![]() |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري إلى من شهد الشهر 1 / 9 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " أَمَّن هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبَابِ . قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُم لِلَّذِينَ أَحسَنُوا في هَذِهِ الدُّنيَا حَسَنَةٌ وَأَرضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، عَجَلَةُ الأَيَّامِ دَائِرَةٌ ، وَفُرصَةُ العُمُرِ وَاحِدَةٌ ، وَمَا مَضَى مِنَ الحَيَاةِ فَلا يُرجَى ، وَالمُستَقبَلُ غَيبٌ لا يُدرَى ، وَإِنَّ أَسعَدَ النَّاسِ في هَذِهِ الدُّنيَا ، مَن تَحَرَّى مَا يُرضِي اللهَ في سَاعَتِهِ فَعَمِلَ بِهِ ، وَأَتَى بما يَلزَمُهُ فِيهَا مِنَ العُبُودِيَّةِ لِرَبِّهِ عَلَى الوَجهِ الَّذِي يُرضِيهِ عَنهُ ، وَالمُؤمِنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ ، يَعلَمُ أَنَّ للهِ في اللَّيلِ عَمَلاً لا يَقبَلُهُ في النَّهَارِ ، وَعَمَلاً في النَّهَارِ لا يَقبَلُهُ في اللَّيلِ ، وَمِن ثَمَّ فَهُوَ يَغتَنِمُ الوَقتَ اغتِنَامًا ، وَيُؤَدِّي كُلَّ عَمَلٍ في حِينِهِ ، وَيَملأُ سَاعَاتِ عُمُرِهِ بما يَرجُو بِهِ عِندَ رَبِّهِ رَفِيعَ الدَّرَجَاتِ في الجَنَّاتِ ، فَهُوَ في وَقتِ الصَّلاةِ مَعَ الرَّاكِعِينَ ، وَفي الأَسحَارِ مَعَ المُستَغفِرِينَ ، وَفي رَمَضَانَ مَعَ الصَّائِمِينَ القَائِمِينَ المُنفِقِينَ . وَلا يَزَالُ عَلَى ذَلِكَ رَاجِيًا خَائِفًا ، لا يَفرُغُ مِن طَاعَةٍ إِلاَّ وَصَلَهَا بِأُخرَى ، مُمتَثِلاً أَمرَ رَبِّهِ لإِمَامِ العَابِدِينَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَيثُ قَالَ : " وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد بُلِّغتُم شَهرًا كَرِيمًا ، وَأَدرَكتُم مَوسِمًا عَظِيمًا ، وَسَتَشهَدُونَ إِنْ حَيِيتُم أَيَّامًا غَالِيَةً وَلَيَاليَ ثَمِينَةً ، كُلُّهَا فُرَصٌ لِلعِبَادَةِ سَانِحَةٌ ، وَأَبوَابٌ لِلتَّقَرُّبِ مَفتُوحَةٌ ، فَمَاذَا أَنتُم فَاعِلُونَ ؟ وَفي أَيِّ طَرِيقٍ سَتَغدُونَ ؟ وَعَلَى أَيِّ حَالٍ سَتَرُوحُونَ ؟ إِنَّ كُلَّ عَبدٍ وَلا بُدَّ غَادٍ في شَهرِهِ وَرَائِحٌ ، فَبَائِعٌ نَفسَهُ إِمَّا لِمَولاهُ فَرَابِحٌ ، وَإِمَّا مُوبِقُهَا بِاتِّبَاعِ هَوَى النَّفسِ وَشَيَاطِينِ الجِنِّ وَالإِنسِ ، فَيَا عَبدَ اللهِ ، يَا مَن أَكرَمَكَ اللهُ وَاصطَفَاكَ ، وَجَعَلَكَ مُؤمِنًا وَقَد كَفَرَ أَكثَرُ النَّاسِ ، وَهَدَاكَ وَقَد ضَلَّ أَكثَرُ مَن في الأَرضِ ، وَعَافَاكَ وَالنَّاسُ حَولَكَ في البَلاءِ يَتَقَلَّبُونَ ، يَا مَن شَهِدتَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ محمدًا رَسُولُ اللهِ ، لَقَد عَاهَدتَ رَبَّكَ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ العَظِيمَةِ ، أَن تَكُونَ عَبَدًا رَبَّانِيًّا ، مُخلِصًا للهِ الدِّينَ ، مُتَّبِعًا سَيِّدَ المُرسَلِينَ ، فَإِنْ أَنتَ وَفَيتَ بِالعَهدِ فَهَنِيئًا لَكَ تَحقِيقُ مَا خُلِقتَ مِن أَجلِهِ ، حَيثُ قَالَ رَبُّكَ وَخَالِقُكَ : " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونَ " وَأَبشِرْ بِخَيرِ الجَزَاءِ وَحُسنِ العَاقِبَةِ ، فَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَأَقَامَ الصَّلاةَ ، وَصَامَ رَمَضَانَ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَن يُدخِلَهُ الجَنَّةَ جَاهَدَ في سَبِيلِ اللهِ أَو جَلَسَ في أَرضِهِ الَّتي وُلِدَ فِيهَا ... " الحَدِيثَ رَوَاهُ البُخَارِيُّ ، وَعَن عَمرِو بنِ مُرَّةَ الجُهَنيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيتَ إِنْ شَهِدتُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ ، وَصَلَّيتُ الصَّلَوَاتِ الخَمسَ ، وَأَدَّيتُ الزَّكَاةَ ، وَصُمتُ رَمَضَانَ وَقُمتُهُ ، فَمِمَّن أَنَا ؟ قَالَ : " مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ " رَوَاهُ البَزَّارُ وَابنُ خُزَيمَةَ وَابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . إِنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ الَّذِي هَذَا جَزَاؤُهُ وَتِلكَ عَاقِبَةُ أَهلِهِ وَمَنزِلَتُهُم عِندَ رَبِّهِم ، لا يُعقَلُ أَن يَكُونَ لِمُجَرَّدِ الإِمسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَحَسبُ ، دُونَ تَقَيُّدٍ بِبَقِيَّةِ أَوَامِرِ الدِّينِ وَنَوَاهِيهِ ، وَلَكِنَّهُ ذَلِكَ الصِّيَامُ الَّذِي يَسبِقُهُ إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَتَطهِيرٌ لِلقُلُوبِ وَتَنقِيَةٌ لِلصُّدُورِ ، وَتَوبَةٌ نَصُوحٌ مِنَ الكَبَائِرِ وَالمُوبِقَاتِ ، ثم يَصحَبُهُ إِقامٌ لِلصَّلاةِ وَإِيتَاءٌ لِلزَّكَاةِ ، وَاستِكثَارٌ مِن نَوَافِلِ الطَّاعَاتِ وَعَفوِ الصَّدَقَاتِ ، وَلَهَجٌ بِذِكرِ الرَّحمَنِ وَقِرَاءَةِ القُرآنِ ، وَأَمَّا أَن يَدخُلَ رَمَضَانُ وَيَخرُجَ ، وَتَارِكُ صَلاةِ الفَجرِ مَعَ الجَمَاعَةِ مَا زَالَ مُصِرًّا عَلَى كَبِيرَتِهِ ، وَقَاطِعُ الرَّحِمِ مَاضٍ في مُصِيبَتِهِ ، وَالحَاسِدُ يَتَقَلَّبُ في مِحنَتِهِ ، وَآكِلُ الحَرَامِ غَارِقٌ في شَهوَتِهِ ، وَهَاجِرُ القُرآنِ عَلَى سَهوِهِ وَغَفلَتِهِ ، فَهَذَا عَينُ الغَبنِ وَمَحضُ الخَسَارَةِ . وَإِنَّهُ لَمِنَ المُحزِنِ حَقًّا ، أَلاَّ يُبَاليَ أَعدَادٌ مِنَ المُسلِمِينَ وَخَاصَّةً الشَّبَابَ ، بما تَرَكُوا مِنَ الصَّلَواتِ المَكتُوبَاتِ ، أَو أَتَوهُ مِنَ المَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ ، أَو شَاهَدُوهُ مِنَ فَضَائِحِ الإِعلامِ والمُحَرَّمَاتِ ، وَأَن يَستَنكِفَ آخَرُونَ مِنَ الكِبَارِ وَيَستَكبِرُوا عَن إِصلاحِ ذَاتِ بَينِهِم ، أَو يَغفُلُوا عَن تَطهِيرِ مَآكِلِهِم وَمَشَارِبِهِم ، نَاهِيكَ عَمَّن يَهجُرُونَ سُنَّةَ السُّحُورِ ، وَمَن يَغفُلُونَ عَنِ الاستِغفَارِ بِالأَسحَارِ ، وَمَن لا يَكَادُونَ يَختِمُونَ كِتَابَ رَبِّهِم وَلَو مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَمَن لا يُنفِقُونَ طُوَالَ شَهرِهِم قَلِيلاً وَلا كَثِيرًا ، فَإِلى اللهِ المُشتَكَى مِن نُفُوسٍ تَمُرُّ بها السَّنَوَاتُ في أَعقَابِ السَّنَوَاتِ ، وَهِيَ مَا تَزَالُ في غَيِّهَا مُستَمِرَّةً ، وَلِخَطَئِهَا مُستَمرِئَةً ، فَهَل تَرَى مِثلَ هَذِهِ النُّفُوسِ مُستَفِيدَةً شَيئًا مِن شَهرِ رَمَضَانَ ؟ لا يُظَنُّ ذَلِكَ وَالعِلمُ عِندَ اللهِ ، لأَنَّ رَمَضَانَ شَهرُ المُتَّقِينَ ، وَقَد ذَكَرَ اللهُ مِن صِفَاتِ المُتَّقِينَ أَنَّهُم " إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَو ظَلَمُوا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللهَ فَاستَغفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَن يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُونَ " وَفي الصَّحِيحَينِ عَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَت أَبوَابُ الجَنَّةِ ، وَغُلِّقَت أَبوَابُ النَّارِ ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ " وَعِندَ ابنِ مَاجَهْ وَغَيرِهِ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ هَذَا الشَّهرَ قَد حَضَرَكُم ، وَفِيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ مَن حُرِمَهَا فَقَد حُرِمَ الخَيرَ كُلَّهُ ، وَلا يُحرَمُ خَيرَهَا إِلاَّ مَحرُومٌ " فَإِذَا كَانَت أَبوَابُ الرَّحمَةِ في رَمَضَانَ مُفَتَّحَةً ، وَأَبوَابُ جَهنَّمَ مُغَلَّقَةً ، وَالشَّيَاطِينُ مُسَلسَلَةً ، وَلَيلَةُ القَدرِ الَّّتي هِيَ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ في رَمَضَانَ قَطعًا ، فَمَن ذَا الَّذِي بَعدُ يُصِرُّ ويُضِيعُ الفُرصَةَ ، وَيُعرِضُ عَن مَأدُبَةِ رَبِّهِ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ ، وَاحرِصُوا عَلَى أَن تَكُونُوا عَلَى مَا كَانَ عَلَيهِ نَبِيُّكُم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فى شَهرِ رَمَضَانَ مِنَ الإِكثَارِ مِن أَنوَاعِ العِبَادَاتِ ، فَقَد كَانَ جِبرِيلُ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ يُدَارِسُهُ القُرآنَ في رَمَضَانَ ، وَكَانَ إِذَا لَقِيَهُ جِبرِيلُ أَجوَدَ بِالخَيرِ مِنَ الرِّيحِ المُرسَلَةِ ، فَكَانَ يُكثِرُ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالإِحسَانِ ، وَالاعتِكَافِ وَالصَّلاةِ وَالذِّكرِ وَتِلاوَةِ القُرآنِ ، وَكَانَ يَخُصُّ رَمَضَانَ مِنَ العِبَادَةِ بما لا يَخُصُّ بِهِ غَيرَهُ مِنَ الشُّهُورِ ، فَاقتَدُوا بِهِ وَسِيرُوا عَلَى هَديِهِ تُفلِحُوا " لَقَد كَانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا " " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ . أَيَّامًا مَعدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِديَةٌ طَعَامُ مِسكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيرًا فَهُوَ خَيرٌ لَهُ وَأَن تَصُومُوا خَيرٌ لَكُم إِنْ كُنتُم تَعلَمُونَ . شَهرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسرَ وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ . وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَستَجِيبُو ا لي وَلْيُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللهَ ذِكرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلاً . هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيكُم وَمَلائِكَتُهُ لِيُخرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ وَكَانَ بِالمُؤمِنِينَ رَحِيمًا . تَحِيَّتُهُم يَومَ يَلقَونَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُم أَجرًا كَرِيمًا " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِذَا كَانَ المُسلِمُ في رَمَضَانَ مَأمُورًا بِالصِّيَامِ عَن بَعضِ الحَلالِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَسَائِرِ المُفَطِّرَاتِ ، فَإِنَّهُ مَأمُورٌ في سَائِرِ عُمُرِهِ وَفي كُلِّ أَوقَاتِهِ بِالصِّيَامِ عَن كُلِّ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ ، وَأَلاَّ يَستَعمِلَ جَوَارِحَهُ الَّتي أَنعَمَ اللهُ بها عَلَيهِ إِلاَّ فِيمَا أَحَلَّ اللهُ لَهُ ، وَذَلِكُم هُوَ في الحَقِيقَةِ صَومُ المُتَّقِينَ ، أَمَّا مَن يَصُومُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ سَاعَاتٍ مَعدُودَةً ، ثم هُوَ في أَثنَاءِ ذَلِكَ وَبَعدَهُ مُطلِقٌ جَوَارِحَهُ لِتَرتَعَ في مَعَاصِي اللهِ ، فَمَا وُاللهِ صَامَ وَلا عَرَفَ مَعنى الصِّيَامِ ، فَفِي البُخَارِيِّ وَغَيرِهِ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " مَن لم يَدَعْ قَولَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيسَ للهِ حَاجَةٌ في أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " وَرَوَى ابنُ خُزَيمَةَ وَابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " لَيسَ الصِّيَامُ مِنَ الأَكلِ وَالشُّربِ ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغوِ وَالرَّفَثِ ، فَإِن سَابَّكَ أَحَدٌ أَو جَهِلَ عَلَيكَ فَقُلْ إِني صَائِمٌ إِني صَائِمٌ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ في شَهرِكُم ، وَصُومُوا عَمَّا حَرَّمَ اللهُ طُولَ دَهرِكُم ، وَإِيَّاكُم وَالنَّظَرَ أَوِ الاستِمَاعَ إِلى مَا لا يَحِلُّ ، زُمُّوا الأَلسِنَةَ عَنِ الغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَقَولِ الزُّورِ وَ" مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيرًا أَو لِيَصمُتْ " أَطلِقُوا الأَيدِي بِالعَطَاءِ وَالإِنفَاقِ فِيمَا يُرضِي اللهَ ، بِالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّفطِيرِ ، وَدَعمِ بَرَامِجِ الدَّعوَةِ وَمَشرُوعَاتِ الخَيرِ ، قُومُوا للهِ قَانِتِينَ ، وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ، وَتَقَرَّبُوا إِلى اللهِ بِالفَرَائِضِ وَأَكثِرُوا مِنَ النَّوَافِلِ ، وَصُفُّوا الأَرجُلَ في صَلاةِ التَّرَاوِيحِ مَعَ المُسلِمِينَ وَلا تَنصَرِفُوا قَبلَ الإِمَامِ ، فَإِنَّهُ مَن قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتى يَنصِرَفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيلَةٍ ، اِقرَؤُوا القُرآنَ في بُيُوتِكُم وَمَسَاجِدِكُم ، وَتَدَبَّرُوهُ وَتَدَارَسُوهُ ، وَخُذُوا بما تَستَطِيعُونَهُ مِن أَسبَابِ المَغفِرَةِ ، وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ ، فَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ مَعدُودَاتٌ ، وَالخَاسِرُ مَنِ انسَلَخَ الشَّهرُ وَهُوَ مَرهُونٌ بِذُنُوبِهِ وَتَقصِيرِهِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَرَغِمَ أَنفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيهِ رَمَضَانُ ثم انسَلَخَ قَبلَ أَن يُغفَرَ لَهُ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري مسارعة في الخيرات لدعوات مستجابات 8 / 9 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في الآيَاتِ الَّتي ذَكَرَ اللهُ فِيهَا الصِّيَامَ وَإِنزَالَ القُرآنِ في شَهرِ رَمَضَانَ ، وَبَيَّنَ فِيهَا لِعِبَادِهِ بَعضَ الأَحكَامِ لِمَن شَهِدَ مِنهُمُ الشَّهرَ وَلِمَن كَانَ مُسَافِرًا ، وَغَيرَ ذَلِكَ مِن أَحكَامٍ مَعَ أَهلِيهِم وَبَدءِ صِيَامِهِم وَانتِهَائِهِ ، في ثَنَايَا تِلكَ الآيَاتِ العَظِيمَةِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَستَجِيبُو ا لي وَلْيُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ " ممَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَهرَ رَمَضَانَ وَمَوسِمَ القُرآنِ وَأَيَّامَ الصِّيَامِ وَلَيَاليَ القِيَامِ ، مِن أَعظَمِ المَوَاضِعِ الَّتي يُشرَعُ فِيهَا الدُّعَاءُ وَاللُّجُوءُ إِلى اللهِ ، إِذْ هُوَ ـ تَعَالى ـ قَرِيبٌ مُجِيبٌ ، يَسمَعُ الدُّعَاءَ وَيُحَقِّقُ الرَّجَاءَ ، وَيَستَجِيبُ لِلدَّاعِي وَيُرشِدُهُ وَيُوَفِّقُهُ وَيُسَدِّدُهُ ، غَيرَ أَنَّ ممَّا يَلفِتُ الانتِبَاهَ أَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ جَعَلَ لإِجَابَةِ دُعَائِنَا شَرطًا فَقَالَ : " فَلْيَستَجِيبُو ا لي " فَحَتى يُجِيبَ ـ سُبحَانَهُ ـ دُعَاءَنَا وَيُحَقِّقَ رَجَاءَنَا وَيُبَلِّغَنَا آمَالَنَا ، فَلا بُدَّ مِنِ استِجَابَتِنَا لَهُ قَبلَ ذَلِكَ ، وَإِذَا نَحنُ فَعَلنَا ذَلِكَ وَكُنَّا للهِ ـ تَعَالى ـ عَلَى مَا يُحِبُّ وَيُرِيدُ ، فَسَوفَ يَستَجِيبُ ـ سُبحَانَهُ ـ لَنَا وَيَجَعَلُنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ . فَهَل فَكَّرنَا بِجِدٍّ كَيفَ نَستَجِيبُ للهِ حَتى يُجِيبَ دُعَاءَنَا ؟ إِنَّهُ لأَمرٌ كَبِيرٌ وَقَد يَكُونُ وَاسِعًا ، وَلَكِنَّ ثَمَّةَ مَوَاضِعَ وَرَدَ فِيهَا إِجَابَةُ اللهِ ـ تَعَالى ـ لِعَدَدٍ مِنَ أَنبِيَائِهِ ، ثم بَيَانُ استِجَابَتِهِم لَهُ قَبلَ ذَلِكَ ، فَتَعَالَوا بِنَا نَستَعرِضُهَا عَلَى عَجَلٍ ، لِنَتَعَرَّفَ كَيفَ استَجَابُوا لِرَبِّهِم قَبلَ أَن يَستَجِيبَ هُوَ دُعَاءَهُم ، فَإِنَّ أَنبِيَاءَ اللهِ ـ عَلَيهِمُ السَّلامُ ـ هُم أَعرَفُ الخَلقِ بِرَبِّهِم ، وَأَبصَرُهُم بما يُرضِيهِ وَيَستَدِرُّ رَحمَتَهُ وَيَستَجلِبُ إِجَابَتَهُ ، فَفِي سُورَةِ الأَنبِيَاءِ يَقُولُ اللهُ ـ تَعَالى ـ : " وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبلُ فَاستَجَبنَا لَهُ فَنَجَّينَاهُ وَأَهلَهُ مِنَ الكَربِ العَظِيمِ " فَمَا هُوَ إِلاَّ أَن نَادَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ حَتى جَاءَتهُ الاستِجَابَةُ مِن رَبِّهِ ـ تَعَالى ـ مُبَاشَرَةً ، وَنُجِّيَ هُوَ وَأَهلُهُ مِنَ الكَربِ العَظِيمِ . وَيَقُولُ ـ تَعَالى ـ : " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاستَجَبنَا لَهُ فَكَشَفنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَينَاهُ أَهلَهُ وَمِثلَهُم مَعَهُم رَحمَةً مِن عِندِنَا وَذِكرَى لِلعَابِدِينَ " لَقَد جَاءَتِ الاستِجَابَةُ بَعدَ الدُّعَاءِ وَالابتِهَالِ إِلى اللهِ بِصِفَةِ الرَّحمَةِ ، فَكَشَفَ اللهُ المَرَضَ عَن نَبِيِّهِ أَيُّوبَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ وَرَدَّ عَلَيهِ أَهلَهُ وَبَارَكَ لَهُ في جِسمِهِ وَمَالِهِ . وَيَقُولُ ـ تَعَالى ـ عَن يُونُسَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ : " وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَن نَقدِرَ عَلَيهِ فَنَادَى في الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالمِينَ . فَاستَجَبنَا لَهُ وَنَجَّينَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي المُؤمِنِينَ " لَقَدِ ابتُلِيَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ بِظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ : ظُلمَةُ البَحرِ وَظُلمَةُ بَطنِ الحُوتِ وَظَلامُ اللَّيلِ ، وَمَا هُوَ إِلاَّ أَنِ ابتَهَلَ إِلى رَبِّهِ وَدَعَاهُ دُعَاءَ المُعَظِّمِ لِرَبِّهِ المُقِرِّ بِذَنبِهِ ، حَتى جَاءَتهُ الاستِجَابَةُ لِتُنقِذَه مِن تِلكَ الظُّلُمَاتِ . وَأَمَّا زَكَرِيَّا ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ فَإِنَّهُ لم يُرزَقْ وَلَدًا تَقَرُّ بِهِ عَينُهُ ، فَدَعَا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَنَادَاهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرني فَردًا وَأَنتَ خَيرُ الوَارِثِينَ . فَاستَجَبنَا لَهُ وَوَهَبنَا لَهُ يَحيى وَأَصلَحنَا لَهُ زَوجَهُ " نَعَم ، لَقَدِ استَجَابَ اللهُ دُعَاءَهُ وَوَهَبَهُ الوَلَدَ مَعَ كِبَرِ سِنِّهِ وَكِبَرِ سِنِّ زَوجِهِ ، وَلَكِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، فَاستَجَابَ لَهُ وَرَزَقَهُ يَحيى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ . لَقَدِ استَجَابَ اللهُ ـ تَعَالى ـ لأَنبِيَائِهِ ، وَآتَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُم سُؤلَهُ ، فَمَا سِرُّ تِلكَ الاستِجَابَاتِ ؟! إِنَّ الجَوَابَ الشَّافيَ مَوجُودٌ في سُورَةِ الأَنبِيَاءِ نَفسِهَا ، ذَكَرَهُ ـ تَعَالى ـ بَعدَ ذِكرِهِ دُعَاءَ أَنبِيَائِهِ وَاستِجَابَتَهُ لهم ، فَمَاذَا قَالَ ـ تَعَالى ـ عَنهُم ؟ وَبِأَيِّ شَيءٍ وَصَفَهُم ؟ لَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ عَنهُم : " إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ في الخَيرَاتِ وَيَدعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ " ذَلِكُم هُوَ سِرُّ استِجَابَةِ اللهِ لَهُم ، وَتِلكَ هِيَ الصِّفَاتُ العَظِيمَةُ الَّتي استَحَقُّوا بها الإِجَابَةَ ، إِنَّهَا صِفَاتٌ بَيِّنَةٌ ، وَشُرُوطٌ وَاضِحَةٌ ، وَطَرِيقٌ لا لَبسَ فِيهَا وَلا غُمُوضَ " إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ في الخَيرَاتِ وَيَدعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ " مُسَارَعَةٌ في الخَيرَاتِ ، وَخَوفٌ وَرَجَاءٌ ، وَخُشُوعٌ وَخُضُوعٌ ، فَأَينَ نَحنُ مِن هَذِهِ الصِّفَاتِ ؟ وَمَا حَالُنَا في شَهرِنَا مَعَ الخَيرَاتِ ، هَل نَحنُ في الخَيرَاتِ مُسَارِعُونَ ؟ وَإلى أَسبَابِ المَغفِرَةِ مُسَابِقُونَ ؟ أَم أَنَّنَا مُتَبَاطِئُونَ مُتَكَاسِلُونَ ؟ لِيَنظُرْ كُلٌّ مِنَّا حَالَهُ مَعَ الصَّلَوَاتِ المَفرُوضَةِ أَوَّلاً ، مَا حَظُّهُ مِنَ المُحَافَظَةِ عَلَيهَا مَعَ الجَمَاعَةِ ؟ وَهَل هُوَ حَرِيصٌ عَلَى إِدرَاكِ تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ مَعَ الإِمَامِ ؟ وَإِذَا كَانَ ممَّن يَسهَرُ في لَيلِهِ عَلَى القِيلِ وَالقَالِ أَوِ اللَّعِبِ أَو مُشَاهَدَةِ القَنَوَاتِ ، فَهَل هُوَ ممَّن يُفَوِّتُ صَلاةَ الفَجرِ وَلا يَحسِبُ لها حِسَابًا ؟ وَإِذَا كَانَ ممَّن يَتَحَامَلُونَ عَلَى أَنفُسِهِم حَتى يُصَلُّوا الفَجَرَ مَعَ الجَمَاعَةِ ، فَكَيفَ حَالُهُ مَعَ صَلاتَيِ الظُّهرِ وَالعَصرِ ؟ إِنَّ ذَلِكُم هُوَ أَعظَمُ مِيزَانٍ لِمَعرِفَةِ حَظِّ النَّفسِ مِنَ المُسَارَعَةِ في الخَيرَاتِ ، إِنَّهَا الصَّلَوَاتُ ، فَمَن كَانَ عَلَيهَا مُحَافِظًا ، وَلِخَمسِهَا مَعَ الجَمَاعَةِ شَاهِدًا ، وَعَلَى إِدرَاكِ تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ حَرِيصًا ، فَهُوَ فِيمَا سِوَاهَا مِنَ الخَيرَاتِ مُسَارِعٌ ، مَن حَافَظَ عَلَى الصَّلاةِ كَمَا يَجِبُ ، دَفَعَهُ ذَلِكَ إِلى أَدَاءِ الزَّكَاةِ ، وَحَمَلَهُ عَلَى الإِنفَاقِ في سَبِيلِ اللهِ ، وَسَهَّلَ عَلَيهِ حِفظَ جَوَارِحِهِ عَنِ الحَرَامِ وَاقتِرَافِ الآثَامِ ، وَأَحيَا قَلبَهُ فَحَفِظَ عَهدَهُ وَقَامَ بما يَجِبُ عَلَيهِ لِرَبِّهِ وَلِخَلقِهِ ، وَاقرَؤُوا في ذَلِكَ قَولَ رَبِّكُم ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا , وَإِذَا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعًا . إِلاَّ المُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم دَائِمُونَ . وَالَّذِينَ في أَموَالِهِم حَقٌّ مَعلُومٌ . لِلسَّائِلِ وَالمَحرُومِ . وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَومِ الدِّينِ . وَالَّذِينَ هُم مِن عَذَابِ رَبِّهِم مُشفِقُونَ . إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِم غَيرُ مَأمُونٍ . وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ . إِلاَّ عَلَى أَزوَاجِهِم أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ . وَالَّذِينَ هُم لأَمَانَاتِهِم وَعَهدِهِم رَاعُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ . وَالَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم يُحَافِظُونَ . أُولَئِكَ في جَنَّاتٍ مُكرَمُونَ " لَقَد بُدِئَت صِفَاتُ هَؤُلاءِ المُسَارِعِينَ في الخَيرَاتِ بِالصَّلاةِ وَخُتِمَت بِالصَّلاةِ ، فَاتَّقُوا اللهَ يَا مَن تَرجُونَ أن يُجِيبَ اللهُ في هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ دُعَاءَكُم ، وَيَسمَعَ نِدَاءَكُم وَيُحَقِّقَ رَجَاءَكُم ، وَسَارِعُوا في الخَيرَاتِ وَحَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ، ثم ليَكُنْ دَافِعُكُم في ذَلِكَ الرَّغبَةَ فِيمَا عِندَ اللهِ مِنَ النَّعِيمِ المُقِيمِ ، وَالرَّهبَةَ ممَّا أَعَدَّهُ مِن العَذَابِ الأَلِيمِ ، كُونُوا بَينَ خَوفٍ وَرَجَاءٍ ، تَذَكَّرُوا أَنَّ عِندَ اللهِ جَنَّةً أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ ، وَنَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ أُعِدَّت لِلكَافِرِينَ ، وَلْيَكُنْ ذَلِكَ سَبَبًا في خُشُوعِكم بَينَ يَدَي رَبِّكُم ، خُشُوعًا عَامًّا في كُلِّ أَمرِكُم ، لَيسَ في صَلاتِكُم وَدُعَائِكُم فَحَسبُ ، وَلَكِنْ في كُلِّ أَمرِكُم وَجَمِيعِ شَأنِكُم ، أَطِيبُوا المَطَاعِمَ وَالمَشَارِبَ خَوفًا مِنَ اللهِ ، وَاعفُوا وَاصفَحُوا رَجَاءَ مَا عِندَ اللهِ ، وَأَخبِتُوا إِلى رَبِّكُم وَأَنِيبُوا لَهُ ، وَكُونُوا إِلى الحَقِّ رَجَّاعِينَ ، ذَلِكُم هُوَ شَأنُ الخَاشِعِينَ " الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاقُو رَبِّهِم وَأَنَّهُم إِلَيهِ رَاجِعُونَ " قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَبَشِّرِ المُخبِتِينَ . الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُم وَالمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤمِنُونَ " وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي أُعِدَّت لِلكَافِرِينَ . وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، سَارِعُوا في الخَيرَاتِ ، وَتَسَابَقُوا إِلى الصَّالِحَاتِ ، وَآمِنُوا بِرَبِّكُم إِيمَانَ الصَّادِقِينَ ، وَاحتَسِبُوا كُلَّ مَا تَعمَلُونَهُ وَتُقَدِّمُونَه ُ لِوَجهِ اللهِ ، رَغبَةً فِيمَا عِندَهُ وَخَوفًا ممَّا أَعَدَّهُ ، وَاخشَعُوا لَهُ ـ تَعَالى ـ وَأَخبِتُوا ، ثم أَبشِرُوا بِإِجَابَةِ دُعَائِكُم وَتَحَقُّقِ رَجَائِكُم ، وَنَيلِكُم أَعظَمَ مَرغُوبٍ فِيهِ وَهُوَ جَنَّةُ رَبِّكُم ، فَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " مَن أَصبَحَ مِنكُمُ اليَومَ صَائِمًا ؟ " قَالَ أَبُو بَكرٍ : أَنَا . قَالَ : " فَمَن تَبِعَ مِنكُمُ اليَومَ جَنَازَةً ؟ " قَالَ أَبُو بَكرٍ : أَنَا . قَالَ : " فَمَن أَطعَمَ مِنكُمُ اليَومَ مِسكِينًا ؟ " قَالَ أَبُو بَكرٍ : أَنَا . قَالَ : " فَمَن عَادَ مِنكُمُ اليَومَ مَرِيضًا ؟ " قَالَ أَبو بَكرٍ : أَنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا اجتَمَعنَ في امرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . إِنَّهَا صُورَةٌ مُشرِقَةٌ مِن صُوَرِ المُسَارَعَةِ في الخَيرَاتِ وَاستِبَاقِهَا ، يُطَبِّقُهَا الصِّدِيقُ أَعظَمُ الأُمَّةِ إِيمَانًا بَعدَ نَبِيِّهَا ، لِيُبَيِّنَ لَنَا بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّ المُسَابَقَةَ في الخَيرَاتِ ، سَبَبٌ لِحُصُولِ أَعظَمِ مَرغُوبٍ وَهُوَ الجَنَّةُ ، فَكَيفَ بما عَدَاهُ ممَّا يَسأَلُهُ العَبدُ رَبَّهُ مِن أَمرِ دِينِهِ أَو دُنيَاهُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَكُونُوا مِنَ المُسَارِعِينَ المُسَابِقِينَ المُخبِتِينَ الخَاشِعِينَ ، وَاضرِبُوا في كُلِّ بِرٍّ وَخَيرٍ بِسَهمٍ " وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤمِنِينَ " وَاحذَرُوا ممَّا زَيَّنَهُ الشَّيطَانُ لِبَعضِ العَابِدِينَ ، الَّذِينَ بَدَلاً مِنَ المُسَابَقَةِ في الخَيرَاتِ وَالتَّنَافُسِ في الطاَّعَاتِ ، صَارُوا يَتَسَابَقُونَ إِلى الخُرُوجِ مِنَ المَسَاجِدِ وَالتَّخَفُّفِ مِنَ العِبَادَاتِ . وَصَلاةُ التَّرَاوِيحِ عَلَى ذَلِكَ من الشَوَاهِدِ ، فَاصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ ، فَإِنَّمَا لأَنفُسِكُم تُقَدِّمُونَ " مَن كَفَرَ فَعَلَيهِ كُفرُهُ وَمَن عَمِلَ صَالِحًا فَلأَنفُسِهِم يَمهَدُونَ . لِيَجزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري رمضان والذين جاهدوا ومن يمنون 15 / 9 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ " " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا " " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعظِمْ لَهُ أَجرًا " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَفي وَقتِ الفِتَنِ الَّتي تَمُوجُ بِالأُمَّةِ وَتَعصِفُ بِالقُلُوبِ ، وَيَتَطَلَّعُ المُؤمِنُ الصَّادِقُ الإِيمَانِ إِلى النَّجَاةِ مِنهَا وَالخَلاصِ مِن مُضِلاَّتِهَا ، وَلُقيَا رَبِّهِ عَلَى العَهدِ مُستَقِيمًا عَلَى الصِّرَاطِ ، فَإِنَّهُ لا عِلاجَ وَلا دَوَاءَ ، وَلا مَخرَجَ وَلا مَنجَى ، إِلاَّ الفِرَارُ إِلى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " فَفِرُّوا إِلى اللهِ إِني لَكُم مِنهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ " نَعَم ـ عِبَادَ اللهِ ـ لا مُخَلِّصَ إِلاَّ الإِخلاصُ ، وَلا مُنجِيَ إِلاَّ صِدقُ اللُّجُوءِ إِلى اللهِ ، وَلا سَبِيلَ إِلاَّ اتِّبَاعُ السُّنَنِ وَاقتِفَاءُ الأَثَرِ ، وَمَن صَدَقَ في ذَلِكَ وَكَانَ فِيهِ جَادًّا ، أَكثَرَ مِنَ العِبَادَةِ ، وَجَاهَدَ نَفسَهُ عَلَى الطَّاعَةِ ، عَمَلاً بِقَولِ الهَادِي البَشِيرِ وَالسِّرَاجِ المُنِيرِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " العِبَادَةُ في الهَرجِ كَهِجرَةٍ إِليَّ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ في سُورَةِ العَنكَبُوتِ " الم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لا يُفتَنُونَ . وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ " وَفي هَذِهِ السُّورَةِ الَّتي بَيَّنَت سُنَّةَ الابتِلاءِ وَحَتمِيَّتَهَا ، وَأَنَّهُ لا بُدَّ مِنهَا لِلمُؤمِنِينَ لِيَتَمَيَّزَ الصَّادِقُونَ مِنَ الكَاذِبِينَ ، وَلِيَظهَرَ أَهلُ الجِدِّ وَالفَصلِ مِن أَهلِ الكَسَلِ وَالهَزْلِ ، نَجِدُ أَنَّ المَولى ـ سُبحَانَهُ ـ يُبَيِّنُ لِعِبَادِهِ مُبَاشَرَةً طَرِيقَ النَّجَاةِ وَالخَلاصِ ، لِيَسلُكَهُ مَن كَانَ صَادِقًا وَبِلِقَاءِ اللهِ مُوقِنًا ، حَيثُ يَقُولُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " مَن كَانَ يَرجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ . وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنيٌّ عَنِ العَالمِينَ . وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَلَنَجزِيَنَّه ُم أَحسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعمَلُونَ " إِنَّهَا المُجَاهَدَةُ ـ يَا عِبَادَ اللهِ ـ نَعَم ، إِنَّهَا المُجَاهَدَةُ ، لا بُدَّ لِلمُؤمِنِ مِنهَا مَا دَامَت رُوحُهُ في جَسَدِهِ ، إِذِ الأَعدَاءُ مِن حَولِهِ كَثِيرُونَ ، وَالمُشغِلاتُ وَالمُلهِيَاتُ أَكثَرُ وَأَشَدُّ تَنَوُّعًا وَتَلَوُّنًا ، أَقرَبُهَا نَفسُهُ الَّتي بَينَ جَنبَيهِ ، وَشَرُّهَا شَيطَانُهُ الَّذِي يَجرِي مِنهُ مَجرَى الدَّمِ ، ثم هَوَى النَّفسِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ ، ثم الدُّنيَا الغَرَّارَةُ الخَدَّاعَةُ ، وَلا خَلاصَ مِن ضَلالٍ وَغِوَايَةٍ ، وَلا سَبِيلَ إِلى استِقَامَةٍ وَهِدَايَةٍ ، إِلاَّ بِالإِيمَانِ وَالمُجَاهَدَةِ ، وَالصَّبرِ وَالمُصَابَرَةِ ، وَالثَّبَاتِ وَالمُرَابَطَةِ ، وَمِن ثَمَّ نَجِدُ أَنَّ المَولى ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ كَمَا بَدَأَ سُورَةَ العَنكَبُوتِ بَعدَ ذِكرِ الفِتَنِ بِذِكرِ المُجَاهَدَةِ ، فَقَد خَتَمَهَا بِبَيَانِ ثَمرَةِ المُجَاهَدَةِ ، فَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ " كُلَّ ذَلِكَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ لِيَتَبَيَّنَ لِلمُؤمِنِ أَنَّ طَرِيقَ الجَنَّةِ لَيسَ كَمَا تَتَصَوَّرُ بَعضُ النُّفُوسِ الضَّعِيفَةُ أَو تَتَمَنَّى وَتَتَشَهَّى ، يُنَالُ بِأَقَلِّ الجُهدِ وَأَيسَرِ العَمَلِ ، أَو بِاتَّبِاعِ هَوَى النُّفُوسِ وَكَثرَةِ التَّلَفُّتِ ، دُونَ صَبرٍ وَمُصَابَرَةِ وَمُجَاهَدَةِ ، وَاستِمرَارِ عَلَى الطَّاعَةِ وَاستِقَامَةٍ عَلَى الصِّرَاطِ ، وَإِكرَاهٍ لَهَا لِتَسِيرَ عَلَى مَا سَارَ عَلَيهِ الصَّادِقُونَ المُشَمِّرُونَ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ المُؤمِنَ الصَّادِقَ عَالي الهِمَّةِ ، عَظِيمُ الرَّغبَةِ فِيمَا عِندَ اللهِ مِنَ الجَزَاءِ ، وَمِن ثَمَّ فَهُوَ لا يَقنَعُ بِالدُّونِ ، وَلا يَمِيلُ إِلى الأَقَلِّ وَالأَصغَرِ وَالأَدنى ، بَل هُوَ دَائِمُ التَّطَلُّعِ إِلى الأَكمَلِ وَالأَحسَنِ وَالأَعلَى ، يَستَشعِرُ وَلا سِيَّمَا في مَوَاسِمِ الخَيرَاتِ وَالطَّاعَاتِ كَهَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ أَنَّهُ في مَيدَانِ سِبَاقٍ وَمُنَافَسَةٍ وَمُسَارَعَةٍ ، وَزَمَانِ اغتِنَامٍ لِلأَجرِ وَاستِكثَارٍ مِنَ الأَعمَالِ الفَاضِلَةِ ، وَلِذَا فَهُوَ آخِذٌ إِهبَتَهُ مُعِدٌّ عِدَّتَهُ ، مُشَمِّرٌ عَن سَاعِدِ الجِدِّ وَالاجتِهَادِ ، مُستَعِدٌّ لِيُسَابِقَ إِلى الخَيرِ وَيُنَافِسَ فِيهِ ، مُمتَثِلاً أَمرَ رَبِّهِ حِينَ دَعَا المُؤمِنِينَ المُتَّقِينَ فَقَالَ : " وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أَعِدَّت لِلمُتَّقِينَ " وَقَالَ : " سَابِقُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا كَعَرضِ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ " وَحِينَ قَالَ بَعدَ أَن وَصَفَ شَيئًا مِن نَعِيمِ الجَنَّةِ : " وَفي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُون َ " وَالمُؤمِنُ حِينَ يَفعَلُ ذَلِكَ إِنَّمَا يَفعَلُه أَمَلاً في أَن يَكُونَ ممَّنَ امتَدَحَهُمُ اللهُ ـ تَعَالى ـ حَيثُ قَالَ : " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ . في جَنَّاتِ النَّعِيمِ " إِنَّ المُؤمِنَ العَاقِلَ لَيَعلَمُ أَنَّهُ لا بُدَّ في هَذَا السِّبَاقِ العَظِيمِ وَالسُّوقِ الرَّابِحَةِ وَالمُوسِمِ الكَرِيمِ ، مِن مُجَاهَدَةِ النَّفسِ وَمُغَالَبَتِهَ ا ، وَحَملِهَا عَلَى مَا تَكرَهُ وَنَهيِهَا عَنِ الهَوَى ، وَعَدَمِ التَّنَازُلِ مَعَهَا فِيمَا تَشتَهِي ، إِذْ هُوَ يَعلَمُ أَنْ لا سَبِيلَ لِنَجَاتِهَا إِلاَّ بِتَجَرُّعِهَا مَرَارَةَ الصَّبرِ وَتَحَمُّلِهَا مَشَقَّةَ الطَّاعَةِ ، وَأَنَّ تَركَهَا تَتَمَتَّعُ بِحَلاوَةِ الشَّهَوَاتِ العَاجِلَةِ وَلَذَّةِ الرَّغَبَاتِ القَرِيبَةِ ، إِنَّمَا هُوَ الرِّضَا بِانزِلاقِهَا لِلحَضِيضِ بَعدَ حِينٍ ، وَمَن كَانَ في شَكٍّ مِن ذَلِكَ أَو نِسيَانٍ لَهُ ، فَلْيَستَمِعْ قَولَ النَّاصِحِ الصَّادِقِ المُشفِقِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ في الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ : " حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ " وَعِندَ مُسلِمٍ : " حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّكُم في مَوسِمٍ عَظِيمٍ مَضَى نِصفُهُ وَذَهَبَ شَطرُهُ ، وَيُوشِكُ أَن تَتَصَرَّمَ أَيَّامُهُ سَرِيعًا وَتَنقَضِي لَيَالِيهِ جمِيعًا ، وَالغَافِلُ في غَفلَتِهِ وَالمُفَرِّطُ في سِنَتِهِ ، أَلا فَلا تُغلَبُنُّ عَلَى مُجَاهَدَةِ النُّفُوسِ عَلَى الخَيرِ ، وَتَصبِيرِهَا في مَوَاطِنِ العِبَادَةِ ، وَرَبطِهَا في مَيَادِينِ الطَّاعَةِ ، فَإِنَّ بَينَ أَيدِيكُم فُرَصًا لِلتَّنَافُسِ وَالمُسَابَقَةِ لا تُنَالُ بِالرَّاحَةِ ، وَصُوَرًا جَلِيلَةً مِنَ القُربَةِ وَالعِبَادَةِ لا يَصبِرُ عَلَيهَا إِلاَّ السَّابِقُونَ المُجَاهِدُونَ ، كَالتَّبكِيرِ إِلى الصَّلَوَاتِ المَكتُوبَاتِ ، وَالحِرصِ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ في الجُمَعِ وَالجَمَاعَاتِ ، وَالقُربِ مِنَ الإِمَامِ وَإِدرَاكِ تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لَو يَعلَمُ النَّاسُ مَا في النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثم لم يَجِدُوا إِلاَّ أَن يَستَهِمُوا عَلَيهِ لاستَهَمُوا ، وَلَو يَعلَمُونَ مَا في التَّهجِيرِ لاستَبَقُوا إِلَيهِ ، وَلَو يَعلَمُونَ مَا في العَتَمَةِ وَالصُّبحِ لأَتوهُمَا وَلَو حَبوًا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ثم إِنَّ دُونَ ذَلِكَ وَقَرِيبًا مِنهُ عِبَادَاتٍ وَطَاعَاتٍ وَنَوَافِلَ وَقُرُبَاتٍ ، تَحتَاجُ إِلى صَبرٍ وَمُصَابَرَةٍ وَمُجَاهَدَةٍ ، مِن أَدَاءِ الزَّكَاةِ لِمَنِ اعتَادَ إِخَرَاجَهَا في هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ ، وَتَفطِيرِ الصَّائِمِينَ ، وَبَذلِ الصَّدَقَاتِ وَتَفرِيجِ الكُرُبَاتِ ، وَالمُحَافَظَةِ عَلَى السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَالإِكثَارِ مِنَ النَّوَافِلِ ، وَزَمِّ الأَلسِنَةِ عَنِ الهَمزِ وَاللَّمزِ وَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَقَولِ الزَّورِ ، وَإِلزَامَهَا قِرَاءَةَ القُرآنِ وَذِكرَ اللهِ وَالدُّعَاءَ ، وَأَدَاءِ صَلاةِ القِيَامِ وَإِتمَامِهَا مَعَ الإِمَامِ ، وَعَدَمِ التَّضَجُّرِ ممَّن يَحرِصُ مِن مُوَفَّقِي الأَئِمَّةِ عَلَى إِتمَامِهَا في القِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالذِّكرِ وَالدُّعَاءِ ، وَالأَهَمُّ مِن ذَلِكَ وَالأَعظَمُ ، شُكرُ اللهِ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ وَوَفَّقَ إِلَيهِ وَهَدَى ، وَالحَذَرُ مِنَ استِكثَارِ العَمَلِ أَوِ المَنِّ بِهِ وَالأَذَى ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " قَالَتِ الأَعرَابُ آمَنَّا قُلْ لم تُؤمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسلَمنَا وَلَمَّا يَدخُلِ الإِيمَانُ في قُلُوبِكُم وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتكُم مِن أَعمَالِكُم شَيئًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لم يَرتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم في سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ . قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُم وَاللهُ يَعلَمُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ . يَمُنُّونَ عَلَيكَ أَنْ أَسلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسلامَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيكُم أَنْ هَدَاكُم لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُم صَادِقِينَ . إِنَّ اللهَ يَعلَمُ غَيبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بما تَعمَلُونَ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ، وَاحذَرُوا أَسبَابَ سَخَطِ المَولى ـ جَلَّ وَعَلا ـ فَإِنَّ أَجسَامَكُم عَلَى النَّارِ لا تَقوَى ، وَجَاهِدُوا النُّفُوسَ عَلَى مَا يُنجِيهَا وَيُورِدُهَا جَنَّةَ المَأوَى ، فَإِنَّهُ لا نَجَاةَ وَلا خَلاصَ إِلاَّ بِالمُجَاهَدَةِ ، قَالَ الإِماَمُ ابنُ القَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : مُعَلِّقًا عَلَى قَولِهِ ـ تَعَالى ـ : " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا " قَالَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : عَلَّقَ ـ سُبحَانَهُ ـ الهِدَايَةَ بِالجِهَادِ ، فَأَكمَلُ النَّاسِ هِدَايَةً أَعظَمُهُم جِهَادًا ، وَأَفرَضُ الجِهَادِ جِهَادُ النَّفسِ وَجِهَادُ الهَوَى وَجِهَادُ الشَّيطَانِ وَجِهَادُ الدُّنيَا ، فَمَن جَاهَدَ هَذِهِ الأَربَعَةَ في اللهِ ، هَدَاهُ اللهُ سُبُلَ رِضَاهُ المُوصِلَةَ إِلى جَنَّتِهِ ، وَمَن تَرَكَ الجِهَادَ فَاتَهُ مِنَ الهُدَى بِحَسَبِ مَا عَطَّلَ مِنَ الجِهَادِ . اِنتَهَى كَلامُهُ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ وَهُوَ كَلامُ إِمَامٍ عَالمٍ عَامِلٍ ، وَتَأَمَّلُوا مِنهُ قَولَهُ : فَأَكمَلُ النَّاسِ هِدَايَةً أَعظَمُهُم جِهَادًا ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ ـ وَاللهُ أَعلَمُ ـ مِن قَولِهِ ـ تَعَالى ـ في نِهَايَةِ الآيَةِ نَفسِهَا حَيثُ قَالَ : " وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ " وَالمُحسِنُونَ الَّذِينَ نَالُوا شَرَفَ مَعِيَّةِ اللهِ لهم بِالتَّأيِيدِ وَالعُونِ وَالنَّصرِ وَالهِدَايَةِ ، لَيسُوا هُمُ المُتَفَضِّلِين َ كَمَا قَد يُخَيَّلُ لِبَعضِ النُّفُوسِ الضَّعِيفَةِ الفَقِيرَةِ ، الَّتي بُلِيَت بِالمَنِّ عَلَى رَبِّهَا بما تَعمَلُ وَاستِكثَارِ مَا تُقَدِّمُ ، وَلَكِنَّ المُحسِنِينَ ـ وَرَبِّ الكَعبَةِ ـ هُمُ المُتقِنُونَ لأَعمَالِهِم ، المُخلِصُونَ فِيهَا لِرَبِّهِم ، الحَرِيصُونَ عَلَى الإِتيَانِ بها عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّهِم ، وَهَؤُلاءِ هُمُ الحَقِيقُونَ بِأَن يَزِيدَهُمُ اللهُ تَوفِيقًا وَتَسدِيدًا جَزَاءً لإِحسَانِهِم ، حَيثُ قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالَّذِينَ اهتَدَوا زَادَهُم هُدًى وَآتَاهُم تَقوَاهُم " وَالإِيمَانُ لَيسَ كَلِمَةً تُقَالُ بِاللِّسَانِ دُونَ أَن يَكُونَ لها حَقِيقَةٌ في القُلُوبِ وَأَثَرٌ في الجَوَارِحِ ، إِنَّهُ أَمَانَةٌ وَتَكَالِيفُ وَأَعبَاءٌ ، وَجِهَادٌ وَصبرٌ وَمُصَابَرَةٌ ، وَجُهدٌ يَحتَاجُ إِلى احتِمَالٍ ، فَأَينَ مِن ذَلِكَ مَن يَمضِي عَلَيهِمُ الشَّهرُ الكَرِيمُ وَهُم يُمَاطِلُونَ وَيُسَوِّفُونَ وَلا يُجَاهِدُونَ ؟ أَينَ مِنهُ مَن يَتَتَبَّعُونَ أَخَفَّ المَسَاجِدِ صَلاةً وَأَعجَلَهُمُ انصِرَافًا وَأَسرَعَهُم خُرُوجًا ؟ بَل أَينَ مِنهُ مَن لا يَكَادُونَ يُدرِكُونَ خَمسَ الفَرَائِضِ مَعَ الجَمَاعَةِ ؟ وَمَن قَد يَبخَلُونَ بِالزَّكَاةِ وَمَن لا يَتَصَدَّقُونَ وَلا يُفَطِّرُونَ ؟ أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنيُّ الحَمِيدُ . إِنْ يَشَأْ يُذهِبْكُم وَيَأتِ بِخَلقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ . وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى وَإِنْ تَدعُ مُثقَلَةٌ إِلى حِملِهَا لا يُحمَلْ مِنهُ شَيءٌ وَلَو كَانَ ذَا قُربى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفسِهِ وَإِلى اللهِ المَصِيرُ " اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ ثَبَاتًا عَلَى الحَقِّ وَنَجَاةً مِنَ الفِتَنِ ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ ، اللَّهُمَّ لَولاكَ مَا اهتَدَينَا وَلا تَصَدَّقنَا وَلا صُمنَا وَلا صَلَّينَا ، اللَّهُمَّ فَاغفِرْ لَنَا مَا قَدَّمنَا وَمَا أَخَّرنَا ، وَمَا أَسرَرنَا وَمَا أَعلَنَّا وَمَا أَسرَفَنَا ، وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا ، أَنتَ المُقَدِّمُ وَأَنتَ المُؤَخِّرُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري عشر رمضان وإحسان العمل 22 / 9 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَكُلُوا مِن رِزقِهِ وَاشكُرُوا لَهُ وَلا تَكفُرُوهُ " لَيسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَأَحسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَا مِن مُسلِمٍ يَشهَدُ شَهَادَةَ الحَقِّ وَيَلتَزِمُ شَرَائِعَ الإِسلامِ ، فَيُصلِي وَيَصُومُ وَيُؤَدِّي حَقَّ اللهِ عَلَيهِ في مَالِهِ وَيَحُجُّ وَيَعتَمِرُ ، وَيَفعَلُ الخَيرَ جُهدَهُ وَيَتَحَرَّى البِرَّ طَاقَتَهُ ، إِلاَّ وَهُوَ يَرجُو رَحمَةَ اللهِ ، نَعَم ـ عِبَادَ اللهِ ـ إِنَّ السَّائِرِينَ إِلى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ مَهمَا اختَلَفَتِ الطُّرُقُ الَّتي يَسلُكُونَهَا بَعدَ المُحَافَظَةِ عَلَى أَركَانِ الإِسلامِ وَوَاجِبَاتِهِ الظَّاهِرَةِ ، فَإِنَّ مَقصِدَهُم تَحصِيلُ رَحمَةِ اللهِ وَالفَوزُ بِجَنَّتِهِ " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا في سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرجُونَ رَحمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " أَفَتَدرُونُ ـ عِبَادَ اللهِ ـ مَن هُم أَقرَبُ النَّاسِ مِن رَحمَةِ اللهِ وَمَن أُولَئِكَ المُستَحِقُّونَ لها ؟! إِنَّهُمُ المُحسِنُونَ ، نَعَم ، إِنَّهُمُ المُحسِنُونَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلا تُفسِدُوا في الأَرضِ بَعدَ إِصلاحِهَا وَادعُوهُ خَوفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ " فَمَن هُمُ المُحسِنُونَ ـ يَا عِبَادَ اللهِ ـ ؟! إِنَّ مِن أَخَصِّ صِفَاتِهِم مَا وَرَدَ في الآيَةِ السَّابِقَةِ ، مِن أَنَّهُم أَهلُ الإِصلاحِ في الأَرضِ وَعَدَمِ الإِفسَادِ ، وَشَرُّ الإِفسَادِ في الأَرضِ هُوَ إِتيَانُ المَعَاصِي وَاقتِرَافُ السَّيِّئَاتِ وَالمُوبِقَاتِ ، وَأَعظَمُ الإِصلاحِ لها فِعلُ الطَّاعَاتِ وَالتَّزَوُّدُ مِنَ الحَسَنَاتِ وَالاستِكثَارُ مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالحَاتِ ، فَإِنَّ المَعَاصِيَ وَالسَّيِئَاتِ تُفسِدُ الأَعمَالَ وَالأَخلاقَ ، وَتُنَغِّصُ المَعَايَشَ وَتُضَيِّقُ الأَرزَاقَ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " ظَهَرَ الفَسَادُ في البَرِّ وَالبَحرِ بمَا كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا " وَأَمَّا الطَّاعَاتُ وَالصَّالحَاتُ ، فَبِهَا تَصلُحُ الأَخلاقُ وَتَزكُو الأَعمَالُ ، وَتَتَّسِعُ الأَرزَاقُ وَيُفسَحُ في الآجَالِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ أَهلَ الإِحسَانِ حَرِيصُونَ عَلَى الاستِكثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالصَّالحَاتِ ، بَعِيدُونَ عَنِ الإِصرَارِ عَلَى المَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ ، ثم هُم مَعَ ذَلِكَ شَدِيدُو اللَّجَأِ إِلى رَبِّهِم ـ جَلَّ وَعَلا ـ يَدعُونَهُ دُعَاءَ عِبَادَةٍ بِأَفعَالِهِم وَأَحوَالِهِم ، وَدُعَاءَ مَسأَلَةٍ بِتَضَرُّعِهِم وَأَقوَالِهِم ، خَوفًا مِن عِقَابِهِ وَطَمَعًا في ثَوَابِهِ ، لا يَستَكثِرُونَ عَلَيهِ أَعمَالَهُم الصَّالحَةَ مَهمَا عَظُمَت أَو تَنَوَّعَت ، وَلا يَمُنُّونَ بما قَدَّمُوا وَلا يُعجَبُونَ بِأَنفُسِهِم ، وَلا يَدعُونَ دُعَاءَ مَن هُوَ غَافِلٌ لاهٍ مُلتِفَتٌ عَن رَبِّهِ ، وَلَكِنَّهُم يَطمَعُونَ في قَبُولِ أَعمَالِهِم وَدَعَوَاتِهِم بِرَحمَةِ رَبِّهِم ، وَيَخَافُونَ مِن رَدِّهَا بِسَيِئٍ فَعَلُوهُ أَو تَقصِيرٍ أَتَوهُ . وَهُم مَعَ إِحسَانِهِم في عِبَادَةِ رَبِّهِم مُحسِنُونَ إِلى خَلقِهِ ، لِعِلمِهِم وِيَقِينِهِم أَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ العَبدُ أَكثَرَ إِحسَانًا ، كَانَ رَبُّهُ قَرِيبًا مِنهُ بِرَحمَتِهِ وَمَعِيَّتِهِ ، وَمَن كَانَ مِنَ اللهِ قَرِيبًا وَكَانَ اللهُ مِنهُ قَرِيبًا ، كَانَ إِلَيهِ حَبِيبًا وَكَانَ ـ تعالى ـ لَهُ مُجِيبًا . قَالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : وَإِنَّمَا اُختُصَّ أَهلُ الإِحسَانِ بِقُربِ الرَّحمَةِ لأَنَّهَا إحسَانٌ مِن اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَرحَمِ الرَّاحِمِينَ ، وَإِحسَانُهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ إنَّمَا يَكُونُ لأَهلِ الإِحسَانِ ؛ لأَنَّ الجَزَاءَ مِن جِنسِ العَمَلِ ، وَكُلَّمَا أَحسَنُوا بِأَعمَالِهِم أَحسَنَ إلَيهِم بِرَحمَتِهِ ، وَأَمَّا مَن لم يَكُن مِن أَهلِ الإِحسَانِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَعُدَ عَن الإِحسَانِ بَعُدَت عَنهُ الرَّحمَةُ ، بُعدٌ بِبُعدٍ وَقُربٌ بِقُربٍ ، فَمَن تَقَرَّبَ إلَيهِ بِالإِحسَانِ تَقَرَّبَ اللهُ إلَيهِ بِرَحمَتِهِ ، وَمَن تَبَاعَدَ عَن الإِحسَانِ تَبَاعَدَ اللهُ عَنهُ بِرَحمَتِهِ . انتَهَى كَلامُهُ رَحِمَهُ اللهُ . وَمِن صِفَاتِ المُحسِنِينَ مَا وَصَفَهُم بِهِ رَبُّهُم حَيثُ قَالَ : " إِنَّ المُتَّقِينَ في جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . آخِذِينَ مَا آتَاهُم رَبُّهُم إِنَّهُم كَانُوا قَبلَ ذَلِكَ مُحسِنِينَ . كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيلِ مَا يَهجَعُونَ . وَبِالأَسحَارِ هُم يَستَغفِرُونَ , وَفي أَموَالِهِم حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالمَحرُومِ " وَيَا للهِ ! كَم هِيَ مُتَحَقِّقَةٌ تِلكَ الصِّفَاتُ فِيمَن وَفَّقَهُمُ اللهُ في هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ وَلا سِيَّمَا في هَذِهِ العَشرِ المُبَارَكَةِ ، فَأَخَذُوا أَنفُسَهُم بِالجِدِّ والصَّبرِ وَالحِرصِ عَلَى الإِحسَانِ ، فَأَسهَرُوا لَيلَهُم في صَلاةٍ وَذِكرٍ وَدُعَاءٍ وَطُولِ قِيَامٍ ، وَأَظمَؤُوا نَهَارَهُم بِالصِّيَامِ ، وَلم يَجعَلُوا لما يُنفِقُونَهُ في سَبِيلِ اللهِ قَدرًا مَعلُومًا ، بَل أَطلَقُوا أَيدِيَهُم في الخَيرِ طَلَبًا لما عِندَ اللهِ ، وَهُم مَعَ ذَلِكَ مُستَغفِرُونَ ، أَوَّابُونَ تَوَّابُونَ ، لم يَرُوغُوا رَوَغَانِ البَطَّالِينَ وَلم يَلتَفِتُوا التِفَاتَ العَاجِزِينَ ، الَّذِينَ إِمَّا أَن يَتَتَبَّعُوا المَسَاجِدَ الَّتي تَسرِقُ الصَّلاةَ بِعَدَمِ الطُّمَأنِينَةِ وَالخُشُوعِ وَقِلَّةِ ذِكرِ اللهِ ، وَإِمَّا أَن يَأخُذُوا مَعَ الإِمَامِ رَكعَتَينِ أَو أَربَعًا ثم يَنصَرِفُوا قَبلَ انصِرَافِهِ ، شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِقِلَّةِ الصَّبرِ وَعَدَمِ الاهتِمَامِ بِتَجوِيدِ العَمَلِ وَإِتقَانِهِ . إِنَّ المُحسِنِينَ لم يَجتَهِدُوا وَيَصبِرُوا ، إِلاَّ لِعِلمِهِم أَنَّ إِحسَانَهُم في عَمَلِهِم إِنَّمَا هُوَ إِحسَانٌ لأَنفُسِهِم في دُنيَاهُم وَأُخرَاهُم ، وَلِيَقِينِهِم أَنَّ ذَلِكَ الإِحسَانَ هُوَ الطَّرِيقُ المُوصِلُ لِمَعِيَّةِ اللهِ لهم وَمَحَبَّتِهِ إِيَّاهُم ، وَمِن ثَمَّ الفَوزُ بِجَنَّتِهِ وَالنَّظَرِ إِلى وَجهِهِ الكَرِيمِ ، كَمَا قَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنْ أَحسَنتُم أَحسَنتُم لأَنفُسِكُم وَإِنْ أَسَأتُم فَلَهَا " وَكَمَا قَالَ : " لِلَّذِينَ أَحسَنُوا في هَذِهِ الدُّنيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيرٌ " وَقَالَ : " إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ " وَقَالَ : " وَأَحسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحسِنِينَ " وَقَالَ : " لِلَّذِينَ أَحسَنُوا الحُسنى وَزِيَادَةٌ " وَقَالَ : " وَيَجزِي الَّذِينَ أَحسَنُوا بِالحُسنى " وَقَالَ : " إِنَّ المُتَّقِينَ في ظِلالٍ وَعُيُونٍ . وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشتَهُونَ . كُلُوا وَاشرَبُوا هَنِيئًا بما كُنتُم تَعمَلُونَ . إِنَّا كَذِلَكَ نَجزِي المُحسِنِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد مَضَى مِن شَهرِكُمُ الثُّلُثَانِ وَلَيلَتَانِ ، وَلم يَبقَ إِلاَّ سَبعُ لَيَالٍ أَو ثَمَانٍ ، فَاللهَ اللهَ بِإِتقَانِ العَمَلِ وَالإِحسَانِ ، فَـ" إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلاً أَن يُتقِنَهُ " وَإِيَّاكُم وَمَا اعتَادَهُ بَعضُ النَّاسِ في كُلِّ رَمَضَانَ ، حَيثُ يَنشَطُونَ قَلِيلاً في أَوَّلِ الشَّهرِ ، ثم لا يَزَالُ بهم التَّقصِيرُ في أَوسَطِهِ ، فَإِذَا مَا حَضَرَت عَشرُ البَرَكَةِ وَالعَفوِ وَالغُفرَانِ ، تَرَكُوا المَسَاجِدَ الَّتي هِيَ أَحَبُّ البِقَاعِ إِلى اللهِ ، وَانصَرَفُوا إِلى الأَسوَاقِ الَّتي هِيَ أَبغَضُ البِقَاعِ إِلَيهِ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاختِمُوا شَهرَكُم بِخَيرِ عَمَلِكُم فَـ" إِنَّمَا الأَعمَالُ بِالخَوَاتِيمِ " وَاستَقِيمُوا عَلَى طَاعَةِ رَبِّكُم وَاصبِرُوا فَـ" إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ " " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم تُوعَدُونَ . نَحنُ أَولِيَاؤُكُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلاً مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ، وَاقتَدُوا بِنَبِيِّكُم المُصطَفَى وَالحَبِيبِ المُجتَبى ، فَقَد كَانَ مِن إِحسَانِهِ العَمَلَ وَإِتقَانِهِ ، أَن يَختِمَ رَمَضَانَ بِمُضَاعَفَةِ العَمَلِ في عَشرِهِ الأَخِيرَةِ ، عَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَجتَهِدُ في العَشرِ الأَوَاخِرِ مَا لا يَجتَهِدُ في غَيرِهِ . رَوَاهُ مُسلِمٌ , وَعَنها ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : كَانَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِذَا دَخَلَ العَشرُ شَدَّ مِئزَرَهُ وَأَحيَا لَيلَهُ وَأَيقَظَ أَهلَهُ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ وَهَذَا لَفظُ البُخَارِيِّ . وَقَد بَلَغَ بِهِ الاجتِهَادُ وَالتَّفَرُّغُ لِلطَّاعَةِ وَالحِرصُ عَلَى إِحسَانِ العَمَلِ وَطَلَبِ لَيلَةَ القَدرِ ، أَنْ كَانَ يَعتَكِفُ في مَسجِدِهِ وَيَعتَزِلُ النَّاسَ ، فَعَن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : اِعتَكَفَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَشرَ الأُوَلِ مِن رَمَضَانَ وَاعتَكَفنَا مَعَهُ ، فَأَتَاهُ جِبرِيلُ فَقَالَ : إِنَّ الَّذِي تَطلُبُ أَمَامَكَ . فَاعتَكَفَ العَشرَ الأَوسَطَ فَاعتَكَفنَا مَعَهُ ، فَأَتَاهُ جِبرِيلُ فَقَالَ : إِنَّ الَّذِي تَطلُبُ أَمَامَكَ . فَقَامَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشرِينَ مِن رَمَضَانَ فَقَالَ : " مَن كَانَ اعتَكَفَ مَعَ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَلْيَرجِعْ ؛ فَإِنِّي أُرِيتُ لَيلَةَ القَدرِ وَإِنِّي نُسِّيتُهَا ، وَإِنَّهَا في العَشرِ الأَوَاخِرِ في وِترٍ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . فَاجتَهِدُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ فَإِنَّمَا هِيَ عَشرُ لَيَالٍ أَو تِسعٌ ، مَن قَامَهَا مَعَ الإِمَامِ ، فَهُوَ حَرِيٌّ بِإِدرَاكِ لَيلَةِ القَدرِ وَالفَوزِ بِعَظِيمِ الأَجرِ ، وَأَمَّا الاشتِغَالُ بِتَحدِيدِ لَيلَةِ القَدرِ وَالبَحثِ عَن عَلامَاتِهَا ، فَإِنَّمَا هُوَ ممَّا أَملَتهُ نُفُوسُ المُتَكَاسِلِين َ عَلَيهِم ، وَشَغَلَهُم بِهِ الشَّيطَانُ عَمَّا أَرَادَهُ رَبُّهُم إِذْ أَخفَى لَيلَةَ عَنهُم لِيَجتَهِدُوا وَيُكثِرُوا مِنَ الطَّاعَةِ ، فَيَعظُمَ لهم بِذَلِكَ الأَجرُ وَيُحَطَّ عَنهُمُ الوِزرُ ، فَاتَّقُوا اللهَ وَاشتَغِلُوا بما يَنفَعُكُم ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ طَالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ فَقَسَت قُلُوبُهُم ، فَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ مَعدُودَةٌ وَأَعمَارٌ مَحدُودَةٌ ، وَالعِبرَةُ بِكَمَالِ النِّهَايَاتِ لا بِنَقصِ البِدَايَاتِ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري الله يجزاك خير موضوع مفيد |
| الساعة الآن 08:26 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
-
arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By
Almuhajir
... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...
.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..