مجالس الرويضة لكل العرب

مجالس الرويضة لكل العرب (http://www.rwwwr.com/vb/httb:www.rwwwr.com.php)
-   روحانيات (http://www.rwwwr.com/vb/f5.html)
-   -   خطب الشيخ عبدالله البصري (http://www.rwwwr.com/vb/t31002.html)

ناصرعبدالرحمن 09-04-2010 02:06 PM

رد: خطب الشيخ عبدالله البصري
 
فتبينوا
24ـ4ـ1431هـ

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، نِعمَةٌ مِن أَكبرِ النِّعَمِ عَلَى العَبدِ أَن يَحيَا في دُنيَاهُ خَافِضَ الجَنَاحِ مُتَوَاضِعًا ، سَلِيمَ الصَّدرِ نَقِيَّ الفُؤَادِ ، خَاليَ القَلبِ مِنَ الغِلِّ وَالحِقدِ وَالحَسَدِ ، رَؤُوفًا بِالمُؤمِنِينَ رَحِيمًا ، يُحِبُّ لإِخوَانِهِ مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ ، وَلا يَحسُدُهُم عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ ، وَلا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيرٍ مَا لم يَتَحَاسَدُوا ، فَإِذَا تَحَاسَدُوا وَضَاقَت صُدُورُ بَعضِهِم بِبَعضٍ فَقَد فَتَحُوا لِلشَّيطَانِ عَلَيهِم بَابًا لإِفسَادِ ذَاتِ بَينِهِم ، وَهُوَ المَأزِقُ الَّذِي رَضِيَ عَدُوُّهُم بِإِسقَاطِهِم فِيهِ لَمَّا يَئِسَ مِن إِيقَاعِهِم في شَرَكِ الشِّركِ وَدَرَكِ الكُفرِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ الشَّيطَانَ قَد يَئِسَ أَن يَعبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ وَلَكِنْ في التَّحرِيشِ بَينَهُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ . أَمَّا حِينَ يَبلُغُ الحَسَدُ بِالمَرءِ إِلى أَن يُقَوِّلَ الآخَرِينَ مَا لم يَقُولُوا أَو يُلَفِّقَ عَلَيهِم مَا لم يَفعَلُوا ، ثم يَتَصَرَّفَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ دُونَ حِكمَةٍ وَلا رَوِيَّةٍ ، وَيَسمَحَ لِنَفسِهِ بِالبَغيِ وَالظُّلمِ وَالاعتِدَاءِ ، فَتِلكَ مُصِيبَةٌ بَل مَصَائِبُ مُتَلاحِقَةٌ ، لا تَصدُرُ إِلاَّ مِن شَخصٍ قَدِ اسوَدَّ قَلبُهُ وَأَظلَمَ فُؤَادُهُ ، وَزَالَ مِن صَدرِهِ نُورُ الإِيمَانِ وَانقَطَعَ عَنهُ ضِيَاءُ التَّقوَى ، فَاكتَسَحَتهُ المَعَاصِي وَرَانَت عَلَيهِ الذُّنُوبِ ، وَصَرَفَهُ الكِبرُ عَن رُؤَيَةِ مَحَامِدِ أَهلِ الحَمدِ وَأَعمَاهُ التَّعالي وَالفَخرُ عَن شُهُودِ مَدَائِحِهِم ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ : " إِنَّ اللهَ أَوحَى إِليَّ أَن تَوَاضَعُوا حَتى لا يَفخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلا يَبغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ " وَفي هَذَا الحَدِيثِ دِلالَةٌ عَلَى أَنَّ أَهلَ التَّوَاضُعِ وَالتَّطَامُنِ وَخَفضِ الجَنَاحِ هُم ذَوُو العَدلِِ وَالإِنصَافِ وَالوُقُوفِ عِندَ الحَدِّ وَقَبُولِ الحَقِّ ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ وَاضِحَةٌ إِلى كَونِ الكِبرِ وَالفَخرِ طَرِيقًا لِلبَغيِ وَالظلَّمِ وَالتَّعَدِّي عَلَى الآخَرِينَ وَهَضمِ حُقُوقِهِم ، وَقَد كَانَ الكِبرُ وَالتَّعالي عَلَى الحَقِّ ، ذَلِكُمُ الخُلُقُ البَغِيضُ وَالمَسلَكُ الكَرِيهُ هُوَ سَبَبَ ظُلمِ إِبلِيسَ لأَبِينَا آدَمَ وَعَدَمِ سُجُودِهِ لَهُ عِندَمَا أُمِرَ بِذَلِكَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِذْ قُلنَا لِلمَلائِكَةِ اسجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إَلاَّ إِبلِيسَ قَالَ أَأَسجُدُ لِمَن خَلَقتَ طِينًا . قَالَ أَرَأَيتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمتَ عَلَيَّ لَئِن أَخَّرتَنِ إِلى يَومِ القِيَامَةِ لأَحتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً . قَالَ اذهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنهُم فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُم جَزَاءً مَوفُورًا " وَإِنَّ المُتَأَمِّلَ في الوَاقِعِ اليَومَ لَيَرَى مِن بَعضِ النَّاسِ عَجَبًا ، يَرَى الرَّجُلَ الرَّزِينَ ذَا الهَيئَةِ الحَسَنَةِ وَالمَنظَرِ الجَمِيلِ فِيمَا يَظهَرُ ، ثُمَّ لا يُفَاجَأُ بِهِ يَومًا إِلاَّ وَقَد أَطلَقَ لِسَانَهُ في مَجلِسٍ عَامٍّ أَو أَمَامَ المَلأِ بِسَبِّ أَخٍ لَهُ أَو تَعيِيرِهِ أَو ثَلبِهِ وَقَدحِهِ ، أَو وَصفِهِ بِأَقبَحِ الأَوصَافِ وَنَبزِهِ بِأَسوَأِ الأَلقَابِ ، لا لأَنَّهُ اعتَدَى عَلَيهِ أَو رَأَى مِنهُ أَو سَمِعَ مَا يَكرَهُهُ ، وَلَكِنْ لِظَنِّ سُوءٍ غَلَبَهُ ، أَو لأَنَّ نَمَّامًا نَقَلَ إِلَيهِ كَلامًا فَصَدَّقَهُ ، أَو لأَنَّ وَاشِيًا أَسَرَّ إِلَيهِ بِتَوَهُّمٍ قَدَحَهُ الشَّيطَانُ في ذِهنِهِ ، فَطَارَ ذَلِكَ العَاقِلُ في ظَاهِرِهِ بِذَلِكَ الظَّنِّ أَو بِتِلكِ الغِيبَةِ ، وَضَاقَ صَدرُهُ بِمَا نُقِلَ إِلَيهِ ، وَامتَلأَ عَلَى صَاحِبِهِ حَنَقًا وَغَضَبًا ، وَكَادَ يَتَمَيَّزُ مِنَ الغَيظِ وَيَتَقَطَّعُ مِنَ الضِّيقِ ، فَلَم يُصَدِّقْ أَن رَآهُ حَتى انفَرَطَ عَلَيهِ يَكِيلُ لَهُ مِن أَردَأِ الكَلامِ مَا عُرِفَ وَمَا لم يُعرَفْ ، وَحتى أَغلَقَ مَا بَينَهُ وَبَينَهُ مِن أَبوَابِ التَّفَاهُمِ وَقَطَعَ مَا كَانَ مِن حِبَالِ الصِّلَةِ ، فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ! أَيَّ قُلُوبٍ يَحمِلُ بَعضُ النَّاسِ ؟ وَبِأَيِّ عُقُولٍ يُفَكِّرُونَ ؟ وَمِن أَيِّ مَبدَأٍ يَنطَلِقُونَ ؟ مَا هَذِهِ الخِفَّةُ الَّتي أَصَابَت عُقُولَهُم فَجَعَلَتهَا كَرِيشَةٍ في مَهَبِّ رِيحٍ ؟ إِنَّهُ التَّهَاوُنُ بِأَوَامِرِ الدِّينِ الحَنِيفِ وَتَوجِيهَاتِ الشَّرعِ المُطَهَّرِ ، إِنَّهُ التَّولِّي وَالإِعرَاضُ عَنِ الآدَابِ الإِسلامِيَّةِ وَالأَخلاقِ النَّبَوِيَّةِ ، إِنَّهُ شُؤمُ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَات ِ ، وَالَّتي مِنهَا مُخَالَفَةُ مَا أَرشَدَنَا إِلَيهِ ـ سُبحَانَهُ ـ في مِثلِ هَذِهِ الأَحوَالِ مِنَ التَّثَبُّتِ وَالتَّبَيُّنِ ، وَعَدَمِ العَمَلِ بِالظَّنِّ الَّذي لا يُغني مِنَ الحَقِّ شَيئًا ، وَإِنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَقطَعُونَ مَا بَينَهُم وَبَينَ إِخَوَانِهِم ممَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ لِمُجَرَّدِ غِيبَةٍ أَو نَمِيمَةٍ أَو ظَنٍّ كَاذِبٍ ، قَد كَانَ بِإِمكَانِ أَحَدِهِم أَن يَرفَعَ سَمَّاعَةَ هَاتِفِهِ أَو يَستَعِينَ بِجَوَّالِهِ ، وَيَتَّصِلَ بِأَخِيهِ وَيَسمَعَ مِنهُ ، وَيَتَأَكَّدَ ممَّا نُقِلَ عَنهُ مِن كَلامٍ أَو ممَّا أَوقَعَهُ الشَّيطَانُ في قَلبِهِ مِن أَوهَامٍ ، وَيَتَعَرَّفَ قَبلَ أَن يَتَصَرَّفَ ، وَيَتَبَيَّنَ قَبلَ أَن يَأتيَ بِالطَّامَّةِ وَيُصِيبَ أَخَاهُ بِجَهَالَةٍ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد نَدَبَنَا رَبُّنَا إِلى العَفوِ وَالصَّفحِ وَإِصلاحِ ذَاتِ البَينِ وَالتَّنَازُلِ عَمَّا لَنَا مِنَ الحُقُوقِ احتِسَابًا لِلأَجرِ وَطَلَبًا لِمَا عِندَهُ مِنَ جَزِيلِ الثَّوَابِ وَحُسنِ الجَزَاءِ ، وَسَمَحَ لَنَا إِن لم نَتَنَازَلَ أَن نَأخُذَ بِحَقِّنَا بِالمِثلِ دُونَ تَعَدٍّ وَتَجَاوُزٍ ، أَمَّا أَن نَظلِمَ وَنَبغِيَ وَنَتَجَاوَزَ بِنَاءً عَلَى ظُنُونٍ وَأَوهَامٍ وَنَقلِ فَاسِقِينَ ، فَمَا أَتعَسَ حَظَّ الظَّالِمِ مِنَّا وَأَشَدَّ عَذَابَهُ ! قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثلُهَا فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعدَ ظُلمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيهِم مِن سَبِيلٍ . إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظلِمُونَ النَّاسَ وَيَبغُونَ في الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ أُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ " فَعَجَبًا لِمَن يُهِينُ نَفسَهُ وَهُوَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَطلُبُ كَرَامَتَهَا ، وَتَبًّا لَهَا مِن كَرَامَةٍ لا تَأتي إِلاَّ بِظُلمِ الآخَرِينَ وَالاعتِدَاءِ عَلَيهِم وَطَعنِ قُلُوبِهِم وَإِيذَائِهِم بِغَيرِ حَقٍّ ! إِنَّهَا وَرَبِّ الكَعبَةِ لَعَينُ الإِهَانَةِ وَمَحضُ الذِّلَّةِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُكرِمٍ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاطلُبُوا مَا عِندَهُ ، وَاحذَرُوا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالجِنِّ ، ممَّن يُوقِعُونَكُم في الظُّلمِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " اِتَّقُوا الظُّلمَ ، فَإِنَّ الظُّلمَ ظُلُمَاتٌ يَومَ القِيَامَةِ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن كَانَت عِندَهُ مَظلَمَةٌ لأَخِيهِ مِن عِرضٍ أَو مِن شَيءٍ فَلْيَتَحَلَّلْ هُ مِنهُ اليَومَ مِن قَبلِ أَلاَّ يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالحٌ أُخِذَ مِنهُ بِقَدرِ مَظلَمَتِهِ ، وَإِنْ لم تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيهِ " وَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ ، وَلْتَكُونُوا بِمَا عِندَ اللهِ أَوثَقَ مِنكُم بِمَا عِندَكُم ، وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ ، وَكُونُوا عِندَ حُدُودِ اللهِ وَقَّافِينَ وَلِلحَقِّ مُتَّبِعِينَ ، وَلِلظُّلمِ وَالجَورِ مُنكِرِينَ مُستَنكِرِينَ ، وَعَن أَعرَاضِ المُسلِمِينَ مُدَافِعِينَ ، وَرَبُّوا أَنفُسَكُم عَلَى مَا رَبَّاكُمُ اللهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ عَلَيهِ مِنِ اجتِنَابِ الظَّنِّ السَّيِّئِ ، وَتَأَدَّبُوا بِمَا أَدَّبَكُم بِهِ مِنَ التَّثَبُّتِ وَالتَّبَيُّنِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن رَدَّ عَن عِرضِ أَخِيهِ رَدَّ اللهُ عَن وَجهِهِ النَّارَ يَومَ القِيَامَةِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثمٌ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُم فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَومًا بِجَهَالَةٍ فَتُصبِحُوا عَلَى مَا فَعَلتُم نَادِمِينَ "

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَيَتبَعُ ظُلمَ الآخَرِينَ في السُّوءِ وَالقُبحِ ، أَن يَقَعَ ذَلِكُمُ الظُّلمُ أَمَامَ النَّاسِ وَعَلَى مَشهَدٍ مِنهُم ثُمَّ لا يَرفَعُوهُ وَلا يَردَعُوهُ ، إِمَّا لأَنَّ الظَّالِمَ قَرِيبٌ لهم أَو لأَنَّ عِندَهُ لهم مَصلَحَةً دُنيَوِيَّةً ، أَو لأَسبَابٍ أُخرَى لا تَخرُجُ عَن مَتَاعِ الدُّنيَا القَلِيلِ ، وَإِنَّهُ لَمِنَ الخُذلانِ لِلعَبدِ أَن يَقدِرَ عَلَى رَدعِ ظَالِمٍ أَو رَدِّ مَظلَمَةٍ أَو دِفَاعٍ عَمَّن هُضِمَ حَقُّهُ ثُمَّ لا يَفعَلَ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " اُنصُرْ أَخَاكَ ظَالمًا أَو مَظلُومًا " فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَنصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظلُومًا ، أَفَرَأَيتَ إِن كَانَ ظَالمًا كَيفَ أَنصُرُهُ ؟ قَالَ : " تَحجُزُهُ أَو تَمنَعُهُ عَنِ الظُّلمِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصرُهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَأَمَّا إِعَانَةُ الظَّالِمِ بِالقَولِ أَوِ الفِعلِ بَل وَبِبَعضِ السُّكُوتِ ، فَإِنَّمَا هُوَ بَابٌ مِن أَبوَابِ سَخَطِ اللهِ وَغَضَبِهِ ، يَلِجُهُ بَعضُ مَن أَعمَى اللهُ بَصِيرَتَهُ تَعَصُّبًا وَحَمِيَّةً جَاهِلِيَّةً ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِغَيرِ حَقٍّ كَانَ في سَخَطِ اللهِ حَتى يَنزَعَ " وَقَالَ : " مَثَلُ الَّذِي يُعِينُ قَومَهُ عَلَى غَيرِ الحَقِّ كَمَثَلِ بَعِيرٍ تَرَدَّى في بِئرٍ فَهُوَ يُنزَعُ مِنهَا بِذَنَبِهِ " وَتَعَالَوا وَاسمَعُوا إِلى هَذَا الحَدِيثِ العَظِيمِ ، وَتَأَمَّلُوا مَا فِيهِ مِن تَهدِيدٍ وَوَعِيدٍ لِمَن أَعَانَ ظَالِمًا وَخَذَلَ مَظلُومًا ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَا مِنِ امرِئٍ يَخذُلُ امرَأً مُسلِمًا في مَوطِنٍ يُنتَقَصُ فِيهِ مِن عِرضِهِ وَيُنتَهَكُ فِيهِ مِن حُرمَتِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللهُ ـ تَعَالى ـ في مَوطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصرَتَهُ ، وَمَا مِن أَحَدٍ يَنصُرُ مُسلِمًا في مَوطِنٍ يُنتَقَصُ فِيهِ مِن عِرضِهِ وَيُنتَهَكُ فِيهِ مِن حُرمَتِهِ إِلاَّ نَصَرَهُ اللهُ في مَوطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصرَتَهُ "

ناصرعبدالرحمن 22-04-2010 12:05 PM

رد: خطب الشيخ عبدالله البصري
 
(إن لله جنوداً منها البراكين)
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ ، وَامتَثِلُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَقِفُوا عِندَ حُدُودِهِ وَخَافُوهُ " وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في جَزِيرَةٍ نَائِيَةٍ في شَمَالِ المُحِيطِ الأَطلَسِيِّ ، وَبَينَمَا النَّاسُ في حَيَاتِهِم غَادُونَ رَائِحُونَ ، وَدُونَ أَيِّ نُذُرٍ أَو مُقَدِّمَاتٍ ، يَثُورُ بُركَانٌ صَغِيرٌ مِن تَحتِ نَهرٍ جَلِيدِيٍّ ، لِيَنفُثَ كَمِّيَّاتٍ هَائِلَةً مِنَ الرَّمَادِ وَالغُبَارِ ، تُغَطِّي السَّمَاءَ في قَارَّةِ كَامِلَةٍ أَو تَكَادُ ، فَيَفزَعُ النَّاسُ لِذَلِكَ وَيَرتَبِكُونَ ، وَتَتَوَقَّفُ حَرَكَةُ الطَّيَرَانِ وَتَجثُمُ الطَّائِرَاتُ ، وَتُغلَقُ المَطَارَاتُ وَتُؤَجَّلُ الرِحلاتُ ، وَتَخسَرُ الشَّرِكَاتُ مَلايِينَ الدُّولارَاتِ ، وَتَتَقَطَّعُ السُّبُلُ بِالمُسَافِرِين َ ، وَتَتَحَوَّلُ صَالاتُ المَطَارَاتِ إِلى مَهَاجِعَ للمُنتَظِرِينَ ، فَضلاً عَن خَسَائِرِ المَصَدِّرِينَ وَالمُستَورِدِي نَ . لَقَد غَدَت أَورُوبَّا بَينَ عَشِيَّةٍ وَضُحَاهَا مَعزُولَةً عَنِ العَالمِ الخَارِجِيِّ تَقرِيبًا ، وَجَعَلَت تُوَاجِهُ أَكبَرَ تَعَطُّلٍ لِلنَّقلِ في تَارِيخِ طَيَرَانِهَا المَدَنِيِّ ! فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ! مَا أَعجَزَ الخَلقَ أَمَامَ قُدرَةِ خَالِقِهِم وَأَضعَفَهُم حِيَالَ قُوَّتِهِ ! سَحَابُ بُركَانٍ وَاحِدٍ يُصِيبُ قَارَّةً كَامِلَةً بِالذُّعرِ وَالخَوفِ ، وَيُقَيِّدُ حَرَكَتَهَا الجَوِّيَّةَ وَيُكَبِّدُ شَرِكَاتِهَا خَسَائِرَ اقتِصَادِيَّةً ، فَكَيفَ لَو تَفَجَّرَت عِدَّةُ بَرَاكِينَ ؟! كَيفَ لَو تَتَابَعَتِ الآَيَاتُ الأُخرَى وَتَوَالَتِ الكَوارِثُ الكُبرَى ؟! إِنَّهُ لأَمرٌ يَستَدعِي التَّأَمُّلَ وَيَستَوجِبُ النَّظَرَ ، وَيَدعُو إِلى التَّفَكُّرِ الطَّوِيلِ وَالاعتِبَارِ العَظِيمِ " ذَلِكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ " " لا يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ البَرَاكِينَ جُندٌ مِن جُنُودِهِ ـ تَعَالى ـ يُرسِلُهَا عَلَى مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ مَتَى شَاءَ وَكَيفَ شَاءَ ، إِنذَارًا وَوَعِيدًا وَتَخوِيفًا وَتَهدِيدًا " وَمَا نُرسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخوِيفًا " " وَمَا يَعلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكرَى لِلبَشَرِ " وَإِنَّ مِن جُنُودِ اللهِ المُسَلَّطَةِ هَذَا الرَّمَادُ البُركَانيُّ المُكَوَّنُ مِن جُزَيئَاتٍ صَغِيرَةٍ مِنَ الزُّجَاجِ وَالصُّخُورِ المُفَتَّتَةِ ، وَالَّتي تُهَدِّدُ مُحَرِّكَاتِ الطَّائِرَاتِ وَهَيَاكِلَهَا وَتُعِيقُ حَرَكَتَهَا ، بَل وَيُؤَدِّي استِنشَاقُهَا إِلى تَمَزُّقِ النَّسِيجِ الرِّئَوِيِّ لِلإِنسَانِ ، وَإِصَابَتِهِ بِالأَمرَاضِ التََنَفُّسِيَّ ةِ المُستَعصِيَةِ . إِنَّهَا لآيَةٌ مِن آيَاتِ اللهِ ـ تَعَالى ـ أَرسَلَهَا تَذكِرَةً وَمَوعِظَةً لِلمُؤمِنِينَ المُتَّقِينَ ، وَتَخوِيفًا وَتَرهِيبًا لِلكَافِرِينَ وَالمُعرِضِينَ ، فَالقُلُوبُ المُؤمِنَةُ تَتَّعِظُ وَتُخبِتُ وَتُنِيبُ لِرَبِّهَا ، وَالقُلُوبُ الغَافِلَةُ لا يُهِمُّهَا سِوَى الخَسَائِرِ الاقتِصَادِيَّة ِ ، وَتُشغَلُ بِالمُتَابَعَةِ الإِعلامِيَّةِ وَمُرَاقَبَةِ البُركَانِ عَن رَبِّ البُركَانِ " لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بها وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرُونَ بها وَلَهُم آذَانٌ لا يَسمَعُونَ بها أُولَئِكَ كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ " إِنَّ المُؤمِنَ وَقَد أُوتيَ قَلبًا حَيًّا وَحِسًّا مُرهَفًا لِيَتَأَثَّرُ بمِثلِ هَذِهِ الأَحوَالِ المُخِيفَةِ مُقتَدِيًا بِنَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ الَّذِي كَانَ إِذَا رَأَىَ رِيحًا أَو غَيمًا عُرِفَ ذَلِكَ في وَجهِهِ فَأَقبَلَ وَأَدبَرَ وَدَخَلَ وَخَرَجَ خَوفًا مِن نُزُولِ عَذَابٍ ، وَيَخرُجُ في الكُسُوفِ فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ مُستَعجِلاً ، يَخشَى أَن تَكُونَ السَّاعَةُ ، يَفعَلُ ذَلِكَ لِرُؤيَةِ غَيمٍ غَالِبُ مَا يَأتي فِيهِ المَطَرُ وَالغَيثُ ، أَو لِكُسُوفِ الشَّمسِ وَذَهَابِ بَعضِ ضَوئِهَا ، فَكَيفَ لَو رَأَىَ أَعمِدَةَ الرَّمَادِ تَرتَفِعُ في الجَوِّ كَالسَّحَابِ ؟! كَيفَ لَو رَأَى الصَّهِيرَ النَّارِيَّ البُركَانيَّ الَّذِي تَبلُغُ دَرَجَةُ حَرَارَتِهِ أَلفًا وَمِئَتَي دَرَجَةٍ مِئَوِيَّةٍ ؟! إِنَّهَا لَمِن قَسوَةِ القُلُوبِ وَعَمَى البَصَائِرِ أَن يَسمَعَ النَّاسُ وَيَرَونَ القَوَارِعَ الَّتي تَشِيبُ لها مَفَارِقُ الوِلدَانِ ، وَتَتَوَالى عَلَيهِمُ الزَّوَاجِرُ الَّتي تَخشَعُ لها صُمُّ الجِبَالِ ، ثُمَّ يَستَمِرُّوا عَلَىَ تَمَرُّدِهِم وَطُغيَانِهِم وَيَتَمَادَوا في غَيِّهِم وَعِصيَانِهِم ، ويَظَلُّوا عَاكِفِينَ عَلَىَ شَهَوَاتِهِم مُتَّبِعِينَ أَهوَاءَهُم ، غَيرَ عَابِئِينَ بِوَعِيدٍ وَلا مُنَصَاعِينَ لِتَهدِيدٍ ، مُقتَصِرِينَ في تَفسِيرِ مَا حَدَثَ عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ أَمَرٍ طَبَعِيٍّ وَحَدَثٍ اعتِيَادِيٍّ ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى غَفلَةٍ عَن مُدَبِّرِ الكَونِ وَجَهلٍ بِقُدرَةِ مُسَيِّرِهِ ، وَإِلاَّ فَمَنِ الِّذِي يُجرِيهِ وِفقَ ذَلِكَ النِّظَامِ البَدِيعِ وَيُسَخِّرُهُ لِيَنتَفِعُوا بِهِ ، ثُمَّ يُسَلِّطُهُ في لَحظَةٍ عَلَى مَن يَشَاءُ بِتَقدِيرِهِ وَتَدبِيرِهِ " مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " إِنَّ مَا حَدَثَ شَاهِدٌ عَظِيمٌ عَلَى قُدرَتِهِ ـ جَلَّ جَلالُهُ ـ " اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرضِ مِثلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمرُ بَينَهُنَّ لِتَعلَمُوَا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَد أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا " " وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعجِزَهُ مِن شَيءٍ في السَّمَاوَاتِ وَلا في الأَرضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا " وَإِنَّ هَذِهِ البَرَاكِينَ وَالزَّلازِلَ لِتُذَكِّرُنا بِزَلزَلَةِ يَومٍ عَظِيمٍ ، وَإِذَا كَانَ بُركَانٌ وَاحِدٌ يُحدِثُ في دُنيَا النَّاسِ مِنَ الفَزَعِ مَا يُحدِثُ ، فَكَيفَ بِزَلزَلَةِ الأَرضِ كُلِّهَا " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ . يَومَ تَرَونهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ " وَإِنَّ ذَلِكُمُ الغُبَارَ الَّذِي حَجَبَ الشَّمسَ عَن سَمَاءِ تِلكَ الدُّوَلِ ، وَتَنَاثُرَ الرَّمَادِ في الهَوَاءِ ، وَتُعَطَّلَ حَرَكَةِ الطَّيَرَانِ وَإِغلاقَ المَطَارَاتِ ، إِنَّهُ لَيُذَكِّرُنَا بِتَكوِيرِ الشَّمسِ وَانكِدَارِ النُّجُومِ وَتَعَطُّلِ العِشَارِ " إِذَا الشَّمسُ كُوِّرَت . وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَت . وَإِذَا الجِبَالُ سُيِّرَت . وَإِذَا العِشَارُ عُطِّلَت " يَذهَبُ ضَوءُ الشَّمسِ وَتَتَنَاثَرُ النُّجُومُ ، وَيَترُكُ الإِبِلَ أَصحَابُهَا عَلَى نَفَاسَتِهَا وَغَلائِهَا حَيثُ يَأتِيهِم مَا يُذهِلُهُم عَنهَا وَيَشغَلُهُم عَنِ الاهتِمَامِ بها . وَإِنَّ هَذِهِ الغُيُومَ المُتَرَاكِمَةَ الَّتي تَملأُ الجَوَّ عَلَى ارتِفَاعَاتٍ هَائِلَةٍ ، لَتُذَكِّرُنَا بِالدُّخَانِ الَّذِي يَبعَثُهُ اللهُ قَبلَ قِيَامِ السَّاعَةِ : " فَارتَقِبْ يَومَ تَأتي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ . يَغشَىَ النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ " وَإِنَّ عَجزَ القَارَّةِ الأَورُبِّيَّةِ وَذُهُولَهَا مِمَّا وَقَعَ ، وَتَسَاؤُلَ الجَمِيعِ عَمَّا حَدَثَ وَوُقُوفَهُم مَبهُوتِينَ مُتَحَيِّرِينَ ، إِنَّهُ لَيُذَكِّرُنَا بِعَجزِ الإِنسَانِ عِندَ قِيَامِ السَّاعَةِ " إِذَا زُلزِلَتِ الأَرضُ زِلزَالَهَا . وَأَخرَجَتِ الأَرضُ أَثقَالَهَا . وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاعلَمُوا أَنَّ مَا أَصَابَ النَّاسَ وَمَا يُصِيبُهُم إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ طُغيَانِهِم وَعِصيَانِهِم " وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيَكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ " فَهِيَ سُنَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ مَاضِيَةٌ ، مَا كَثُرَتِ المَعَاصِي وَارتُكِبَتِ الكَبَائِرُ وَالمُوبِقَاتُ ، وَلا شَاعَتِ الفَوَاحِشُ وَاستُسِيغَتِ المُخَالَفَاتُ وَالمُنكَرَاتُ ، وَلا انتَشَرَ الظُّلمُ وَالقَتلُ وَعَمَّ الطُّغيَانُ , إِلاَّ نَزَلَتِ العُقُوبَاتُ وَكَثُرَتِ المَصَائِبُ العَامَّةُ ، مِنَ الأَعَاصِيرِ المُهلِكَةِ وَالفَيَضَانَات ِ المُغرِقَةِ ، وَالزَّلازِلِ المُدَمِّرَةِ وَالبَرَاكِينِ المُحرِقَةِ ، وَالحُرُوبِ الطَّاحِنَةِ وَالأَمرَاضِ الفَتَّاكَةِ ، وَالطَّوَاعِينِ العَامَّةِ وَالآفَاتِ القَاضِيَةِ ، وَالنَّقصِ في النُّفُوسِ وَفَسَادِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ ، مِمَّا يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ العِبَادَ وَيُذَكِّرُهُم بِقُوَّتِهِ وَسَطوَتِهِ " ظَهَرَ الفَسَادُ في البَرِّ وَالبَحرِ بما كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ " وَلَيسَت هَذِهِ بِآخِرِ الكَوارِثِ الَّتي سَتُصِيبُ مَن يُعرِضُ عَنِ اللهِ وَيَتَنَكَّبُ المَنهَجَ الحَقَّ ، وَإِنَّ لِلَّذِينَ كَفَرُوَا وَطَغَوا في البِلادِ لأَمثَالَهَا " فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثلَ ذَنُوبِ أَصحَابِهِم فَلا يَستَعجِلُونِ " " وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بما صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَو تَحُلُّ قَرِيبًا مِن دَارِهِم حَتَّى يَأتيَ وَعدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخلِفُ المِيعَادَ " وَهَكَذَا كُلَّمَا طَغَىَ الإِنسَانَ وَتَكَبَّرَ في الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَتَجَبَّرَ ، وَادَّعَى الوُصُولَ لأَعلَىَ دَرَجَاتِ الكَمَالِ وَالاستِغنَاءِ عَن خَالِقِهِ ، فَإِنَّ اللهَ يَبعَثُ لَهُ مَا يُبَيِّنُ ضَعفَهُ وَيُثبِتُ عَجزَهُ ، وَيَدُلُّهُ عَلَى فَقرِهِ إِلى خَالِقِهِ وَحَاجَتِهِ إِلى مَولاهُ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنيُّ الحَمِيدُ . إِن يَشَأْ يُذهِبْكُم وَيَأتِ بِخَلقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ . وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَىَ وَإِنْ تَدعُ مُثقَلَةٌ إِلىَ حِملِهَا لا يُحمَلْ مِنهُ شَيءٌ وَلَو كَانَ ذَا قُربىَ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفسِهِ وَإِلى اللهِ المَصِيرُ "
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ تَقوَاهُ ، وَاستَعِدُّوا بِالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ لِيَومِ لِقَاهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، كَثِيرًا مَا يَتَبَجَّحُ الغَربُ وَأَتبَاعُهُ وَالمُعجَبُونَ بِهِ مِن بَنِي جِلدَتِنَا بما وَصَلَت إِلَيهِ تِلكَ الدُّوَلُ مِن عِلمٍ وَتِقنِيَةٍ ، وَتَرَاهُم في المُقَابِلِ يُزرُونَ عَلَى مَن عَدَاهُم وَيَتَنقَّصُونَ غَيرَهُم !! وَلَكِنْ يَأبى اللهُ إِلاَّ أَن يُرغِمَ أَنفَ هَذِهِ الحَضَارَةِ المَادِّيَّةِ وَإِن هِيَ تَكَبَّرَت وَشَمَخَت . فَمَاذَا صَنَعَت تِلكَ الدُّوَلُ الََّتي تُسَمَّى بِالمُتَقَدِّمَ ةِ ؟ أَينَ ذَهَبَت جُيُوشُهُم وَقُوَّاتُهُم أَمَامَ هَذَا الجُندِيِّ مِن جُنُودِ اللهِ ؟! هَلِ استَطَاعُوا مَنعَهُ أَو قَدِرُوا عَلَى إِيقَافِهِ ؟ أَينَ مَا وَصَلُوا إِلَيهِ مِن مُختَرَعَاتٍ ومُكتَشَفَاتٍ ؟! أَينَ مَا شَغَلُوا بِهِ العَالَمَ مِن مَبَاحِثَ وَدِرَاسَاتٍ ؟! أَينَ إِعدَادَاتُهُم وَتِرسَانَاتُهُ م ؟ هَل دَفَعَت للهِ أَمرًا أَو عَطَّلَت قَدَرًا ؟ هَل رَدَّت بَلاءً أَو مَنَعَت عَذَابًا ؟! في لَحَظَاتٍ مَعدُودَةٍ وَبِحَرَكَةٍ مِنَ الأَرضِ يَسِيرَةٍ ، يَنقَلِبُ الأَمنُ خَوفًا وَيُصبِحُ الهُدُوءُ انزِعَاجًا ، وَتَضِيقُ الصُّدُورُ وَتَعبِسُ الوُجُوهُ ، وَتَتَحَوَّلُ المَكَاسِبُ إِلى خَسَائِرَ ، وَتَقِفُ قَارَّةٌ بِأَكمَلِهَا عَاجِزَةً أَمَامَ هَذِهِ الكَارِثَةِ ، لِيُطلِعَهُمُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَلَى مَدَى ضَعفِهِم وَقِلَّةِ حِيلَتِهِم ، وَلِيَعلَمُوَا صِدقَ قَولِهِ ـ تَعَالى ـ : " قُلْ إِنَّ الأَمرَ كُلَّهُ للهِ " وَقَولِهِ : " وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا " وَقَولِهِ : " وَمَا أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلاَّ قَلِيلاً " وَقَولِهِ : " أَمَّن هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُم يَنصُرُكُم مِن دُونِ الرَّحمَنِ إِنِ الكَافِرُونَ إِلاَّ في غُرُورٍ " اغتَرُّوا وَخُيِّلَ إِلَيهِم أَنَّهُم في أَمَانٍ وَحِمَايَةٍ وَاطمِئنَانٍ !! وَظَنُّوا أَنَّهُم مَلَكُوا الجَوَّ وَبَلَغُوا في مَجَالِ الطَّيَرَانِ شَأنًا عَظِيمًا ، وَإِذْ ذَاكَ أَتَاهُمُ البُركَانُ عَلَى حِينِ غِرَّةٍ وَهَجَمَ عَلَيهِم عَلَى حِينِ غَفلَةٍ ، فَأَصَابَ طَيَرَانَهُم بِالعَجزِ وَأَلبَسَهُمُ الخَسَارَةَ الفَادِحَةَ " حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرضُ زُخرُفَهَا وَازَّيَّنَت وَظَنَّ أَهلُهَا أَنَّهُم قَادِرُونَ عَلَيهَا أَتَاهَا أَمرُنَا لَيلاً أَو نهَارًا " وَمَعَ أَنَّهُ بِمَقدُورِ البَشَرِ في أَحيَانٍ كَثِيرَةٍ التَّنَبُّؤُ بِهَذِهِ الآَيَاتِ الكَونِيَّةِ قَبلَ وُقُوعِهَا ، إِلاَّ أَنَّ وُقُوعَ مِثلِ هَذِهِ الحَوَادِثِ وَالفَواجِعِ تُثبِتُ يَومًا بَعدَ يَومٍ قُصُورَ البَشَرِ وَضَعفَ آلَتِهِم ، سَوَاءٌ في الرَّصدِ وَالتَّحلِيلِ وَتُوُقُّعِ الأَزَمَاتِ ، أَو في إِكمَالِ الاستِعدَادَاتِ وَإِتمَامِ الاحتِيَاطَاتِ ، أَو في التَّصَدِّي لها وَتَخفِيفِ أَثَرِهَا . إِنَّهُ قَدَرُ اللهِ وَاقِعٌ لا مَحَالَةَ ، وَمَشِيئَتُهُ نَافِذَةٌ وَلا بُدَّ ، وإِذَا نَزَلَ أَمرُهُ فَلا تَنفَعُ مَعَاهِدُ الأَبحاثِ حِينَئِذٍ وَلا الدِّرَاسَاتُ ، وَلا تَمنَعُ مِنهُ أَجهِزَةُ التَّحَكُّمِ وَلا مَرَاكِزُ المَعلُومَاتِ ، وَلا يُغنِي حَذَرٌ مِن قَدَرٍ ، وَ" للهِ الأَمرُ مِن قَبلُ وَمِن بَعدُ " وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ لَيسَ لِلإِنسَانِ مَهمَا عَظُمَت قُوَّتُهُ وَامتَدَّت سُلطَتُهُ ، أو بَلَغَ عِلمُهُ وَوَصَلَ ذَكَاؤُهُ ، إِلاَّ اللُّجُوءُ إِلى خَالِقِهِ وَالانطِرَاحُ بَينَ يَدَيهِ ، وَإِخلاصُ الدُّعَاءِ لَهُ وَتَوحِيدُهُ وَصِدقُ التَّوَجُّهِ إِلَيهِ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا " فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ فَإِنَّ مَا يُصِيبُنَا في السَّنَوَاتِ المُتَأَخِّرَةِ مِن شُحِّ الأَمطَارِ وَغَورِ الآبَارِ ، وَتَوَالي أَيَّامِ القَحطِ وَالغُبَارِ ، لَهُوَ نَذِيرٌ لَنَا وَتَذكِيرٌ ، فَالتَّوبَةَ التَّوبَةَ ، فَإِنَّهُ لَيسَ بَينَ اللهِ وَلا أَحَدٍ مِن خَلقِهِ إِلاَّ العَمَلُ الصَّالحُ " مَن عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلعَبِيدِ "

جســاس 23-04-2010 11:13 AM

رد: خطب الشيخ عبدالله البصري
 
جزاك الله الف خير وكثر الله من امثالك
واثابك الفردوس الاعلى على ماتقدم
من نشر لللخير

ابوسلطان 13-06-2010 04:11 PM

رد: خطب الشيخ عبدالله البصري
 
بارك الله فيك

ناصرعبدالرحمن 25-06-2010 05:23 AM

رد: خطب الشيخ عبدالله البصري
 

إتباع سبيل المؤمنين والتحذير من الغناء والمغنين
13/7/1431هـ

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ . لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، عَن عَبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ ـ رَضِي اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : كَيفَ أَنتُم إِذَا لَبِسَتكُم فِتنَةٌ يَهرَمُ فِيهَا الكَبِيرُ وَيربُو فِيهَا الصَّغِيرُ وَيتَّخِذُهَا النَّاسُ سُنَّةً ، فَإِذَا غُيِّرَت قَالُوا : غُيِّرَتِ السُّنَّةُ . قِيلَ : مَتَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبدِالرَّحمَنِ ؟ قَالَ : إِذَا كَثُرَت قُرَّاؤُكُم وَقَلَّت فُقَهَاؤُكُم ، وَكَثُرَت أُمَرَاؤُكُم وَقَلَّت أُمَنَاؤُكُم ، وَالتُمِسَتِ الدُّنيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ وَتُفُقِّهَ لِغَيرِ الدِّينِ ... رَضِي اللهُ عَنِ ابنِ مَسعُودٍ وَأَرضَاهُ ، فَلَم يكُنْ لِيَقُولَ مِثلَ هَذَا مِن تِلقَاءِ نَفسِهِ أَو بِمَحضِ رَأيِهِ ، إِذْ إِنَّهُ مِن أُمُورِ الغَيبِ الَّتي لا تُدرَكُ بِخَالِصِ الرَّأيِ وَلا تَصِلُ إِلَيهَا قُوَّةُ العَقلِ ، أَمَّا وَقَد وَقَعَ مَا في كَلامِهِ ـ رَضِي اللهُ عَنهُ ـ في زَمَانِنَا هَذَا ، فَتَسَابَقَ النَّاسُ عَلَى المَنَاصِبِ دُونَ أَهلِيَّةٍ لَهَا ، وَتَنَافَسُوا في الشُّهرَةِ وَلَو بِمُخَالَفَةِ الحَقِّ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَلامَ ابنِ مَسعُودٍ وَإِن كَانَ مَوقُوفًا لَفظًا فَإِنَّ لَهُ حُكمَ المَرفُوعِ مَعنَىً . وَإِنَّ المُسلِمَ لِيتَذَكَّرُ هَذَا الكَلامَ وَيستَحَضِرُهُ بِشِدَّةٍ وَالأُمَّةُ تُصدَمُ كُلَّ يَومٍ بما تُصدَمُ بِهِ مِن أَقوَالٍ شَاذَّةٍ وَآرَاءَ مَرجُوحَةٍ ، تَستَنكِرُهَا الفِطَرُ السَّلِيمَةُ قَبلَ القُلُوبِ التَّقِيَّةِ ، وَلَكِنَّ كَثِيرِينَ قَد لا يَستَنكِرُونَهَ ا بَل وَيفرَحُونَ بها وَينتَشُونَ لِظُهُورِهَا ، وَيُسَارِعُونَ لِتَلمِيعِهَا وَنَشرِهَا وَالتَّروِيجِ لَهَا ، كَمَا تَفعَلُ ذَلِكَ في الغَالِبِ وَسَائِلُ الإِعلامِ مِنَ الجَرَائِدِ وَالقَنَوَاتِ ، لا لِرَأيٍ مُعتَبَرٍ اطَّلَعُوا عَلَيهِ فَتَبَنَّوهُ ، وَلا لِفِقهٍ جَدِيدٍ وَجَدُوهُ فَأَذَاعُوهُ ، وَإِنَّمَا لأَنَّهُم وَمَن سَارَ مَعَهُم قَد تَعَوَّدُوا عَلَى بَعضِ المُنكَرَاتِ وَنَبَتَت عَلَيهَا لُحُومُهُم ، وَتَشَرَّبَتهَا قُلُوبُهُم وَجَرَت بها دِمَاؤُهُم ، فَأَرَادَ لَهُمُ الشَّيطَانُ بَعدَ أَن أَيَّسَهُم مِن التَّوبَةِ مِنهَا أَن ينقُلَهُم مِن مُجَرَّدِ الوُقُوعِ فِيمَا صَغُرَ مِنهَا وَمَا كَبُرَ ، إِلى أَن يقَعُوا في وَرَطَاتٍ تَصعُبُ النَّجَاةُ مِنهَا ، مِن القَولِ عَلَى اللهِ بِغَيرِ عِلمٍ ، وَتَحلِيلِ مَا حَرَّمَهُ اللهُ وَتَحرِيمِ مَا أَحَلَّهُ ، وَالافتِيَاتِ عَلَى الشَّرِيعَةِ وَالتَّقَدُّمِ بَينَ يدَي أَئِمَّةِ الفِقهِ مِن المُتَقَدِّمِين َ وَالمُتَأَخِّرِ ينَ ، أَو تَقُوِيلِهِم مَا لم يَقُولُوا وَتَلبِيسِهِم مَا لم يَلبَسُوا ، وَالشُّذُوذِ عَنِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ وَاتِّبَاعِ غَيرِ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ . فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ! كَيفَ يَفعَلُ بِالمَرءِ ضَعفُ انقِيادِهِ لِلشَّرعِ وَتَسَاهُلُهُ بِالأَوَامِرِ وَالَنَّوَاهِي ؟ وَكَيفَ يصِيرُ مَآلُهُ حِينَ يَتَّبِعُ خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ وَينسَاقُ وَرَاءَهَا ، فَمِن تَركِ السُّنَنِ وَالوُقُوعِ في المَكرُوهَاتِ ، إِلى انتِهَاكِ المُحَرَّمَاتِ وَالتَّهَاونِ بِالوَاجِبَاتِ ، إِلى السُّقُوطِ في شِرَاكِ البِدَعِ وَالمُحدَثَاتِ ، ثُمَّ يكُونُ بَعدُ مَا يكُونُ مِن زَيغٍ وَضَلالاتٍ ، وَهَكَذَا لا يُزِيغُ اللهُ قَلبَ عَبدٍ حَتَّى يكُونَ هُوَ الجَانيَ عَلَى نَفسِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَنُقَلِّبُ أَفئِدَتَهُم وَأَبصَارَهُم كَمَا لم يُؤمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ " فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُم " وَهَكَذَا يُقبَضُ العِلمُ وَتَندَرِسُ مَعَالِمُ الحَقِّ ، وَيصِيرُ المَعرُوفُ مُنكَرًا وَالمُنكَرُ مَعرُوفًا ، وَيُصَدَّقُ الكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ الصَّادِقُ ، وَيُؤتَمَنُ الخَائِنُ وَيُخَوَّنُ الأَمِينُ ، حِينَ تَكُونُ وَسَائِلُ الإِعلامِ هِيَ الرَّائِدَةَ لِعُقُولِ النَّاسِ ، تَتَقَدَّمُهُم إِلى كُلِّ مَرعًى وَخِيمٍ ، وَتَأخُذُ بِهِم إِلى كُلِّ مَرتَعٍ وَبِيلٍ ، فَتَجعَلُ الصَّحَفِيَّ مُفتِيًا ، وَتُظهِرُ الجَاهِلُ بِمَظهَرِ العَالِمِ ، وَتُلَمِّعُ المَفتُونِينَ مِمَّن استَهوَتهُمُ الشُّبهَةُ وَمَلَكَهُم بَرِيقُ الشُّهرَةِ ، فَتُبرِزُهُم بِزِيِّ العُلَمَاءِ العَارِفِينَ ، وَتَغُشُّ بِهِمُ العَامَّةَ وَالغَافِلِينَ ، وَصَدَقَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حَيثُ قَالَ : " إِنَّ اللهَ لا يَقبِضُ العِلمَ انتِزَاعًا يَنتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ ، وَلَكِنْ يَقبِضُ العِلمَ بِقَبضِ العُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لم يُبقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفتَوا بِغَيرِ عِلمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا " رَوَاهُ الشَّيخَانِ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد بَدَأَت تَظهَرُ في الآوِنَةِ الأَخِيرَةِ مَقَالاتٌ شَاذَّةٌ وَآرَّاءُ مُخَالِفَةٌ لِسَبِيلِ المُؤمِنِينَ ، تُسَمِّيهَا وَسَائِلُ الإِعلامِ فَتَاوَى لِتَكبِيرِ أَمرِهَا ، وَتُجرِي اللِّقَاءَاتِ وَالحِوَارَاتِ حَولَهَا لِتَعظِيمِ شَأنِهَا ، وَتُقَلِّبُهَا عَلَى كُلِّ جَانِبٍ لِتَمكِينِهَا في قُلُوبِ العَامَّةِ ، وَتَاللهِ مَا هِيَ بِالفَتَاوَى وَلا الفَتَاوَى مِنهَا في شَيءٍ ، بَل هِي شُذُوذَاتٌ وَشُبُهَاتٌ ، وَانحِرَافَاتٌ وَسَقَطَاتٌ ، وَوَرْطَاتٌ وَزَلاَّتٌ . وَإِنَّ مِنَ الابتِلاءِ أَن يَقَعَ بَعضُ النَّاسِ في حَيرَةٍ مِن أَمرِهِ حِينَ يَسمَعُهَا ، أَو تُؤَدِّيَ بِهِ إِلى أَن يَحقِرَ العِلمَ وَأَهلَهُ وَيَتِّهِمَهُم بِالتَّضَارُبِ ، نَاسِيًا أَو مُتَنَاسِيًا أَنَّ اللهَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ في كِتَابِهِ قَد ذَكَرَ مِثلَ هَذَا وَأَشَارَ إِلى مَا يَجِبُ عَلَى المُؤمِنِ حِيالَهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُحكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأوِيلِهِ وَمَا يعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ في العِلمِ يقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا وَمَا يذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلبَابِ " فَقَسَّمَ ـ سُبحَانَهُ ـ وَلَهُ الحِكمَةُ البَالِغَةُ كِتَابَهُ إِلى آيَاتٍ مُحكَمَاتٍ وَاضِحَاتِ الدَّلالَةِ ، لَيسَ فِيهَا شُبهَةٌ وَلا إِشكَالٌ ، وَجَعَلَهُنَّ أَصلَهُ الَّذِي يَرجِعُ إِلَيهِ كُلُّ مُتَشَابِهٍ ، وَتِلكَ الآيَاتُ هِيَ مُعظَمُهُ وَأَكثَرُهُ ، ثُمَّ جَعَلَ مِنهُ آيَاتٍ أُخَرَ مُتَشَابِهَاتٍ ، يَلتَبِسُ مَعنَاهَا عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الأَذهَانِ ، إِمَّا لِكَونِ دَلالَتِهَا مُجمَلَةً ، أَو لأَنَّهُ يتَبَادَرُ إِلى بَعضِ الأَفهَامِ غَيرُ المُرَادِ مِنهَا ، وَقَد كَانَ الوَاجِبُ عَلَى المُسلِمِ أَن يَرُدَّ المُتَشَابِهَ إِلى المُحكَمِ وَالخَفِيَّ إِلى الجَلِيِّ ، لأَنَّهُ لا سَبِيلَ لِلوُصُولِ إِلى الحَقِّ إِلاَّ هَذَا المَسلَكُ ، لِيُصَدِّقَ بَعضُ القُرآنِ بَعضًا ، وَلِئَلاَّ يَحصُلَ فِيهِ مُنَاقَضَةٌ وَلا مُعَارَضَةٌ ، وَلَكِنَّ النَّاسَ مَعَ هَذَا انقَسَمُوا إِلى فِرقَتَينِ : فِرقَةٌ زَاغَت قُلُوبُهُم وَمَالَت عَن الاستِقَامَةِ ، وَانحرَفُوا عَن طَرِيقِ الهُدَى وَالرَّشَادِ بِسَبَبِ فَسَادِ مَقَاصِدِهِم وَتَحَرِّيهِمُ الغَيَّ وَالضَّلالَ ، فَتَرَكُوا المُحكَمَ الوَاضِحَ وَذَهَبُوا إِلى المُتَشَابِهِ طَلَبًا لِفِتنَةِ مِنَ أَرَادَ اللهُ فِتنَتَهُ " وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتنَتَهُ فَلَن تَملِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيئًا " وَأَمَّا القِسمُ الثَّاني وَهُمُ الرَّاسِخُونَ في العِلمِ ، فَرَدُّوا المُتَشَابِهَ إِلى المُحكَمِ ، وَفَسَّرُوا بَعضَ القُرآنِ بِبَعضٍ وَلم يَضرِبُوا بَعضَهُ بِبَعضٍ ، لِعِلمِهِم وَيقِينِهِم أَنَّ كَلاًّ مِنَ المُحكَمِ وَالمُتَشَابِهِ مِن عِندِ رَبِّهِم ، وَمَا كَانَ مِن عِندِهِ فَلَيسَ فِيهِ تَعَارُضٌ وَلا تَنَاقُضٌ بِأَيِّ وَجهٍ مِنَ الوُجُوهِ ، بَل هُوَ مُتَّفِقٌ يُصَدِّقُ بَعضُهُ بَعضًا وَيَشهَدُ بَعضُهُ لِبَعضٍ ، وَمِن ثمَّ صَارَ أُولَئِكَ هُم أُولي الأَلبَابِ الخَالِصَةِ وَأَصحَابَ العُقُولِ الرَّاجِحَةِ ، وَصَارَ مَن سِوَاهُم مِن مُتَّبِعِي المُتَشَابِهِ هُمُ القُشُورَ الَّتي لا نَفعَ فِيهَا ، وَلِعِلمِ اللهِ ـ سُبحَانَهُ ـ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَن يَزِيغُ وَالحَقُّ بَينَ يدَيهِ أَو يَضِلُّ وَالقُرآنُ بَينَ جَنبَيهِ ، فَقَد أَخبَرَ عَنِ الرَّاسِخِينَ في العِلمِ أَنَّهُم يَدعُونَ قَائِلِينَ : " رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذْ هَدَيتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ " وَهَذَا الَّذِي جَاءَت بِهِ هَذِهِ الآيَاتُ ـ عِبَادَ اللهِ ـ قَد جَاءَ في المُتَّفَقِ عَلَيهِ مِن حَدِيثِ النُّعمَانِ بنِ بَشِيرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " الحَلالُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ ، وَبَينَهُمَا مُشتَبِهَاتٌ لا يَعلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ استَبرَأَ لِدِينِهِ وَعِرضِهِ ، وَمَن وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرعَى حَولَ الحِمَى يُوشِكُ أَن يَرتَعَ فِيهِ ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً ، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ ، أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلا وَهِي القَلبُ " أَلا فَاتَّقُوا رَبَّكُم وَتَمَسَّكُوا بِدِينِكُم ، وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ وَالزَمُوا جَمَاعَةَ المُسلِمِينَ ، وَخُذُوا بِأَقوَالِ العُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ ، وَإِيَّاكُم وَمَشَاقَّةَ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعَ غَيرِ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ " وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلىَّ وَنُصلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَت مَصِيرًا " وَاعلَمُوا أَنَّ الأَقوَالَ الشَّاذَّةَ لَن تَقِفَ عِندَ حَدٍّ وَلَن تَنتَهِيَ ، فَقَد وُجِدَت مُنذُ قُرُونٍ طَوِيلَةٍ وَظَهَرَت مُنذُ آمَادٍ بَعِيدَةٍ ، وَمَا زَالَتِ البَلوَى بها تُصِيبُ بَينَ حِينٍ وَحِينٍ ، وَمَن أَحسَنَ الظَّنَّ عَلِمَ أَنَّ كُلَّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَلم يَزَلِ العُلَمَاءُ يُصِيبُونَ وَيُخطِئُونَ ، فَمَاذَا نَحنُ فَاعِلُونَ ؟! هَل سَنَنجَرِفُ وَرَاءَ كُلِّ شُذُوذٍ وَمُخَالَفَةٍ ؟! هَل سَنَقَعُ في الفِتنَةِ عِندَ أَوَّلِ نَازِلَةٍ ؟! هَل سَنُغَيِّرُ قَنَاعَاتِنَا وَنَقتَلِعُ ثَوَابِتَنَا لأَدنى شُبهَةٍ ؟! إِنْ كُنَّا كَذَلِكَ فَبِئسَ القَومُ نَحنُ !! وَلَو أَنَّا أَخَذنَا بِزَلَّةِ كُلِّ عَالِمٍ وَانزَلَقنَا مَعَ كُلِّ طَالِبِ عِلمٍ في سَقَطَاتِهِ ، لاجتَمَعَ فِينَا الشَّرُّ كُلُّهُ ، وَلَصِرنَا عَبِيدًا لأَهوَائِنَا لا عَابِدِينَ لِرَبِّنَا ، وَقَد حَذَّرَنَا النَّاصِحُ الشَّفِيقُ مِمَّن يَأتُونَنَا بِالغَرَائِبِ وَيُحَدِّثُونَ بِشَوَاذِّ المَسائِلِ فَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يَكُونُ في آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ ، يَأتُونَكُم مِنَ الأَحَادِيثِ بما لم تَسمَعُوا أَنتُم وَلا آبَاؤُكُم ، فَإِيَّاكُم وَإِيَّاهُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ ، وَحَتَّى مَعَ إِحسَانِ الظَّنِّ بِبَعضِ مَن تَزِلُّ بِهِمُ الأَقدَامُ وَيَشِذُّونَ ، فَإِنَّ المَوقِفَ الصَّحِيحَ أَن يُحفَظَ لَهُم حَقُّهُم وَيُعرَفَ قَدرُهُم ، وَلَكِن لا يُرفَعُونَ فَوقَ مَنزِلَتِهِم وَلا يُقَرُّونَ عَلَى خَطَئِهِم ، فَإِنَّ نَبيَّ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَد قَالَ : " مَثَلُ مَا بَعَثَني اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلمِ كَمَثَلِ الغَيثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرضًا ، فَكَانَ مِنهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ المَاءَ فَأَنبَتَتِ الكَلأَ وَالعُشبَ الكَثِيرَ ، وَكَانَت مِنهَا أَجَادِبُ أَمسَكَتِ المَاءَ فَنَفَعَ اللهُ بها النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوا وَزَرَعُوا ، وَأَصَابَ مِنهَا طَائِفَةً أُخرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لا تُمسِكُ مَاءً وَلا تُنبِتُ كَلأً ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَن فَقُهَ في دِينِ اللهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَني اللهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ، وَمَثَلُ مَن لم يَرفَعْ بِذَلِكَ رَأسًا وَلم يَقبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرسِلتُ بِهِ " فَلَيسَ كُلُّ مَن حَفِظَ القُرآنَ صَارَ فَقِيهًا ، وَإِن كَانَ في الوَاقِعِ لَدَيهِ مِنَ العِلمِ مَا لَدَيهِ ، فَليُنتَبَهْ لِذَلِكَ وَلَيُؤخَذْ بِهِ ، وَليُقتَصَرْ في أَخذِ الفَتوَى عَن أَهلِهَا المَعرُوفِينَ بها ، فَبِذَلِكَ أَمَرَنَا رَبُّنَا ـ سُبحَانَهُ ـ فَقَالَ : وَمَا أَرسَلنَا مِن قَبلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيهِم فَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمُونَ . بِالبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم وَلَعَلَّهُم يتَفَكَّرُونَ "
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَخَافُوهُ وَلا تَنسَوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن آخِرِ مَا زَلَّت بِهِ أَفكَارُ بَعضِ مَن نَسأَلُ اللهَ لَهُمُ الهِدَايةَ وَالرُّجُوعَ إِلى الحَقِّ ، القَولُ بِإِبَاحَةِ الغِنَاءِ وَالمَعَازِفِ ، وَبَعِيدًا عَن مُنَاقَشَةِ هَذَا القَولِ وَالدُّخُولِ في مَتَاهَاتِ الشُّبُهَاتِ ، فَهَذِهِ بَعضُ أَحَادِيثِ الصَّادِقِ المَصدُوقِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ المُحَرِّمَةِ لِلغِنَاءِ وَالمَعَازِفِ ، وَالمُحذِّرَةِ مِنَ اللَّهوِ وَالمُغَنِّينَ ، رَوَى البُخَارِيُّ عَن أَبي مَالِكٍ الأَشعَرِيِّ ـ رَضِي اللهُ عَنهُ ـ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " لَيكُونَنَّ مِن أُمَّتي أَقوَامٌ يَستَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ وَالخَمرَ وَالمَعَازِفَ " وَعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ ـ رَضِي اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " صَوتَانِ مَلعُونَانِ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ : مِزمَارٌ عِندَ نِعمَةٍ ، وَرنَّةٌ عِندَ مُصِيبَةٍ " أَخرَجَهُ البَزَّارُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَعَن عَبدِالرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ ـ رَضِي اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنِّي لم أُنْهَ عَنِ البُكَاءِ ، وَلَكِنِّي نُهِيتُ عَن صَوتَينِ أَحمَقَينِ فَاجِرَينِ : صَوتٌ عِندَ نِعمَةٍ : لَهوٌ وَلَعِبٌ وَمَزَامِيرُ الشَّيطَانُ ، وَصَوتٌ عِندَ مُصِيبَةٍ : لَطمُ وُجُوهٍ وَشَقُّ جُيُوبٍ وَرَنَّةُ شَيطَانٍ " أَخرَجَهُ الحَاكِمُ وَالبَيهَقِيُّ وَغَيرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَعَن عَبدِاللهِ بنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِي اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيَّ ـ أَو حَرَّمَ ـ الخَمرَ وَالمَيسِرَ وَالكُوبَةَ ، وَكُلُّ مُسكِرٍ حَرَامٌ " أَخرَجَهُ أَبُو دَاودَ وَأَحمَدُ وَغَيرُهُم وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي المُعجَمِ الكَبِيرِ قَالَ سُفيانُ : قُلتُ لِعَلِيِّ بنِ بُذِيمَةَ : مَا الكُوبَةُ ؟ قَالَ : الطَّبلُ . وَعَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يكُونُ في أُمَّتي قَذفٌ وَمَسخٌ وَخَسفٌ " قِيلَ : يا رَسُولَ اللهِ ، وَمَتَى ذَاكَ ؟ قَالَ : " إِذَا ظَهَرَتِ المَعَازِفُ وَكَثُرَتِ القِيَانُ وَشُرِبَتِ الخُمُورُ " أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، بَينَ حِينٍ وَآخَرَ يَقبِضُ رِجَالُ الحِسبَةِ عَلَى شَابَّينِ في خَلوَةٍ شَيطَانِيَّةٍ ، أَو يَكشِفُونَ وَكرَ دَعَارَةٍ وَمَقَرَّ فَسَادٍ خُلُقِيٍّ ، أَو تَعثُرُ السُّلُطَاتُ الأَمنِيَّةُ عَلَى لَقِيطٍ مَترُوكٍ لَدَى بَابِ مَسجِدٍ أَو مَدخَلِ مُستَشفًى أَو وَسَطَ سُوقٍ ، أَو مَرمِيٍّ بِجَانِبِ حَاوِيَةٍ أَو مُلقًى عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ ، وَاللهُ ـ تَعَالى ـ يَقُولُ : " وَلا تَقرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً " وَالعُلَمَاءُ يقُولُونَ إِنَّ الغِنَاءَ بَرِيدُ الزِّنَا ، وَإِنَّ مِنَ العَجَبِ أَن يَزعُمَ مِن يُبِيحُ الغِنَاءَ أَنَّهُ لا يَقُولُ بِإِبَاحَتِهِ إِلاَّ إِذَا كَانَ غَيرَ مُثِيرٍ لِلشَّهوَةِ ، وَيَا سُبحَانَ اللهِ !! مَتَى كَانَ الغِنَاءُ لا يُثِيرُ الشَّهَوَاتِ وَلا يَبعَثُ عَلَى الشَّوقِ إِلى لِقَاءِ النِّسَاءِ الأَجنَبِيَّاتِ ؟! مَتَى كَانَت كَلِمَاتُ الغِنَاءِ خَارِجَةً عَن ذِكرِ مَفَاتِنِ النِّسَاءِ وَتَهيِيجِ النَّاسِ عَلَى الفَوَاحِشِ ؟! هَل سَمِعتُم مُغَنِّيًا يَحُثُّ عَلَى مَكَارِمِ الأَخلاقِ وَمَحمُودِ الصِّفَاتِ ؟! هَل سَمِعتُم مُغَنِّيًا يَحُثُّ عَلَى العِفَّةِ وَالطَّهَارَةِ وَالنَّزَاهَةِ وَالابتِعَادِ عَن الخَنَا وَمَوَاطِنِ الرِّيبَةِ ؟! لا وَاللهِ ، مَا عَرَفنَا الغِنَاءَ وَالمُغَنِّينَ إِلاَّ هَائِمِينَ في أَودِيَةِ الغَيِّ وَالضَّلالَةِ ، يَصِفُونَ مَفَاتِنَ النِّسَاءِ وَيَذكُرُونَ مَحَاسِنَهُنَّ ، وَيُوقِعُونَ القُلُوبَ قَبلَ الأَعيُنِ عَلَى مَكَامِنِ الجَمَالِ في كُلِّ جُزءٍ مِن أَجسَادِهِنَّ ، وَيَصِفُونَ لَوَاعِجَ الشَّوقِ وَيَشكُونَ حَرَارَةِ الحُبِّ ، فَأَيُّ فِقهٍ هَذَا الَّذِي يَقُولُ بِهِ مَن يُبِيحُ الغِنَاءَ إِذَا لم يكُنْ يُثِيرُ الغَرَائِزَ ؟ إِنَّ مَن يَقُولُ بِهَذَا كَمَن يقُولُ لا بَأسَ بِشُربِ الخَمرِ إِذَا لم تُسكِرْ . وَتَاللهِ إِنَّهُ إِذَا كَانَتِ الخَمرُ لا تَنفَكُّ عَنِ الإِسكَارِ وَإِذهَابِ العَقلِ وَإِيقَاعِ شَارِبِهَا في الإِثمِ وَالكَبَائِرِ ، فَإِنَّ الغِنَاءَ لا يَنفَكُّ عَن إِيقَادِ نَارِ الشَّهوَةِ وَتَحرِيكِ كَوَامِنِ الغَرِيزَةِ وَصَدِّ مُستَمِعِهِ عَن ذِكرِ اللهِ وَقِرَاءَةِ القُرآنِ وَعَنِ الصَّلاةِ ، وَتَحبِيبِ الزِّنَا إِلَيهِ وَإِيقَاعِهِ في الفَوَاحِشِ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ فَإِنَّ الأُمَّةَ وَهِيَ في حَالِ حَربٍ مَعَ أَعدَائِهَا في الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ لَيسَت بِحَاجَةٍ إِلى مَن يُبِيحُ لها الغِنَاءَ وَيَفتِنُهَا بِسَمَاعِهِ ، فَيَزِيدُهَا غَفلَةً وَوَهنًا ، وَيُلبِسُهَا خُمُولاً وَضَعفًا ، بَل إِنَّ الوَاجِبَ عَلَى أَفرَادِهَا أَن يُقبِلُوا عَلَى رَبِّهِم وَيُكثِرُوا مِن ذِكرِهِ ، فَذَلِكَ أَدعَى لَطُمَأنِينَةِ نُفُوسِهِم وَأَربَطُ لِقُلُوبِهِم وَأَقرَبُ لِنَصرِهِم ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُم فِئَةً فَاثبُتُوا وَاذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "


الساعة الآن 08:27 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
- arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...

.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..

a.d - i.s.s.w