![]() |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري وإياكم أخي الكريم |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري ورحمة ربك خير مما يجمعون 19 / 2 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، ممَّا لا يُنكِرُهُ عَاقِلٌ يَسبُرُ حَيَاةَ النَّاسِ الجَارِيَةَ وَيَقِيسُ تَغَيُّرَاتِهَا المُتَلاحِقَةَ ، أَنَّ النَّظرَةَ المَادِيَّةَ الَّتي طَغَت عَلَى وَاقِعِ المُجتَمَعِ في السَّنَوَاتِ المُتَأَخِّرَةِ ، قَدِ انتَزَعَت عَنِ القُلُوبِ لِبَاسَ الزُّهدِ وَالقَنَاعَةِ ، وَأَخرَجَتهَا مِن جَنَّةِ الرِّضَا وَحَرَمَتهَا بَردَ اليَقِينِ ؛ وَجَلَدَتهَا بِسِيَاطٍ مِنَ الحِرصِ وَالطَّمَعِ ، لِتَنطَلِقَ في دُرُوبِ دُنيَاهَا بِآمَالٍ طَوِيلَةٍ لا مُنتَهَى لها ، وَتَخُوضَ في زِينَتِهَا بِأُمنِيَّاتٍ عَرِيضَةٍ لا حُدُودَ لها . وَلأَنَّ طَالِبَ الدُّنيَا مَنهُومٌ لا يَشبَعُ وَمُحِبَّهَا طَمَّاعٌ لا يَقنَعُ ، فَقَد تَوَلَّدَ لَدَى النَّاسِ مِن ذَلِكَ شُخُوصٌ بِأَنظَارِهِم إِلى العَالمِ شَرقًا وَغَربًا ، وَتَحلِيقٌ بِأَفكَارِهِم وَآمَالِهِم يَمِينًا وَشِمَالاً ، وَصَارُوا يَقِيسُونَ مَا عِندَهُم مِن مَتَاعٍ دُنيَوِيٍّ بِمَا نَالَتهُ أُمَمٌ هُنَا وَهُنَاكَ ، وَهُوَ الأَمرُ الَّذِي أَفقَدَهُمُ الرِّضَا بما عِندَهُم وَالاكتِفَاءَ بما قُسِمَ لهم ، وَأَلزَمَهُمُ الشَّكوَى مِن كُلِّ شَيءٍ وَالتَّذَمُّرَ مِنَ القَرِيبِ وَالبَعِيدِ ، حَتى لَيَشعُرُ مَن يَسمَعُهُم وَهُم يَذُمُّونَ وَاقِعَهُم ، أَنَّهُ لم يَبقَ في حَيَاتهم شَيءٌ يَسِيرُ عَلَى مَا يَجِبُ أَو يَتَّجِهُ إِلى مَا يَنبَغِي . إِنَّكَ مَا تَكَادُ تَجلِسُ في مَجلِسٍ أَو تُصغِي السَّمعَ لِجَلِيسٍ ، إِلاَّ وَجَدتَ صَوتَ التَّذَمُّرِ وَالشَّكوَى عَالِيًا طَاغِيًا ، فَهَذَا يَأسَفُ لأَنَّهُ لم يَنَلْ أَعلَى الشَّهَادَاتِ ، وَذَاكَ يَشكُو أَنْ جَاءَت دَرَجَتُهُ الوَظِيفِيَّةُ دُونَ مَا يَستَحِقُّ ، وَهُنَا مَن لم يُقنِعْهُ تَصمِيمُ مَسكَنِهِ وَلم يُرضِهِ حَجمُ مَنزِلِهِ ، وَهُنَاكَ مَن يَرَى أَنَّ سَيَّارَتَهُ لَيسَت عَلَى المُستَوَى اللاَّئِقِ بِهِ ، وَأُولَئِكَ مُوَظَّفُونَ يَتَظَلَّمُونَ لِغَفلَةِ المَسؤُولِينَ عَن تَكرِيمِهِم بما يَستَحِقُّونَ وَشُكرِهِم عَلَى مَا يَبذُلُونَ ، وَهَكَذَا مَا تَنتَقِلُ إِلى مُنتَدًى ثَقَافيٍّ أَو فِكرِيٍّ ، أَو مُجتَمَعٍ اقتِصَادِيٍّ أَو صِنَاعِيٍّ ، إِلاَّ وَجَدتَ الشَّكوَى مِن قِلَّةِ الحَظِّ الدُّنيَوِيِّ مُستَشرِيًة في الأَجسَادِ ، حَاكِمَةً عَلَى العُقُولِ وَالأَلبَابِ ، بَل حَتى اللِّقَاءَاتُ الوُدِّيَّةُ بَينَ الأَرحَامِ وَالأَقَارِبِ أَو بَينَ الأَصحَابِ وَالأَصدِقَاءِ ، صَارَت مَيدَانًا لِبَثِّ حَرَارَةِ الشَّكوَى أَو تَبَادُلِ عِبَارَاتِ التَّذَمُّرِ وَالسُّخطِ مِنَ الوَاقِعِ ، وَمَا عَلِمَ كَثِيرُونَ أَنَّهُم في هَذِهِ الدُّنيَا غُرَبَاءُ عَابِرُو سَبِيلٍ ، وَأَنَّهُ لا قَلِيلَ مَعَ القَنَاعَةِ وَلا كَثِيرَ مَعَ الطَّمَعِ ، وَأَنَّ المُؤمِنَ الصَّادِقَ الإِيمَانِ ، لا يُعطِي الدُّنيَا كُلَّ هَمِّهِ ، وَلا يُنزِلُهَا في سُوَيدَاءِ قَلبِهِ ، وَلا يَجعَلُهَا غَايَتَهُ أَو مُنتَهَى أَمَلِهِ ، وَلَكِنَّهُ يَنظُرُ أَوَّلَ مَا يَنظُرُ إِلى مُكتَسَبَاتِهِ الأُخرَوِيَّةِ ، فَإِذَا صَحَّت لَهُ وَاكتَمَلَت ، وَكَانَ مِنهَا كُلَّ يَومٍ في ازدِيَادٍ وَإِلى رَبِّهِ في تَقَرُّبٍ ، حَمِدَ اللهَ عَلَى ذَلِكَ وَتَمَسَّكَ بِهِ ، فَإِنَّهُ خَيرٌ ممَّا يَجمَعُونَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَد جَاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفَاءٌ لِمَا في الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ . قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ " صَحِيحٌ أَنَّ الدُّنيَا مَزرَعَةُ الآخِرَةِ ، وَأَنَّهُ لا بُدَّ لِلمَرءِ فِيهَا مِن زَادٍ يُبَلِّغُهُ ، لَكِنَّ المُؤمِنَ يَعلَمُ أَنَّهَا لا تُسَاوِي عِندَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَهٍ ، وَأَنَّهَا لَيسَت هِيَ المِقيَاسَ الحَقِيقِيَّ لِصَاحِبِهَا كَثُرَت في يَدِهِ أَو قَلَّت ، وَأَنَّهُ مَهمَا اخَتَلَفَ النَّاسُ في نَيلِ حُظُوظِهِم في دُنيَاهُم ، فَإِنَّ الآخِرَةَ هِي أَكبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكبَرُ تَفضِيلاً ، وَهِيَ خَيرٌ وَأَبقَى ، وَ" ثَوَابُ اللهِ خَيرٌ لِمَن آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا " قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " مَن كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصلاهَا مَذمُومًا مَدحُورًا . وَمَن أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعيَهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعيُهُم مَشكُورًا . كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِن عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحظُورًا . انظُرْ كَيفَ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكبَرُ تَفضِيلاً " ثم إِنَّ اختِلافَ النَّاسِ فِيمَا يَملِكُونَ وَيُعطَونَ ، لم يُوجَدْ إِلاَّ لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ وَغَايَاتٍ جَلِيلَةٍ ، إِذْ لَو كَانُوا مُتَسَاوِينَ في العَطَاءِ مُتَمَاثِلِينَ في الرِّزقِ ، لَتَعَطَّلَتِ الحَيَاةُ وَتَوَقَّفَت ، وَلَمَا استَفَادَ أَحَدٌ مِن غَيرِهِ ، وَلَكِنَّ اللهَ جَعَلَهُم كَذَلِكَ لِيَخدِمَ بَعضُهُم بَعضًا ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَهُم يَقسِمُونَ رَحمَةَ رَبِّكَ نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم مَعِيشَتَهُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَرَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضًا سُخرِيًّا وَرَحمَةُ رَبِّكَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ . وَلَولا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلنَا لِمَن يَكفُرُ بِالرَّحمَنِ لِبُيُوتِهِم سُقُفًا مِن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيهَا يَظهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِم أَبوَابًا وَسُرُرًا عَلَيهَا يَتَّكِئُونَ . وَزُخرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلمُتَّقِينَ " إِنَّ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنيَا مِنَ المَالِ وَالزِّينَةِ وَالمَتَاعِ لَيَفتِنُ الكَثِيرِينَ وَيَأسِرُ قُلُوبَهُم ، وَأَشَدُّ مَا يَكُونُ فِتنَةً حِينَ يَرَونَهُ في أَيدِي الفُجَّارِ ، بَينَمَا يَرَونَ أَيَادِي الأَبرَارِ مِنهُ خَالِيَةً ، وَاللهُ يَعلَمُ وَقعَ هَذِهِ الفِتنَةِ في النُّفُوسِ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد كَشَفَ لهم حَقَارَةَ الدُّنيَا وَهَوَانَهَا عَلَيهِ ، وَنَفَاسَةَ الآخِرَةِ وَغَلاءَهَا ، فَاختَارَهَا لِلأَبرَارِ المُتَّقِينَ ، أَلا فَاحمَدُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَالزَمُوا تَقوَاهُ فَإِنَّهَا خَيرُ زَادٍ ، وَلا تَأسَوا عَلَى مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنيَا وَلا تَفرَحُوا بما زَادَ ، وَلا تَشغَلَنَّكُم ظَوَاهِرُ الحَيَاةِ المُتَغَيِّرَةُ عَنِ الحَقَائِقِ الثَّابِتَةِ ، وَتَذَكَّرُوا قَولَ رَبِّكُم ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " اللهُ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقدِرُ وَفَرِحُوا بِالحَيَاةِ الدُّنيَا وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ " اللَّهُمَّ اجعَلنَا ممَّن إِذَا أُعطِيَ شَكَرَ وَإِذَا ابتُلِيَ صَبَرَ وَإِذَا أَذنَبَ استَغفَرَ ، وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ . الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوا أَمرَهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاذكُرُوهُ ذِكرًا كَثِيرًا وَلا تَنسَوهُ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ : لا شَكَّ أَنَّ النُّفُوسَ تَضِيقُ إِذَا لم تَنَلْ كُلَّ مَا تَصبُو إِلَيهِ وَتَتَمَنَّاهُ ، وَأَنَّهُ " لَو كَانَ لابنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِن مَالٍ لابتَغَى إِلَيهِمَا ثَالِثًا " وَلَكِنَّ كَثرَةَ الأَمَانيِّ وَطُولَ الأَمَلِ غُرُورٌ وَبَاطِلٌ ، لا تَجلِبُ لِمُجتَمَعٍ خَيرًا وَلا تَمنَعُ عَنهُ شَرًّا ، وَلا تُكسِبُ أَهلَهَا بِرًّا وَلا تَدفَعُ عَنهُم ضُرًّا ، وَمَا الدُّنيَا إِلاَّ كَزَهرَةٍ نَضِرَةٍ ، لا تَلبَثُ أَن تَذبُلَ وَتَمُوتَ ثم تَصِيرَ تُرَابًا " وَفي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ " وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ لا غِنى لِلقُلُوبِ وَالنُّفُوسِ إِلاَّ بِالقَنَاعَةِ ، وَالحَذَرِ مِنَ التَّعَلُّقِ بِالحَيَاةِ الدُّنيَا وَزَخَارِفِهَا ، وَقَد حَذَّرَ ـ سُبحَانَهُ ـ مِنَ الافتِتَانِ بِزُخرُفِ الدُّنيَا الفَاني عَن نَعِيمِ الآخِرَةِ البَاقِي ، وَوَعَدَ مَنِ استَقَامَ عَلَى أَمرِهِ وَاتَّقَاهُ بِالخَيرِ العَمِيمِ وَالبَرَكَةِ وَطِيبِ الحَيَاةِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى مَا مَتَّعنَا بِهِ أَزوَاجًا مِنهُم زَهرَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفتِنَهُم فِيهِ وَرِزقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبقَى " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَأَلَّوِ استَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسقَينَاهُم مَاءً غَدَقًا " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقُوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّه ُ حَيَاةً طَيِّبَةً " وَمَن عَاشَ كَفَافًا وَرُزِقَ القَنَاعَةَ فَقَد أَفلَحَ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ :" قَد أَفلَحَ مَن أَسلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللهُ بما آتَاهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَلَرَكعَتَانِ يَركَعُهُمَا مُؤمِنٌ ، أَو ذِكرٌ للهِ يَرفَعُهُ أَو دَعوَةٌ مِنهُ لِرَبِّهِ ، خَيرٌ مِن كُنُوزِ الدُّنيَا وَكُلِّ مَا فِيهَا ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " رَكعَتَا الفَجرِ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ ، وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لأَن أَقُولَ سُبحَانَ اللهِ وَالحَمدُ للهِ وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ أَحَبُّ إِليَّ ممَّا طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ ، وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِذَا اكتَنَزَ النَّاسُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ فَاكتَنِزُوا هَؤُلاءِ الكَلِمَاتَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ الثَّبَاتَ في الأَمرِ وَالعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشدِ ، وَأَسأَلُكَ شُكرَ نِعمَتِكَ وَحُسنَ عِبَادَتِكَ ، وَأَسأَلُكَ مِن خَيرِ مَا تَعلَمُ وَأَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا تَعلَمُ ، وَأَستَغفِرُكَ لِمَا تَعلَمُ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَغَيرُهُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : صَحِيحٌ لِغَيرِهِ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري حمر النعم وكفر النعم 26 / 2 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، ممَّا جَاءَ في القُرآنِ الدَّعوَةُ إِلَيهِ وَالحَضُّ عَلَيهِ ، تَدَبُّرُ الإِنسَانِ فِيمَا حَولَهُ ممَّا أَبدَعَهُ خَالِقُهُ وَفَطَرَهُ مَولاهُ ، وَتَفَكُّرُهُ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَينَهُمَا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَوَلم يَنظُرُوا في مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيءٍ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَوَلم يَرَوا إِلى مَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ اليَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا للهِ وَهُم دَاخِرُونَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " أَوَلم يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ كَانَتَا رَتقًا فَفَتَقنَاهُمَا وَجَعَلنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤمِنُونَ . وَجَعَلنَا في الأَرضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِم وَجَعَلنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُم يَهتَدُونَ . وَجَعَلنَا السَّمَاءَ سَقفًا مَحفُوظًا وَهُم عَن آيَاتِهَا مُعرِضُونَ . وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ في فَلَكٍ يَسبَحُونَ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " أَوَلم يَرَوا إِلى الأَرضِ كَم أَنبَتنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوجٍ كَرِيمٍ . إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُؤمِنِينَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَوَلم يَرَوا أَنَّا نَسُوقُ المَاءَ إِلى الأَرضِ الجُرُزِ فَنُخرِجُ بِهِ زَرعًا تَأكُلُ مِنهُ أَنعَامُهُم وَأَنفُسُهُم أَفَلا يُبصِرُونَ " وَإِنَّ مِن أَخَصِّ مَا أُمِرَ الإِنسَانُ بِالتَّفَكُّرِ فِيهِ لِمُخَالَطَتِهِ إِيَّاهُ وَانتِفَاعِهِ بِهِ وَمِنهُ ، الأَنعَامَ الَّتي سَخَّرَهَا لَهُ المَولى ـ سُبحَانَهُ ـ وَذَلَّلَهَا وَمَلَّكَهُ إِيَّاهَا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَوَلم يَرَوا أَنَّا خَلَقنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَت أَيدِينَا أَنعَامًا فَهُم لَهَا مَالِكُونَ . وَذَلَّلنَاهَا لَهُم فَمِنهَا رَكُوبُهُم وَمِنهَا يَأكُلُونَ . وَلَهُم فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشكُرُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَلم يَرَوا إِلى الطَّيرِ مُسَخَّرَاتٍ في جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ . وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِن بُيُوتِكُم سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِن جُلُودِ الأَنعَامِ بُيُوتًا تَستَخِفُّونَهَ ا يَومَ ظَعنِكُم وَيَومَ إِقَامَتِكُم وَمِن أَصوَافِهَا وَأَوبَارِهَا وَأَشعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلى حِينٍ . وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُم مِنَ الجِبَالِ أَكنَانًا وَجَعَلَ لَكُم سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأسَكُم كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعمَتَهُ عَلَيكُم لَعَلَّكُم تُسلِمُونَ . فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيكَ البَلاغُ المُبِينُ . يَعرِفُونَ نِعمَةَ اللهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكثَرُهُمُ الكَافِرُونَ " وَإِنَّ مِن أَحَبِّ الأَنعَامِ إِلى العَرَبِ وَأَغلاهَا عِندَهُم ثَمَنًا ، وَأَجَلِّهَا في نُفُوسِهِم مَكَانَةً وَأَرفَعِهَا قَدرًا ، مَخلُوقًا عَجِيبًا أَلِفُوهُ وَأَحَبُّوهُ ، وَاقتَنَوهُ وَأَكرَمُوهُ ، وَأَطعَمُوهُ وَسَقَوهُ وَحَمَوهُ ، بَل وَتَفَاخَرُوا بِهِ وَتَقَاتَلُوا لأَجلِهِ وَتَنَاهَبُوهُ ، إِنَّهَا الإِبِلُ ، تِلكُمُ المَخلُوقَاتُ العَجِيبَةُ الغَرِيبَةُ ، الَّتي حَضَّ الخَالِقُ ـ سُبحَانَهُ ـ عِبَادَهُ عَلَى التَّأَمُّلِ في خَلقِهَا ، حَيثُ قَالَ ـ تَعَالى ـ في آيَاتٍ كَثِيرًا مَا نَسمَعُهَا : " أَفَلا يَنظُرُونَ إِلى الإِبِلِ كَيفَ خُلِقَت . وَإِلى السَّمَاءِ كَيفَ رُفِعَت . وَإِلى الجِبَالِ كَيفَ نُصِبَت . وَإِلى الأَرضِ كَيفَ سُطِحَت " لم تُخلَقِ الإِبِلُ قَبلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ كَمَا قَد يَدَّعِي بَعضُ مُحِبِّيهَا أَو يَظُنُّونَ ، وَلَكِنَّهَا كَانَت بهم أَلصَقَ وَإِلى نُفُوسِهِم أَقرَبَ ، وَأَعيُنُهُم إِلَيهَا في كُلِّ وَقتٍ تَنظُرُ وَتَتَأَمَّلُ ، وَهُم حَولَهَا وَمَعَهَا يَغدُونَ وَيَرُوحُونَ ، لا يَستَغنُونَ عَنهَا في صُبحٍ وَمَسَاءٍ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد أُمِرُوا بِالتَّفَكُّرِ فِيهَا وَتَأَمُّلِ خَلقِهَا ؛ لِئَلاَّ تُنسِيَهُم كَثرَةُ تَعَامُلِهِم مَعَهَا مَا أَودَعَهُ اللهُ في خَلقِهَا مِن أَسرَارٍ وَآيَاتٍ ، أَو يَغفُلُوا عَن كَبِيرِ إِنعَامِهِ عَلَيهِم بِتَسخِيرِهَا . وَإِنَّمَا دَعَاهُم ـ سُبحَانَهُ ـ إِلى ذَلِكَ ؛ لِيَكُونَ نَظَرُهُم إِلَيهَا وَتَأَمُّلُهُم عَجِيبَ صُنعِهِ فِيهَا مَدخَلاً إِلى الإِيمَانِ الخَالِصِ بِعَظِيمِ قُدرَتِهِ ـ تَعَالى ـ وَبَدِيعِ صُنعِهِ ، وَأَنَّهُ رَبُّ العَالمِينَ المُستَحِقُّ لِلعِبَادَةِ ، جَزَاءَ مَا أَنعَمَ بِهِ عَلَيهِم مِن نِعَمٍ عَظِيمَةٍ ، وَمَا شَمِلَهُم بِهِ مِن آلاءٍ جَسِيمَةٍ ، مِن أَخَصِّهَا وَأَقرَبِهَا إِلَيهِم هَذِهِ الإِبِلُ ، ذَاتُ الخَلقِ العَجِيبِ وَالتَّركِيبِ الغَرِيب ، وَالبَالِغَةُ الغَايَةَ في القُوَّةِ وَالنِّهَايَةَ في الشِّدَّةِ ، وَمَعَ هَذَا سَخَّرَهَا القَادِرُ ـ سُبحَانَهُ ـ لهم وَمَلَّكَهُم قِيَادَهَا ، فَلَيَّنَهَا لِلحِملِ الثَّقِيلِ ، وَذَلَّلَهَا لِتَنقَادَ لِلقَائِدِ الضَّعِيفِ ، وَأَحَلَّ أَكلَ لَحمِهَا وَشُربَ لَبَنِهَا ، وَالانتِفَاعَ بِوَبَرِهَا وَجُلُودِهَا ، فَعَلَيهَا يَحمِلُونَ أَثقَالَهُم وَأَمتِعَتَهُم ، وَمِن لُحُومِهَا يَأكُلُونَ وَمِن أَلبَانِهَا يَشرَبُونَ ، وَمِن بَعرِهَا يُوقِدُونَ وَبِأَبوَالِهَا يَستَشفُونَ ، وَبِجُلُودِهَا وَوَبرِها يَستَمتِعُونَ وَيَستَتِرُونَ ، وَلَهُم فِيهَا عِزٌّ وَجَمَالٌ وَقُوَّةٌ وَغِنىً ، وَلَهُم فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَعَلَيهَا وَعَلَى الفُلكِ يُحمَلُونَ ، قَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَالأَنعَامَ خَلَقَهَا لَكُم فِيهَا دِفءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنهَا تَأكُلُونَ . وَلَكُم فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسرَحُونَ . وَتَحمِلُ أَثقَالَكُم إِلى بَلَدٍ لم تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُم لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ . وَالخَيلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيرَ لِتَركَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخلُقُ مَا لا تَعلَمُونَ . وَعَلَى اللهِ قَصدُ السَّبِيلِ وَمِنهَا جَائِرٌ وَلَو شَاءَ لَهَدَاكُم أَجمَعِينَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم ـ : " الإِبِلُ عِزٌّ لأَهلِهَا ، وَالغَنَمُ بَرَكَةٌ ، وَالخَيرُ مَعقُودٌ في نَوَاصِي الخَيلِ إِلى يَومِ القِيَامَةِ " أَخرَجَهُ ابنُ مَاجَه وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . عِبَادَ اللهِ ، يَكفِي الإِبِلَ فَضلاً وَشَرَفًا ، أَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ جَعَلَهَا خَيرَ مَا يُهدَى إِلى بَيتِهِ الحَرَامِ وَجَعَلَهَا مِن شَعَائِرِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالبُدنَ جَعَلنَاهَا لَكُم مِن شَعَائِرِ اللهِ لَكُم فِيهَا خَيرٌ فَاذكُرُوا اسمَ اللهِ عَلَيهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَت جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا القَانِعَ وَالمُعتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُم لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَكُونُوا مِنَ النَّاظِرِينَ إِليهَا نَظرَ تَفَكُّرٍ وَاعتِبَارٍ ، وَلا تَكُونُوا مِنَ المُتَبَاهِينَ بها مِن أَهلِ الكِبرِ وَالفَخَارِ ، فَإِنَّ للهِ غَيرَهَا في الأَرضِ وَالسَّمَاوَاتِ آيَاتٍ بَاهِرَاتٍ ، ، لَكِنَّ أَهلَ العُقُولِ الرَّاجِحَةِ الزَّاكِيَةِ هُمُ المُتَدَبِّرُون َ المُنتَفِعُونَ " إِنَّ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلاَفِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الأَلبَابِ . الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُون َ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلاً سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدخِلِ النَّارَ فَقَد أَخزَيتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن أَنصَارٍ . رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعنَا مُنَادِيًا يُنَادِي للإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُم فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبرَارِ . رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخزِنَا يَومَ القِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخلِفُ المِيعَادَ " وَأَمَّا المُسرِفُونَ فَإِنَّهُم لا يَهتَدُونَ " وَكَأَيِّن مِن آيَةٍ في السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ يَمُرُّونَ عَلَيهَا وَهُم عَنهَا مُعرِضُونَ " وَتِلكَ نَتِيجَةُ الإِسرَافِ " إِنَّ اللهَ لا يَهدِي مَن هُوَ مُسرِفٌ كَذَّابٌ " أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَومِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيهِم وَآتَينَاهُ مِنَ الكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالعُصبَةِ أُولي القُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَومُهُ لا تَفرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفَرِحِينَ . وَابتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا وَأَحسِنْ كَمَا أَحسَنَ اللهُ إِلَيكَ وَلا تَبغِ الفَسَادَ في الأَرضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفسِدِينَ . قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلمٍ عِندِي أَوَلم يَعلَمْ أَنَّ اللهَ قَد أَهلَكَ مِن قَبلِهِ مِنَ القُرُونِ مَن هُوَ أَشَدُّ مِنهُ قُوَّةً وَأَكثَرُ جَمعًا وَلا يُسأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المُجرِمُونَ . فَخَرَجَ عَلَى قَومِهِ في زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيتَ لَنَا مِثلَ مَا أُوتيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ وَيلَكُم ثَوَابُ اللهِ خَيرٌ لِمَن آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ . فَخَسَفنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ . وَأَصبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوا مَكَانَهُ بِالأَمسِ يَقُولُونَ وَيكَأَنَّ اللهَ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَيَقدِرُ لَولا أَن مَنَّ اللهُ عَلَينَا لَخَسَفَ بِنَا وَيكَأَنَّهُ لا يُفلِحُ الكَافِرُونَ . تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأَرضِ وَلا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ فَاذكُروهُ وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَيسَ العَجَبُ مِن حُبِّ العَرَبِ لِلإِبِلِ ، فَهُوَ نِتَاجُ عِلاقَةٍ فِطرِيَّةٍ طَبِيعِيَّةٍ ، أَنبَتَتهَا الحَاجَاتُ وَدَعَت إِلَيهَا الضَّرُورَاتُ ، وَأَحكَمَتهَا الأَيَّامُ وَالسَّنَوَاتُ ، وَأَورَثَهَا الأَجدَادُ لِلآبَاءِ وَغُذِّيَ عَلَيهَا الأَحفَادُ وَالأَبنَاءُ ، حَتى جَعَلَ أَحَدُهُم يُطعِمُ ذَودَهُ كَمَا يَغذُو وَلَدَهُ ، بَل وَيُعطِي مِن وَقتِهِ لِرَعيِ نَعَمِهِ وَالاعتِنَاءِ بها مَا لا يُعطِيهِ أَهلَهُ وَمَن تَحتَ يَدِهِ ، لَكِنَّ هَذَا لَيسَ بِغَرِيبٍ وَلا مُستَنكَرًا ، وَلَكِنَّ المُستَنكَرَ حَقًّا أَن يَنسَاقَ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ اليَومَ وَرَاءَ مَا تُملِيهِ عَلَيهِم دَوَاعِي أَنفُسِهِم وَيَجرُوا خَلفَ نَزَوَاتِهَا ، وَيَستَسلِمُوا لِتَوهِيمَاتِ الشَّيَاطِينِ وَيَنقَادُوا لِنَزَغَاتِهَا ، وَتُؤُزَّهُمُ الجَاهِلِيَّاتُ أَزًّا فَتَطِيشَ أَحلامُهُم وَتَسفَهَ عُقُولُهُم ، وَتَعمَى بَصَائِرُهُم لِشَهوَةِ أَبصَارِهِم ، فَيَجعَلُوا مِن هَذَا المَخلُوقِ الَّذِي جَمَّلَهُ اللهُ وَأَمَرَهُم بِالنَّظَرِ إِلَيهِ لِلاعتِبَارِ ، مَجَالاً لِلتَّبَاهِي وَالافتِخَارِ ، وَيُغَالُوا في ثَمَنِهِ حَتى يُجَاوِزُوا بِهِ آلافَ الآلافِ ، ثم يُحِيطُوا كُلَّ ذَلِكَ بِاجتِمَاعَاتٍ وَاحتِفَالاتٍ ، وَيُقِيمُوا عَلَيهَا خِيَامًا وَسُرَادِقَاتٍ ، تَبرُزُ فِيهَا دَوَاعِي الكِبرِ وَالأَشَرِ ، وَيَظهَرُ فِيهَا التَّعَالي وَالبَطَرُ ، وَيَغِيبُ عَنهَا مُنَادِي التَّقوَى وَالإِيمَانِ وَدَاعِي شُكرِ الرَّحمَنِ ، فَتُذبَحُ المِئَاتُ مِنَ النَّعَمِ وَالغَنَمِ ، لِيُقَالَ فُلانٌ كَرِيمٌ أَو جَوَادٌ ، وَاللهُ يَعلَمُ أَنَّهُ قَد لا يَكُونُ عَرَفَ الكَرَمَ في حِيَاتِهِ وَلا مَشَى في الجُودِ يَومًا وَلا سَمَحَت بِهِ نَفسُهُ ، وَإِلاَّ لأَنفَقَ ممَّا رَزَقَهُ اللهُ فِيمَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرضَاهُ ، وَلَتَحَرَّى سُبُلَ الخَيرِ وَأَبوَابَ المَعرُوفِ ، وَلَبَحَثَ عَنِ الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالمُحتَاجِينَ ، وَلَتَجَافى عَن إِخوَانِ الشَّيَاطِينِ مِنَ المُبَذِّرِينَ المُسرِفِينَ ، وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِن هَؤُلاءِ يَمُرُّونَ عَلَى مَشرُوعَاتِ الخَيرِ مُصبِحِينَ وَبِاللَّيلِ ، وَيَرَونَ حَولَهُم مَن يَتَقَلَّبُونَ في الفَقرِ وَالمَسكَنَةِ ، وَتُمَدُّ إِلَيهِم أَيدٍ تَستَجدِي وَتَستَعطِي ، فَلا يَهُونُ عَلَى أَحَدِهِم أَن يُنفِقَ قَلِيلاً لِوَجهِ اللهِ ، فَإِذَا مَا دَعَاهُ دَاعِي الهَوَى وَأَحَاطَ بِهِ المُفَاخِرُونَ ، عَمَدَ إِلى نِعَمِ اللهِ يُبَدِّدُهَا وَيَعِيثُ فِيهَا فَسَادًا " وَاللهُ لا يُحِبُّ المُفسِدِينَ " وَمِن ثَمَّ فَلا عَجَبَ أَلاَّ تَجنيَ الأُمَّةُ بِسَبَبِ هَذَا الطُّغيَانِ إِلاَّ غَلاءَ الأَسعَارِ وَقِلَّةَ الأَمطَارِ ، وَنَزعَ البَرَكَاتِ وَذَهَابَ الخَيرَاتِ ، فَنَسأَلُ اللهَ أَلاَّ يُؤَاخِذَنَا بما فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا . فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَالزَمُوا الشُّكرَ فَإِنَّهُ قَيدُ النِّعَمِ ، وَجَانِبُوا الإِسرَافَ فَإِنَّهُ جَالِبٌ لِلنِّقَمِ ، وَاحذَرُوا الفَخرَ وَأَهلَهُ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلبَغيِ وَالظُّلمِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ أَوحَى إِليَّ : أَن تَوَاضَعُوا حَتى لا يَفخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلا يَبغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَإِذَا اقتَنَى النَّاسُ حُمْرَ النَّعَمِ وَتَبَاهَوا بها وَتَفَاخَرُوا ، فَاسمَعُوا إِلى شَيءٍ ممَّا هُوَ خَيرٌ مِن ذَلِكَ وَعُوا ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لأَن يَهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا ، خَيرٌ لَكَ مِن أَن يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَيُّكُم يُحِبُّ أَن يَغدُوَ كُلَّ يَومٍ إِلى بُطحَانَ أَوِ إِلى العَقِيقِ فَيَأتيَ مِنهُ بِنَاقَتَينِ كَومَاوَينِ زَهرَاوَينِ في غَيرِ إِثمٍ وَ لا قَطعِ رَحِمٍ ؟ فَلأَن يَغدُوَ أَحَدُكُم إِلى المَسجِدِ فَيَتَعَلَّمَ أَو يَقرَأَ آيتَينِ مِن كِتَابِ اللهِ خَيرٌ لَهُ مِن نَاقَتَينِ ، وَثَلاثٌ خَيرٌ لَهُ مِن ثَلاثٍ ، وَأَربَعٌ خَيرٌ لَهُ مِن أَربَعٍ وَمِن أَعدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ زَادَكُم صَلاةً إِلى صَلاتِكُم هِيَ خَيرٌ لَكُم مِن حُمْرِ النَّعَمِ أَلا وَهِيَ الرَّكعَتَانِ قَبلَ الفَجرِ " رَوَاهُ البَيهَقِيُّ وَغَيرُهُ وَقَالَ الأَلبَانيُ : إِسنَادُهُ جَيِّدٌ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري جزاااك الله الف خير |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري ...قمة الابــــداع تسلم يالغـــــــــــ الي...تقبل مروري |
| الساعة الآن 03:15 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
-
arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By
Almuhajir
... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...
.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..