مجالس الرويضة لكل العرب

مجالس الرويضة لكل العرب (http://www.rwwwr.com/vb/httb:www.rwwwr.com.php)
-   روحانيات (http://www.rwwwr.com/vb/f5.html)
-   -   قصص القرآن (http://www.rwwwr.com/vb/t8676.html)

عبدالرحمن الجميعان 07-10-2007 11:47 AM

رد: قصص القرآن
 
(25)

القصص المدني



رأينا شيئاً من المنهجية القرآنية في القصص المكي، ونلاحظ في القرآن المدني، غياب قصص المرسلين وصراعهم مع أقوامهم، مع بقاء هذا القصص مقروءاً في المصاحف إلى قيام الساعة، لإكمال رصيد التجربة، ورصيد العقل، ورصيد السلسلة الدعوية.

في القرآن المكي كان التركيز على الصراع والحوار، وإهلاك المعاندين والكافرين، أما في القصص المدني، فهناك منهجية أخرى، في عرض القصص، فنجد قصة إبراهيم مع ذبح الطيور، وقصة عزير وحماره، وقصص بني إسرائيل..وقد رأينا التكرار والتقطيع في القصص المكي، أما في القصص المدني فلا نجد هذا التكرار.

سورة «المائدة» وقصة قابيل وهابيل:

جاءت هذه القصة في سورة واحدة فقط، لم تتكرر، وهي سورة المائدة، وهي آخر سورة نزلت كاملة، جاء في تفسير ابن كثير (الإمام أحمد روى عن أسماء بنت يزيد قالت: «إني لآخذة بزمام العضباء، ناقة رسول الله () إذ نزلت عليه المائدة كلها، وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة. وروى -أيضاً- الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: «أنزلت على رسول الله () سورة المائدة وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله فنزل عنها»)1.

والحديثان إسنادهما صحيح، كما حقق ذلك العلامة أحمد شاكر رحمه الله تعالى.

وجاء أيضاً (روى جبير بن نفير قال: «حججت فدخلت على عائشة، فقالت لي: يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت: نعم، فقالت: أما انها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم من حرام فحرموه »)2.

و(الغرض الجامع في السورة على ما يعطيه التدبر في مفتتحها ومختتمها، وعامة الآيات الواقعة فيها، والأحكام والمواعظ والقصص التي تضمنتها هو الدعوة إلى الوفاء بالعهود وحفظ المواثيق الحقة كائنة ما كانت، والتحذير البالغ من نقضها وعدم الاعتناء بأمرها، وأن عادته تعالى جرت بالرحمة والتسهيل والتخفيف على من اتقى وآمن ثم اتقى وأحسن، والتشديد على من بغى واعتدى وطغى بالخروج عن ربقة العهد بالطاعة، وتعدى حدود المواثيق المأخوذة عليه في الدين. ولذلك ترى السورة تشتمل على كثير من أحكام الحدود والقصاص، وعلى مثل قصة المائدة، وسؤال المسيح، وقصة ابني آدم، وعلى الإشارة إلى كثير من مظالم بني إسرائيل ونقضهم المواثيق المأخوذة منهم، وعلى كثير من الآيات التي يمتن الله تعالى فيها على الناس بأمور كإكمال الدين، وإتمام النعمة، وإحلال الطيبات، وتشريع ما يطهر الناس من غير أن يريد بهم الحرج والعسر. وهذا هو المناسب لزمان نزول السورة إذ لم يختلف أهل النقل على أنها آخر سورة مفصلة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أواخر أيام حياته وقد ورد في روايات الفريقين: أنها ناسخة غير منسوخة، والمناسب لذلك تأكيد الوصية بحفظ المواثيق المأخوذة لله تعالى على عباده والتثبت فيها)3.

عرض السورة ومحتواها:

(يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد . يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب).

تبدأ السورة بالنداء العلوي الجليل (يا أيها الذين آمنوا..)، فكأن السورة نداء لهؤلاء، ليصيخوا أسماعهم، ويتيقظوا، ويتنبهوا، فالأوامر لهم لا لغيرهم، ثم جاء الأمر بالوفاء بالعهود والمواثيق، وأوفى العهود هو العهد مع الله تعالى، ثم مع المسلمين، ثم مع غير المسلمين، والوفاء بالعهد صفة لا ينبغي أن تنزع من المجتمع المسلم، ولا من الأفراد!

ثم ختمت الآية الأولى(إن الله..) وهكذا يربط القرآن، بين المسلم في حياته، وفي مجتمعه، وبين علاقته بالله تعالى..(يحكم).ف هي أحكام مقننة، ومحكمة، وغير منسوخة..!

في الآية الأولى أمر، وفي الثانية نهي..!

حواش وهوامش

1- عمدة التفسير، مختصر ابن كثير(احمد شاكر)،

2- البيان في تفسير القرآن- ص 342

3- تفسير الميزان السيد الطباطبائي ج 5 ص 157

عبدالرحمن الجميعان 08-10-2007 01:17 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني 26
مع سورة المائدة
ذكرنا طرفاً من إيحاءات الآيتين الأوليين من سورة المائدة، ونكمل في هذه الحلقة شيئاً من ذلك، فالآيات من 3-5 تتحدث عن الحلال والحرام في المأكل والمشرب، وتحليل ما يسمى عليه من ذبائح أهل الكتاب، وهي علاقة جديدة، بين الجماعة المسلمة، وأهل الكتاب(اليهود والنصارى)، و عرجت الآية كذلك إلى تزويج المسلم من الكتابيات العفيفات، و هذه صيغة من صيغ التعايش في المجتمع المسلم الكبير، والمتنامي، فهي حالة جديدة من الحالات التوسعية في المجتمع والدولة، تصاحبها حالة من حالات التوسع في الأحكام، مما يدل على أن هذا المنهج منهج شمولي واقعي، يعيش مع الحدث، ومع هموم المجتمع المسلم والفرد المسلم.
وهنا أيضاً، تبدو سلطة المجتمع المسلم، وفرض هيمنته على القلة التي تريد أن تتعايش، فلا يمنع من تزويج المسلم الذكر فقط، من الكتابيات العفيفات، ولا يمنع المأكل والملبس والمشرب، ولكن كل ذلك بشرط، أن تكون العلامة الظاهرة هي سنة محمد(صلى الله علي وسلم) وإظهار شعار الدين القويم، و ليس التميع، وإعطاء القلة سلطة الاستيلاء والتحكم بالكثرة.
أما الآية السادسة فتتكلم عن الوضوء و التيمم عند القيام للصلاة، و تقتصر الآية على فرائض الوضوء دون سننه، لتترك مجالاً كبيراً جداً، للسنة تعطي تفاصيلها اليومية الدقيقة، التي يتعرض لها الفرد.
نلاحظ منذ أول السورة التعرض للأحكام الفقهية العملية على مستوى الفرد والمجتمع والدولة، وقد سبقتها الأمر بحفظ العقود، والمحافظة على المواثيق و العهود.
أما الآيات (7-8)، ففيها الأمر بالمحافظة على ميثاق الإيمان بين الجماعة المؤمنة، وبين الله تعالى، ولا شك أن كل ذلك كان عن طريق الرسول(صلى الله عليه وسلم)، ثم الأمر بتقوى الله تعالى، و الخوف منه، وعدم هدر المواثيق والعهود، بل يجب المحافظة عليها، ثم يأمرهم القرآن بالشهادة بالعدل، حتى و لو كانت الشهادة، لأقوام بيننا وبين عداء أو بغض أو كره، وتلك تربية سامية، وميزة تميز بها هذا المجتمع عن سائر مجتمعات الأرض بعامة، ولكن الأقوام الآخرين لم يحفظوا للمسلمين هذه الميزة، بل استغلوها أبشع استغلال، وعاثوا في أراض ودماء وأعراض المسلمين!
ثم تمضي الآيات، تذكر اليهود والنصارى، وتذكرهم بالعهود والمواثيق، ثم تذكر الآيات قصة اليهود مع نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام، وهذه قصة مهمة جداً في السياق وهي تمهد لقصة ابني آدم.
وانظر إلى سياق القصة من الآية 20- 26
فهي تحكي قصة بني إسرائيل، الذين أخذ الله منهم الميثاق على الإيمان بالنبي محمد(صلى الله عليه وسلم)، وبالمحافظة على ميثاق الله تعالى، ولكنهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك أبدا، بل خانوا الله وخانوا الرسول(ص) وخانوا المجتمع المسلم.
في هذا السياق تأتي قصة ابني آدم، بعد قصة موسى وقومه، خيانة واضحة، وخور فاضح، وجبن عام، ينزله الله تعالى في آيات تتلى، ليسمع المسلمون، ويأخذوا حذرهم، على أنفسهم، ومن هؤلاء الأشقياء المعاندين المتربصين بالجماعة المسلمة الجديدة، التي سكنت المدينة، وجاورتهم.
فهي قصة مجتمع مهلهل الضمير، خائر القوى، لا يتماسك، يعيش على الخداع و المواربة، و لا يستطيع أن يحيا نظيفاً، مرتقياً بتفكير، و لا مواجهاً للناس، بل يتخفى وينافق، و الكذب علامة واضحة في كل تعاملاته مع الغير.
قصة واقعية قديمة، لنقض العهود والمواثيق، ثم تأتي قصة ابني آدم، لتضيف شيئاً إلى رصيد التجربة في حس المسلم، وإلى رصيد التاريخ، وإلى رصيد معرفته بطبائع البشر، وتقلبات النفوس...
قصتان بعيدتان زمناً، ولكنهما تشتركان في كل من المعطيات، و التفاصيل....... ..
.هناك تمثل الشخصيتان مجتمعين منفصلين، مجتمع يحافظ على إسلامه وتقواه وخوفه من الله، وعلى مواثيقه، وعهوده،
وشخصية تمثل مجتمعاً كاذبا يسطو بيديه و لا يتورع عن أي عمل إجرامي ضد الذي أمامه.
ولهذا تبدأ القصة بكلمة(و اتل عليهم..)..ويذكر الطبري، أنها لأهل الكتاب الذين ظاهروا النبي(صلى الله عليه وسلم) وحاربوه.!
تمهيد للقصة، أتى بشكل سلس، وجميل، مع تفصيل للأحكام، وشرح للمجتمع الإنساني، مع توضيح لشيء من طبائع البشر، منذ القدم..!

عبدالرحمن الجميعان 09-10-2007 10:00 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني 27
منهجية القرآن المدني


نلاحظ في منهجية القصص القرآني المدني، بعض أمور قد لا تكون في المكي، منها على سبيل المثال:

1- القصة في القرآن المدني تبين حكماً شرعياً، وتعمق قيمة هذا الحكم في حياة الناس، و تؤكد مع الإثبات التاريخي، أن الانحراف عن المنهج يؤدي إلى كوارث لا نهاية لها في المجتمعات المنحرفة 2- ربط القصة بالواقع المدني الذي تعيشه الدولة آنذاك.

3- عدم التكرار وتقطيع القصة كما في القرآن المكي، بل ترد القصة مرة واحدة، في مكان واحد، دون تكرارها، أو تقطيعها وتنوعها في سور أخرى. وفق هذا التصور سنتعرض لقصة ابني آدم (قابيل وهابيل) القاتل والمقتول.

قبل هذه القصة ذكرت قصة موسى (عليه السلام) مع قومه، وهي قصة أجداد هؤلاء اليهود الذين يعيشون في المدينة مع النبي (ص) والجماعة المؤمنة، وهي قصة تؤكد قيمة المحافظة على المواثيق والعهود، وكيف أن خيانة هذه العهود ستكون وبالاً على المجتمع، وعلى المستوى الفردي كذلك.

في الآية 11 (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل..)... فهو الميثاق، وهو العهد، الذي لم يصنه بنو إسرائيل..ثم في الآية 20 (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين)... فهو عهد ثم نتيجة تطبيق هذا العهد، ثم أراد منهم نبيهم موسى(عليه السلام) أن يصدقوا العهد ويوفوا مع الله تعالى، ولكنهم لم يصدقوا، ولم يدخلوا الأرض المقدسة، فكانت النتيجة المروعة، أن كتب الله عليهم التيه، أربعين سنة وهم يتيهون في الأرض..!

نتيجة حتمية يضعها القرآن، ليس أمام بني إسرائيل فقط، بل أمام العالم كله، وهي سنن من سنن الله تعالى..من تخلف عن المنهج القويم، سيكون حاله هكذا، وقد يكون أشد، وتصدق هذه الأحداث على المسلمين، فقد ضاعت الأندلس، وضاعت فلسطين، وغيرها من أراض كان يملكها المسلمون...!

ثم بعد هذه القصة التي تمثل النكوص على مستوى الجماعة، و على مستوى الدولة، يأتي القرآن ليؤكد هذه الحقيقة، على مستوى الفرد، وهنا يبدو التناسق التام بين آيات القرآن، فالمائدة ذكرت الأحكام على مستوى الفرد والجماعة، وها هي القصص، تريد تأكيد حقائق الوجود، على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة...إنه القرآن..الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..!

تبدأ القصة هكذا «واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين»..

«هذه القصة تقدم نموذجا لطبيعة الشر والعدوان، ونموذجا كذلك من العدوان الصارخ الذي لا مبرر له. كما تقدم نموذجا لطبيعة الخير والسماحة، ونموذجا كذلك من الطيبة والوداعة. وتقفهما وجها لوجه، كل منهما يتصرف وفق طبيعته.. وترسم الجريمة المنكرة التي يرتكبها الشر، والعدوان الصارخ الذي يثير الضمير، ويثير الشعور بالحاجة إلى شريعة نافذة بالقصاص العادل، تكف النموذج الشرير المعتدي عن الاعتداء، وتخوفه وتردعه بالتخويف عن الإقدام على الجريمة، فإذا ارتكبها - على الرغم من ذلك - وجد الجزاء العادل، المكافىء للفعلة المنكرة. كما تصون النموذج الطيب الخير وتحفظ حرمة دمه. فمثل هذه النفوس يجب أن تعيش. وأن تصان، وأن تأمن، في ظل شريعة عادلة رادعة».

هكذا تبدأ القصة:اتل، أمر بتلاوة وقراءة هذه القصة على الموجودين آنذاك، في قصة موسى وقومه، قال (وإذ قال)، وهنا يقول (اتل)...! هناك إذ الفجائية، وهنا التلاوة والقراءة، فكأن الأمر مهم جداً، وهي قصة جديدة لم تذكر من قبل، قصة البشرية الأولى... وكيف كان فيها من وقائع محزنة، ومؤلمة، من قبل القاتل والمقتول..!

(بالحق) فالقصص كله حق لا زيادة فيه ولا نقصان، والقصة ليست من نسج الخيال، بل هي واقعة، وسيصفها القرآن كما وقعت، ولو لم يذكرها هذا الكتاب، وهو الشاهد الوحيد على التاريخ الذي لم نشهده، ولم يشهده أولئك لما عرفتها البشرية!

عبدالرحمن الجميعان 10-10-2007 05:18 AM

رد: قصص القرآن
 
28
قربان ابني آدم

في آية المائدة، التي تتحدث عن ابني آدم، اللذين قربا قرباناً، و لا نعلم ما هو القربان، ولا نعلم سبب تقريب القربان، وكل ما قيل حول الحادثة محض أحاديث لا تنتهي سنداً إلى الصادق المصدوق ، و حادثة كهذه، لا يمكن الوثوق بالأقاويل، مهما كان قائلها، إلا من خلال وحي معصوم!

هذا، والقضية ليست مهمة، فما جدوى أن نعلم، القرابين، وسببها، إذا كانت العبرة ماثلة أمامنا دون ذكر للتفاصيل التي نريد.

فالقصة كاملة المضمون، والعبرة، دون إخلال، مع عدم وجود التفاصيل.

(..إذ قربا قرباناً..) قرب الاثنان قرباناً، ولم يذكر القرآن قربانيين، بل أفرد القربان، كأنه والله تعالى أعلم، يريد التركيز على أهمية القربان المُتقبل، وإهمال الآخر، لِم؟!

لا لشيء، إلا لأن الآخر، قرب القربان من دون نفس منه، أو أن قربانه لم يكن الأفضل لديه، فلم يتقبله الله تعالى، ولم يذكره، فالمرء، الذي يعمل أعمالاً تُرى في ظاهرها أنها صالحة، لكنها في الحقيقة لا ترفع عند الله ( والعمل الصالح يرفعه)..فقط.!

فالذي لا يبتغي وجه ربه في عمله، ولا يتخذ من أعماله، أفضلها لله، والذي لا يخرج أحسن ماله، ولا عن طيب نفس منه، فكل هذا قد لا يرفع إلى الله تعالى، بل تظل أعماله تحوم حوله، ولا ترتفع!

(فتُقبل).. «والفعل مبني للمجهول؛ ليشير بناؤه هكذا إلى أن أمر القبول أو عدمه موكول إلى قوة غيبية؛ وإلى كيفية غيبية.. وهذه الصياغة تفيدنا أمرين: الأول ألا نبحث نحن عن كيفية هذا التقبل ولا نخوض فيه كما خاضت كتب التفسير في روايات نرجح انها مأخوذة عن أساطير «العهد القديم».. والثاني الإيحاء بأن الذي قبل قربانه لا جريرة له توجب الحفيظة عليه وتبييت قتله، فالأمر لم يكن له يد فيه، وإنما تولته قوة غيبية بكيفية غيبية؛ تعلو على إدراك كليهما وعلى مشيئته.. فما كان هناك مبرر ليحنق الأخ على أخيه، وليجيش خاطر القتل في نفسه! فخاطر القتل هو أبعد ما يرد على النفس المستقيمة في هذا المجال.. مجال العبادة والتقرب، ومجال القدرة الغيبية الخفية التي لا دخل لإرادة أخيه في مجالها..»1..!

(ولم يتقبل من الآخر)..الآخر، ولم يذكر القرآن الاسم، لأن الاسم ليس مهماً، بل المهم هنا هو الفعل، هو الحدث، ولهذا في كثير من القصص لا يذكر الاسم صراحة، بل صفات، أو إيحاءات، لم يقبل الله تعالى قربان هذا الأخير، لشيء حاصل في قلبه، أو لأنه قدم شيئاً، لا يستحق أن يقدم لله، هناك أمر منع من القبول، لم يذكره القرآن، ليظل قلب المؤمن، خائفاً، وجلاً، يتحرى القبول.

وأن هناك أسباباً كثيرة تمنع المرء من قبول عمله عند الله، وهذا الأمر يجعل المؤمن، يبادر إلى التوبة، ويطلب من الله تعالى أن يقبل توبته، ويقبل صدقته، وعمله، لا أن يتجبر، ويتعالى، بل عليه الإنابة والخوف من الله تعالى.

وهذا الأمر كان ما ينقص هذا الابن، فلم يتفكر في عدم قبول قربانه، ولم يسأل الله المغفرة والتوبة، ولم يراجع نفسه، بل بادر إلى شيء تستقبحه النفوس، قال:لأقتلنك...!

و جاء الفعل مؤكداً، بلام التوكيد أو القسم، ثم بنون مشددة، مما يدل على أن هذه النفس فيها من الشر والخبث ما فيها، وليدلنا القرآن، على أن النفوس، قد تسارع في الشر، و تعين الشيطان، فليحذر المرء من نفسه، وليعالجها، ولا يتركها سائبة سائمة كالبهائم، بل لابد من تعاهدها بالذكر والقرآن ومجالسة الصالحين...

وهناك النفس الصالحة، والخابتة لربها تعالى، التي تخاف من عقاب ربها وعذابه، وتحسب لكل شيء حسابا.

قال: إنما يتقبل الله من المتقينً، فالقضية ليست عندي، بل هذا مختص به الله وحده دون سواه، يكلمه و يحادثه، يريد منه أن يتيقظ أن يتفكر بما يقول، ولكن النفس الخبيثة هي النفس الخبيثة تصر على الشر، وتريد بل وتلتذ باقتراف الشر!

1- في ظلال القرآن-سيد قطب-الآية 27 من المائدة

عبدالرحمن الجميعان 11-10-2007 04:22 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني29
جرى الحوار بعد القبول و الرفض للقربانيين، فتحركت النفس الشريرة، تريد الفتك بالنفس الطيبة، فقال لأقتلنك! هكذا، وبدون مقدمات، استخدام وتقديم أسلوب العنف مع الآخر، وهذا نهج انتهجته كثير من ا لنفوس الضعيفة، التي تظن في نفسها القوة، ولكنها قوة غاشمة، غير منضبطة بشرع، ولا بقانون، فهي تمارس البطش بمن تراه، لا تعبأ بضمير، ولا تحترم قرابة، ولا تحنو على أخوة!
نفس أمارة بسوء، صارت مسلكاً لكل من جاء بعدها، من نفوس، وقوات، وحكام، ومناهج، تمارس القتل، والعنف، والتعذيب، لمن يعارضها، أو يقف في طريقها، أو حتى يناقشها أو يطلب معها حواراً!
ولكن الأخ الآخر، لا يمد يده، ولا يقابل الإساءة بالإساءة، بل يعطي درساً رفيعاً، في السلوك الإنساني، وفي القدوة الإيمانية، وفي طهارة النفس الواعية المرتجية لثواب الله تعالى، ويبدو من كلامه، أنه يحمل نفساً شفافة، وروحاً وجلة مشفقة، وعقلاً راجحا، يضبط سلوكياته، من خلال التفكير والتعميق في السلوك قبل الإقدام!
{ ........ِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِ ينَ }
يتقبل الله من المتقين، هكذا بكل دقة، وفهم عميق للدين، والتدين، إن القضية هي قضية تقوى الله تعالى ومخافته، هي الفاصل بين من يدعي الإيمان، وبين من هو مؤمن، وإيمانه يدفعه للسلوك الصحيح، والخلق الرفيع، ولهذا، كان الإسلام أول ما يحرص عليه في سلوك المسلم، التدين بالتعامل الحسن(وإنك لعلى خلق عظيم)..و(إن الرجل ليدرك درجة الصائم القائم بحسن الخلق)..هذا هو سلوك التدين الصحيح، العفو، والصفح، والرقي في التعامل...لا السباب، والشتم، واللعن للناس، ولمن سبقنا، بل هو الرفعة في التعامل وهذا هو التدين الحق، سلوك راق مع الناس، حتى مع غير المسلمين.!
ثم قال المقتول(هابيل):
(لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِ ينَ )
ها هو يصرح وبكل ثقة و استعلاء، ولم يخف، ولم يخش، القتل، بل تسامى بخلقه، وآثر أن يقتل، على أن يدافع عن نفسه، ويقتل أخاه، أما العلة الكبرى، التي جعلت هابيل بهذا السلوك المتسامي، والرفيع، فهو سلوك(إني أخاف الله رب العالمين) ..فقط!
ثم قال القرآن:
{ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِ ينَ }
فزينت له النفس، التي يحملها أن يقتل أخاه، ولعله من المفارقات العجيبة أن يذكر القرآن نمطين من الأخوة، أخوة موسى(عليه السلام) مع أخيه هارون(عليه السلام)، وكيف أنه قال: اجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري..) وهي دعوة حصيفة تدل على حب، وخلق رفيع، وعقل راجح.
وهذا الأنموذج الآخر، لأخ يريد و يصر على قتل أخيه..وتتكرر الصورتان في الحياة...!
قتل الأخ بطريقة ما لا نعلمها، ولم يذكرها القرآن، ولكن النفس زينت، وسهلت درب الشر، فقام بقتل أخيه، وعضيده، ولكن بعد القتل، أصبح من الخاسرين....خسر نفسه، في الدنيا والآخرة، وخسر أخاه، وعضيده، وناصره....وخسر حب الناس، وثناءهم، وخسر نفسه، ولعل من أكثر الأشياء خسارة، أن يخسر الإنسان نفسه...خسرها في الآخرة، فهي في نار جهنم...خالدة تتعذب...!
ولكن يعلمنا الله تعالى –في رمزية الإنسان الأول- كيف كانوا يتعاملون مع الموتى، فلم يكونوا يعرفون الدفن، لأن هابيل أول ميت في الأرض-والله تعالى أعلم- فرحمة الله تدرك الإنسان وتعلمه، وهو علم في التاريخ لم نعلمه إلا من خلال هذا الكتاب العظيم، قال تعالى: { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِ ينَ }..
بعث: فالأمر مدبر، ومقدر، من العلي العظيم الرحيم، وليس صدفة، و لا هملاً، لأنه كون مخلوق وفق حكمة، و وفق سنة إلهية عظيمة.
بعث طيراً، مخلوق يعلم الإنسان ذي العقل شيئاً يحتاجه الإنسان، لينظر ابن آدم كيف أنه لا بد أن يتعلم من مخلوقات الله الشيء الكثير، و أن يدرك أن كل المخلوقات يشكلون وحدة في نظام مختلف، تدل على وحدة الخالق، وكيف أن مصادر المعرفة عند الإنسان متعددة، يأخذها من ظواهر الكون والحياة المتعددة.
قصة عظيمة، تعلم الإنسان الشيء الكثير، وتدله على تاريخ أجداده كيف كان، دون عناء ولا جهد...ولكن من يعتبر!؟


الساعة الآن 10:32 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
- arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...

.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..

a.d - i.s.s.w