ ، بَل هِيَ لأَولِيَاءِ اللهِ الصَّالِحِينَ وَأَهلِ الإِيمَانِ الخَالِصِ ، مِنَ المُقِيمِي الصَّلاةِ المُؤتِينَ الزَّكَاةَ ، المُجَاهِدِينَ في سَبِيلِ اللهِ ، المُنَاصِرِينَ لِلحَقِّ القَائِمِينَ بِهِ ، الذَّابِّينَ عَن حِيَاضِ الدِّينِ ، الَّذِينَ لا يَبتَغُونَ العِزَّةَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ وَلا يَرضَونَ رَبًّا سِوَاهُ ، وَمَا أَكثَرَهُم في الشَّامِ الآنَ ، يَعلَمُ بِذَلِكَ مَن زَارَهَا وَاطَّلَعَ عَلَى حَالِ أَهلِهَا ! وَإِنَّ أَرضًا عَاشَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ ، وَثُغُورًا رَابَطَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الأَبطَالِ وَالمُجَاهِدِين َ ، وَمُدُنًا أَخرَجَت أَفذَاذًا من العُلَمَاءِ وَالمُصلِحِينَ ، كَابنِ تَيمِيَّةَ وَابنِ القَيِّمِ وَابنِ كَثِيرٍ ، وَبِلادًا عَاشَ فِيهَا كِبَارٌ كَالأَوزَاعِيِّ وَابنِ قُدَامَةَ والذَّهَبيِّ ، وَاحتَوَت مَا لا يُحصَى مِن أَربِطَةِ العُلَمَاءِ وَأَوقَافِ المُحسِنِينَ ، وَازدَهَرَت بها مَكتَبَاتُ العِلمِ وَحُفِظَت فِيهَا المَخطُوطَاتُ ، إِنَّهَا لَن تَعجَزَ أَن تَلِدَ رِجَالاً يُعِيدُونَ لها سَابِقَ مَجدِهَا وَغَابِرَ عِزِّهَا ، والأَحَادِيثُ تُبَشِّرُ بِزَوَالِ البَاطِلِ وَظُهُورِ الحَقِّ ، وَالأَيَّامُ دُوَلٌ " وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد تَاهَ أَهلُ الشَّامِ في أَرضِهِم أَربَعَةَ عُقُودٍ بَينَ القَومِيَّةِ وَالبَعثِيَّةِ وَالوَطَنِيَّةِ وَالاشتِرَاكِيّ َةِ ، تَجلِدُ ظُهُورَهُم سِيَاطُ النُصَيرِيَّةِ البَاطِنِيَّةِ ، تِلكَ الشِّرذِمَةُ القَلِيلَةُ مِن أَهلِ الكُفرِ وَالضَّلالِ ، الَّذِينَ رَكِبُوا ظُهُورَ أَهلِ الشَّامِ في وَقتِ غَفلَةٍ ، وَمَا زَالُوا إِلى اليَومِ يَسُومُونَ أَهلَ السُّنَّةِ العَذَابَ ، يُقَتِّلُونَ رِجَالَهُم وَيَزُجُّونَ بهم في السُّجُونِ ، وَيَعِيثُونَ فَسَادًا في أَرضِهِم وَيَستَضعِفُونَ نِساءَهُم ، وَلِسَائِلٍ أَن يَتَسَاءَلَ : وَمَنِ النُّصَيرِيَّةُ ؟! وَمَا مُعتَقَدُهُم ؟ فَيُقَالُ : إِنَّهَا فِرقَةٍ بَاطِنِيَّةٌ خَبِيثَةٌ ، ظَهَرَت في القَرنِ الثَّالِثِ عَلى يَدِ رَجُلٍ يُدعَى مُحَمَّدَ بنَ نُصَيرٍ البَصرِيِّ النُّمَيرِيِّ ، ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَأَلَّهَ عَلَيَّ بنَ أَبي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ وَغلا في الأَئِمَّةِ فَنَسَبَهُم إِلى مَقَامِ الأُلُوهِيَّةِ . وَالنُصَيرِيَّة ُ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ يَقُولُونَ بِأَنَّ ظُهُورَ عَلَيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ الرُّوحَانيَّ بِالجَسَدِ الجِسمَانيِّ الفَاني ، كَظُهُورِ جِبرِيلَ في صُورَةِ بَعضِ الأَشخَاصِ ، وَأَنَّ ظُهُورَهُ في صُورَةِ النَّاسُوتِ لم يَكُنْ إِلاَّ إِينَاسًا لِخَلقِهِ وَعَبِيدِهِ ، وَلِذَلِكَ فَهُم يُحِبُّونَ عَبدَالرَّحمَنِ بنَ مُلجِمٍ قَاتِلَ الإِمَامِ عَلَيٍّ وَيَتَرَضَّونَ عَنهُ لِزَعمِهِم أَنَّهُ خَلَّصَ اللاَّهُوتَ مِنَ النَّاسُوتِ ، وَيَعتَقِدُ بَعضُهُم أَنَّ عَلِيًّا ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ يَسكُنُ السَّحَابَ بَعدَ تَخَلُّصِهِ مِنَ الجَسَدِ الَّذِي كَانَ يُقَيِّدُهُ ، وَإِذَا مَرَّ بِهِمُ السَّحَابُ قَالُوا : السَّلامُ عَلَيكَ يَا أَبَا الحَسَنِ ، وَيَقُولُونَ : إِنَّ الرَّعدَ صَوتُهُ وَالبَرقَ سَوطُهُ ، وَيَعتَقِدُونَ أَنَّ عَلِيًّا خَلَقَ مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَنَّ مُحَمَّدًا خَلَقَ سَلمَانَ الفَارِسِيَّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ وَأَنَّ سَلمَانَ قَد خَلَقَ الأَيتَامَ الخَمسَةَ الَّذِينَ هُم : المِقدَادُ بنُ الأَسوَدِ ، وَيَعُدُّونَه رَبَّ النَّاسِ وَخَالِقَهُم وَالمُوَكَّلَ بِالرُّعُودِ . وَأَبُو ذَرٍّ الغِفَارِيُّ ، وَهُوَ المُوَكَّلُ عِندَهُم بِدَوَرَانِ الكَواكِبِ وَالنُّجُومِ . وَعَبدُاللهِ بنُ رَوَاحَةَ ، وَهُوَ المُوَكَّلُ في زَعمِهِم بِالرِّيَاحِ وَقَبضِ أَروَاحِ البَشَرِ ، وَعُثمَانُ بنُ مَظعُونٍ ، وَهُوَ المُوَكَّلُ في خُزَعبِلاتِهِم بِالمَعِدَةِ وَحَرَارَةِ الجَسَدِ وَأَمرَاضِ الإِنسَانِ . وَقَنبَرُ بنُ كَادَانَ ، وَهُوَ المُوَكَّلُ في كَذِبِهِم بِنَفخِ الأَروَاحِ في الأَجسَامِ . وَالنُّصَيرِيَّ ةُ يُبغِضُونَ الصَّحَابَةَ بُغضًا شَدِيدًا ، وَيَلعَنُونَ أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ وَعُثمَانَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَجمَعِينَ ـ ، وَيُحَرِّمُونَ زِيَارَةَ قَبرِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لأَنَّ في جِوَارِهِ أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ ، وَيَزعُمُونَ أَنَّ لِلعَقِيدَةِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، وَأَنَّهُم وَحدَهُم العَالِمُونَ بِبَوَاطِنِ الأَسرَارِ ، وَلَهُم أَعيَادٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلى مُجمَلِ عَقِيدَتِهِم ، الَّتي هِيَ خَلِيطٌ مِن عَقَائِدِ الفُرسِ المَجُوسِ وَالنَّصَارَى وَالوَثَنِيَّةِ القَدِيمَةِ ، وَقَد تَأَثَّرُوا بِالأَفلاطُونِي َّةِ الحَدِيثَةِ وَنَقَلُوا عَنِ الهِندُوسِيَّةِ البُوذِيَّةِ فِكرَةَ التَّنَاسُخِ وَالحُلُولِ . وَلِهَؤُلاءِ الفَجَرَةِ لَيلَةٌ يَختَلِطُ فِيهَا الحَابِلُ بِالنَّابِلِ ، وَهُم يُعَظِّمُونَ الخَمرَ وَيَحتَسُونَهَا ، وَلا يَتَمَسَّكُونَ بِطَهَارَةٍ وَلا يَتَرَفَّعُونَ عَن جَنَابَةٍ ، وَيُصَلُّونَ صَلاةً تَختَلِفُ في عَدَدِ الرَّكَعَاتِ ، وَلا تَشتَمِلُ عَلَى سُجُودٍ وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَوعٌ مِن رُكُوعٍ أَحيَانًا ، وَلا يُصَلُّونَ الجُمُعَةَ وَلَيسَ لَهُم مَسَاجِدُ عَامَّةٌ ، بَل يُصَلُّونَ في بُيُوتِهِم صَلاةً مَصحُوبَةً بِتِلاوَةِ الخُرَافَاتِ ، وَلا يَعتَرِفُونَ بِالزَّكَاةِ الشَّرعِيَّةِ ، وَإِنَّمَا يَدفَعُونَ ضَرِيبَةً إِلى مَشَايِخِهِم زَاعِمِينَ بِأَنَّ مِقدَارَهَا خُمسُ مَا يَملِكُونَ ، وَالصِّيَامُ لَدَيهِم هُوَ الامتِنَاعُ عَن مُعَاشَرَةِ النِّسَاءِ طِيلَةَ شَهرِ رَمَضَانَ ، وَلا يَعتَرِفُونَ بِالحَجِّ ، بَلْ يَعُدُّونَهُ كُفرًا وَعِبَادَةَ أَصنَامٍ . وَقَد سُئِلَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ عَنِ الدُّرزِيَّةِ وَالنُّصَيرِيّ َةِ : مَاحُكمُهُم ؟ فَأَجَابَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : هَؤُلاءِ الدُّرزِيَّةُ وَالنُصَيرِيَّ ةُ كُفَّارٌ بِاتِّفَاقِ المُسلِمِينَ ، لا يَحِلُّ أَكلُ ذَبَائِحِهِم وَلا نِكَاحُ نِسَائِهِم ، بَلْ وَلا يُقَرُّونَ بِالجِزيَةِ ؛ فَإِنَّهُم مُرتَدُّونَ عَن دِينِ الإِسلامِ ، لَيسُوا مُسلِمِينَ وَلا يَهُودًا وَلا نَصَارَى ، لا يُقِرُّونَ بِوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الخَمسِ ، وَلا وُجُوبِ صَومِ رَمَضَانَ ، وَلا وُجُوبِ الحَجِّ ، وَلا تَحرِيمِ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنَ المَيتَةِ وَالخَمرِ وَغَيرِهِمَا . وَإِن أَظهَرُوا الشَّهَادَتَينِ مَعَ هَذِهِ العَقَائِدِ ، فَهُم كُفَّارٌ بِاتِّفَاقِ المُسلِمِينَ . وَقَالَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : هَؤُلاءِ القَومُ المُسَمَّونَ بِالنُصَيرِيَّة ِ هُم وَسَائِرُ أَصنَافِ القَرَامِطَةِ البَاطِنِيَّةِ أَكفَرُ مِن اليَهُودِ وَالنَّصَارَى ، بَل وَأَكفَرُ مِن كَثِيرٍ مِنَ المُشرِكِينَ ، وَضَرَرُهُم عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَعظَمُ مِن ضَرَرِ الكُفَّارِ المُحَارِبِينَ ، مِثلِ كُفَّارِ التَّتَارِ وَالفِرِنجِ وَغَيرِهِم ؛ فَإِنَّ هَؤُلاءِ يَتَظَاهَرُونَ عِندَ جُهَّالِ المُسلِمِينَ بِالتَّشَيُّعِ وَمُوَالاةِ أَهلِ البَيتِ ، وَهُم في الحَقِيقَةِ لا يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِرَسُولِهِ وَلا بِكِتَابِهِ ، وَلا بِأَمرٍ وَلا نَهيٍ ، وَلا ثَوَابٍ وَلا عِقَابٍ وَلا جَنَّةٍ وَلا نَارٍ ، وَلا بِأَحَدٍ مِنَ المُرسَلِينَ قَبلَ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَلا بِمِلَّةٍ مِنَ المِلَلِ السَّالِفَةِ ، بَل يَأخُذُونَ كَلامَ اللهِ وَرَسُولِهِ المَعرُوفَ عِندَ عُلَمَاءِ المُسلِمِينَ يَتَأَوَّلُونَه ُ عَلَى أُمُورٍ يَفتَرُونَهَا ، يَدَّعُونَ أَنَّهَا عِلمُ البَاطِنِ ..." انتَهَى كَلامُهُ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ وَهُوَ الكَلامُ الفَصلُ الجَزلُ ، الَّذِي حُصِرَت بِهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الخَبِيثَةُ في مَكَانٍ ضَيِّقٍ في بِلادِ الشَّامِ عِدَّةَ قُرُونٍ ، لا يُمَكَّنُونَ مِنَ الوَظَائِفِ وَلا مِنَ التَّعلِيمِ ، حَتَّى احتَلَّت فَرَنسَا بِلادَ الشَّامِ ، فَأَخرَجَتهُم وَأَبرَزَتهُم ولَمَّعَتهُم ، وَلَقَّبَتهُم بِالعَلَوِيِّين َ وَمَكَّنَتهُم مِنَ المَنَاصِبِ المُهِمَّةِ في الدَّولَةِ ... هَذِهِ هِيَ النُصَيرِيَّةُ الكَافِرَةُ المُرتَدَّةُ ، الَّتي سُلِّطَت عَلَى أَهلِ الشَّامِ لَمَّا زَاغُوا عَنِ الحَقِّ وَاتَّبَعُوا نَاعِقَ القَومِيَّةِ ، وَأَرخُوا السَّمعَ لَنَابِحِ الوَطَنِيَّةِ ، وَطَأطَؤُوا الرُّؤُوسَ لِكُفرِ البَعثِيَّةِ وَسَفَاهَةِ الاشتِرَاكِيَّة ِ ، وَتَرَكُوا المَنهَجَ القَوِيمَ وَحَادُوا عَنِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، وَلَن تَرجِعَ لَهُم عِزَّتُهُم وَلَن يَنَالُوا الفَضلَ الَّذِي جَاءَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِم إِلاَّ بِالرُّجُوعِ إِلى دِينِهِمُ الحَقِّ وَتَمَسُّكِهِم بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فَنَسأَلُ اللهَ أَن يُهَيِّئَ لَهُم مِن أَمرِهِم رَشَدًا ، وَأَن يَحقِنَ دِمَاءَهُم وَيَحفَظَ رِجَالَهُم وَنِسَاءَهُم . |
| الساعة الآن 08:26 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
-
arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By
Almuhajir
... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...
.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..