![]() |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري يوم عظيم من أيام الله 7 / 1 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، للهِ ـ تَعَالى ـ أَيَّامٌ مُبَارَكَةٌ ، يَنصُرُ فِيهَا أَولِيَاءَهُ وَيُنَجِّيهِم ، وَيَكبِتُ أَعدَاءَهُ وَيُرغِمُهُم ; وَيَومَئِذٍ يَفرَحُ المُؤمِنُونَ . بِنَصرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ . وَعدَ اللهِ لا يُخلِفُ اللهُ وَعدَهُ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمُونَ ; أَلا وَإِنَّ مِن أَيَّامِ اللهِ المَشهُودَةِ ، يَومَ العَاشِرِ مِن شَهرِ اللهِ المُحَرَّمِ ، الَّذِي سَيَحِلُّ بَعدَ أَيَّامٍ عَلَى المُسلِمِينَ زَائِرًا خَفِيفًا ظِلُّهُ غَزِيرًا فَضلُهُ ، فَيَصُومُونَهُ كَمَا هِيَ سُنَّةُ مَن قَبلَهُم مِنَ المُؤمِنِينَ الشَّاكِرِينَ ، فَلا يَنصَرِفُ إِلاَّ وَقَد وُضِعَت عَنهُم بِفَضلِ اللهِ أَوزَارُ عَامٍ كَامِلٍ ، وَمُحِيَت ذُنُوبُ سَنَةٍ مَاضِيَةٍ ، فَيَدخُلُونَ بِذَلِكَ سَنَةً جَدِيدَةً وَهُم مُخِفُّونَ مِمَّا يُنقِضُ ظُّهُورَهُم . أَخرَجَ الإِمَامَانِ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ أَنَّهُ سُئِلَ عَن صِيَامِ يَومِ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ : ; مَا عَلِمتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ صَامَ يَومًا يَطلُبُ فَضلَهُ عَلَى الأَيَّامِ إِلاَّ هَذَا اليَومَ ، وَلا شَهرًا إِلاَّ هَذَا الشَّهرَ ، يَعني رَمَضَانَ وَعَن أَبي قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ سُئِلَ عَن صِيَامِ يَومِ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ : ; يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ ; رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ ، وَفي رِوَايَةٍ لِلتِّرمِذِيِّ وَصَحَّحَهَا الأَلبَانيُّ : وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ إِنِّي أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبلَهُ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ يَومَ عَاشُورَاءَ الَّذِي هُوَ مِن أَيَّامِ اللهِ ، وَالَّذِي صَامَهُ مُوسَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ شُكرًا للهِ وَاعتِرَافًا بِفَضلِهِ ، وَصَامَهُ نَبِيُّنَا محمَّدٌ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ كَذَلِكَ ، إِنَّهُ لَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ المُسلِمِينَ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ، وَإِنْ تَبَاعَدَت أَزمَانُهُم أَو تَفَرَّقَت دِيَارُهُم وَتَنَاءَت أَوطَانُهُم ، إِلاَّ أَنَّهُم يَرتَبِطُونَ بِبَعضِهِم بِرِبَاطِ العَقِيدَةِ الوَثِيقِ ، وَبَينَهُم مِنَ الأُخُوَّةِ في اللهِ حَبلٌ مَتِينٌ ، وَكُلُّ انتِصَارٍ لأَهلِ الإِيمَانِ في عَصرٍ مِنَ العُصُورِ فَهُوَ انتِصَارٌ لِمَن بَعدَهُم مِنَ المُؤمِنِينَ ، وَكَمَا تَجَاوَزَ قَومُ مُوسَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ المِحنَةَ بِالإِيمَانِ وَالتَّقوَى ، وَكَمَا انتَصَرُوا عَلَى عَدُوِّهِم بِصَبرِهِم وَتَوَكُّلِهِم عَلَى اللهِ وَاستِعَانَتِهِ م بِهِ ، وَكَمَا رُفِعَ أُولَئِكَ المُستَضعَفُونَ عَلَى مَن قَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعلَى ، فَإِنَّ المُسلِمِينَ في كُلِّ عَصرٍ وَمِصرٍ ، وَمَهمَا مَرَّ بهم مِن مِحَنٍ أَو فِتَنٍ ، فَإِنَّهُم لا بُدَّ أَن يَتَجَاوَزُوا ذَلِكَ يَومًا مَا ، وَأَن يَنتَصِرُوا عَلَى الطُّغَاةِ بِإِيمَانِهِم وَتَقوَاهُم ، وَأَن يَدحَرُوا المُتَجَبِّرِين َ بِصَبرِهِم وَتَوَكُّلِهِم وَاستِعَانَتِهِ م بِرَبِّهِم . فَمَا عَلَيهِم وَلا سِيَّمَا في مِثلِ هَذِهِ العُصُورِ الَّتي استَضعَفَهُم فِيهَا الطُّغَاةُ كَمَا استَضعَفَ فِرعَونُ قَومَ مُوسَى ، إِلاَّ أَن يَرجِعُوا إِلى رَبِّهِم وَيَعُودُوا إِلَيهِ وَيَلُوذُوا بِحِمَاهُ ، وَيَتَمَسَّكُوا بِسُنَّةِ نَبِيِّهِم ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَيَعَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَأَن يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم لَعَلَّ اللهَ أَن يُغَيِّرَ مَا بهم ، فَإِنَّ نُورَ اللهِ تَامٌّ مَهمَا حَاوَلَ المُجرِمُونَ أَن يُطفِئُوهُ ، وَالحَقَّ ظَاهِرٌ مَهمَا حَاوَلَ الطُّغَاةُ أَن يَطمِسُوا مَعالِمَهُ أَو يُخفُوهُ ، وَالأَرضُ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ ، وَالقُلُوبُ بِيَدِهِ يُصَرِّفُهَا كَيفَ يَشَاءُ ، وَكَمَا انقَلَبَ السَّحَرَةُ فَجأَةً عَلَى فِرعَونَ وَاستَهَانُوا بِوَعِيدِهِ حِينَ أَبصَرُوا دَلائِلَ الحَقِّ وَذَاقُوا طَعمَ الإِيمَانِ ، فَإِنَّ انقِلابَ الشُّعُوبِ في هَذَا العَصرِ عَلَى عَدَدٍ مِن رُؤَسَاءِ الضَّلالِ وَرَفضَهَا حُكَّامَ البَاطِلِ ، مُؤذِنٌ بِانتِصَارِ الحَقِّ وَظُهُورِ نُورِ الإِيمَانِ ، غَيرَ أَنَّ تَغَيُّرَ الظُّرُوفِ العَصِيبَةِ وَتَحَوُّلَ الأَحوَالِ الشَّدِيدَةِ وَانفِرَاجَ الكُرَبِ العَسِيرَةِ ، يَحتَاجُ إِلى صَبرٍ عَلَيهَا وَاستِعَانَةٍ بِاللهِ عَلَى تَجَاوُزِهَا ، مَعَ إِيمَانٍ بِاللهِ وَلُجُوءٍ إِلَيهِ وَاستِقَامَةٍ عَلَى طَاعَتِهِ . أَجَلْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ الصِّرَاعَ مَهمَا امتَدَّ أَجَلُهُ ، وَالفِتنَةَ مَهمَا استَحكَمَت حَلَقَاتُهَا ، وَلَيلَ الظُّلمِ مَهمَا احلَولَكَت ظُلُمَاتُهُ ، فَإِنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ ، وَاللهُ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ ، فَلْتَتَذَكَّرِ الأُمَّةُ وَصَايَا مُوسَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ لِقَومِهِ وَدَعوَتَهُ لِرَبِّهِ ; قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ استَعِينُوا بِاللهِ وَاصبِرُوا إِنَّ الأَرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ وَقَالَ مُوسَى يَا قَومِ إِن كُنتُم آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُسلِمِينَ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيتَ فِرعَونَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَموَالاً في الحَيَاةِ الدُّنيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطمِسْ عَلَى أَموَالِهِم وَاشدُدْ عَلَى قُلُوبِهِم فَلاَ يُؤمِنُوا حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ وَحَتى وَإِنْ تَقَلَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ أَوِ استَعبَدَ الطُّغَاةُ العِبَادَ ، فَمَا هُوَ إِلاَّ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ، ثم يَكُونُ الفَرَجُ لِلمُؤمِنِينَ وَيَحصُلُ لهم النَّصرُ المُبِينُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاعلَمُوا أَنَّهُ ـ سُبحَانَهُ ـ يُملِي لِلظَّالمِ حَتى إِذَا أَخَذَهُ لم يُفلِتْهُ ، وَكَمَا نَصَرَ مُوسَى وَقَومَهُ عَلَى فِرعَونَ وَقَومِهِ ، فَإِنَّهُ ـ تَعَالى ـ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ، وَكَمَا جَعَلَ يَومَ عَاشُورَاءَ يَومَ انتِصَارٍ لِلحَقِّ عَلَى البَاطِلِ وَعُلُوٍّ لِلخَيرِ عَلَى الشَّرِّ ، وَظُهُورٍ لِلإِيمَانِ عَلَى الكُفرِ ، فَإِنَّ لَهُ ـ تَعَالى ـ مِثلَهُ أَيَّامًا يَنصُرُ فِيهَا عِبَادَهُ مَتى مَا نَصَرُوهُ وَشَكَرُوهُ وَعَبَدُوهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ وَاتَّقَوهُ إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور . أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصرِهِم لَقَدِيرٌ . الَّذِينَ أُخرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَولا دَفعُ اللهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَهُدِّمَت صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ; الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ كَمَا أَمَرَكُم يُنجِزْ لَكُم مَا وَعَدَكُم ; وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، اِحمَدُوا اللهَ عَلَى أَن هَدَاكُم لِهَذَا الدِّينِ الحَقِّ ، وَأنِ اصطَفَاكُم وَجَعَلَكُم مِن أُمَّةِ سَيِّدِ الخَلقِ ، وَاقتَدُوا بِهِ كَمَا اقتَدَى هُوَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ بِأَخِيهِ مُوسَى فَصَامَ طَاعَةً للهِ وَشُكرًا لَهُ ، رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ وَاللَّفظُ لَهُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَدِمَ المَدِينَةَ فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا يَومَ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : ; مَا هَذَا اليَومُ الَّذِي تَصُومُونَهُ ؟ ; فَقَالُوا : هَذَا يَومٌ عَظِيمٌ أَنجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَومَهُ وَغَرَّقَ فِرعَونَ وَقَومَهُ ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكرًا فَنَحنُ نَصُومُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ :; فَنَحنُ أَحَقُّ وَأَولى بِمُوسَى مِنكُم فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ . وَقَد كَانَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَرِيصًا عَلَى مُخَالَفَةِ أَهلِ الكِتَابِ في كُلِّ أَمرٍ ، أَلا فَاقتَدُوا بِهِ في ذَلِكَ ، وَصُومُوا مَعَ عَاشُورَاءَ اليَومَ الَّذِي قَبلَهُ ، فَقَد رَوَى مُسلِمٌ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَومَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّهُ يَومٌ يُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : لَئِن بَقِيتُ إِلى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري شيئًا مما يحبه الله ليحبك الناس 14 / 1 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، ممَّا تَرغَبُهُ نَفسُ كُلِّ أَحَدٍ وَتَتَطَلَّعُ إِلَيهِ ، أَن يَكُونَ مَحبُوبًا لَدَى الآخَرِينَ مَأنُوسًا بِهِ ، غَيرَ مَكرُوهٍ وَلا مُجَانَبٍ وَلا مُستَوحَشٍ مِنهُ ، وَلا شَكَّ أَنَّ المَرءَ لا يُولَدُ مِن بَطنِ أُمِّهِ مَحبُوبًا أَو مَكرُوهًا ، وَلَكِنَّهُ بِنَفسِهِ إِمَّا أَن يُمَارِسَ أَفعَالاً مَحمُودَةً وَيَتَحَلَّى بِصِفَاتٍ طَيِّبَةٍ ، فَيَكُونَ قَرِيبًا مِنَ الآخَرِينَ وَيَدفَعَهُم إِلى حُبِّهِ وَالرَّغبَةِ فِيهِ ، وَإِمَّا أن يَرتَكِبَ أَفعَالاً قَبِيحَةً وَيَتَلَبَّسَ بِصِفَاتٍ مَمقُوتَةٍ فَيُصبِحَ بَعِيدًا عَنهُم وَيَضطَرَّهُم إِلى كُرهِهِ وَالنُّفُورِ مِنهُ . وَإِنَّهُ لا يَخفَى عَلَى عَاقِلٍ أَنَّ ثَمَّةَ صِفَاتٍ حَسَنَةً تُورِثُ مَحَبَّةَ النَّاسِ لِلمَرءِ ، مِنهَا صِفَاتٌ وَرَدَ في الشَّرعِ الحَثُّ عَلَيهَا وَمَدحُ أَهلِهَا ، وَالتَّحذِيرُ مِن أَضدَادِهَا وَذَمُّ مُرتَكِبِيهَا ، وَأُخرَى اتَّفَقَت عَلَى حُسنِهَا العُقُولُ وَتَوَارَثَتهَا الأَجيَالُ وَرَغِبَت فِيهَا المُجتَمَعَاتُ ، غَيرَ أَنَّ الفَارِقَ بَينَ إِنسَانٍ نَاجِحٍ في عِلاقَتِهِ بِالآخَرِينَ وَآخَرَ فَاشِلٍ في هَذَا المَجَالِ هُوَ التَّطبِيقُ ، إِذْ إِنَّ تَطبِيقَ امرِئٍ لِكُلِّ مَا يَعلَمُهُ مِن خَيرٍ يَجعَلُهُ خَيِّرًا مَحبُوبًا ، وَعَدَمَ تَطبِيقِ آخَرَ لِمَا يَعلَمُ وَإِصرَارَهُ عَلَى اتِّبَاعِ هَوَى نَفسِهِ وَسَيرَهُ على مَا يُملِيهِ عَلَيهِ شَيطَانُهُ ، يَجعَلُ مِنهُ شَيطَانًا مَرِيدًا وَشَبَحًا مَمقُوتًا ، لا يُحِبُّ النَّاسَ قُربَهُ وَلا يَأنَسُونَ بِمُجَالَسَتِهِ ، وَلا يُطِيقُونَ مُقَابَلَتَهُ وَلا يَرتَاحُونَ لِلتَّعَامُلِ مَعَهُ ، وَصَدَقَ اللهُ ـ تَعَالى ـ إِذْ قَالَ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفعَلُونَ . كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفعَلُونَ " وَمَتى مَقَتَ اللهُ العَبدَ وَأَبعَدَهُ وَأَبغَضَهُ ، فَلَن يَكُونَ في أَعيُنِ النَّاسِ كَبِيرًا وَهُوَ عِندَ اللهِ صَغِيرٌ حَقِيرٌ ، ذَلِكُم أَنَّ اللهُ ـ تَعَالى ـ هُوَ الَّذِي يُعطِي وَيَمنَعُ ، وَهُوَ الَّذِي يَخفِضُ وَيَرفَعُ ، وَهُوَ الَّذِي يَجعَلُ لِمَن يَشَاءُ مَحَبَّةً في قُلُوبِ عِبَادِهِ وَمَوَدَّةً في صُدُورِهِم ، وَيُبَغِّضُ إِلَيهِم مَن يَشَاءُ وَيُنَفِّرُهُم مِنهُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجعَلُ لَهُمُ الرَّحمَنُ وُدًّا " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبدًا دَعَا جِبرِيلَ فَقَالَ : إِني أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ . قَالَ : فَيُحِبُّهُ جِبرِيلُ ثم يُنَادِي في السَّمَاءِ فَيَقُولُ : إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ ، فَيُحِبُّهُ أَهلُ السَّمَاءِ ، ثم يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأَرضِ . وَإِذَا أَبغَضَ عَبدًا دَعَا جِبرِيلَ فَيَقُولُ : إِني أُبغِضُ فُلانًا فَأَبغِضْهُ . فَيُبغِضُهُ جِبرِيلُ ثم يُنَادِي في أَهلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللهَ يُبغِضُ فُلانًا فَأَبغِضُوهُ . قَالَ : فَيُبغِضُونَهُ . ثم يُوضَعُ لَهُ البَغَضَاءُ في الأَرضِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ عَلَى المُسلِمِ أَوَّلاً وَقَبلَ أَن يُفَكِّرَ في مَحَبَّةِ النَّاسِ لَهُ ، أَن يَتَحَبَّبَ إِلى رَبِّهِ ـ تَعَالى ـ بِطَاعَتِهِ وَحُسنِ عِبَادَتِهِ ، وَالإِخبَاتِ إِلَيهِ وَالانكِسَارِ بَينَ يَدَيهِ ، وَالعَمَلِ بِمَا يُحِبُّهُ ـ سُبحَانَهُ ـ وَتَركِ مَا يَكرَهُهُ وَيُبغِضُهُ ، ثُمَّ يَحرِصَ عَلَى الاتِّصَافِ بما أُدِّبَ بِهِ المُؤمِنُونَ مِن آدَابٍ تَضبِطُ تَعَامُلَهُم مَعَ بَعضِهِم ، مِنَ العَفوِ وَالتَّسَامُحِ ، وَالوَفَاءِ بِالعَهدِ وَالحَذَرِ مِنَ الخِيَانَةِ ، وَالرِّفقِ بِالنَّاسِ وَالإِحسَانِ إِلَيهِم وَالعَدلِ في الحُكمِ عَلَيهِم ، وَإِعطَائِهِم حُقُوقَهُم وَعَدَمِ الاعتِدَاءِ عَلَيهِم ، وَالتَّوَاضُعِ وَالانبِسَاطِ لهم وَالتَّبَسُّمِ في وُجُوهِهِم ، وَتَركِ التَّكَبُّرِ وَصِيَانَةِ اللِّسَانِ عَنِ الفُحشِ وَالسَّبِّ وَالتَّعيِيرِ ، وَالسَّمَاحَةِ في البَيعِ وَالشِّرَاءِ وَالأَخذِ وَالعَطَاءِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَاعفُ عَنهُم وَاصفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحسِنِينَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَإِنْ حَكَمتَ فَاحكُمْ بَينَهُم بِالقِسطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " بَلَى مَن أَوفى بِعَهدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعتَدِينَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ مُختَالاً فَخُورًا " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الخَائِنِينَ " وَقَالَ ـ عَزَّ مِن قَائِلٍ ـ : " إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ " وَلا تَبغِ الفَسَادَ في الأَرضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفسِدِينَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمشِ في الأَرضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ يُحِبُّ مَعَاليَ الأُمُورِ وَأَشرَافَهَا وَيَكرَهُ سَفسَافَهَا " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ وَيُعطِي عَلَى الرِّفقِ مَا لا يُعطِي عَلَى العُنفِ وَمَا لا يُعطِي عَلَى مَا سِوَاهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ اللهَ يُحِبُّ سَمحَ البَيعِ سَمحَ الشِّرَاءِ سَمحَ القَضَاءِ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : صَحِيحٌ لِغَيرِهِ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ العُقُوقَ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ فَاحِشٍ مُتَفَحِّشٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا تَسُبَّنَّ أَحدًا ، وَلا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعرُوفِ شَيئًا وَلَو أَن تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَأَنتَ مُنبَسِطٌ إِلَيهِ وَجهُكَ ، إِنَّ ذَلِكَ مِنَ المَعرُوفِ ، وَارفَعْ إِزَارَكَ إِلى نِصفِ السَّاقِ ، فَإِنْ أَبَيتَ فَإِلى الكَعبَينِ ، وَإِيَّاكَ وَإِسبَالَ الإِزَارِ فَإِنَّهُ مِنَ المَخِيلَةِ ، وَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المَخِيلَةِ ، وَإِنِ امرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بما يَعلَمُ فِيكَ فَلا تُعَيِّرْهُ بما تَعلَمُ فِيهِ فَإِنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَعَن أَبي ذَرِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ رَفَعَهُ إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " إِنَّ اللهَ يُحِبُّ ثَلاثَةً وَيُبغِضُ ثَلاثَةً " فَذَكَرَ الحَدِيثَ إِلى أَن قَالَ : قُلتُ : فَمَنِ الثَّلاثَةُ الَّذِينَ يُبغِضُهُم اللهُ ؟ قَالَ : " المُختَالُ الفَخُورُ ، وَأَنتُم تَجِدُونَهُ في كِتَابِ اللهِ المُنَزَّلُ " إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ وَالبَخِيلُ المَنَّانُ ، وَالتَّاجِرُ أَوِ البَائِعُ الحَلاَّفُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَالنَّسائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا شَيءٌ أَثقَلُ في مِيزَانِ المُؤمِنِ يَومَ القِيَامَةِ مِن خُلُقٍ حَسَنٍ ، فَإِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ يُبغِضُ الفَاحِشَ البَذِيَّ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ إِذَا أَنعَمَ عَلَى عَبدٍ نِعمَةً يُحِبُّ أَن يَرَى أَثَرَ النِّعمَةِ عَلَيهِ ، وَيَكرَهُ البُؤسَ وَالتَّبَاؤُسَ ، وَيُبغِضُ السَّائِلَ المُلحِفَ ، وَيُحِبُّ الحَيِيَّ العَفِيفَ المُتَعَفِّفَ " أَخرَجَهُ البَيهَقِيُّ في الشُّعَبِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَتَحَلَّوا بما يُحِبُّهُ وَاحذَرُوا مَا يُبغِضُهُ ، وَاجعَلُوا ذَلِكَ مَنهَجًا عَمَلِيًّا تَطبِيقِيًّا وَاقِعِيًّا ، ومُمَارَسَاتٍ فِعلِيَّةً ظَاهِرَةً ، تَحتَسِبُونَ الأَجرَ في الثَّبَاتِ عَلَيهَا وَإِنْ زَهِدَ فِيهَا مَن زَهِدَ أَو تَخَلَّى عَنهَا مَن تَخَلَّى ، وَاعلَمُوا أَنَّ الأُمَّةَ الآنَ لا تَعِيشُ أَزمَةً كَمِثلِ فَقدِ القُدُوَاتِ الصَّالِحِينَ . وَإِنَّهُ لَو تَحَدَّثَ النَّاسُ عَشَرَاتِ السِّنِينَ في مَعَاني الفَضَائِلِ وَوَسَائِلِهَا ، أَو وَضَعُوا في مَحَاسِنِ الأَخلاقِ مِئَاتِ الكُتُبِ ، أَو أَقَامُوا لِذَلِكَ عَشَرَاتِ الدَّورَاتِ ، ثُمَّ رَأَوا رَجُلاً فَاضِلاً بِأَصدَقِ مَعَاني الفَضِيلَةِ وَخَالَطُوهُ وَصَحِبُوهُ ، لَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَحدَهُ أَكبَرَ مِن كُلِّ فَائِدَةٍ في كِتَابٍ أَو نَصِيحَةٍ عَلَى مِنبَرٍ أَو تَطبِيقٍ في دَورَةٍ . فَلْنَتَّقِ اللهَ وَلْنَجعَلْ مِن أَوَامِرِ دِينِنَا الحَنِيفِ وَنَوَاهِيهِ ضَابِطًا لأَخلاقِنَا وَمِيزَانًا لِمُعَامَلاتِنَ ا ، وَلْنَكُنْ قُدوَةً حَسَنَةً لأَبنَائِنَا وَمَن حَولَنَا ، وَلْنُرَبِّ عَلَى الخَيرِ مَن بَعدَنَا ، فَإِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ يُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيرَ ، وَلْنُعَامِلِ النَّاسَ بِالحُسنى وَلْنَصبِرْ عَلَى أَذَاهُم وَإنْ أَخطَؤُوا ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ بَابٌ وَاسِعٌ مِن أَبوَابِ الجَنَّةِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنفِقُونَ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِمَّا يَجعَلُ بَعضَ النَّاسِ يُخفِقُ في عِلاقَاتِهِ مَعَ النَّاسِ ، فَيَعتَزِلُهُم وَيَبتَعِدُ عَن مُخَالَطَتِهِم ، كَونُهُ ذَا قَلبٍ رَقِيقٍ وَشُعُورٍ مُرهَفٍ وَطَبعٍ حَسَّاسٍ ، فَهُوَ لهذا لا يَصبِرُ عَلَى مَا قَد يَصدُرُ عَنهُم في حَقِّهِ ، وَلَو أَنَّهُ صَبَرَ قَلِيلاً وَقَوَّى قَلبَهُ ، لَعَلِمَ أَنَّهُ لا بُدَّ لِمُخَالِطِ النَّاسِ مِن نَوعٍ مِنَ الأَذَى ، وَأَنَّهُ لا بُدَّ مِن تَجَرُّعِ مَرَارَةِ الصَّبرِ وَتَعوِيدِ النَّفسِ التَّحَمُّلَ ، فَهَذَا هُوَ طَرِيقُ الخَيرِيَّةِ المَوصُوفِ بها المُؤمِنُ في قَولِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " المُؤمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصبِرُ عَلَى أَذَاهُم خَيرٌ مِنَ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصبِرُ عَلَى أَذَاهُم " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَإِنَّ المَرءَ حِينَ يَعتَزِلُ النَّاسَ ظَانًّا أَنَّهُ أَطهَرُ مِنهُم رُوحًا أَو أَطيَبُ قَلبًا ، أَو أَوسَعُ مِنهُم صَدرًا أَو أَرحَبُ نَفسًا ، أَو أَزكَى عَقلاً أَو أَنضَجُ تَفكِيرًا ، إِنَّهُ بِهَذَا لَن يَكُونَ قَد صَنَعَ في الحَيَاةِ شَيئًا كَبِيرًا ، لا وَاللهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ بِهَذَا قَدِ اختَارَ لِنَفسِهِ الهُرُوبَ مِنَ الوَاقِعِ وَالعَيشَ عَلَى هَامِشِ الحَيَاةِ ، في حِينِ أَنَّ العَظَمَةَ الحَقِيقِيَّةَ أَن يَفعَلَ كَمَا فَعَلَ نَبِيُّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ ، فَيُخَالِطَ النَّاسَ وَيُعَامِلَهُم بِأَخلاقِ العُظَمَاءِ ، فَيَعفُوَ عَن مُسِيئِهِم وَيُسَامِحَ مُتَجَاوِزَهُم ، وَيَعطِفَ عَلَى ضَعِيفِهِم وَيَجبُرَ مَكسُورَهُم ، وَيُكمِلَ نَقصَهُم وَيُصَوِّبَ خَطَأَهُم ، قَاصِدًا إِصلاحَهُم وَتَطهِيرَهُم وَتَعلِيمَهُمُ الخَيرَ ، جَاعِلاً نُصبَ عَينَيهِ رَفعَ مُستَوَاهُم إِلى كُلِّ خُلُقٍ سَامٍ وَتَحَلِّيهِم بِكُلِّ قِيمَةٍ عُليَا ، وَإِنَّ هَذَا النَّوعَ مِنَ التَّوَاصُلِ مَعَ النَّاسِ سَهلٌ وَمُتَيَسِّرٌ وَللهِ الحَمدُ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَبَسُّمٌ وَطَلاقَةُ وَجهٍ وَسَمَاحَةُ مُحَيَّا ، وَإِلقَاءُ سَلامٍ وَبَذلُ نَدًى وَتَعَامُلٌ بِإِرِيحِيَّةٍ وَمَوَدَّةٍ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " تَبَسُّمُكَ في وَجهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَعَنِ ابنِ مَسعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ عَنِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " أَلا أُخبِرُكُم بِمَن تَحرُمُ عَلَيهِ النَّارُ ؟ " قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ : " عَلَى كُلِّ هَينٍ لَينٍ قَرِيبٍ سَهلٍ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاحذَرُوا ممَّا بُلِيَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اليَومَ ، إِذْ جَمَعُوا إِلى عَدَمِ الاتِّصَافِ بِصِفَاتِ الخَيرِ ، مُطَالَبَتَهُمُ الآخَرِينَ أَن يَكُونُوا لَهُم كَمَا يُحِبُّونَ وَيَشتَهُونَ ، مُكثِرِينَ مِنِ انتِقَادِهِم وَلَومِهِم ، مُندَفِعَينَ في الاستِهزَاءِ بهم وَتَعيِيرِهِم ، نَاسِينَ أَو مُتَنَاسِينَ أَنَّ لِكُلِّ فَردٍ كِيَانًا مَستَقِلاًّ وَشَخصِيَّةً مُنفَرِدَةً ، لا يَجُوزُ المِسَاسُ بها وَلا الإِسَاءَةُ إِلَيهَا أَوِ انتِقَاصُهَا دُونَ سَبَبٍ وَجِيهٍ ، وَأَنَّ المَرءَ كَمَا يُدِينُ يُدَانُ ، وَأَنَّ مَن يَزرَعُ الخَيرَ يَحصُدُهُ ، وَمَن يَغرِسُ الشَّرَّ لا يَجني إِلاَّ أَمَرَّ الثِّمَارِ |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري كف ذي الجزالة عن مواقعة البطالة 21 / 1 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَمَن يَتِّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ لَنَا دِينًا عَظِيمًا وَمَنهَجًا كَرِيمًا ، جَاءَ بِحَمدِ اللهِ كَامِلاً شَامِلاً ، جَامِعًا لأَمرَيِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، فَكَمَا أَنَّ فِيهِ البَلاغَ وَالنَّذَارَةَ وَتَذكِيرَ النَّاسِ بِمَصِيرِهِم وَمَعَادِهِم ، فَإِنَّ فِيهِ العِلاجَ لِكُلِّ مَا يُهِمُّهُم مِن أُمُورِ دُنيَاهُم وَمَعَاشِهِم . أَلا وَإِنَّ مِمَّا تَطَلَّعَت إِلَيهِ قُلُوبُ البَشَرِ وَشُغِلَت بِهِ عُقُولُهُم في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ، قَضِيَّةَ اكتِسَابِ المَالِ وَتَوفِيرِ المَعَاشِ وَالرِّيَاشِ ، وَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قَد تَكَفَّلَ لِلعَبدِ بِرِزقِهِ وَهُوَ في بَطنِ أُمِّهِ ، إِلاَّ أَنَّهُ ـ تَعَالى ـ جَعَلَ لِذَلِكَ أَسبَابًا تُبذَلُ وَوَسَائِلَ تُفعَلُ ، وَطُرُقًا يَسلُكُهَا العِبَادُ فَيَنَالُونَ عَلَى قَدرِ كَدِّهِم وَجُهدِهِم مَا تَقَرُّ بِهِ أَعيُنُهُم وَتَهنَأُ بِهِ نُفُوسُهُم ، وَتَقُومُ عَلَيهِ حَيَاتُهُم وَيَصلُحُ بِهِ شَأنُهُم . وَقَد كَانَ النَّاسُ يَعمَلُونَ وَيَكدَحُونُ ، فَيَتَّصِلُ لَيلُ أَحَدِهِم بِنَهَارِهِ وَقَد يَذهَبُ في طَلَبِ الرِّزقِ عُمُرُهُ ، يَسعَونَ في جَلبِ أَرزَاقِهِم يَمنَةً وَيَسرَةً وَيُسَافِرُونَ ، وَيُخَاطِرُونَ بِأَنفُسِهِم في القِفَارَ وَيُلقُونَ بِأَجسَادِهِم في البِحَارِ ، عَامِلِينَ في كُلِّ مَجَالٍ يَتَهَيَّأُ لهم مِن رَعيٍ أَو زِرَاعَةٍ أَو تِجَارَةٍ ، أَو صِنَاعَةٍ أَو مِهنَةٍ أَو حِرفَةٍ ، وَقَد لا يَنَالُ كَثِيرٌ مِنهُم مَعَ تَعَبِهِ شَيئًا فَوقَ قُوتِهِ وَقُوتِ أَبنَائِهِ وَمَن تَحتَ يَدِهِ ، غَيرَ أَنَّهُم كَانُوا عَلَى جَانِبٍ كَبِيرٍ مِنَ الرِّضَا وَالقَنَاعَةِ ، بَل كَانَ مِنهُم مَن يُؤثِرُ عَيشَ الكَفَافِ وَيَجِدُ فِيهِ رَاحَةَ نَفسِهِ وَقَرَارَ عَينِهِ ، حَتى جَاءَ هَذَا العَصرُ الَّذِي غَالِبُ مَا يَتَطَلَّعُ إِلَيهِ المَرءُ فِيهِ أَن تَكُونَ لَهُ وَظِيفَةٌ تُدِرُّ عَلَيهِ أَكبَرَ دَخلٍ شَهرِيٍّ ، يُوَفِّرُ بِهِ حَاجَاتِ حَيَاتِهِ المُتَزَايَدَةَ ، وَيُدَافِعُ بِهِ مَطَالِبَ نَفسِهِ المُتَشَعِّبَةَ ، وَلأَنَّ النَّاسَ في ازدِيَادٍ وَالوَظَائِفَ مَحدُودَةٌ ، وَلا يُمكِنُ أَن تَتَّسِعَ لهم جَمِيعًا ، فَقَد نَشَأَت بَينَهُم مُشكِلَةٌ اجتِمَاعِيَّةٌ اقتِصَادِيَّةٌ تُسَمَّى بِالبَطَالَةِ ، صَارَت تَتَّسِعُ يَومًا بَعدَ يَومٍ ، وَيَكثُرُ المُتَّصِفُونَ بها عَامًا بَعدَ عَامٍ ، حَتى غَدَت هَمًّا تَضِيقُ بِهِ صُدُورُ المَسؤُولِينَ في الحُكُومَاتِ ، وَثِقَلاً تُعَاني مِنهُ البُلدَانُ وَالمُجتَمَعَات ُ ، وَسَبَبًا رَئِيسًا لِعَدَدٍ مِنَ الأَمرَاضِ وَالمُشكِلاتِ ، وَخَطَرًا يُهَدِّدُ الأَمنَ وَالاستِقرَارَ وَيُضعِفُ التَّرَابُطَ الاجتِمَاعِيَّ ، وَيُصِيبُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِالإِحبَاطِ وَيَزرَعُ فِيهِم عَدَمَ الثِّقَةِ بِأَنفُسِهِم ، وَيُورِثُ بَعضَهُمُ الاكتِئَابَ وَالقَلَقَ وَالشُّعُورَ بِالفَشَلِ ، وَيُوجِدُ لَدَى آخَرِينَ شُعُورًا بِالكَرَاهِيَةِ وَالحَسَدِ وَالغَيرَةِ ، وَيُوقِعُ مَن يُوقِعُ في الجَرَائِمِ وَالمُحَرَّمَات ِ ، كَالسَّرِقَاتِ وَتَعَاطِي المُخَدِّرَاتِ . وَالحَقُّ أَنَّ الإِسلامَ قَد عَالَجَ هَذِهِ المُشكِلَةَ كَمَا عَالَجَ غَيرَهَا ، وَجَعَلَ لِلمُؤمِنِينَ مِنهَا مَخرَجًا قَبلَ وُقُوعِهَا وَبَعدَهُ ، ممَّا يَضمَنُ لَهُمُ العَيشَ في حَيَاةٍ هَانِئَةٍ هَادِئَةٍ ، تَكتَنِفُهَا القَنَاعَةُ وَيَعُمُّ أَهلَهَا الرِّضَا . مِن ذَلِكَ أَنَّ الإِسلامَ غَرَسَ في نُفُوسِ المُؤمِنِينَ التَّوَكُّلَ عَلَى اللهِ ـ سُبحَانَهُ ـ في طَلَبِ الرِّزقِ ، وَبَيَّنَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ ذَلِكَ بَيَانًا كَافِيًا شَافِيًا ، يَقطَعُ كُلَّ مَا في النُّفُوسِ مِن تَوَكُّلٍ عَلَى غَيرِ اللهِ أَوِ اتِّكَاءٍ عَلَى الأَسبَابِ وَحدَهَا ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لَو أَنَّكُم تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُم كَمَا يَرزُقُ الطَّيرَ ، تَغدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَكَيفَ يَثِقُ مُؤمِنٌ في غَيرِ رَبِّهِ وَهُوَ ـ سُبحَانَهُ ـ " الرَّزَاقُ ذُو القُوِّةِ المَتِينُ " ؟ وَكَيفَ يَخشَى الفَقرَ وَهُوَ ـ تَعَالى ـ قَد ضَمِنَ لَهُ رِزقَهُ مَا دَامَ حَيًّا ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي : إِنَّ نَفسًا لا تَمُوتُ حَتى تَستَكمِلَ رِزقَهَا ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ ، وَلا يَحمِلَنَّكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ أَن تَطلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ ، فَإِنَّ اللهَ لا يُدرَكُ مَا عِندَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ " رَوَاهُ الحَاكِمُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي جَانِبٍ آخَرَ نَجِدُ الإِسلامَ يَحُثُّ عَلَى العَمَلِ وَالسَّعيِ وَالضَّربِ في الأَرضِ ، وَيَمدَحُ عَمَلَ المَرءِ بِيَدِهِ ، لِيَضمَنَ بِذَلِكَ رِزقَهُ وَيَستَغنيَ عَن غَيرِهِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا في الأَرضِ وَابتَغُوا مِن فَضلِ اللهِ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ ذَلُولاً فَامشُوا في مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِزقِهِ وَإِلَيهِ النُّشُورُ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيرًا مِن أَن يَأكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبيَّ اللهِ دَاوُدَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ كَانَ يَأكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ . وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ عَنِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم ـ قَالَ : " مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الغَنَمَ " فَقَالَ أَصحَابُهُ : وَأَنتَ ؟ فَقَالَ : " نَعَم ، كُنتُ أَرعَى عَلَى قَرَارِيطَ لأَهلِ مَكَّةَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لأَن يَأخُذَ أَحَدُكُم حَبلَهُ فَيَأتيَ الجَبَلَ فَيَجِيءَ بِحُزمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللهُ بها وَجهَهُ ، خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَسأَلَ النَّاسَ أَعطَوهُ أَو مَنَعُوهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ . وَعَنِ ابنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَيُّ الكَسبِ أَفضَلُ ؟ قَالَ : " عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلَّ بَيعٍ مَبرُورٍ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَمَعَ حِرصِ الإِسلامِ عَلَى أَن يَكُونَ المَرءُ مُستَغنِيًا بِنَفسِهِ قَائِمًا بِأَمرِهِ عَامِلاً بِيَدِهِ ، إِلاَّ أَنَّهُ أَجَازَ لَهُ التَّعَاوُنَ مَعَ الآخَرِينَ وَاقتِسَامَ الرِّزقِ بِالمُشَارَكَةِ ، فَعَنِ ابنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَامَلَ أَهلَ خَيبَرَ بِشَطرِ مَا يَخرُجُ مِنهَا مِن ثَمَرٍ أَو زَرعٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَفي جَانِبٍ آخَرَ لم يُغفِلِ الإِسلامُ مَا قَد يُصِيبُ الإِنسَانَ مِن عَجزٍ عَنِ الضَّربِ في الأَرضِ أَو ضَعفٍ عَنِ السَّعيِ في مَنَاكِبِهَا لِتَحصِيلِ الرِّزقِ ، وَحِينَئِذٍ جَعَلَ في الزَّكَاةِ حَقًّا لأَصنَافٍ عَجَزَت عَن تَحصِيلِ أَرزَاقِهَا بِأَنفُسِهَا ، وَأَوجَبَ عَلَى المُجتَمَعِ مُسَاعَدَةَ مَن وَقَفَت بِهِ السُّبُلُ حَتى يَجِدَ لَهُ سَبِيلاً لِلعَمَلِ ، وَجَعَلَ مِنِ اقتِحَامِ العَقَبَةِ فَكَّ الرَّقَبَةِ ، وَإِطعَامَ اليَتِيمِ ذَي المَقرَبَةِ وَالمِسكِينِ ذَي المَترَبَةِ ، رَوَى مُسلِمٌ عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ عَن رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ قَالَ : " مَن كَانَ مَعَهُ فَضلُ ظَهرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا ظَهرَ لَهُ , وَمَن كَانَ مَعَهُ فَضلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا زَادَ لَهُ " بَل لَقَد جَعَلَ الإِسلامُ مِنَ الإِيمَانِ إِطعَامَ الجَائِعِ وَسَدَّ حَاجَةِ المُحتَاجِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا آمَنَ بي مَن بَاتَ شَبعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلي جَنبِهِ وَهُوَ يَعلَمُ بِهِ " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَطعِمُوا الجَائِعَ وَفُكُّوا العَانيَ " أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ . وَمَعَ هَذَا فَلَم يَأذَنِ الإِسلامُ لِلمَرءِ أَن يَنَامَ أَو يَتَكَاسَلَ أَو يَتَوَاكَلَ ، أَو يَتَظَاهَرَ بِالعَجزِ أَو يُظهِرَ مِن نَفسِهِ عَدَمَ القُدرَةِ لِيَدفَعَ النَّاسَ لِلإِحسَانِ إِلَيهِ ، كَمَا كَرِهَ لَهُ الإِلحَافَ وَالإِلحَاحَ في المَسأَلَةِ ، وَحَذَّرَهُ مِن أَن يَستَمرِئَهَا بَعدَ انقِضَاءِ حَاجَتِهِ وَارتِفَاعِ ضَرُورَتِهِ ، وَقَدَ مَدَحَ ـ تَعَالى ـ المُهَاجِرِينَ بِأَنَّهُم " لا يَسأَلُونَ النَّاسَ إِلحَافًا " وَعَن عُبَيدِاللهِ بنِ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ قَالَ : أَخبَرَني رَجُلانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في حَجَّةِ الوَدَاعِ وَهُوَ يَقسِمُ الصَّدَقَةَ فَسَأَلاهُ مِنهَا ، فَرَفَعَ فِينَا البَصَرَ وَخَفَضَهُ فَرَآنَا جَلْدَينِ فَقَالَ : " إِنْ شِئتُمَا أَعطَيتُكُمَا ، وَلا حَظَّ فِيهَا لِغَنيٍّ وَلا لِقَوِيٍّ مُكتَسِبٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنيٍّ وَلا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ المَسأَلَةَ لا تَحِلُّ إِلاَّ لأَحَدِ ثَلاثَةٍ : رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَتَحِلُّ لَهُ المَسأَلَةُ حَتى يُصِيبَهَا ثم يُمسِكُ ، وَرَجُلٌ أَصَابَتهُ جَائِحَةٌ اجتَاحَت مَالَهُ فَحَلَّت لَهُ المَسأَلَةُ حتى يُصِيبَ قِوَامًا مِن عَيشٍ ، وَرَجًلٌ أَصَابَتهُ فَاقَةٌ حَتى يَقُولَ ثَلاثَةٌ مِن ذَوِي الحِجَا مِن قَومِهِ : لَقَد أَصَابَ فُلانًا فَاقَةٌ ، فَحَلَّت لَهُ المَسأَلَةُ حَتى يُصِيبَ قِوَامًا مِن عَيشٍ ثم يُمسِكُ ، فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ المَسأَلَةِ فَسُحتٌ يَأكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحتًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . بِهَذِهِ الأُمُورِ وَأَمثَالِهَا مِنَ المَبَادِئِ العَظِيمَةِ وَالأَحكَامِ الحَكِيمَةِ عَالَجَ الإِسلامُ البَطَالَةَ وَدَفَعَهَا ، وَلَو أَنَّ المُسلِمِينَ وَعَوا أَوَامِرَ دِينِهِم وَفَقِهُوا أَحكَامَهُ وَعَمِلُوا بِتَوجِيهَاتِهِ ، لأَكَلُوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَتَوَكَّلُوا عَلَيهِ " وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ العَاقِلَ المُتَأَمِّلَ يَرَى أَنَّ عَدَدًا ممَّن وَقَعُوا في شَرَكِ البَطَالَةِ وَخَاصَّةً في مُجتَمَعٍ كَمُجتَمَعِنَا ، لم يَقَعُوا فِيهِ عَن قِلَّةِ الأَعمَالِ أَو ضَعفِ الفُرَصِ كَمَا في بُلدَانٍ أُخرَى بُلِيَت بِالفَقرِ وَضَعفِ المَوَارِدِ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ في البَطَالَةِ في الغَالِبِ مَن وَقَعَ ، إِمَّا مِن زُهدٍ في العَمَلِ بِيَدِهِ وَإِيثَارًا مِنهُ لِلكَسَلِ وَرَاحَةِ البَدَنِ ، أَو تَرَفُّعًا عَنِ اكتِسَابِ رِزقِهِ بِطَرِيقٍ حَلالٍ غَيرِ الوَظِيفَةِ الرَّسمِيَّةِ ، أَوِ انتِظَارًا لِمَا تُقَدِّمُهُ الدَّولَةُ ـ وَفَّقَهَا اللهُ ـ مِن بَرَامِجَ أَو قُرُوضٍ أَو إِعَانَاتٍ ، فِيمَا يُسَمَّى بِالضَّمَانِ الاجتِمَاعِيِّ أَو (حَافِزٍ) أو غَيرِهِمَا ، أَوِ استِظلالاً بِظِلِّ الجَمعِيَّاتِ الخَيرِيَّةِ وَمَا يُقَدِّمُهُ المُحسِنُونَ مِن زَكَوَاتٍ وَصَدَقَاتٍ وَهِبَاتٍ . وَلِهَؤُلاءِ يُقَالُ : إِنَّ العَمَلَ بِاليَدِ وَالتَّعَبَ وَالنَّصَبَ لِتَحصِيلِ الرِّزقِ عِبَادَةٌ يُؤجَرُ عَلَيهَا صَاحِبُهَا ، وَهُوَ في الوَقتِ ذَاتِهِ شَرَفُ نَفسٍ وَرِفعَةُ رَأسٍ وَحِمَايَةٌ لِلعِرضِ ، عَن كَعبِ بنِ عُجرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : مَرَّ عَلَى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَرَأَى أَصحَابُ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مِن جَلَدِهِ وَنَشَاطِهِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ، لَو كَانَ هَذَا في سَبِيلِ اللهِ ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ في سَبِيلِ اللهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسعَى عَلَى أَبَوَينِ شَيخَينِ كَبِيرَينِ فَهُوَ في سَبِيلِ اللهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسعَى عَلَى نَفسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ في سَبِيلِ اللهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسعَى رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ في سَبِيلِ الشَّيطَانِ " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَإِنَّهُ مَتى حَصَّلَ المَرءُ لُقمَةً يَأكُلُهَا وَمَسكَنًا يُؤوِيهِ في أَمنٍ وَعَافِيَةٍ ، فَهُوَ وَأَصحَابُ الأَموَالِ الطَّائِلَةِ سَوَاءٌ ، وَقَد عَاشَ خَيرُ البَشَرِ محمدٌ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ في حُجُرَاتِهِ عِيشَةَ الفُقرَاءِ مُؤثِرًا الدَّارَ الآخِرَةَ عَلَى الدُّنيَا الفَانِيَةِ ، وَهُوَ الَّذِي لَو شَاءَ لأَجرَى اللهُ مَعَهُ جِبَالَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن أَصبَحَ مِنكُم آمِنًا في سِربِهِ ، مُعُافى في جَسَدِهِ ، عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَت لَهُ الدُّنيَا بِحَذَافِيرِهَا " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : حَسَنٌ لِغَيرِهِ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لَيسَ الغِنى عَن كَثرَةِ العَرَضِ ، وَلَكِنَّ الغِنى غِنى النَّفسِ " أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ وَغَيرُهُمَا . وَإِنَّهُ لَوِ اقتَصَرَ كُلٌّ عَلَى مَا يَقُومُ بِهِ أَمرُهُ وَقَنِعَ بِهِ ، لَعَاشَ النَّاسُ في سَعَادَةٍ ، وَلَوَجَدُوا مِنَ الأَعمَالِ مَا يَسُدُّ حَاجَاتِهِم وَيُبَلِّغُهُم غَايَاتِهِم ، أَلا فَمَا أَجمَلَهُ بِالمُجتَمَعِ المُسلِمِ أَن يَكُونَ أَفرَادُهُ مُتَحَلِّينَ بِالقَنَاعَةِ مُلتَزِمِينَ طَرِيقَهَا مُتَمَسِّكِينَ بها ، فَإِنَّهَا العِلاجُ لِكَثِيرٍ ممَّا بُلُوا بِهِ مِنِ انتِشَارِ الضَّغَائِنِ وَالأَحقَادِ بَينَهُم ، وَهِيَ السَّبِيلُ لاستِجلابِ الأُلفَةِ وَالمَوَدَّةِ في نُفُوسِهِم ، وَقَطعِ أَسبَابِ الخِلافِ وَالشِّقَاقِ الَّذِي جَلَبَتهُ لهم مَحَبَّةُ الدُّنيَا وَالتَّنَافُسُ عَلَيهَا وَإِيثَارُهَا ، وَصَدَقَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِذْ قَالَ : " أَبشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُم ؛ فَوَاللهِ مَا الفَقرَ أَخشَى عَلَيكُم ، وَلَكِنْ أَخشَى أَن تُبسَطَ الدُّنيَا عَلَيكُم كَمَا بُسِطَت عَلَى مَن كَانَ قَبلَكُم فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهلِكَكُم كَمَا أَهلَكَتهُم " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري العداء الرافضي والصمت السني 5 / 2 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولي الأَلبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَد أَنزَلَ اللهُ إِلَيكُم ذِكرًا . رَسُولاً يَتلُو عَلَيكُم آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ وَمَن يُؤمِنْ بِاللهِ وَيَعمَلْ صَالِحًا يُدخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَد أَحسَنَ اللهُ لَهُ رِزقًا " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَن مِنَّا لم تَطرُقْ مِسمَعَيهِ في كُلِّ يَومٍ وَعَلَى مَدَى تِسعَةِ أَشهُرٍ أَو تَزِيدُ ، أَنبَاءُ مُوجِعَةٌ عَمَّا يَحدُثُ لإِخوَانِنَا مِن أَهلِ السُّنَّةِ في الشَّامِ ، عَلَى أَيدِي قُوَّاتِ الشِّرذِمَةِ النُّصَيرِيَّةِ الظَّالِمَةِ الغَاشِمَةِ ؟! إِنَّهُ لا يَكَادُ يَمضِي يَومٌ وَلا تُلقَى نَشرَةُ أَخبَارٍ ، إِلاَّ وَتَمَرُّ بِالعَينِ مَنَاظِرُ مُؤلِمَةٌ ممَّا تَشهَدُهُ مُدُنُ ذَاكَ القُطرِ الشَّامِيِّ ، مِنِ اعتِدَاءَاتٍ بِالدَّبَّابَات ِ وَالآلِيَّاتِ ، وَصُوَرٌ ممَّا يُصَابُ بِهِ ذَاكَ الشَّعبُ الأَعزَلُ الَّذِي لا يَملِكُ كَثِيرٌ مِنهُم وَلَو بُندُقِيَّةً يُدَافِعُ بها عَن نَفسِهِ أَو يَحمِي عِرضَهُ أَو يَذُودُ عَن مَالِهِ . وَبَدَلاً مِن أَن تَكُونَ الأَسلِحَةُ الَّتي تَملِكُهَا تِلكَ الشِّرذِمَةُ الطَّاغِيَةُ البَاغِيَةُ دِرعًا وَاقِيًا لِلشَّعبِ مِن هَجَمَاتِ العَدُوِّ الخَارِجِيِّ ، صَارَت أَدَوَاتٍ لِقَمعِ الشَّعبِ وَإِسكَاتِهِ ، وَوَسَائِلَ لِقَهرِهِ وَإِذلالِهِ ، لِيَتَبَيَّنَ بِجَلاءٍ لِلمُسلِمِينَ مِن أَهلِ السُّنَّةِ في كُلِّ مَكَانٍ ، أَنَّ العِدَاءَ الرَّافِضِيَّ مَا زَالَ وَلَن يَزَالَ قَائِمًا ، يُغَذِّيهِ بُغضٌ فَارِسِيٌّ قَدِيمٌ لِكُلِّ مَا هُوَ عَرَبيٌّ حَتى وَلَو كَانَ الإِسلامَ وَالقُرآنَ ، وَيَدفَعُهُ حِقدٌ مَجُوسِيٌّ دَفِينٌ تُجَاهَ السُّنَّةِ وَأَهلِهَا ، حِقدٌ وَبُغضٌ مُتَمَكِّنَانِ ، لم تَكَدْ تُوجَدُ لهما فُرصَةٌ حَتى أُطلِقَا وَخَرَجَا ، لِتُزهَقَ أَروَاحُ أُنَاسٍ أَبرِيَاءَ لا يُطَالِبُونَ بِغَيرِ الحَيَاةِ الكَرِيمَةِ وَالعِيشَةِ المُستَقِيمَةِ . إِنَّ تِلكَ العَدَاوَةَ المُتَأَصِّلَةَ في قُلُوبِ الرَّافِضَةِ لِلسُّنَّةِ ، لَن تَضعُفَ نَارُهَا أَو يَخبُوَ أُوَارُهَا ، حَتى وَلَوِ ابتَعَدَ أَهلُ السُّنَّةِ عَنِ السُّنَّةِ مَا ابتَعَدُوا ، أَو حَاوَلُوا التَّعَايُشَ مَعَ أُولَئِكَ الأَنجَاسِ بِتَميِيعِ عَقِيدَةِ الوَلاءِ وَالبَرَاءِ ، نَعَم ، إِنَّ ذَلِكَ لَن يَشفَعَ لأَهلِ السُّنَّةِ إِذَا جَدَّ الجِدُّ وَحَانَتِ الفُرصَةُ لِلمُفَاصَلَةِ وَالمُنَاجَزَةِ ، وَلَن يَكُونَ حَائِلاً بَينَ أُولَئِكَ الأَنجَاسِ وَبَينَ التَّشَفِّي مِن أَهلِ السُّنَّةِ بِكُلِّ مَا يَستَطِيعُونَهُ مِن حَربٍ وَضربٍ أَو قَتلٍ وَتَشرِيدٍ ، أَو حِصَارٍ وَتَضيِيقٍ أَو تَجوِيعٍ وَتَهدِيدٍ . عِبَادَ اللهِ ، لَئِن صَعُبَ عَلَينَا الدِّفَاعُ عَن إِخوَانِنَا مِن أَهلِ السُّنَّةِ بِالنُّفُوسِ ، أَو حِيلَ بَينَنَا وَبَينَ دَعمِهِم بِالأَموَالِ وَالسِّلاحِ ، فَإِنَّ ثَمَّةَ بَابًا لا عُذرَ لِمُؤمِنٍ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ أَن يَتَرَاخَى دُونَ قَصدِهِ أَو يَتَأَخَّرَ عَن دُخُولِهِ ؛ لِيَقِفَ مَعَ إِخوَانِهِ وَيَدعَمَهُم وَيَشُدَّ مِن أَزرِهِم ، إِنَّهُ بَابُ الدُّعَاءِ وَاللُّجُوءِ إِلى مَن بِيَدِهِ مَفَاتِحُ الغَيبِ وَلَهُ الأَمرُ مِن قَبلُ وَمِن بَعدُ ، نَعَم ، إِنَّهُ البَابُ المَفتُوحُ لَيلاً وَنَهَارًا ، وَالمَقدُورُ عَلَيهِ سِرًّا وَجَهَارًا ، وَالمَمنُوحُ لِلمُؤمِنِينَ كِبَارًا وَصِغَارًا . وَهَل يَشُكُّ مَن لَهُ أَدنى عِلمٍ أَنَّ إِخوَانَنَا في الشَّامِ الآنَ في نَازِلَةٍ بَل في ضَائِقَةٍ ؟ لا أَظُنُّ أَحَدًا يَشُكُّ في ذَلِكَ أَو يَتَرَدَّدُ ، أَلا فَأَينَ الدُّعَاءُ لهم وَالقُنُوتُ في الخَلَوَاتِ وَالجَلَوَاتِ ؟ هَل مَاتَتِ القُلُوبُ وَتَبَلَّدَ الشُّعُورُ وَفُقِدَ الإِحسَاسُ ؟ هَلِ انقَطَعَت رَوَابِطُ الأُخُوَّةِ الإِسلامِيَّةِ وَانصَرَمَتِ العِلاقَاتُ الإِيمَانِيَّةُ ؟ أَينَ قَولُ المَولى ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ " ؟ وَقَولُهُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ " ؟ أَينَ قَولُ المُصطَفَى ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ وَاللَّفظُ لَهُ : " مَثَلُ المُؤمِنِينَ في تَوَادِّهِم وَتَرَاحُمِهِم وَتَعَاطُفِهِم مَثَلُ الجَسَدِ ، إِذَا اشتَكَى مِنهُ عُضوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى " ؟ وَقَولُهُ فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ : " المُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ كَالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا " ؟ وَقَولُهُ فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ : " المُسلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ ، إِنِ اشتَكَى عَينُهُ اشتَكَى كُلُّهُ ، وَإِنِ اشتَكَى رَأسُهُ اشتَكَى كُلُّهُ " ؟ وَقَولُهُ كَمَا عِندَ البُخَارِيِّ : " لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ " ؟ إِنَّ أَوثَقَ عُرَى الإِيمَانِ هِيَ الحُبُّ في اللهِ وَالبُغضُ في اللهِ ، وَمِن ثَمَّ كَانَ أَعظَمُ الأُمَّةِ إِيمَانًا رَؤوفًا بهم رَحِيمًا ، قَالَ ـ تَعَالى ـ عَن نَبِيِّهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَهُوَ القِمَّةُ في ذَلِكَ : " لَقَد جَاءَكُم رَسُولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ " وَمِن رَحمَتِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ بِِأَصحَابِهِ وَحَدَبِهِ عَلَيهِم ، نُصرَتُهُم وَإِعَانَتُهُم وَالقِيَامُ مَعَهُم عَلَى مَن عَادَاهُم ، وَمِن ذَلِكَ وَأَعظَمُهُ الدُّعَاءُ لهم ، رَوَى البُخَارِيُّ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : دَعَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصحَابَ بِئرِ مَعُونَةَ ثَلاَثِينَ غَدَاةً ، عَلَى رِعلٍ وَذَكوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ " وَعِندَ مُسلِمٍ عَن أَنَسٍ قَالَ : " مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَجَدَ عَلَى سَرِيَّةٍ مَا وَجَدَ عَلَى السَّبعِينَ الَّذِينَ أُصِيبُوا يَومَ بِئرِ مَعُونَةَ ، كَانُوا يُدعَونَ القُرَّاءَ ، فَمَكَثَ شَهرًا يَدعُو عَلَى قَتَلَتِهِم . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ وَلْنَقتَدِ بِنَبِيِّنَا ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَلْنُوَاصِلِ الدُّعَاءَ لإِخوَانِنَا في كُلِّ وَقتٍ وَحِينٍ ، وَلْنُلِحَّ عَلَى اللهِ وَلْنَلجَأْ إِلَيهِ مُخلِصِينَ صَادِقِينَ ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ سِلاحٌ وَأَيُّ سِلاحٍ ، نَصَرَ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ وَأَولِيَاءَهُ ، فَهَا هُوَ طَالُوتُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ يُلِحُّونَ عَلَى اللهِ ـ تَعَالى ـ بِالدُّعَاءِ قَبلَ بِدَايَةِ المَعرَكَةِ ، فَيُنصَرُونَ عَلَى جَالُوتَ وَجُنُودِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفرِغْ عَلَينَا صَبرًا وَثَبِّتْ أَقدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ . فَهَزَمُوهُم بِإِذنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ " وَهَا هُوَ نَبِيُّنَا وَأَصحَابُهُ في يَومِ بَدرٍ وَكَانُوا قِلَّةً مُستَضعَفِينَ ، يُنَاشِدُونَ رَبَّهُم فَيَستَجِيبُ لَهُم وَيَنصُرُهُم عَلَى المُشرِكِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِذْ تَستَغِيثُونَ رَبَّكُم فَاستَجَابَ لَكُم أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُردِفِينَ . وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشرَى وَلِتَطمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُم وَمَا النَّصرُ إِلاَّ مِن عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . إِذ يُوحِي رَبُّكَ إِلى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُم فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلقِي في قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعبَ فَاضرِبُوا فَوقَ الأَعنَاقِ وَاضرِبُوا مِنهُم كُلَّ بَنَانٍ . ذَلِكَ بِأَنَّهُم شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ . ذَلِكُم فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوا أَمرَهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ مِن حَقِّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ نَصرَهُ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " اُنصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَو مَظلُومًا ... " الحَدِيثَ ، رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَيَا للهِ كَم مِن مُسلِمٍ يَتَقَطَّعُ شَوقًا إِلى نَصرِ إِخوَانِهِ وَالذَّبِّ عَنهُم ، غَيرَ أَنَّنَا في وَقتٍ ضَعُفَت فِيهِ الأُمَّةُ عَن وَاجِبِ النَّصرِ بِالأَجسَادِ وَالعَتَادِ ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ دُونَ دَعمِهَا لِقَضَايَا أَبنَائِهَا وَلَو بِالرَّأيِ السِّيَاسِيِّ ، ممَّا يَجعَلُ مِن أَوجَبِ الوَاجِبَاتِ وَأَهَمِّ المُهِمَّاتِ ، الدُّعَاءَ لإِخوَانِنَا المُستَضعَفِينَ وَعَلَى أَعدَاءِ الدِّينِ ، وَلا يَقُولَنَّ قَائِلٌ : إِنَّ الدُّعَاءَ حِيلَةُ العَاجِزِينَ فَحَسبُ ، لا وَاللهِ ، بَل إِنَّ الدُّعَاءَ عَدَا كَونِهِ عِبَادَةً عَظِيمَةً وَقُربَةً جَلِيلَةً ، فَإِنَّهُ تَعبِيرٌ صَادِقٌ عَنِ الوَلاءِ لِلمُؤمِنِينَ وَالبَرَاءِ مِنَ الكَافِرِينَ ، ثُمَّ هُوَ إِذكَاءٌ لِرُوحِ اليَقِينِ بِأَنَّ الأَمرَ كُلَّهُ للهِ ، القَائِلِ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا النَّصرُ إِلاَّ مِن عِندِ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ " وَالقِائِلِ : " وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ " وَبِالدُّعَاءِ تُرَدُّ عَنِ الأُمَّةِ أُمُورٌ وَتُدفَعُ شُرُورٌ ، وَكَم في الأُمَّةِ مَن لَو رَفَعَ يَدَيهِ بِصدِقٍ وَنَادَى ، لأَجَابَ اللهُ دُعَاءَهُ وَسَمِعَ نِدَاءَهُ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " رُبَّ أَشعَثَ مَدفُوعٍ بِالأَبوَابِ ، لَو أَقسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّمَا يَنصُرُ اللهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا ، بِدَعوَتِهِم وَصَلاتِهِم وَإِخلاصِهِم " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . لا إِلَه َإِلاَّ اللهُ الحَكِيمُ الكَرِيمُ ، سُبحَانَ اللهِ رَبِّ السَّمَاوَاتِ السَّبعِ وَرَبِّ العَرشِ العَظِيمِ ، إِلَهَنَا ، لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ ، عَزَّ جَارُكَ وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ وَتَقَدَّسَت أَسمَاؤُكَ ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمدُ ، أَنتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَن فِيهِنَّ ، وَلَكَ الحَمدُ أَنتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَن فِيهِنَّ ، وَلَكَ الحَمدُ أَنتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَن فِيهِنَّ ، أَنتَ الحَقُّ وَقَولُكَ الحَقُّ وَوَعدُكَ الحَقُّ وَلِقَاؤُكَ الحَقُّ . اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ كَلُّهُ ، لا قَابِضَ لما بَسَطتَ ، وَلا مُقَرِّبَ لما بَاعَدتَ ، وَلا مُبَاعِدَ لما قَرَّبتَ ، وَلا مُعطِيَ لما مَنَعتَ ، وَلا مَانِعَ لما أَعطَيتَ . اللَّهُمَّ ابسُطْ عَلَينَا مِن بَرَكَاتِكَ وَرَحمَتِكَ وَفَضلِكَ وَرِزقِكَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ النَّعِيمَ يَومَ العَيلَةِ ، وَالأَمنَ يَومَ الحَربِ ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ ، وَاجعَلْ عَلَيهِم رِجزَكَ وَعَذَابَكَ . اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤتي المُلكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلكَ ممَّن تَشَاءُ ، وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ، بِيَدِكَ الخَيرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، اللَّهُمَّ مُنزِلَ الكِتَابِ وَمُجرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحزَابِ ، اللَّهُمَّ اهزِمِ النُّصَيرِيَّةَ وَدَمِّرْهُم ، اللَّهُمَّ شَتِّتْ شَملَهُم ، وَفَرِّقْ جَمعَهُم ، وَزَلزِلِ الأَرضَ مِن تَحتِ أَقدَامِهِم ، اللَّهُمَّ أَحصِهِم عَدَدًا ، وَاقتُلهُم بَدَدًا ، وَلا تُغَادِرْ مِنهُم أَحَدًا ، اللَّهُمَّ لا تَرفَعْ لهم رَايَةً ، وَلا تُبَلِّغْهُم غَايَةً ، وَاجعَلْهُم لمن خَلفَهُم عِبرَةً وَآيَةً ، اللَّهُمَّ أَنت عَضُدُنَا وَأَنتَ نَصِيرُنَا ، بِكَ نَحُولُ وَبِكَ نَصُولُ وَبِكَ نُقَاتِلُ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَجعَلُكَ في نُحُورِهِم ، وَنَعُوذُ بِكَ مِن شُرُورِهِم ، اللَّهُمَّ اجعَلْهَا عَلَيهِم سِنِينَ كَسِني يُوسُفَ ، اللَّهُمَّ وَانصُرْ إِخوَانَنَا مِن أَهلِ السُّنَّةِ في الشَّامِ ، اللَّهُمَّ استُرْ عَورَاتِهِم ، وَآمِنْ رَوعَاتِهِم ، اللَّهُمَّ احفَظْهُم مِن بَينِ أَيدِيهِم وَمِن خَلفِهِم ، وَعَن أَيمَانِهِم وَعَن شَمَائِلِهِم ، وَمِن فَوقِهِم ، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ مِن أَن يُغتَالُوا مِن تَحتِهِم ، اللَّهُمَّ كُنْ لهم مُؤَيِّدًا وَنَصِيرًا ، وَمُعِينًا وَظَهِيرًا . اللَّهُمَّ وَانصُرْ إِخوَانَنَا مِن أَهلِ السُّنَّةِ في كُلِّ مَكَانٍ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكرَامِ يَا رَبَّ العَالمِينَ . اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوطَانِنَا ، وَوَلِّ عَلَينَا خِيَارَنَا ، وَاكفِنَا شَرَّ شِرَارِنَا ، وَلا تُسَلِّطْ عَلَينَا بِذُنُوبِنَا مَن لا يَخَافُكَ فِينَا وَلا يَرحَمُنَا . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا " 12 / 2 / 1433 الخطبة الأولى " أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الحَيَاةُ بِلا أَمنٍ مُرَّةٌ وَقَاسِيَةٌ ، وَحِينَ يَنتَشِرُ الخَوفُ في بَلَدٍ مَا ، فَلا طَعمَ لِلشِّبَعِ حِينَئِذٍ وَلا قِيمَةَ لِلأَموَالِ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد جَعَلَ اللهُ الخَوفَ في مُقَدِّمَةِ مَا يُبتَلَى بِهِ النَّاسُ في هَذِهِ الحَيَاةِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَنَبلُوَنَّك ُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " وَحِينَ يُرزَقُ العِبَادُ مَعَ الأَمنِ في الأَوطَانِ عَافِيَةً في الأَبدَانِ ، فَلا فَرقَ حِينَئِذٍ بَينَ غَنيٍّ وَلا فَقِيرٍ ، إِلاَّ بِحَظِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنهُمَا مِنَ القَنَاعَةِ وَالرِّضَا ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن أَصبَحَ مِنكُم آمِنًا في سِربِهِ مُعَافىً في جَسَدِهِ ، عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَت لَهُ الدُّنيَا بِحَذَافِيرِهَا " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَهْ وَغَيرُهُمَا وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . تُرَى مَا الَّذِي يَتَمَنَّاهُ اليَومَ إِخوَانٌ لَنَا في بُلدَانٍ بُلِيَت بِالمُظَاهَرَات ِ وَمَاجَت بها الاضطِرَابَاتُ ؟ لا نَظُنُّهُم قَبلَ أَيِّ شَيءٍ يُرِيدُونَ أَكثَرَ مِن أَن يَزُولَ عَنهُم هَاجِسُ الخَوفِ وَالرُّعبِ الَّذِي بُلُوا بِهِ بَينَ أَهلِيهِم وَفي دِيَارِهِم ، وَأَن يَتَحَقَّقَ لهمُ الأَمنُ النَّفسِيُّ وَطُمَأنِينَةُ القُلُوبِ ، وَأَن يُحِسُّوا بِالسَّكِينَةِ في مَسَاكِنِهِم وَيَشعُرُوا بِالرَّاحَةِ في مَوَاطِنِهِم . إِنَّ الأَمنَ وَالهُدُوءَ وَالاطمِئنَانَ مَطلَبٌ دَائِمٌ لِبَني الإِنسَانِ ، طَلَبُوهُ مُنذُ كَانُوا وَسَعُوا إِلَيهِ مُنذُ وُجِدُوا ، وَبِهِ امتَنَّ اللهُ عَلَى قُرَيشٍ قَبلَ بِعثَةِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ ، حَيثُ نَصَرَهُم ـ تَعَالى ـ عَلَى النَّصَارَى في حَادِثَةِ الفِيلِ مِنَّةً مِنهُ وَتَفَضُّلاً ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَلم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصحَابِ الفِيلِ . أَلم يَجعَلْ كَيدَهُم في تَضلِيلٍ . وَأَرسَلَ عَلَيهِم طَيرًا أَبَابِيلَ . تَرمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِن سِجِّيلٍ . فَجَعَلَهُم كَعَصفٍ مَأكُولٍ " وَقَد عَاشَت قُرَيشٌ بَعدَ هَذَا النَّصرِ الإِلهِيِّ آمِنَةً مُطمَئِنَّةً هَادِئَةً وَادِعَةً ، لا يَنَالُهَا أَحَدٌ بِسُوءٍ ، وَلا يَمَسُّهَا عَدُوٌّ بِشَرٍّ ، بَل لَقَد كَانَ النَّاسُ مِن حَولِهَا يُتَخَطَّفُونَ بِالحَربِ وَالضَّربِ وَالنَّهبِ ، بَينَمَا كَانَت قَوَافِلُهَا التِّجَارِيَّةُ في رِحلَتَيِ الشِّتَاءِ وَالصَّيفِ ، تَسِيرُ في أَمنٍ لا يَعتَرِضُهَا أَحَدٌ بِسُوءٍ ؛ لأَنَّهَا تِجَارَةُ أَهلِ البَلَدِ الأَمِينِ . قَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَوَلم يَرَوا أَنَّا جَعَلنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِن حَولِهِم " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " لإِيلافِ قُرَيشٍ . إِيلافِهِم رِحلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيفِ . فَلْيَعبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيتِ . الَّذِي أَطعَمَهُم مِن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِن خَوفٍ " لَقَد كَانَ هَذَا الأَمنُ الَّذِي نَعِمَت بِهِ قُرَيشٌ في مَكَّةَ وَخَارِجَهَا ، وَذَاكَ التَّقدِيرُ الَّذِي كَانَ لهم في قُلُوبِ النَّاسِ قَرِيبًا وَبَعِيدًا ، وَقَبلَهُ النَّصرُ الَّذِي وَهَبَهُمُ اللهُ إِيَّاهُ عَلَى النَّصَارَى ، لَقَد كَانَ كُلُّ ذَلِكَ عَطَاءً مِنَ اللهِ خَالِصًا ، لا بِقُوَّةٍ مِنهُم وَضَعفٍ مِن غَيرِهِم ، وَلا لِفَضلٍ لهم عَلَى مَن سِوَاهُم ، وَلَكِنَّهَا مَكَانَةُ البَيتِ الَّذِي بَينَ أَيدِيهِم ، وَكَرَامَةُ النَّبيِّ الَّذِي سَيُبعَثُ مِنهُم ، فَهَل شَكَرُوهُ ـ سُبحَانَهُ ـ وَحَمِدُوهُ ؟ هَل حَافَظُوا عَلَى هَذَا المُكتَسَبِ العَظِيمِ وَتَمَسَّكُوا بِهِ ؟ لم يَكُنْ منهم ذَلِكَ ، وَلَكِنَّهُم نَزَعُوا إِلى الشِّركِ بِاللهِ وَاختَارُوا الكُفرَ ، وَأَحَاطُوا بَيتَهُ المُحَرَّمَ بِأَصنَامٍ وَطَوَاغِيتَ عَبَدُوهَا وَدَعَوهَا مِن دُونِهِ ، فَلَمَّا بُعِثَ فِيهِمُ الهَادِي البَشِيرُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَدَعَاهُم إِلى النُّورِ الَّذِي جَاءَهُم بِهِ ، وَأَمَرَهُم بِالتَّوحِيدِ وَتَركِ عِبَادَةِ الأَصنَامِ وَالأَوثَانِ ، لم يَكتَفُوا بِكُفرَانِهِم نِعمَةَ رَبِّهِم بِالأَمنِ وَالأَمَانِ ، حَتى أَضَافُوا إِلى ذَلِكَ رَفضَ عِبَادَتِهِ ـ تَعَالى ـ وَالإِبَاءَ عَلَى رَسُولِهِ ، بَل لم يَكتَفُوا بِذَلِكَ حَتى حَادُّوهُ ـ تَعَالى ـ وَحَادُّوا رَسُولَهُ ، وَجَعَلُوا يُحَارِبُونَ عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ ، فَعَذَّبُوا مِنَ السَّابِقِينَ إِلى الإِسلامِ مَن عَذَّبُوا ، وَقَتَلُوا مَن قَتَلُوا وَأَخرَجُوا مَن أَخرَجُوا ، وَحَوَّلُوا بَلَدَ الأَمنِ وَالأَمَانِ إِلى رُعبٍ وَخَوفٍ ، بَلَ حَتى الصَّادِقُ الأَمِينُ وَرَسُولُ رَبِّ العَالمِينَ ، جَعَلُوا يَمكُرُونَ بِه لِيَحبِسُوهُ أَو يَقتُلُوهُ أَو يُخرِجُوهُ . أَفَتَدرُونَ لأَيِّ شَيءٍ فَعَلُوا ذَلِكَ وَبِمَ كَانُوا يَحتَجُّونَ ؟ أَتَعلَمُونَ بِأَيِّ جَوَابٍ أَجَابُوا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَّا دَعَاهُم إِلى الهُدَى وَالإِيمَانِ بِاللهِ وَالكُفرِ بِالطَّاغُوتِ ؟ اِسمَعُوا مَا قَالُوا وَتَأَمَّلُوا ، قَالَ ـ تَعَالى ـ عَنهُم : " وَقَالُوا إِن نَتَّبِعِ الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِن أَرضِنَا " فَيَا لَهُ مِن مَنطِقٍ مَعكُوسٍ وَرَأيٍ مَنكُوسٍ !! قَومٌ مَعَ كُفرِهِم وَشِركِهِم بِاللهِ ، يَعِيشُونَ في ظِلِّ بَيتِهِ الآمِنِ وَحَرَمِهِ المُعَظِّمِ آمِنِينَ مُطمَئِنِّينَ ، ثم يَخشَونَ إِن هُمُ اتَّبَعُوا مَا جَاءَ مِن عِندِهِ مِنَ الهُدَى وَأَسلَمُوا لَهُ أَن يُتَخَطَّفُوا وَيَتَبَدَّلَ أَمنُهُم خَوفًا ، سُبحَانَ اللهِ ! أَيُّ تَبدِيلٍ لِلحَقَائِقِ كِمِثلِ هَذَا التَّبدِيلِ ؟! وَأَيُّ مُغَالَطَةٍ أَكبَرُ مِن هَذِهِ المُغَالَطَةِ ؟! وَأَيُّ مُخَادَعَةٍ لِلنُّفُوسِ أَحقَرُ مِن هَذِهِ المُخَادَعَةِ ؟! وَمَا هَذَا الخَوفُ الَّذِي يَتَحَدَّثُونَ عَنهُ بِسَبَبِ الإِيمَانِ ؟! تَبًّا لهم مَا أَشَدَّ جَهَالَتَهُم وَأَظهَرَ حُمقَهُم ! أَيَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَهُمُ النَّاسُ لَوِ اتَّبَعُوا هُدَى اللهِ ، وَاللهُ هُوَ الَّذِي مَكَّنَ لهم هَذَا الحَرَمَ الآمِنَ مُنذُ أَيَّامِ أَبِيهِم إِبرَاهِيمَ إِمَامِ الحُنَفَاءِ المُوَحِّدِينَ ؟! أَفَمَن أَمَّنَهُم وَهُم عُصَاةٌ بَل وَمُشرِكُونَ يَدَعُ النَّاسَ يَتَخَطَّفُونَه ُم وَهُم تُقَاةٌ مُؤمِنُونَ ؟! لا وَاللهِ لا يَكُونَ ذَلِكَ ، وَلَكِنَّهُم لا يَعلَمُونَ وَلا يَفقَهُونَ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد جَاءَ الجَوَابُ عَلَى دَعَوَاهُمُ البَاطِلَةِ سَرِيعًا وَاضِحًا ، يَرَاهُ غَيرُهُم كَمَا يَرَونَهُ ، وَلا يَستَطِيعُ أَحَدٌ أَن يُنكِرَهُ أَو يَجحَدَهُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَوَلم نُمَكِّنْ لَهُم حَرَمًا آمِنًا يُجبى إِلَيهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيءٍ رِزقًا مِن لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمُونَ " نَعَم ، لَقَد كَانُوا لا يَعلَمُونَ بِمَ يَكُونُ الأَمنُ وَلِمَن يَكُونُ الخَوفُ ؟ وَلَو تَأَمَّلُوا وَتَعَقَّلُوا لَعَلِمُوا أَنَّ الأَمرَ كُلَّهُ للهِ ، وَأَنَّ زَوَالَ الأَمنِ وَحُلُولَ الخَوفِ لا يَكُونُ إِلاَّ بِالكُفرِ بِهِ وَجُحُودِ نِعَمِهِ ، وَلَذَا قَالَ ـ تَعَالى ـ بَعدَ الآيَةِ السَّابِقَةِ : " وَكَم أَهلَكنَا مِن قَريَةٍ بَطِرَت مَعِيشَتَهَا فَتِلكَ مَسَاكِنُهُم لم تُسكَنْ مِن بَعدِهِم إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحنُ الوَارِثِينَ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ وَالزَمُوا عِبَادَتَهُ وَاعمَلُوا بِطَاعَتِهِ شُكرًا لِنَعمَتِهِ ، وَاحذَرُوا مِنَ الإِعرَاضِ عَن شَرِيعَتِهِ ، فَإِنَّنَا في زَمَنٍ عَادَ فِيهِ ذَاكَ المَنطِقُ القُرَشِيُّ المَنكُوسُ وَالقَولُ الجَاهِلِيُّ المَعكُوسُ ، وَصِرنَا نَسمَعُ في بِلادِنَا وَمِن بَني جِلدَتِنَا مَن يُرَدِّدُهُ وَيَتَشَدَّقُ بِهِ بِأَسَالِيبَ مُختَلِفَةٍ ، وَيَزعُمُ أَنَّ بَقَاءَنَا عَلَى مَا نَحنُ عَلَيهِ مِن تَطبِيقٍ لِلشَّرِيعَةِ وَإِظهَارٍ لِشَرَائِعِ الإِسلامِ ، وَتَرْكَنَا الدُّعَاةَ يَدعُونَ إِلى اللهِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ ، سَيَجعَلُنَا مَنبُوذِينَ بَينَ العَالمِ ، وَسَيُخرِجُنَا ممَّا سَمَّوهُ بِالشَّرعِيَّةِ الدَّولِيَّةِ ، وَسَيَجعَلُ الدُّوَلَ تُحَارِبُنَا وَتُعَادِينَا عَن بَكرَةِ أَبِيهَا ، وَسَيُفقِدُنَا صَدَاقَتَهَا وَوُدَّهَا وَدَعمَهَا ، وَسَنَبقَى بهذا مُتَخَلِّفِينَ مُتَحَجِّرِينَ نَمَطِيِّينَ ، غَيرَ مُتَقَدِّمِينَ وَلا مُتَحَضِّرِينَ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ وَلْنَلزَمِ العُروَةَ الوُثقَى وَالإِيمَانَ ، وَلْنَحذَرْ سُوءَ الظَّنِّ بِهِ ـ سُبحَانَهُ ـ فَإِنَّهُ لم يَكُنِ الكُفرُ يَومًا وَلا النِّفَاقُ وَلا مُدَاهَنَةُ أَعدَاءِ اللهِ وَمُوَالاتُهُم سَبَبًا في النَّصرِ ، وَلا جَالِبًا لِلأَمنِ وَالرَّخَاءِ وَوُدَّ النَّاسِ ، وَلَكِنَّمَا كُلُّ ذَلِكَ ظَنُّ مَرضَى القُلُوبِ وَالمَائِلِينَ إِلى سُبُلِ المُلحِدِينَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَتَرَى الَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَة " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحدَهُ اشمَأَزَّت قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُم يَستَبشِرُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلَى حَرفٍ فَإِن أَصَابَهُ خَيرٌ اطمَأَنَّ بِهِ وَإِن أَصَابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجهِهِ خَسِرَ الدُّنيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسرَانُ المُبِينُ " وَإِنَّما يَنصُرُ اللهُ مَن نَصَرَهُ بِاتِّبَاعِ الهُدَى الَّذِي جَاءَ مِن عِندِهِ " وَمَا النَّصرُ إِلاَّ مِن عِندِ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ " " وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ تُقَاتِهِ ، وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَتِهِ وَمَرضَاتِهِ ، اِتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ المُؤمِنِينَ الصَّادِقِينَ ، وَاركَبُوا في سَفِينَةِ النَّجَاةِ وَلا تَكُونُوا مَعَ الكَافِرِينَ " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجعَلُ لَهُمُ الرَّحمَنُ وُدًّا " إِنَّهُ لِيُؤسِفُ كُلَّ مُؤمِنٍ عَاقِلٍ ، أَن يُوجَدَ في دَولَةِ التَّوحِيدِ وَمَهدِ الإِسلامِ وَالهُدَى ، مَن إِذَا دُعُوا إِلى الإِيمَانِ وَالاستِقَامَةِ عَلَى الإِسلامِ في جَمِيعِ جَوَانِبِ الحَيَاةِ ، وَذُكِّرُوا بما حَقَّقَتهُ هَذِهِ البِلادُ مِن مُنجَزَاتٍ بِفَضلِ التَّمَسُّكِ بِالإِسلامِ وِالدَّعوَةِ إِلى اللهِ وَالسَّيرِ عَلَى مَنهَجِ السَّلَفِ ، عَادُوا لِذَاكَ المَنطِقِ الجَاهِلِيِّ وَقَالُوا لِدَاعِي الهُدَى : " إِن نَتَّبِعِ الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِن أَرضِنَا " فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ! وَسُبحَانَ اللهِ ! كَأَنَّ التَّأرِيخَ لا يُقرَأُ وَلا يُعتَبَرُ بِأَحدَاثِهِ ! وَكَأَنَّ هَؤُلاءِ المَنكُوسِينَ لا يَعرِفُونَ السُّنَنَ وَلا يَستَلهِمُونَ العِبَرَ ؟! إِنَّ ممَّا يَعرِفُهُ صِغَارُ الطُّلاَّبِ وَالمُبتَدِئُون َ في العِلمِ ، أَنَّ قُرَيشًا لَمَّا أَبَت عَلَى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَقَعَت في الخَوفِ حَقًّا ، وَسَلَّطَ اللهُ عَلَيهَا نَبِيَّهُ وَأَصحَابَهُ ، ثم لَمَّا استَجَابُوا فِيمَا بَعدُ وَدَخَلُوا في دِينِ اللهِ أَفوَاجًا مَعَ غَيرِهِم رَجَعَ إِلَيهِم أَمنُهُم أَقوَى ممَّا كَانَ ، وَبَعدَ أَن كَانُوا مَحصُورِينَ في جَزِيرَتِهِم بَينَ شَامِهِم وَيَمَنِهِم ، خَرَجُوا في الآفَاقِ مُجَاهِدِينَ فَاتِحِينَ ، وَسَيطَرُوا عَلَى مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا ، وَغَدَوا مُلُوكًا لِلعَالمِ في رُبعِ قَرنٍ أَو أَقَلَّ . وَصَدَقَ اللهُ ـ تَعَالى ـ حِينَ قَالَ : " فَأَيُّ الفَرِيقَينِ أَحَقُّ بِالأَمنِ إِن كُنتُم تَعلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَلم يَلبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدُونَ " أَلا فَلْيَتَّقِ اللهَ أَهلُ هَذِهِ البِلادِ ، وَلْيَحذَرُوا مَن أَن يَكُونُوا كَمَن قَالَ اللهُ فِيهِم : " لَقَد كَانَ لِسَبَإٍ في مَسكَنِهِم آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِزقِ رَبِّكُم وَاشكُرُوا لَهُ بَلدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ . فَأَعرَضُوا فَأَرسَلنَا عَلَيهِم سَيلَ العَرِمِ وَبَدَّلنَاهُم بِجَنَّتَيهِم جَنَّتَينِ ذَوَاتي أُكُلٍ خَمطٍ وَأَثلٍ وَشَيءٍ مِن سِدرٍ قَلِيلٍ . ذَلِكَ جَزَينَاهُم بما كَفَرُوا وَهَل نُجَازِي إِلاَّ الكَفُورَ " اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ ، بَسَطتَ رِزقَنَا ، وَأَظهَرتَ أَمنَنَا ، وَأَحسَنتَ مُعَافَاتَنَا ، وَمِن كُلِّ مَا سَأَلنَاكَ أَعطَيتَنَا ، فَلَكَ الحَمدُ بِالإِسلامِ ، وَلَكَ الحَمدُ بِالأَهلِ وَالمَالِ ، وَلَكَ الحَمدُ بِاليَقِينِ وَالعَافِيَةِ ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمدُ ، أَنتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَن فِيهِنَّ ، وَلَكَ الحَمدُ أَنتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَن فِيهِنَّ ، وَلَكَ الحَمدُ أَنتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَن فِيهِنَّ ، أَنتَ الحَقُّ وَقَولُكَ الحَقُّ وَوَعدُكَ الحَقُّ وَلِقَاؤُكَ الحَقُّ . اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ كَلُّهُ ، لا قَابِضَ لما بَسَطتَ ، وَلا مُقَرِّبَ لما بَاعَدتَ ، وَلا مُبَاعِدَ لما قَرَّبتَ ، وَلا مُعطِيَ لما مَنَعتَ ، وَلا مَانِعَ لما أَعطَيتَ . اللَّهُمَّ ابسُطْ عَلَينَا مِن بَرَكَاتِكَ وَرَحمَتِكَ وَفَضلِكَ وَرِزقِكَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ النَّعِيمَ يَومَ العَيلَةِ ، وَالأَمنَ يَومَ الحَربِ ، اللَّهُمَّ وَآمِنَّا في الأَوطَانِ وَالدِّيارِ ، وَوَلِّ عَلَينَا خِيَارَنَا وَاكفِنَا شَرَّ الأَشرَارِ ، وَلا تُسَلِّطْ عَلَينَا بِذُنُوبِنَا مَن لا يَخَافُكَ فِينَا وَلا يَرحَمُنَا ، اللَّهُمَّ قَرِّبْ إِلى وُلاتِنَا كل بِطَانَةٍ صَالحَةٍ نَاصِحَةٍ صَادِقَةٍ ، وَحَبِّبْ إِلَيهِم كُلَّ يَدٍ أَمِينَةٍ نَزِيهَةٍ ، اللَّهُمَّ وَجَنِّبْهُم بِطَانَةَ الفَسَادِ وَالفِتنَةِ وَالسُّوءِ وَالخِيَانَةِ . اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤتي المُلكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلكَ ممَّن تَشَاءُ ، وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ، بِيَدِكَ الخَيرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، اللَّهُمَّ انصُرْ مَن نَصَرَ الدِّينَ ، وَاخذُلْ مَن خَذَلَ عِبَادَكَ المُؤمِنِينَ ، اللَّهُمَّ مُنزِلَ الكِتَابِ وَمُجرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحزَابِ ، اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِمَن عَادَوا عِبَادَكَ وَعَاثُوا فَسَادًا في أَرضِكَ ، اللَّهُمَّ شَتِّتْ شَملَهُم ، وَفَرِّقْ جَمعَهُم ، وَزَلزِلِ الأَرضَ مِن تَحتِ أَقدَامِهِم ، اللَّهُمَّ أَحصِهِم عَدَدًا ، وَاقتُلهُم بَدَدًا ، وَلا تُغَادِرْ مِنهُم أَحَدًا ، اللَّهُمَّ لا تَرفَعْ لهم رَايَةً ، وَلا تُبَلِّغْهُم غَايَةً ، وَاجعَلْهُم لمن خَلفَهُم عِبرَةً وَآيَةً ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَجعَلُكَ في نُحُورِهِم ، وَنَعُوذُ بِكَ مِن شُرُورِهِم ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ ، وَاجعَلْ عَلَيهِم رِجزَكَ وَعَذَابَكَ . اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، يَا مَن لَهُ الأَسمَاءُ الحُسنى وَالصِّفَاتُ العُلُى ، يَا كَاسِرَ الأَكَاسِرَةِ وَيَا قَاصِمَ القَيَاصِرَةِ وَيَا مُذِلَّ الجَبَابِرَةِ ، اللَّهُمَّ أَذِلَّ الطُّغَاةَ المُتَسَلِّطِين َ وَاكسِرْ شَوكَتَهُم ،،، إِلَهَنَا ، مَن لِليَتَامَى المَقهُورِينَ ، إِلَهَنَا ، مَن لِلشُّيُوخِ المُشَرَّدِينَ ، إِلَهَنَا ، مَن لِلمُسلِمِينَ المُوَحِّدِينَ المُستَضعَفِينَ ، إِلَهَنَا ، إِنَّ في عَالَمِنَا الإِسلامِيِّ أَرَاضِيَ مَنكُوبَةً وَأَعرَاضًا مَغصُوبَةً ، وَأَشلاءَ مَمَزَّقَةً وَكُبُودًا مُحَرَّقَةً ، اللَّهُمَّ فَانصُرْ إِخوَانَنَا مِن أَهلِ السُّنَّةِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى والرَّافِضَةِ المُجرِمِينَ ، اللَّهُمَّ كُنْ لإِخوَانِنَا مُؤَيِّدًا وَنَصِيرًا ، وَمُعِينًا وَظَهِيرًا ، اللَّهُمَّ استُرْ عَورَاتِهِم ، وَآمِنْ رَوعَاتِهِم ، اللَّهُمَّ احفَظْهُم مِن بَينِ أَيدِيهِم وَمِن خَلفِهِم ، وَعَن أَيمَانِهِم وَعَن شَمَائِلِهِم ، وَمِن فَوقِهِم ، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ مِن أَن يُغتَالُوا مِن تَحتِهِم ، اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّهُم وَاكشِفْ كَربَهُم ، اللَّهُمَّ تَوَلَّ أَمرَهُم ، اللَّهُمَّ اشفِ مَرِيضَهُم ، وَفُكَّ أَسِيرَهُم ، اللَّهُمَّ وَثَبِّتَ أَقدَامَ مُجَاهِدِيهِم وَقَوِّ إِيمَانَهُم وَاربِطْ عَلَى قُلُوبِهِم ، اللَّهُمَّ وَانصُرْهُم نَصرًا مُؤَزَّرًا . |
| الساعة الآن 08:26 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
-
arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By
Almuhajir
... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...
.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..