مجالس الرويضة لكل العرب

مجالس الرويضة لكل العرب (http://www.rwwwr.com/vb/httb:www.rwwwr.com.php)
-   روحانيات (http://www.rwwwr.com/vb/f5.html)
-   -   خطب الشيخ عبدالله البصري (http://www.rwwwr.com/vb/t31002.html)

ناصرعبدالرحمن 21-06-2012 11:36 PM

رد: خطب الشيخ عبدالله البصري
 

قل اللهم مالك الملك 2 / 8 / 1433



الخطبة الأولى :


أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " بَلَى مَن أَوفى بِعَهدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ "


أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، كُلَّ يَومٍ يَعِيشُهُ العَاقِلُ في هَذِهِ الحَيَاةِ ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّمُ جَدِيدًا وَيَكتَسِبُ مُفِيدًا ، وَالكَيِّسُ مِنَ النَّاسِ مَنِ اعتَبَرَ بما غَبَرَ ، وَالفَطِنُ مَن أَخَذَ مِنَ المَاضِي دُرُوسًا لِلحَاضِرِ ، وَعَمِلَ بما يُنجِيهِ يَومَ التَّلاقِ " يَومَ هُم بَارِزُونَ لا يَخفَى عَلَى اللهِ مِنهُم شَيءٌ لِمَنِ المُلكُ اليَومَ للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ . اليَومَ تُجزَى كُلُّ نَفسٍ بما كَسَبَت لا ظُلمَ اليَومَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ "


عِبَادَ اللهِ ، في شُهُورٍ مَضَت فِيمَا بَينَ العَامِ وَالعَامَينِ وَلا تَزِيدُ ، تَوَالَت عَلَى عَالَمِنَا العَرَبيِّ وَالإِسلامِيِّ أَحدَاثٌ جِسَامٌ ، وَمَرَّت بِهِ تَغَيُّرَاتٌ عِظَامٌ ، سَقَطَت حُكُومَاتٌ وَقَامَت حُكُومَاتٌ ، وَتَولىَّ المُلكَ رِجَالٌ وَسَقَطَ رِجَالٌ ، وَمَاتَ حُكَّامٌ وَقُتِلَ رُؤَسَاءُ ، وَأَمِنَت دُوَلٌ وَخَافَت دُوَلٌ ، وَتَحَرَّرَت شُعُوبٌ وَاستُعبِدَت شُعُوبٌ ، فَسُبحَانَ اللهِ الَّذِي بِيَدِهِ المُلكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ! سُبحَانَ مَن لا يَحُولُ وَلا يَزُولُ ! سُبحَانَ الحَيِّ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ " إِنَّمَا أَمرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ . فَسُبحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٍ وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ " " فَسُبحَانَ اللهِ رَبِّ العَرشِ عَمَّا يَصِفُونَ . لا يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلُونَ " " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤتي المُلكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ . تُولِجُ اللَّيلَ في النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ في اللَّيلِ وَتُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَتَرزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ "
هَذَا شَأنُ اللهِ في خَلقِهِ ، وَذَلِكُم تَدبِيرُهُ في مُلكِهِ ، لا رَادَّ لما قَضَى ، وَلا مَانِعَ لما أَعطَى ، وَلا مُعطِيَ لما مَنَعَ ، وَلا رَافِعَ لما خَفَضَ وَلا خَافِضَ لما رَفَعَ .


أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ العَظِيمَةَ ، كَانَت وَمَا زَالَت وَلَن تَزَالَ إِلى أَن يَرِثَ اللهُ الأَرضَ وَمَن عَلَيهَا ، وَمَن قَرَأَ كِتَابَ اللهِ وَفَقِهَهُ ، وَوَعَى التَّأرِيخَ وَتَأَمَّلَ أَحدَاثَهُ ، وَجَدَ مِن ذَلِكَ مَا يَملأُ قَلبَهُ يَقِينًا بِأَنَّهُ لا بَقَاءَ إِلاَّ للهِ ، وَلا مَالِكَ حَقِيقِيَّ إِلاَّ اللهُ ، وَأَنَّهُ لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِيَدِهِ ، وَأَنَّهُ لا شِدَّةٌ تَدُومُ وَلا رَخَاءٌ " يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لأُولي الأَبصَارِ "
عَاشَ آدَمُ وَزَوجُهُ في الجَنَّةِ مَا شَاءَ اللهُ لهما أَن يَعِيشَا ، ثم أَنزَلَهُمَا اللهُ إِلى الأَرضِ لِحِكمَةٍ يَعلَمُهَا ، وَعَلَى هَذِهِ الأَرضِ انتَشَرَ بَنُوهُمَا وَتَكَاثَرَ نَسلُهُم ، وَابتُلُوا بِالشَّرِّ وَالخَيرِ ، وَجُعِلَ بَعضُهُم لِبَعضٍ فِتنَةً ، وَعَاشُوا في شَدٍّ وَجَذبٍ وَقُوَّةٍ وَضَعفٍ ، يَرتَفِعُ بَعضُهُم حِقبَةً ثم يَقَعُ ، وَيَعتَلِي آخَرُونَ حِينًا ثم يَهبِطُونَ ، وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ . وَلَو تَأَمَّلَ مُتَأَمِّلٌ مَا جَرَى لأَنبِيَاءِ اللهِ وَأَولِيَائِهِ وَأَصفِيَائِهِ مَعَ أَقوَامِهِم وَمَن حَولَهُم ، لَوَجَدَ هَذِهِ السُّنَّةَ مَاضِيَةً جَارِيَةً ، لا يَكَادُ زَمَانٌ يَخلُو مِن صِرَاعٍ بَينَ حَقٍّ وَبَاطِلٍ ، وَلا مِن تَغلُّبِ جَانِبٍ وَانهِزَامِ جَانِبٍ ، وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ ، دَعَا نُوحٌ قَومَهُ مِئَاتِ السِّنِينَ ، وَلم يَزدَادُوا إِلاَّ فِرَارًا ، وَأَصَرُّوا وَاستَكبَرُوا استِكبَارًا ، وَسَخِرُوا مِنهُ وَاستَهزَؤُوا بِهِ ، ثم كَانَتِ الغَلَبَةُ لَهُ عَلى سَفِينَةٍ صَنَعَهَا بِيَدِهِ ، فَجَرَت في مَوجٍ كَالجِبَالِ تَحتَ عَينِ اللهِ ، حَتى " قِيلَ يَا نُوحُ اهبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّن مَعَكَ "
وَحَاوَلَ قَومُ إِبرَاهِيمَ قَتلَهُ ، وَرَمَوهُ في النَّارِ لِحَرقِهِ ، فَقَاوَمَهُم وَحدَهُ وَهَاجَرَ إِلى رَبِّهِ " فَأَنجَاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ "
وَأُرسِلَ هُودٌ إِلى عَادٍ ، فَجَحَدُوا بِآيَاتِ اللهِ وَعَصَوا رُسُلَهُ ، فَكَانَتِ النَّتِيجَةُ " وَلَمَّا جَاءَ أَمرُنَا نَجَّينَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحمَةٍ مِنَّا وَنَجَّينَاهُم مِن عَذَابٍ غَلِيظٍ "
وَبَعَثَ اللهُ في ثمودٍ صَالحًا ، فَمَا زَالُوا في شَكٍّ ممَّا جَاءَهُم بِهِ وَرِيبَةٍ ، حَتى أَخَذَهُمُ اللهُ بِالصَّيحَةِ " فَلَمَّا جَاءَ أَمرُنَا نَجَّينَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحمَةٍ مِنَّا وَمِن خِزيِ يَومِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ القَوِيُّ العَزِيزُ . وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيحَةُ فَأَصبَحُوا في دِيَارِهِم جَاثِمِينَ . كَأَن لم يَغنَوا فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُم أَلا بُعدًا لِثَمُودَ "
وَأَمَّا لُوطٌ فَبُعِثَ في قَومٍ أُشرِبُوا في قُلُوبِهِم حُبَّ الفَوَاحِشِ وَالعُدُولَ عَنِ الفِطرَةِ السَّوِيَّةِ إِلى الشَّهوَةِ البَهِيمِيَّةِ " فَلَمَّا جَاءَ أَمرُنَا جَعَلنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمطَرنَا عَلَيهَا حِجَارَةً مِن سِجِّيلٍ مَنضُودٍ . مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالمِينَ بِبَعِيدٍ "
وَأَمَّا شُعَيبٌ فَأُرسِلَ إِلى أَهلِ مَديَنَ ، فَأَبَوا إِلاَّ التَّعَلُّقَ بِدُنيَاهُم وَتَفضِيلَهَا عَلَى مَا عِندَ اللهِ ، وَاستَهزَؤُوا بِشُعَيبٍ وَبِصَلاتِهِ ، فَحَذَّرَهُم وَقَالَ لهم : " وَيَا قَومِ لا يَجرِمَنَّكُم شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِثلُ مَا أَصَابَ قَومَ نُوحٍ أَو قَومَ هُودٍ أَو قَومَ صَالِحٍ وَمَا قَومُ لُوطٍ مِنكُم بِبَعِيدٍ " فَمَا ازدَادُوا إِلاَّ عُتُوًّا وَاستِكبَارًا ، فَأَصَابَهُم مَا أَصَابَ مَن قَبلَهُم " وَلَمَّا جَاءَ أَمرُنَا نَجَّينَا شُعَيبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيحَةُ فَأَصبَحُوا في دِيَارِهِم جَاثِمِينَ . كَأَن لم يَغنَوا فِيهَا أَلا بُعدًا لِمَديَنَ كَمَا بَعِدَت ثَمُودُ "
وَهَكَذَا حَدَثَ لِمُوسَى وَقَومِهِ مَعَ فِرعَونَ الَّذِي " عَلا في الأَرضِ وَجَعَلَ أَهلَهَا شِيَعًا يَستَضعِفُ طَائِفَةً مِنهُم يُذَبِّحُ أَبنَاءَهُم وَيَستَحيِي نِسَاءَهُم إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفسِدِينَ " فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ ـ تَعَالى ـ أن يَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا في الأَرضِ وَيَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَيَجعَلَهُمُ الوَارِثِينَ وَيُمَكِّنَ لَهُم في الأَرضِ وَيُرِيَ فِرعَونَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنهُم مَا كَانُوا يَحذَرُونَ ، لَمَّا أَرَادَ اللهُ ذَلِكَ ، دَبَّرَ ـ سُبحَانَهُ ـ بِحِكمَتِهِ لِمُوسَى أَلطَفَ التَّدَابِيرِ ، وَوَقَاهُ كَيدَ فِرعَونَ وَقَومِهِ ، بَل وَقَدَّرَ لَهُ العَيشَ في بَيتِ ذَلِكُمُ الطَّاغِيَةِ وَتَحتَ كَنَفِهِ وَكَفَالَتِهِ ، لِيَكُونَ لَهُ بَعدَ ذَلِكَ عَدُوًّا وَحَزَنًا ، حَتى إِذَا أَرَادَ ـ سُبحَانَهُ ـ نَصرَ المُستَضعَفِينَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَانتَقَمنَا مِنهُم فَأَغرَقنَاهُم في اليَمِّ بِأَنَّهُم كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنهَا غَافِلِينَ . وَأَورَثنَا القَومَ الَّذِينَ كَانُوا يُستَضعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتي بَارَكنَا فِيهَا وَتَمَّت كَلِمَةُ رَبِّكَ الحُسنى عَلَى بَني إِسرَائِيلَ بما صَبَرُوا وَدَمَّرنَا مَا كَانَ يَصنَعُ فِرعَونُ وَقَومُهُ وَمَا كَانُوا يَعرِشُونَ "
وَللهِ ـ تَعَالى ـ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ أَولِيَاءُ وَأَعدَاءٌ يَدفَعُ بِبَعضِهِم بَعضًا ، وَقَد قَصَّ عَلَينَا في كِتَابِهِ كَثِيرًا مِن أَنبَائِهِم لِنَتَّعِظَ وَنَعتَبِرَ " ذَلِكَ مِن أَنبَاءِ القُرَى نَقُصُّهُ عَلَيكَ مِنهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ . وَمَا ظَلَمنَاهُم وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم فَمَا أَغنَت عَنهُم آلِهَتُهُمُ الَّتي يَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ مِن شَيءٍ لَمَّا جَاءَ أَمرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُم غَيرَ تَتبِيبٍ . وَكَذَلِكَ أَخذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ . إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِمَن خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَومٌ مَجمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَومٌ مَشهُودٌ "


أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلا يَغتَرَّنَّ قَوِيٌّ بِقُوَّتِهِ ، وَلا يَيأَسَنَّ ضَعِيفٌ لِضَعفِهِ ، وَاعتَبِرُوا فَقَد قَرَأتُم وَسَمِعتُم ، بَل وَرَأَيتُم وَشَهِدتُم ، فَخُذُوا العِبرَةَ قَبلَ أَن تَكُونُوا عِبرَةً ، وَكُونُوا مَعَ الصَّابِرِينَ ، وَادعُوا اللهَ أَن يُفرِغَ عَلَى إِخوَانِكُمُ المُؤمِنِينَ المُستَضعَفِينَ صَبرًا وَأَن يُثَبِّتَ أَقدَامَهُم وَيَنصُرَهُم عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ . فَإِنَّهُ ـ تَعَالى ـ قَد نَصَرَ الفِئَةَ القَلِيلَةَ الصَّابِرَةَ عَلَى الكَثِيرَةِ البَاغِيَةِ " فَهَزَمُوهُم بِإِذنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ المُلكَ وَالحِكمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَولا دَفعُ اللهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَفَسَدَتِ الأَرضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضلٍ عَلَى العَالمِينَ "



الخطبة الثانية :


أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَكُونُوا مَعَهُ يَكُنْ مَعَكُم ، فَإِنَّهُ ـ تَعَالى ـ الَّذِي بِيَدِهِ المُلكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، يُعِزُّ مَن يَشَاءُ بِأَن يَهدِيَهُ وَيَشرَحَ صَدرَهُ لِلإِسلامِ ، فَيُقبِلَ عَلَى طَاعَتِهِ وَيَأنَسَ بِالقُربِ مِنهُ ، وَيُوَفِّقَهُ لِلعَدلِ وَالإِحسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُربى ، وَيُذِلُّ مَن يَشَاءُ بِأَن يَكِلَهُ إِلى نَفسِهِ فَيَجحَدَ رَبَّهُ وَيَكفُرَ بِهِ ، وَيُعرِضَ عَن طَاعَتِهِ وَيَستَكبِرَ وَيَستَنكِفَ ، وَيَستَوحِشَ بِالبُعدِ عَنهُ ، فَيَكُونَ ظَالِمًا بَاغِيًا مُتَجَاوِزًا .
وَإِنَّ في اعتِلاءِ حُكَّامٍ فِيمَا مَضَى وَنُزُولِ آخَرِينَ ، وَارتِفَاعِ رُؤَسَاءَ وَانخِفَاضِ كُبَرَاءَ ، ومَوتِ مَن مَاتَ وَسَجنِ مَن سُجِنَ ، إِنَّ في ذَلِكَ لأَكبَرَ العِبَرِ وَأَعظَمَ الدَّلائِلِ ، عَلَى كَونِ مُلكِ هَذِهِ الدُّنيَا قَصِيرًا وَإِنْ طَالَ ، حَقِيرًا وَإِنْ تَعَاظَمَ ، قَلِيلاً وَإِنْ تَكَثَّرَ ، فَكَيفَ بما دُونَهُ مِن وِزَارَاتٍ أَو رِئَاسَةِ إِدَارَاتٍ ، أَو مُلكِ أَموَالٍ وَأَسهُمٍ وَعَقَارَاتٍ ، بَل كَيفَ بِدَرَاهِمَ مَعدُودَةٍ وَفُتَاتٍ ، فَهَنِيئًا لِمَن أَطَالَ الفِكرَةَ فَأَخَذَ العِبرَةَ ، وَأَدَامَ النَّظَرَ فَاعتَبَرَ ، وَيَا لَخَسَارَةِ مَنِ اغتَرَّ وَافتُتِنَ ، فَبَاعَ بَاقِيًا بِفَانٍ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ فَـ" إِنَّ الأَرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ " " وَلَقَد كَتَبنَا في الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ "
وَأَمَّا في يَومِ القِيَامَةِ فَإِنَّ المُلكَ كُلَّهُ للهِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَومَ هُم بَارِزُونَ لا يَخفَى عَلَى اللهِ مِنهُم شَيءٌ لِمَنِ المُلكُ اليَومَ للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّا نَحنُ نَرِثُ الأَرضَ وَمَن عَلَيهَا وَإِلَينَا يُرجَعُونَ "
وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ وَغَيرِهِ قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يَطوِي اللهُ السَّمَاوَاتِ يَومَ القِيَامَةِ ، ثم يَأخُذُهُنَّ بِيَدِهِ اليُمنى ، ثم يَقُولُ : أَنَا المَلِكُ ، أَينَ الجَبَّارُونَ ؟ أَينَ المُتَكَبِّرُون َ ؟ ثم يَطوِي الأَرَضِينَ ، ثم يَأخُذُهُنَّ بِشِمَالِهِ ، ثم يَقُولُ : أَنَا المَلِكُ ، أَينَ الجَبَّارُونَ ؟ أَينَ المُتَكَبِّرُون َ ؟ "


اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ أَن تُوقِظَ قُلُوبَنَا مِن رَقَدَاتِ الغَفلَةِ ، وَأَن تَغفِرَ لَنَا الذَّنبَ وَالزَّلَةَ ، اللَّهُمَّ ارحَمْ مَن مَاتَ مِن وُلاتِنَا عَلَى الحَقِّ ، اللَّهُمَّ وَوَفِّقِ الأَحيَاءَ لما تُحِبُّ وَتَرضَى ، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِم لِلبِرِّ وَالتَّقوَى ، اللَّهُمَّ وَاجعَلْهُم هُدَاةً مُهتَدِينَ ، غَيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ ، سِلمًا لأَولِيَائِكَ ، حَربًا عَلَى أَعدَائِكَ ، يُحِبُّونَ بِحُبِّكَ مَن أَحَبَّكَ ، وَيُعَادُونَ بِعَدَاوَتِكَ مَن عَادَاكَ ، اللَّهُمَّ وَارزُقْهُمُ البِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ ، الَّتي تَدُلُّهُم عَلَى الخَيرِ وَتُعِينُهُم عَلَيهِ ، وَجَنِّبْهُم بِطَانَةَ الفَسَادِ وَالسُّوءِ وَالفِتنَةِ يَا رَبَّ العَالمِينَ .

ناصرعبدالرحمن 28-06-2012 04:10 PM

رد: خطب الشيخ عبدالله البصري
 

والعاقبة للتقوى 9 / 8 / 1433


الخطبة الأولى :


أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُوهُ " وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ "


أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، قَصَصُ القُرآنِ وَمَا جَاءَ فِيهِ مِن أَخبَارِ السَّابِقِينَ ، وَمَا احتَوَتهُ مِن أَحدَاثٍ وَمَوَاقِفَ لِرُسُلِ اللهِ مَعَ أَقوَامِهِم ، لم تُنزَلْ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ لِلاستِمتَاعِ بها وَكَفَى ، أَو لِمَعرِفَةِ تَسَلسُلِهَا التَّأرِيخِيِّ وَالتَّسَلِّي بها فَحَسبُ ، وَلَكِنَّهَا جَاءَت لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ وَغَايَاتٍ جَلِيلَةٍ ، لِيَستَفِيدَ مِنهَا الفَردُ في حَيَاتِهِ ، وَتَستَلهِمَهَا الأُمَّةُ في مَجمُوعِهَا ، وَيَتَّخِذَهَا الوُلاةُ مُنطَلَقًا لِتَسيِيرِ شُؤُونِ حُكمِهِم وَمُرتَكَزًا لِتَثبِيتِ دَعَائِمِ مُلكِهِم ، وَتَستَمِدَّ مِنهَا الرَّعِيَّةُ مَثَلاً لما سَيَكُونُ عَلَيهِ حَالُ مَن أَحسَنَ ، أَو عَاقِبَةُ مَن أَسَاءَ ، فَلا تَطغَى حِينَ تَغنى ، وَلا تَيأَسُ حِينَ تَبأَسُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " لَقَد كَانَ في قَصَصِهِم عِبرَةٌ لأُولي الأَلبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفتَرَى وَلَكِنْ تَصدِيقَ الَّذِي بَينَ يَدَيهِ وَتَفصِيلَ كُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنُونَ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ في هَذِهِ الحَقُّ وَمَوعِظَةٌ وَذِكرَى لِلمُؤمِنِينَ . وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ اعمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُم إِنَّا عَامِلُونَ . وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ . وَللهِ غَيبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ فَاعبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعمَلُونَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَاقصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَلَقَد أَرسَلنَا رُسُلاً مِن قَبلِكَ مِنهُم مَن قَصَصنَا عَلَيكَ وَمِنهُم مَن لم نَقصُصْ عَلَيكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأتيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذنِ اللهِ فَإِذَا جَاءَ أَمرُ اللهِ قُضِيَ بِالحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ المُبطِلُونَ "
إِنَّ في قَصَصِ القُرآنِ تَثبِيتًا لِلقُلُوبِ ، وَمَوعِظَةً وَذِكرَى لِلنُّفُوسِ ، وَتَصبِيرًا لِلمُنتَظِرِينَ وَطَمأَنَةً لِلمُتَرِقِّبِي نَ ، وَبَيَانًا لما عِندَ اللهِ مِنَ النَّصرِ المُبِينِ وَالتَّمكِينِ لِعِبَادِهِ المُتَّقِينَ ، وَمَا يَحُلُّ مِنَ المَثُلاتِ بِالمُعَانِدِين َ المُتَمَرِّدِين َ ، وَزِيَادَةَ إِخبَارٍ بِأَنَّ اللهَ لَيسَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَجرِي وَيَكُونُ .


أَلا وَإِنَّ ممَّا دَلَّت عَلَيهِ قَصَصُ القُرآنِ وَخُتِمَ بِهِ بَعضُهَا لِيَكُونَ قَاعِدَةً عَظِيمَةً يَسِيرُ عَلَيهَا عِبَادُ اللهِ وَلا يَحِيدُونَ ، لِتَكُونَ لهمُ العَاقِبَةُ الحَمِيدَةُ وَالنِّهَايَةُ السَّعِيدَةُ ، مَا صُرِّحَ بِهِ في أَكثَرَ مِن قِصَّةٍ مِن أَنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ ، فَبَعدَ أَن قَصَّ اللهُ ـ تَعَالى ـ لَنَا مَا جَرَى لِنُوحٍ مَعَ قَومِهِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " تِلكَ مِن أَنبَاءِ الغَيبِ نُوحِيهَا إِلَيكَ مَا كُنتَ تَعلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَومُكَ مِن قَبلِ هَذَا فَاصبِرْ إِنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ "
وَذَكَرَ ـ تَعَالى ـ وَصِيَّةَ مُوسَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ لِقَومِهِ بَعدَ أَن هَدَّدَهُم فِرعَونُ بِتَقتِيلِ أَبنَائِهِم وَاستِحيَاءِ نِسَائِهِم ، فَكَانَ ممَّا أَوصَى بِهِ أَنْ : " قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ استَعِينُوا بِاللهِ وَاصبِرُوا إِنَّ الأَرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ بَعدَ ذِكرِ إِهلاكِ قَارُونَ الطَّاغِيَةِ : " تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأَرضِ وَلا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ "
وَفي خِطَابِهِ ـ تَعَالى ـ لِنَبِيِّهِ محمدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَأمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى "


إِنَّهَا قَاعِدَةٌ قُرآنِيَّةٌ تَحكِي سُنَّةً رَبَّانِيَّةً ، وَتُكَرِّرُ الوَعدَ ممَّن لا يُخلِفُ المِيعَادَ بِحُسنِ العَاقِبَةِ لِلمُتَّقِينَ في الدُّنيَا قَبلَ الآخِرَةِ ، وَالتَّمكِينِ لهم في الأَرضِ وَنَصرِهِم عَلَى عَدُوِّهِم . وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ عَلَى المُتَّقِينَ أَن يَكُونُوا عَلَى ثِقَةٍ ممَّا وَعَدَهُم بِهِ رَبُّهُم مَا دَامُوا عَلَى عَهدِهِ سَائِرِينَ ، وَأَلاَّ يَكُونُوا مِنهُ في شَكٍّ مَهمَا طَالَ لَيلُ الانتِظَارِ أَو غَشِيَتهُم ظُلمَةُ الظَّالِمِينَ ، فَلِبَاسُ التَّقوَى خَيرٌ ، وَعَاقِبَةُ أَهلِهَا خَيرٌ . وَمَهمَا مَرَّ بِأُمَّةِ الإِسلامِ مِن ضَعفٍ وَتَفَرُّقٍ وَتَشَرذُمٍ ، أَو تَسَلُّطِ أَعدَاءٍ وَتَفَوُّقِ مُنَاوِئِينَ ، فَإِنَّ كُلَّ هَذَا الزَّبَدِ لا يَجُوزُ أَن يَطغَى عَلَى التَّصَوُّرِ الصَّحِيحِ بِأَنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ ، وَأَصحَابُ العَقِيدَةِ السَّلِيمَةِ ، لا يَجُوزُ لهم مَهمَا طَالَ عَلَيهِمُ لَيلُ الابتِلاءِ ، أَن يَبحَثُوا خَارِجَ دَائِرَةِ الإِسلامِ أَو يَذهَبُوا غَربًا أَو شَرقًا ، لِيَستَورِدُوا مَبَادِئَ أُخرَى غَيرَ مَبدَئِهِمُ الرَّصِينِ ، أَو يَعتَنِقُوا مَذَاهِبَ مُختَلِفَةً لا تَمُتُّ بِصِلَةٍ إِلى دِينِهِم ، ظَانِّينَ أَنَّ هَذَا سَيَكُونُ طَرِيقًا لِنَصرِهِم عَلَى أَعدَائِهِم وَتَمكِينِهِم في دِيَارِهِم ، غَافِلِينَ عَن كَونِ شُعُورِهِمُ البَائِسِ بِالهَزِيمَةِ في دَاخِلِ نُفُوسِهِم ، وَانبِهَارِهِم بِتَقَدُّمِ أَعدَائِهِم ، وَغَفلَتِهِم عَن سِرِّ عِزِّهِم ، هُوَ أَوَّلَ أَسبَابِ هَزِيمَتِهِم أَمَامَ أُولَئِكَ الأَعدَاءِ ، وَعَدَمِ تَمَكُّنِهِم مِنَ التَّغَلُّبِ عَلَيهِم .
وَيَا سُبحَانَ اللهِ ! كَيفَ يَبحَثُ مُنهَزِمٌ عِندَ عَدُوِّهِ عَن أَسبَابِ انتِصَارِهِ ، وَهُوَ الَّذِي نُزِّلَت عَلَيهِ مِن رَبِّهِ الآيَاتُ البَيَّنَاتُ ، بِأَنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ ، وَبَشَّرَهُ نَبِيُّهُ بِأَنَّ أُمَّتَهُ بَاقِيَةٌ وَظَاهِرَةٌ إِلى آخِرِ الزَّمَانِ ، لها العَاقِبَةُ الحَسَنَةُ وَالسَّنَاءُ وَالرِّفعَةُ وَالتَّمكِينُ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ رَبِّي قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنِّي إِذَا قَضَيتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ ، وَإِنِّي أَعطَيتُكَ لأُمَّتِكَ أَلاَّ أُهلِكَهُم بِسَنَةٍ عَامَّةٍ ، وَأَلاَّ أُسَلِّطَ عَلَيهِم عَدُوًّا مِن سِوَى أَنفُسِهِم يَستَبِيحُ بَيضَتَهُم ، وَلَوِ اجتَمَعَ عَلَيهِم مَن بِأَقطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعضُهُم يُهلِكُ بَعضًا ، وَيَسبي بَعضُهُم بَعضًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفعَةِ وَالدِّينِ وَالتَّمكِينِ في الأَرضِ ، فَمَن عَمِلَ مِنهُم عَمَلَ الآخِرَةِ لِلدُّنيَا لم يَكُنْ لَهُ في الآخِرَةِ مِن نَصِيبٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَلا فَمَا أَحوَجَ الأُمَّةَ الإِسلامِيَّةَ ، بِجَمَاعَاتِهَا وَأَفرَادِهَا أَن يَتَدَبَّرُوا مَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم ، وَيَستَفِيدُوا الدُّرُوسَ مِنَ السِّنِينَ الَّتي سَارُوا فِيهَا خَلفَ أَعدَائِهِم في مَنَاهِجِهِم وَقَوانِينِهِم ، مُخَالِفِينَ أَمرَ رَبِّهِم في أَنظِمَةِ حُكمِهِم وَسُلُوكِهِم ، وَمَا جَنَوهُ جَرَّاءَ ذَلِكَ اللَّهَثِ مِن تَخَلُّفٍ وَتَرَاجُعٍ وَضَعفٍ ، وَشِدَّةِ تَأَثُّرٍ بِغَيرِهِم وَعَدَمِ تَأثِيرٍ فِيمَن سِوَاهُم ، ممَّا يَدُلُّ عَلَى حَاجَتِهِم إِلى التَّقوَى ، وَخُصُوصًا وَهُم يَعِيشُونَ هَذِهِ الأَزمِنَةَ الَّتي تَعُجُّ بِالصَّوَارِفِ وَالمُغرِيَاتِ وَالفِتَنِ وَالمُلهِيَاتِ ، وَالَّتي لَوَتِ الأَعنَاقَ عَن مَعرِفَةِ الحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ ، وَصَرَفَتِ الأَبصَارَ إِلى زَهرَةِ الحَيَاةِ الدُّنيَا ، وَأَذهَلَتِ العُقُولَ عَن أَنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ .


أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " اُدعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدِينَ . وَإِنْ عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ . وَاصبِرْ وَمَا صَبرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحزَنْ عَلَيهِم وَلا تَكُ في ضَيقٍ مِمَّا يَمكُرُونَ . إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ "



الخطبة الثانية :


أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاحمَدُوهُ وَلا تَجحَدُوهُ ، وَاشكُرُوا لَهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَكُونُوا مَعَ المُتَّقِينَ في كُلِّ شَأنِكُم ، وَالزَمُوا التَّقوَى فِيمَا تَأتُونَ وَفِيمَا تَذَرُونَ ، وَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا فَتَمُدُّوا أَعيُنَكُم إِلى مَا مُتِّعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِن زَهرَتِهَا ، فَإِنَّمَا كُلُّ ذَلِكَ فِتنَةٌ ، وَمَا عِندَ اللهِ خَيرٌ وَأَبقَى ، وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى .


غَيرَ أَنَّ ممَّا يَجِبُ أَن يُعلَمَ أَنَّ تِلكَ العَاقِبَةَ الحَسَنَةَ لأَهلِ التَّقوَى ، مَرهُونَةٌ بِتَحقِيقِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مِن نَحوِ قَولِهِ لِسَيِّدَ المُتَّقِينَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " فَاصبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلُوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ غُرُوبِهَا وَمِن آنَاءِ اللَّيلِ فَسَبِّحْ وَأَطرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرضَى . وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى مَا مَتَّعنَا بِهِ أَزوَاجًا مِنهُم زَهرَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفتِنَهُم فِيهِ وَرِزقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبقَى . وَأمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى "
فَالمُتَّقُونَ مُبتَلَونَ بِأَعدَاءٍ كُثُرٍ ، مِن كُفَّارٍ وَمُشرِكِينَ وَمَلاحِدَةٍ وَمُنَافِقِينَ ، وَسَيَسمَعُونَ مِنهُم وَيَجِدُونَ أَذًى كَثِيرًا ، بَينَ كُفرٍ وَاستِهزَاءٍ وَجُحُودٍ وَإِعرَاضٍ ، فَيَجِبُ أَلاَّ تَضِيقَ بِذَلِكَ صُدُورُهُم ، وَأَلاَّ تَذهَبَ أَنفُسُهُم حَسَرَاتٍ عَلَيهِم ، وَأَن يَتَّجِهُوا إِلى رَبِّهِم وَخَالِقِهِم وَمَن بِيَدِهِ الأَمرُ كُلُّهُ ، فَيُسَبِّحُوا بِحَمدِهِ وَيَذكُرُوهُ عَلَى كُلِّ أَوقَاتِهِم وَفي جَمِيعِ أَحوَالِهِم ، وَلا يَغفَلُوا عَنهُ وَلا يَنسَوهُ ، وَلا تَشغَلَهُم عَنهُ أَعرَاضُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَزِينَتُهَا وَمَتَاعُهَا ، وَمَا فِيهَا مِن مَالٍ وَأَولادٍ وَجَاهٍ وَسُلطَانٍ ؛ لأَنَّهَا عَلَى مَا فِيهَا مِن رَوَاءٍ وَجَمَالٍ وَبَهَاءٍ ، فَإِنَّمَا هِيَ زَهرَةٌ سَرِيعَةُ الذُّبُولِ ، وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى .
فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ وَلْنُحَقِّقِ العُبُودِيَّةَ التَّامَّةَ لَهُ ـ تَعَالى ـ وَلْنُقَوِّ العِلاقَةَ بِهِ ـ سُبحَانَهُ ـ ، فَإِنَّهُ الَّذِي لَهُ " غَيبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ فَاعبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعمَلُونَ "
جَعَلَني اللهُ وَإِيَّاكُم وَالمُسلِمِينَ ممَّن إِذَا أُنعِمَ عَلَيهِ شَكَرَ ، وَإِذَا ابتُلِيَ صَبَرَ ، وَإِذَا أَذنَبَ استَغفَرَ .

ضيف 29-06-2012 10:31 AM

رد: خطب الشيخ عبدالله البصري
 
http://im23.gulfup.com/2012-06-29/1340954917761.jpg

ناصرعبدالرحمن 05-07-2012 05:21 PM

رد: خطب الشيخ عبدالله البصري
 

لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها 16 / 8 / 1433



الخطبة الأولى :


أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ "


أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، صَحَّ عَنهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فِيمَا رَوَاهُ الحَاكِمُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي أَنَّ نَفسًا لَن تَمُوتَ حَتى تَستَكمِلَ أَجَلَهَا وَتَستَوعِبَ رِزقَهَا ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ ، وَلا يَحمِلَنَّ أَحَدَكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ أَن يَطلُبَهُ بِمَعصِيَةِ اللهِ ؛ فَإِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ لا يُنَالُ مَا عِندَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ "
وَمَعنى قَولِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ " أَيِ اطلُبُوهُ بِالطُّرُقِ الجَمِيلَةِ المُحَلَّلَةِ ، بِتُؤَدَةٍ وَتَرَفُّقٍ ، وَبِلا كَدٍّ وَلا حِرصٍ ، وَلا تَهَافُتٍ عَلَى الحَرَامِ وَالشُّبُهَاتِ ، وَلا تَنكَبُّوا عَلَى طَلَبِ الدُّنيَا وَتَشتَغِلُوا بِهِ عَنِ الخَالِقِ الرَّازِقِ ـ سٌبحَانَهُ ـ .


عِبَادَ اللهِ ، المُؤمِنُ يَعلَمُ أَنَّهُ لَو سَعَى في طَلَبِ الدُّنيَا سَعيًا حَثِيثًا ، وَوَاصَلَ في ذَلِكَ سَهرَ اللَّيلِ بِتَعَبِ النَّهَارِ ، فَإِنَّهُ لَن يُحَصِّلَ غَيرَ مَا قُدِّرَ لَهُ ، وَلَن يَتَجَاوَزَ مَا قُسِمَ لَهُ ، كَيفَ وَقَد كُتِبَ لَهُ رِزقُهُ وَهُوَ في بَطنِ أُمِّهِ ، وَمَضَى بِهِ القَلَمُ قَبلَ أَن تُخلَقَ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ بِخَمسِينَ أَلفَ سَنَةٍ ؟! وَالوَاقِعُ عَلَى ذَلِكَ خَيرُ شَاهِدٍ ، فَكَم ممَّن هُوَ مُنذُ أَن بَلَغَ الحُلُمَ إِلى أَن شَابَ وَهَرِمَ وَهُوَ في شَقَاءٍ وَتَعَبٍ وَنَصَبٍ ، لا يَعرِفُ غَيرَ طَلَبِ الدُّنيَا ، حَرِيصًا عَلَى جَمعِهَا وَمَنعِهَا ، مُستَعجِلاً نَصِيبَهُ مِنهُا ، بَاذِلاً وُسعَهُ لِزِيَادَتِهَا وَكَثرَتِهَا ، وَمَعَ هَذَا هُوَ في عَيشٍ أَشبَهَ مَا يَكُونُ بِالكَفَافِ ، إِنْ لم يَكُنْ مُتَحَمِّلاً في ذِمَّتِهِ حُقُوقًا لِلآخَرِينَ ، وَفي المُقَابِلِ كَم تَرَى مِن بَطِيءٍ في سَعيِهِ إِلى دُنيَاهُ ، قَلِيلِ الاجتِهَادِ في تَحصِيلِ رِزقِهِ ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ وَاسِعُ الرِّزقِ كَثِيرُ المَالِ ، يَرَى أَنْ لَو بَاعَ الحَصَى أَو عَرَضَ عَلَى النَّاسِ التُّرَابَ ، لاشتَرَوهُ مِنهُ بِأَغلَى مَا يَملِكُونَ .


إِخوَةَ الإِيمَانِ ، نَحنُ في زَمَنٍ قَلَّت فِيهِ القَنَاعَةُ ، وَزَادَ حِرصُ النَّاسِ عَلَى التَّكَثُّرِ وَالتَّظَاهُرِ بِالغِنى ، وَجَعَلَ كُلُّ امرِئٍ يُقَلِّدُ مَن حَولَهُ فِيمَا يَسكُنُونَ وَيَركَبُونَ وَيَلبَسُونَ ، وَيُجَارِيهِم فِيمَا يَأكُلُونَ وَيَشرَبُونَ ، وَآخَرُونَ خَفَّت مِنهُمُ العُقُولُ وَسَحَرَ أَلبَابَهُم مَا تَرَاهُ أَعيُنُهُم ، فَقَلَّدُوا غَيرَهُم حَتى فِيمَا لم تَدعُهُم إِلَيهِ ضَرُورَةٌ قَاهِرَةٌ ، وَتَابَعُوا الآخَرِينَ فِيمَا لم تَفرِضْهُ عَلَيهِم حَاجَةٌ مُلِحَّةٌ ، حَتى لُيَخَيَّلُ لأَحَدِهِم أَنْ لَوِ اشتَرَى النَّاسُ التُّرَابَ لَوَجَبَ عَلَيهِ أَن يَشتَرِيَهُ لِيُجَارِيَهُم ، وَلَو شَرِبُوا الهَوَاءَ لَشَرِبَهُ تَشَبُّهًا بهم ، وَلَو سَارُوا عَلَى المَاءِ لَمَا استَرَاحَ حَتى يَسِيرَ سَيرَهُم وَيَتبَعَهُم ، وَقَد أَلزَمَت كُلُّ هَذِهِ الأَفكَارِ الرَّدِيئَةِ وَحُبُّ التَّقلِيدِ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ مَا لَيسُوا بِهِ بِمُلزَمِينَ ، فَلَم يُجمِلُوا في طَلَبِ الدُّنيَا كَمَا أُمِرُوا ، وَلم يَقنَعُوا بما آتَاهُمُ اللهُ مِنهَا فَيُفلِحُوا ، بَل تَشَوَّفُوا إِلى مَا عِندَ غَيرِهِم ، وَذَهَبُوا في طَلَبِ المَالِ كُلَّ مَذهَبٍ ، فَمِن آكِلٍ لِلرِّبَا أَضعَافًا مُضَاعَفَةً ، إِلى مُتَنَاوِلٍ لِلرِّشوَةِ وَالسُّحتِ بِلا خَشيَةٍ ، إِلى مُتَسَاهِلٍ بِالغِشِّ في المُعَامَلاتِ ، مُخَادِعٍ في البَيعِ وَالشِّرَاءِ ، إِلى مُتَلَصِّصٍ عَلَى الأَموَالِ العَامَّةِ بِطُرُقٍ مُلتَوِيَةٍ ، مُعتَدٍ عَلَى بَيتِ مَالِ المُسلِمِينَ بِحِيَلٍ وَاهِيَةٍ .
وَهَذِهِ الطُّرُقُ الَّتي لا يَشُكُّ مُسلِمٌ تَقِيٌّ نَقِيٌّ في حُرمَتِهَا ، وَإِنْ كَانَ الوَاقِعُونَ فِيهَا قِلَّةً إِذَا مَا قُورِنُوا بِالمُتَطَهِّرِ ينَ مِنهَا ، إِلاَّ أَنَّ ثَمَّةَ بَابًا آخَرَ شَدِيدًا عَلَى الذِّمَمِ ، ثَقِيلاً عَلَى الصُّدُورِ ، مُذهِبًا لِلسُّرُورِ وَالحُبُورِ ، جَالِبًا لِلهَمِّ وَالغَمِّ ، مُوقِعًا في حُفَرٍ عَمِيقَةٍ ، مُدخِلاً في أَنفَاقٍ مُظلِمَةٍ ، وَمَعَ هَذَا وَلَجَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ في هَذَا الزَّمَانِ بِلا تَرَوٍّ وَلا حِسَابٍ لِمَا وَرَاءَهُ ، ذَلِكُم هُوَ بَابَ الدُّيُونِ ، فَكَم ممَّن تَرَاهُ يَتَحَرَّزُ مِن أَكلِ الحَرَامِ ، وَيَبتَعِدُ قَدرَ الطَّاقَةِ عَنِ تَنَاوُلِ المُشتَبَهِ ، وَلَكِنَّهُ لا يَألُو مَا حَمَّلَ بِهِ نَفسَهُ مِن أَموَالِ الآخَرِينَ وَأَثقَلَ ظَهرَهُ مِن حُقُوقِهِم ، وَمَا يَزَالُ بِهِ التَّهَاوُنُ بما أَخَذَ ، حَتى يَقَعَ اضطِرَارًا في مُخَالَفَاتٍ وَمَكرُوهَاتٍ ، وَقَد يَقتَرِفُ مَعَاصِيَ وَمُوبِقَاتٍ ، وَيَتَحَمَّلُ أَوزَارًا وَسَيِّئَاتٍ ، مَا كَانَ لَهُ لَولا مَا عَلَيهِ مِن دُيُونٍ أَن يَقَعَ فِيهَا وَيَتَحَمَّلَهَ ا ، فَمِنَ الكَذِبِ وَإِخلافِ الوَعدِ ، إِلى كَثرَةِ الحَلِفِ وَإِطلاقِ الأَيمَانِ ، مُرُورًا بِسُؤَالِ النَّاسِ وَاستِعطَائِهِم وَاستِجدَائِهِم ، وَوُقُوعًا في التَّقصِيرِ في النَّفَقَاتِ الوَاجِبَةِ ، وَعَدَمِ القُدرَةِ عَلَى الإِنفَاقِ فِيمَا يُرضِي اللهَ ، كُلُّ ذَلِكَ يُصِيبُ المُتَهَاوِنِين َ في الدُّيُونِ ، دَعْ عَنكَ مَا تَتَنَغَّصُ بِهِ حَيَاتُهُم ، وَالمُشكِلاتِ الَّتي تَنشَأُ في بُيُوتِهِم ، وَانشِغَالَهُم في صَلَوَاتِهِم ، وَعَدَمَ خُشُوعِهِم في عِبَادَاتِهِم ، وَتَقَلُّبَهُم عَلَى فُرُشِهِم وَالنَّاسُ نَائِمُونَ ، وَصَمتَهُم وَالنَّاسُ يَضحَكُونَ ، وَلَو أَنَّهُم قَنِعُوا بما آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ وَرَتَّبُوا أُمُورَ حَيَاتِهِم عَلَى قَدرِ مَا عِندَهُم وَمَا يَملِكُونَ ، لأَرَاحُوا وَاستَرَاحُوا ، وَلَعَاشُوا حَيَاةً هَانِئَةً وَادِعَةً ، يَحُفُّهَا الرِّضَا وَتَغشَاهَا السَّعَادَةُ ، وَتَنتَهِي بهم إِلى النَّجَاحِ وَالفَلاحِ ، مِصدَاقًا لِقَولِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " قَد أَفلَحَ مَن أَسلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللهُ بما آتَاهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .


عِبَادَ اللهِ ، إِنَّ الغَفلَةَ المُطبِقَةَ عَمَّا قَضَاهُ الخُالِقُ وَقَدَّرَهُ ، مِن قِسمَةِ المَعِيشَةِ بَينَ النَّاسِ وَاختِلافِ دَرَجَاتِهِم فِيهَا ، جَعَلَتِ الكَثِيرِينَ مَعَ مَا هُم فِيهِ مِن ضِيقِ حَالٍ وَتَوَسُّطِ مَعِيشَةٍ ، يَستَدِينُونَ وَيَقتَرِضُونَ ؛ لِيَتَوَسَّعُوا في المُبَاحَاتِ وَيَتَمَتَّعُوا بِزَهرَةِ الحَيَاةِ ، فَهَذَا لا يَقنَعُ إِلاَّ بِأَفخَمِ العِمَارَاتِ وَأَوسَعِهَا ، وَذَاكَ لا يَركَبُ إِلاَّ أَحدَثَ السَّيَارَاتِ وَأَوطَأَهَا ، وَثَمَّةَ مَن يَختَارُ أَجوَدَ الأَطعِمَةَ وَيَلبَسُ أَفخَرَ الثِّيَابِ ، وَهُنَالِكَ مَنِ استَسَاغَ الإِسرَافَ وَالتَّبذِيرَ بِدَعوَى الكَرَمِ ، وَتَمتَدُّ الحَالُ حَتى تَصِلَ إِلى هَذِهِ التِّقنِيَاتِ الَّتي استَنزَفَت أَموَالَ النَّاسِ عَبرَ أَجهِزَتِهَا المَحمُولَةِ وَالمَنقُولَةِ وَالثَّابِتَةِ ، وَيَتَبَاهَى النَّاسُ في الأَفرَاحِ وَالمُنَاسَبَات ِ ، وَيُسَافِرُونَ بِالدَّينِ لِتَزجِيَةِ الأَوقَاتِ ، وَلِرَبَّاتِ المَنَازِلِ لَدَى ضِعَافِ القِيَامِ دَورٌ فِيمَا يَحصُلُ ، إِذْ يُرهِقنَهُم بِاستِبدَالِ الأَثَاثِ بَينَ الفَينَةِ وَالأُخرَى ، أَو جَلبِ الخَادِمَاتِ بِلا حَاجَةٍ ، أَو الذَّهَابِ إِلى الأَسوَاقِ الغَالِيَةِ وَشِرَاءِ مَا يَحتَجنَ وَمَا لَيسَ لهن فِيهِ حَاجَةٌ ، وَهَكَذَا يَقَعُ النَّاسُ في فَخِّ الدُّيُونِ وَشَرَكِ القُرُوضِ بِسَبَبِ المُجَارَاةِ وَالمُبَاهَاةِ وَالتَّفَاخُرِ ، وَالتَّنَافُسِ في مَبَاهِجِ الدُّنيَا وَمُتَعِهَا .
وَتَظَلُّ مِثلُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ تَتَفَشَّى في المُجتَمَعِ يَومًا بَعدَ آخَرَ ، وَتَزدَادُ البَلِيَّةُ بها حِينًا بَعدَ حِينٍ ، وَلا يَتَّعِظُ النَّاسُ لِسُوءِ الحَظِّ بِبَعضِهِم ، إِنَّهُ الجَهلُ بِقِيمَةِ الدُّنيَا وَحَقِيقَةِ العَيشِ فِيهَا ، إِنَّهُ الاستِسلامُ لِرَغَبَاتِ النَّفسِ وَتَتَبُّعُ شَهَوَاتِهَا ، وَلَو تَفَكَّرَ عَاقِلٌ وَتَبَصَّرَ وَتَأَمَّلَ ، وَوَعَى مَا وَرَدَ في الأَثَرِ عَمَّن غَبَرَ ، لَوَجَدَ النَّفسَ البَشَرِيَّةَ طَمَّاعَةً لا تَرضَى بِالقَلِيلِ وَلا يَكفِيهَا الكَثِيرُ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لَو كَانَ لابنِ آدَمَ وَادٍ مِن مَالٍ لابتَغَى إِلَيهِ ثَانِيًا ، وَلَو كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لابتَغَى لهما ثَالِثًا ، وَلا يَملأُ جَوفَ ابنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن تَابَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .


أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَغنُوا النُّفُوسَ بِالقَنَاعَةِ ، وَاملَؤُوا القُلُوبَ بِالرِّضَا ، وَكُونُوا عَلَى ذِكرٍ دَائِمٍ بما عَلِمتُمُوهُ مِن حَقِيقَةِ الدُّنيَا وَأَنَّهَا دَارُ فَنَاءٍ ، وَتَأَمَّلُوا فِيمَا آتَاكُمُ اللهُ دُونَ كَثِيرٍ مِمَّن حَولَكُم مِنَ الصِّحَّةِ وَالعَافِيةِ وَالأَمنِ ، تَجِدُوا أَنَّ لَدَيكُم مَغَانِمَ غَالِيَةً وَخَيرًا كَثِيرًا ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لَيسَ الغِنى عَن كَثرَةِ العَرَضِ ، وَلَكِنَّ الغِنى غِنى النَّفسِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " كُنْ في الدُّنيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَو عَابِرُ سَبِيلٍ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " اُنظُرُوا إِلى مَن هُوَ أَسفَلَ مِنكُم ، وَلا تَنظُرُوا إِلى مَن هُوَ فَوقَكُم ، فَهُوَ أَجدَرُ أَلاَّ تَزدَرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن أَصبَحَ مِنكُم آمِنًا في سِربِهِ ، مُعَافىً في جَسَدِهِ ، عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَت لَهُ الدُّنيَا بِحَذَافِيرِهَا " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَغَيرُهُمَا وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ كَلِمَةَ الحَقِّ في الغَضَبِ وَالرِّضَا ، وَنَسأَلُكَ القَصدَ في الغِنى وَالفَقرِ ، وَنَسأَلُكَ نَعِيمًا لا يَنفَدُ ، وَقُرَّةَ عَينٍ لا تَنقَطِعُ ، وَنَسأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلى وَجهِكَ ، وَالشَّوقَ إِلى لِقَائِكَ ، في غَيرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلا فِتنَةٍ مُضِلَّةٍ ، وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ .



الخطبة الثانية :


أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ " وَاعلَمُوا أَنَّ أَسبَابَ تَحَمُّلِ النَّاسِ الدُّيُونَ في هَذِهِ الأَزمِنَةِ ، لا تَخرُجُ في الغَالِبِ عَن مُخَالَفَتِهِم مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الإِنفَاقِ عَلَى قَدرِ مَا يُؤتَاهُ أَحَدُهُم مِنَ الرِّزقِ ، وَقَد قَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجعَلُ اللهُ بَعدَ عُسرٍ يُسرًا "
وَقَد مَدَحَ ـ سُبحَانَهُ ـ عِبَادَ الرَّحمَنِ بِقَولِهِ : " وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لم يُسرِفُوا وَلم يَقتُرُوا وَكَانَ بَينَ ذَلِكَ قَوَامًا " وَمِنَ الأَسبَابِ لِهَذِهِ الدُّيُونِ ، الانسِيَاقُ وَرَاءَ الدِّعَايَاتِ الإِعلامِيَّةِ لِشَرِكَاتِ التَّقسِيطِ ، وَالانخِدَاعُ بِالتَّسهِيلاتِ الَّتي تُقَدِّمُهَا المَصَارِفُ لِلتَّموِيلِ ، وَالَّتي أَظهَرَت أَنَّ كَثِيرِينَ يُفَكِّرُونَ بِأَعيُنِهِم لا بِعُقُولِهِم ، وَأَنَّهُم كَثِيرًا مَا يَقَعُونَ فَرَائِسَ لِهَذِهِ الدِّعَايَاتِ .
فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَعِيشُوا حَيَاتَكُم كَمَا قُدِّرَ لَكُم ، وَأُنفِقُوا عَلَى قَدرِ مَا أُوتِيتُم ، وَلا تُخِيفُوا أَنفُسَكُم بَعدَ أَمنِهَا ، فَفِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، عَن عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ : " لا تُخِيفُوا أَنفُسَكُم بَعدَ أَمنِهَا " قَالُوا : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قال : " الدَّينُ "

ناصرعبدالرحمن 12-07-2012 11:42 PM

رد: خطب الشيخ عبدالله البصري
 
مسؤولية الكلمة 23 / 8 / 1433
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَفِي عَصرٍ تَقَدَّمَت فِيهِ وَسَائِلُ الاتِّصَالاتِ ، وَتَوَفَّرَت بَرَامِجُ لِلتَّوَاصُلِ الاجتِمَاعِيِّ وَالمُحَادَثَات ِ ، وَسَهُلَتِ المُرَاسَلاتُ وَالمُكَاتَبَات ُ ، إِذْ ذَاكَ قَلَّ شَأنُ الكَلِمَةِ عِندَ الكَثِيرِينَ وَخَفَّ مِيزَانُهَا ، وَصَارُوا لا يُلقُونَ بَالاً لما يَكتُبُونَ ، بَل صَارَ شَأنُ الكَلِمَةِ لَدَى أَحَدِهِم كَضَغطَةِ زِرٍّ في جَوَّالِهِ أَو حَاسِبِهِ ، ثم هُوَ لا يَحسِبُ لما بَعدَ ذَلِكَ حِسَابًا .
وَإِذَا كَانَ لِلكَلِمَةِ ـ أَيُّهَا الإِخوَةُ ـ مِنَ التَّأثِيرِ مَا لها ، في بَثِّ الفَرَحِ أَو نَشرِ الحُزنِ ، أَو جَمعِ الصَّفِّ أَو تَفرِيقِهِ ، أَو إِقَامَةِ البِنَاءِ أَو هَدمِهِ ، فَإِنَّ ثَمَّةَ أَمرًا قَد غَفَلَ عَنهُ كَثِيرُونَ ، مَعَ أَنَّ لِلكَلِمَةِ فِيهِ أَثَرَهَا في قُربِ العَبدِ مِن رَبِّهِ أَو بُعدِهِ مِن خَالِقِهِ ، ذَلِكُم هُوَ مَا يُمكِنُ أَن يُسَمَّى بِالمِصدَاقِيَّ ةِ ، أَو مَسؤُولِيَّةِ الكَلِمَةِ وَتَبِعَتِهَا ، أَو بِلَفظٍ آخَرَ ، قَدرُ الكَلِمَةِ في وَاقِعِ قَائِلِهَا وَكَاتِبِهَا ، وَحَظُّهُ مِن تَطبِيقِهَا عَلَى نَفسِهِ .
إِنَّ سُهُولَةَ الكِتَابَةِ في هَذِهِ الأَجهِزَةِ الحَدِيثَةِ وَتِلكَ الشَّبَكَاتِ ، وَكَونَهَا قد لا تَحتَاجُ إِلاَّ إِلى القَصِّ أَوِ النَّسخِ ، ثم اللَّصقِ وَالإِرسَالِ لأَشخَاصٍ آخَرِينَ ، إِنَّ ذَلِكَ جَعَلَ مِنَ الكَلِمَةِ لَدَى الكَثِيرِينَ مُجَرَّدَ حَرَكَاتٍ يُؤَدِّيهَا أَحَدُهُم في ثَوَانٍ مَعدُودَةٍ ، دُونَ شُعُورٍ أَو إِحسَاسٍ بِثِقَلِ هَذِهِ الكَلِمَةِ وَوَزنِهَا .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد أَمَرَ اللهُ ـ تَعَالى ـ المُؤمِنِينَ بِأَن يَتَّقُوهُ وَيَقُولُوا قَولاً سَدِيدًا ، وَوَعَدَهُم بِأَن يُصلِحَ لهم بِذَلِكَ أَعمَالَهُم وَيَغفِرَ لَهُم ذُنُوبَهُم . وَالقَولُ السَّدِيدُ الَّذِي هَذِهِ نَتِيجَتُهُ ، إِنَّمَا هُوَ القَولُ المُستَقِيمُ الَّذِي لا اعوِجَاجَ فِيهِ وَلا انحِرَافَ ، وَفي مَوضِعٍ آخَرَ يَضرِبُ اللهُ لِلكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ مَثَلاً بِالشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتي أَصلُهَا ثَابِتٌ وَفَرعُهَا في السَّمَاءِ ، تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذنِ رَبِّهَا ، وَأَمَّا الكَلِمَةُ الخَبِيثَةُ فَإِنَّمَا هِيَ شَجَرَةٌ خَبِيثَةٌ اجتُثَّت مِن فَوقِ الأَرضِ مَالَهَا مِن قَرَارٍ ، وَلَو نَظَرَ مُتَأَمِّلٌ فِيمَا يَكتُبُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَيَنشُرُونَهُ مِن رَسَائِلَ قَد تَبدُو في الظَّاهِرِ عَلَى جَانِبٍ مِنَ الجَمَالِ وَالكَمَالِ وَقُوَّةِ التَّأثِيرِ ، ثم وَازَنَ بَينَ مَا يُكتَبُ وَبَينَ الأَفعَالِ وَالتَّصَرُّفَا تِ في الوَاقِعِ ، لَوَجَدَ أَنَّ وَصفَ الكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ لا يَنطَبِقُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا يُكتَبُ وَلِلأَسَفِ الشَّدِيدِ ، حَتى وَإِن زَانَ لَفظُهَا وَتَمَاسَكَت كَلِمَاتُهَا وَتَنَاسَقَت عِبَارَاتُهَا ، وَحَسُنَ سَبكُهَا وَجَمُلَ رَونَقُهَا ، لماذا ؟ لأَنَّ الكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ مُتَأَصِّلَةٌ في قَلبِ صَاحِبِهَا ثَابِتَةٌ فِيهِ كَثُبُوتِ الشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ في قَلبِ الأَرضِ ، وَهِيَ في الوَقتِ نَفسِهِ مُثمِرَةٌ ، أَي ظَاهِرَةُ الأَثَرِ عَلَى جَوَارِحِهِ وَفي تَعَامُلِهِ مَعَ مَن حَولَهُ ، وَأَمَّا الكَلِمَةُ الَّتي لا مِصدَاقِيَّةَ لها في قَلبِ صَاحِبِهَا ، فَهِيَ الكَلِمَةُ الخَبِيثَةُ الَّتي هِيَ كَالشَّجَرَةِ الخَبِيثَةِ قَد تَخَضَرُّ وَتَتَعَالى ، وَتَتَشَابَكُ أَغصَانُهَا وَتَبدُو لِلنَّاظِرِ نَضِرَةً ذَاتَ رَوَاءٍ وَبَهَاءٍ ، وَيُخَيَّلُ إِلى بَعضِ النَّاسِ أَنَّهَا أَضخَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ وَأَقوَى ، وَلَكِنَّ جُذُورَهَا في التُّربَةِ قَرِيبَةٌ ، وَمَا هِيَ إِلاَّ أَقَلُّ رِيحٍ تَهُبُّ عَلَيهَا فَتَجتَثُّهَا مِن فَوقِ الأَرضِ فَلا تَرَى لها قَرَارًا وَلا بَقَاءً ، وَهَذَا مَثَلُ كَثِيرٍ مِمَّا يُكتَبُ وَيُرسَلُ مِن كَلِمَاتٍ وَعِبَارَاتٍ وَنَصَائِحَ ، لا تَرَى لها في قُلُوبِ أَصحَابِهَا اعتِقَادًا صَادِقًا لِمَضمُونِهَا ، وَلا تُحِسُّ أَنَّهَا مُستَقِرَّةٌ في نُفُوسِهِم وَلا مُنشَرِحَةٌ بها صُدُورُهُم ، فَهُم لا يُطَبِّقُونَهَا عَلَى أَنفُسِهِم أَوَّلاً ، وَلا يَرَى النَّاسُ أَثَرَهَا في تَعَامُلِهِم مَعَهُم وَلا في شُؤُونِ حَيَاتِهِم ثَانِيًا ، وَلَكِنَّهُم يَقُولُونَ مَا لا يَفعَلُونَ ، وَيَتَظَاهَرُون َ بما لا يُبطِنُونَ ، وَيَتَشَبَّعُون َ بما لم يُعطَوا .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، تَأَمَّلُوا هَذَا الحَدِيثَ العَظِيمَ لِتَعلَمُوا كَيفَ يَتَعَامَلُ الإِسلامُ مَعَ الكَلِمَةِ وَصَاحِبِهَا ، في إِشَارَةٍ إِلى أَنَّهُ مَسؤُولٌ عَنهَا ، وَأَنَّهُ لا بُدَّ لَهُ مِن إِتبَاعِهَا بما يُثبِتُهَا وَيَجعَلُهَا وَاقِعًا حَيًّا ، فَعَن سُفيَانَ بنِ عبدِاللهِ الثَّقَفِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، قُلْ لي في الإِسلامِ قَولاً لا أَسأَلُ عَنهُ أَحَدًا بَعدَكَ . قَالَ : " قُلْ : آمَنتُ بِاللهِ ثم استَقِمْ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . فَانظُرُوا ـ يَا رَعَاكُمُ اللهُ ـ قَولَهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ لِمَنِ استَوصَاهُ بِوَصِيَّةٍ جَامِعَةٍ ، لَقَد أَمَرَهُ أَن يَقُولَ كَلِمَةً بِلِسَانِهِ ، ثم يُتبِعَهَا بِالسَّيرِ في وَاقِعِهِ عَلَى مَا تَستَلزِمُهُ تِلكَ الكَلِمَةُ ، مِنِ استِقَامَةٍ وَعَدَمِ اعوِجَاجٍ أَوِ انحِرَافٍ ، فَهَل نَحنُ كَذَلِكَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ ؟ هَل نَحنُ مِمَّن يَحسِبُ لِكُلِّ كَلِمَةٍ قَبلَ النُّطقِ بها أَو كِتَابَتِهَا حِسَابًا ؟ الوَاقِعُ يَشهَدُ أَنَّنَا لَسنَا كَذَلِكَ ، فَكَم مِمَّن يُرسِلُ لَكَ مَوعِظَةً عَن فَضلِ عَمَلٍ صَالحٍ مَا ، وَاللهُ يَعلَمُ مِن حَالِهِ أَنَّهُ مِنَ المُتَكَاسِلِين َ عَنهُ ! وَكَم مِمَّن تَشُدُّكَ حُرُوفُهُ في الحَثِّ عَلَى حُسنِ الخُلُقِ وَطِيبِ التَّعَامُلِ ، فَإِذَا عَامَلتَهُ أَو سَبَرتَ تَصَرُّفَهُ حَتى مَعَ أَهلِهِ وَأَقرَبِ النَّاسِ إِلَيهِ ، وَجَدتَهُ مِن أَسوَأِ الخَلقِ خُلُقًا وَأَسرَعِهِم غَضَبًا وَأَقرَبِهِم نَزَقًا وَأَخَفِّهِم عَقلاً ! وَكَم مِمَّن يَشغَلُكَ بِإِرسَالِ المَقَاطِعِ الَّتي تَتَحَدَّثُ عَن أَحوَالِ المُسلِمِينَ وَمَا يُصِيبُهُم مِن جُوعٍ أَو خَوفٍ أَو قَتلٍ وَتَشرِيدٍ ، وَتَرَاهُ إِذَا دُعِيَ إِلى أَقَلِّ مَا يَنصُرُهُم بِهِ ، لم تَجِدْ لَهُ فِعلاً وَلم تَسمَعْ لَهُ رِكزًا ، بَل لَعَلَّهُ فِيمَا بَينَهُ وَبَينَ نَفسِهِ ، لم يُحَرِّكْ لِسَانَهُ في يَومٍ بِدُعَاءٍ خَالِصٍ لإِخوَانِهِ المُستَضعَفِينَ بِأَن يَسُدَّ اللهُ جُوعَهُم وَيُبَدِّلَ خَوفَهُم أَمنًا وَيَنصُرَهُم عَلَى القَومِ المُجرِمِينَ ، أَفَلا يَخَافُ أَحَدُنَا ـ إِخوَةَ الإِيمَانِ ـ وَهَذَا شَأنُهُ مِن أَن يَكُونَ في زُمرَةِ الكَذَّابِينَ ؟! أَلا يَخَافُ أَن يَكُونَ تَمَادِيهِ في ذَلِكَ فُجُورًا يُهلِكُهُ ؟! إِنَّهَا نَتَائِجُ عَظِيمَةٌ أَو أُخرَى وَخِيمَةٌ ، يُحَدِّدُهَا صِدقُ العَبدِ أَو كَذِبُهُ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " عَلَيكُم بِالصِّدقِ ، فَإِنَّ الصِّدقَ يَهدِي إِلى البِرِّ ، وَإِنَّ البِرَّ يَهدِي إِلى الجَنَّةِ ، وَمَا يَزَالُ الرُّجُلُ يَصدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدقَ حَتى يُكتَبَ عِندَ اللهِ صِدِّيقًا . وَإِيَّاكُم وَالكَذِبَ ، فَإِنَّ الكَذِبَ يَهدِي إِلى الفُجُورِ ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلى النَّارِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حَتى يُكتَبَ عِندَ اللهِ كَذَّابًا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
عِبَادَ اللهِ ، كَفَانَا اتِّجَاهًا إِلى المِثَالِيَّاتِ البَرَّاقَةِ الزَّائِفَةِ ، وَحَذَارِ حَذَارِ مِن أَن نَقُولَ مَا لا نَفعَلُ ، أَو نُرِيَ الآخَرِينَ غَيرَ مَا يَخفَى مِنَّا ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِمَقتِ اللهِ لَنَا ، وَكَيفَ يَنتَظِرُ الخَيرَ مَن مَقَتَهُ اللهُ وَأَبعَدَهُ ؟! أَلا فَمَا أَجمَلَهُ بِالمُسلِمِ أَن يَزِنَ فِعلَهُ عَلَى قَولِهِ ، وَأَن يَضبِطَ قَولَهُ بِفِعلِهِ ، وَأَن يَردِمَ الهُوَّةَ بَينَ هَذَينِ ، وَيَجعَلَهُمَا في وَاقِعِهِ مُتَطَابِقَينِ ، لِتَكمُلَ ذَاتُهُ وَتَشرُفَ نَفسُهُ ، وَيُقتَدَى بِهِ في الخَيرِ ولا يَكُونَ لِغَيرِهِ فِتنَةً ! إِنَّنَا ـ إِخوَةَ الإِيمَانِ ـ نَحتَاجُ إِلى أُنَاسٍ يَفعَلُونَ قَبلَ أَن يَقُولُوا ، وَإِذَا قَالُوا التَزَمُوا وَاستَقَامُوا ، وَقَد قِيلَ : مَقَامُ رَجُلٍ في أَلفٍ ، خَيرٌ مِن مَقَالِ أَلفٍ في رَجُلٍ ، نَعَم ، مَقَامُ رَجُلٍ مُطَبِّقٍ لما يَقُولُ ، مُحَاسِبٍ لِنَفسِهِ فِيمَا يَكتُبُ ، تَنطِقُ بِالخَيرِ أَفعَالُهُ قَبلَ أَقوَالِهِ ، هُوَ خَيرٌ مِن أَن يَجتَمِعَ أَلفُ رَجُلٍ قَوَّالُونَ غَيرَ فَعَّالِينَ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ وَأَتبِعُوا سَدِيدَ القَولِ بِرَشِيدِ العَمَلِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفعَلُونَ . كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفعَلُونَ "




الخطبة الثانية :


أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .
عِبَادَ اللهِ ، هَل يَجِبُ عَلَى المَرءِ عَلَى هَذَا أَن يَتَوَقَّفَ عَنِ الكِتَابَةِ تَوَقُّفًا كُلِّيًّا ، وَيُمسِكَ لِسَانَهُ وَقَلَمَهُ فَلا يَتَفَوَّهَ بِكَلِمَةٍ وَلا يَخُطَّ حَرفًا ، فَنَقُولُ : أَمَّا عَنِ الشَّرِّ فَنَعَم ، وَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ في الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ : " وَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيرًا أَو لِيَسكُتْ " لَكِنَّنَا لَيسَ عَن هَذَا نَتَكَلَّمُ ، فَهُوَ مِمَّا لا يَختَلِفُ فِيهِ مُسلِمَانِ وَلا يَتَمَارَى فِيهِ مُؤمِنَانِ ، وَلَكِنَّنَا نَرمِي إِلى أَمرٍ أَعظَمَ مِن هَذَا وَأَكمَلَ ، ذَلِكُم هُوَ البُعدُ كُلَّ البُعدِ عَنِ انتِحَالِ المَرءِ في كِتَابَتِهِ شَخصِيَّةَ النَّاصِحِ وَتَظَاهُرِهِ في أَقوَالِهِ بِلِبَاسِ النَّاجِحِ ، وَهُوَ في وَاقِعِ أَمرِهِ جَاهِلٌ مُبِينٌ ، مُخفِقٌ في أُسُسِ دِينِهِ مُفَرِّطٌ في أَركَانِهِ ، وَلَقَد أَحسَنَ مَن مَدَحَ الخَلِيفَةَ الزَّاهِدَ عُمَرَ بنَ عَبدِالعَزِيزِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ حَيثُ قَالَ في وَصفِهِ :
وَأَرَاكَ تَفعَلُ مَا تَقُولُ وَبَعضُهُم
مَذِقُ الحَدِيثِ يَقُولُ مَا لا يَفعَلُ
وَكَم مِمَّن هُوَ في زَمَانِنَا مَذِقُ الحَدِيثِ ، يَكتُبُ مَا لا يَفعَلُ ، وَيُرسِلُ مَا لا يُطَبِّقُ ، وَيَتَشَبَّعُ بما لَيسَ فِيهِ ، فَمَا أَشبَهَهُ بِمَن قَالَ اللهُ فِيهِم : " أَتَأمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَونَ أَنفُسَكُم وَأَنتُم تَتلُونَ الكِتَابَ أَفَلا تَعقِلُونَ " ! إِنَّهَا خِفَّةٌ في العَقلِ أَن يَتَمَادَى المَرءُ في لِبسِ ثِيَابِ النَّاصِحِينَ ، وَيَنسَى أَنَّهَا لم تَستُرْ لَهُ عَورَةً ، وَيَتَغَافَلُ عَن أَعيُنِ الرُّقَبَاءِ الَّتي لا تَزَالُ تَلحَظُهُ في كُلِّ حَرَكَةٍ وَسَكُونٍ ، وَتَرمُقُهُ في كُلِّ دُخُولٍ له وَخُرُوجٍ ، وَتَعرِضُ فِعلَهُ عَلَى قَولِهِ ، فَمَا طَابَقَهُ أَخَذُوا بِهِ ، وَمَا فَارَقَهُ رَمَوا بِهِ في وَجهِهِ .
لَقَد حَكَى اللهُ ـ تَعَالى ـ عَن شُعَيبٍ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ قَولَهُ لِقَومِهِ : " وَمَا أُرِيدُ أَن أُخَالِفَكُم إِلى مَا أَنهَاكُم عَنهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصلاحَ مَا استَطَعتُ وَمَا تَوفِيقِي إِلَّا بِاللهِ " وَإِنَّ في ذَلِكَ لأَبلَغَ إِشَارَةٍ إِلى أَنَّ طَرِيقَ المُصلِحِينَ هِيَ مُوَافَقَةُ الفِعلِ لِلقَولِ ، وَأَنَّ مَن خَالَفَ فِعلُهُ قَولَهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ دَاعِيَةُ فَسَادٍ لا إِمَامَ رَشَادٍ . إِنَّ مِنَ الحِكمَةِ أَن يَبدَأَ المَرءُ بِنَفسِهِ فَيُصلِحَهَا وَيُهَذِّبَهَا وَيُقَوِّمَ عِوَجَهَا ، وَحِينَهَا فَسَيَكُونُ أَبلَغَ وَاعِظٍ وَإِن هُوَ لم يَتَكَلَّمْ ، وَسَيَنقُلُ الخَيرَ وَإِن لم يَكتُبْ ، وَمَا أَحسَنَ قَولَ القَائِلِ :
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ المُعلِمُ غَيرَهُ
هَلاَّ لِنَفسِكَ كَانَ ذَا التَّعلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السَّقَامِ وَذِي الضَّنَى
كَيمَا يَصِحُّ بِهِ وَأَنتَ سَقِيمُ
اِبدَأْ بِنَفسِكَ فَانهَهَا عَن غَيِّهَا
فَإِذَا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكِيمُ
لَيتَ شِعرِي مَاذَا يُرِيدُ مَن يَتَزَيَّنُ بما لم يَفعَلْ ، أَوَلَم يَقرَأْ قَولَ اللهِ ـ سُبحَانَهُ ـ : " لا تَحسَبَنَّ الَّذِينَ يَفرَحُونَ بما أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَن يُحمَدُوا بما لم يَفعَلُوا فَلا تَحسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِنَ العَذَابِ وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ " أَوَلَم يَتَأَمَّلْ مَا قَالَهُ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ : " المُتَشَبِّعُ بما لم يُعطَ كَلابِسِ ثَوبَي زُورٍ " ؟! وَأَخِيرًا ، لِيَجعَلْ كُلُّ امرِئٍ بَينَ عَينَيهِ قَولَ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يُؤتَى بِالرَّجُلِ يَومَ القِيَامَةِ ، فَيُلقَى في النَّارِ ، فَتَندَلِقُ أَقتَابُ بَطنِهِ ، فَيَدُورُ بها كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِالرَّحَى ، فَيَجتَمِعُ إِلَيهِ أَهلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ : يَا فُلانُ ، مَا لَكَ ؟ أَلَم تَكُنْ تَأمُرُ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَى عَنِ المُنكَرِ ؟! فَيَقُولُ : بَلَى ، قَد كُنتُ آمُرُ بِالمَعرُوفِ وَلا آتِيهِ ، وَأَنهَى عَنِ المُنكَرِ وَآتِيهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .


الساعة الآن 08:26 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
- arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...

.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..

a.d - i.s.s.w