![]() |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري وإياك أخوي.. بارك الله فيك |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري في ختام شهر الصيام 29 / 9 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفىَّ كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ " أّيُّهَا المُسلِمُونَ ، شَهرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ ، شَهرُ القُرآنِ وَمَوسِمُ العَفوِ وَالغُفرَانِ ، الَّذِي كُنَّا بِالأَمسِ نَنتَظِرُهُ ، وَتَبَادَلنَا التَّهَانيَ بِبُلُوغِهِ ، ثم فَرِحنَا بِإِدرَاكِ العَشرِ الأَخِيرَةِ مِنهُ ، وَمِنَّا مَنِ استَثمَرَ أَوقَاتَهُ الفَاضِلَةَ وَمِنَّا مَنِ استَثقَلَهَا ، هَا هُوَ اليَومَ يُؤذِنُ بِالرَّحِيلِ وَيُلَوِّحُ بِالوَدَاعِ ،، مَضَى رَمَضَانُ مَحمُودًا وَأَوفى عَلَينَا الفِطرُ يَقدُمُهُ السُّرورُ وَفي مَرِّ الشُّهُورِ لَنَا فَنَاءٌ وَنَحنُ نُحِبُّ أَن تَفنى الشُّهُورُ اللهُ المُستَعَانُ ، مَضَى رَمَضَانُ كَأَنَّمَا هُوَ سَحَابَةُ صَيفٍ سَرِيعَةٌ ، أَمَّا الأَعمَالُ فَقَد أُودِعَت كِتَابًا لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحصَاهَا ، وَسَجَّلَهَا حَافِظُونَ كِرَامٌ كَاتِبُونَ ، يَعلَمُونَ مَا تَفعَلُونَ ، وَغَدًا سَتَجِدُ كُلُّ نَفسٍ مَا عَمِلَت مِن خَيرٍ مُحضَرًا ، وَمَا عَمَلِت مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَو أَنَّ بَينَهَا وَبَينَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ، فَلَيتَ شِعرِي أَيَّ شَيءٍ أَودَعنَاهُ صَحَائِفَنَا ؟ وَمَا الَّذِي سَنَلقَاهُ غَدًا بَينَ أَيدِينَا إِذَا بُعِثنَا ؟ هَل سَنَجِدُ قِيَامًا طَوِيلاً وَقُنُوتًا ، وَاستِغفَارًا في الأَسحَارِ وَطُولَ دُعَاءٍ في السُّجُودِ ؟ هَل سَنَرَى خَتَمَاتٍ عَدِيدَةً لِكِتَابِ اللهِ وَذِكرًا كَثِيرًا ؟ هَل سَنُوَاجِهُ أَموَالاً أُنفِقَت في سَبِيلِ اللهِ زَكَاةً وَصَدَقَةً وَتَفطِيرَ صَائِمِينَ وَتَفرِيجَ كُرُبَاتٍ وَقَضَاءَ حَاجَاتٍ ؟ أَم سَتَكُونُ الأُخرَى وَنَكُونَ مِمَّنَ أضَاعَ صَلاتَهُ وَاتَّبَعَ شَهَوَاتِهِ ، وَهَجَرَ كِتَابَ رَبِّهِ وَلم يَذكُرْهُ إِلاَّ قَلِيلاً ، وَبَخِلَ بما آتَاهُ اللهُ مِن فَضلِهِ وَطَفَّفَ وَلم يُتقِنْ عَمَلَهُ ؟ كُلُّ امرِئٍ أَدرَى بما أَمضَى ، وَهُوَ أَعلَمُ بما قَدَّمَ " بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَو أَلقَى مَعَاذِيرَهُ " وَأَمَّا اللهُ ـ تَعَالى ـ فَهُوَ الكَرِيمُ البَرُّ الرَّحِيمُ الغُفُورُ الشُّكُورُ ، وَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَمَن يَعمَلْ مِنَ الصَّالحَاتِ وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلا كُفرَانَ لِسَعيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ " وَمَن يَعمَلْ مِنَ الصَّالحَاتِ وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلمًا وَلا هَضمًا " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " لَيسَ بِأَمَانِيِّكُم وَلا أَمَانيِّ أَهلِ الكِتَابِ مَن يَعمَلْ سُوءًا يُجزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا . وَمَن يَعمَلْ مِنَ الصَّالحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ وَلا يُظلَمُونَ نَقِيرًا . وَمَن أَحسَنُ دِينًا مِمَّن أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ وَهُوَ مُحسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبرَاهِيمَ خَلِيلاً " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنَّ الَّذِينَ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقنَاهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجُونَ تِجَارَةً لَن تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُم أُجُورَهُم وَيَزِيدَهُم مِن فَضلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ " وَقَالَ في أَهلِ الجَنَّةِ : " وَأَقبَلَ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ يَتَسَاءَلُونَ . قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبلُ في أَهلِنَا مُشفِقِينَ . فَمَنَّ اللهُ عَلَينَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ . إِنَّا كُنَّا مِن قَبلُ نَدعُوهُ إِنَّهُ هُوَ البَرُّ الرَّحِيمُ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في كُلِّ مُوسِمٍ مِن مَوَاسِمِ الخَيرَاتِ ، الَّتي لا تُقَدَّرُ سَاعَاتُهَا بِثَمَنٍ وَلا تُعَوَّضُ لَحَظَاتُهَا ، يَعِظُ الوَاعِظُونَ وَتَرتَفِعُ أَصوَاتُ النَّاصِحِينَ ، يَصِيحُونَ بِالنَّاسِ أَنْ هَلُمَّ إِلى رَبٍّ كَرِيمٍ ، يُعطِي الجَزِيلَ عَلَى القَلِيلِ ، وَيُضَاعِفُ الأَجرَ لِمَن يَشَاءُ وَهُوَ الوَاسِعُ العَلِيمُ ، إِلاَّ أَنَّ العِبَادَ لا يَنفَكُّونَ عَن تَوفِيقٍ مِنَ اللهِ أَو خِذلانٍ ، بِحَسَبِ طَلَبِ الخَيرِ وَالاستِعدَادِ لِقَبُولِ الحَقِّ ، أَوِ الإِعرَاضِ عَنهُ وَنِسيَانِ العَهدِ ، فَثَمَّةَ أَقوَامٌ يُحِبُّهُمُ اللهُ وَيُحِبُّونَهُ ، قَد عَلِمَ ـ سُبحَانَهُ ـ مِن نُفُوسِهِم حُبًّا لِلخَيرِ وَاستِعدَادًا لِلهُدَى ، وَمِن ثَمَ يَبعَثُ ـ تَعَالى ـ نُفُوسَهُم لِلعِبَادَةِ وَيُحَبِّبُ إِلَيهِمُ الطَّاعَةَ ، وَيُوَفِّقُهُم لِلتَّزَوُّدِ مِنَ الخَيرِ وَالمُنَافَسَةِ فِيهِ ، وَيُكَرِّهُ إِلَيهِم مَا يَشغَلُهُم عَنهُ مِن مُلهِيَاتٍ وَشَهَوَاتٍ ، وَيُزَهِّدُهُم فِيمَن لا يَأمُرُونَ بِخَيرٍ وَلا يُعِينُونَ عَلَى حَقٍّ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ في قُلُوبِكُم وَكَرَّهَ إِلَيكُمُ الكُفرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ . فَضلاً مِنَ اللهِ وَنِعمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَالَّذِينَ اهتَدَوا زَادَهُم هُدًى وَآتَاهُم تَقوَاهُم " وَفي المُقَابِلِ فَإِنَّ هُنَالِكَ مَن هُم بَعِيدُونَ عَنِ اللهِ مُعرِضُونَ عَن رَحمَتِهِ ، لا يَرفَعُونَ بِمَوَاسِمِ الخَيرِ رَأسًا ، وَلا يَتَقَرَّبُونَ فِيهَا بِمَزِيدِ طَاعَةٍ ، وَلا يَنتَهُونَ عَن سَابِقِ مَعصِيَةٍ ، وَلِذَا فَهُم غَيرُ مُوَفَّقِينَ وَلا مُسَدَّدِينَ ، بَل لا تَرَاهُم إِلاَّ مُتَكَاسِلِينَ مُتَأَخِّرِينَ ، لا يُهِمُّ أَحَدَهُم جَاءَ مَعَ السَّابِقِينَ أَم قَعَدَ مَعَ الخَالِفِينَ ، وَلا يَتَحَرَّكُ لَهُ شُعُورٌ أَن تَقَدَّمَ المُوَفَّقُونَ إِلى الخَيرِ خُطُوَاتٍ وَارتَقُوا في التَّقوَى دَرَجَاتٍ ، وَهُوَ مَا زَالَ في أَوحَالِ تَقصِيرِهِ وَطَاعَةِ نَفسِهِ وَاتِّبَاعِ هَوَاهُ وَشَيطَانِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمِنهُم مَن يَستَمِعُ إِلَيكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِن عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِم وَاتَّبَعُوا أَهوَاءَهُم " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَلَو أَرَادُوا الخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُم فَثَبَّطَهُم وَقِيلَ اقعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ " وَبَينَ أُولَئِكَ القَومِ السَّابِقِينَ وَهَؤُلاءِ الخَالِفِينَ ، أَقوَامٌ وَفِئَامٌ كَثِيرُونَ ، تَتَجَاذَبُهُم نَوَازِعُ خَيرٍ وَدَوَاعِي شَرٍّ ، فَإِن صَفَت نُفُوسُهُم وَنَظَرُوا إِلى تِلكَ القِلَّةِ المُؤمِنَةِ المُسَابِقَةِ المُسَارِعَةِ ، اِرتَقَوا قَلِيلاً وَزَادُوا مِن طَاعَاتِهِم ، وَإِن هم أَرخَوا لأَنفُسِهِم العِنَانَ وَجَالَسُوا المُخَذِّلِينَ وَأَطَاعُوهُم فِيمَا يَشتَهُونَ ، رَجَعُوا إِلى يَسِيرٍ مِنَ العَمَلِ وَلم يَذكُرُوا اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً ، فَحَرَمُوا أَنفُسَهُم أُجُورًا كَثِيرَةً وَفَرَّطُوا في حُسنِ ثَوَابٍ ، وَإِنَّ ممَّا يُؤسَفُ لَهُ في السَّنَوَاتِ المُتَأَخِّرَةِ ، أَن صَارَ مَن يُرِيدُ الاجتِهَادَ في الطَّاعَةِ وَالاستِكثَارَ مِنهَا قَدرَ طَاقَتِهِ ، لا يَجِدُ مَن يُعِينُهُ ممَّن حَولَهُ ، بَل لا يَجِدُ إِلاَّ التَّثبِيطَ وَالتَّرَاجُعَ وَالدَّعوَةَ إِلى التَّخفِيفِ ، وَكَأَنَّ شَرَائِعَ الدِّينِ وَسُنَنَ سَيِّدِ المُرسَلِينَ قَد ثَقُلَت عَلَى النُّفُوسِ أَو صَارَت لها أَغلالاً وَقُيُودًا ، مِمَّا يُشعِرُ مُرِيدَ الخَيرِ بِالغُربَةِ وَالعُزلَةِ . وَإِنَّ وَاقِعَ النَّاسِ في صَلاةِ التَّرَاوِيحِ وَتَسَابُقَهُم في الخُرُوجِ مِنهَا وَتَخفِيفِهَا ، ممَّا يَشهَدُ لِذَلِكَ ، فَلِلهِ الأَمرُ مِن قَبلُ وَمِن بَعدُ ، وَنَسأَلُهُ الثَّبَاتَ عَلَى الحَقِّ وَالصَّبرَ عَلَى السُّنَةِ " وَلَو شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُختَلِفِينَ . إِلاَّ مَن رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُم وَتَمَّت كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَملأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ " وَإِنَّهُ لَمِن أَعجَبِ العَجَبِ أَن يَزدَادَ العِلمُ انتِشَارًا ، وَيَعلَمَ النَّاسُ أَنَّ خَيرَهُم مَن طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ، وَمَعَ هَذَا تَرَى مِنهُم مَن كُلَّمَا تَقَدَّمَ بهم العُمُرُ وَازدَادُوا مِنَ الدُّنيَا بُعدًا وَلِلآخِرَةِ قُربًا ، وَحَقَّ عَلَيهِمُ الازدِيَادُ مِنَ صَالحِ العَمَلِ ، وَالتَّجَانُفُ عَنِ الدُّنيَا وَطُولِ الأَمَلِ ، أَخَذُوا يَتَرَاجَعُونَ وَيَتَصَابَونَ ، وَإِلى التَّفَلُّتِ يَصبُونَ ، أَوَهَذَا هُوَ مَا استَفَادُوهُ مِن عِلمِهِم طُولَ عُمرِهِم ؟ أَوَهَذَا هُوَ مَا أَفَادَهُم بِهِ تَعَمُّقُهُم في المَعرِفَةِ ؟ أَلا تَبًّا لِعِلمٍ لا يُقَرِّبُ صَاحِبَهُ مِن رَبِّهِ وَيَجعَلُهُ لِلجَنَّةِ أَكثَرَ شَوقًا ، ذَاكَ وَاللهِ عِلمٌ هُوَ وَالجَهلُ سَوَاءٌ ، بَل قَد يَكُونُ الجَهلُ خَيرًا مِنهُ ، وَصَدَقَ القَائِلُ : إِذَا مَا لم يُفِدْكَ العِلمُ خَيرًا فَخَيرٌ مِنهُ أَنْ لَو قَد جَهِلتَا وَإِنْ أَلقَاكَ فَهمُكَ في مَهَاوٍِ فَلَيتَكَ ثم لَيتَكَ مَا فَهِمتَا لَقَد بَيَّنَ اللهُ في كِتَابِهِ أَنَّ العِلمَ مَضِنَّةُ التَّذَكُّرِ وَالخَشيَةِ ، وَدَاعٍ إِلى طُولِ العِبَادَةِ وَكَثرَةِ الطَّاعَةِ ، وَأَنَّ أَهلَهُ هُم أَهلُ العُقُولِ الزَّاكِيَةِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَمَّن هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبَابِ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ " فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن عِلمٍ لا يَنفَعُ ، وَمِن دُعَاءٍ لا يُسمَعُ ، وَمِن قَلبٍ لا يَخشَعُ ، وَمِن نَفسٍ لا تَشبَعُ ، اللَّهُمَّ اجعَلْنَا ممَّن صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا فَغَفَرتَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ ، اللَّهُمَّ اجعَلْنَا ممَّن قَامَ لَيلَةَ القَدرِ إِيمَانًا واحتِسَابًا فَغَفَرتَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ ، اللَّهُمَّ أَيقِظْ قُلُوبَنَا مِن رَقَدَاتِ الغَفلَةِ ، وَأَحسِنْ عَاقِبَتَنَا في الأُمُورِ كُلِّهَا وَأَجِرْنَا مِن خِزيِ الدُّنيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ . الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَأَحسِنُوا في بَقِيَةِ شَهرِكُم ، وَكُونُوا مَعَ اللهِ طُولَ دَهرِكُم ، فَإِنَّ عَملَ المُؤمِنِ لا يَنقَضِي أَبَدًا حَتى يَلقَى رَبَّهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتى يَأتِيَكَ اليَقِينُ " لَقَدِ اِنقَضَى رَمَضَانُ وَقَدِ اعتَادَ كَثِيرٌ مِنَّا الطَّاعَاتِ وَأَلِفُوهَا ، وَمَضَى وَقَد صَامُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ وَنَبَذُوهَا ، فَيَا مَن أَلِفتَ الخَيرَ تَمَسَّكَ بِهِ وَاستَمِرَّ عَلَيهِ ، وَاستَقِمْ كَمَا أُمِرتَ وَحَافِظْ عَلَى تَوبَتِكَ ، وَإِيَّاكَ أَن تَعُودَ بَعدَ رَمَضَانَ إلى الفُتُورِ وَالكَسَلِ ، فَإِنَّ مِن عَلامَاتِ قَبُولِ العَمَلِ الصَّالحِ الاستِمرَارَ فَيهِ وَالازدِيَادَ مِنهُ ، ثم تَذَكَّرُوا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَقَد أَنعَمَ اللهُ عَلَيكُم فَصُمتُم وَقُمتُم ، في أَمنٍ وَعَافِيَةٍ وَرَخَاءٍ ، أَنَّ حَولَكُم مَن يَنتَظِرُونَ أَن تَمُدُّوا لهم يَدَ العَونِ وَتُقَدِّمُوا لهم المُسَاعَدَةَ ، لِيَهنَؤُوا بِالعِيدِ مَعَكُم وَيَلبَسُوا الجَدِيدَ مِثلَكُم ، فَاجعَلُوا مِن شُكرِ اللهِ عَلَى نِعمَتِهِ أَن تُقَدِّمُوا لإِخوَانِكُمُ الفُقَرَاءِ وَالمُحتَاجِينَ مَا تَجِدُونَهُ عِندَ اللهِ هُوَ خَيرًا وَأَعظَمَ أَجرًا ، وَاستَغفِرُوا اللهَ في خِتَامِ شَهرِكُم ، وَكَبِّرُوهُ في لَيلَةِ العِيدِ ، وَأَخرِجُوا زَكَاةَ الفِطرِ ، وَاشهَدُوا صَلاةَ العِيدِ ، فَإِنَّهَا شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ ، أَوجَبَهَا بَعضُ العُلَمَاءِ عَلَى الأَعيَانِ ، وَإِيَّاكُم وَمَا اعتَادَهُ بَعضُ النَّاسِ هَدَاهُمُ اللهُ ، حَيثُ لا يُصَدِّقُونَ أَن يَسمَعُوا بِخُرُوجِ رَمَضَانَ حَتى يَعمَدُوا إِلى أَسلِحَتِهِمُ النَّارِيَّةَ ، وَيُوقِدُوا السَّمَاءَ بها وَيُبَارِيَ بَعضُهُم بَعضًا بِإِطلاقِ أَكبرِ عَدَدٍ مِن رَصَاصِهَا ، وَكَأَنَّمَا هُم يُعلِنُونَ الفَرحَةَ وَالبَهجَةَ بِانقِضَاءِ رَمَضَانَ ، أَو لَكَأَنَّمَا كَانُوا في سِجنٍ فَأُطلِقَ سَرَاحُهُم مِنهُ . وَحَتى وَإِن كَانَ هَذَا فَرَحًا بِالعِيدِ ، فَإِنَّ ممَّا لا يَخفَى خُطُورَةَ هَذِهِ الأَسلِحَةِ ، وَأَنَّ لِلإِمسَاكِ بها سَكرَةً وَنَشوَةً وَخَاصَّةً لَدَى الجُهَّالِ ، قَد يَحصُلُ بِسَبَبِهَا مَا لا تُحمَدُ عُقبَاهُ ، وَالمُعَافى مَن عَافَاهُ اللهُ وَجَمَّلَهُ بِالتَّعَقُّلِ ، وَرَزَقَهُ شُكرَ النِّعمَةِ بِالعَمَلِ الصَّالحِ وَذِكرِ اللهِ القائل : " وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري خطبة عيد الفطر 1433 الخطبة الأولى : اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ . اللهُ أَكبرُ كَبِيرًا ، وَالحَمدُ للهِ كَثِيرًا ، وَسُبحَانَ اللهِ بُكرَةً وَأَصِيلاً ، اللهُ أَكبرُ مَا وَحَّدَهُ المُوَحِّدُونَ وَذَكَرُوهُ فَارتَفَعُوا ، اللهُ أَكبرُ مَا جَحَدَهُ الجَاحِدُونَ وَنَسُوهُ فَاتَّضَعُوا ، الحَمدُ للهِ مُعِزِّ الحَقِّ وَمُبدِيهِ ، وَمُذِلِّ البَاطِلِ وَمُردِيهِ ، لَهُ المَشِيئَةُ المَاضِيَةُ ، وَالعَظَمَةُ البَادِيَةُ ، أَحمَدُهُ حَمدًا لا انتِهَاءَ لأَمَدِهِ ، وَأَشكرُهُ شُكرًا لا إِحصَاءَ لِعَدَدِهِ ، وَأَشهَدُ أَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَردٌ صَمَدٌ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَلا صَاحِبَةَ وَلا وَلَدَ ، وَأَشهَدُ أَنَّ محمدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ ، اختَصَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَحَبَاهُ ، وَأَولاهُ مِنَ الكَرَامَةِ مَا حَازَ بِهِ الفَضلَ وَحَوَاهُ ، بَعَثَهُ عَلَى حِينِ فَترَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَخَلاءٍ مِن وَاضِحِ السُّبُلِ ، فَجَاهَدَ بمن أَطَاعَهُ مَن عَصَاهُ ، وَبَلَغَ في الإِرشَادِ غَايَتَهُ وَمُنتَهَاهُ ، حَتى دَخَلَ النَّاسُ في الدِّينِ أَفوَاجًا ، وَسَلَكُوا في نُصرَتِهِ صِرَاطًا وَاضِحًا وَمِنهَاجًا ، فَصَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ ، وَمَن سَارَ عَلَى نَهجِهِ وَسَنَنِهِ وَدَربِهِ ، وَسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلى يَومِ الدِّينِ . أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ وَاحمَدُوهُ عَلَى إِتمَامِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ ، وَاشكُرُوهُ عَلَى مَا آتَاكُم ، وَكَبِّرُوهُ عَلَى مَا هَدَاكُم ، أَكمَلَ لَكُمُ الدِّينَ وَأَتَمَّ عَلَيكُمُ النِّعمَةَ ، وَبَعَثَ فِيكُم خَيرَ نَبيٍّ وَجَعَلَكُم مِن خَيرِ أُمَّةٍ ، وأَنزَلَ عَلَيكُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ ، بَسَطَ رِزقَكُم ، وَأَظهَرَ أَمنَكُم ، وَأَحسَنَ مُعَافَاتَكُم ، وَمِن كُلِّ مَا سَأَلتُمُوهُ أَعطَاكُم ، فَافرَحُوا بما خَصَّكُم بِهِ دُونَ غَيرِكُم " هُوَ اجتَبَاكُم وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُم إِبرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسلِمِينَ مِن قَبلُ وَفي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيكُم وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ " " لَقَد مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِن أَنفُسِهِم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ " " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَد جَاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفَاءٌ لما في الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ . قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ " اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، أُمَّةُ الإِسلامِ أُمَّةٌ مَرحُومَةٌ ، وَحتى وَإِنْ هِيَ جُعِلَت عَافِيَتُهَا في أَوَّلِهَا ، وَكَانَ خَيرُ قُرُونِهَا الثَّلاثَةَ الأُولى مِنهَا ، وَإِنْ كَانَ سَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاءٌ وَأُمُورٌ مُنكَرَةٌ ، إِلاَّ أَنَّهَا مَعَ ذَلِكَ أُمَّةٌ مُمتَدَّةُ السُّلطَانِ ، ظَاهِرَةُ البُرهَانِ ، مَنصُورَةٌ بِوَعدٍ مِنَ الرَّحمَنِ ، مَحفُوظٌ كِتَابُهَا مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقصَانِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّ هُم في الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنّ َهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدُونَني لا يُشرِكُونَ بي شَيئًا وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ اللهَ زَوَى ليَ الأَرضَ فَرَأَيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا ، وَإِنَّ أُمَّتي سَيَبلُغُ مُلكُهَا مَا زُوِيَ لي مِنهَا ، وَأُعطِيتُ الكَنزَينِ الأَحمَرَ وَالأَبيَضَ ، وَإِنِّي سَأَلتُ رَبِّي لأُمَّتي أَلاَّ يُهلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ ، وَأَلاَّ يُسَلِّطَ عَلَيهِم عَدُوًّا مِن سِوَى أَنفُسِهِم فَيَستَبِيحَ بَيضَتَهُم ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ ، وَإِنِّي أَعطَيتُكَ لأُمَّتِكَ أََلاَّ أُهلِكَهُم بِسَنَةٍ عَامَّةٍ ، وَأَلاَّ أُسَلِّطَ عَلَيهِم عَدُوًّا مِن سِوَى أَنفُسِهِم يَستَبِيحُ بَيضَتَهُم وَلَوِ اجتَمَعَ عَلَيهِم مَن بِأَقطَارِهَا أَو قَالَ مَن بَينَ أَقطَارِهَا حَتى يَكُونَ بَعضُهُم يُهلِكُ بَعضًا وَيَسبيَ بَعضُهُم بَعضًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ ، إِنَّهُ عَهدٌ مِنَ اللهِ وَهُوَ لا يُخلِفُ المِيعَادَ ، وَضَمَانٌ مِنَ الرَّحمَنِ وَهُوَ خَيرٌ حَافِظًا ، أَن يَمتَدَّ سُلطَانُ الإِسلامِ حَتى يَحكُمَ العَالَمَ بِأَسرِهِ ، وَأَن تَظَلَّ أُمَّتُهُ بَاقِيَةً وَلَو كَادَ لها كُلُّ مَن في الأَرضِ ، لا تُستَأصَلُ وَلا تُجتَثُّ ، وَلا يَخمُدُ لها نُورٌ وَلا يَسقُطُ لها ذِكرٌ . وَهَا هِيَ أُمَّةُ الإِسلامِ مُنذُ خَمسَةَ عَشَرَ قَرنًا ، تَتَصَدَّى لِلنَّوَائِبِ وَلا تُبَالي بِالنَّكَبَاتِ ، يُحَارِبُهَا عَرَبُ الجَزِيرَةِ وَيَتَحَزَّبُون َ ضِدَّهَا ، ثم مَا يَلبَثُونَ أَن يَدخُلُوا في دِينِ اللهِ أَفوَاجًا ، وَيُنَاوِئُهَا الفُرسُ وَيُنَاصِبُونَه َا العِدَاءَ ، ثم لا تَزَالُ بهم حَتى تَقضِيَ عَلَيهِم في سُنَيَّاتٍ مَعدُودَةٍ ، فَلا تَقُومُ لهم بَعدَهَا قَائِمَةٌ وَلا يَظهَرُ لهم مُلكٌ ، ثم يُسَلَّطُ عَلَيهَا التَّتَرُ وَالمَغُولُ حَتى كَادُوا يُبِيدُونَهَا ، فَتَنتَفِضُ عَلَيهِم وَتُقَاوِمُ مَدَّهُم وَتُوقِفُ زَحفَهُم ، ثم مَا تَزَالُ بَعدُ مَعَ الرُّومِ في شَدٍّ وَجَذبٍ ، تَغلِبُهُم حِينَ يَقوَى في أَفرَادِهَا الدِّينُ وَيَملأُ قُلُوبَهُمُ اليَقِينُ ، وَيَنَالُونَ مِنهَا حِينَ تَضعُفُ وَتَنسَى ، تَغفُو عَن كَيدِهِم قَلِيلاً وَلَكِنَّهَا لا تَمُوتُ ، وَتَضعُفُ أَمَامَهُم يَسِيرًا وَلَكِنَّهَا لا تَزُولُ ، وَمَا يَزَالُ اللهُ يَبعَثُ فِيهَا مُصلِحِينَ مُجَدِّدِينَ ، يَنفُخُونَ الرُّوحَ في جَسَدِهَا فَتَصحُو ، وَيُعَالِجُونَه َا فتَتَعَافى ، وَيَرعَونَهَا فتُشَفى . وَإِنَّهُ وَمُنذُ قَرنٍ مِنَ الزَّمَانِ ، وفي حِينِ ضَعفٍ لِلتَّوحِيدِ وَفُتُورٍ في العَقِيدَةِ ، وَانتِشَارٍ لِلبِدَعِ وَالشِّركِيَّات ِ ، وَتَعَلُّقٍ بِالقُبُورِ وَالخُرَافَاتِ ، وَعَفَاءٍ لِرُسُومِ السُّنَةِ وَخَفَاءٍ لِلأَثَرِ ، استَولى الأَعدَاءُ عَلَى الأُمَّةِ وَأَسقَطُوا دَولَتَهَا ، وَمَزَّقُوا جَسَدَهَا وَتَقَاسَمُوا أَرضَهَا ، ثم صَوَّرُوا لها بما أُوتُوهُ مِن قُوَّةٍ إِعلامِيَّةٍ وَفِتنَةٍ دِعَائِيَّةٍ ، أَنَّهُم قُوَّةٌ لا تُقهَرُ وَسُلطَانٌ لا يُغلَبُ ، أَو لَكَأَنَّمَا هُم أُسُودُ العَالَمِ وَذِئَابُ الأَرضِ ، وَلَيسَ مَن سِوَاهُم إِلاَّ أَغنَامٌ تَرعَى مِن فُتَاتِ مَوَائِدِهِم وَتَستَظِلُّ بِحَضَارَتِهِم وَتَحتَمِي بِهِم ، وَرَاجَتِ الحِيلَةُ عَلَى كَثِيرِينَ ، وَاستَولَتِ الهَزِيمَةُ عَلَى مُثَقَّفِينَ ، وَأَصَابَ الجَمِيعَ الوَهنُ وَأَحَاطَت بهمُ الذِّلَّةُ ، حَتى وَصَلَتِ الحَالُ بِبَعضِ مَن فِيهِ بَقِيَّةٌ مِن دِينٍ ، إِلى أَن يُنادِيَ بِالانعِزَالِ وَتَتَبُّعِ شَعَفِ الجِبَالِ ، وَتَرَقُّبِ قُوَّةٍ سَمَاوِيَّةٍ تَخرُجُ بِخُرُوجِ المَهدِيِّ أَو تَنزِلُ بِنُزُولِ المَسِيحِ ، لِتُنقِذَ الأُمَّةَ وَتُعِيدَ لها مَجدَهَا . وَيَتَمَادَى الطُّغيَانُ بِأَهلِهِ ، وَيَمتَلِئُونَ كِبرًا وَعُجبًا ، حَتى إِذَا ظَنُّوا أَنَّهُم عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَادِرُونَ " وَظَنُّوا أَنَّهُم مَانِعَتُهُم حُصُونُهُم مِنَ اللهِ " يَأبى اللهُ ـ تَعَالى ـ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ ، إِلاَّ أَن يُذَكِّرَ الأُمَّةَ وَعدَهُ لِنَبِيِّهَا وَعَهدَهُ لها ، وَأَنَّهَا قَد تُصَابُ وَتُفتَنُ وَتُبتَلَى ، وَأَمَّا الاستئِصَالُ وَالاجتِثَاثُ فَلا وَأَلفُ لا ، وَيَشَاءَ اللهُ أَن يُرِيَ العَالَمَ بِأَسرِهِ أَنَّ هَذِهِ الشُّعُوبَ المُسلِمَةَ ، لا تَحتَاجُ وَإِن ضَعُفَت عُدَّتُهَا ، إِلاَّ إِلى الاجتِمَاعِ عَلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ ، وَالائتِلافِ عَلَى رَأيٍ مُوَحَّدٍ ، وَرَفعِ رَايَةِ الجِهَادِ وَالعَودَةِ إِلى الدِّينِ ، حَتى تَغدُوَ قُوَّةً لا تُقهَرُ وَسَيلاً لا يُوقَفُ أَمَامَهُ ، وَيَشَاءُ اللهُ أَن يُؤتَى الكُفَّارُ وَالطُّغَاةُ مِن حَيثُ لم يَحتَسِبُوا ، وَأَن يُقذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعبُ ممَّن استَضعَفُوا ، فَتَثُورُ شُعُوبٌ هُنَا وَهُنَاكَ ، لِيَرَى العَالَمُ رَأيَ العَينِ ، أَنَّ اللهَ الَّذِي " أَهلَكَ عَادًا الأُولى . وَثَمُودَ فَمَا أَبقَى . وَقَومَ نُوحٍ مِن قَبلُ إِنَّهُم كَانُوا هُم أَظلَمَ وَأَطغَى . وَالمُؤتَفِكَةَ أَهوَى . فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى " لِيَرَوا أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِهَلاكِ الظَّالمِينَ في كُلِّ عَصرِ وَمِصرٍ ، وَيَشَاءُ ـ سُبحَانَهُ ـ أَن تَكُونَ نِهَايَةُ كُلِّ ظَالِمٍ مِن جِنسِ عَمَلِهِ ، فَمَن كَانَ كَارِهًا لِلشَّرِيعَةِ وَاضطَرَّ شَعبَهُ لِلهِجرَةِ مِن بَلَدِهِم فِرَارًا بِدِينِهِم , يَكُونُ خُرُوجُهُ مِن بِلادِهِ هُرُوبًا ، ثم لا يَجِدُ مَلجَأً إِلاَّ في بَلَدٍ تُطَبَّقُ فِيهِ الشَّرِيعَةُ , لِيَسمَعَ صَوتَ الأَذَانِ الَّذِي طَالمَا حَارَبَهُ ، وَيَرَى جُمُوعَ المُصَلِّينَ الَّذِينَ طَالمَا عَادَاهُم . وَمَن ظَنَّ أَنَّهُ مَلَكَ كُلَّ شَيءٍ فَسَمَّى نَفسَهُ مَلِكَ المُلُوكِ , وَاحتَقَرَ شَعبَهُ وعَدَّهُم كَالجُرذَانِ , يُسَلِّطُهُمُ اللهُ عَلَيهِ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ ، فيُخرِجُونَهُ مِن أُنبُوبِ الصَّرفِ الصِّحِّيِّ ذَلِيلاً حَقِيرًا ، وَيَجُرُّونَهُ مُتَوَسِّلاً بَاكِيًا , لِيَكُونَ جَزَاؤُهُ مِن جِنسِ عَمَلِهِ , وَالثَّالِثُ الَّذِي جَعَلَ دُولَتَهُ سِجنًا لِلصَّالحِينَ وَامتِهَانًا لِلمُصلِحِينَ , يُذِيقُهُ اللهُ مَرَارَةَ السِّجنِ بَعدَ الحُرِّيَّةِ ، وَيَرَى الذُّلَّ بَعدَ العِزِّ , بَل وَيَشَاءُ اللهُ أَن يُرِيَهُ أَحَدَ مَن سَجَنَهُم وَعَذَّبَهُم , يَخرُجُ لِيَعتَلِيَ كُرسِيَّ الرِّئَاسَةِ , فَيَغدُو السَّجِينُ حَاكِمًا وَالحَاكِمُ سَجِينًا ، فَسُبحَانَ مُغَيِّرِ الأَحوَالِ , لا رَادَّ لأَمرِهِ وَلا مُعَقِّبَ لِحُكمِهِ ، هُوَ مَالِكُ المُلكِ ، يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَيَنزِعُهُ مِمَّن يَشَاءُ ، وَيُعِزُّ مَن يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَن يَشَاءُ ، بِيَدِهِ الخَيرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، وَمَا يَزَالُ المُسلِمُونَ يَنتَظِرُونَ البُشرَى في أَرضِ الشَّامِ المُبَارَكَةِ ، الَّتي قَدَحَ شَرَارَةَ الجِهَادِ فِيهَا صِبيَةٌ يَلعَبُونَ ، ثم اعتَلَى صَهوَتَهُ كِبَارٌ مُؤمِنُونَ , لِيُستَشهَدَ مِنهُم مَن يُستَشهَدُ ، وَيَنَالَ الآخَرُونَ شَرَفَ القَضَاءِ عَلَى الدَّولَةِ البَاطِنِيَّةِ المُجرِمَةِ , وَإِنَّا لَنَرَاهُ قَرِيبًا بِإِذنِ اللهِ , وَيَومَئِذٍ يَفرَحُ المُؤمِنُونَ بِنَصرِ اللهِ , فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَتَمَسَّكُوا بما أَنتُم عَلَيهِ مِنَ التَّوحِيدِ وَصَفَاءِ العَقِيدَةِ " وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسلِمُونَ . وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا " " وَلْتَكُنْ مِنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ " حَذَارِ مِنَ الظُّلمِ وَالطُّغيَانِ ، وَكُفرِ النِّعمَةِ وَالنِّسيَانِ ، جَرِّدُوا التَّوحِيدَ للهِ ، وَنَقُّوا القُلُوبَ مِنَ الشِّركِ وَالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ ، وَخَلِّصُوهَا مِنَ التِّعَلُّقِ بِغَيرِ اللهِ ، وَفَرِّغُوهَا مِنَ التَّوَكُّلِ وَالاعتِمَادِ إِلاَّ عَلَيهِ ، وَاحمُوهَا مِنَ التَّوَجُّهِ إِلاَّ إِلَيهِ ، وَمِنَ الخَوفِ إِلاَّ مِنهُ ، فَإِنَّ الرُّكُونَ إِلى الَّذِينَ كَفَرُوا لم يَنفَعْ مَن مَضَوا فِيهِ عَشَرَاتِ السِّنِينَ ، وَإِيَّاكُم أَن تُقِيمَكُمُ الدُّنيَا أَو تُقعِدَكُم ، أَو تُقَرِّبَكُم مِن طَاعَةٍ أَو تُبعِدَكُم ، أَو تَجعَلُوهَا مَحَكًّا لِوَلاءٍ وَرِضَا ، أَو سَبَبًا لتَبَرُّؤٍ وَسُخطٍ ، فَلا وَاللهِ لا يُمكِنُ أَن يَصلُحَ بذَلِكَ حَالٌ وَلا شَأنٌ ، وَلا أَن يَتَحَقَّقَ بِسَبَبِهِ رَخَاءٌ وَلا أَمنٌ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ ، جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ في قَلبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَملَهُ ، وَأَتَتهُ الدُّنيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَن كَانَتِ الدُّنيَا هَمَّهُ ، جَعَلَ اللهُ فَقرَهُ بَينَ عَينَيهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيهِ شَملَهُ ، وَلم يَأتِهِ مِنَ الدُّنيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . إِنَّهُ لا أَمنَ وَلا استِقرَارَ ، وَلا رَاحَةَ لِقُلُوبٍ وَلا اطمِئنَانَ لِنُفُوسٍ ، إِلاَّ لأَهلِ تَوحِيدِ اللهِ المُتَوَكِّلِين َ عَلَيهِ " الَّذِينَ آمَنُوا وَلم يَلبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدُونَ " " الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَد جَمَعُوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبُنَا اللهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ . فَانقَلَبُوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضلٍ لم يَمسَسْهُم سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضلٍ عَظِيمٍ " وَإِنَّهُ لا عَهدَ عِندَ اللهِ لأَحَدٍ إِلاَّ لِمَن أَقَامَ دِينَهُ ، فَاحذَرُوا مَكرَ اللهِ بِالمُكَذِّبِين َ اللاَّعِبِينَ ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِكُم تَمَسُّكَ الصَّادِقِينَ ، فَقَدَ وُعِدَ المُؤمِنُونَ وَأَهلُ التَّقوَى وَالصَّلاةِ ، بِسِعَةِ الرِّزقِ وَفَتحِ البَرَكَاتِ " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بما كَانُوا يَكسِبُونَ . أَفَأَمِنَ أَهلُ القُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأسُنَا بَيَاتًا وَهُم نَائِمُونَ . أَوَأَمِنَ أَهلُ القُرَى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنَا ضُحًى وَهُم يَلعَبُونَ . أَفَأَمِنُوا مَكرَ اللهِ فَلا يَأمَنُ مَكرَ اللهِ إِلاَّ القَومُ الخَاسِرُونَ " " وَأْمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى " اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ . الخطبة الثانية : اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ . الحَمدُ للهِ الَّذِي بِنِعمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالحَاتُ وَتَكمُلُ ، وَبِطَاعَتِهِ تَحلُوالحَيَاةُ وَتَجمُلُ ، لم يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ في المُلكِ وَلم يَكُنْ لَهُ وَليٌّ مِنَ الذُّلِّ ، أَحمَدُهُ ـ تَعَالى ـ وَأَشكُرُهُ ، وَأَتُوبُ إِلَيهِ وَأَستَغفِرُهُ ، وَأَشهَدُ أَنَّ محمدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ ، بَعَثَهُ بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيفِ حَتى يُعبَدَ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَجُعِلَ رِزقُهُ تَحتَ ظِلِّ رُمحِهِ ، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَن خَالَفَ أَمرَهُ . صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ ، وَمَن سَارَ عَلَى نَهجِهِ وَاقتَفَى أَثَرَهُ . أَمَّا بَعدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ ، إِنَّكُم في عِيدٍ وَيَومٍ سَعِيدٍ ، أَتمَمتُمُ الصِّيَامَ وَأَدرَكتُمُ القِيَامَ ، وَزَكَّيتُم وَتَصَدَّقتُم وَفَطَّرتُمُ الصَّائِمِينَ ، وَمِنكُم مَنِ اعتَمَرَ وَفِيكُم مَنِ اعتَكَفَ ، وَهَا أَنتُم قَد مُدَّ في آجَالِكُم حَتى أَكمَلتُمُ العِدَّةَ وَكَبَّرتُمُ اللهُ عَلَى مَا هَدَاكُم ، وَبَلَغتُم بَهجَةَ العِيدِ وَلَبِستُمُ الجَدِيدَ ، فَاحمَدُوا رَبَّكُم وَاشكُرُوهُ ، وَاذكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَأَدِيمُوا طَاعَتَهُ وَلا تَنسَوهُ ، تَمَسَّكُوا بما اكتَسَبتُمُوهُ في شَهرِكُم ، وَاستَقِيمُوا عَلَيهِ طُولَ دَهرِكُم ، وَلا تَنقُضُوا بِالمَعَاصِي مَا فَتَلتُمُوهُ ، فَإِنَّ العِيدَ لَيسَ انفِلاتًا مِنَ المُثُلِ وَلا تَنَصُّلاً مِنَ الطَّاعَاتِ , وَلا قَطعًا لِلصِّلَةِ بِاللهِ وَانطِلاقًا لِلشَّهَوَاتِ , بَل هُوَ فَرَحٌ رَبَّانيٌّ وَسُرُورٌ إِيمَانيٌّ , يَسعَدُ فِيهِ مَن وَحَّدَ رَبَّهُ وَأَدَّى مَا عَلَيهِ ، وَحَقَّقَ التَّقوَى وَبَرَّ وَالِدَيهِ ، فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم ، وَاحفَظُوا أَمرَهُ يَحفَظْكُم ، وَكُونُوا مَعَهُ يَكُنْ مَعَكُم ، خَافُوهُ في السِّرِّ وَالعَلَنِ ، وَتَعَرَّفُوا عَلَيهِ في الرَّخَاءِ يَعرِفْكُم في الشِّدَّةِ ، حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ، وَاشهَدُوا الجُمُعَ وَالجَمَاعَاتِ ، وَصِلُوا رَمَضَانَ بِصِيَامِ سِتٍّ مِن شَوَّالٍ ؛ فَإِنَّ " مَن صَامَ رَمَضَانَ وَأَتبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ كَانَ كَصَومِ الدَّهرِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . اِقرَؤُوا القُرآنَ في كُلِّ حِينٍ ، فَإِنَّهُ حَبلُ اللهِ المَتِينُ وَصِرَاطُهُ المُستَقِيمُ ، مَن تَمَسَّكَ بِهِ نجا ، وَمَن حَادَ عَنهُ غَوَى ، وَمَنِ ابتَغَى الهُدَى في غَيرِهِ أَضَلَّهُ اللهُ . أَفشُوا السَّلامَ وَأَطعِمُوا الطَّعَامَ ، وَتَصَافَحُوا وَتَصَالَحُوا ، وَلِينُوا وَتَوَاضَعُوا ، وَتَبَسَّمُوا وَتَرَاحَمُوا ، وَ" أَوفُوا المِكيَالَ وَالمِيزَانَ بِالقِسطِ وَلا تَبخَسُوا النَّاسَ أَشيَاءَهُم " وَاحفَظُوا حَقَّ الجِوَارِ ، وَاحذَرُوا مُحَارَبَةَ اللهِ بِالرِّبَا ، وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ إِلى الزِّنَا وَالخَنَا ، لَقَد تَمَيَّزتُم في هَذِهِ البِلادِ بِالسِّترِ وَالاحتِشَامِ ، وَصِيَانَةِ الأَعرَاضِ وَحِمَايَةِ الشَّرَفِ ، وَإِنَّ ثَمَّةَ دَعَوَاتٍ فَاسِدَةً حَاقِدَةً ، جَعَلَت هَمَّهَا وَهَدَفَهَا وَغَايَةَ خُبثِهَا ، أَن تَخرُجَ المَرأَةُ مِن بَيتِهَا وَتَهتِكَ سِترَهَا وَتَخلَعَ حَيَاءَهَا ، وَتَختَلِطَ بِالرِّجَالِ في الأَعمَالِ وَالأَسوَاقِ وَالنَّوَادِي ، فَالحَذَرَ الحَذَرَ ثم الحَذَرَ وَالحَذَرَ ، فَإِنَّمَا تِلكَ نَارٌ لم تَتَمَكَّنْ مِن بَلَدٍ إِلاَّ أَوقَدَتهُ فَسَادًا ثم جَعَلَتهُ رَمَادًا ، قَالَ ابنُ القَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : وَلا رَيبَ أَنَّ تَمكِينَ النِّسَاءِ مِنِ اختِلاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ أَصلُ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَشَرٍّ ، وَهُوَ مِن أَعظَمِ أَسبَابِ نُزُولِ العُقُوبَاتِ العَامَّةِ ، كَمَا أَنَّهُ مِن أَسبَابِ فَسَادِ أُمُورِ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ ، وَاختِلاطُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ سَبَبٌ لِكَثرَةِ الفَوَاحِشِ وَالزِّنَا ، وَهُوَ مِن أَسبَابِ المَوتِ العَامِّ وَالطَّوَاعِينِ المُتَّصِلَةِ ... إِلى أَن قَالَ : فَمِن أَعظَمِ أَسبَابِ المَوتِ العَامِّ كَثرَةُ الزِّنَا ، بِسَبَبِ تَمكِينِ النِّسَاءِ مِنِ اختِلاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ ، وَالمَشيِ بَينَهُم مُتَبَرِّجَاتٍ مُتَجَمِّلاتٍ ، وَلَو عَلِمَ أَولِيَاءُ الأَمرِ مَا في ذَلِكَ مِن فَسَادِ الدُّنيَا وَالرَّعِيَّةِ قَبلَ الدِّينِ ، لَكَانُوا أَشَدَّ شَيءٍ مَنعًا لِذَلِكَ . اِنتَهَى كَلامُهُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ رِجَالاً وَنِسَاءً ، فَإِنَّ مِن كُلِّ شَيءٍ يَذهَبُ عِوَضٌ وَخَلَفٌ ، وَلَيسَ لِلدِّينِ وَالعِرضِ إِذَا مَاتَا عِوَضٌ وَلا خَلَفٌ . اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري استقيموا ولن تحصوا 6 / 10 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فَاتَّقُوهُ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ ، اُذكُرُوهُ ذِكرًا كَثِيرًا ، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلاً " إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الإِنسَانُ في دُنيَاهُ مُسَافِرٌ لا يَركَنُ إِلى إِقَامَةٍ ، وَسَائِرٌ لا يَعرِفُ استِقرَارًا وَلا تَوَقُّفًا ، وَرَاحِلٌ مَعَ الزَّمَنِ بِاستِمرَارٍ وَإِن هُوَ لَزِمَ مَكَانًا وَاحِدًا وَلم يَبرَحْ ، وَكُلُّ يَومٍ يَمضِي أَو شَهرٍ يَنقَضِي ، فَإِنَّهُ يَزِيدُ في عُمُرِهِ وَيَنقُصُ مِن أَجَلِهِ ، وَلا بُدَّ لَهُ في نِهَايَةِ الأَمرِ مِن يَومٍ يَلقَى فِيهِ رَبَّهُ وَيُرَدُّ إِلى مَولاهُ ، وَحِينَهَا يَنتَهِي سَفَرُهُ وَيَستَقِرُّ إِلى دَارَينِ لا ثَالِثَ لهما . وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ المُؤمِنَ العَاقِلَ يَسلُكُ الطَّرِيقَ الَّتي تُوصِلُهُ إِلى رَبِّهِ ، وَلا يَشتَغِلُ بِالسُّبُلِ الَّتي تُشَتِّتُ أَمرَهُ وَتُضِيعُ عَلَيهِ عُمُرَهُ . وَلَمَّا كَانَ الوَاقِعُ أَنَّ أَقصَرَ الطُّرُقِ وَأَقرَبَهَا مَا كَانَ مُستَقِيمًا غَيرَ ذِي عِوَجٍ ، كَانَ المُؤمِنُ مُرَغَّبًا في الاستِقَامَةِ مَأمُورًا بها ، مُثنىً عَلَيهِ إِن هُوَ لَزِمَهَا ، مَوعُودًا بِالخَيرِ في الدُّنيَا وَأَفضَلِ الجَزَاءِ في الأُخرَى إِن صَبَرَ عَلَيهَا ، قَال ـ تَعَالى ـ : " فَاستَقِمْ كَمَا أُمِرتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَأَلَّوِ استَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسقَينَاهُم مَاءً غَدَقًا " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم تُوعَدُونَ . نَحنُ أَولِيَاؤُكُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلاً مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ " وَلِعِظَمِ أَمرِ الاستِقَامَةِ وَأَهمِّيَّتِهَ ا ، وَوُجُوبِ استِشعَارِ الحَاجَةِ إِلَيهَا في كُلِّ وَقتٍ وَحِينٍ ، كَانَ أَوَّلُ دُعَاءٍ يَسأَلُهُ المُصَلِّي رَبَّهُ في صَلاتِهِ ، أَن يَطلُبَ مِنهُ هِدَايَتَهُ إِلى الطَّرِيقِ المُستَقِيمِ ، وَيُجَنِّبَهُ طُرُقَ الضَّلالِ وَسُبُلَ الغَضَبِ ، ثم مَا يَزَالُ يُكَرِّرُ هَذَا الدُّعَاءَ في كُلِّ رَكعَةٍ ، لا تَصِحُّ صَلاتُهُ إِلاَّ بِقِرَاءَةِ السُّورَةِ الَّتي هُوَ فِيهَا ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " اِهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلا الضَّالِّينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الاستِقَامَةَ هِيَ الحَيَاةُ الحَقِيقِيَّةُ لِلإِنسَانِ ، وَهِيَ نَجَاتُهُ وَكَمَالُهُ ، وَمَا دُونَهَا إِلاَّ الهَلاكُ وَالخَسَارَةُ وَالنَّقصُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالعَصرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ " فَلا بُدَّ لِلمُسلِمِ لِيَنجُوَ مِنَ الخَسَارَةِ وَيَكمُلَ في نَفسِهِ وَيُكمِلَ مَن حَولَهُ ، أَن يَعرِفَ طَرِيقَ الاستِقَامَةِ وَيَعلَمَهُ ، ثم يَعمَلَ بِهِ وَيَلتَزِمَ تَطبِيقَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، ثم يَدعُوَ إِلَيهِ وَيُوصِيَ غَيرَهُ بِلُزُوِمِهِ ، ثم يَثبُتَ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ وَيَدُومَ صَابِرًا مُصَابِرًا ، مُدَافِعًا مَا يُضَادُّهُ حَتى يَلقَى رَبَّهُ ، سَالِكًا مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ نَبِيَّهُ في هَذَا الشَّأنِ حَيثُ قَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لَهُ : " فَاستَقِمْ كَمَا أُمِرتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطغَوا إِنَّهُ بمَا تَعمَلُونَ بَصِيرٌ . وَلا تَركَنُوا إِلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِن دُونِ اللهِ مِن أَولِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ . وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكرَى لِلذَّاكِرِينَ . وَاصبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ . فَلَولا كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبلِكُم أُولُو بَقِيَّةٍ يَنهَونَ عَنِ الفَسَادِ في الأَرضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّن أَنجَينَا مِنهُم وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُترِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجرِمِينَ . وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ " فَطَرِيقُ الاستِقَامَةِ هُوَ طَرِيقُ التَّائِبِينَ المُنِيبِينَ ، أَهلِ الوَسَطِيَّةِ وَالخَيرِيَّةِ ، الَّذِينَ لا يَتَّصِفُونَ بِزِيَادَةٍ وَلا طُغيَانٍ ، وَلا يَركَنُونَ إِلى ظُلمٍ وَتَسَاهُلٍ بِحَقٍّ ، عَلَى صَلاتِهِم مُحَافِظُونَ ، وَمِنَ الحَسَنَاتِ مُستَكثِرُونَ ، صَابِرُونَ عَلَى الطَّاعَةِ مُرَابِطُونَ ، لأَعمَالِهِم مُحسِنُونَ ، بِالمَعرُوفِ آمِرُونَ ، وَعَنِ المُنكَرِ نَاهُونَ ، لا تَغُرُّهُم حَيَاةٌ بِتَرَفٍ فَيُغرِقُوا في سَرَفٍ . عِبَادَ اللهِ ، تَمُرُّ بِالمُسلِمِينَ مَوَاسِمُ الاستِكثَارِ مِنَ الخَيرِ وَالأَجرِ ، وَأَوقَاتُ الاجتِهَادِ في الطَّاعَةِ وَأَزمِنَةُ التَّزَوُّدِ بِالتَّقوَى ، فَتَنشَطُ النُّفُوسُ في العَمَلِ الصَّالحِ وَتَرغَبُ فِيهِ ، وَتَخِفُّ الأَروَاحُ لِلخَيرِ وَتَتَّسِعُ الصُّدُورُ لِلبِرِّ ، وَيَتَقَرَّبُ النَّاسُ إِلى رَبِّهِم بِالنَّوَافِلِ مَعَ الفَرَائِضِ ، ثم مَا تَلبَثُ المَوَاسِمُ أَن تَمضِيَ بما فِيهَا وَتَنصِرَفَ بما أُودِعَت ، فَمَن ظَلَّ بَعدَهَا عَلَى استِقَامَتِهِ وَالتَزَمَ بِطَاعَتِهِ ، فَذَاكَ هُوَ النَّاجِي بِرَحمَةِ رَبِّهِ ، وَمَنِ انفَلَتَ أَمرُهُ وَفَرَّطَ ، وَسَقَطَ بَعدَ قِيَامٍ وَتَرَاجَعَ بَعدَ إِقدَامٍ ، فَمَا أَحرَاهُ أَن يَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ ! قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ ـ أَيْ نَشَاطٌ وَرَغبَةٌ ـ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَترَةٌ ، فَمَن كَانَت فَترَتُهُ إِلى سُنَّتي فَقَدِ اهتَدَى ، وَمَن كَانَت فَترَتُهُ إِلى غَيرِ ذَلِكَ فَقَد هَلَكَ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ بِلُزُومِ سَبِيلِ الخَيرِ وَالحَذَرِ مِنَ سُبُلِ الشَّرِّ ، فَعَن جَابِرِ بنِ عَبدِاللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : كُنَّا عِندَ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَخَطَّ خَطًّا وَخَطَّ خَطَّينِ عَن يَمِينِهِ وَخَطَّ خَطَّينِ عَن يَسَارِهِ ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ في الخَطِّ الأَوسَطِ فَقَالَ : هَذَا سَبِيلُ اللهِ ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ : " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَعَنِ النَّوَّاسِ بنِ سَمعَانَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ عَن رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : ضَرَبَ اللهُ ـ تَعَالى ـ مَثَلاً صِرَاطًا مُستَقِيمًا ، وَعَلَى جَنبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبوَابٌ مُفَتَّحَةٌ ، وَعَلَى الأَبوَابِ سُتُورٌ مُرخَاةٌ ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، ادخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلا تَتَعَوَّجُوا ، وَدَاعٍ يَدعُو مِن فَوقِ الصِّرَاطِ ، فَإِذَا أَرَادَ الإِنسَانُ أَن يَفتَحَ شَيئًا مِن تِلكَ الأَبوَابِ قَالَ : وَيحَكَ لا تَفتَحْهُ ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفتَحْهُ تَلِجْهُ ، فَالصِّرَاطُ الإِسلامُ ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللهِ ـ تَعَالى ـ وَالأَبوَابُ المُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللهِ ـ تَعَالى ـ وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ الهِا ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَالدَّاعِي مِن فَوقُ وَاعِظُ اللهِ في قَلبِ كُلِّ مُسلِمٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . اللَّهُمَّ رَبَّ جُبرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسرَافِيلَ ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ عَالمَ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ ، أَنتَ تَحكُمُ بَينَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَختَلِفُونَ ، اهدِنَا لما اختُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذنِكَ ؛ إِنَّكَ تَهدِي مَن تَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ . اللَّهُمَّ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعدَئِذْ هَدَيتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لُدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ . اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ . الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ التَّقوَى ، وَاعلَمُوا أَنَّ أَسَاسَ النَّجَاةِ الاستِقَامَةُ عَلَى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، بِأَن يُصبِحَ المَرءُ وَيُمسِيَ عَبدًا رَبَّانِيًّا في كُلِّ طَرِيقٍ ، مُتبِعًا مَا يَعلَمُهُ بِالعَمَلِ وَالتَّطبِيقِ ، هَمُّهُ رِضَا رَبِّهِ في كُلِّ سِعَةٍ وَضِيقٍ ، لا أَن يَكُونَ مُتَذَبذِبًا في سَيرِهِ ، تَابِعًا لِشَيطَانِهِ أَو هَوَى نَفسِهِ أَو هَوَى غَيرِهِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ عَن عِيسَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُم فَاعبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُستَقِيمٌ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " ألم أَعهَدْ إِلَيكُم يَا بَني آدَمَ أَنْ لا تَعبُدُوا الشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُم عُدُوٌّ مُبِينٌ . وَأَنِ اعبُدُوني هَذَا صِرَاطٌ مُستَقِيمٌ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " قُلْ إِنَّني هَدَاني رَبِّي إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشرِكِينَ . قُلْ إِنَّ صَلاتي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتي للهِ رَبِّ العَالمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " فَلِذَلِكَ فَادعُ وَاستَقِمْ كَمَا أُمِرتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهوَاءَهُم " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ : " قَد جَاءَكُم مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهدِى بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ بِإِذنِهِ وَيَهدِيهِم إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيرًا لَهُم وَأَشَدَّ تَثبِيتًا . وَإِذًا لآَتَينَاهُم مِن لَدُنَّا أَجرًا عَظِيمًا . وَلَهَدَينَاهُم صِرَاطًا مُستَقِيمًا " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ وَاستَقِيمُوا عَلَى مَا يُحِبُّهُ في كُلِّ حِينٍ وَآنٍ ، يَكُن لَكُم عَلَى مَا تُحِبُّونَ وَيُحِبَّكُم وَيُوَفِّقْكُم ، وَاعلَمُوا أَنَّ خَيرَ ذَلِكَ وَأَعظَمَهُ الفَرَائِضُ وَخَاصَّةً الصَّلاةَ ، ثم التَّزَوُّدُ مِنَ النَّوَافِلِ وَتَقوَى اللهِ ، وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ : " وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ ممَّا افتَرَضتُ عَلَيهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حَتى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بها ، وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بها ، وَإِن سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ استَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " اِستَقِيمُوا وَلَن تُحصُوا ، وَاعلَمُوا أَنَّ خَيرَ أَعمَالِكُمُ الصَّلاةَ ، وَلا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلاَّ مُؤمِنٌ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري ولو أن أهل العلم صانوه صانهم 13 / 10 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ " " وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في صَبَاحِ الغَدِ بِإِذنِ اللهِ ، يَغدُو إِلى المَدَارِسِ آلافٌ مِنَ الطُّلاَّبِ وَالطَّالِبَاتِ وَالمُعَلِّمِين َ وَالمُعَلِّمَات ِ ، يَحدُو كَلاًّ مِنهُم إِلى النَّجَاحِ أَمَلٌ كَبِيرٌ ، وَيَدفَعُهُم إِلَيهِ شَوقٌ عَظِيمٌ . وَإِنَّهُ مَهمَا يَكُنْ مِن تَهَيُّؤٍ وَاستِعدَادٍ وَبَذلِ جُهدٍ وَاجتِهَادٍ ، فَإِنَّهُ لا غِنى لِلعِبَادِ جَمِيعًا عَن تَوفِيقِ اللهِ لهم ، وَلا نَجَاحَ لهم في دُنيَاهُم وَلا أُخرَاهُم إِلاَّ بِتَسدِيدِ اللهِ لهم وَعِنَايَتِهِ بهم . إِذَا لم يَكُنْ عَونٌ مِنَ اللهِ لِلفَتى *** فَأَوَّلُ مَا يَجنِي عَلَيهِ اجتِهَادُهُ قَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ فَإِنَّهُ يَأمُرُ بِالفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَلَولا فَضلُ اللهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِن أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ في قُلُوبِكُم وَكَرَّهَ إِلَيكُمُ الكُفرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ " وَالتَّوفِيقُ مِنَ الأُمُورِ الَّتي لا تُطلَبُ إِلاَّ مِنَ اللهِ ، إِذْ لا يَقدِرُ عَلَيهِ إِلاَّ هُوَ ، فَمَن طَلَبَهُ مِن غَيرِهِ فَهُوَ مَحرُومٌ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّكَ لا تَهدِي مَن أَحبَبتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهدِي مَن يَشَاءُ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَن شُعَيبٍ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ : " وَمَا تَوفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنِيبُ " قَالَ ابنُ القَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : وَقَد أَجمَعَ العَارِفُونَ بِاللهِ أنَّ التَّوفِيقَ هُوَ أَلا يَكِلَكَ اللهُ إِلى نَفسِكَ ، وَأَنَّ الخِذلانَ هُوَ أَن يُخَلِّيَ بَينَكَ وَبَينَ نَفسِكَ . وَفي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَّمَ فَاطِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ أَن تَقُولَ إِذَا أَصبَحَت وَإِذَا أَمسَت : " يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحمَتِكَ أَستَغِيثُ ، وَأَصلِحْ لي شَأني كُلَّهُ ، وَلا تَكِلْني إِلى نَفسِي طَرفَةَ عَينٍ أَبَدًا " إِذَا عُلِمَ هَذَا وَتُيُقِّنَ مِنهُ ـ عِبَادَ اللهِ ـ فَإِنَّ ممَّا يَجِبُ عَلَى أَهلِ العِلمِ مُعَلِّمِينَ وَطُلاَّبًا ، أَن يَطلُبُوا التَّوفِيقَ وَالنَّجَاحَ مِن مَالِكِهِ ـ سُبحَانَهُ ـ وَأَن يَبذُلُوا لِذَلِكَ أَسبَابَهُ وَيَسلُكُوا سُبُلَهُ ، فَإِنَّ تَوفِيقَ اللهِ لِلعَبدِ لا يَكُونُ مَعَ القُعُودِ وَالكَسَلِ وَالاستِسلامِ لِلأَوهَامِ ، وَلَكِنَّهُ مُرتَبِطٌ بِأَسبَابٍ مَن أَتَى بها وَحَقَّقَهَا هُدِيَ وَكُفِيَ ، وَمِن خَيرِ ذَلِكَ مَا صَرَّحَ بِهِ نَبيُّ اللهِ شُعَيبٌ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ حَيثُ قَالَ لِقَومِهِ كَمَا حَكَى اللهُ عَنهُ : " وَمَا تَوفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنِيبُ " إِنَّهُمَا أَمرَانِ عَظِيمَانِ يَحصُلُ بهما التَّوفِيقُ ، التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ ، وَالإِنَابَةُ إِلَيهِ ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ ـ تَعَالى ـ وَمَلأَ الإِخلاصُ لَهُ قَلبَهُ ، وَعَلِمَ ـ سُبحَانَهُ ـ مِنهُ صِدقَ نِيَّتِهِ ، وَأَكثَرَ مِن دُعَاءِ رَبِّهِ وَاللُّجُوءِ إِلَيهِ ، وَعَمِلَ بما عَلِمَ قَدرَ طَاقَتِهِ ، وَكَانَ رَجَّاعًا إِلى اللهِ غَيرَ مُصِرٍّ عَلَى خَطَئِهِ وَذَنبِهِ ، فَقَد أَخَذَ بِمَجَامِعِ الأَسبَابِ المُوصِلَةِ إِلى التَّوفِيقِ . إِنَّ مِنَ النَّاسِ اليَومَ مُعَلِّمِينَ وَطُلاَّبًا ، مَن بَعُدُوا عَن هَذِهِ الأَسبَابِ ، وَأَخَذَت بهم بُنَيَّاتُ الطَّرِيقِ عَنِ التَّحقِيقِ ، وَبَعُدُوا عَنِ الطَّرِيقِ المُستَقِيمِ ، وَمِن ثَمَّ لم يُوَفَّقُوا وَلم يُسَدَّدُوا ، وَلم يَنَالُوا في حَيَاتِهِم نَجَاحًا وَلا فَلاحًا ، فَمَعَ نَفَاسَةِ العِلمِ الَّذِي هُم بِصَدَدِ تَعَلُّمِهِ وَتَعلِيمِهِ وَالعَمَلِ بِهِ ، فَقَد خَالَفَ أَقوَامٌ الهَدَفَ الأَسمَى وَتَرَكُوا الغَايَةَ العُظمَى ، وَبَدَلاً مِن أَن يَتَعَلَّمُوا لِيَعمَلُوا وَيُعَلِّمُوا ، وَيَتَأَدَّبُوا في حَيَاتِهِم وَتَرقَى مُعَامَلاتُهُم ، وَيُؤَدِّبُوا غَيرَهُم وَيَكُونُوا قُدوةً لهم في الخَيرِ ، جَعَلُوا مِنَ العِلمِ سُلَّمًا لِنَيلِ مَآرِبَ دُنيَوِيَّةٍ دَنِيئَةٍ ، وَقَصَدُوا بِهِ نَيلَ أَعلَى الشَّهَادَاتِ وَأَفخَمِ الأَوسِمَةِ ، وَتَحصِيلَ الوَظَائِفِ وَالتَّوَشُّحَ بِالجَاهِ عِندَ النَّاسِ ، فَسَقَطُوا لِذَلِكَ وَلم يَرتَفِعُوا ، وَآخَرُونَ لم يُقَرِّبْهُم عِلمُهُم مِنَ اللهِ ، بَل مَا زَالُوا إِلى إِطفَاءِ نُورِهِ بِالمَعَصِيَةِ سَاعِينَ ، وَصَدَقَ الشَّاعِرُ حَيثُ قَالَ : وَلم أَقضِ حَقَّ العِلمِ إِنْ كَانَ كُلَّمَا *** طَمَعٌ صَيَّرتُهُ لِيَ سُلَّمَا وَلم أَبتَذِلْ في خِدمَةِ العِلمِ مُهجَتي *** لأَخدِمَ مَن لاقَيتُ لَكِنْ لأُخدَمَا أَأَشقَى بِهِ غَرسًا وَأَجنِيهِ ذِلَّةً *** إِذًا فَاتِّبَاعُ الجَهلِ قَد كَانَ أَحزَمَا وَلَو أَنَّ أَهلَ العِلمِ صَانُوهُ صَانَهُم *** وَلَو عَظَّمُوهُ في النُّفُوسِ لِعُظِّمَا وَلَكِنْ أَذَّلُوهُ فَهَانَ وَدَنَّسُوا *** مُحَيَّاهُ بِالأَطمَاعِ حَتى تَجَهَّمَا وَمَا كَانَ أَعقَلَ الشَّافِعِيَّ إِذَ يَقُولُ : شَكُوتُ إِلى وَكِيعٍ سُوءَ حِفظِي *** فَأَرشَدَني إِلى تَركِ المَعَاصِي وَقَالَ اعلَمْ بِأَنَّ العِلمَ نُورٌ *** وَنُورُ اللهِ لا يُؤتَاهُ عَاصِي وَقَد جَاءَ في ذِكرِ أَوَّلِ النَّاسِ يُقضَى لهم يَومَ القِيَامَةِ " وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ وَعَلَّمَهُ ، وَقَرَأَ القُرآنَ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلتَ فِيهَا ؟ قَالَ : تَعَلَّمتُ العِلمَ وَعَلَّمتُهُ ، وَقَرَأتُ فِيكَ القُرآنَ ، قَالَ : كَذَبتَ ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمتَ العِلمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ ، وَقَرَأتَ القُرآنَ لِيُقَالَ قَارِئٌ ، فَقَد قِيلَ ، ثم أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ حَتى أُلقِيَ في النَّارِ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا تَعَلَّمُوا العِلمَ لِتُبَاهُوا بِهِ العُلَمَاءَ ، أَو لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ ، أَو لِتَصرِفُوا بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيكُم ، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ في النَّارِ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . أَلا فَلْيَتَّقِ اللهَ أَهلَ العِلمِ مُعَلِّمِينَ وَطُلاَّبًا ، وَلْيَطلُبُوهُ لِوَجهِ اللهِ ، وَلْيَكُنِ المُعَلِّمُونَ قُدوَةً لِطُلاَّبِهِم في تَطبِيقِ مَا يَقُولُونَ ، وَلْيُروهُم مِن أَنفُسِهِم صُورَةً صَادِقَةً لما يَجِبُ أَن يَكُونَ عَلَيهِ صَاحِبُ العِلمِ ، مِن إِتبَاعِ القَولِ بِالعَمَلِ ، وَالرُّقِيِّ في الأَخذِ وَالعَطَاءِ ، وَاللِّينِ في التَّعَامُلِ وَالبُعدِ عَنِ الجَفَاءِ ، وَالصَّبرِ عَلَى الشَّدَائِدِ وَالَّلأوَاءِ ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِن أَن يَكُونَ العِلمُ في جَانِبٍ وَالعَمَلُ في جَانِبٍ ، فَإِنَّ هَذَا مِن أَشَدِّ المَقتِ لِلنَّفُوسِ وَتَضيِيعِ طَرِيقِ التَّوفِيقِ ، وَهُوَ في الوَقتِ نَفسِهِ سَفَهٌ في الرَّأيِ وَضَعفٌ في العَقلِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفعَلُونَ . كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفعَلُونَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ عَن بَني إِسرَائِيلَ : " أَتَأمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَونَ أَنفُسَكُم وَأَنتُم تَتلُونَ الكِتَابَ أَفَلا تَعقِلُونَ " وَقَالَ بَعضُهُم : تَلُومُ المَرءَ عَلَى فِعلِهِ *** وَأَنتَ مَنسُوبٌ إِلى مِثلِهِ مَن ذَمَّ شَيئًا وَأَتَى مِثلَهُ *** فَإِنَّمَا يُزرِي عَلَى عَقلِهِ إِنَّهَا لَخَسَارَةٌ عَلَى المُعَلِّمِ أَوِ المُتَعَلِّمِ أَن يَكُونَ حَسَنَ القَولِ سَيِّئَ الفِعلِ ، كَبِيرًا في شَهَادَتِهِ صَغِيرًا في عِبَادَتِهِ ، يَصِفُ لِلآخَرِينَ الدَّوَاءَ وَهُوَ وَاقِعٌ في الدَّاءِ ، وَصَدَقَ القَائِلُ : يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ *** هَلاَّ لِنَفسِكَ كَانَ ذَا التَّعلِيمُ تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السَّقَامِ وَذِي الضَّنى *** كَيمَا يَصِحُّ بِهِ وَأَنتَ سَقِيمُ وَنَرَاكَ تُصلِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَا *** أَبَدًا وَأَنتَ مِنَ الرَّشَادِ عَدِيمُ فَابدَأْ بِنَفسِكَ فَانهَهَا عَن غَيِّهَا *** فَإِذَا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكِيمُ فَهُنَاكَ يُقبَلُ مَا تَقُولُ وَيُهتَدَى *** بِالقَولِ مِنكَ وَيَنفَعُ التَّعلِيمُ لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ *** عَارٌ عَلَيكَ إِذَا فَعَلتَ عَظِيمُ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن عِلمٍ لا يَنفَعُ ، وَقَلبٍ لا يَخشَعُ ، وَنَفسٍ لا تَشبَعُ ، وَدُعَاءٍ لا يُسمَعُ . الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ كَمَا لا تَنفَعُ الأَموَالُ إِلاَّ بِإِنفَاقِهَا ، فَإِنَّ العُلُومَ لا تَنفَعُ إِلاَّ مَن عَمِلَ بها وَرَاعَى وَاجِبَاتِهَا وَمُقتَضَيَاتِه َا ، وَقَد جَاءَ عَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ بَإِسنَادٍ لا بَأسَ بِهِ أَنَّهُ قَالَ : " مَثَلُ عِلمٍ لا يُعمَلُ بِهِ كَمَثَلِ كَنزٍ لا يُنفَقُ مِنهُ في سَبِيلِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَإِنَّ كُلَّ صَاحِبِ عِلمٍ مَسؤُولٌ عَنهُ يَومَ القِيَامَةِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا تَزُولُ قَدَمَا عَبدٍ حَتى يُسأَلَ عَن أَربَعٍ : عَن عُمُرِهِ فِيمَ أَفنَاهُ ؟ وَعَن عِلمِهِ مَا فَعَلَ فِيهِ ؟ وَعَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ ؟ وَعَن جِسمِهِ فِيمَ أَبلاهُ ؟ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . إِنَّنَا في زَمَنٍ لا نَشكُو قِلَّةً في العِلمِ وَلا غِيَابًا لِلعُلَمَاءِ ، وَلا ضَعفًا في الثَّقَافَةِ وَلا نُدرَةً في مَصَادِرِ المَعرِفَةِ ، وَإِنَّمَا شَكوَانَا وَبَلوَانَا ، وَالَّتي أُتِينَا مِن قِبَلِهَا وَقَلَّ صَلاحُنَا ، إِنَّمَا هِيَ في مُخَالَفَةِ العَمَلِ لِلقَولِ ، وَقِلَّةِ القُدوَةِ الحَسَنَةِ ، وَصَدَقَ مَن قَالَ : لم نُؤتَ مِن جَهلٍ وَلَكِنَّنَا *** نَستُرُ وَجهَ العِلمِ بِالجَهلِ نَكرَهُ أَن نَلحَنَ في قَولِنَا *** وَلا نُبَالي اللَّحنَ في الفِعلِ وَمَا أَصدَقَ مَا قَرَّرَهُ بَعضُ الحُكَمَاءِ حَيثُ قَالَ : لَن يَبلُغَ أَلفُ رَجُلٍ في إِصلاحِ رَجُلٍ وَاحِدٍ بِحُسنِ القَولِ دُونَ حُسنِ الفِعلِ ، مَا يَبلُغُ رَجُلٌ وَاحِدٌ في إِصلاحِ أَلفِ رَجُلٍ بِحُسنِ الفِعلِ دُونَ القَولِ ... أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَاحرِصُوا عَلَى العَمَلِ بما تَعلَمُونَ ، وَحَذَارِ حَذَارِ مِن ظُلمِ النُّفُوسِ بِتَحمِيلِهَا عِلمًا لا تَعمَلُ بِهِ ، فَإِنَّ اللهَ قَد ذَمَّ بهذا اليَهُودَ وَشَبَّهَهُم بِأَغبى الحَيَوانِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّورَاةَ ثُمَّ لم يَحمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحمِلُ أَسفَارًا بِئسَ مَثَلُ القَومِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهدِي القَومَ الظَّالمِينَ " |
| الساعة الآن 08:27 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
-
arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By
Almuhajir
... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...
.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..