![]() |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري درة الأيام 23 / 4 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ هَذَا الدِّينَ العَظِيمَ ، بِكِتَابِهِ الكَرِيمِ وَنَبِيِّهِ الرَّحِيمِ ، إِنَّهُ لأَكبَرُ مِنَّةٍ جَاءَت مِن عِندِ اللهِ لِتَزكِيَةِ النُّفُوسِ وَتَطهِيرِهَا ، وَتَنظِيمِ الحَيَاةِ وَتَرتِيبِهَا ، وَتَقوِيمِ سُلُوكِ البَشَرِ وَتَهذِيبِ أَخلاقِهِم ، لا يَأخُذُ بِهِ مُجتَمَعٌ إِلاَّ سَعِدَ وَصَلَحَ وَتَزَكَّى ، وَلا يُفَرِّطُ فِيهِ آخَرُ إِلاَّ شَقِيَ وَفَسَدَ وَتَدَسَّى ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " لَقَد مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِن أَنفُسِهِم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ " لَقَد كَانَ العَرَبُ في جَاهِلِيَّةٍ جَهلاءَ وَضَلالٍ وَشَقَاءٍ ، فَجَاءَهُمُ اللهُ بِهَذَا الدِّينِ القَوِيمِ ، وَبَعَثَ فِيهِم نَبِيَّهُ سَيِّدَ المُرسَلِينَ ، فَأَخرَجَهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ وَهَدَاهُمُ الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ، وَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِهِم وَأَصلَحَ ذَاتَ بَينِهِم ، فَعَاشُوا مَعَ قِلَّةِ مَا في أَيدِيهِم مِنَ الدُّنيَا حَيَاةً إِيمَانِيَّةً كَرِيمَةً ، وَتَمَتَّعُوا عَلَى فَقرِهِم بِعِيشَةٍ هَنِيَّةٍ رَضِيَّةٍ ، تَحُفُّهَا السَّعَادَةُ وَيُحِيطُ بها السُّرُورُ ، وَتُرَفرِفُ عَلَيهَا الهَنَاءَةُ وَيَلُفُّهَا الحُبُورُ ، وَمَا زَالُوا بِقُوَّةِ إِيمَانِهِم هُم قَادَةَ العَالَمِ وَسَادَتَهُ ، هَمُّهُم اللهُ وَالدَّارُ الآخِرَةُ ، وَرَائِدُهُمُ اتِّبَاعُ الحَقِّ وَإِظهَارُ الدِّينِ الحَقِّ ، حَتى بَلَغُوا هَذَا العَصرَ الَّذِي كَثُرَت فِيهِ الأَموَالُ وَتَوسَّعَتِ الأَرزَاقُ ، فَجَعَلَ الشَّقَاءُ فِيهِم يَزدَادُ يَومًا بَعدَ آخَرَ ، وَجَعَلَت حَيَاتُهُم تَزِيدُ تَعقُّدًا وَتَنَغُّصًا ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لأَنَّهُمُ انجَرَفُوا مَعَ العَالَمَ في تَرقِيعِ الدُّنيَا بِتَمزِيقِ الدِّينِ ، وَاعتَنَوا بِالأَجسَادِ على حَسَابِ الأَروَاحِ ، وَعَمَرُوا الظَّوَاهِرَ بِإِفسَادِ البَوَاطِنِ ، وَعَادُوا لا يَهتَمُّونَ بِالقُلُوبِ ، وَلا يَشتَغِلُونَ بِتَقوِيَةِ العِلاقَةِ بِرَبِّ القُلُوبِ . عِبَادَ اللهِ ، إِنَّ ممَّا جَاءَ بِهِ الإِسلامُ لإِصلاحِ القُلُوبِ وَتَزكِيَةِ النُّفُوسِ ، وَرَبطِ النَّاسِ بَعضِهِم بِبَعضٍ في عِلاقَاتٍ مُحكَمَةٍ وَلِقَاءَاتٍ مُنتَظِمَةٍ ، صَلاةَ الجَمَاعَةِ في بُيُوتِ اللهِ ، تِلكَ الفَرِيضَةُ الجَلِيلَةُ ، الَّتي مِن أَجلِهَا عُمِرَتِ المَسَاجِدُ وَأُمِرَ بِرَفعِهَا ، وَنُدِبَ إِلى تَنظِيفِهَا وَتَطيِيبِهَا ، وَإِلَيهَا دُعِيَ الرِّجَالُ في الغُدُوِّ وَالآصَالِ لإِقَامَةِ ذِكرِ اللهِ ، وَنُهُوا أَن تُلهِيَهُم عَن ذَلِكَ المَربَحِ الأُخرَوِيِّ العَظِيمِ تِجَارَةٌ دُنيَوِيَّةٌ قَلِيلَةٌ ، أَو يَشتَغِلُوا عَنهُ بِبَيعٍ أَو يَعكُفُوا عَلَى مَتَاعٍ حَقِيرٍ . وَكَمَا رُبِطَ المُسلِمُونَ بِبَعضِهِم في الصَّلَوَاتِ الخَمسِ ، فَإِنَّ ثَمَّةَ صَلاةً أُخرَى فُرِضَت عَلَيهِم كُلَّ أُسبُوعٍ ، لِتَكُونَ لأَبدَانِهِمُ اجتِمَاعًا وَلِقُلُوبِهِم التِئَامًا ، وَأُمِرُوا بِإِتيَانِهَا وَالسَّعيِ إِلَيهَا في أَحسَنِ حَالٍ ، مِن جَمَالِ مَلبَسٍ وَنَظَافَةِ بَدَنٍ وَطَهَارَةٍ وَنَقَاءٍ ، إِنَّهَا صَلاةُ الجُمُعَةِ ، ذَلِكُمُ المُؤتَمَرُ الإِيمَانيُّ الاجتِمَاعِيُّ ، وَالمَحضِنُ التَّربَوِيُّ التَّعلِيمِيُّ ، الَّذِي يَستَمِعُونَ فِيهِ إِلى تَوجِيهَاتٍ تُرشِدُهُم إِلى الخَيرِ ، وَيَتَلَقَّونَ مَوَاعِظَ تُقَوِّمُ سُلُوكَهُم ، وَتُلقَى عَلَيهِم أَحَادِيثُ تُعَالِجُ مُشكِلاتِهِم ، في خُطبَتَينِ عَظِيمَتَينِ جَلِيلَتَينِ ، حَلَّتَا مَحَلَّ رَكعَتَينِ مِن صَلاةِ الظُّهرِ ، ممَّا يُؤَكِّدُ أَهمِيَّةَ الحُضُورِ المُبَكِّرِ وَالاستِمَاعِ إِلى تَينِكُمُ الخُطبَتَينِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَومِ الجُمُعَةِ فَاسعَوا إِلى ذِكرِ اللهِ وَذَرُوا البَيعَ ذَلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمُون " وَفي التَّعبِيرِ بِالسَّعيِ إِلى ذِكرِ اللهِ دُونَ المَشيِ وَنَحوِهِ مِنَ الأَلفَاظِ ، حَثٌّ عَلَى المُسَارَعَةِ وَتَرغِيبٌ في المُسَابَقَةِ ، وَحَضٌّ عَلَى التَّنَافُسِ بَينَ المُسلِمِينَ في التَّقَدُّمِ وَالتَّبكِيرِ ، وَهُوَ مَا دَلَّت عَلَيهِ الأَدِلَّةُ الأُخرَى وَرَغَّبَت فِيهِ وَمَدَحَت أَهلَهُ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن تَوَضَّأَ فَأَحسَنَ الوُضُوءَ ثم أَتَى الجُمُعَةَ فَاستَمَعَ وَأَنصَتَ ، غُفِرَ لَهُ مَا بَينَهُ وَبَينَ الجُمُعَةِ الأُخرَى وَزِيَادَةِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ، وَمَن مَسَّ الحَصَا فَقَد لَغَا " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " الصَّلَوَاتُ الخَمسُ ، وَالجُمُعَةُ إِلى الجُمُعَةِ ، وَرَمَضَانُ إِلى رَمَضَانَ ، مُكَفِّرَاتُ مَا بَينَهُنَّ إِذَا اجتُنِبَتِ الكَبَائِرُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا يَغتَسِلُ رَجُلٌ يَومَ الجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا استَطَاعَ مِنَ الطُّهُورِ ، وَيَدَّهِنُ مِن دُهنِهِ وَيَمَسُّ مِن طِيبِ بَيتِهِ ، ثم يَخرُجُ فَلا يُفَرِّقُ بَينَ اثنَينِ ، ثم يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ، ثم يُنصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَينَهُ وَبَينَ الجُمُعَةِ الأُخرَى " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن غَسَّلَ يَومَ الجُمُعَةِ وَاغتَسَلَ ، وَبَكَّرَ وَابتَكَرَ ، وَمَشَى وَلم يَركَبْ ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ فَاستَمَعَ وَلم يَلغُ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خَطوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَصحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . لَقَد تَشَرَّبَ المُسلِمُونَ عَلَى مَرِّ عُصُورِهِم هَذِهِ الفَضَائِلَ وَاحتَسَبُوهَا ، فَكَانُوا يَحسِبُونَ لِهَذَا اليَومِ حِسَابًا ، فَلا يَنشَغِلُونَ فِيهِ بِغَيرِ ذِكرٍ وَصَلاةٍ وَدُعَاءٍ وَرَجَاءٍ ، حَتى جَاءَ عَصرُنَا هَذَا ، وَخَلَفَت فِيهِ خُلُوفٌ كَأَنَّمَا طَالَ عَلَيهَا الأَمَدُ ، فَقَسَت القُلُوبُ وَزُهِدَ في الأُجُورِ ، وَعَادَت هَذِهِ الفَرِيضَةُ الجَلِيلَةُ تَشهَدُ تَبَاطُؤًا مِن كَثِيرٍ مِنَ المُسلِمِينَ وَتَكَاسُلاً ، فَخَلَتِ الصُّفُوفُ مِنَ المُصَلِّينَ حَتى قُربِ إِقَامَةِ الصَّلاةِ ، بَل وَوُجِدَ مَن يَترُكُونَهَا أَو لا يَحضُرُونَ إِلاَّ في التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ مِن رَكعَتَيهَا ، فَيَحرِمُونَ أَنفُسَهُم مِنَ الاستِمَاعِ إِلى الذِّكرِ في الخُطبَتَينِ ؟ وَكَأَنَّهُم لم يَسمَعُوا إِلى مَا صَحَّ عَنهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ عِندَ مُسلِمٍ وَغَيرِهِ حَيثُ قَالَ : " لَيَنتَهِيَنَّ أَقوَامٌ عَن وَدعِهِمُ الجُمُعَاتِ ، أَو لَيَختِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِم ثم لَيَكُونُنَّ مِنَ الغَافِلِينَ " وَفي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِذَا كَانَ يَومُ الجُمُعَةِ ، كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِن أَبوَابِ المَسجِدِ مَلائِكَةٌ يَكتُبُونَ النَّاسَ عَلَى قَدرِ مَنَازِلِهِم الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ ، فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَجَاؤُوا يَستَمِعُونَ الذِّكرَ ، وَمَثَلُ المُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهدِي بَدَنَةً ، ثم كَالَّذِي يُهدِي بَقَرَةً ، ثم كَالَّذِي يُهدِي الكَبشَ ، ثم كَالَّذِي يُهدِي الدَّجَاجَةَ ، ثم كَالَّذِي يُهدِي البَيضَةَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " اُحضُرُوا الجُمُعَةَ وَادنُوا مِنَ الإِمَامِ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ مِن أَهلِ الجَنَّةِ فَيَتَأَخَّرُ عَنِ الجُمُعَةِ فَيُؤَخَّرُ عَنِ الجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِن أَهلِهَا " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَغَيرُهُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : حَسَنٌ لِغَيرِهِ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ يَا مَنِ اعتَدتُمُ التَّأخُّرَ ، وَحَذَارِ مِنَ التَّهَاوُنِ وَالتَّبَاطُؤِ فَتُفَوِّتُوا الأَجرَ وَتَحرِمُوا أَنفُسَكُمُ الخَيرَ ؛ فَإِنَّهُ لا يَزَالُ قَومٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ ... اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَينَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ في قُلُوبِنَا ، وَكَرِّهْ إِلَينَا الكُفرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصيَانَ ، وَاجعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ . الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ الجُمُعَةَ مَشهَدٌ أُسبُوعِيٌّ عَظِيمٌ ، وَعِيدٌ إِسلامِيٌّ كَرِيمٌ ، يَتَكَرَّرُ عَلَيكُم كُلَّ أُسبُوعٍ ، فَتَتَكَرَّرُ عَلَيكُم بِهِ نِعمَةُ رَبِّكُم ، فَاعرِفُوا لِهَذَا اليَومِ قَدرَهُ ، وَاحفَظُوا لَهُ مَكَانَتَهُ ، وَاحمَدُوا اللهَ إِذْ هَدَى هَذِهِ الأُمَّةَ إِلَيهِ ثم جَعَلَكُم مِنهَا ، في حِينِ أَضَلَّ عَنهُ مَن كَانَ قَبلَكُم ، فَفِي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " نَحنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَومَ القِيَامَةِ ، بَيدَ أَنَّهُم أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِن بَعدِهِم ، ثُمَّ هَذَا يَومُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيهِم ـ يَعني يَومَ الجُمُعَةِ ـ فَاختَلَفُوا فِيهِ ، فَهَدَانَا اللهُ لَهُ ، وَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ ، اليَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعدَ غَدٍ " إِنَّهَا لَنِعمَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى المُسلِمِ أَن جَعَلَ اللهُ لَهُ هَذِهِ المُنَاسَبَةَ الكَرِيمَةَ ، تُعِيدُهُ مِن خِضَمِّ الحَيَاةِ المُتَلاطِمِ بِأَنوَاعِ الفِتَنِ وَالمِحَنِ ، وَتُخرِجُهُ مِن بَحرِهَا الهَائِجِ بِأَشكَالِ المُلهِيَاتِ وَالمُشغِلاتِ ، لِتُؤوِيهِ إِلى رَبِّهِ في بَيتٍ مِن بُيُوتِهِ ، مُتَجَمِّلاً مُتَطَهِّرًا مُتَطَيِّبًا ، حَاضِرًا قَلبُهُ طَيِّبَةً نَفسُهُ ، فَيُغفَرَ ذَنبُهُ وَتُكَفَّرَ سَيِّئَاتُهُ ، فَاجتَهِدُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ في نَيلِ هَذِهِ الأُجُورِ ، وَلا تَحرِمُوا أَنفُسَكُم فَضلَ رَبِّكُم ، فَإِنَّ مَا عِندَهُ خَيرٌ لَكُم وَأَبقَى " فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا في الأَرضِ وَابتَغُوا مِن فَضلِ اللهِ وَاذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري ومن يتولهم منكم فإنه منهم 30 / 4 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، رَوَى الإِمَامُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ عَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَالَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لا يَسمَعُ بي أَحَدٌ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصرَانيٌّ ، ثم يَمُوتُ وَلم يُؤمِنْ بِالَّذِي أُرسِلتُ بِهِ ، إِلاَّ كَانَ مِن أَصحَابِ النَّارِ " هَذَا الحَدِيثُ العَظِيمُ ، حَدِيثُ صِدقٍ لا شَكَّ فِيهِ ، وَحُكمُ حَقٍّ لا مِريَةَ فِيهِ ، إِنَّهُ لَيَقطَعُ شَكَّ النُّفُوسِ المَرِيضَةِ ، وَيَمحُو ظَنَّ القُلُوبِ المُتَرَدِّدَةِ ، وَالَّتي كُلَّمَا مَاتَ يَهُودِيٌّ أَو نَصرَانيٌّ في شَرقِ العَالمِ أَو غَربِهِ ، رَئِيسًا أَو زَعِيمًا أَو صَاحِبَ مَالٍ أَو صَنعَةٍ ، أَفَاضُوا في مَدحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيهِ وَتَكَلَّفُوا ذِكرَ مَحَاسِنِهِ ، مُحَاوِلِينَ إِقنَاعَ السُّذَّجِ وَضِعَافِ الإِيمَانِ ، أَنَّهُ رُبَّمَا شَفَعَت لِهَذَا المَيِّتِ أَعمَالُهُ الَّتي قَدَّمَهَا خِدمَةً لِلبَشَرِ في صِنَاعَةٍ أَو طِبٍّ أَوِ اقتِصَادٍ ، أَو نَفَعَتهُ جُهُودُهُ الَّتي بَذَلَهَا في نَشرِ السَّلامِ بَينَ شُعُوبِ الأَرضِ ، وَأَنَّهُ قَد يَدخُلُ بِذَلِكَ الجَنَّةَ وَينجُو مِنَ النَّارِ ، نَاسِينَ أَو مُتَنَاسِينَ أَنَّهُ مَهمَا عَمِلَ عَامِلٌ مَا يَظُنُّهُ خَيرًا أَو بِرًّا أَو إِحسَانًا ، أَوِ اجتَهَدَ مُجتَهِدٌ وَقَلبُهُ لِغَيرِ رَبِّهِ ، فَمَا سَعيُهُ إِلاَّ في ضَلالٍ وَوَبَالٍ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ في حَقِّ الكَافِرِينَ : " وَقَدِمْنَا إِلى مَا عَمِلُوا مِن عَمَلٍ فَجَعَلنَاهُ هَبَاءً مَنثُورًا " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، قَبلَ عِدَّةِ أَشهُرٍ ، هَلَكَ أَحَدُ صَانِعِي أَجهِزَةِ الحَاسِبِ وَالجَوَّالاتِ ، وَإِذْ ذَاكَ جَعَلَتِ الأَقلامُ تَتَبَارَى في مَدحِهِ آسِفَةً عَلَى مَوتِهِ ، بَل رَفَعَهُ بَعضُهُم وَلَمَّعَهُ ، حَتى لَكَأَنَّمَا هُوَ الفَاتِحُ المُغَيِّرُ شَأنَ العَالمِ ، ثم لَمَّا مَاتَ قَبلَ أَيَّامٍ كَبِيرُ النَّصَارَى في مِصرَ ، ممَّن لم يُعرَفْ عَنهُ إِلاَّ العِدَاءُ لِلمُسلِمِينَ وَتَحرِيضُ دُوَلِ الغَربِ عَلَيهِم ، وَإِيذَاءُ الفَتَيَاتِ ممَّن يَدخُلْنَ في الإِسلامِ بِسَجنِهِنَّ أَو قَتلِهِنَّ ، وَرَفعُ صَوتِهِ بِأَنَّ مِصرَ هِيَ أَرضُ الأَقبَاطِ ، وَأَنَّ المُسلِمِينَ فِيهَا إِنَّمَا هُم مُحتَلُّونَ وَمُغتَصِبُونَ ، أَقُولُ لَمَّا نَفَقَ هَذَا الهَالِكُ نُفُوقَ البَهَائِمِ ، خَرَجَ كُتَّابٌ في بَعضِ بَرَامِجِ التَّوَاصُلِ الاجتِمَاعِيِّ في الشَّبَكَةِ العَالَمِيَّةِ ، لِيَتَرَحَّمُوا عَلَيهِ وَيَدعُوا لَهُ ، ثم فُوجِئَ المُسلِمُونَ في مِصرَ بِمُفتِيهِم وَهُوَ يَعُدُّ مَوتَهُ فَاجِعَةً لِمِصرَ وَأَهلِهَا ، وَآخَرَ مِن عُلَمَائِهِم يُعَزِّيهِم فِيهِ ، وَثَالِثَ يُشَبِّهُ جِنَازَتَهُ بِجِنَازَةِ الإِمَامِ أَحمَدَ ، ثم يُعلَنُ الحِدَادُ رَسمِيًّا عَلَى ذَلِكَ الهَالِكِ ، وَتَبُثُّ بَعضُ القَنَوَاتِ آيَاتٍ مِن كِتَابِ اللهِ عَلَى رُوحِهِ . فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ! وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ! وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ ! المُسلِمُونَ يُقَتَّلُونَ وَتُنتَهَكُ أَعرَاضُهُم ، وَنِسَاؤُهُم تُرَمَّلُ وَأَطفَالُهُم يُيَتَّمُونَ ، وَحُقُوقُهُم تُسلَبُ وَمُقَدَّرَاتُه ُم تُنهَبُ ، وَدِيَارُهُم تُحتَلُّ وَمَسَاجِدُهُم تُهَدَّمُ ، فَلا يَتَحَرَّكُ مِن هَؤُلاءِ سَاكِنٌ ، بَل وَلا تَنتَفِضُ لهم شَعَرَاتٌ وَلا يَنصُرُونَ إِخوَانَهُم وَلَو بِكُلَيمَاتٍ ، ثم يَمُوتُ عَدُوٌّ نَصرَانيٌّ كَافِرٌ ، فَيَنطَلِقُونَ لِيُعَظِّمُوا أَمرَ مَوتِهِ ، مُتَجَاهِلِينَ مَا عَلَيهِ النَّصَارَى وَاليَهُودُ مِن كُفرٍ وَشِركٍ ، وَأَنَّ اللهَ لا يَغفِرُ لِمُشرِكٍ وَلا كَافِرٍ وَلا يُدخِلُهُمَا جَنَّتَهُ ، إِذْ لا ذَنبَ عِندَهُ ـ تَعَالى ـ أَعظَمُ وَلا ظُلمَ أَكبَرُ مِنَ الشِّركِ ، فَكَيفَ إِذَا كَانَ هَؤُلاءِ يَجمَعُونَ إِلى كُفرِهِم بِرَبِّهِم عَدَاوَةَ أَولِيَائِهِ ، وَلا يَألُونَ جُهدًا في إِيقَادِ الحُرُوبِ ضِدَّ عِبَادِهِ ، وَلا يَنَامُونَ عَنِ التَّخطِيطِ لِصَدِّهِم عَن دِينِهِم وَإِفسَادِ عَقَائِدِهِم ، وَصَرفِهِم عَن كُلِّ خُلُقٍ حَمِيدٍ وَفَضِيلَةٍ ، وَإِيقَاعِهِم في كُلِّ شَرٍّ وَرَذِيلَةٍ ؟ لَكَأَنَّ هَؤُلاءِ القَومَ لم يَقرَؤُوا قَولَ الحَقِّ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ : " إِنَّ اللهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افتَرَى إِثمًا عَظِيمًا " وَقَولَهُ ـ سُبحَانَهُ ـ عَلَى لِسَانِ لُقمَانَ : " يَا بُنيَّ لا تُشرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظِيمٌ " وَقَولَهُ ـ تَعَالى ـ : " وَمَن يَرتَدِدْ مِنكُم عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَت أَعمَالُهُم في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ " وَقَولَهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُم كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيهِم لَعنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ . خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنهُمُ العَذَابُ وَلا هُم يُنظَرُون " وَقَولَهُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " لَقَد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابنُ مَريَمَ وَقَالَ المَسِيحُ يَا بَني إِسرَائِيلَ اعبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُم إِنَّهُ مَن يُشرِكْ بِاللهِ فَقَد حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ وَمَأوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالمِينَ مِن أَنصَارٍ . لَقَد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِن إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لم يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ " وَقَولَهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " مَا كَانَ لِلنَّبيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَستَغفِرُوا لِلمُشرِكِينَ وَلَو كَانُوا أُولي قُربى مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُم أَصحَابُ الجَحِيمِ . وَمَا كَانَ استِغفَارُ إِبرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَوعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنهُ إِنَّ إِبرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ " لَقَد كَانَ مِنَ المُشرِكِينَ في عَهدِ رَسُولِ اللهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَقَبلَهُ مَن كَانُوا يُطعِمُونَ الطَّعَامَ وَيَبذُلُونَ ، وَيَسقُونَ الحُجَّاجَ وَيُحسِنُونَ ، وَأَمَّا عَمُّهُ أَبُوطَالِبٍ فَقَد رَبَّاهُ مُنذُ صِغَرِهِ ، وَكَانَ مُحِبًّا لَهُ وَمَدَحَهُ في شِعرِهِ ، وَنَافَحَ عَنهُ وَلم يَألُ جُهدًا في الذَّبِّ عَنهُ وَنَصرِهِ ، بَل وَتَحَمَّلَ الحِصَارَ مَعَهُ في الشِّعبِ ، وَمَعَ هَذَا لم يُنجِهِ وَلا الكُفَّارَ الآخَرِينَ مِنَ الخُلُودِ في النَّارِ مَا عَمِلُوهُ مِن خَيرٍ وَلا مَا قَدَّمُوهُ مِن بِرٍّ إِذْ مَاتُوا وَهُم كُفَّارٌ وَلم يَكُونُوا مُسلِمِينَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَجَعَلتُم سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسجِدِ الحَرَامِ كَمَن آمَنَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَجَاهَدَ في سَبِيلِ اللهِ لا يَستَوُونَ عِندَ اللهِ وَاللهُ لا يَهدِي القَومَ الظَّالمِينَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا في سَبِيلِ اللهِ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم أَعظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعدَ إِيمَانِهِم ثُمَّ ازدَادُوا كُفرًا لَن تُقبَلَ تَوبَتُهُم وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ . إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُم كُفَّارٌ فَلَن يُقبَلَ مِن أَحَدِهِم مِلءُ الأَرضِ ذَهَبًا وَلَوِ افتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِن نَاصِرِينَ " وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَنِ العَبَّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَل نَفَعتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيءٍ ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغضَبُ لَكَ ؟ قَالَ : " نَعَم ، هُوَ في ضَحضَاحٍ مِن نَارٍ ، وَلَولا أَنَا لَكَانَ في الدَّركِ الأَسفَلِ مِنَ النَّارِ " وَفِيهِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " أَهوَنُ أَهلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ ، وَهُوَ مُنتَعِلٌ بِنَعلَينِ يَغلِي مِنهُمَا دِمَاغُهُ " وَعَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : قُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، ابنُ جُدعَانَ كَانَ في الجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطعِمُ المِسكِينَ ، فَهَل ذَاكَ نَافِعُهُ ؟ قَالَ : " لا يَنفَعُهُ ، إِنَّهُ لم يَقُلْ يَومًا رَبِّ اغفِرْ لي خَطِيئَتي يَومَ الدِّينِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَرَوَى مُسلِمٌ عَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَينَ أَبي ؟ قَالَ : " في النَّارِ " فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ فَقَالَ : " إِنَّ أَبي وَأَبَاكَ في النَّارِ " وَعَن أبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : زَارَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَبرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبكَى مَن حَولَهُ فَقَالَ : " اِستَأذَنتُ رَبِّي في أَن أَستَغفِرَ لها فَلَم يُؤذَنْ لي ، وَاستَأذَنتُهُ في أَن أَزُورَ قَبرَهَا فَأَذِنَ لي ، فَزُورُوا القُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ المَوتَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . فَصَلَّى عَلَيهِ اللهُ وَسَلَّمَ مَا كَانَ أَصدَقَهُ وَأَفصَحَهُ ! لم يُجَامِلْ وَلم يُلَمِّحْ ، بَل بَيَّنَ وَصَرَّحَ وَوَضَّحَ ، فَمَاذَا بَعدَ هَذَا ؟! إِذَا كَانَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَعَمُّهُ لم يَنتَفِعُوا بِقُربِهِم مِنهُ لَمَّا مَاتُوا عَلَى الشِّركِ ، وَلم يُؤذَنْ لَهُ في التَّرَحُّمِ عَلَيهِم ، فَكَيفَ يَنتَفِعُ غَيرُهُم بما قَدَّمَ مِن دُنيَا مَعَ شِركِهِ وَكُفرِهِ ، وَهَل يُتَرَحَّمُ عَلَى مَن يُعِدُّ العُدَّةَ لِحَربِ المُسلِمِينَ وَصَدِّهِم عَن دِينِهِم ؟! أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّهُ لا نَجَاةَ إِلاَّ لأَهلِ الإِسلامِ وَالإِيمَانِ " وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ، وَاحذَرُوا مَا يُسخِطُ رَبَّكُم ـ جَلَّ وَعَلا ـ فَإِنَّ أَجسَامَكُم عَلَى النَّارِ لا تَقوَى . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الوَلاءَ لِلمُؤمِنِينَ وَمُوَدَّةَ المُسلِمِينَ ، وَالبَرَاءَ مِنَ الكَافِرِينَ وَبُغضَ المُشرِكِينَ ، إِنَّهَا لَعَقِيدَةٌ دَلَّ عَلَيهَا الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، فَآمَنَ بها الحُنَفَاءُ وَمَضَى عَلَيهَا المُوَحَّدُونَ ، وَتَلَقَّتهَا الأُمَّةُ خَلَفًا عَن سَلَفٍ ، إِنَّهُ مَبدَأٌ رَاسِخٌ لا تُغَيِّرُهُ الآرَاءُ وَلا تُبطِلُهُ الأَهوَاءُ ، وَلا تَنتَزِعُهُ مِنَ القُلُوبِ مَحَبَّةُ الدُّنيَا ، وَلا يُخمِدُ جَذوَتَهُ وَلا يُضعِفُ تَوَقُّدَهُ رُكُونٌ إِلى شَهَوَاتِهَا أَوِ انجِرَافٌ مَعَ مُغرِيَاتِهَا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " لا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَن حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبنَاءَهُم أَو إِخوَانَهُم أَو عَشِيرَتَهُم أُولَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِنهُ وَيُدخِلُهُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ أُولَئِكَ حِزبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزبَ اللهِ هُمُ المُفلِحُونَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُم وَإِخوَانَكُم أَولِيَاءَ إِنِ استَحَبُّوا الكُفرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالمُونَ . قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُم وَأَبنَاؤُكُم وَإِخوَانُكُم وَأَزوَاجُكُم وَعَشِيرَتُكُم وَأَموَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ في سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأتيَ اللهُ بِأَمرِهِ وَاللهُ لا يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاءَ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللهَ لا يَهدِي القَومَ الظَّالمِينَ . فَتَرَى الَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَن يَأتيَ بِالفَتحِ أَو أَمرٍ مِن عِندِهِ فَيُصبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا في أَنفُسِهِم نَادِمِينَ . وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقسَمُوا بِاللهِ جَهدَ أَيمَانِهِم إِنَّهُم لَمَعَكُم حَبِطَت أَعمَالُهُم فَأَصبَحُوا خَاسِرِينَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتي اللهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَومَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ . وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُم هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَالكُفَّارَ أَولِيَاءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ " أَلا فَلْيَخشَ اللهَ مَن يُحِبُّ أَعدَاءَهُ أَو يَمدَحُهُم وَهُوَ ـ تَعَالى ـ يَقُولُ : " فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلكَافِرِينَ " وَيَقُولُ : " وَلا يَزِيدُ الكَافِرِينَ كُفرُهُم عِندَ رَبِّهِم إِلا مَقتًا " إِنَّ كُلَّ مُؤمِنٍ لا بُدَّ أَن يَكُونَ في نَفسِهِ عَدَاوَةٌ لِكُلِّ عَدُوٍّ لِخَالِقِهِ وَمَولاهُ ، فَإِن لم يَجِدْ في قَلبِهِ عَدَاوَةً لأَعدَاءِ رَبِّهِ فَلْيَبكِ عَلَى إِيمَانِهِ ، فَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن أَحَبَّ للهِ وَأَبغَضَ للهِ ، وَأَعطَى للهِ وَمَنَعَ للهِ فَقَدِ استَكمَلَ الإِيمَانَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري جزاك الله خير |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري أمة قائمة لخيرية دائمة 7 / 5 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ، فَاتَّقُوهُ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ " وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي أُعِدَّت لِلكَافِرِينَ . وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَنَحنُ في زَمَنٍ كَثُرَ فِيهِ الفَسَادُ وَظَهَرَت مَنَاهِجُ لِلإِفسَادِ ، عَقَدِيًّا وَفِكرِيًَّا وَخُلُقِيًّا ، وَإِدَارِيًّا وَمَالِيًّا وَاجتِمَاعِيًّا ، يَتَرَدَّدُ الكَلامُ عَن وُجُوبِ المُحَاسَبَةِ مِن أَصحَابِ الوِلايَةِ وَالمَسؤُولِيَّ ةِ ، وَأَهَمِيَّةِ الرَّقَابَةِ فَردِيَةً وجَمَاعِيَّةً ، وَلُزُومِ تَعرِيَةِ الفَسَادِ وَفَضحِ المُفسِدِينَ ، وَكَفِّ أَيدِي العَابِثِينَ وَقَمعِ المُجرِمِينَ ، وَلأَنَّ لَنَا دِينًا كَامِلاً وَمَنهَجًا رَبَّانِيًّا شَامِلاً ، جَاءَ بما يُصلِحُ شُؤُونَ النَّاسِ وَيُقِيمُ أُمُورَهُم في دُنيَاهُم وَأُخرَاهُم ، وَاجتَمَعَ فِيهِ مَا يَحفَظُ أَجسَادَهُم وَيُنَمِّي عُقُولَهُم ، مَعَ مَا يُعَالِجُ قُلُوبَهُم وَيُزَكِّي نُفُوسَهُم ، فَإِنَّنَا لَسنَا إِلى شَيءٍ أَحوَجَ مِنَّا إِلى التَّمَسُّكِ بِدِينِنَا وَاتِّبَاعِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، وَعَدَمِ البَحثِ يَمنَةً وَيَسرَةً في مَنَاهِجَ بَشرِيَّةٍ قَاصِرَةٍ حَاسِرَةٍ ، لم يَزدَدِ العَالَمُ بها إِلاَّ شَقَاءً وَعَنَاءً . أَلا وَإِنَّ دِينَنَا قَد جَاءَ بما فِيهِ إِرشَادُ النَّاسِ وَهِدَايَتُهُم ، وَتَوجِيهُهُم إِلى مَا فِيهِ خَيرٌ لهم وَنَفعٌ ، وَمَنعُهُم ممَّا فِيهِ شَرٌّ وَضَرَرٌ ، وَذَلِكَ بِتَشرِيعِ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ ، وَأَمرِهِم بِالتَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَنَهيِهِم عَنِ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ ، قَالَ ـ جَلَّ شَأنُهُ : " وَلْتَكُن مِنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ " الأَمرُ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ سَبَبٌ لِلتَّمكِينِ في الأَرضِ وَنَصرِ اللهِ لِعِبَادِهِ " وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ " بِالتَّوَاصِي بِالحَقِّ وَالصَّبرِ عَلَيهِ تَكُونُ النَّجَاةُ مِنَ الخُسرَانِ " وَالعَصرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ " بِالاحتِسَابِ تَظهَرُ الشَّعَائِرُ وَتَنتَشِرُ الطَّاعَاتُ ، وَتَندَحِرُ المَعَاصِي وَتَقِلُّ المُنكَرَاتُ ، وَتُشَدُّ ظُهُورُ المُؤمِنِينَ وَتُرغَمُ أُنُوفُ المُنَافِقِينَ ، وَيُقمَعُ الفَسَادُ وَالمُفسِدُونَ ، وَيَرتَدِعُ السُّفَهَاءُ وَالظَّالِمُونَ ، فيَبقَى المَعرُوفُ مَعرُوفًا وَالمُنكَرُ مُنكَرًا ، وَتُحَصَّلُ المَصَالِحُ وَتُكَمَّلُ ، وَتُعَطَّلُ المَفَاسِدُ وَتُقَلَّلُ ، وَأَمَّا إِذَا تُرِكَ الاحتِسَابُ بِالكُلِّيَّةِ أَو تَهَاوَنَ النَّاسُ بِهِ ، فَلا تَسَلْ عَنِ انقِلابِ المَوَازِينِ حِينَئِذٍ وَانتِكَاسِ المَفَاهِيمِ ، إِذْ يَفشُو الجَهلُ وَيَضمَحِلُّ الدِّينُ ، وَتَنطَفِئُ جَذوَةُ الإِيمَانِ في القُلُوبِ ، فَتَحكُمُ النَّاسَ الأَهوَاءُ ، وَتَغلِبُهُمُ الشَّيَاطِينُ وَتُسَيطِرُ عَلَيهِمُ الشَّهَوَاتُ ، وَيَتَجَرَّاُ العُصَاةُ وَالفُسَّاقُ عَلَى أَهلِ الحَقِّ وَالخَيرِ ، فَيَنَالُونَ مِنهُم وَيَتَطَاوَلُون َ عَلَيهِم ، وَيُظهِرُونَ مُنكَرَاتِهِم وَيُجَاهِرُونَ بِمَعَاصِيهِم ، ممَّا يُؤذِنُ بِنَزعِ العَافِيَةِ وَحُلُولِ الهَلاكِ وَالعَذَابِ ، وَهُوَ مَا ظَهَرَت نُذُرُهُ في الأَرضِ وَالسَّمَاءِ ، إِمَّا في فَيَضَانَاتٍ غَامِرَةٍ وَأَعَاصِيرَ ثَائِرَةٍ وَزَلازِلَ مُدَمِّرَةٍ ، وَإِمَّا في قِلَّةِ أَمطَارٍ وَغَورِ آبَارٍ وَجَفَافٍ وَغُبَارٍ ، وَإِمَّا في قِلَّةِ أَرزَاقٍ وَغَلاءٍ وَنَزعِ خَيرَاتٍ وَمَحقِ بَرَكَاتٍ . وَمِن ثَمَّ ـ إِخوةَ الإِيمانِ ـ فَإِنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يَبقَى في الأُمَّةِ مَن يَصدَعُ بِالحَقِّ وَيَأمُرُ وَيَنهَى ؛ لِئَلاَّ تُسلَبَ مِنهَا الخَيرِيَّةُ ، وَلِيَكُونَ أُولَئِكَ الآمِرُونَ النَّاهُونَ سَبَبًا لِحِفظِ البِلادِ وَالعِبَادِ مِن حُلولِ الهَلاكِ وَوُجُوبِ العَذَابِ وَرَدِّ الدُّعَاءِ وَعَدَمِ الاستِجَابَةِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَلَولا كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبلِكُم أُولُو بَقِيَّةٍ يَنهَونَ عَنِ الفَسَادِ في الأَرضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّن أَنجَينَا مِنهُم " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ، لَتَأمُرُنَّ بِالمَعرُوفِ وَلَتَنهَوُنَّ عَنِ المُنكَرِ ، أَو لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَن يَبعَثَ عَلَيكُم عِقَابًا مِن عِندِهِ ، ثُمَّ لَتَدعُنَّهُ فَلا يَستَجِيبَ لَكُم " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبانيُّ . وَإِنَّ فِيمَا قَصَّهُ اللهُ ـ تَعَالى ـ عَلَينَا مِن أَخبَارِ بني إِسرَائِيلَ أَنْ لَعَنَهُم ـ سُبحَانَهُ ـ عَلَى أَلسُنِ رُسُلِهِم ، بِسَبَبِ عِصيَانِهِم وَتَعطِيلِهِم شَعِيرَةَ الحِسبَةِ فِيمَا بَينَهُم ، وَسُكُوتِ عُلَمَائِهِم وَأَحبَارِهِم عَن سُفَهَائِهِم وَأَشرَارِهِم ؛ إِمَّا رَغبَةً فِيمَا عِندَهُم أَو رَهبَةً مِنهُم ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَتَرَى كَثِيرًا مِنهُم يُسَارِعُونَ في الإِثمِ وَالعُدوَانِ وَأَكلِهِمُ السُّحتَ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ . لَولا يَنهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّو نَ وَالأَحبَارُ عَن قَولِهِمُ الإِثمَ وَأَكلِهِمُ السُّحتَ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَصنَعُونَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَني إِسرَائِيلَ عَلى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ . كَانُوا لا يَتَنَاهَونَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ " وَإِنَّمَا قَصَّ ـ تَعَالى ـ خَبَرَهُم وَبَيَّنَ أَمرَهُم ، لِيَكُونَ عِبرَةً لِمَن بَعدَهُم حَتَّى لا يَفعَلُوا فِعلَهُم فَيَكُونُوا مِثلَهُم ، وَيَحِلَّ بِهِم مِن لَعنَةِ اللهِ وَغَضَبِهِ مَا حَلَّ بِأُولَئِكَ المَغضُوبِ عَلَيهِم . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَلْنَحذَرْ مِن تَعطِيلِ شَعِيرَةِ الاحتِسَابِ ، ظَنًّا مِنَّا أَنَّ تَركَ النَّاسِ بِلا حَسِيبٍ وَلا رَقِيبٍ سَبَبٌ لأُلفَةِ القُلُوبِ وَاجتِمَاعِهَا ، فَإِنَّمَا هَذَا غُرُورٌ وَبَاطِلٌ ، وَلْنَكُنْ كَمَا أَرَادَ اللهُ لَنَا حَيثُ قَالَ : " وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ " وَلْنَحذَرْ مِمَّا وَصَفَ بِهِ شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالجِنِّ حَيثُ قَالَ ـ تَعَالى ـ : " المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَات ُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعرُوفِ وَيَقبِضُونَ أَيدِيَهُم نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُم إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ " وَقَالَ ـ تعالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ فَإِنَّهُ يَأمُرُ بِالفَحشَاء وَالمُنكَرِ وَلَولا فَضلُ اللهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِن أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الأَمرُ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ سَدٌّ مَنِيعٌ في طَرِيقِ أَصحَابِ الشُّبُهَاتِ وَصَرعَى الشَّهَوَاتِ ، وَحِصنٌ حَصِينٌ يَمنَعُ تَجَاوُزَهُمُ الحُدُودَ وَوُقُوعَهُم فِيمَا لا يَحِلُّ لهم ، وَلا وَاللهِ يَكرَهُ الاحتِسَابَ عَلَى أَهلِ المُنكَرِ إِلاَّ مَخذُولٌ ، وَقَد قَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ في الَّذِينَ آمَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ في الدَّنيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ " وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ أَشَدَّ مَا يَجِدُهُ الضَّالُّونَ المُضِلُّونَ أَن تَبلُغَ الحَمِيَّةُ الدِّينِيَّةُ وَالغَيرَةُ الإِيمَانِيَّةُ بِالمُجتَمَعِ المُسلِمِ حَدَّ اليَقَظَةِ التَّامَّةِ لِمَا إِلَيهِ يَهدِفُونَ وَلَهُ يُخَطِّطُونَ ، فَيَهُبَّ جَمِيعُهُ لِجِهَادِهِم وَيَقِفَ صَفًّا وَاحِدًا لِرَدعِهِم ، وَيَعمَلَ عَلَى فَضحِ مُخَطَّطَاتِ الفَسَادِ وَبَيَانِ سَبِيلِ المُجرِمِينَ ، وَقَدِ اعتَدنَا مُنذُ سِنِينَ وَلا عَجَبَ ، عَلَى مُجَازَفَاتٍ وَتَجَاوُزَاتٍ ، نَرَى فِيهَا الفَسَقَةَ يَتَنَاوَلُونَ الحِسبَةَ وَرِجَالَهَا في صُحُفِهِم وَجَرَائِدِهِم ، وَيَسخَرُونَ مِنهُم في مَقَالاتِهِم وَأُطرُوحَاتِهِ م ، وَيَتَّهِمُونَه ُم بِأَنَّهُم يُدخِلُونَ أَنفُسَهُم فِيمَا لا شَأنَ لهم بِهِ . وَأَمَّا الأَمرُ الَّذِي لم نَتَعَوَّدْهُ وَلم نَسمَعْ بِهِ مِن قَبلُ ، فَهُوَ أَن يَأتيَ مَن يُنسَبُ لأَهلِ العِلمِ فَيَركَبَ هَذِهِ المَوجَةَ التَّغرِيبِيَّة َ الخَطِيرَةَ ، وَيَنسَاقَ مَعَ هَذَا التَّيَّارِ الشَّهوَانيِّ الحَقِيرِ ، فَيَزعُمَ أَنَّ الحِسبَةَ مَقصُورَةٌ عَلَى مُوَظَّفِيهَا الرَّسمِيِّينَ ، وَأَنَّ مَن أَمَرَ مِن سَائِرِ المُجتَمَعِ بِمَعرُوفٍ أَو نَهَى عَن مُنكَرٍ ، أَو رَدَّ شَرًّا وَفَضَحَ مَكرًا ، فَهُوَ مُثِيرٌ لِلفِتنَةِ مُفتَاتٌ عَلَى وَليِّ الأَمرِ ، مُخَالِفٌ لأَوَامِرِهِ مُتَجَاوِزٌ لِمَا سَنَّهُ مِن أَنظِمَةٍ . وَإِنَّهُ لَقُولٌ عَجِيبٌ وَرَأيٌ مُرِيبٌ ، بَل مُخَالَفَةٌ صَرِيحَةٌ لأَمرِ مَن لا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى حَيثُ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن رَأَى مِنكُم مُنكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لم يَستَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لم يَستَطِعْ فَبِقَلبِهِ ، وَذَلِكَ أَضعَفُ الإِيمَانِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاحذَرُوا ، فَإِنَّ خَيرِيَّتَكُم مَشرُوطَةٌ بِبَقَاءِ هَذِهِ الشَّعِيرَةِ فِيكُم ، فَإِذَا مَا عُطِّلَت أَو أُهمِلَت فَلا خَيرِيَّةَ حِينَئِذٍ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ " فَمُرُوا بِالمَعرُوفِ بِالمَعرُوفِ ، وَانهَوا عَنِ المُنكَرِ بِلا مُنكَرٍ ، وَتَدَرَّجُوا في الأَمرِ وَالنَّهيِ عَلَى حَسَبِ الاستِطَاعَةِ وَالقُدرَةِ ، وَاصبِرُوا عَلَى مَا أَصَابَكُم ، وَ" اجتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثمٌ " وَاحذَرُوا تَتَبُّعَ العَورَاتِ " وَلا تَجَسَّسُوا " وَأَخلِصُوا للهِ في النُّصحِ وَتَلَطَّفُوا بِالمُخطِئِينَ " مَعذِرَةً إِلى رَبِّكُم وَلَعَلَّهُم يَتَّقُونَ " |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري نعمة المطر بين الشكر والبطر 14 / 5 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في هَذِهِ الأَيَّامِ الرَّبِيعِيَّةِ الجَمِيلَةِ ، تَتَقَلَّبُ الأَبصَارُ يَمِينًا وَشِمَالاً ، وَتُرفَعُ الرُّؤُوسُ إِلى السَّمَاءِ ، وَتَتَّجِهُ العُيُونُ إِلى الآفَاقِ ، نَاظِرَةً إِلى البَرقِ ، رَاجِيَةً الغَيثَ ، مُتَوَقِّعَةً الخَيرَ ، وَلَرُبَّمَا حَرِصَ بَعضُ النَّاسِ عَلَى مُتَابَعَةِ مَوَاقِعَ إِخَبَارِيَّةٍ تَصِفُ حَالَةَ الجَوِّ وَتَهتَمُّ بِهِ ، عَلَّهَا تُبَشِّرُ بِفُرَصٍ لِنُزُولِ الغَيثِ هُنَا أَو هُنَاكَ ، وَتَرَى النَّاسَ في مَجَالِسِهِم وَأَسوَاقِهِم يَتَسَاءَلُونَ ، وَبِأَخبَارِ الغَيثِ يَتَبَاشَرُونَ ، وَحُقَّ لِخَلقِ اللهِ أَن يَفرَحُوا بِفَضلِ خَالِقِهِم وَيَستَبشِرُوا بِعَطَائِهِ مِن سَمَائِهِ ؛ لِمَا في ذَلِكَ العَطَاءِ المُبَارَكِ مِن حَيَاةِ أَرضِهِم وَنَمَاءِ زُرُوعِهِم ، وَشِبَعِ أَنعَامِهِم وَأَنفُسِهِم ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " اللهُ الَّذِي يُرسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبسُطُهُ في السَّمَاءِ كَيفَ يَشَاءُ وَيَجعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ إِذَا هُم يَستَبشِرُونَ . وَإِن كَانُوا مِن قَبلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيهِم مِن قَبلِهِ لَمُبلِسِينَ . فَانظُرْ إِلى آثَارِ رَحمَةِ اللهِ كَيفَ يُحيِي الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحيِي المَوتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " أَوَلم يَرَوا أَنَّا نَسُوقُ المَاءَ إِلى الأَرضِ الجُرُزِ فَنُخرِجُ بِهِ زَرعًا تَأكُلُ مِنهُ أَنعَامُهُم وَأَنفُسُهُم أَفَلا يُبصِرُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ القَحطَ الَّذِي تُصَابُ بِهِ الدِّيَارُ ، وَغَورَ المِيَاهِ في الآبَارِ ، وَتَبَدُّلَ الصَّفَاءِ بِالكَدَرِ وَالغُبَارِ ، إِنَّهُ لأَثَرٌ مِن آثَارِ البُعدِ عَنِ اللهِ ، وَنَتِيجَةٌ حَتمِيَّةٌ مِن نَتَائِجِ الاعوِجَاجِ عَنِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، وَإِنَّ اللهَ الَّذِي لا يُنَزِّلُ الغَيثَ إِلاَّ هُوَ ، وَلا يَعلَمُ وَقتَ نُزُولِهِ غَيرُهُ ، وَلا يَقدِرُ عَلَى المَجِيءِ بِالماءِ بَعدَ ذَهَابِهِ سِوَاهُ ، هُوَ الَّذِي قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَأَلَّوِ استَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسقَينَاهُم مَاءً غَدَقًا لِنَفتِنَهُم فِيهِ . وَمَن يُعرِضْ عَن ذِكرِ رَبِّهِ يَسلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا " إِنَّهَا حَقِيقَةٌ أَزَلِيَّةٌ بَاقِيَةٌ ، تَختَصِرُ عَلَى الإِنسَانِ طُرُقَ التَّفكِيرِ في أَسبَابِ نَزعِ الخَيرَاتِ ، وَتُرِيحُهُ مِن عَنَاءِ البَحثِ في أُصُولِ قِلَّةِ البَرَكَاتِ ، وَتُبَيِّنُ لَهُ سُبُلَ تَحصِيلِ مَا عِندَ اللهِ مِنَ الرِّزقِ وَالعَطَاءِ ، فَالإِنسَانُ جُزءٌ مِن هَذَا الكَونِ ، وَالكَونُ كُلُّهُ بما فِيهِ تَحتَ قَبضَةِ الخَالِقِ ـ سُبحَانَهُ ـ مَا شَاءَ مِن شَيءٍ كَانَ ، وَمَا لم يَشَأْهُ لم يَكُنْ ، وَهُوَ ـ تَعَالى ـ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، لا يُعجِزُهُ شَيءٌ في الأَرضِ وَلا في السَّمَاءِ ، وَلا مَانِعَ لِمَا أَعطَى وَلا مُعطِيَ لِمَا مَنَعَ ، وَلا يَنفَعُ أَحَدًا عَطَاءٌ دُونَ عَطَائِهِ . إِنَّ هَذَا التَّصَوُّرَ بَل هَذِهِ العَقِيدَةَ ، يَجِبُ أَن تَكُونَ هِيَ المُسَيِّرَةَ لِحَيَاةِ المُؤمِنِ ، المُحَدِّدَةَ لِسُلُوكِهِ وَمَا يَجِبُ عَلَيهِ أَن يَفعَلَهُ ، إِذَا هُوَ أَرَادَ أَن يُغدِقَ رَبُّهُ عَلَيهِ مِن فَضلِهِ وَيُوَسِّعَ لَهُ العَطَاءَ مِن عِندِهِ ، فَلا طَرِيقَ لِلرَّخَاءِ إِلاَّ الاستِقَامَةُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الوَاحِدَةِ ، إِنَّهَا طَرِيقَةُ الإِسلامِ وَمَنهَجُ الإِيمَانِ ، الَّتي لا صِلَةَ بِاللهِ إِلاَّ لِمَن سَلَكَهَا ، وَلا رَخَاءَ إِلاَّ لِمَنِ استَقَامَ عَلَيهَا ، وَلا سَعَادَةَ وَلا هُدَى إِلاَّ لِمَنِ اتَّبَعَهَا ، وَأَمَّا مَن أَعرَضَ عَنهَا أَو تَجَاهَلَهَا " فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا " وَمَا سَعيُهُ إِلاَّ في ضَلالٍ وَشَقَاءٍ . وَهَكَذَا يَعِيشُ الإِنسَانُ في شَظَفٍ وَضِيقٍ وَيَأسٍ وَقُنُوطٍ ، حَتى يَستَقِيمَ عَلَى الطَّرِيقَةِ المُثلَى وَيَلزَمَ المَنهَجَ الرَّبَّانيَّ العَظِيمَ ، فَتُفتَحَ لَهُ إِذْ ذَاكَ أَبوَابُ السَّمَاءِ ، وَتَتَدَفَّقَ مِنهَا الأَرزَاقُ إِلى الأَرضِ ، وَيَنشُرَ الوَليُّ رَحمَتَهُ ، فَإِذَا زَاغَ ذَلِكَ الإِنسَانُ عَنِ الطَّرِيقَةِ وَرَاغَ عَنِ المَنهَجِ ، استُلِبَتِ الخَيرَاتُ مِنهُ استِلابًا ، وَعَادَ في النَّكَدِ وَالشَّظَفِ وَفَسَادِ المَعَايِشِ ، حَتى يَفِيءَ إِلى الطَّرِيقَةِ مَرَّةً أُخرَى ، فَيَتَحَقَّقَ فِيهِ وَعدُ اللهِ . وَإِذَا كَانَت هُنَالِكَ أُمَمٌ لا تَستَقِيمُ عَلَى طَرِيقَةِ اللهِ وَلا تَسِيرُ عَلَى مَنهَج ِاللهِ ، وَمَعَ هَذَا تَنَالُ الوَفرَ وَتُحَصِّلُ الغِنى ، فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ لِمُسلِمٍ جَاءَهُ خَبرُ رَبِّهِ أَن يَتَجَاهَلَهُ وَيُصَدِّقَ مَا تَرَى عَينُهُ ، ظَانًّا أَنَّهُ بَلَغَ بِعَقلِهِ الصَّغِيرِ المَحدُودِ مُنتَهَى الحَقِيقَةِ ، لا وَاللهِ ، بَل يَجِبُ عَلَيهِ أَن يَعلَمَ أَنَّ تِلكَ الأُمَمَ الَّتي عَصَتِ اللهَ وَخَرَجَت عَنِ المَنهَجِ وَخَالَفَتِ الطَّرِيقَةَ ، لا يَنفَعُهَا أَن تُغدَقَ عَلَيهَا الأَرزَاقُ في الظَّاهِرِ المُشَاهَدِ ، إِذْ هِيَ في الحَقِيقَةِ تُبتَلَى بما تُعطَى وَهِيَ غَافِلَةٌ ، وَتُفتَنُ بما يُفتَحُ عَلَيهَا وَهِيَ عَاصِيَةٌ ، وَتُستَدرَجُ مِن حَيثُ لا تَعلَمُ وَيُملَى لها ، وَكَمَا قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَذَرْهُم في غَمرَتِهِم حَتَّى حِينٍ . أَيَحسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَالٍ وَبَنِينَ . نُسَارِعُ لَهُم في الخَيرَاتِ بَل لا يَشعُرُونَ " وَمَن تَفَكَّرَ في حَالِ تِلكَ الأُمَمِ وَتَأَمَّلَ وَاقِعَهَا ، وَجَدَ أَنَّهَا مَعَ مَا تَنعَمُ فِيهِ مِن مِيَاهٍ جَارِيَةٍ وَخُضرَةٍ نَضِرَةٍ ، إِلاَّ أَنَّهَا تَتَقَلَّبُ في آفَاتٍ وَمَصَائِبَ وَشُرُورٍ ، في مَنَاهِجِهَا وَتَنَاوُلِهَا لِلأُمُورِ وَفَهمِهَا لِلحَيَاةِ ، وَفي أَخذِهَا مَعَ الآخَرِينَ وَعَطَائِهَا ، فَلا قِيمَةَ لِلإِنسَانِ لَدَيهَا وَلا كَرَامَةَ لَهُ فِيهَا ، وَلا دِينَ لَدَى أَفرَادِهَا يَردَعُ ، وَلا أَخلاقَ في جَمَاعَتِهَا تَمنَعُ ، وَلا أَمنَ في رُبُوعِهَا وَإِن عَظُمَت جُيُوشُهَا ، وَلا استِقرَارَ وَإِن تَنَوَّعَت آلاتُهَا ، وَلا طُمَأنِينَةَ وَإِن هِيَ تَقَلَّبَت في حَضَارَةٍ بَاهِرَةٍ ، بَل هُوَ البَطَرُ وَالأَشَرُ وَقِلَّةُ الشُّكرِ ، وَالكُفرُ وَالطُّغيَانُ وَالجَورُ ، وَالتَّطَاوُلُ بِالقُوَّةِ عَلَى الضُّعَفَاءِ ، وَالتَّهَجُّمُ عَلَى حُرُمَاتِ اللهِ . وَدُونَكُم مَا تَعِيشُهُ هَذِهِ الدُّوَلُ المُسَمَّاةُ بِالعُظمَى ـ لا عَظَّمَهَا اللهُ ـ مِن خُيَلاءَ وَتِيهٍ وَتَكَبُّرٍ وَتَجَبُّرٍ ، وَمَا تَتَرَدَّى فِيهِ مِن دَرَكَاتِ الظُّلمِ وَالإِثمِ وَالغِوَايَةِ وَالغُرُورِ ، وَالاستِخفَافِ بِالمُستَضعَفِي نَ وَنَسفِ القِيَمِ وَاختِلالِ المَوَازِينِ ، وَجَعلِ العَالَمِ مَرتَعًا لِلإِفسَادِ وَالقَتلِ وَالتَّعذِيبِ وَالتَّشرِيدِ ، وَإِيذَاءِ عِبَادِ اللهِ في أَرضِ اللهِ ، فَأَينَ هُوَ الخِصبُ وَالرَّخَاءُ ؟ وَمَا قِيمَةُ الغَدَقِ وَالغِنى ؟ وَأَيَّ شَيءٍ يُغني نَعِيمُ الدُّنيَا عَمَّن مَآلُهُ إِلى عَذَابِ الآخِرَةِ جَزَاءً عَلَى مَا أَسَاءَ وَظَلَمَ ؟! وَصَدَقَ اللهُ القَائِلُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَفَرَأَيتَ إِن مَتَّعنَاهُم سِنِينَ . ثُمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يُوعَدُونَ . مَا أَغنَى عَنهُم مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ " وَالقَائِلُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَو كَانُوا مُسلِمِينَ . ذَرْهُم يَأكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوفَ يَعلَمُونَ " وَمَن كَانَتِ النَّارُ مَآلَهُ ، فَمَا أَغنى عَنهُ غِنَاهُ وَلا مَالُهُ ، وَمَن فَازَ بِالجَنَّةِ وَالفِردَوسِ ، فَلا عَلَيهِ مَا مَرَّ بِهِ مِن عَنَاءٍ وَبُؤسٍ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يُؤتَى بِأَنعَمِ أَهلِ الدُّنيَا مِن أَهلِ النَّارِ فَيُصبَغُ في النَّارِ صَبغَةً ثم يُقَالُ لَهُ : يَا بنَ آدَمَ ، هَل رَأَيتَ خَيرًا قَطُّ ؟ هَل مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لا وَاللهِ يَا رَبَّ . وَيُؤتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤسًا في الدُّنيَا مِن أَهلِ الجَنَّةِ فَيُصبَغُ صَبغَةً في الجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ : يَا بنَ آدَمَ ، هَل رَأَيتَ بُؤسًا قَطُّ ؟ هَل مَرَّ بِكَ مِن شِدَّةٍ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لا وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بي بُؤسٌ قَطَّ وَلا رَأَيتُ شِدَّةً قَطُّ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلا تَنظُرُوا نَظَرَ المُبلِسِينَ إِلى الآفَاقِ ، وَتَعَلَّقُوا بِاللهِ الخَلاَّقِ الرَّزَّاقِ ، فَإِنَّ لَهُ في بَسطِ الرِّزقِ وَتَضيِيقِهِ حِكَمًا " وَلَو بَسَطَ اللهُ الرِّزقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوا في الأَرضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ . وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيثَ مِن بَعدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحمَتَهُ وَهُوَ الوَليُّ الحَمِيدُ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ لا سَبِيلَ لِزِيَادَةِ الرِّزقِ وَتَنَزُّلِ البَرَكَةِ غَيرُ الشُّكرِ وَتَقوَى اللهِ وَالاستِقَامَةِ ، وَلا مَحقَ لِلبَرَكَةِ وَلا فَسَادَ لِلمَعِيشَةِ إِلاَّ بِالكُفرِ وَالعِصيَانِ وَالطُّغيَانِ ، وَاللهُ ـ تَعَالى ـ يَقُولُ وَهُوَ الصَّادِقُ في قَولِهِ : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم " وَيَقُولُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ " وَيَقُولُ ـ تَعَالى ـ : " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ " وَيَقُولُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَو أَنَّ أَهلَ الكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوا لَكَفَّرنَا عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَلأَدخَلنَاهُم جَنَّاتِ النَّعِيمِ . وَلَو أَنَّهُم أَقَامُوا التَّورَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم لأَكَلُوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم مِنهُم أُمَّةٌ مُقتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنهُم سَاءَ مَا يَعمَلُونَ " وَيَقُولُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " ظَهَرَ الفَسَادُ في البَرِّ وَالبَحرِ بما كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ " وَيَقُولُ ـ تَعَالى ـ : " وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ " وَأَمَّا تَصرِيفُ المَطَرِ وَتَفَاوُتُ نَصِيبِ الأَرضِ مِنهُ مِن مَكَانٍ لآخَرَ ، وَإِعطَاءُ اللهِ لأُنَاسٍ وَحِرمَانُ آخَرِينَ ، فَإِنَّمَا هُوَ بِأَمرِهِ وَحِكمَتِهِ ، وَكُلٌّ مُبتَلَى ، وَوَاجِبُ المُؤمِنِ أَن يَكُونَ مِنَ القَلِيلِ الشَّاكِرِينَ المُتَذَكِّرِين َ ، لا أَن يَغتَرَّ وَيَسلُكَ سَبِيلَ الكَافِرِينَ المُغتَرِّينَ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَهُوَ الَّذِي أَرسَلَ الرِّيَاحَ بُشرًى بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ وَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا . لِنُحيِيَ بِهِ بَلدَةً مَيتًا وَنُسقِيَهُ مِمَّا خَلَقنَا أَنعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا . وَلَقَد صَرَّفنَاهُ بَينَهُم لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا " |
| الساعة الآن 08:26 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
-
arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By
Almuhajir
... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...
.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..