![]() |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري على ضفاف العفاف 21 / 5 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " إِنَّ لِلمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِم جَنَّاتِ النَّعِيمِ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، نَستَأذِنُكُمُ اليَومَ لِنُوَجِّهَ الحَدِيثَ لِقُلُوبٍ تَمَلَّكَهَا الحُبُّ وَالهَوَى ، وَاستَولى عَلَيهَا الوِدُّ وَالجَوَى، فَرَفرَفَت بِهِ أَجنِحَتُهَا ، وَتَرَدَّدَ صَوتُهُ في جَوَانِحِهَا ، إِنَّهَا قُلُوبٌ تُحِبُّ وَتُحَبُّ ، وَقَد تَعشِقُ وَتُعشَقُ ، فَتَهِيمُ وَتُتَيَّمُ وَيَصعُبُ رَدُّهَا لِعَافِيَتِهَا ، إِنَّهُم شَبَابٌ عُزَّابٌ ، قُدِّرَ لهمُ العَيشُ في زَمَنٍ خَلَت فِيهِ الأَيدِي مِن ثَقِيلِ الأَعمَالِ وَشَاقِّ الأَشغَالِ ، فَتَفَرَّغَتِ القُلُوبُ وَالعُقُولُ لِلتَّفكِيرِ فِيمَا تُحَصَّلُ بِهِ الشَّهَوَاتُ ، وَالبَحثِ عَمَّا تُنَالُ بِهِ الأَوطَارُ وَالرَّغَبَاتُ ، وَمَالها لا تَفعَلُ وَقَدِ انفَتَحَت عَلَيهَا الأَبوَابُ وَحَاصَرَتهَا جُيُوشُ الخَرَابِ ، وَصَارَت تَرَى مَشَاهِدَ الرَّذِيلَةِ وَصُوَرَ العُهرِ في قَنَوَاتٍ وَجَوَّالاتٍ وَشَبَكَاتٍ ، لا يَحُولُ بَينَهَا وَبَينَ ذَلِكَ حَائِلٌ ، وَلا يَردَعُهَا عَنهُ رَادِعٌ . فَرُحمَاكَ اللَّهُمَّ رُحمَاكَ . أَيُّهَا الشَّبَابُ الحَالِمُونَ ، إِنَّ الحَقِيقَةَ أَكبَرُ ممَّا بِهِ تَحلُمُونَ ، وَالأَمرَ أَعظَمُ مِمَّا تَتَصَوَّرُونَ ، وَالدُّنيَا بِشَهَوَاتِهَا وَملَذَّاتِهَا ، لَيسَت هِيَ الغَايَةَ وَلا مُنتَهَى الآمَالِ ، وَلَكِنَّهَا قَصِيرَةٌ حَقِيرَةٌ قَلِيلَةٌ ، لا تُسَاوِي عِندَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، وَأَنتُم عَنهَا رَاحِلُونَ ، وَإِلى رَبِّكُم رَاجِعُونَ ، وَبِأَعمَالِكُم مَجزِيُّونَ ، وَعَلَى مَا قَدَّمتُم مُحَاسَبُونَ ، وَالمَصِيرُ إِمَّا إِلى جَنَّةِ المَأوَى وَإِمَّا إِلى نَارٍ تَلَظَّى " فَأَمَّا مَن طَغَى . وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنيَا . فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأوَى . وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى . فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى " أَيُّهَا الشَّبَابُ ، مَهمَا تَلَفَّتَ أَصحَابُكُم يَمِينًا وَشِمَالاً ، وَأَغرَتهُم فُتُوَّتُهُم أَو غَرَّهُم رَونَقُ الشَّبَابِ ، فَتَمَرَّدُوا وَتَهَوَّرُوا ، وَلَعِبُوا وَطَرِبُوا ، فَإِنَّ صِفَةَ العَفَافِ هِيَ خَيرُ مَا اتَّصَفَ بِهِ الشَّابُّ المُسلِمُ في حَيَاتِهِ ، لِيَفُوزَ بِرِضَا رَبِّهِ بَعدَ مَمَاتِهِ ، وَمِنَ السَّبعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ " شَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللهِ " وَ" رَجُلٌ دَعَتهُ امرَأَةٌ ذَاتُ مَنصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِني أَخَافُ اللهَ " العَفَافُ أَوِ العِفَّةُ ـ مَعشَرَ الشَّبَابِ ـ سِيمَا الأَنبِيَاءِ وَحِليَةُ العُلَمَاءِ، وَتَاجُ العُبَّادِ وَالأَولِيَاءِ ، العَفَافُ سُلطَانٌ مِن غَيرِ تَاجٍ ، وَغِنىً مِن غَيرِ مَالٍ ، وَقُوَّةٌ مِن غَيرِ بَطشٍ ، العَفَافُ خُلُقٌ كَرِيمٌ وَوَصفٌ زَكِيٌّ ، يَنبُتُ في رَوضِ الإِيمَانِ وَيُسقَى بِمَاءِ الحَيَاءِ ، جُذُورُهُ الإِيمَانُ وَالتَّقوَى ، وَثَمَرَتُهُ نُورٌ في الوُجُوهِ وَصَفَاءٌ لِلقُلُوبِ ، وَانشِرَاحٌ في الصُّدُورِ وَطُمَأنِينَةٌ لِلنُّفُوسِ ، هُوَ عُنوَانُ الأُسَرِ الكَرِيمَةِ ، وَرَمزُ المُجتَمَعَاتِ الطَّاهِرَةِ ، إِنَّهُ سُمُوُّ النَّفسِ عَلَى الشَّهَوَاتِ الدَّنِيئَةِ ، وَتَرَفُّعُ الهِمَّةِ عَمَّا لا يَلِيقُ ، صَاحِبُهُ لَيسَ بِالهَلُوعِ وَلا بِالجَزُوعِ ، وَلَكِنَّهُ مُؤمِنٌ شُجَاعٌ مُفلِحٌ ، دَاخِلٌ فِيمَن وَصَفَهُمُ اللهُ فَقَالَ : " وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ " ثم وَعَدَهُم بِأَغلَى مَا يُنَالُ فَقَالَ : " أُولَئِكَ في جَنَّاتٍ مُكرَمُونَ " " أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ . الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِردَوسَ هُم فِيهَا خَالِدُونَ " وَلَولا أَنَّهُم دَخَلُوا جَنَّةَ العَفَافِ في الدُّنيَا وَأَكرَمُوا أَنفُسَهُم عَنِ الدَّنَايَا ، لما أَكرَمَهُمُ اللهُ في الآخِرَةِ بِأَعلَى الدَّرَجَاتِ وَلما وَهَبَهُم أَحسَنَ العَطَايَا ، وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ لَمَّا ذَكَرَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَهلَ الجَنَّةِ قَالَ : " وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ " وَعِندَ البُخَارِيِّ وَغَيرِهِ : " مَن يَضمَنْ لي مَا بَينَ لَحيَيهِ وَمَا بَينَ رِجلَيهِ أَضمَنْ لَهُ الجَنَّةَ " وَعِندَ الإِمَامِ أَحمَدَ وَغَيرِهِ : " اِضمَنُوا لي سِتًّا أَضمَنْ لَكُمُ الجَنَّةَ : اُصدُقُوا إِذَا حَدَّثتُم ، وَأَوفُوا إِذَا وَعَدتُم ، وَأدُّوا إِذَا ائتُمِنتُم ، وَاحفَظُوا فُرُوجَكُم ، وغُضُّوا أَبصَارَكُم ، وكُفُّوا أَيدِيَكُم " حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . أَيُّهَا الشَّبَابُ ، إِنَّهُ وَإِنْ تَهَيَّأَت في زَمَانِنَا فُرَصٌ أَو تَيَسَّرَت أَسبَابٌ لِمُمَارَسَةِ الرَّذِيلَةِ ، فَإِنَّهَا لَيسَت لَكُم وَحدَكُم ، وَلم تَكُنْ وَلِيدَةَ هَذَا الزَّمَانِ فَحَسبُ ، فَقَد تَهَيَّأَت لِغَيرِكُم ممَّن كَانَ قَبلَكُم ، وَفُتِحَت الأَبوَابُ عَلَى مَصَارِيعِهَا لِبَعضِ سَلَفِكُم ، فَتَرَكُوا مُوَاقَعَةَ الشَّهَوَاتِ للهِ ، إِيمَانًا بِوَعدِهِ وَخَوفًا مِن وَعِيدِهِ ، فَأَعلَى اللهُ ذِكرَهُم وَرَفَعَهُم دَرَجَاتٍ وَأَكرَمَهُم ، أَلم تَقرَؤُوا مَوقِفَ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ، يُوسُفُ بنُ يَعقُوبَ بنِ إِبرَاهِيمَ ـ عَلَيهِمُ السَّلامُ ـ ذَلِكُمُ النَّبيُّ الَّذِي أُوتي مِنَ الحُسنِ وَالجَمَالِ مَا يَزِنُ نِصفَ جَمَالِ العَالَمِينَ ، وَحِينَ ابتُلِيَ بما ابتُلِيَ بِهِ وَهُوَ فَتىً قَد نَأَت بِهِ الدَّارُ وَفَارَقَ الأَهلَ وَالوَطَنَ، وَكَانَ عِندَ امرَأَةِ العَزِيزِ ، فَرَاوَدَتهُ عَن نَفسِهِ " وَغَلَّقَتِ الأَبوَابَ وَقَالَت هَيتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحسَنَ مَثوَايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظَّالِمُونَ " مَعَاذَ اللهِ ، مَا أَعظَمَهَا مِن كَلِمَةٍ في مَوقِفٍ عَصِيبٍ ، لم يَكُنْ ثَمَنُهَا أَنْ فَاتَتهُ شَهوَةٌ فَحَسبُ، وَلَكِنَّ ثَمَنَهَا كَانَ غَالِيًا ، وَعِيدٌ وَتَهدِيدٌ ، وَسَجنٌ وَتَقيِيدٌ ، وَلَكِنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ ، إِذْ تَجَاوَزَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ المِحنَةَ ، ثم آتَاهُ اللهُ المُلكَ وَعَلَّمَهُ مِن تَأوِيلِ الأَحَادِيثِ ، وَجَعَلَهُ مِن عِبَادِهِ المُخلَصِينَ ، في قِصَّةٍ عَظِيمَةٍ لِفَتىً كَرِيمٍ تَرَكَ شَهوَتَهُ خَوفًا مِن رَبِّهِ وَاتِّقَاءً لِغَضَبِهِ ، فَكَانَتِ العَاقِبَةُ أَن أَغنَاهُ اللهُ وَأَنَارَ قَلبَهُ وَأَضَاءَ بَصِيرَتَهُ ، وَعَوَّضَهُ العِلمَ وَالفِرَاسَةَ وَالتَّوفِيقَ . وَمَا يَزَالُ الفَضلُ مِنَ اللهِ ـ سُبحَانَهُ ـ عَلَى أَهلِ العَفَافِ مُستَمِرًّا " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ . جَزَاؤُهُم عِندَ رَبِّهِم جَنَّاتُ عَدنٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ رَبَّهُ " نَعَم " ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ رَبَّهُ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلِمَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ " نَعَم "جَنَّتَانِ " وَفي هَاتَينِ الجَنَّتَينِ " قَاصِرَاتُ الطَّرفِ " ممَّن " كَأَنَّهُنَّ اليَاقُوتُ وَالمَرجَانُ " وَفِيهِنَّ " خَيرَاتٌ حِسَانٌ " وُصِفنَ بِأَنَّهُنَّ " حُورٌ مَقصُورَاتٌ في الخِيَامِ " " لم يَطمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبلَهُم وَلا جَانٌّ " هَذَا جَزَاءُ اللهِ لأَهلِ الإِيمَانِ، عَفُّوا في الدُّنيَا عَنِ النِّسَاءِ الفَاتِنَاتِ وَالغَانِيَاتِ ، فَجُزُوا في الآخِرَةِ بِنِسَاءٍ عَفِيفَاتٍ طَاهِرَاتٍ مُطَهَّرَاتٍ جَمِيلاتٍ ، وَهَل جَزَاءُ الإِحسَانِ إِلاَّ الإِحسَانُ ؟! أَيُّهَا الشَّبَابُ ، أَلم تَقرَؤُوا في صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحمَنِ قَولَ الرَّحمَنِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ : " وَالَّذِينَ لا يَدعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَلا يَزنُونَ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ يَلقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ وَيَخلُدْ فِيهِ مُهَانًا " إِنْ لم تَكُونُوا قَرَأتُم هَذِهِ الآيَةَ أَو كَانَ عَهدُكُم بها بَعِيدًا فَاسمَعُوهَا مَرَّةً أُخرَى وَعُوهَا ، يَقُولُ رَبُّكُم ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالَّذِينَ لا يَدعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَلا يَزنُونَ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ يَلقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ وَيَخلُدْ فِيهِ مُهَانًا " هَل تَأَمَّلتُم وَتَدَبَّرتُم ؟! لَقَد قَرَنَ الرَّحمَنُ بَينَ الشِّركِ وَقَتلِ النَّفسِ وَالزِّنَا ، فَنَفَاهَا جَمِيعًا عَن عِبَادِهِ ، ثم بَيَّنَ جَزَاءَ مَن فَعَلَهَا ، حَيثُ يُضَاعَفُ لَهُ العَذَابُ وَيَخلُدُ في المَهَانَةِ وَالذِّلَّةِ وَالحَقَارَةِ ، وَقَد بَيَّنَ الرَّحِيمُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ طَرَفًا مِن ذَلِكَ العَذَابِ المُهِينِ لِمَن هَتَكَ سِترَ العَفَافِ وَوَقَعَ في الزِّنَا ، فَعَن سَمُرَةَ بنِ جُندُبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ عَنِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " إِنَّهُ أَتَاني اللَّيلَةَ آتِيَانِ ، وَإِنَّهُمَا ابتَعَثَاني ، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لي انطَلِقْ ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا ..." فَذَكَرَ الحَدِيثَ إِلى أَن قَالَ : " فَانطَلَقنَا فَأَتَينَا عَلَى مِثلِ التَّنُّورِ " قَالَ : فَأَحسَبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصوَاتٌ " قَالَ : " فَاطَّلَعنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُم يَأتِيهِم لَهَبٌ مِن أَسفَلَ مِنهُم ، فَإِذَا أَتَاهُم ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوضَوا " الحَدِيثَ ... وَفي آخِرِهِ قَالَ : " وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ في مِثلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَاني " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . فَتَبًّا لِمَن لم يَصبِرْ وَيَتَعَفَّفْ ! وَيَا لَخَسَارَةِ مَن لم يَضبِطْ نَفسَهُ وَيَلزَمِ الحُدُودَ الَّتي شَرَعَها اللهُ لَهُ ، مُتَذَرِّعًا بِغَلَبَةِ الشَّهوَةِ ، أَو مُنسَاقًا وَرَاءَ اللَّذَّةِ ، أَو مُتَأَثِّرًا بِعَالَمِ الانفِتَاحِ عَلَى الرَّذِيلَةِ وَالتَّحلُّلِ مِنَ الفَضِيلَةِ !! أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ مَعَشرَ الشَّبَابِ ـ وَاحذَرُوا مَا يُحَارَبُ بِهِ جَانِبُ العَفَافِ وَالفَضِيلَةِ ، أَو مَا يُحَاوَلُ أَن يُكسَرَ بِهِ حَاجِزُ الحَيَاءِ وَتُنبَذَ بِهِ الحِشمَةُ ، مِن دَعَوَاتِ السُّفُورِ وَالاختِلاطِ في المَدَارِسِ وَالجَامِعَاتِ ، أَو تَسهِيلِ لِقَاءِ الجِنسَينِ في الأَعمَالِ وَالأَسوَاقِ وَالمُؤَتَمَرَا تِ ، أَوِ المَجَالِسِ الثَّقَافِيَّةِ المَزعُومَةِ وَالمُنَتَدَيَا تِ ، أَو مُشَارَكَةِ النِّسَاءِ في الأَلعَابِ وَالمُسَابَقَات ِ ، أَو مَا يُتَنَاقَلُ مِن مَقَاطِعِ العُرِيِّ الفَاضِحَةِ وَمَشَاهِدِ الرَّذِيلَةِ في الجَوَّالاتِ وَالشَّبَكَاتِ ، فَإِنَّ الحَيَاةَ الطَّاهِرَةَ تَحتَاجُ إِلى عَزَائِمِ الأَخيَارِ ، وَأَمَّا عِيشَةُ الرَّذِيلَةِ فَطَرِيقُهَا التَّسَاهُلُ وَالانحِدَارُ ، وَإِنَّهُ لَو لم يَكُنْ ذَلِكُمُ العَذَابُ المُضَاعَفُ هُوَ جَزَاءَ مَن خَرَجُوا مِن حِصنِ العَفَافِ وَتَجَاوَزُوا سِيَاجَ الفَضِيلَةِ ، لَكَانَتِ الأَمرَاضُ الوَبَائِيَّةُ الفَتَّاكَةُ الَّتي يُبلَى بها الزُّنَاةُ كَافِيةً لِرَدعِ نُفُوسِ العُقَلاءِ عَنِ الانسِيَاقِ وَرَاءَ الشَّهَوَاتِ النَّتِنَةِ ، وَمَنعِهِم مِن خَوضِ مُستَنقَعِ اللَّذَّاتِ الآسِنَةِ . فَاتَّقُوا اللهَ وَاحذَرُوا " وَلا تَقرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَيَا مَعشَرَ الشَّبَابِ اتَّقُوا اللهَ ، وَاعلَمُوا أَنَّ مِن أَعظَمِ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ إِقَامَةَ المُجتَمَعِ الطَّاهِرِ النَّظِيفِ ، المَحُوطِ بِالخُلُقِ الرَّفِيعِ ، وَالمُبَطَّنِ بِالعِفَّةِ وَالحِشمَةِ ، إِنَّهُ المُجتَمَعُ الَّذِي تُحفَظُ فِيهِ الفُرُوجُ ، وَلا تُطلَقُ فِيهِ الأَبصَارُ ، ولا يُسمَحُ فِيهِ بِالاختِلاطِ ، وَلا يُلقَى فِيهِ الحِجَابُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قُلْ لِلمُؤمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما يَصنَعُونَ . وَقُلْ لِلمُؤمِنَاتِ يَغضُضْنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ " أَيُّهَا الشَّبَابُ ، إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الإِنسَانَ وَطَبَعَهُ عَلَى هَذِهِ الغَرِيزَةِ الجِنسِيَّةِ ، وَجَعَلَهَا تَجرِي في الدَّمِ وَيَتَحَرَّكُ بها القَلبُ ، لم يَخلُقْهَا لِيَكُونَ ذَلِكُمُ الإِنسَانُ كَالبَهِيمَةِ العَجمَاءِ ، مَشغُولاً بِقَضَاءِ وَطَرِهِ وَإِطفَاءِ لَهِيبِ شَهوَتِهِ وَإِشبَاعِ غَرِيزَتِهِ فَحَسبُ ، أَو لِتَكُونَ هِي هَمَّهُ الَّذِي عَلَيهِ يُمسِي وَيُصبِحُ ، أَو غَايَتَهُ الَّتي مِن أَجلِهَا يَعدُو وَيَلهَثُ ، أَو هَدَفَهُ الِّذِي إِلَيهِ يَسعَى وَفِيهِ يُفَكِّرُ ، وَعَنهُ يَكتُبُ وَيَتَحَدَّثُ ، لا وَاللهِ ، وَإِنَّمَا خَلَقَهَا ـ تَعَالى ـ بِأَمرِهِ وَعِلمِهِ وَحِكمَتِهِ ، اِبتِلاءً لِخَلقِهِ ، وَلِيَبقَى الجِنسُ البَشَرِيُّ يَعمُرُ الأَرضَ وَيُقِيمُ عِبَادَةَ رَبِّهِ . وَلأَنَّ الإِسلامَ هُوَ دِينُ الوَسَطِ البَعِيدُ عَنِ الغُلُوِّ وَالشَّطَطِ ، فَإِنَّهُ لم يَتَجَاهَلْ هَذِهِ الغَرِيزَةَ وَيَأمُرِ النَّاسَ بِالرَّهبَانِيّ َةِ وَالانقِطَاعِ التَّامِّ عَن تَحصِيلِ شَهَوَاتِهِم وَنَيلِ لَذَّاتِهِم ، وَلم يَفتَحِ البَابَ فِيهَا عَلَى مِصرَاعَيهِ لِتَكُونَ حَيَاةُ النَّاسِ إِبَاحِيَّةً مَرِيجَةً ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الحُمُرِ في الخَلاءِ ، وَإِنَّمَا جَعَلَ لِذَلِكَ شَاطِئًا آمِنًا ، بَعِيدًا عَن أَموَاجِ الشَّهَوَاتِ العَارِمَةِ وَأَعَاصِيرِ الرَّغَبَاتِ الجَامِحَةِ ، إِنَّهُ الزَّوَاجُ ، شَاطِئُ الأَمَانِ لِحَيَاةِ العَفَافِ ، تِلكَ الحَيَاةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ ، الَّتي يَعِيشُهَا المُسلِمُ صَابِرًا مُحتَسِبًا ، غَاضًّا بَصرَهُ حَافِظًا لِفَرجِهِ ، حَتى يَأوِيَ إِلى ذَلِكَ الشَّاطِئِ النَّظِيفِ فَيَنقَى وَيَغنى ، قَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَلْيَستَعفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغنِيَهُم اللهُ مِن فَضلِهِ " وَفي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يَا مَعشَرَ الشَّبَابِ ، مَنِ استَطَاعَ مِنكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلبَصَرِ وَأَحصَنُ لِلفَرجِ ، وَمَن لم يَستَطِعْ فَعَلَيهِ بِالصَّومِ ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " نَعَم ـ مَعشَرَ الشَّبَابِ ـ لَيسَت مُهِمَّةُ الشَّابِّ المُسلِمِ أَن يَبحَثَ عَنِ الشَّهوَةِ بِكُلِّ طَرِيقٍ وَيَسلُكَ لها كُلَّ سَبِيلٍ ، لا وَاللهِ، وَإِنَّمَا وَاجِبُهُ العَفَافُ وَحِفظُ نَفسِهِ ، وَلْيُبشِرْ بَعدَ ذَلِكَ بِالخَيرِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ " وَمَن يَستَعفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ " وَقَالَ : " اِحفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ " نَعَم ، مَنِ استَغَفَّ أَعَفَّهُ اللهُ ، وَمَن حَفِظَ اللهَ في أَعرَاضِ المُسلِمِينَ حَفِظَ اللهُ عِرضَهُ ، ذَلِكُم أَنَّ الجَزَاءَ مِن جِنسِ العَمَلِ ، وَاللهُ ـ تَعَالى ـ يَغَارُ عَلَى مَحَارِمِهِ ، وَمَن جَعَلَ مَحَارِمَ النَّاسِ هَدَفًا لِنَزَوَاتِهِ وَمَرتَعًا لِشَهَوَاتِهِ ، فَلا يَأمَنَنَّ بَعدُ عَلَى أُمِّهِ أَوِ ابنَتِهِ أَو أُختِهِ أَن يَعتَدِيَ أَحَدٌ عَلَى عِرضِ أَيِّهِنَّ ، فَاحفَظُوا فُرُوجَكُم ، وَعُفُّوا تَعُفَّ نِسَاؤُكُم . وَاتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي " يَعلَمُ خَائِنَةَ الأَعيُنِ وَمَا تُخفِي الصُّدُورُ " اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنى . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري وشر السير الحقحقة 28 / 5 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " قُلْ لا يَستَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَو أَعجَبَكَ كَثرَةُ الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولي الأَلبَابِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، أُمَّتُكُم هَذِهِ أُمَّةٌ وَسَطٌ ، وَصَفَهَا رَبُّهَا ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ بِقَولِهِ : " وَكَذَلِكَ جَعَلنَاكُم أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُم شَهِيدًا " وَالوَسَطِيَّةُ ـ كَمَا فَسَّرَهَا كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ـ تَعني العَدَالَةَ ، وَأَمَّا الوَسَطُ في كَلامِ العَرَبِ فَهُمُ الخِيَارُ ، يُقَالُ : فُلانٌ وَسَطُ الحَسَبِ في قَومِهِ ، أَيْ : رَفِيعٌ في حَسَبِهِ . وَحَتى وَإِنْ فُهِمَ مِنَ الوَسَطِيَّةِ أَنَّهَا الجُزءُ الَّذِي بَينَ طَرَفَينِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَعني كَونَهَا وَسَطًا بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ ، لا وَاللهِ ، وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ أَنَّهَا حَقٌّ بَينَ بَاطِلَينِ ، بَينَ غُلُوٍّ وَجَفَاءٍ وَإِفرَاطٍ وَتَفرِيطٍ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد وُصِفَتِ الأُمَّةُ بِأَنَّهَا وَسَطٌ لِتَوَسُّطِهِم في الدِّينِ ، فَلا هُم أَهلُ غُلُوٍّ كَغُلُوِّ النَّصَارَى وَرَهبَنَتِهِم وَقَولِهِم في عِيسَى مَا قَالُوا ، وَلا هُم أَهلُ تَقصِيرٍ كَتَقصِيرِ اليَهُودِ الَّذِينَ حَرَّفُوا الكُتُبَ وَبَدَّلُوا الأَحكَامَ وَتَحَايَلُوا عَلَيهَا ، وَقَتَلُوا أَنبِيَاءَهُم وَكَذَبُوا عَلَى رَبِّهِم وَكَفَرُوا بِهِ . وَبِاختِصَارٍ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّ الوَسَطِيَّةَ هِيَ طَرِيقَةُ إِمَامِ أَهلِ الوَسَطِيَّةِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَسُنَّتُهُ ، وَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَهَديُ صَحَابَتِهِ المَهدِيِّينَ ، عَنِ العِربَاضِ بنِ سَارِيَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : " وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مَوعِظَةً وَجِلَت مِنهَا القُلُوبُ وَذَرَفَت مِنهَا العُيُونُ . فَقُلنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَأَنَّهَا مَوعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوصِنَا . قَالَ : " أُوصِيكُم بِتَقوَى اللهِ وَالسَّمعِ وَالطَّاعَةِ ، وَإِن تَأَمَّرَ عَلَيكُم عَبدٌ ، وَإِنَّهُ مَن يَعِشْ مِنكُم فَسَيَرَى اختِلافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيكُم بِسُنَّتي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيِّينَ ، عَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمُورِ ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدعَةٍ ضَلالَةٌ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابنُ مَاجَه وَغَيرُهُم وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . لَقَد عَاشَتِ الأُمَّةُ قُرُونًا وَهِيَ مُستَمسِكَةٌ بِوَصِيَّةِ نَبِيِّهَا ، سَائِرَةٌ عَلَى سُنَّتِهِ وَسُنَّةِ خُلَفَائِهِ وَأَصحَابِهِ في عَامَّةِ أَمرِهَا ، حَتى جَاءَت هَذِهِ العُصُورُ المُتَأَخِّرَةُ ، الَّتي انطَبَقَ عَلَيهَا قَولُهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لَيَأتِيَنَّ عَلَى أُمَّتي مَا أَتَى عَلَى بَني إِسرَائِيلَ حَذوَ النَّعلِ بِالنَّعلِ ، حَتى إِنْ كَانَ مِنهُم مَن أَتَى أُمَّهُ عَلانِيَةً لَكَانَ في أُمَّتي مَن يَصنَعُ ذَلِكَ . وَإِنَّ بَني إِسرَائِيلَ تَفََرَّقَت عَلَى ثِنتَينِ وَسَبعِينَ مِلَّةً ، وَتَفتَرِقُ أُمَّتي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبعِينَ مِلَّةً ، كُلُّهُم في النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً ، مَا أَنَا عَلَيهِ وَأَصحَابي " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَلَقَد عِشنَا حَتى أَدرَكنَا تَعَدُّدَ المِلَلِ وَرَأَينَا اختِلافًا كَثِيرًا ، وَسَمِعنَا بِمُحدَثَاتٍ مَا أَنزَلَ اللهُ بها مِن سُلطَانٍ ، وَعَايَشنَا أَقوَامًا ابتُلُوا بِالزِّيَادَةِ عَلَى المَشرُوعِ فَغَلَوا وَأَفرَطُوا ، وَجَعَلُوا مِن دِينِهِم إِخرَاجَ النَّاسِ مِنَ الدِّينِ بِلا تَحَقُّقٍ وَلا تَثَبُّتٍ ، وَمُخَالَفَةَ وُلاةِ الأَمرِ وَالخُرُوجَ عَلَيهِم ، وَاختِطَافَ المَسؤُولِينَ وَالمُزَايَدَةَ بِدِمَائِهِم وَأَروَاحِهِم ، وَتَنظِيمَ المُظَاهَرَاتِ وَالاعتِصَامَات ِ ، وَرَأَينَا في المُقَابِلِ آخَرِينَ وَهُمُ الأَكثَرُ وَالأَغلَبُ ، تَرَكُوا المَشرُوعَ فَجَفَوا وَفَرَّطُوا ، وَجَعَلُوا مِن أَنفُسِهِم أَتبَاعًا لِكُلِّ عَاوٍ في الشَّرقِ أَو نَاعِقٍ في الغَربِ ، يُخرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيدِيهِم ، وَيَخرُجُونَ عَن طَرِيقَةِ أَهلِ الإِسلامِ المُتَمَسِّكِين َ ، إِلى طُرُقٍ مُنفَتِحَةٍ يَزعُمُونَ أَنَّهَا أَكثَرُ تَقَدُّمًا وَأَنفَعُ لِبُلدَانِهِم ، وَالحَقُّ أَنَّ كِلا هَذَينِ المَسلَكَينِ خَطَرٌ عَلَى الأُمَّةِ ، وَأَنَّ الوَسَطِيَّةَ الحَقِيقِيَّةَ بَينَ هَذَينِ ، إِذْ هِيَ اعتِدَالٌ في المَنهَجِ ، وَتَوَسُّطٌ في الطَّرِيقَةِ ، وَتَثَبُّتٌ في السَّيرِ إِلى اللهِ ، تَحكُمُهَا آيَاتُ الكِتَابِ الحَكِيمِ ، وَيَضبِطُهَا التِزَامُ السُّنَّةِ في الأَقوَالِ وَالأَفعَالِ ، وَيَزِنُهَا مَا كَانَ عَلَيهِ السَّلَفُ الصَّالحُ مِنَ العِلمِ وَالعَمَلِ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَدِ ادَّعَى الوَسَطِيَّةَ في زَمَانِنَا كُلُّ أَحَدٍ حَتى جَهَلَةُ الكُتَّابِ وَالصَّحَفِيِّي نَ ، فَضلاً عَنِ المُمَيِّعِينَ لِلدِّينِ مِن مُرجِئَةِ العَصرِ أَوِ مُحتَرِقِي المُنَافِقِينَ ، أَوِ الغُلاةِ وَالخَوَارِجِ المُفرِطِينَ ، وَهَكَذَا فَإِنَّ طَرَفيِ القَصدِ وَجَانِبيِ الوَسطِ ، لا يَنشَآنِ إِلاَّ في مُستَنقَعَاتِ الجَهلِ أَوِ الهَوَى . وَعِلاجُ ذَلِكَ العِلمُ ، سَوَاءً العِلمُ بِالأَحكَامِ الشَّرعِيَّةِ ، المُنجِي مِنَ الجَهلِ وَالتَّخَبُّطِ ، أَوِ العِلمُ بِهِ ـ تَعَالى ـ وَبِمَا لَهُ مِنَ العَظَمَةِ وَالكِبرِيَاءِ وَالجَلالِ وَالبَهَاءِ ، وَالَّذِي يَستَلزِمُ الاستِسلامَ لأَمرِهِ وَالإِذعَانَ لِحُكمِهِ ، وَالرَّغبَةَ في طَاعَتِهِ وَالرَّهبَةَ مِن مُخَالَفَتِهِ ، وَمَن فَقَدَ العِلمَ بِاللهِ وَالعِلمَ بِشَرِيعَتِهِ المُنزَلَةِ عَلَى رَسُولِهِ فَقَد ضَلَّ وَظَلَمَ ، وَالخَيرُ كُلُّ الخَيرِ في العِلمِ وَالفِقهِ في الدِّينِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَإِنْ لم يَستَجِيبُوا لَكَ فَاعلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهوَاءَهُم وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهدِي القَومَ الظَّالمِينَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلمٍ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَمَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَإِنَّ كُلَّ الفِتَنِ الَّتي ظَهَرَت في الإِسلامِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، إِنَّمَا كَانَ مَنشَؤُهَا الجَهلَ وَمُخَالَفَةَ السُّنَّةِ ، وَالبُعدَ عَنِ الوَسَطِيَّةِ وَاتِّبَاعَ الهَوَى ، فَالخَوَارِجُ غَلَوا في الوَعِيدِ ، فَقَابَلَهُمُ المُرجِئَةُ الَّذِينَ غَلَوا في الوَعدِ ، وَالجَهمِيَّةُ غَلَوا في التَّنزِيهِ ، فَقَابَلَهُمُ المُشَبِّهَةُ الَّذِينَ غَلَوا في التَّشبِيهِ ، وَسَلَبَ الجَهمِيَّةُ الجَبرِيَّةُ عَنِ العَبدِ قُدرَتَهُ وَإِرَادَتَهُ ، فَقَابَلَهُمُ القَدَرِيَّةُ المُعتَزِلَةُ فَقَالُوا إِنَّ لِلعَبدِ قُدرَةً وَإِرَادَةً مُطلَقَتَينِ مُستَقِلَّتَينِ عَنِ اللهِ ، وَهَكَذَا مَا ظَهَرَت فِرقَةٌ تَغلُو في جَانِبٍ إِلاَّ قَابَلَتهَا أُخرَى تَغلُو في الجَانِبِ الآخَرِ ، وَإِنَّمَا الإِسلامُ وَسَطٌ بَينَ طَرَفَينِ ، وَحَقٌّ بَينَ بَاطِلَينِ ، وَهُدًى بَينَ ضَلالَتَينِ ، وَالوَسَطِيَّةُ لا تَكُونُ بِابتِدَاعِ مَنهَجٍ مُقَابِلَ آخَرَ ، أَو تَبَنِّي رَأيٍ مُحدَثٍ تِجَاهَ آخَرَ قَدِيمٍ ، أَو بِرَدَّةِ فِعلٍ طَاغِيَةٍ عَميَاءَ ، أو بِإِصلاحِ دُنيَا المُلُوكِ وَالرُّؤَسَاءِ بِإِفسَادِ دِينِ النَّاسِ وَتَجرِيدِهِم مِن عَقَائِدِهِم وَقِيَمِهِم وَأَخلاقِهِم ، وَإِنَّمَا الوَسَطِيَّةِ مَا جَاءَت بِهِ الشَّرِيعَةُ وَدَلَّ عَلَيهِ الدَّلِيلُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " قُلْ أَرَأَيتُم مَا تَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرضِ أَم لَهُم شِركٌ في السَّمَاوَاتِ اِئتُوني بِكِتَابٍ مِن قَبلِ هَذَا أَو أَثَارَةٍ مِن عِلمٍ إِنْ كُنتُم صَادِقِينَ " وَلِذَا فَإِنَّنَا حِينَ نُحَذِّرُ ممَّا نَسمَعُهُ بَينَ حِينٍ وَآخَرَ مِن خُرُوجِ قَومٍ عَلَى وَليِّ الأَمرِ وَاعتِدَائِهِم عَلَى رِجَالِ الأَمنِ أَوِ المَسؤُولِينَ ، أَوِ استِهدَافِهِم مُقَدَّرَاتِ البِلادِ وَقَصدِهِم لِتَخرِيبِهَا ، وَسُلُوكِهِم مَسَالِكَ ضَالَّةً في تَكفِيرِ النَّاسِ وَاستِحلالِ دِمَائِهِم وَأَموَالِهِم ، فَإِنَّنَا لا بُدَّ أَن نُحَذِّرَ في الجَانِبِ الآخَرِ ممَّن أَجلَبُوا عَلَينَا بِخَيلِهِم وَرَجِلِهِم ، ابتِغَاءَ سَلخِ مُجتَمَعِنَا مِن قِيَمِهِ وَنَزعِ ثَوَابِتِهِ وَطَعنِهِ في أَعرَاضِهِ ، وَفَرضِ أَخلاقِ الغَربِ أَوِ الشَّرقِ عَلَيهِ ، مُتَذَرِّعِينَ بِأَنَّهُم يُرِيدُونَ التَّيسِيرَ وَالسَّمَاحَةَ وَالرِّفقَ بِالنَّاسِ ، وَإِصلاحَ مَا أَفسَدَهُ أُولَئِكَ الغُلاةُ المُتَشَدِّدُون َ ، وَهُم إِنَّمَا يَسِيرُونَ بِالمُجتَمَعِ إِلى الهَاوِيَةِ وِفقَ أَهوَائِهِم ، نَابِذِين بَعضَ مُسَلَّمَاتِ الدِّينِ وَرَاءَ ظُهُورِهِم ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ الوَصِيَّةَ لِلأُمَّةِ عَامَّةً وَلِمُجتَمَعِنَ ا خَاصَّةً ، أَن يَسلُكُوا مَسلَكَ الوَسَطِيَّةِ بِمَعنَاهَا الصَّحِيحِ ، آخِذِينَ بِوَصِيَّةِ إِمَامِهِم حِينَ بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ إِلى اليَمَنِ فَقَالَ : " يَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا ، وَبَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا ، وَتَطَاوَعَا وَلا تَختَلِفَا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . فَاتَّقُوا اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ وَالزَمُوا صِرَاطَهُ المُستَقِيمَ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكَ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسلِمُونَ . وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذْ كُنتُم أَعدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا وَكُنتُم عَلَى شَفَا حُفرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِنهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُم آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتِّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوا لَهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ وَإِنَ كَانَ الخَوَارِجُ في عَصرِنَا أَو فِيمَا قَبلَهُ ، قَد خَرَجُوا عَلَى الأُمَّةِ بِالسَّيفِ وَافتَاتُوا عَلَى الأَئِمَّةِ وَشَقُّوا عَصَا الطَّاعَةِ ، وَاستَحَلُّوا دِمَاءَ المَعصُومِينَ وَأَموَالَهُم بِشُبُهَاتٍ تَشَرَّبَتهَا قُلُوبُهُم عَن جَهلٍ وَقِلَّةِ فِقهٍ ، فَإِنَّ ثَمَّةَ آخَرِينَ بَينَنَا وَفي مُجتَمَعِنَا ، مِنهُمُ المَسؤُولُ وَالوَزِيرُ وَالمُدِيرُ ، وَالأَدِيبُ وَالمُثَقَّفُ وَالصَّحَفِيُّ ، وَالكَاتِبُ وَالقَاصُّ وَالنَّاقِدُ ، قَد خَرَجُوا أَيضًا عَنِ الشَّرِيعَةِ اتِّبَاعًا لأَهوَائِهِم ، وَخَالَفُوا السُّنَّةَ تَمَشِّيًا مَعَ رَغَبَاتِهِم ، وَأَفسَحُوا المَجَالَ لِعُقُولِهِم لِتَأخُذَ عَن كُلِّ مَن هَبَّ وَدَبَّ ، وَلِتَلَغَ في إِنَاءِ كُلِّ ضَالٍّ وَمَغضُوبٍ عَلَيهِ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالرَّافِضَةِ وَالمُلحِدِينَ ، ثم هُم سَاعُونَ لِتَميِيعِ الدِّينِ ، مَاضُونَ في نَشرِ ضَلالاتِهِم في مُجتَمَعِنَا وَإِفسَادِهِ ، بِاسمِ الحُرِّيَّةِ الفِكرِيَّةِ وَتَعَدُّدِ الرَّأيِ ، وَالتَّخَلُّصِ مِنَ الوِصَايَةِ عَلَى العُقُولِ ، وَالحَربِ عَلَى الرَّجعِيَّةِ وَالتَّطَرُّفِ وَالغُلُوِّ ، وَنَحوِ ذَلِكَ ممَّا ظَاهِرُهُ الرَّحمَةُ وَإِرَادَةُ الخَيرِ وَالصَّلاحِ ، وَهُوَ في حَقِيقَتِهِ عَذَابٌ وَشَقَاءٌ وَفَسَادٌ . فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ فَإِنَّ الحَقَّ حَسَنَةٌ بَينَ سَيِّئَتَينِ ، وَفَضِيلَةٌ بَينَ رَذِيلَتَينِ ، وخَيرَ الأُمُورِ أَوسَطُهَا ، وَشَرُّ السَّيرِ الحَقحَقَةُ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري أحاسنهم أخلاقًا 6 / 6 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الِّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، كَثِيرًا مَا يَرَى أَحَدُنَا الرَّجُلَ فَتُعجِبُهُ هَيئَتُهُ وَمِشيَتُهُ ، وَيَأخُذُ بِهِ سَمتُهُ حَالَ صَمتِهِ ، وَقَد يَغبِطُهُ عَلَى حُسنِ عِبَادَةٍ أَو طُولِ قُنُوتٍ وَكَثرَةِ قِرَاءَةٍ ، فَإِذَا مَا حَادَثَهُ وَأَخَذَ مَعَهُ وَأَعطَى ، أَو عَامَلَهُ وَبَاعَ إِلَيهِ وَاشتَرَى ، تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ في صَدرِهِ قَلبًا في جَنَاحَي طَائِرٍ ، تُغضِبُهُ كَلِمَةٌ أَو نَظرَةٌ ، وَيَضِيقُ لِبَادِرَةٍ أَو هَفوَةٍ ، وَيُكَدِّرُ صَفوَهُ خَطَأٌ أَو زَلَّةٌ ، ثم لَيتَهُ يَقِفُ عِندَ ثَورَةٍ لَحظَةٍ ثُمَّ يَنطَفِئُ غَضَبُهُ بَعدَهَا وَتَذهَبُ سَورَتُهُ ، دُونَ أَن يَطوِيَ عَلَى حِقدٍ كَشحًا ، أَو يَمتَلِئَ صَدرُهُ غَيظًا وَحَنَقًا ، فَيَتَصَرَّفَ بِنَاءً عَلَيهَا بما يُفسِدُ إِخَاءً وَيُذهِبُ وُدًّا ، أَو يَقطَعُ رَحِمًا وَيَهجُرُ قُربى . إِنَّكَ حِينَ تَرَى مِثلَ هَذَا ، تَعلَمُ أَنَّ ثَمَّةَ فَهمًا لِلإِسلامِ غَيرَ صَحِيحٍ ، وَمُجَانَبَةً حَقِيقِيَّةً لِلاستِقَامَةِ ، وَنَبذًا لِبَعضِ مَا جَاءَ بِهِ الشَّرعُ الحَنِيفُ ، وَسَيرًا عَلَى مَا تُملِيهِ الأَنفُسُ وَتُوجِبُهُ الأَهوَاءُ ، وَمُتَابَعَةً لما تَقضِي بِهِ بَعضُ العَادَاتِ وَالأَعرَافِ ، دُونَ احتِسَابِ أَجرٍ أَو نَظَرٍ في عَوَاقِبَ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد جَاءَ الإِسلامُ وَأَعجَبُ أَخلاقِ العَرَبِ إِلَيهِم مَا تَغَلَّبُوا بِهِ عَلَى غَيرِهِم وَقَهَرُوا بِهِ مَن سِوَاهُم ، مِن قَتلٍ وَبَطشٍ ، وَأَخذِ مَالٍ وَنَهبٍ ، وَإِرغَامِ أُنُوفٍ وَسَفعٍ بِالنَّوَاصِي ، في جَاهِلِيَّاتٍ وَقَومِيَّاتٍ وَعَصَبِيَّاتٍ ، وَأَخلاقٍ مَرذُولَةٍ وَصِفَاتٍ قَبِيحَةٍ ، فَهَدَمَ الإِسلامُ تِلكَ الرَّذَائِلَ وَأَمَاتَهَا ، وَأَقصَى الأَخلاقَ الدَّنِيئَةَ وَحَذَّرَ مِنَ الدَّنَايَا وَنَهَى عَنِ السَّفَاسِفِ ، وَأَشَادَ بُنيَانَ الأَخلاقِ الفَاضِلَةِ وَأَرسَى دَعَائِمَهَا ، وَحَثَّ عَلَى أَشرَافِهَا وَأَتَمَّ صَالِحَهَا ، حَتى جَعَلَ أَحسَنَ النَّاسِ أَخلاقًا في الدُّنيَا هُم أَقرَبَهُم مَجلِسًا مِن نَبيِّ الرَّحمَةِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَومَ القِيَامَةِ ، وَحتى تَكَفَّلَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِبَيتٍ في أَعلَى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ ، وَبَيَّنَ أَنَّ أَكمَلَ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحسَنُهُم خُلُقًا ، وَأَنَّ المُؤمِنَ يَألَفُ وَيُؤلَفُ ، وَلا خَيرَ فِيمَن لا يَألَفُ وَلا يُؤلَفُ ، وَأَنَّ حُسنَ الخُلُقِ هُوَ أَثقَلُ مَا يُوضَعُ في المِيزَانِ ، وَقَرَّرَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أَنَّ المُؤمِنَ يَبلُغُ بِحُسنِ الخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ ، وَأَنَّ حُسنَ الخُلُقِ مَعَ التَّقوَى أَكثَرُ مَا يُدخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ ، وَأَنَّ حُسنَ الخُلُقِ هُوَ البِرُّ ... بِكُلِّ هَذَا صَحَّتِ الأَحَادِيثُ عَنهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ في تَرغِيبٍ في حُسنِ الخُلُقِ لا يَعدِلُهُ تَرغِيبٌ ، وَمَدحٍ لَهُ لا يُمَاثِلُهُ مَدحٌ . وَإِنَّهُ لَيَكفِي حُسنَ الخُلُقِ مَدحًا ، وَيَكفِي المُؤمِنَ الصَّادِقَ تَشوِيقًا إِلَيهِ وَحَثًّا عَلَى الاتِّصَافِ بِهِ ، أَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ قَد وَصَفَ بِهِ المُختَارَ مِن خَلقِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فَقَالَ في حَقِّهِ : " وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ " وَصَحَّ في وَصفِ أَصحَابِهِ لَهُ أَنَّهُ كَانَ أَحسَنَ النَّاسِ خُلُقًا . وَإِنَّهُ لَو تَأَمَّلَ مُتَأَمِّلٌ في العِبَادَاتِ الَّتي جَاءَ بها الإِسلامُ ، لَوَجَدَهَا كُلَّهَا تَصُبُّ في مَصَبِّ مَحَاسِنِ الأَخلاقِ وَتَربِيَةِ النُّفُوسِ عَلَى المَكَارِمِ وَتَزكِيَتِهَا ، فَالصَّلاةُ تَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ ، وَقِيَامُ اللَّيلِ مَنْهَاةٌ عَنِ الإِثمِ ، وَالصِّيَامُ حَبسٌ لِلنَّفسِ عَنِ المُسَابَّةِ وَالمُقَاتَلَةِ ، وَالحَجُّ تَأدِيبٌ لها عَنِ الرَّفَثِ وَالفُسُوقِ وَالجِدَالِ حَتى في أَضيَقِ الطُّرُقِ وَأَشَدِّ المَوَاقِفِ . بَل لََقَد بَدَأَتِ الدَّعوَةُ إِلى مَكَارِمِ الأَخلاقِ وَمَحَاسِنِهَا مُنذُ بَدءِ الدَّعوَةِ إِلى الإِسلامِ ، فَفِي الصَّحِيحَينِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ لَمَّا بَلَغَهُ مَبعَثُ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ لأَخِيهِ : اِركَبْ إِلى هَذَا الوَادِي فَاسمَعْ مِن قَولِهِ ـ يَعني النَّبيَّ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فَرَجَعَ ، فَقَالَ : رَأَيتُهُ يَأمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخلاقِ . وَفي قِصَّةِ هِرَقلَ حِينَ سَأَلَ أَبَا سُفيَانَ عَنِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : مَاذَا يَأمُرُكُم ؟ قَالَ أَبُو سُفيَانَ : يَقُولُ : اعبُدُوا اللهَ وَحدَهُ وَلا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا ، وَاترُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُم ، وَيَأمُرُنَا بِالصَّلاةِ وَالصِّدقِ وَالعَفَافِ وَالصِّلَةِ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَلَمَّا هَاجَرَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ إِلى المَدِينَةِ كَانَ مِن أَوَّلِ مَا قَالَهُ : " أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفشُوا السَّلامَ ، وَأَطعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَلَمَّا قَدِمَ وَفدُ عَبدِ القَيسِ ، وَكَانَ فِيهِمُ المُنذِرُ بنُ عَائِذٍ المَعرُوفُ بِالأَشَجِّ ، أَثنى عَلَيهِ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِقَولِهِ : " إِنَّ فِيكَ خَصلَتَينِ يُحِبُّهُمَا اللهُ : الحِلمُ وَالأَنَاةُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَا الفَائِدَةُ مِنَ العِبَادَةِ حِينَ لا تُقَوِّمُ سُلُوكَ صَاحِبِهَا ؟ وَأَيُّ أَثَرٍ لِلصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَالحَجِّ وَالصَّدَقَةِ إِذَا لم يَعقُبْهَا حِلمٌ وَصَبرٌ وَبَشَاشَةٌ وَعَفوٌ وَتَسَامُحٌ ؟ أَلَمْ يَقُلِ اللهُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ " ؟ أَلَمْ يَقُلْ ـ تَعَالى ـ : " لاَ تُبطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالمَنِّ وَالأَذَى " ؟ أَلَمْ يَقُلْ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " خُذْ مِن أَموَالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكِّيهِم بها " ؟ أَلَمْ يَقُلْ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ في الحَجِّ " ؟ أَلَمْ يَقُلْ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ : " مَن لم يَدَعْ قَولَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيسَ للهِ حَاجَةٌ في أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " ؟! نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ العِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ ، لَتُقَوِّمُ السُّلُوكَ وَتُهَذِّبُ الأَخلاقَ , وَتَجعَلُ المُؤمِنَ في تَعَامُلِهِ مَعَ إِخوَانِهِ عَلَى أَرقَى مَا يَكُونُ ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَحسِنُوا " إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحسِنِينَ " وَجَاهِدُوا أَنفُسَكُم عَلَى حُسنِ الخُلُقِ فَإِنَّهُ مِمَّا يُبَارِكُ اللهُ بِسَبَبِهِ في قَلِيلِ العَمَلِ ، وَإِيَّاكُم وَسُوءَ الخُلُقِ فَإِنَّهُ مُفسِدٌ لِلعِبَادَاتِ مَاحِقٌ لِبَرَكَةِ الطَّاعَاتِ ، مُحبِطٌ لِلأَعمَالِ مُذهِبٌ لِلحَسَنَاتِ ، عَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ فُلانَةَ يُذكَرُ مِن كَثرَةِ صَلاتِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصِيَامِهَا ، غَيرَ أَنَّهَا تُؤذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا . قَالَ : " هِيَ في النَّارِ " قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَإِنَّ فُلانَةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَلاتِهَا ، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأَثوَارِ مِنَ الأَقِطِ وَلا تُؤذِي جِيرَانَهَا . قَالَ : " هِيَ في الجَنَّةِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " وَلا تَستَوِي الحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزغٌ فَاستَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوا أَمرَهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ حُسنَ الخُلُقِ وَإِن كَانَ يَسِيرًا عَلَى مَن يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيهِ مِمَّنَ يَطلُبُ الذِّكرَ الجَمِيلَ في الدُّنيَا وَالرِّفعَةَ وَالأَجرَ في الآخِرَةِ ، إِلاَّ أَنَّهُ يَحتَاجُ مِنَ المَرءِ إِلى أَن يَأطِرَ نَفسَهُ عَلَيهِ أَطرًا وَيَحمِلَهَا عَلَيهِ حَملاً ، وَيَأخُذَهَا بِالجِدِّ وَيُجَاهِدَهَا عَلَى قَبُولِ الحَقِّ وَلَو عَلَى نَفسِهِ ، وَيَسمُوَ بها لِلمَعَالي قَبلَ أَن تَهبِطَ بِهِ لِلحَضِيضِ ، وَفي الحَدِيثِ : " إِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ يُحِبُّ مَعَاليَ الأُمُورِ وَأَشرَافَهَا وَيَكرَهُ سَفسَافَهَا " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّمَا العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ ، وَإِنَّمَا الحِلمُ بِالتَّحَلُّمِ ، وَمَن يَتَحَرَّ الخَيرَ يُعطَهُ ، وَمَن يَتَّقِّ الشَّرَّ يُوقَهُ " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ ، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَإِنَّ الطَّرِيقَ لِذَلِكَ أَن يَرزُقَ اللهُ عَبدَهُ امتِثَالَ مَا في القُرآنِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الأَوَامِرِ وَالكَفِّ عَمَّا فِيهِمَا مِنَ النَّوَاهِي ، وَأَن يَمُنَّ عَلَيهِ بِحُسنِ الاقتِدَاءِ بِمَن كَانَ خُلُقُهُ القُرآنَ ، فَيَنظُرَ أَيسَرَ الأُمُورِ فَيَختَارَهَا ، وَيَترُكَ الانتِقَامَ لِنَفسِهِ ، وَيَتَعَوَّدَ كَظمَ الغَيظِ وَحَبسَ النَّفسِ وَالعَفوَ ، فَعَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ أَنَّهَا قَالَت : مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بَينَ أَمرَينِ إِلاَّ اختَارَ أَيسَرَهُمَا ، مَا لم يَكُنْ إِثمًا ، فَإِذَا كَانَ إِثماً كَانَ أَبعَدَ النَّاسِ مِنهُ ، وَمَا انتَقَمَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لِنَفسِهِ إِلاَّ أَن تُنتَهَكَ حُرمَةُ اللهِ ـ تَعَالى ـ فَيَنتَقِمَ للهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ بها . رَوَاهُ البُخَارِيُّ في الأَدَبِ المُفرَدِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا تَجَرَّعَ عَبدٌ جَرعَةً أَفضَلَ عِندَ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ مِن جَرعَةِ غَيظٍ يَكظِمُهَا ابتِغَاءَ وَجهِ اللهِ ـ تَعَالى ـ " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ ، وَقَالَ أَحمَدُ شَاكِر : إِسنَادُهُ صَحِيحٌ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ صِحَّةً في إِيمَانٍ ، وَإِيمَانًا في حُسنِ خُلُقٍ ، وَنَجَاحًا يَتبَعُهُ فَلاحٌ ، وَرَحمَةً مِنكَ وَعَافِيَةً وَمَغفِرَةً مِنكَ وَرِضوَانًا |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري والعاقبة للمتقين 13 / 6 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في زَمَنٍ ادلَهَمَّتِ الخُطُوبُ فِيهِ وَاحتَدَمَتِ المِحَنُ ، وَتَوَالَت عَلَى قُلُوبِ المُسلِمِينَ الشَّوَاغِلُ وَالفِتَنُ ، وَتَدَاعَى الأَعدَاءُ عَلَيهِم تَدَاعِيَ الأَكَلَةِ عَلَى قَصعَتِهَا ، في حِينِ قَلَّ النَّاصِرُ وَضَعُفَ المُعِينُ ، وَوَهَنَتِ الأَسبَابُ الأَرضِيَّةُ وَتُخُلِّيَ عَن إِعدَادِ القُوَّةِ المَادِّيَّةِ ، فَإِنَّهُ لا يَحسُنُ بِالمُسلِمِينَ وَلا يَجمُلُ بهم أَبَدًا ، أَن يَجمَعُوا إِلى ذَلِكَ ضَعفًا في عِلاقَتِهِم بِرَبِّهِمُ الَّذِي بِيَدِهِ الخَلقُ وَالأَمرُ ، ذَلِكُم أَنَّهُ ـ تَعَالى ـ وَعَدَ بِالنَّصرِ مَن يَنصُرُهُ ، وَكَتَبَ التَّمكِينَ لِمَن يَعبُدُهُ وَلا يُشرِكُ بِهِ ، وَجَعَلَ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ وَالهِدَايَةَ لِلمُجَاهِدِينَ ، وَقَضَى بِالمَعِيَّةِ لِلمُحسِنِينَ وَالثَّبَاتَ لِلذَّاكِرِينَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّ هُم في الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنّ َهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدُونَني لا يُشرِكُونَ بي شَيئًا " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ استَعِينُوا بِاللهِ وَاصبِرُوا إِنَّ الأَرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُم فِئَةً فَاثبُتُوا وَاذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ . وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُم وَاصبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " أَيُّهَا المُؤمِنُونَ : إِنَّ التَّفَرُّغَ لِلعِبَادَةِ وَلُزُومَ الطَّاعَةِ ، وَالاستِقَامَةَ في طَرِيقِ الهُدَى وَالإِكثَارَ من ذِكرِ اللهِ ، هِيَ زَادُ المُبتَلَى الصَّابِرِ وَحِليَةُ المَنصُورِ الظَّافِرِ ، بها يُستَجلَبُ الخَيرُ وَيُستَدفَعُ الضُّرُّ ، وَبِسَبَبِهَا تَطمَئِنُّ القُلُوبُ وَتَنشَرِحُ الصُّدُورُ ، وَمَنِ استَوعَبَ عُمُرَهُ في عِبَادَةِ رَبِّهِ وَاشتَغَلَ بِذِكرِهِ ، رَزَقَهُ اللهُ الصَّبرَ وَجَمَّلَهُ بِالرِّضَا ، وَأَعَانَهُ وَحَفِظَهُ وَيَسَّرَ أَمرَهُ ، وَمَلأَ قَلبَهُ غِنىً وَوَسَّعَ رِزقَهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ لِنَبِيِّهِ : " فَاصبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلُوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ غُرُوبِهَا وَمِن آنَاءِ اللَّيلِ فَسَبِّحْ وَأَطرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرضَى . وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى مَا مَتَّعنَا بِهِ أَزوَاجًا مِنهُم زَهرَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفتِنَهُم فِيهِ وَرِزقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبقَى . وَأمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إذَا جَاءَ نَصرُ اللهِ وَالفَتحُ . وَرَأَيتَ النَّاسَ يَدخُلُونَ في دِينِ اللهِ أَفوَاجًا . فَسَبِّحْ بِحَمدِ رَبِّكَ وَاستَغفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ في الحَدِيثِ القُدسِيِّ : " وَما تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي بِشيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افتَرضتُ عَلَيهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ ، وَبَصرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بها ، وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بها ، وإِنْ سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ استَعاذَني لأُعِيذَنَّهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَفي الحَدِيثِ الآخَرِ : " إِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ يَقُولُ : " يَا بنَ آدَمَ ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتي أَملأْ صَدرَكَ غِنىً وَأَسُدَّ فَقرَكَ ، وَإِن لا تَفعَلْ مَلأتُ يَدَيكَ شُغلاً وَلم أَسُدَّ فَقرَكَ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه ، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي وَصِيَّتِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لابنِ عَبَّاسٍ : " اِحفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ ، اِحفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ ، تَعَرَّفْ إِلَيهِ في الرَّخَاءِ يَعرِفْكَ في الشِّدَّةِ ، وَإِذَا سَأَلتَ فَاسأَلِ اللهَ ، وَإِذَا استَعَنتَ فَاستَعِنْ بِاللهِ ، قَد جَفَّ القَلَمُ بمَا هُوَ كَائِنٌ ، فَلَو أَنَّ الخَلقَ كُلَّهُم جَمِيعًا أَرَادُوا أَن يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لم يَكتُبْهُ اللهُ عَلَيكَ لم يَقدِرُوا عَلَيهِ ، وَإِنْ أَرَادُوا أَن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَكتُبْهُ اللهُ عَلَيكَ لم يَقدِرُوا عَلَيهِ ، وَاعلَمْ أنَّ في الصَّبرِ عَلَى مَا تَكرَهُ خَيرًا كَثِيرًا ، وَأَنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . إِنَّ التَّمَسُّكَ بِالحَقِّ وَاقتِفَاءَ السُّنَنِ وَالوُقُوفَ عِندَ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي ، وَتَنوِيعَ القُرُبَاتِ وَالإِكثَارَ مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالحَاتِ ، إِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَهُوَ حِليَةُ المُؤمِنِينَ الصَّادِقِينَ ، وَزَادُ المُصلِحِينَ المُخلِصِينَ ، وَإِنَّ أَمَامَ الأُمَّةِ غَايَاتٍ بَعِيدَةً ، وَبَينَ أَيدِيهَا مَيَادِينُ طَوِيلَةٌ ، لا يَفُوزُ فِيهَا وَلا يُهدَى إِلاَّ المُجَاهِدُونَ ، وَإِنَّ ثَمَّةَ عَقَبَاتٍ صِعَابًا وَمُهِمَّاتٍ ثِقَالاً ، وَأَزمِنَةَ فِتَنٍ وَمَلاحِمَ وَهَرجٍ وَمَرجٍ ، لا يَتَجَاوَزُهَا وَيَحمِلُهَا إِلاَّ المُستَهلِكُونَ حَيَاتَهُم في عِبَادَةٍ وَطَاعَةٍ ، وَقَد قَالَ ـ تَعَالى ـ لِنَبِيِّهِ : " يَا أَيُّهَا المُزَمِّلُ . قُمِ اللَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً . نِصفَهُ أَوِ انقُصْ مِنهُ قَلِيلاً . أَو زِدْ عَلَيهِ وَرَتِّلِ القُرآنَ تَرتِيلاً . إِنَّا سَنُلقِي عَلَيكَ قَولاً ثَقِيلاً " وَقَالَ لَهُ : " إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا عَلَيكَ القُرآنَ تَنزِيلاً . فَاصبِرْ لِحُكمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنهُم آثِمًا أَو كَفُورًا . وَاذكُرِ اسمَ رَبِّكَ بُكرَةً وَأَصِيلاً . وَمِنَ اللَّيلِ فَاسجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيلاً طَوِيلاً . إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ العَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُم يَومًا ثَقِيلاً " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ مُمتَدِحًا العِبَادَةَ وَلا سِيَّمَا في مِثلِ هَذِهِ الأَزمِنَةِ : " العِبَادَةُ في الهَرجِ كَهِجرَةٍ إِليَّ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَتُوبُوا إِلى رَبِّكُم وَعُودُوا إِلى رُشدِكُم ، وَكُونُوا مَعَ اللهِ يَكُنْ مَعَكُم ، طَهِّرُوا القُلُوبَ ممَّا اعتَرَاهَا ، وَأَنقِذُوا النُّفُوسَ ممَّا اعتَلاهَا ، حَقِّقُوا العُبُودِيَّةَ للهِ مَحَبَّةً لَهُ وَخَوفًا مِنهُ وَرَجَاءً ، وَإِخلاصًا لَهُ وَتَوَكُّلاً عَلَيهِ ، وَإِيَّاكُم وَالاستِهَانَةَ بِالمَعَاصِي كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا ، وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثمِ وَبَاطِنَهُ ، وَجَانِبُوا المُجَاهَرَةَ وَالزَمُوا الحَيَاءَ ، تَنَاصَحُوا وَمُرُوا بِالمَعرُوفِ وَانهَوا عَنِ المُنكَرِ ، وَحَذَارِ مِن نِسيَانِ عَهدِ اللهِ ، فَإِنَّمَا ذَلِكُم دَيدَنُ مَن طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِم مِنَ المُنَافِقِينَ ، الَّذِينَ " نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُم " ثم هُوَ قَاطِعٌ يَطُولُ بِهِ عَلَى الأُمَّةِ الطَّرِيقُ ، وَتُمنَعُ بِسَبَبِهِ النَّصرَ وَالتَّمكِينَ وَالتَّوفِيقَ ، فَاتَّقُوا اللهَ " وَلا تَشتَرُوا بِعَهدِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللهِ هُوَ خَيرٌ لَكُم إِنْ كُنتُم تَعلَمُونَ . مَا عِندَكُم يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ . مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّه ُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّه ُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ إِيجَادَ جِيلٍ قَادِرٍ عَلَى حَملِ لِوَاءِ الحَقِّ وَالذَّبِّ عَنِ المَعرُوفِ ، وَمُقَارَعَةِ البَاطِلِ وَمُحَارَبَةِ المُنكَرِ وَمُقَاوَمَةِ أَهلِهِ ، لا يُمكِنُ أَن يَتِمَّ إِذَا قَلَّتِ في الأُمَّةِ القُدُوَاتُ الصَّالِحَةُ ، وَرَأَى الصِّغَارُ الكِبَارَ مُتَسَاهِلِينَ في الفَرَائِضِ وَالوَاجِبَاتِ ، غَافِلِينَ عَنِ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ ، زَاهِدِينَ في البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ ، مُغرِقِينَ في المُبَاحَاتِ وَالشَّهَوَاتِ ، هَمُّهُمُ التَّنَازُعُ في حُطَامِ الدُّنيَا ، وَدَيدَنُهُمُ التَّشَاحُّ عَلَى فُضُولِهَا ، وَغَايَةُ قَصدِهِمُ التَّنَافُسُ عَلَى زَخَارِفِهَا . إِنَّ أُمَّةً تَترُكُ الجِهَادَ وَيَقِلُّ فِيهَا العُبَّادُ ، وَيُفقَدُ مِنهَا المُتَمَسِّكُون َ وَيَكثُرُ فِيهَا المُخَالِفُونَ ، وَيَكُونُ هَمُّهَا الدُّنيَا لا تَغضَبُ إِلاَّ لِفَقدِهَا وَلا تَفرَحُ إِلاَّ بِتَحصِيلِهَا ، إِنَّهَا لأُمَّةٌ حَرِيَّةٌ بِأَن تَبقَى في المُؤَخَّرَةِ ذَلِيلَةً فَقِيرَةً ، إِنْ لم تَهلِكْ وَتَزُلْ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " بُعِثتُ بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيفِ حَتى يُعبَدَ اللهُ ـ تَعَالى ـ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَجُعِلَ رِزقِي تَحتَ ظِلِّ رُمحِي ، وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَن خَالَفَ أَمرِي " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَبشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُم ، فَوَاللهِ مَا الفَقرَ أَخشَى عَلَيكُم ، وَلَكِنْ أَخشَى أَن تُبسَطَ الدُّنيَا عَلَيكُم كَمَا بُسِطَت عَلَى مَن كَانَ قَبلَكُم فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، فَتُهلِكَكُم كَمَا أَهلَكَتهُم " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ في قَلبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَملَهُ وَأَتَتهُ الدُّنيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَن كَانَتِ الدُّنيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ فَقرَهُ بَينَ عَينَيهِ وَفَرَّقَ عَلَيهِ شَملَهُ وَلم يَأتِهِ مِنَ الدُّنيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَأَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ، وَلا يَغُرَّنَّكُم تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ ، أَو مَا يَنَالُهُ البَاطِلُ وَأَهلُهُ مِن تَمَكُّنٍ أَو عُلُوٍّ ، فَتَنجَرِفُوا لِطَلَبِ حُظُوظِكُم مِنَ الدُّنيَا وَتَنسَوُا الآخِرَةَ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري ولا تلمزوا أنفسكم 20 / 6 / 1433 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، حِينَ يَتَوَاضَعُ المَرءُ وَيَعرِفُ قِيمَةَ نَفسِهِ ، يَلزَمُ حُدُودَهُ وَلا يَتَجَاوَزُ قَدرَهُ ، وَأَمَّا حِينَ يَمتَلِئُ صَدرُهُ كِبرًا وَغُرُورًا ، وَتُعجِبُهُ نَفسُهُ وَيَرتَدِي بِرِدَاءِ الخُيَلاءِ وَالغَطرَسَةِ ، فَإِنَّهُ يُجَاوِزُ المَعقُولَ وَيَتَعَامَى عَنِ المَنقُولِ ، فَيَظلِمُ النَّاسَ وَيَبغِي عَلَيهِم ، وَيَبخَسُهُم حُقُوقَهُم وَأَشيَاءَهُم ، وَصَدَقَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ إِذْ قَالَ : " إِنَّ اللهَ أَوحَى إِليَّ : أَنَ تَوَاضَعُوا حَتى لا يَفخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلا يَبغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . إِنَّ ثَمَّةَ تَلازُمًا عَجِيبًا بَينَ الكِبرِ وبَينَ البَغيِ وَالفَخرِ ، وَمَن تَوَاضَعَ وَتَطَامَنَ وَكَانَ سَهلاً هَينًا لَينًا ، غَضَّ عَنِ العَورَاتِ وَالهَفَوَاتِ ، وَتَغَافَلَ عَنِ السَّوءَاتِ وَالزَّلاَّتِ ، وَانشَغَلَ بِإِصلاحِ نَفسِهِ وَتَأدِيبِهَا ، وَعَمِلَ عَلَى تَقوِيمِهَا وَتَهذِيبِهَا ، وَحَرِصَ عَلَى التَّزَوُّدِ ممَّا يُنجِيهِ في مَسِيرِهِ إِلى رَبِّهِ . أَلا وَإِنَّ ممَّا نَهَى عَنهُ الشَّرعُ الحَكِيمُ مِن مَسَاوِئِ الأَخلاقِ وَمَرذُولِ الصِّفَاتِ ، ممَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ في صَدرِ صَاحِبِهِ كِبرًا مَا هُوَ بِبَالِغِهِ ، السُّخرِيَةَ مِنَ النَّاسِ وَالاستِهزَاءَ بِهِم ، وَهَمزَهُم وَلَمزَهُم ، وَجَعلَهُم هَدَفًا لِلتَّهَكُّمِ بِهِم في خَلقٍ أَو خُلُقٍ ، قَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسخَرْ قَومٌ مِن قَومٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيرًا مِنهُم وَلا نِسَاءٌ مِن نِسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيرًا مِنهُنَّ وَلا تَلمِزُوا أَنفُسَكُم وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلقَابِ بِئسَ الاسمُ الفُسُوقُ بَعدَ الإِيمَانِ وَمَن لم يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالمُونَ " إِنَّ المُجتَمَعَ الفَاضِلَ الَّذِي يُرِيدُ الإِسلامُ بِنَاءَهُ وَتَقوِيَةَ أَركَانِهِ ، مُجتَمَعٌ لَه أَدَبٌ رَفِيعٌ ، وَلِكُلِّ فَردٍ فِيهِ كَرَامَتُهُ وَمَكَانَتُهُ ، وَالمُؤمِنُونَ فِيهِ إِخوَةٌ كَالجَسَدِ الوَاحِدِ ، وَأَيُّ تَعَرُّضٍ لِعُضوٍ مِنهُ فَإِنَّمَا هُوَ إِيلامٌ لِسَائِرِ الجَسَدِ ، وَالجَمَاعَةُ كُلٌّ لا يَتَجَزَّأُ ، كَرَامَتُهَا وَاحِدَةٌ ، وَقَدرُهَا وَاحِدٌ ، وَأَيُّ مَسٍّ لِجُزءٍ مِنهَا فَهُوَ تَعَرُّضٌ لِمَجمُوعِهَا ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ أَيَّ لَمزٍ لأَيِّ فَردٍ ، فَكَأَنَّمَا هُوَ لَمزٌ لِلذَّاتِ وَتَعَرُّضٌ لِلنَّفسِ . إِنَّهُ لا يَحِلُّ لِمُؤمِنٍ يُؤمِنُ بِاللهِ رَبًّا خَالِقًا ، وَيُوقِنُ بِهِ مُقَسِّمًا لِلأَرزَاقِ وَالأَخلاقِ ، أَن يَسخَرَ مِن مُؤمِنٍ لِفَقرٍ ابتُلِيَ بِهِ ، أَو لِذَنبٍ ارتَكَبَهُ ، أَو لِعَاهَةٍ لَزِمَتهُ في بَدَنِهِ ، أَو لِنَقصٍ في جَاهِهِ أَو نَسَبِهِ ، فَلَعَلَّ ذَلِكَ المُستَهزَأَ بِهِ ، أَن يَكُونَ أَخلَصَ ضَمِيرًا وَأَنقَى قَلبًا وَأَتقَى للهِ ممَّنِ استَهزَأَ ، فَيَكُونَ المُستَهزِئُ بِذَلِكَ قَد ظَلَمَ نَفسَهُ وَحَقَّرَهَا وَصَغَّرَهَا ، بِتَحقِيرِهِ مَن وَقَّرَهُ اللهُ ، وَاستِصغَارِهِ مَن عَظَّمَهُ اللهُ ، وَكَيفَ تَسمَحُ نَفسٌ بِهَمزٍ أَو لَمزٍ ، لأَنَّهَا قَد أُوتِيَت مَالاً أَو نَسَبًا ، أَو فُضِّلَت بِجَاهٍ أَو حَسَبٍ ، وَاللهُ ـ تَعَالى ـ قَد تَوَعَّدَ أَهلَ الهَمزِ وَاللَّمزِ فَقَالَ : " وَيلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ . الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ . يَحسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخلَدَهُ . كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ في الحُطَمَةِ . وَمَا أَدرَاكَ مَا الحُطَمَةُ . نَارُ اللهِ المُوقَدَةُ . الَّتي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفئِدَةِ . إِنَّهَا عَلَيهِم مُؤصَدَةٌ . في عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ " إِنَّ مِن أَعظَمِ مَسَاوِئِ السُّخرِيَةِ وَالاستِهزَاءِ أَنَّهَا تَحُولُ بَينَ العَبدِ وَبَينَ الاشتِغَالِ بما يَنفَعُهُ ، وَتُبعِدُهُ عَنِ السَّيرِ في مَرضَاةِ رَبِّهِ ، وَتُمِيتُ قَلبَهُ وَتُورِثُهُ الغَفلَةَ وَشُرُودَ الذِّهنِ ، فَلا تَرَاهُ إِلاَّ مُتَتَبِّعًا لِعَيبِ غَيرِهِ ، ثم لا يَشعُرُ إِلاَّ وَالعَذَابُ قَد أَحَاطَ بِهِ ، فَنَدِمَ وَتَحَسَّرَ ، وَلاتَ سَاعَةَ مَندَمٌ ، وَلَكِنْ دُعَاءٌ كَدُعَاءِ الكَافِرِينَ " رَبَّنَا أَخرِجْنَا مِنهَا فَإِنْ عُدنَا فَإِنَّا ظَالمُونَ . قَالَ اخسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ . إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِن عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغفِرْ لَنَا وَارحَمْنَا وَأَنتَ خَيرُ الرَّاحِمِينَ . فَاتَّخَذتُمُوه ُم سِخرِيًّا حَتَّى أَنسَوكُم ذِكرِي وَكُنتُم مِنهُم تَضحَكُونَ . إِنِّي جَزَيتُهُمُ اليَومَ بما صَبَرُوا أَنَّهُم هُمُ الفَائِزُونَ " إِنَّ الاستِغرَاقَ في الضَّحِكِ مِنَ النَّاسِ وَهَمزِهِم وَلَمزِهِم ، أَوِ التَّفَكُّهِ بِذِكرِ عُيُوبِهِم وَتَردَادِ مَسَاوِئِهِم ، أَو تَعيِيرِهِم وَتَنَقُّصِهِم ، إِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِن صِفَاتِ الكُفَّارِ وَسِيمَا المُجرِمِينَ وَأَخلاقِ أَهلِ الجَاهِلِيَّةِ ، الَّذِينَ لم تَستَطعِمْ قُلُوبُهُمُ الإِيمَانَ " وَأَنَّ الفَضلَ بِيَدِ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ " وَأَنَّهُ " وَمَا بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللهِ " قَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " إِنَّ الَّذِينَ أَجرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّوا بِهِم يَتَغَامَزُونَ . وَإِذَا انقَلَبُوا إِلى أَهلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ . وَإِذَا رَأَوهُم قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ . وَمَا أُرسِلُوا عَلَيهِم حَافِظِينَ . فَاليَومَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفَّارِ يَضحَكُونَ . عَلَى الأرَائِكِ يَنظُرُونَ . هَل ثُوِّبَ الكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ " وَعَن أَبي ذَرٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : إِنَّهُ كَانَ بَيني وَبَينَ رَجُلٍ مِن إِخوَاني كَلامٌ ، وَكَانَت أُمُّهُ أَعجَمِيَّةً فَعَيَّرتُهُ بِأُمِّهِ ، فَشَكَاني إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَلَقِيتُ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ ، إِنَّكَ امرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ " قُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَن سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ . قَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ ، إِنَّكَ امرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ... " الحَدِيثَ رَوَاهُ مُسلِمٌ وَهُوَ في البُخَارِيِّ بِنَحوِهِ . إِنَّ السُّخرِيَةَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ لا تَنبَعِثُ إِلاَّ مِن نَفسٍ قَد تَلَوَّثَت بِالعُجْبِ وَتَلَطَّخَت بِالكِبرِ ، وَمِن ثَمَّ فَهِيَ تُعامِلُ مَن حَولَهَا عَن شُعُورٍ بِالفَوقِيَّةِ وَالعُلُوِّ ، وَقَدِ استَهَانَ إِبلِيسُ بِآدَمَ وَسَخِرَ مِنهُ قَائِلاً : " أَنَا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَني مِن نَارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طِينٍ " فَكَانَ جَزَاؤُهُ أَن بَاءَ بِالخَسَارَةِ وَالخِذلانِ وَالبُعدِ عَن رَحمَةِ الرَّحمَنِ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَزُمُّوا أَلسِنَتَكُم عَمَّا لا يُرضِي اللهَ مِن تَنَقُّصِ خَلقِهِ وَالاستِهزَاءِ بهم ، فَإِنَّ لَدَى المُؤمِنِ الجَادِّ مَا يَجعَلُهُ يُفَكِّرُ في عُيُوبِ نَفسِهِ وَيُجَاهِدُهَا عَلَى التَّخَلُّصِ مِن كُلِّ سُوءٍ ، وَإِنَّ الرَّحِيمَ بِإِخوَانِهِ المُحِبَّ لهم مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّهَ لِنَفسِهِ لَيَعمَلُ عَلَى إِصلاحِ خَلَلِهِم ، بَدَلاً مِن تَضيِيعِ الوَقتِ في تَتَبُّعِ عُيُوبِهِم وَعَورَاتِهِم ، وَنَشرِهَا بِكَلِمَاتٍ تُفسِدُ وُدَّهُم وَتُمَزِّقُ لُحمَتَهُم ، عَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : قُلتُ لِلنَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : حَسبُكَ مِن صَفِيَّةِ أَنَّهَا كَذَا وَكَذَا ـ تَعني قَصِيرَةٌ ـ فَقَالَ : " لَقَد قُلتِ كَلِمَةً لَو مُزِجَت بِمَاءِ البَحرِ لَمَزَجَتهُ " قَالَت : وَحَكَيتُ لَهُ إِنسَانًا فَقَالَ : " مَا أُحِبُّ أَني حَكَيتُ إِنسَانًا وَأَنَّ لي كَذَا وَكَذَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " وَلا تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤُولاً . وَلا تَمشِ في الأَرضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخرِقَ الأَرضَ وَلَن تَبلُغَ الجِبَالَ طُولاً . كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكرُوهًا " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ فَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَإِذَا كَانَتِ السُّخرِيَةُ كَبِيرَةً مِن الكَبَائِرِ وَعَظِيمَةٌ مِنَ العَظَائِمِ ، فَإِنَّهَا حِينَ تَقَعُ عَلَى أَهلِ العِلمِ وَرِجَالِ الدَّعوَةِ ، أَوِ يُقصَدُ بها الآمِرُونَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ مُؤَشِّرٌ عَلَى أَنَّ في المُجتَمَعِ خَلَلاً ، وَعَلامَةٌ عَلَى أَنَّ في القُلُوبِ فَسَادًا وَمَرَضًا . وَإِنَّ لِصَحَافَتِنَا مِن ذَلِكَ نَصِيبًا كَبِيرًا ، حَيثُ دَرَجَت في سَنَوَاتِهَا المُتَأَخِّرَةِ ، عَلَى تَنَقُّصِ العُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ وَالصَّالِحِينَ ، وَالنَّيلِ مِنَ النَّاصِحِينَ الصَّادِقِينَ ، وَتَنَاوُلِهِم بِأَرخَصِ الكَلامِ بَل وَوَصفِهِم بِأَقذَعِ السَّبِّ وَالتَّعيِيرِ ، حَتى وَصَلَ الأَمرُ إِلى أَن يُوصَفَ بَعضُ كِبَارِ العُلَمَاءِ وَالنَّاطِقِينَ بِالحَقِّ ، بِأَنَّ لَدَيهِ مُشكِلاتٍ نَفسِيَّةً ، أَو انفِصَامًا في الشَّخصِيَّةِ ، وَأَنَّهُ مُتَقَلِّبُ المِزَاجِ مُتَذَبذِبٌ مُتَلَوِّنٌ ، أَو أَنَّهُ مُرِيدٌ لِلدُّنيَا طَالِبٌ لِمَنَاصِبِهَا ، وَكُلُّ ذَلِكَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ بِقَصدِ الحَيلُولَةِ بَينَ النَّاسِ وَبَينَ العُلَمَاءِ وَرِجَالِ الشَّرِيعَةِ ، حَتى يَخلُوَ الجُوُّ لأُولِئَكِ المُنَافِقِينَ ، لِيُفسِدُوا في المُجتَمَعِ كَيفَ يَشَاؤُونَ ، وَلِيَصُوغُوا أَفكَارَ شَبَابِهِ عَلَى مَا يُرِيدُونَ ، وَلِيَتَلاعَبُو ا بِأَجسَادِ نِسَائِهِ كَمَا يَشتَهُونَ ، فَقَاتَلَهُمُ اللهُ أَنىَّ يُؤفَكُونَ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ، وَاعلَمُوا أَنَّ ممَّا يَجِبُ عَلَى المُجتَمَعِ المُسلِمِ أَن يُقَاطِعَ هَذِهِ الجَرَائِدَ وَتِلكَ القَنَوَاتِ ، وَأَلاَّ يَسمَحَ لِعَينِهِ أَن تَرَى وَلا لأُذُنِهِ أَن تَستَمِعَ لِمَا في تِلكَ المَصَادِرِ العَفِنَةِ النَّتِنَةِ مِنِ استِهزَاءٍ وَسُخرِيَةٍ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَتَهَكُّمٍ بِحَافِظِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، فَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم في الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعتُم آيَاتِ اللهِ يُكفَرُ بها وَيُستَهزَأُ بها فَلا تَقعُدُوا مَعَهُم حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيرِهِ إِنَّكُم إِذًا مِثلُهُم إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ في جَهَنَّمَ جَمِيعًا " إِنَّ هَؤُلاءِ الصَّحَفِيِّينَ وَالكَتَبَةِ مَعَ تَنَاقُضِهِمُ الوَاضِحِ فِيمَا يَكتُبُونَ ، إِنَّهُم لَمِن أَجهَلِ النَّاسِ بما أَنعَمَ اللهُ بِهِ عَلَى هَذِهِ البِلادِ مِن نِعمَةِ التَّمَسُّكِ بِالدِّينِ الَّتي لا تَعدِلُهَا نِعمَةٌ ، وَلَو كَانُوا يَعقِلُونَ لأَصغَوا أَسمَاعَهُم وَقُلُوبَهُم لِقَولِ رَبِّهِم ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ : " وَلاَ تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا وَاذكُرُوا نِعمَةَ الهِب عَلَيكُم وَمَا أَنزَلَ عَلَيكُم مِنَ الكِتَابِ وَالحِكمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ " وَأَمَّا المُستَهزَأُ بهم وَلا سِيَّمَا مِنَ العُلَمَاءِ وَطُلاَّبِ العِلمِ وَالدُّعَاةِ ، فَيَكفِيهِم أَن يَتلُوا قَولَ رَبِّهِم ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ : " فَذَرْهُم يَخُوضُوا وَيَلعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَومَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ " " وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ اعمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُم إِنَّا عَامِلُونَ . وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ . وَللهِ غَيبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ فَاعبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعمَلُونَ " |
| الساعة الآن 08:26 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
-
arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By
Almuhajir
... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...
.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..