مجالس الرويضة لكل العرب

مجالس الرويضة لكل العرب (http://www.rwwwr.com/vb/httb:www.rwwwr.com.php)
-   روحانيات (http://www.rwwwr.com/vb/f5.html)
-   -   قصص القرآن (http://www.rwwwr.com/vb/t8676.html)

عبدالرحمن الجميعان 16-09-2007 09:03 AM

قصص القرآن
 
1- القصص القرآني:

(لقد كان في قصصهم عبرة...)
مقدمة
القرآن كلام الله المنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم، نزل في غضون ثلاث و عشرين سنة، متواصلة، منها ثلاث عشر سنة في مكة والعشر الباقيات في المدينة...!
والقرآن لم ينزل للتسلية ولا اللهو، وإنما نزل كتاب هداية وإرشاد، وكان مما فيه هذا القصص القرآني المجيد، الذي تناول مظاهر الحياة من شتى نواحيها.
فكانت قصص النبيين مع أقوامهم، والصراعات الكبرى التي كانت بين الطرفين...ثم قصص غير الأنبياء، كل ذلك لتكون العبر ماثلة أمامنا، ونقيس واقعنا وحاضرنا على ما جاءنا به الكتاب...!
والقرآن ليس كتاب أدب، ولا سياسة، ولا شيء من ذلك البتة، ولكنه كتاب هداية ولكن مع كل ذلك فقد جاءت به أنماط من الأدب العظيم الذي يرسم الأدب في أبهى صوره وتجلياته.
فالكتاب قد تناول القصص من نواح أدبية، ونواح اجتماعية،
فقد جاءت العلاقة بين الأب وابنه في صور متعددة، منها علاقة إبراهيم عليه السلام مع أبيه، وعلاقة لقمان، كذلك، وجاءت علاقة الأب مع ابنه، نوح عليه السلام، وصور القرآن صورة النفس الكبيرة، وكيف تتقلب في درجات الحياة الدنيا، وشخص القرآن الشخصية تشخيصاً دقيقاً جداً، كقصة يوسف عليه السلام، تلك القصة العظيمة والدقيقة المعالجة، والتي صورت الشخصية أدق تصوير، ودخلت في منافذ النفس، وتغلغلت إلى خفايا المجتمع، فصورته أبهى تصوير، وعالجت قضاياه في أدق التفاصيل..
والحياة مع القرآن من خلال قصصه، متعة كبيرة، لمن تدبر وتمعن في القراءة، وعاش مع الشخصية بكل منحنياتها، وتدرجاتها، وضعفها، وقوتها، وانطلاقتها من أسار الحياة الدنيا...!
وقد صدق كل الصدق صاحب الظلال عندما قال:( الحياة في ظلال القرآن نعمة . نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها . نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه..)
والقصة لا شك هي أكثر الأنماط الأدبية قرباً من الإنسان، ويألفها، ويأنس بها، ويستمتع بقراءتها، أو الاستماع إليها، يتساوى في ذلك الصغير والكبير...!
ونحن في رمضان، وهو شهر القرآن سنتناول شيئاً من القصص القرآني، نتحدث فيه عن طريقة عرض القرآن للقصة، ومواقعها من الكتاب، وما الفائدة المستقاة منها، ذلك أن الغاية من القراءة هي الاستفادة والتدبر.....وال تعبد بالمقروء.!

1- آدم و الصراع الأبدي:قصة الإنسانية، التي اختصرت في خلق آدم عليه السلام و صراعه...
من السماء يستمع المرء وهو يقرأ القرآن، إلى كلام الله لملائكته(إني جاعل في الأرض خليفة...)، فينتفض وجدانه، وترتعد فرائصه، الكريم الجليل، العظيم، يحادث الملائكة، وينبئهم بأن هناك مخلوقاً آخر سيكون، وسيشاركهم ما هم فيه من عبادة، وتمجيد وتسبيح، بل سيشاركهم
وهذا المخلوق الجديد، سيكون له شأن كبير، في السماء والأرض، بل في الكون كله...!
فهو سيخترق عوالمه، ويدنو من ملكوت السماوات والأرض، وسيكون له شأن في الأرض، عمارة، وبناء،
(إني جاعل في الأرض خليفة..) خلق في السماء، ولكنه جعل للأرض، وسيعود للسماء..دورة طويلة لبني الإنسان، وبني آدم، ودورة حضارية بدأن بالنبي آدم عليه السلام، وتختم النبوة بمحمد (صلى الله عليه وسلم)، ولكن الدورة الحضارية ستكون بأتباعه، ومنهم، ستتعلم الإنسانية الشيء الكثير..!
نقف أما استخلاف آدم وخلقه، لنقف على بعض القضايا الهامة في النص القرآني:
1-أهمية الإنسان و وظيفته: فالإنسان خلقه الله تعالى وجعل فيه طاقات، قد ندركها اليوم ما لا أدركه أجدادنا، فقد فجر الإنسان طاقات الكون الهائلة، وصنع و عمل ......،
ولكن تبقى قضية عمارة الإنسان للأرض هي القضية الأساس، والتي يجب أن تنطلق من واقع الإيمان بالله، وتعبيد الناس لربهم الحق..!
2- الحرام والحلال من خلال الشجرة، ومن خلال المساحة الكبرى التي خلقها الله تعالى في الحلال، وضيق مساحة الحرام......... ..!

عبدالرحمن الجميعان 16-09-2007 09:04 AM

رد: قصص القرآن
 
2- القصص القرآني
تناولنا في مقالة سابقة شيئا من الحديث حول القصص القرآني وعرضه القصة، واليوم نتناول طريقة العرض القرآني للقصة......
القصة في القرآن:
عرض القصة في القرآن يخضع لعدة أمور، منها مناسبة النزول، ومنها مناسبة القصة للسورة، لهذا تجد التشابه في الأحداث، والاختلاف في العرض والأسلوب، فمثلاً، لو تناولنا قصة آدم عليه السلام التي جاءت في أكثر من موضع في الكتاب، وجاء اسم آدم في ما يقارب25 مرة تقريباً، لوجدتها تختلف كل المخالفة في طريقة العرض، مع الأخذ بالاعتبار، أن مشهد الملائكة قبل الخلق لم يعرض بهذه الصورة الواسعة إلا في سورة واحدة، وذلك مما يجعل المرء يزيد في التدبر والتفكر، وأن هذا القصص لم يأت اعتباطاً، وإنما جاء وفق سنة إلهية، و وفق حكمة ربانية، قد لا نعرف كنهها، ولكننا نحس بها ونشعر..!
فسورة البقرة مثلاً تتحدث عن إحياء الموتى، وعن الكتاب، وعن العلاقات بين المسلمين وغيرهم، و تأتي بمشاهد من القيامة، وتتحدث عن الحياة قبل الخلق....
بدأت ب(ألم..ذلك الكتاب....)...
ثم عرضت الأصناف الثلاثة للناس أمام الهدى والكتاب....ثم عرجت على ذكر أهل النفاق، لأن القرآن كتاب حركة ستقيم الدنيا، وتتعامل مع الواقع وفق منهج الله، فكان تنزيله وفق احتياجات الحركة الإسلامية المتمثلة بالنبي(صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم،ولم يمنع ذلك من امتداد النص القرآني ليشمل الزمان والمكان، ويكون نقطة انطلاق لمن تمثل بالمنهج القرآني نفسه الذي كان يعيش الواقع الآنف الذكر..
فالآية 28 تبدأ بسؤال استنكاري، يتمثل بالإنكار الشديد، على العمي والصم والبكم، أولئك الذين لا يرون الحياة الدنيا ودورتها الكونية، (كيف تكفرون بالله وكنتم أموتاً، فأحياكم)...فالع دم سماه ربنا موتاً، وذكرت الآية أن المعاد والدورة الحياتية سوف تنتهي، ويكون المرجع لله وحده تعالى..فالآية تذكر أن هناك خلقاً وحياة ثم موت و رجوع إلى ما بدئ به،(إليه ترجعون)..
ثم ذكرت الآية(هو الذي خلق لكم...)
ثم ذكر القرآن المشهد الأول(وإذا قال ربك..)...

خالق(الرب)، خلق(سماوات، أرض..) ثم خلق خاص، لا نعرف كنهه، إلا من خلال الآيات والأحاديث الصحيحة، (الملائكة)، الذين يسكنون السماوات، والسماوات خلق عظيم جداً...
في ظل هذه المخلوقات الكبيرة والعظيمة، يبرز اسم الإنسان، مخلوقاً من ضمن هذه المخلوقات، ولكنه يتميز بأمر (جاعل في الأرض خليفة...)، الأرض، والأمر من الله تعالى، والاستخلاف في الأرض الكبيرة....
العلاقة بين الله تعالى والإنسان، تبدأ بهذا المشهد، ثم العلاقة بين الإنسان والمخلوقات الأخرى، والملائكة والجن بخاصة...!
و القضية الكبرى التي تناولتها الآيات تختصر في (إني أعلم ما لا تعلمون..)...فال قضاء منه تعالى، وهو العليم الخبير..
قضي الأمر الإلهي بالتكوين والخلق ثم الاستخلاف...ولا راد لفضله، ولا لأمره تعالى..
ثم (علم آدم....) فالتعليم المباشر منه تعالى، علمه، وإنما الإنسان يتعلم، فيعلم، ولا يوجد من يولد عالماً، حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهذا العلم، إشارة كبرى إلى أن العلم الذي يأتي من قبل الله تعالى هو العلم الصحيح، الذي يفقه فيه الإنسان طبائع الخلق، ويعرف سنن الكون، ومجريات الأمور...فالانط لاق إلى الدنيا والدين من خلال هذا العلم والتعليم والفقه... ..ولكن ماذا علم؟
لم تذكر الآيات أي شيء، إنما هي الأسماء،ولا دليل صحيح يدلنا على ماهية السماء ولا ما هي!
فالقول إذن أنها أشياء ومسميات وعلم يستفيد منه آدم والله تعالى أعلم، ويحتاجها، ويعقلها عقله، وتفكيره، فآدم عليه السلام/ هو رمز الإنسان، وتمثلت به الحياة الدنيا وصراعاتها، وكينونة الإنسان و وشائجه، وعلائقه، .....
ولكن كيف تمكن هذا الانسان من العمل والتفكير؟ وكيف ستكون حياته؟ وكيف وكيف..؟
كل هذا سنعرض له في أحاديث قادمة....!

محمد 16-09-2007 12:02 PM

رد: قصص القرآن
 



مرور وتثبيت للاهمية ولي عودة


http://mkaraty.jeeran.com/wad.gif

عاشق الورد



عبدالرحمن الجميعان 16-09-2007 09:11 PM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني 3
للقصص القرآني سمات اتصف بها و انفرد، لم يشركه كتاب ولا مقول، ولا رواية وقصة..!
فمن جهة أنه(القصص) جاء في كتاب كان إعجازاً لمن قرأه، فأخذت القصة مكانتها الأدبية والبلاغية من هذا الباب..
ومن جهة فهو قصص حقيقي لا دخل للخيال فيه، فكل ما فيه لم يكن إلا حقيقة مجردة، وفوق أنها حقيقة، فقد جاء السرد واقعياً، ويحمل بلاغة و دقة متناهية لا توازيها دقة ولا بلاغة أي سارد أو راو..
ومن أخرى، فهو مضرب الأمثال، ولم يذكره ربنا للتسلية وتزجية الوقت، بل كل ما فيه عبرة(فبهداهم اقتده..)..
ومنه الابتعاد عن التفاصيل الغارقة في الغموض، وبعد القارئ عن الخوض في تفاصيل دقيقة جداً لا تعود عليه بنفع، مثل اسم النملة التي كلمت سليمان (عليه السلام) أو عدد أصحاب أهل الكهف، وغيرها من أمور أغمضها القرآن ولا فائدة من ذكرها، ولا طائل..
ومنها أن قصصه تنوعت، في السرد، وتنوعت في العرض، وتنوعت في ا لزمان والمكان والشخوص...
فكل ما جاء في قصة آدم ينطبق عليه هذا وأكثر..انظر إلى نسق الآيات في سورة البقرة
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30)
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31)
قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)
قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35)
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)
فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)
قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) )
هذه هي القصة، وهكذا عرضها القرآن في هذه السورة، لأمر قد قلناه آنفاً، هنا القصة القرآنية، لا تبدأ هكذا بدون سابق انذار، بل يمهد لها الكتاب بمقدمة، تتناسب مع السورة كلها وموضعها، ومع القصة، فيتناسب الأسلوب، والسرد، والعبرة والألفاظ....
هذا الحدث الكبير والعظيم، لم يحدث في الأرض، ولم يحدث في مكان معلوم، بل حدث قل الزمان والمكان، حدث في السماوات، وحدث قبل الإنسان....فمن فضل الله علينا أن أرانا و أسمعنا هذا المشهد رأي قلب، وكأننا نراه، قول الله العليم المتعال الكبير....وقول الملائكة، كيف كان كذلك؟ أليست هذه رحمة من فيض رحماته سبحانه، أنه يعطي الإنسان الصغير هذا الكم الهائل من العلم الذي لم يشهده..!؟
إنه لأمر جلل لو فطن المرء إليه...الله جل في علاه يريد، أن يخلق خلقاً مكرماً، هو اعلم به، أنه سيكون منه العصيان والاستكبار....ف يتفضل علينا سبحانه، ثم يذكر هذا الأمر لنا ونحن نقرأ، ولكن هل نعتبر؟!
لو تحدثنا ليل نهار حول القصص القرآني لعجزنا..وقد ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:لو أردت أن أحمل على سبعة جمال من أحمال في تفسير الفاتحة لما وفت...أو كما قال قريباً من هذا المعنى..وقد صدق ولم يبالغ...فالقرآن ينتظر منا تثويره في عقولنا ، واستشعاره في نفوسنا...ثم الحركة به في المجتمع..!

عبدالرحمن الجميعان 16-09-2007 09:11 PM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني4
الصراع الأبدي، والدائم، والمتأجج، بين عناصر الخلق في الأرض، الرجل، المرأة، الشيطان، الجن.....!
أربعة عناصر، تفاعلها يؤدي إلى حركة الحياة في الكون...
بدأت هناك في الملأ الأعلى، (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35)
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)
فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37))
المسألة بدأت من الأمر بالسجود، الذي كان أمراً إلهياً ، الأمر الإلهي الذي صدر للملائكة، وإبليس كان من ضمنهم عبادة، لا جنساً، فشمله الأمر، لأن الأمر كان للجميع، فبمجرد سماع الأمر، هوت الملائكة سجوداً لآدم، تنفيذاً لأمر الله، وحباً في طاعته، وخوفاً من عصيانه....والمل ائكة (لا يعصون الله ما أمرهم..ويفعلون ما يؤمرون...)...فه م، معصومون من العصيان، لأنهم خلقوا طائعين، وخلقوا لطاعة خلقهم، ومن ثم فهم يفعلون ما يصدر لهم من أمر ....نفي لعصيانهم، واثبات لطاعتهم....
من هنا بدأ الصراع، و وغر قلب إبليس حقداً، وغيظاً على آدم، الذي خلق بعد خلق الملائكة، والجن....إبليس. .اسم برز في القصة، وقد كان مستوراً، وبروزه بقوة وعنف، ورفض لأمر خالقه، بوقاحة متناهية، فذكره الله تعالى بهذا الصورة الحقيقية، الرائعة الوصف، (إلا إبليس....)...اس تثناء منقطع، لم يسجد، بل اعترض فوق عدم سجوده، ثم رفض السجود، إلا إبليس أبى....رفض السجود، واستكبر على آدم، ورد الأمر الإلهي، ومن هنا كفر بالله، فكفره ليس من باب الجحود لوجود الله، بل كان يؤمن بالله أنه خالق، ورازق، وعليم....ولكن كفره جاء من باب آخر وهو رد الأمر التكليفي، ومن هنا فرق مابين آدم عليه السلام، الذي أذنب وعصى ربه، ثم استغفر وأناب، ورجع إلى ربه ذليلاً، مستكيناً راجياً رحمة ربه وعفوه...
ولكن إبليس، رفض، واستكبر، وعارض أمر الله تعالى، ثم لم يتذلل لربه، ولم يستغفر من ذنبه، ومن هنا التفريق بين ذنبين، ذنب فيه استخفاف، أو إنكار لأمر الخالق تعالى، أو رفض التطبيق، كمن مثلاً يقول بأن الخمر حلال، ولم تحرم، أو من يأتي يستهزئ بتحريم الخمر...فذلك كفر وخروج عن دائرة الإيمان... والجانب الآخر، غلبه هواه فعصى وشرب الخمر، أو أذنب ذنباً كبيراً، دون رفض التحريم، ودون استهزاء، ثم تاب إلى ربه و وأناب واستغفر،فذلك مغفور له...فمن هنا نتعلم أن الأوامر الإلهية، كلها رحمة للعباد، حتى تستقيم حياتهم، فلا ينبغي التفكير في تطبيقها أو عدم تطبيقها، و لا ينبغي الاستهزاء أو السخرية منها، أو رفضها، أو الاستكبار عنها، أو القول بأنها لا تصلح في هذا الزمان للتطبيق...فتلك قضية خطيرة جداً قد تنقل المرء من إسلام إلى كفر بواح..!
ومن الأمور التي ينبغي الوقوف عليها، في قصة آدم، عليه السلام، هو قضية الشجرة، وهل هي التفاحة أو أي شجرة أخرى؟؟؟
وتلك قضية لا طائل من البحث فيها، ولو كانت تفتح لنا أفقاً أو تفيدنا في القراءة القرآنية أو في الحياة، لأنبأنا الله خبرها، ولكنه تعالى سماها شجرة..فنكتفي بهذا الاسم..لأننا مهما قلنا أو بحثنا فلن نصل إلى نتيجة...ولكننا نستفيد من مسألة الشجرة، بقضايا أخرى، مثلاً ندرك بأن الله تعالى حرم على آدم وزوجه شجرة واحدة فقط، من الاقتراب أو الدنو منها،(ولا تقربا..)، فمجرد الاقتراب يودي إلى الهلاك...حتى نتيقن بأن الحرام في الدنيا –في دين الله – قليل بجانب الحلال الكثير...وحتى ندرك بأن الاقتراب من الحرام يؤدي إلى الوقوع فيه...!
سنتوقف لنواصل في قراءة أخرى..!

عبدالرحمن الجميعان 17-09-2007 03:55 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني 5
في قصة آدم وقفنا على بعض ملامح عامة تعين على فهم القصة في القرآن، ورأينا كيف أن للقصة جواً خاصاً،
ثم رأينا أن قصة آدم عليه السلام تختصر الحياة البشرية، كلها في بضع كلمات قصيرة، وتشرع في تحديد معالم الدرب في الحياة للمؤمنين، وقضية صراعهم مع الشيطان(إبليس) ملك الصراع غير المتوج، وسيد الكلمة لدى الضالين والمنحرفين عن سواء الصراط..
ثم بعد قصة آدم يجدر بنا أن نعرج على قصة نوح عليه الصلاة والسلام، تلك القصة التي جسدت الحقيقة التي تحدث عنها القرآن وهي قضية الصراع، بين الحق والباطل، فكأن قصة نوح عليه السلام، هي الجانب التطبيقي العملي لنظرية الصراع-إن صح التعبير- ولا نعني بقولنا نظرية ما يتبادر إلى البعض أنها في مقابل الحقيقة، كلا بل نعني شيئاً آخر، وهي التأصيل!
لو لا حظنا التعقيبات القرآنية في سورة البقرة، بعد قصة آدم عليه السلام، انظر واقرأ
(فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
التعقيبات القرآنية على القصة تؤكد أزلية الصراع، و تؤكد قضية مهمة جداً، وهي أن الإنسان في الأرض، لن يهتدي، ولن يفلح، ولن يستعمر الأرض، ويستغلها خير استغلال إلا بالتوجه للوحي، والإيمان به، و إتباعه حق الإتباع، لأن الآية تؤكد قضية ومسألة هامة، وهي أن هناك سيكون رسل، يأتون من الله خالق الإنسان، وأن الله تعالى لن يترك الإنسان هملاً و لا سدىً، بل سيرسل إليه من يوقظه من سباته، ويهزه ويعيده إلى جادة الصواب....ثم تؤكد الآية أن هدى الله واحد، فجاء مفرداً، (هداي) ، ليؤكد أن سيأتي من يدعي الهدى، والصواب والحق، وهو من أشد الناس إيغالا بباطل... !
ثم سيكون هناك فريقان لا ثالث لهما، فريق هدى،فمآله للجنة، وفريق حقت عليه الضلالة، فمثواه الأبدي في نار جهنم سعيراً.
ثم تعرج الآيات إلى بني إسرائيل
(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ
وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ
وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ )...
ذلك أن البقرة هي أول سورة نزلت بالمدينة، وستكون هناك الأحكام والعلاقات مع الآخرين، والدعوة تحولت إلى دولة، ذات سيادة وقانون، فلابد إذن من تبصير الجماعة الفتية، ذات الدولة الناشئة، وسط الكرة الأرضية المليئة بالكفر، من تحذير، وتحديد، تحذيرها من العدو، الذي سيتخذ شكلاً آخر، شكل الدهاء والمكر و المؤامرات، والتخطيط السري البغيض، للقضاء على الدولة، وعلى قياداتها...
ثم كان لا بد من تحديد القواعد الأساسية في التعامل مع الجماعات المتواجدة، وعلاقتها بالدولة، ورسم سياسة التعايش، وسياسة المهادنة والدفاع....
فكانت الآيات التي تطرقت إلى ذكر بني إسرائيل، من يهود ونصارى، في المدينة، وذكرتهم بما يفعله أجدادهم، الذين عاشوا من قبل، وكيف كان لإبليس طريق عليهم، فهنا يأمرهم بالوفاء بالعهد، مع غيرهم المقصود –والله تعالى أعلم- دولة الرسول(صلى الله عليه وسلم)،وعهودهم مع أنبيائهم، ثم عهودهم مع النبي الكريم محمد بن عبدالله(صلى الله عليه وسلم)...
ثم تتطرق إلى الأحكام والعبادات.....و غيرها من أمور...
كل ذلك له علاقة بقصة آدم، من الهبوط إلى الأرض، والصراع، وإبليس...
هذه بعض فتات مما تطرق إليه القرآن الكريم، مقالاتنا هذه ليست للتفسير، بل هي محطات نستروح معها شيئاً من نسائم هذا الكتاب العزيز...!

عبدالرحمن الجميعان 18-09-2007 12:53 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني(6)
مع نبي الله نوح(عليه السلام)
سنعيش في الحلقات القادمة مع أنبياء الله الذين ذُكرت قصصهم ، وصراعهم مع أقوامهم، وهم نوح، هود،صالح، شعيب، ثم نعرج على إبراهيم عليهم الصلاة والسلام أجمعين،والملاحظ ، أن هؤلاء الأنبياء عليهم السلام، خاصة لم تذكر قصصهم في السور المدنية، وإنما جاءت فقط مع السور المكية، وذلك أن الجماعة الإسلامية في مكة كانت تعيش نفس ملامح الصراع الفكري، والعقدي الذي عاشه الأنبياء المذكورون، عليهم السلام ، فكانت الحاجة ماسة للجماعة كي تتبين منهج من كان قبلهم، لأن وجوه الصراع نفسها تقريباً، فمن هنا كان المنهج القرآني منهجاً واقعياً اجتماعياً، يأتي بالقصص لغاية محددة، وهدف واضح، أما في المدينة فاستحالت الحركة دولة، لها أحكامها قانونها، وتغير وجه صراعها، فلم يعد مع قبائل، وأفراد، وإنما أصبح الصراع، صراع دول، لهذا تغير العرض القرآني وطبيعته في القرآن المدني..والله تعالى أعلم.
نستعرض اليوم قصة نوح عليه السلام في سورة الأعراف فقط، ثم في مقالات قادمة نستعرضها في سور أخرى، وذلك التقطيع، مقصود به التعرف على المنهج القرآني في عرض القصة، فلكل سورة ملامح و وظائف خاصة بها.
ففي سورة البقرة وهي أول سورة نزلت في المدينة، قلنا كيف كانت تعرض قصة آدم، وهنا في سورة الأعراف، وهي آخر سورة نزلت في مكة، أدركنا كيف أن الأعراف، تعد وتمهد للصراع بين بني إسرائيل والجماعة المؤمنة، لهذا جاءت قصص الأنبياء، مختصرة في هذا السياق، وركزت السورة على موسى عليه السلام، وكيف كانت حياته مع بني إسرائيل، وصراعهم مع الآخرين، ليكون ذلك علماً للجماعة المسلمة، لتتعرف على الطبيعة البشرية، والصفات القبيحة التي مازت بني إسرائيل عن الآخرين....
وتخلل ذلك صور ومشاهد من يوم القيامة، و الجنة والنار، والكبراء والضعفاء، التي تعين وتؤكد قيمة الثبات والصبر لدى أصحاب المنهج الفريد والصحيح.
بدأت سورة الأعراف بهذه الآيات:
(المص * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ )....
ألف لام ميم، كما في سورتي البقرة و آل عمران، ولكن جاء هنا حرف زائد، وهو حرف الصاد...فهو زيادة في اللفظ، يؤدي إلى زيادة معان، وألفاظ، فقد جاء هنا(صدرك)..أي صدر النبي(صلى الله عليه وسلم)، وسنتعرف على منهج سورة الأعراف، من هذه الآية، المص، هذا كتاب، فهذا الكتاب، ومنه سورة الأعراف، قد تشكل من حروف العربية، التي هي الألف، واللام ...إلى غير ذلك من حروف، فهو تحد واضح للعرب الذي أبدعوا في العربية وفي الشعر...
ثم هذا كتاب، أنزله الله تعالى إليك يا محمد، كي تبلغ به الناس وتنذر به العالمين، ولكن سيكون هناك موقف من الكفار، ضد القرآن وضد من يبلغه، وهذا هو الحرج، و التردد في البليغ خوفاً على الرسالة والكتاب، لأجل هذا جاءت قصص الأنبياء تدفع نحو التبليغ، والدعوة..
ثم جاءت الآيات التاليات
((اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قائلون (4) فَمَا كَان دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ (7) ))
ثم جاءت الآيات بالأمر بالإتباع للآيات المنزلات من قبل الله تعالى، و الإتباع معناه تتبع آثار المتبوع حذو القذة بالقذة، وفي كل شيء..!
من ربكم: أي خالقكم ومربيكم، و منزل عليكم شرعاً ترقى فيه النفوس وتزكى، ثم جاء النهي عن إتباع غير آيات الله ورسله،و هم الأولياء من دون الله، فيشرعون ما لم يأذن به الله بعيداً عن نهج الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام... وهذا كله يحتاج إلى تذكير، وتذكر، وعدم إهمال وإغفال من الغير...

عبدالرحمن الجميعان 19-09-2007 12:26 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني 7
نوح عليه السلام في سورة الأعراف
ذكرنا فيما سبق طرفاً عن منهج سورة الأعراف، وشيئاً من سورة البقرة، ثم عرجنا على ذكر مقدمة سورة الأعراف، ثم جاءت الآيات تترى، هكذا
( وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ (4)
فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)
فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ (7))
وكم: دليل كثرة، من الأقوام الذين كذبوا رسلهم، فجاءهم بأس الله تعالى الذي لايرد، وعذابه الذي لا يستطيعه مخلوق، والعذاب، يأتي والناس مقيلون، أو في الليل، وكلتا الحالتين الناس في نوم وسبات وراحة، لا يتخيلون أن ينزل بهم العقاب والعذاب، لأنهم مستغرقون بالنوم، وتلك الحالة من أشد الحالات في العذاب، الناس مسترخون نائمون، فيفاجؤون بالعذاب الشديد الذي لا يبقي ولا يذر.
كل ذلك لأجل قضية واحدة، تنبيه مشركي العرب، أن يصيبهم مثل ما أصاب من هم أشد قوة وفتكاً وخلقاً منهم.
بعد هذا التهديد الشديد، الذي صورته الآيات بصور واقعية مرعبة ومخيفة، تتجه إلى اليوم الآخر، وسؤال الأقوام والمرسلين...
ثم تعرج على قصة آدم وخلقه، وصراعه مع ابليس، وكيف كانت العداوة.....
ثم إلى الآية 53، تتحدث الآيات عن القيامة، وعن ما يحدث فيها للمتكبرين، والجنة والنار والأعراف...
ثم تتحدث الآيات عن الخلق والتدبير ومن له الحكم والأمر في حياة الناس.
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)
ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)
وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ (56)
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) )...
هذه الآيات مقدمة لقصص النبيين، وقصة موسى عليهم الصلاة والسلام،
تؤكد أن الرب المستحق للعبادة، ومن له حق السيادة والتشريع، والتصرف في حياة الناس، هو من خلق السماوات والأرض....(ألا له الخلق والأمر..)، فليس لأي كان من كان حق التصرف في حياة الناس، لا نبي و لا ولي، ولا أحد، إلا لله تعالى...فكما أن الخلق له وحده، فالتصرف في خلقه له وحده تعالى، لا ينازعه فيه أحد، وهكذا جاء الأنبياء لإثبات هذه الحقيقة الكبرى في حياة الناس.
ثم تأتي الآيات لتؤكد حقيقة العبادة، وأن الدعاء لا يصرف لأحد من الناس أو الأنبياء أو الأولياء، بل يصرف لله وحده دون سواه، و تأكيد الآيات على هذا الجانب العبادي، يدل على أن المشركين كانوا يناقشون في هذه القضية، وكانوا، يدعون غيره سبحانه، و يتوسلون إليهم(ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى..)، فيأتي الأنبياء ليصرفوا كل حياة الناس الدنيوية، والدينية للمنهج السليم في العبادة، حتى تستقيم حياة الإنسان.
ثم تذكر الآيات الحقيقة الكبرى، وهي أن البلد الطيب يخرج الطيب، وهي إشارة إلى الأنبياء وأتباعهم، والبلد النكد الخبيث، لا يخرج إلا خبثاً، ونكداً، وهي إشارة إلى من كذب وتولى...فهكذا، تفهم الآيات وتعرف الطبيعة الاجتماعية للمجتمعات المتمردة على منهج الله تعالى.
فالشقاء والنكد يلازم من لا يتبع منهج الله، حتى وإن تبدى في صورة مجتمع متحضر راق، ولكنه في أساسه مجتمع تنخره آفات اجتماعية وأمراض سيكلوجية ونفسية وسياسية كثيرة...!
أيضاً لم نقل شيئاً، سنعاود الحديث غداً بإذن الله تعالى.

محمد 19-09-2007 02:02 AM

رد: قصص القرآن
 
ما أروع التجول في هذه الرياض الوارفة من القصص القرآني


أستاذي / عبد الرحمن الجميعان


أبجديات الشكر تظل قاصرة أمام هذا العطاء الفكري الباذخ

معين من إبداع لا ينضب

سأكون هنا كثيرا لأنهل منه ولن أكتفي


دمتَ بكل الألق و التميز


تحيتي

عبدالرحمن الجميعان 20-09-2007 04:42 PM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني 8
نوح عليه السلام...
نوح عليه الصلاة والسلام، أول الرسل إلى الأرض بعد انحرافهم عن منهج آدم عليه السلام..
فكيف كان انحراف هؤلاء؟
يذكر ابن عباس رضي الله عنه-ترجمان القرآن-أن بين آدم ونوح ألف سنة، كلها على التوحيد...ثم دخل الكفر من باب التشبيه على بني آدم، وذلك من عمل الشيطان، جاء في تفسير الطبري، عن قوم نوح، والرجال المذكورين(ود، وسواع ..)(كانوا قوماً صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صوّرناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوّروهم، فلما ماتوا، وجاء آخرون دبّ إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يُسقون المطر فعبدوهم.)....وه كذا تغلغل إبليس، إلى فكرهم، وعقولهم، و زين لهم الباطل، وقلب عليهم الأمر، فأصبح لديهم الحق باطلاً، والباطل حقاً، وهذا من أعجب العجب، أن ترى أناساً تستشعر بهم الفكر القوي، والطرح المتميز، ولكنك إذا محصت ما في قلوبهم، ترى منهم عجباً، فكم من علماء في الذرة، وفي غيرها من العلوم، هم للفئران عابدون، وللبقر مسبحون....ومنهم من تراه يدعو الذين لا يضرون ولا ينفعون، بل رأينا أقواماً من هؤلاء، لا يعرفون قبر من أمامهم، وإنما يخرون له ساجدين، وهكذا تتعدد صور الشرك، بعد أن نجانا الله منها تعالى..
فهؤلاء، قد لبس عليهم إبليس، وأدخلهم في متاهات لا يستطيعون منها فكاكاً.
فنوح عليه السلام، هو أول الرسل، كما جاء في صحيح البخاري أنه أول الرسل إلى الأرض...فبعد أن انحرفت البشرية عن الخط المستقيم، وعن الهدي الإلهي، وتغيرت أنماط تفكيرهم فحولوا العقل إلى مجرد آلة لا فيها خير من وجودها، وعطلوا عقولهم، وأصبح العقل المستقيل، أو المقتول، هو السائد لديهم، وبدأ الانحراف يدب من العقل إلى السلوك، فأصبحت البشرية هناك في زيغ عن منهج السماء، فلابد من ردهم إلى الصراط المستقيم، ولا يكون ذلك إلا عن طريق رجل من القوم أنفسهم، حتى يستطيع أن يطبق المنهج الصالح للبشرية..
فهنا تمثل الانحراف الكبير، بعبادة الأشخاص وتقديسهم، وطاعتهم، والخضوع لصورهم، ثم هنا قضية وهي أن هؤلاء وغيرهم، لبس عليهم إبليس في قضية العبادة المباشرة مع الخالق سبحانه، فأدعى لهم الشيطان، أنهم بضعفهم لا يمكنهم التوصل إلى الله تعالى وهو المتعالي، والخالق والعظيم، فلا بد من واسطة تقوم عنا بالعبادة، وهذه الواسطة هي التي توصل العبادة لله تعالى...فنحن مخلوقون والمعصية تغطينا، والذنوب فوقنا، فكيف ندعو الله مباشرة، فلا بد من أن نتخذ شيئاً ليس مدنساً، وهم هؤلاء الصالحون..منطق غريب ومعوج..ونوح(ع) جاء للقضاء على هذا الفكر المنحرف والتفكير المعوج..!
وقد قال القرآن عن المشركين، وعاب عليهم تفكيرهم(ما نعبدهم إلا ليقربونا إليه زلفى..)..
فالانحراف هنا في التفكير، في العقل، و لهذا يأتي الأنبياء، ليردوا الناس إلى منطق العقل، وسنرى كيف سيكون ذلك بعد قليل....والعقل ميزة الإنسان على سائر المخلوقات، خلقه الله تعالى وجعله مناط التكليف، فكيف يعطله هؤلاء هذا التعطيل المروع؟!
ومن رحمته تعالى أنه لا يترك عباده هملاً، بل لا يدعهم لعقولهم، فكان أن يرسل إليهم رسلاً ليردوهم إلى صواب الجادة...
كلما أتيت للكتابة، استجمع معداتي وتفكيري أن أنتهي مما أكتب في مقالة فإذا الأفكار تنثال وتتشعب وتتفرق علي فلا أستطيع لها تجميعاً...
فليعذرني القارئ إن شططت في أسلوب..وإلى موعد قادم..!

عبدالرحمن الجميعان 20-09-2007 04:47 PM

رد: قصص القرآن
 
تقى المرسي
شكري إليك لا ينفد..
تقبل الله أعمالنا وصيامنا أجمعين...

عبدالرحمن الجميعان 21-09-2007 12:47 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني(9)
الانحراف البشري الأول: تعطيل العقل:
ذكرنا آنفاً طرفاً من ذكر قوم نوح، ونزيد الأمر بياناً، فنقول
(( كانوا قوماً مؤمنين قبل نوح فماتوا، فحزن عليهم الناس، فجاء إبليس فاتخذ لهم صورهم ليأنسوا بها، فلما جاءهم الشتاء أدخلوهم البيوت، فمضى ذلك القرن وجاء القرن الآخر فجاءهم إبليس، فقال لهم: إن هؤلاء آلهة كان آباؤكم يعبدونها فعبدوهم وضل منهم بشر كثير...)..
من هنا ندرك قدرة الشيطان على التلبيس على بني آدم، وأنه صادق في وعده، مستميت للإطاحة ببني آدم، و إنزالهم المنزل الأدنى ، وأنه ظاهر العداء، سافر المواجهة، لا يتوانى في إضلال بني آدم وغوايتهم، و أنه لا يواجه بني آدم، إلا بعد أن يزين لهم الباطل، ويشوه الحق، و يزخرف الشرك، ويلونه، ثم يدفعه في طبق من ذهب، ليصطاد المساكين والتائهين عن منهج الله القويم.
ومن هنا ندرك أهمية عرض قصة آدم في أول سور القرآن نزولاً بالمدينة، والثانية ترتيباً، وأهميتها مطلقاً في القرآن، لأنها ترسم الطريق القويم، وتبين ملامح الصراع، وتوضح الفهم العميق لمسيرة البشرية.
والقضية الأساس، أن قوم نوح ومن جاء بعدهم، يظنون أنهم يعبدون الله وينفذون أوامره، ولكنهم في الوقت نفسه، لا يلتفتون إلى من يقول إني نبي الله، ومرسل من الله تعالى، ولا يكلفون أنفسهم عناء البحث والتحري حول شخصية هذا النبي..بل ما يكون منهم إلا التكذيب، والتصدي لدعوته، أما التأمل بالأفكار التي جاء بها، والأوامر والنواهي، والقوانين، فذلك مشطوب من قائمة تفكيرهم..
مفارقة غريبة وعجيبة، هم يدعون عبادة الله، ثم يهملون من أرسله لهم ربهم !!
ذلك كان أول انحراف في مسيرة البشرية، وهو الانحراف الأصل، الذي تبعه كل انحراف بشري جاء، بداية من تعطيل العقل، ونهاية باختراع آلهة متعددة يسمونها بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان..!
في سورة الأعراف جاءت القصة مختصرة، وهكذا الآيات:
( لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم [ اعراف 59 ] * قال الملا من قومه إنا لنراك في ضلال مبين [ اعراف 60 ] * قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين [ اعراف 61 ] * أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون [ اعراف 62 ] * أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون [ اعراف 63 ] * فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين [ اعراف 64)
تأمل (أرسلنا) الفعل ماض، سبقه حرف (لقد) الذي يفيد التحقيق، ثم جاءت الاستجابة بحرف العطف، فاء، فقال....ولم يقل القرآن: فتلقى نوح النداء أو الأمر، ثم ذهب إلى قومه...ولكن ليدلك على سرعة الاستجابة، و حب نوح(عليه السلام) للدعوة، كيف كانت استجابته سريعة، وحركته لم يكن بينها وبين الدعوة إلا حرف الفاء...
(قومه) فهو منهم، يعرفهم، ويعرفونه، عاش بينهم، وفي ذلك ما يفيد، بأن الداعية عليه أن يكون داخل المجتمع دائماً، يتعرف على أحوال الناس، ويقف معهم، ويلتفت إلى حاجياتهم، و يرونه كبيراً عظيماً بينهم، يحتاجونه، ولا يحتاجهم، و ليس كحال البعض، الذين لا يظهرون إلا عند الحاجات، وعند حاجة الحزب خاصة، أنا باقي الأوقات فمعرضون ..!
ثم تأمل قول نوح(عليه السلام)
(فقال: يا قوم !اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم)
يناديهم: يا قومي، و أهلي وأحبتي، وعشيرتي، يتحبب إليهم، ليقترب منهم، لأن الأمر عظيم، اعبدوا الله....فالأنبي اء ما جاؤوا إلا لتعبيد الناس للخالق الحق...وليست العبادة –كما يتوهم البعض- هي الشعائر التعبدية، كلا بل العبادة هي كل عمل أمر الله به، وكل نهي نهى الله عنه، فبالعمل، وبالترك تكون قمة العبادة، فمثلاً الدعوة عبادة، والعمل عبادة، والصلاة عبادة، وكل عمل المسلم عبادة إذا أراد به وجه الله تعالى، هذا المفهوم الراقي والعظيم للعبادة ينبغي أن يوضح للناس أجمعين، فلا يفهموا عبادة الدين مجردة من الحياة، بل هي صلب الحياة...فحركة المسلم عبادة....نتوقف لنواصل...!

عبدالرحمن الجميعان 24-09-2007 10:01 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني10
مسألتان هامتان جداً كانت في تفكير النبي والرسول نوح(عليه السلام)، أول الرسل على الإطلاق، المسألة الأولى: عبادة الله وحده دون شريك، وتوضيحها بكل هدوء وعقلانية ونقاش هادئ وحوار مع المخالفين، والذين يعطلون طاقاتهم الفكرية، ويضعون العقل في محبس التقاليد و الأعراف...!
الثانية: هي تبليغ الإنذار باليوم الآخر، وقد جاءت الصورة هكذا
( (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ))
فهنا نوح عليه السلام، يقول لقومه:يا قومي، لابد منكم أن تعبدوا ربكم(الله)، وهنا يعطيهم اسم الخالق سبحانه، وأنه ليس(وداً، ولا سواعاً...)، ولكنه الله، اسم علم اختص به الخالق الحكيم فقط، ولم يأت أحد من الخلق يدعي أن اسمه(الله)...ثم ينفي نوح(عليه السلام) أن يكون هناك إله غيره سبحانه، ونوح(ع) يريد تأكيد العبودية لله وحده، ويريد تأكيد قضية الإلوهية لا الربوبية، فقد يدعي مدع، بأن الأرباب كثر، لأن الرب، هو السيد، والمتصرف و المربي، والقائم على الخلق....لكن الإله هو المعبود...فهنا جاء نوح يؤكد ويعطي الألوهية الأهمية القصوى والعظمى في حياة هؤلاء، لأن النقص فيهم كان من هذا الجانب، ذلك أن هؤلاء وغيرهم من مشركي العرب، يقرون، بأن الرب هو الله،و أن الخالق هو الله، وأن المتصرف في الكون هو الله، ولكن مع ذلك فعقولهم لا تستوعب أن يكون البشر يعبدوا الله بلا واسطة..ولم يصرفوا شؤون دنياهم إلى خالقهم، بل كانوا يطيعون الكهنة، والسادة والكبراء، والملأ فيما يشرعون..فجاء كل نبي ليزيح الغبش الذي أصاب الألوهية، ويضع مكانه الفهم الصحيح، والسليم، لحركة العبودية في الكون كله..!
لكن هذه دوى، ودعوة جديدة، لم يسبق نوحاً أحدٌ، وسوف يتصدى لها الكبراء، ومنهم الذين يريدون أن تبقى الشعوب ذليلة، تائهو في الجهل هائمة في الغي، لأن هذه الطبقة تستفيد من كل هذا، مادياً ومعنوياً...فلا بد إذن من الوقوف وبصلابة وبصرامة ودون هوادة أما هذه الدعوة الجديدة، ولكن نوح(عليه السلام) يتكلم بعقل، وبحكمة، وبحديث كله عقلانية، ولا شيء في حديثه يصادم العقل، ولا التفكير ولا التاريخ ولا الواقع، فهنا لو تكلم هؤلاء بعقل لخسروا المعركة، فلا بد إذن من سلاح آخر،يستطيعون من خلاله رد الجماهير التي تستمع على صوت العقل، ومن الممكن أن تتأثر، فكان السلاح، هو الدعاية الإعلامية الكاذبة، وادعاء الضلال والجنون وغيرها من الأمراض ضد النبي وضد المصلح وضد كل من حمل المنهج الصحيح...!
فماذا سيقول الملأ؟
((* قال الملا من قومه إنا لنراك في ضلال مبين))
أرأيت...!..وهذا شأنهم لم يتغير الساعة...!
كذب وصراخ و ضجيج إعلامي فارغ، وتسوير العقل الجمعي، وتحصينه بالتفاهات ضد الحق وضد الحقيقة، و ضد العقل و المنطق السليم..رفعوا عقيرتهم، واتهموا نوحاً(ع)، إنا: بالتأكيد، والتعظيم، ونحن الملأ وعليه القوم، فإذا رأينا فرأيُنا حق، وإذا قلنا فقولنا صواب، ونحن نرى أنك في ضلالة، وأن كلامك كله ضلال في ضلال...!
وهذا الضلال-حتى يلبسوا على الشعوب والمساكين- مبين، واضح، لا يحتاج إلى مُسكة عقل كي يدلنا عليه بل حتى هؤلاء سيكتشفون هذا الضلال، فهو أوضح من الشمس...!
الجو مكفهر، نوح يدعو في وسط ملئ بالجحود، والكبرياء، والعتو، و هو جديد في دعوته، لم يسبقه أحد، فكيف يكون موقفه؟ هل يسكت؟ هل يتنازل عن حق الدفاع؟ هل يترك دعوة الله، هكذا تبتلعها سباع الجن والإنس؟
لم يكن شئ من هذا كان، بل وقف نوح الرسول(عليه السلام) بكل قوته، وثباته وهدوئه، يناقش ويحاور بعقل، هذه القوة الغاشمة الظالمة...!
( قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين [ اعراف 61 ] * أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون [ اعراف 62 ] * أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون [ اعراف 63 ] )
ليس بي ضلالة، نكرة، أي أية ضلالة كبرت أم صغرت، ليست في منطقي ولا تفكيري..!
ولكن القضية أنني رسول الله، وهو رب العالمين، فالرب الذي خلق العلمين، منهم الملأ والكبراء، ومن تعبدونهم أنتم، فكيف تصرفون العبادة لغيره، وهو الخالق والرزاق ....منطق أعوج يتحاور به هؤلاء...!
سأقف هنا مضطراً لأعاود الحديث...!

عبدالرحمن الجميعان 24-09-2007 10:02 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني(11)
توقفنا آنفاً عن الآية التي تقول(( قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون * أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون)....
أزمة واضحة في الحوار، فمنطلقات نوح(عليه السلام) وأهدافه، وغاياته، تختلف كل المخالفة عن تفكيرهم، وعن منطقاتهم...
نوح(عليه السلام)، يتحدث من واقع رسالته، ومن منطلق الخوف على قومه، أما هؤلاء فقد كانت نياتهم، و منطلقا تهم، هي الخوف على المصالح المادية، والمكانة الاجتماعية....ف تعارضت المقاصد، فكان الصراع... !
ولهذا ينبغي الالتفات إلى قضية مهمة، و هي أخذ زمام المبادرة في الصراع، و رد الشبهات، والحديث بقوة ..دون خوف ولا وجل ولا تراجع، بل إفصاح عن الحق ..
هذه منهجية مهمة للدعوة اليوم، فهي تقابل أعداء من شتى صنوف العداء، وتثار حولها الشبهات، وهذا أيضاً، مما يضع قضية العلم والتعليم في رأس أولويات الحركة الإسلامية، فبالعلم، يستطيع الدعاة التيقن والثبات من سلامة منهجهم، ومن طريق آخر، يتمكنون من الرد على جميع الشبهات المثارة.
ويشير حديث نوح عليه السلام، إلى مهمة الداعية في مجتمعه، وهي التبليغ، والنذارة، ثم النصح والرفق مع المخالفين، لتقريبهم، ثم قضية العلم(وأعلم من الله...)....ولي س المقصود العلم الشرعي فقط، بل لا بد أن يعضده علم دنيوي، بشتى مناحي الحياة..
ثم يتعجب نوح(عليه السلام) من تصرفهم الأحمق، ومن استنكارهم ما لا ينكر، يستنكرون، أن يكون المبلغ والمطبق لمنهج الله تعالى هو رجل، منهم ومن بني جلدتهم، و لو تفكروا لعلموا أن هذا عين الصواب واليقين والحق...فوجود رجل يطالب بتطبيق منهج الله تعالى، ثم هو يطبقه، أدعى من أن يأتي رسول ليس من الجنس البشري، فيتحمل أشياء لا يستطيع الجنس البشري لها تحملاً، ولا طاقة، فمن رحمة الله تعالى أن يكون الرسول من بني جنسنا، ثم هو الفخر بأن يكون نبي من مجتمع ما، فهذا مما يدعو للفخر والاعتزاز.
ولكن القضية توقفت عند باب مسدود، وعن نمطية تفكير منغلقة ومنكفئة على تراث الآباء والأجداد..فهنا وعند الباب المسدود، والعقول التي أغلقت كوة الحوار، ولم يستطيعوا مجابهة الحجة بالحجة، وطغى سفههم، رفع نوح يديه إلى السماء، إلى خالقه ومرسله، بكلمة واحدة، إني مغلوب فانتصر لدينك ولمنهجك...فكان أن أرسل الله الطوفان، ودمر الكافرين وهكذا سورة الأعراف تذكر القصة دون تفاصيل، للمنهجية القرآنية التي ذكرناها آنفا، وسنذكر شيئاً من تفاصيلها لاحقا...!
(فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ)...
جاء الطوفان، و طم الأرض كلها، ومضت السفينة الكبيرة (الفلك)، تمخر عباب البحر الهائج، وهكذا مضت الأمور...تبليغ فتكذيب، ثم إهلاك ونجاة فئة مؤمنة، وتركز الآيات هنا على النجاة....للفئة المؤمنة، لتدل على أن الفئة المؤمنة عند الله تعالى لها مكانة كبيرة، ولها منزلة عظيمة، وأن سبحانه يدمر الأرض من عليها لإنقاذ هذه الفئة التي آمنت بهذا المنهج العظيم..!
كل هذا مما يجعل المرء المسلم، يواصل عمله، و يعتز بالمنهج القويم الذي يدعو إليه، و لا بد أن يرى نفسه، أنه هو الأعلى من كل هذه الجاهلية وكل هذه السياسات والألاعيب، وأنه عند الله تعالى ترجح كثيراً كفة ميزانه، ولكن عليه الصبر والثبات على المنهج، ثم العمل المتواصل دون كل ولا ملل ولا يأس..!
تلك كانت بعض الملامح الخاصة بقصة نبي الله نوح(عليه السلام)، من خلال سورة الأعراف، فقط، وعلينا أن نذكر شيئاً من القصة لم يذكرهنا، ولكنه ذكر في سور أخرى، ولنبدأ غداً، بإذن الله تعالى مع سورة هود، لنتبين طرفا من تلك المنهجية الجميلة...!

عبدالرحمن الجميعان 24-09-2007 10:03 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني12
قصة نوح في سورة هود
منهجية سورة هود
ليس في نيتنا كما ذكرنا آنفاً، أن نفسر الآيات التي فيها عرض للقصة القرآنية، بقدر ما تتوجه همتنا إلى التعرف على منهجية القرآن في العرض القصصي، وعلى الطريقة التي ذكرت فيها القصة وغاياتها...
فالقرآن كما هو معروف، له منهج متفرد، يخالف كل المخالفة أي كتاب أو قصة أو رواية، ذلك أن القرآن كتاب هداية، و كتاب دعوة نزل به الروح الأمين على العرب، وعلى نبي أمي عربي(صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم)، ولكنه مع ذلك لم ينزل ليظل حبيس العرب، بل جاء دعوة عالمية كافة للناس، و للقرآن منهجية خاصة به، لا بد ممن يريد أن يقرؤه، أن يتدبر هذه المنهجية، ويعيش معها، حتى يتذوق القرآن تذوقاً منهجياً، ويراه غضاً طرياً كما أنزل..!
سنحاول هنا أن نبرز بعض خصائص هده المنهجية، عسى أن تفتح لنا أبواباً من العلم بالقرآن وطريقته في العرض، وكيفية تذوقه قراءة.
من هذه الخصائص، أنه في عرضه للقصة، لا يدخل في الزمان، بل يذكر القصة دون ذكر زمانها، ذلك كي يكون فوق الزمان، و المكان، حتى من يقرؤه، يحيا الزمان نفسه،
مع سورة هود:
جاءت سورة هود اسماً لرسول من الرسل عليهم السلام، نبي عربي، عاش في الجزيرة العربية، بين قوم غلاظ جفاة، ينحتون الجبال بيوتاً، فتحولت قلوبهم صخوراً صلدة.
وقد عانى هذا النبي الرسول(عليه السلام) من قومه معاناة كبيرة، و قاومهم، وتحداهم...
ثم إن هذه السورة، جاءت ترتيباً في المصحف بين سورة يونس، ويوسف، وكلاهما أنبياء (عليهم السلام)، ويونس له قصة تختلف عن باقي قصص النبيين والمرسلين، وكذلك قصة يوسف لها خاصية أخرى،وثلاثتها (السور) مكية، ولكن لكل سورة جوها الذي تتحدث عنه.
ترتيب السورة، في النزول، ليس متفقاً عليه، ولكن من جو السورة، يبدو أنها نزلت في جو من الصراع، والحرب ضد الدعوة الفتية، وقد لاقى المسلمون الأوائل في مكة، التعذيب والمطاردة، والعناء، ومعهم الرسول(صلى الله عليه وسلم)، والروايات كثيرة التي تثبت كيف كان الرسول(صلى الله عليه وسلم) يتحمل الأذى و يرى أصحابه يتعذبون...
فقد روى اليعقوبي في تاريخه:
(وأقام رسول الله بمكة ثلاث سنين يكتم أمره وهو يدعو إلى توحيد الله ، عزوجل ، وعبادته والاقرار بنبوته ، فكان إذا مر بملا من قريش ، قالوا : إن فتى ابن عبد المطلب ليكلم من السماء حتى عاب عليهم آلهتهم وذكر هلاك آبائهم الذين ماتوا كفارا ثم أمره الله ، عزوجل ، أن يصدع بما أرسله ، فأظهر أمره وأقام بالابطح فقال : إني رسول الله أدعوكم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الاصنام التي لا تنفع ولا تضر ولا تخلق ولا ترزق ولا تحيي ولا تميت . فاستهزأت منه قريش وآذته وقالوا لابي طالب : إن ابن أخيك قد عاب آلهتنا وسفه أحلامنا وضلل أسلافنا فليمسك عن ذلك وليحكم في أموالنا بما يشاء . فقال : إن الله لم يبعثني لجمع الدنيا والرغبة فيها وإنما بعثني لابلغ عنه وأدل عليه . وآذوه أشد الايذاء ، فكان المؤذون له منهم أبو لهب والحكم بن أبي العاص وعقبة بن أبي معيط وعدي بن حمراء الثقفي وعمرو بن الطلاطلة الخزاعي : وكان أبو لهب أشد أذى له . وروى بعضهم أن رسول الله قام بسوق عكاظ ، عليه جبة حمراء ، فقال : يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتنجحوا . وإذا رجل يتبعه له غديرتان كأن وجهه الذهب وهو يقول : يا أيها الناس إن هذا ابن أخي وهو كذاب فاحذروه . فقلت : من هذا ؟ فقيل لي : هذا محمد بن عبد الله ، وهذا أبو لهب ابن عبد المطلب عمه)، هذه بعض ما لقي النبي(صلى الله عليه وسلم )من قومه....نتوقف !

محمد السهلي 24-09-2007 02:14 PM

رد: قصص القرآن
 

كل مانتمناه أن يتوقف الجميع ليقرأوا قصص القراّن
وأن لانكتفي بالمرور وجهد تشكر عليه أستاذنا الكبير
عبدالرحمن الجميعان مكسب المجالس الحقيقي وفقك الله

عبدالرحمن الجميعان 26-09-2007 12:39 AM

رد: قصص القرآن
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد السهلي (المشاركة 117087)

كل مانتمناه أن يتوقف الجميع ليقرأوا قصص القراّن
وأن لانكتفي بالمرور وجهد تشكر عليه أستاذنا الكبير
عبدالرحمن الجميعان مكسب المجالس الحقيقي وفقك الله

أشكرك أخي العزيز على كل هذا الكلام الجميل

عبدالرحمن الجميعان 26-09-2007 12:41 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني14
مع سورة هود

استعراض السورة:
تحدثنا عن الآية الأولى في سورة هود، ونكمل حديثنا حول السورة،
الآيات(1-4)
تتحدث الآيات الأولى عن الكتاب(القرآن) المنزل على محمد(صلى الله عليه وسلم)،
(الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ.)
ومعنى أحكمت آياته:
(أحكم الله آياته من الدخل والخلل والباطل ، ثم فصلها بالأمر والنهي . وذلك أن إحكام الشيء: إصلاحه وإتقانه ، وإحكام آيات القرآن: إحكامها من خلل يكون فيها أو باطل يقدر ذو زيغ أن يطعن فيها من قبله . وأما تفصيل آياته: فإنه تمييز بعضها من بعض بالبيان عما فيها من حلال وحرام وأمر ونهي.)
هذا الذي ذكرته آنفاً في المقالة السالفة، من أن هذه السورة المحكمة-وكل القرآن محكم- ولكن أن يأتي ذكر الإحكام هنا، فهذا يدل على إشارة لبلاغة وعظم هذه السورة بذاتها، كما ذكرنا آنفاً.
والآية الثانية أمر بعبادة الله وحده دون الآلهة المسماة،و أن الرسول(ص) نذير للكفار، وبشير للمؤمنين، وكل هذا نداء لمشركي العرب، المناوئين لهذه الدعوة.
ثم الأمر بالاستغفار، والتوبة، والتحذير من اليوم الآخر، وسماه (عذاب يوم كبير)، فاليوم كبير وعظيم، فهذا تخويف لهم.
والرابعة، إثبات أن المرجع والعودة لله تعالى.
والخامسة تصوير لحال المشركين، عند سماع القرآن، وأن فعلهم هذا لا يخفى على الله تعالى، فمهما فعلوا، لن يستخفوا منه.
ثم إلى الآية 12، تبيان لعلاقة الإنسان المخلوق مع ربه الخالق، وكيف جحوده، ونكرانه الخير...ثم استثناء المؤمنين، من هذا الفعل المشين، كل ذلك في أسلوب تهديدي للذين يكفرون، والذين يؤذون المؤمنين، يعالجه القرآن بصور متعددة،
فتارة
(وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَه َا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ )..بإثبات ربوبية الله تعالى، وأن كل ما يدب وكل مخلوق، رزقه بين خالقه، إشارة إلى أن رزق هؤلاء الجاحدين بيد الله تعالى، و أنه يعلم أفعالهم...و كفار قريش كانوا تجاراً في الغالب، و كانوا حريصين كل الحرص على المال والرزق، فهذا تهديد مبطن، وصرف لهم للوجهة الحقيقية التي تتصرف في الكون كله..ثم يؤكد لهم بأن أعمالهم لن تذهب سدى، ولا أهم همل، بل هناك كتاب سيحصي كل أفعالهم..ثم تتحدث الآيات عن ربوبية الله تعالى وعلوه واستوائه على العرش العظيم...و أن هذه الحياة إنما هي ابتلاء واختبار..ثم تعرج الآية إلى ذكر قول الكافرين، بجحدهم بالبعث بعد الموت، وتلك قضية ناقشها القرآن كثيراً معهم.
ثم تلتفت الآيات إلى قضية القرآن وعلاقة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالوحي،
(فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ).. .
كأنه تحذير من الله، أن يترك الداعية بعض، وليس كل، وهو معناه طلب الثبات على المبدأ، وعدم التهاون في أمر من أمور العقيدة، ولا في أصل من أصول المنهج..ثم يذكر تفاهة هؤلاء الماديين، الذين لا يرون الدنيا إلا من خلال المادة و المال فقط....!ثم تعرج الآيات على ذكر القرآن، و أنه ليس مفترى، ولكنه تنزيل رب العالمين، ويتحداهم بأن يأتوا بعشر سور مفتريات، وهذا مما يدل على أن سورة هود نزلت تقريباً، في الفترة الوسطى من الدعوة المكية، لأنه كان هناك تدرج في الإتيان بمثل القرآن.ثم يذكر القرآن لهم قضية عقلية ماثلة أمامهم، وهي أن هذا القرآن الذي يعدونه من صنع الرسول (صلى الله عليه وسلم)، يتحداهم، ويطالبهم بأن يأتوا بعشر سور فقط، دون تحديد طولها، و أن يدعوا من يريدون من أعوان، ثم إذا عجزوا، وسيعجزون لا محالة، فلابد أن يعلموا أن هذا ليس من صنع بشر، أي تحد سافر، جهاراً نهاراً، وأمام كل العالم، ثم يعلم أنه لن يأتوا بشرط التحدي، أليست هذه كافية لإثبات مصدر القرآن..؟
كل هذا قبل ذكر القصص النبوي الكريم، وكل هذا تمهيد وإعداد نفسي لذكر القصص الذي سيأتي تباعاً، لأن المقولة ستتكرر مع كل نبي...!

عبدالرحمن الجميعان 27-09-2007 12:37 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني15
مع سورة هود

استعراض السورة:
ذكرنا فيما سبق طرفاً حول الآيات الأولى في سورة هود، ونواصل الحديث حول الآيات التي تليها، فنقول، بعد عرض الآيات، يكون الحديث عن صنفين من الناس، صنفان أمام الوحي، صنف يكذب، وصنف يصدق، ولكن المصير مختلف، ثم تأتي الآية قبل عرض القصص، لتؤكد حقيقة
( مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) و واضح كل الوضوح لمن تشير الآية......
ثم بعد ذلك تأتي قصة نوح(عليه السلام)، ولكنها تأتي هنا ليست كما جاءت في الأعراف، بل هنا إطالة لمشهد الحوار والجدال بين نوح عليه السلام، وبين الكافرين، سرد إطالة الحوار، معناه التشابه بين هؤلاء ، وبين مشركي مكة، الاعتبارات نفسها، والكلمات ذاتها، والحرب هي هي...لم يتغير إلا اسم النبي، ومكان وزمان الحدث، ثم هناك تفاصيل دقيقة جداً، في المشاهد، لم تذكرها التوراة و لا الإنجيل، إشارة حتى إلى من يعتمد عليهم المشركون العرب في الحرب ضد الدين الجديد، وهم اليهود، ثم النصارى...!ثم يتجلى الأسلوب البلاغي الرفيع جداً، والوصف المعجز، الذي يتحدى به القرآن، عن طريق الرسول(صلى الله عليه وسلم)، كل العرب...
المشهد الأول المكرر دائماًن والذي يثبت حقيقة الإرسال(وَلَقَد ْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ* أن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ )
هكذا...وهنا دون حرف الفاء...بل الاستجابة الفورية للنداء العلوي الجليل.
الدعوة لتوحيد الله بالألوهية، وترك الأنداد والشركاء..
ثم يذكر القرآن رد هؤلاء المشركين، وكيف كان منطقهم المعوج، وكيف كانت طريقة جدالهم:
(فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ )...وانظر لحرف الفاء، فبمجرد سماع الدعوة الصحيحة، انتفض هؤلاء دفاعاً عن مواقعهم، وعن مكانتهم، وعن مصالحهم الاقتصادية والسياسية، هذه هي منطلقات التفكير اللامنطقي، وغير الواقعي، والمصاحب للعقل المعطل، 1- بشرية الرسول،2-الأتباع هم من الطبقة الدنيا، 3-ليس هناك ميزة عنهم، 4-التكذيب،
هذه هي الإدعاآت ذاتها، التي يدعيها مشركو العرب، تتشابه الأقوال، أليس في هذا حث المشركين على تحكيم عقولهم، كيف عرف النبي الأمي (صلى الله عليه وسلم) هذا الحوار الدقيق، وهذه الكلمات التي نطق بها الملأ فقط،؟!
ثم هذا التشابه بين الذين وقفوا ضد الأنبياء(الملأ) وبين هؤلاء، الملأ أيضاً!!!
كل هذه المعطيات تؤكد حقيقة واحدة، أن هؤلاء ليس مقصدهم الدفاع عن دينهم، وعن تراث آبائهم، بقدر ما كان مقصدهم الخوف على المكانة والمال والتساوي مع الفقراء والمساكين..
رد نوح(عليه السلام):
(قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُو هَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ * وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ)
هذه هي المسؤولية، مسؤولية الداعية تجاه المؤمنين، ومراعاتهم، لأن الله يحبهم، وهم مفضلون عند الله، وتتكرر القصص ذاتها، حتى الرسول(صلى الله عليه و سلم) طلب منه المشركون، كل هذا، (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا...)، (و لا تطرد الذين يدعون من دون الله..)، من هنا ندرك أهمية قصص الأنبياء، كتجربة خاضها هذا الرهط الكريم، تسجل في القرآن، لتكون نبراساً ومعالم طريق للدعوة الفتية، ولمن جاء بعدهم.

عبدالرحمن الجميعان 28-09-2007 12:40 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني 16
نكمل الحوار الذي دار بين نوح عليه السلام وبين قومه، جاء الحوار التالي
(قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ * وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ)
هذا هو أحد مشاهد الحوار التي في السورة، بين نوح وقومه، وترى دقة الألفاظ، ودقة التصوير، حتى لكأنك تراها عياناً أمام عينيك.
وانظر إلى هذا التداخل بين الماضي والحاضر، حتى تعلم بأن هؤلاء وأولئك و إن اختلفت أزمانهم، وتباينت أمكنتهم، إنما يشكلون وحدة واحدة من العناد والكفر، (أم يقولون افتراه...)..وسو اء أفسرت الآية أنها حول نوح وقومه، أم بين محمد(صلى الله عليه و سلم) وقومه، فالمعنى لن يتغير وتلك قضية مهمة جداً في إعجاز هذا الكتاب العظيم المجيد.
الانتقال إلى مشهد السفينة:
ثم تنتقل الآيات إلى مشهد السفينة، ويبدأ المشهد هكذا:
(وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ).. .
البدء بالوحي، محط النزاع بين المؤمنين والكافرين، هذا الوحي هو الذي يقود المعركة، وهذا الوحي هو الذي جعل المفاصلة أمراً حتمياً،
على أية حال، فقد أوحى الله تعالى إلى نوح-والوحي لجميع المرسلين- أن حوار العقل قد توقف، وأن جهد الإنسان المرسل والداعية قد استنفذ، و أن المعركة الآن سيقودها رب السماء، لأن عبيد الأرض قد تطاولوا كثيراً جداً وبلغوا حداً لا يستطيع المؤمنون مقاومتهم، و أن الدين الجديد لا بد له من حماية من السماء، ومحافظة على جميع العناصر الإيمانية، فكانت يد القدرة تمتد، لتدمر وتحمي...!
بل إن يد القدرة الرحيمة، تخفف الهم عن الداعية(فلا تبتئس..)، إنها رحمة كبرى، رحمة لهذا الداعية الذي عاندته أياد الأرض الطغاة، فكأنها تقول، إن لم يسعك أهل الأرض، ففي السماوات سعة ورحمة..فلا تبتئس، وأنى يبتئس وييأس ويحزن من كان الله تعالى معه.
و تلك حقيقة كانت واضحة في كل قصص النبيين، فقد كانت يد الله مع الجميع، تحفظهم وتحميهم، وتهلك أعداءهم.
ثم يأتيه الأمر من السماء..اصنع..أ لم يكن الله قادراً على هلاك هذه الأمة بدون السفينة؟ وبدون أن يأمر نوحا بصنعها؟
لا شك بأن الله تعالى قادر،و لكنه يريد أن يعلم المؤمن، أن النصر لا يأتي بالراحة والهدوء، بل لا بد من الكد والتعب، والجهاد، ثم إن طريق الدعوة لا بد له من بذل السبب، ولابد من العمل الجاد، والعمل المنقذ للدعوة، سواء أكان العمل مادياً أم فكرياً؟ أم أي نوع من أنواع العمل.!
ثم صناعة الفلك ستكون تحت رعاية الله تعالى، وتحت تدبيره، فكيف ستكون النهاية؟ وكيف ستكون هذه السفينة ما دامت تحت عين الله تعالى؟
ثم هناك رحمة في قلب الداعية، وحب للناس، ولكن الله تعالى أعلم وأرحم،سبحانه، لهذا قال تعالى(و لا تخاطبني في الذين...)
النهي عن مخاطبة ربه في المشركين، فقد تم التقدير، وكتب التدبير، وانتهت القضية وحسمت في السماء.
(إنهم مغرقون) تحدد العقاب، والعذاب، وطريقة الإهلاك..سفينة، وغرق، ولكن، كيف وأين؟ فذلك ليس من شأن الداعية، ولكن عليه التنفيذ والطاعة، لأنه يعلم يقيناً أن ربه لن يخذله، وتلك الحقيقة العظيمة هي التي كانت متجلية دائماً في قلب نبينا محمد(صلى الله عليه وسلم)، وقد وضحت هذه الحقيقة تماما في غزوة بدر الكبرى، عندما علم أنه سينتصر و أصحابه!

عبدالرحمن الجميعان 29-09-2007 01:19 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني 17
سنواصل الحديث اليوم عن قصة نوح (عليه السلام)عليه في سورة هود (عليه السلام).
جاءت الآيات هكذا في وصف مشهد الغرق العظيم:
(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ * حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ * وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). ..
جاء الأمر من الله تعالى بصناعة الفلك(السفينة الكبيرة)، وتمت القضية، واستمر المعاندون بعنادهم بكفرهم، وسخريتهم، ولم يأبهوا بكل دعاء من نوح عليه السلام، وقام نوح ينفذ الأمر الإلهي بحذافيره، وبدأ بصنع السفينة، من الأخشاب والحبال والمسامير وغيرها من أدوات الصنعة، ويصف القرآن صنع نوح بالفعل المضارع(يصنع) كأن القارئ يراه عياناً الساعة، وهو حاضر، مشهد حي متجسد، يقرؤه المسلم، ولكنه يراه عند قراءته..ثم يأتي المشهد المرادف لمشهد الصناعة، كلما مرت عليه فرقة أو مجموعة من الكفار، استهزأت بنوح والمؤمنين، و يسخرون من قضية صناعة السفينة، في مكان صحراوي!..
لم تستوعب عقولهم هذا الحدث، فلم يكن منهم إلا السخرية المتواصلة والاستهزاء الكبير.
ولكن نوح (عليه السلام) لم يسكت عن هذه السخرية، بل يرد عليهم، ويصد كلامه بكل ثقة واعتزاز، (قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)
فالأمل بالنجاة والثقة بوعد الله باد من حديث نوح للكافرين، وستتحول الحال، من سخرية وضعف، واستهزاء، واستعلاء الكافرين، إلى سخرية المسلمين منهم، والسخرية ليست على حقيقتها، ولكن تحويل الحال، كأنه سخرية ارتدت على وجوه الكافرين.ثم يقول لهم نوح،( فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ *) ..
فبعد قليل ستعلمون من سيأتيه العذاب الذي يجعله ذليلاً،ومهاناً، ومن سيكون الخزي رداءه،ثم من سيحل ويظلله عذاب مقيم دائم لا يتحول عنه أبداً.
ثم تأمل معي، وتذوق الآيات والحروف التي تنطق بلاغة وبياناً عالياً ناصعاً، (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ * )...
حتى إذا جاء أمر الله، ونلاحظ أن في السورة دائماً تأتي كلمة(أمرنا= أمر الله) لتدل على أن الأمر ليس أمر الأنبياء والمرسلين، بل هو قضاء كوني كبير، فلا يستطيع أحد أن يرده مهما كان، وحتى ينذر مشركي العرب المحيطين بالدعوة المترصدين لها.
فالزمان ليس مهماً في القصة، بقدر ما إن القصة قد تتحقق، وقد تحققت على أيدي المرسلين الآخرين، فما يمنع تحقيقها في عرب الجزيرة.
فالعلامة كانت قلب الميزان الكوني، أن يفور التنور المليء ناراً، يفور بالماء، قدرة الله تغير النواميس الكونية إيذاناً بأن الله تعالى هو من يدبر الكون ونواميسه، وأنه يقلب النواميس، فقلب النواميس لا يأتي إلا من خلل في المجتمع، وفي العالم، وهنا أصبح خلل كبير في الكون، فهؤلاء رفضوا عبودية الله وحده التي خضعت لها كل نواميس الكون ومخلوقاته، فلابد إذن من قلب الناموس!..كيف ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في حلقة قادمة من حلقات القصص القرآني.

محمد 29-09-2007 08:47 PM

رد: قصص القرآن
 
صفحات تملك من الروحانيه والاجر مالاتملكه الكثير من الصفحات

فهنا فوائد وقصص قيمه عند قراءتها ليس ككل القصص

فعند قراءتها نشعرالكثير من المتعه والراحه والطمأنينه،،

عبدالرحمن جزاك الله خير ولاحرمك الاجر

يعطيك العافيه ماقصرت،،

وفا

عبدالرحمن الجميعان 30-09-2007 12:06 AM

رد: قصص القرآن
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وفا العيون (المشاركة 119321)
صفحات تملك من الروحانيه والاجر مالاتملكه الكثير من الصفحات

فهنا فوائد وقصص قيمه عند قراءتها ليس ككل القصص

فعند قراءتها نشعرالكثير من المتعه والراحه والطمأنينه،،

عبدالرحمن جزاك الله خير ولاحرمك الاجر

يعطيك العافيه ماقصرت،،

وفا

وفا العيون
أشكرك من كل قلبي
جزاك الله كل خير

عبدالرحمن الجميعان 30-09-2007 12:06 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني (18)
النواميس الكونية


خلق الله تعالى نواميس (قوانين وسنن) تمضي في الكون كله، نواميس كونية، ونواميس شرعية، مثل النواميس الكونية، شروق الشمس من المشرق، وغروبها من المغرب، الحياة لا تصلح إلا بالتدافع الحضاري، الزرع لا ينبت إلا وفق عملية كيماوية وفيزيائية وحيوية محددة، الإنسان يولد ويكبر ويهرم ثم يموت، وهكذا دواليك، أما السنن الشرعية، مثل ان الله يهلك القوم إذا انحرفوا عن منهجه، وان الله يمكّن لعباده المؤمنين تطبيق المنهج في حياتهم متى ما خضعت حياتهم فردياً للمنهج، وهكذا تستمر هذه السنن(النواميس) تتجدد في الكون، ولا بد من ملاحظتها والعمل وفقها، وإلا حصل التضارب والصراع و الفصام النكد على النفس وعلى المجتمع.

هذه السنن (الكونية) قد يعطلها الله تعالى -لأن السنن (النواميس الشرعية - لا تتبدل ولا تتغير (ولن تجد لسنة الله تبديلاً)، (ولن تجد لسنة الله تحويلاً) - فالنواميس الكونية، متى اختل نظام بني آدم، تغيرت السنن الكونية، مثلا يقول الله تعالى(وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون)، فهنا حصل خلل كوني، بعُد الإنسان عن الدين القويم، وعن التعبد بالمنهج الصحيح، فاختل نظام الكون اختلالاً كبيراً، ما أدى إلى خروج هذه الدابة، والتي هي من علامات الساعة الكبرى.

فلا يختل نظام في الكون، إلا نتيجة طبيعية لخلل حصل من بني آدم،فقوم نوح مثلاً، بعد أن لبث نوح يدعوهم تسعمئة وخمسين عاماً، لم يلتفتوا إليه، بل آذوه و آذوا الجماعة المؤمنة، ونوح (عليه السلام) مع المؤمنين، لا طاقة لهم بهؤلاء، فلا بد من تدخل السماء..!

فقد ذكر ابن الأثير في تاريخه (الكامل) عن ابن إسحاق ما نصه:

(إن قوم نوح كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال: اللهم اغفر لي ولقومي فإنهم لا يعلمون حتى إذا تمادوا في معصيتهم وعظمت في الأرض منهم الخطيئة وتطاول عليه وعليهم الشأن اشتد عليه البلاء وانتظر النجل بعد النجل فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي كان قبله حتى إن كان الآخر ليقول: قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا مجنونًا لا يقبلون منه شيئًا وكان يضرب ويلفّ ويلقى في بيته ويرون أنه قد مات فإذا أفاق اغتسل وخرج إليهم يدعوهم إلى الله فلما طال ذلك عليه ورأى الأولاد شرًّا من الآباء قال: ربّ قد ترى ما يفعل بي عبادك فإن تك لك فيهم حاجة فاهدهم وإن يك غير ذلك فصيرني إلى أن تحكم فيهم فأوحى إليه: {أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} [هود: 36]. فلما يئس من إيمانهم دعا عليهم فقال: {ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارًا} [نوح: 26].

هذا قليل مما كان يلقاه نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام، وهذا مما يؤكد اختلال النظام الاجتماعي في المجتمع آنذاك، ففشا الظلم، والتولي عن منهج الله ومحاربته حرباً شعواء...

ثم نلاحظ ملاحظة وهي أن في السورة تكرر ذكر القرآن (جاء أمرنا)، ما يدل على أن العذاب من الله تعالى وسيأتي مزيد بيان. فبدأ الخلل في الأرض (فار التنور) إيذاناً بانطلاق شيء يخالف سنن الكون، (فار القدر يفور فورا و فورانا إذا غلا و اشتد غليانه، و فارت النار إذا اشتعلت و ارتفع لهيبها، و التنور تنور الخبز،)

وذلك أن (التَّنُّور:هُو َ التَّنُّور الَّذِي يُخْبَز فِيه، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب، وَكَلَام اللَّه لَا يُوَجَّه إلاّ إِلَى الْأَغْلَب الْأَشْهَر مِنْ مَعَانِيه عِنْد الْعَرَب إلاّ أَنْ تَقُوم حُجَّة عَلَى شَيْء مِنْهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَيُسَلَّم لَهَا. وَذَلِكَ أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا خَاطَبَهُمْ بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ لِإِفْهَامِهِمْ مَعْنَى مَا خَاطَبَهُمْ بِهِ)

وكما ذكرنا آنفاً، أن هناك شيئاً غريباً سيحدث في الكون، ودليله قلب النواميس، فالتنور الذي تسجر فيه النار، سيفور بالماء، والماء عدو النار، ولكنها قدرة الله تعالى التي أذنت بانقلاب الناموس الكوني.

عبدالرحمن الجميعان 01-10-2007 10:20 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني19
فار التنور، ودلت العلامة على أن هناك حدثاً كونياً هائلاً سيحدث، فأوحى الله تعالى إلى نوح (عليه السلام) أن يحمل من كل جنس حيواني اثنين، إلى السفينة، كأن ذلك ايذان بإهلاك كل من في الأرض، وأن الطوفان والغرق سيأتي عليها كلها، وعلى كل حي، فلابد من الحفاظ على النوع الحيواني، وذلك بالأخذ بالأسباب.

(حتى إذا جاء أمرنا وفار التَّنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم)، فيبدو والله تعالى أعلم، أن الاثنان ذكر، وأنثى، من كل صنف من أصناف الحيوانات، أو غيرها، ثم اشارة إلى حمل من آمن معه، فالسفينة علامة نجاة، وهي العلامة الفارقة بين الكفر والإيمان.

تهيأت السفينة للإبحار، وركب المؤمنون ومن كل زوجين اثنين، ثم توجه نوح يقول لمن يركب، اركبوا فيها، ولم يقل اركبوا عليها، وفيها - والله تعالى أعلم - تفيد الدخول إلى داخلها، لعظم المشهد المأساوي، ومشهد الفزع والغرق الذي سيكون، ثم ليكونوا في مأمن من التأثيرات العاطفية، ومن هول البحر الهائج.

بسم الله تجري، وبسم الله ترسو، ثم قال نوح (إن ربي غفور رحيم) وهذا من أعاجيب الدعاء هنا، أن يختم الدعاء في موقف عصيب كهذا بالمغفرة والرحمة، وهذا والله تعالى أعلم، كما ألحظ، أن الموقف موقف غضب الرب عز وجل، وموقف تحطيم وتدمير وغرق للكافرين، والسفينة فوق الماء، فنحن ندعو الله الغفور الرحيم، أن يشملنا برحمته وينقذنا، وأن يغفر لنا ما أسرفنا، وما عملنا، لأننا مقبلون على أمر جلل، لا ندري ما آخره، إلا ثقتنا بربنا تعالى.

ثم يأتي مشهد الطوفان والغرق العام، وهو مشهد فظيع، صورته الآيات تصويراً بليغاً دقيقاً، كأن القارئ حاضر يشاهده، انظر واقرأ وتأمل، وتذوق هذا البيان العربي المعجز (وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي و غيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعداً للقوم الظالمين) وهي (السفينة)، (تجري)، جاء بفعل مضارع، لتعيش الحدث حاضراً، تجري، شبهها بالشيء الحي الذي يجري، جرى: مر سريعا، ثم (بهم) نوح والمؤمنين، ذكرهم هنا، ولم يتجاهلهم، وانظر إلى حروف الجر كيف تفعل فعلها الرائع في المعاني (في موج) ولم يقل القرآن على، ولا أي حرف آخر، وإنما في المفيد للظرفية، والذي يؤدي معنى من معاني احتواء الشيء، كأن تقول أنا في البيت، أي داخل البيت، فهنا في موج، كأن السفينة داخل هذا الموج العظيم، والكبير، والبحر الهائج، ولكن مع كل هذا، فهي تجري، ثم هي تجري باسم الله تعالى، اشارة الى هؤلاء الكفار، الذي يشركون مع الله بشراً، أو آلهة في تصريف الكون، فالموج كالجبال، تصوير لعلو وضخامة الموج، وأهل مكة يعرفون ما هي الجبال! وهل لك أن تتصور أمواجاً عالية كالجبال، ثم هل تتصور أن هناك سفينة تجري هذا الجريان!

إنها مع التصوير الدقيق، إلا أن السورة أريد بها إبلاس المشركين وعن الاتيان بمثل هذا الكتاب، حتى وهو يقص القصص.

ويدرك من يركب البحار، كيف تكون السفن، وكيف يكون قلب الإنسان هلعاً، كأنما يطير من مكانه.

هذا جزء من المشهد الفظيع، والمؤلم، والعظيم للطوفان الذي عم وطم الأرض، نكمله في حلقة قادمة.

عبدالرحمن الجميعان 02-10-2007 09:59 AM

رد: قصص القرآن
 
(20)
مع سورة هود!

وقفنا في حلقة سابقة عند الآية التي في سورة هود، «وهي تجري..» وتأملنا حروف الجر، تجري بهم، وتجري في موج...وحرف الجر الأول أفاد أنهم في السفينة، وهم في مأمن، لأنهم «بها» بداخلها، وحرف الجر «في أفاد»، أنها في عمق الموج، وفي عمق الماء، ولكنها أيضاً في مأمن، كل ذلك ليصور ضخامة الماء، ثم رحمة الله بالمؤمنين، وقدرته على إنقاذهم، وعلى التصرف في كل الكون.

تأمل الآيات: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

يرى نوح عليه السلام، هذا التغير الكوني، ويعلم ماذا سيحصل هناك، فيلمح ابنه، فتتحرك عاطفة الأبوة هنا، ويحن إلى ابنه، ويناديه، بكل حنان وحب، (يابني)...ويؤكد القرآن(وكان في معزل) عن السفينة، العزل المادي والمعنوي، فهو في معزل عن أبيه نوح عليه السلام، من الناحية الإيمانية، فهما في معتقدين مختلفين كل المخالفة، وهما أيضاً مختلفان في المكان، فنوح عليه السلام، في سفينة النجاة، وابنه هناك مع الكافرين.

يناديه بعاطفة الأبوة والقرابة، اركب، وهذه الكلمة تقرأ بين اركن، واركب، وكلا المعنيين صحيح، فيطلب منه أن يركب معهم، فينجو، ويركن مع المؤمنين، ولا تكن مع الكافرين، لا تكن معهم معتقداً وموقفاً، بل كن معنا، في السفينة، لتتحفك النجاة في الدنيا والآخرة، و هنا تبدو قسوة الابن، مع عاطفة الأب الحنون، فيقابل الإحسان والحب بالقسوة، والعنف، والسخرية، سآوي إلى...ظن الولد أن الأمر اعتيادي وطبيعي، مياه تثور، وأمطار ستتوقف، وما علم أن الأمر (أمرنا) أمر الله وقضاؤه، وهذا القضاء لا يمكن أن يقف أمامه أحد، والملاحظ تكرار كلمة (أمرنا) لتدل على عظم العذاب، وأن الله بيده تسيير الكون وتسخيره، وأن القضية ليست غضب طبيعة ولا شيئاً من هذا، بل هو غضب الله تعالى، وتدبيره. ثم قال تعالى( وحال بينهما الموج فكان..)..وهذا- والله تعالى أعلم- من رحمة الله تعالى لقلب نوح، الا يرى ابنه يغرق أمامه، فكانت الأمواج تحول بين نوح وبين رؤية الغرق لابنه.

قضي الأمر، نفذ أمر الله تعالى، وتم كل شيء، وغرق الكافرون، فقال تعالى ( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وقيل بصيغة المبني للمجهول، نداء للأرض، ابلعي، انظر إلى التشبيه، والمعنى والألفاظ، قيل، لم يذكر من القائل، للدلالة على العظمة والقوة، والإبهام، يا أرض، نداء إلى غير العاقل، ليعقل الأمر ثم تتوجه بالاستجابة، أي إعجاز هذا؟ و أي بيان هذا؟

(ابلعي): والبلع ليس فيه مضغ، ولا بطء، بل السرعة في الالتهام، ما يدل على أن الماء بُلع في باطن الأرض بسرعة، وسماه ماءك، منسوب إليك، الماء الذي أخرجته، ماؤك..

ثم جاء النداء الثاني: ويا سماء أقلعي...دون ذكر ماذا تقلع!

اقلعي عن الماء، وغيض الماء، أي تناقص وغار، وقضي الأمر: قضي وانتهى بكلمات قليلات وطوي المشهد العام للغرق، بكلمات قليلة جداً، ايضاً دُمِّر الكافرون، وأغرقوا، ونجّا الله تعالى المؤمنين، ثم استوت السفينة ورست على جبل الجودي...!

ثم قيل، كأن الكون وكل مخلوق كان ينطق بهذا القيل بعداً ولعنة للقوم الظالمين، وهكذا تطوى هذه الصفحة الكبيرة في بضع كلمات، ولكن القصة لم تنته بعد، فالحوار بين الله تعالى ونوح(عليه السلام)، سنذكره في مقالة قادمة بإذنه تعالى

عبدالرحمن الجميعان 03-10-2007 03:52 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني(21)
مع عاد ونبيهم هود(عليه السلام)
قصتا عاد وثمود لم تذكرا، في الكتب السابقة، ولكنها فقط ذكرت في القرآن الكريم، فعاد قبيلة أعطاها الله تعالى ما لم يعط أحداً من العالمين، من قوة، وقدرة على نحت الجبال بيوتاً، وبسطة في الجسم، و كانوا يسكنون في منطقة يقال لها الأحقاب، جاء في موسوعة الإعجاز في القرآن والسنة،
(أهم النقاط التي تطرق القرآن لذكرها في قصة هود :
1. أن قوم هود كانوا يسكنون في الأحقاف، و الأحقاف هي الأرض الرملية، ولقد حددها المؤرخون بين اليمن وعمان .
2. أنه كان لقوم عاد بساتين وأنعام وينابيع قال تعالى :(وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ {132} أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ {133}وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ )
3. أن قوم عاد بنوا مدينة عظيمة تسمى إرم ذات قصور شاهقة لها أعمدة ضخمة لا نظير لها في تلك البلاد لذلك قال تعالى ( ألم ترى كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد).
4. إنهم كانوا يبنون القصور المترفة والصروح الشاهقة (أتبنون بكل ريع ٍ آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون)).
وقد ذكرت القصة في عدة سور من القرآن، مثل الأعراف،و هود، والشعراء، و الأحقاف وغيرها......... ...!
وجاءت القصة في الأعراف كما يلي :
(وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ *
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ * أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *
قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَن ِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ *)
رست السفينة، واستوت على الجودي، وطرد الظالمون الكافرون من رحمة الله في الدنيا والآخرة، ونزل نوح عليه السلام، ومن معه من المؤمنين، ما خلا زوجه، وابنه، ثم استمرت دورة الحياة، وانتشر الناس على وجه البسيطة، وتفرقوا يمضون في مناكب الأرض طلباُ للرزق، وسكن عاد في الأحقاف، وكان رجلاً صالحاً كما يقال، ثم توارثت الذرية، وجاءهم الشيطان يجتالهم عن عبادة الله وحده، إلى عبادة الأصنام، وطاعة السادة والكبراء، وتعطل العقل، وتراجع التفكير، وانحطت الروح في مستنقعات الرذيلة والهوى.!
ولكن رحمة الله الحق،العدل، تأتي لنقذ البشرية، وتتجلى في رسول بشري، يأتي يدعو إلى منهج متكامل للحياة، وحياة للمجتمع، ويكون من أوسطهم نسباً وفضلاً وعقلاً.
فأرسل الله هوداً عليم السلام، لقوم عاد لينقذهم من ضلالهم، وكفرهم، وسطوتهم وجبروتهم، وتحكم السادة والكبراء في أقواتهم، و مسير حياتهم، (وإلى عاد...) معطوف على إرسال نوح، كما أرسلنا إلى قوم نوح، أرسلنا أيضاً إلى قوم عاد، تلك القبيلة العاتية الجبارة، واحداً منهم، يتلكم بلسانهم، ويحيا بينهم، ليدعوهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة غيره، كائناً ما كان هذا الغير.
فسنن إرسال الرسل لا تتبدل ولا تتغير، يضل الناس، ويطغون، وينحرفون عن المنهج، فيرسل لهم الله تعالى رسولاً، ليردهم إلى المنهج القويم، فيتصدى لهذا الدين الجديد، القديم، الملأ، الكبراء، هم من يقف أمام الدعوة للخوف على مصالحهم.
العرض مستمر..!!

عبدالرحمن الجميعان 04-10-2007 10:07 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني22
جاءت سورة الأعراف، تريد تأكيد قضية التبليغ، ومواجهة الملأ مواجهة لا هوادة فيها، والثبات على الحق، (كتاب انزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه..)، فالغاية من الدعوة عند محمد(صلى الله عليه وسلم)، هي ذاتها عند نوح، وهود، وصالح، وجميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، و هي تعبيد الناس و إرجاع الناس إلى فطرتهم التي فطر الناس عليها، ودفعهم نحو تطبيق المنهج والتشريع المنزل من الله تعالى على يد النبي والرسول.
ولنسترجع شيئاً من القرآن الذي ذكر بعض القضايا المهمة جداً في الدعوة،
( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)
يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27)
وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (28)
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)
فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ).. ..!
لباس التقوى، وستر العورات المادية والمعنوية، فردياً ومجتمعياً، حركة الشياطين، وقدرتهم على إغواء بني آدم، ضرورة تيقظ أبناء آدم لتلك المعركة التي خاضاها آدم و زوجه، ضد إبليس، الذي كان يريد إخراجهما من رحمة الله، و من الجنة، وهي معركة ستمتد بين بني آدم، وبين بني إبليس، ولكن الله تعالى كان يريد رحمة بني آدم، فلهذا أرسل لهم المرسلين.
تأكيد القرآن لفساد تراث الآباء والأجداد، وأنه لا ينبغي للمجتمع، أن يرتد إلى تلك التقاليد البالية، ثم عدم إلقاء تبعة إضلال بني آدم، مع تراث آبائهم، على الخالق سبحانه، بل هذا من فعل الشيطان وأوامره التي يوسوس بها لبني آدم، من خلال جنوده.
تحول المجتمع الإنساني منذ ذلك العهد الآدمي إلى فريقين، فريق ضلالة، وفريق هدى الله، وهذه قضية استمرت ولا تزال بين المجتمعات، فمجتمع كافر بالله وبرسوله، وآخر مؤمن، ولا يلتقيان أدباً، مهما حاول المموهون، والمميعون أن يجعلوا القضية رهن الواقع، وأن يرفعوا قضية الولاء والبراء، فهذا هو الدين منذ كان آدم، وإلى أن تقوم الساعة.
برزت قضية أخرى في هذا المجتمع القوي، العنيف، الذي جاب الصخور، وصنع منها قصوراً، و عاش بين الجبال، فكأن قلوبهم، اكتسبت شيئاً من قسوة الصخر وشدة الجبال.
نلاحظ التشابه الكبير بين أقوال الأنبياء لأقوامهم، مما يدل على وحدة الدين، و أن الخالق والمرسل واحد لا شريك له.
ثم تشابهت أقوال الملأ، للدلالة على تشابه العقول ونمطية التفكير لدى هذا الملأ، , و أنهم تحركهم مصالحهم و لا يحركهم الدين.
في هذه السورة لم تُذكر تفاصيل كثيرة، كما في سورة هود مثلاً، ولكنها هنا ذكرت لتأكيد قضية أخرى، هي قضية التبليغ والدعوة، ومواجهة المشركين، دون خوف ولا وجل.
الحوار والجدل:
بدأت القصة بهذه الآية،(و إلى عاد أخاهم هوداً،...أفلا تتقون!؟)
(أخاهم) من بني جلدتهم، ومن القبيلة نفسها، فهو قد عاش بينهم، وخبرهم، وتعرف إليهم، وهم عرفوه، فلا غرابة بينه وبينهم.
وعند الإرسال، قال هود لهم: اعبدوا الله، سمى الإله الحق، بأنه الله تعالى، فهو المستحق للعبادة، و هو المستحق لأن يتوجه له الناس بالدعاء، والنذور، والعمل ، ولا يضعون معه شخصاً أو مخلوقاً يتقربون به إلى الله، ما لكم: ليس لكم إله غيره، لماذا؟
لأنه الخالق، و من يخلق، يعرف ما يصلح شأن المخلوقين، لهذا فهو يضع لهم منهجاً، وطريقاً، (ألا يعلم من خلق..)؟!!
فهنا يوجه هود(عليه السلام) في دعوته، هؤلاء المشركين، نحو العقل، ونحو التفكير المنطقي السليم، ويخبرهم، ويريد أن ينفض عنهم التراب، والظلام الذي ران على قلوبهم، فلا إله غيره خلقكم، ورزقكم، وأنعم عليكم..
ثم يستنكر منهم هذا الموقف، وكيف أنهم لا يخافون الله، ولا يتقونه، و هم في هذا التفريط بعبادتهم، و ضعف علاقتهم بالخالق المستحق للعبادة..!

عبدالرحمن الجميعان 06-10-2007 11:20 PM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني 23

اختصرت قصة آدم عليه السلام، وصراعه مع الشيطان قصة الإنسانية، أو قصة الوجود كله في بضع كلمات، و استمر المسلسل الذي يجسد حقيقة الصراع، ويضعها على محك الواقع المعيش، فيأتي القرآن ليؤكد تلك الحقيقة الناطقة في أرجاء الكون(الشيطان لكم عدو، فاتخذوه عدوا ..إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير..)..
فيأتي قصص الغابرين الهالكين مع أنبيائهم، تأكيداً لفعل الشيطان وعمله، وقدرته على إضلالهم وغوايتهم، وحرفهم عن جادة الحق والصواب.
و لا نزال مع هود(عليه السلام)، وهو يواجه قومه بالأدلة والبراهين الدالة على ألوهية الله تعالى وأنه المتفرد بالعبادة، والتشريع للخلق.
وقف الملأ الغلاظ الجفاة أما هود، ودعوته يصدون الناس عنها،(قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ). ..
عند نوح(عليه السلام)، قال الملأ:إنا لنراك في ضلال مبين)، وهنا(سفاهة)، وهذا مما يجعل المرء يتوقف عند ألفاظ القرآن ودقتها، وصدقها في التعبير عن الحال التي فيه القصة..!
فلكل لفظ مدلول يختص به، قد يشترك مع لفظ آخر في بعض معانيه، ولكنه لاشك أنه يحمل معنى آخر، قد يزيد و قد ينقص، فألفاظ اللغة لا يمكن أن تتساوى معنى.
قال في اللسان(ضلَّ الرجلُ يضلُّ ويضَلُّ ضَلالاً وضَلالةً من باب ضربَ وعَلِمَ ضد اهتدى. أي جار عن دينٍ أو حقٍّ أو طريقٍ.
وقيل الضلال موضوع في الأصل للعدول عن الطريق المستقيم عمدًا أو سهوًا قليلاً أو كثيرًا وباقي المعاني متفرّعٌ منهُ.
وضلَّ فلانٌ الطريقَ وعن الطريق يضَلُّ لم يهتدِ إليهِ. وكذا الدار والمنزل وكل شيء مقيم لا يُهتدى لهُ.)..
و السفه هو الطيش وخفة العقل.
و ما من شك أن في اللفظين معنى مختلف عن بعضها البعض، ولكن لم قال الملأ ذلك لنوح ولهود سفاهة؟
كما يبدو لي-وهذا محض اجتهاد- أن قوم نوح(عليه السلام)، لم يكن قبلهم رسول، فظنوا أن طريقهم هو الصواب، فلما جاء نوح بشيء جديد لهم، وغريب عليهم، أرادوا أن يثبتوا أنه ليس قبله من جاء بمثل ما جاء به، لهذا فهو قد انحرف عن الصراط السوي، وعن الطريق الطويل الذي مضى عليه الآباء والأجداد.
أما قوم هود(عليه السلام)، فقد علموا بقصة قوم نوح، فقد سبقهم عالم و قبيلة أخرى في هذا الدرب، ولم يدركوا ما جاء به نوح، وانه مع هود من مشكاة واحدة، فهنا سفهوا رأي هود (عليه السلام)، كأنهم يقول أنت خفيف عقل وضعيف تفكير، أن تقول لنا ذلك، وأنت تعلم من نحن! ومن سبقنا في الطريق.فنحن لسنا أول عابد لهذه الأصنام، بل سبقونا أولئك، فكيف تفكر أنت؟ وكيف تريدنا نحن أن نفكر؟ فهذا هو السفه بعينه!فمن السفه ترك تراث الآباء والأجداد..والله تعالى أعلم.
و لهذا قالوا عن نوح ضلال مبين، واضح الضلالة والانحراف عن الجادة، وهنا قالوا نظنك من الكاذبين، لم يتيقنوا، من أمرهم، لاتهامه بالسفه، فقد تكون سفيها، وقد تكون كذاباً، أو هنا الظن بمعنى اليقين.
وهنا يقف هود(عليه السلام) يرد عليهم ويدافع عن نفسه، وعن رسالته، ولا يسكت عنهم، بل يقارع سفههم، وافتراءهم، وضلالهم بمنطق العقل، (ليس بي سفاهة)..فأنا لست كما تدعون، ليس بي سفاهة، أي سفاهة كبرت أو صغرت، تعددت أو قلت، لا أحمل أي نوع من السفه البتة.
ثم يعقب على من هو! (رسول من رب العالمين)..رسول يحمل رسالة من مرسل، فعليكم الاستماع له.
ثم هو من رب العالمين، والرب هو الخالق والمربي والمتصرف، فأنا مبعوث رب العالمين، ثم يلفت انتباههم إلى العالمين، و العالمون: هو كل الملكوت، وكل الخلق، فالرب الذي تخضع له كل مخلوقات الكون بما فيها أنتم، هو الذي أرسلني، وهي لفتة لتحريك العقول في السماوات والأرض...!
منطق نبوي في الحجاج العقلي، قل نظيره في التعامل الحواري...الحوا ر بالعقل الذي يحتاجه الدعاة في طريقهم الطويل، فعليهم أن يتعلموا و يستفيدوا من القرآن في طريق الدعوة الطويل.

عبدالرحمن الجميعان 06-10-2007 11:26 PM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني 24
ظواهر خطيرة!
برزت على السطح الآن قضية أخرى، لم نرها في قوم نوح(عليه السلام)، وهي قضية اجتماعية خطيرة، كان يفعلها قوم عاد، تلك هي قضية الاعتداء على الناس و المسافرين، واستخدام القوة الجسدية والعضلية في سبيل إظهار القوة على الجميع، و ممارسة الظلم الواضح، وتلك مسألة خطيرة جداً، متى ما تفشت في المجتمع، فقد حفر قبره بيديه.
( * أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين * أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون )
وقال في سورة الشعراء:
(* أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله وأطيعون )
فقد تميز قوم عاد بزيادة جسمانية، ثم استخدموا هذه البسطة في الجسم بإيذاء الناس.
ثم يخبرهم هود (عليه السلام)، بأنهم يبنون بكل مرتفع من الأرض قصوراً، وبروجاً، ثم يبطشون بقوة في المسافرين، والمارين بهم...
قضية اجتماعية مروعة تطفو على السطح، فلا يدعها النبي، الرسول(عليه السلام) تفوت، دون أن يذكرها، ويعالجها، وهي قضية دعوية مهمة، فعلى الدعاة(الحركة الإسلامية)، أن ينتبهوا إلى أهم قضية في المجتمع، بعد العقيدة، ويضعوا لها البرامج والمشاريع، ويحاولوا علاجها من خلال برنامجهم المعد.
هذه القضايا الاجتماعية الخطيرة برزت بصورة واضحة وجلية، بعد قوم نوح(عليه السلام)، وهذه الظواهر الاجتماعية التي برزت، ظواهر خطيرة جداً، تنخر في عظم المجتمعات فتدمرها، فعند قوم شعيب (عليه السلام )مثلاً، برزت قضية التطفيف، والخداع في الاقتصاد و المال، وعند قوم لوط(سديم) أيضاً هناك ظاهرة اجتماعية خطيرة جداً، لم يسبقوا لها، وهي إتيان الذكران بدلاً من النساء، ثم إتيان هذا المنكر عياناً أمام الناس، (وتأتون في ناديكم المنكر..)، وهكذا تتعدد الظواهر الاجتماعية المدمرة، فيتصدى لها كل رسول، بحسب الظاهرة، و يجعل لها علاجاً ناجعاً، ولا يتركها كما يفعل البعض عند ظهور هذه الأمراض في المجتمعات.
فقوم عاد، كانت هذه الأمراض بينهم، صناعة ما يسكنون، ولا حاجة لهم به، ثم العبث، وذلك العبث دليل خواء الشعوب، ودليل قلة وعي تفكير، العبث بالمال، وإهداره على كل صنوف ملذات الدنيا، ثم العبث بمقدرات الشعوب، ثم العبث بالسياسات، عبث يطال كل مظاهر الحياة، و كل صنوف المعيشة، ويأتي على كل تفكير جاد.
يظن البعض أن القرآن ذكر هذه الأقوام وانتهت المسألة، وما يعلم بأن القضية قد ذكرت، لتبقى في الأذهان، وليعلم الخلف ماذا فعل السلف، فيتجنبوه،لا أن تتكرر الأشياء، وتتشابه النظائر، وكأن لم يكن شيء!..........ب ل لا بد من أخذ الدروس والعبر، مهما بعد العهد بيننا وبين هؤلاء!
ثم دمر الله تعالى هذه الأقوام تدميراً شديدا، واستمع إلى قول الله تعالى في سورة هود:
(* ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ * وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد * وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود )...
وتلك عاد التي أبعدها الله تعالى، و تلك تستخدم للبعيد، جحدت وكفرت، ورفضت، الآيات التي أنزلناها، لها، وعصوا رسله، و هم لم يرسل إليهم إلا رسول واحد فقط، ولكن لأن الرسل دعوتهم واحدة، فمن يكذب برسول فقد كذب الدعوة كلها، وقد كذب بالمرسلين أجمعين.
(واتبعوا..) وهذه هي القضية الأساس التي يريد أن يعالجها القرآن، هي طاعة الكبراء والسلاطين والحكام، فيما لا يرضي الله تعالى، يأمر هؤلاء فيجدون الشعوب تخضع لهم، وتصدر عن أمرهم، دون وعي، بل خوف، أو بالقوة، أو بالمصالح، ويرفضون شرع الله، ودعوة الله تعالى.
وكأن التاريخ يعيد نفسه، وتتكرر المأساة نفسها، ويظل الجبار العنيد سمة ظاهرة وعلامة بارزة على كل مجتمع لا يؤمن بالله، ولا يطبق شريعته.
(واتبعوا في هذه..) أي طردهم الله من رحمته في الدنيا، وجعل خلفهم لعنته وغضبه، فكل ذاكر لهم، لا يذكر إلا بالسوء، واللعن، و يوم القيامة، يقول الأشهاد على رؤوس جميع الخلائق، يفضحهم القائلون أمام العالمين وفي مشهد الحساب، (ألا إن ..) كفروا ربهم، دون ذكر حرف الجر، ليدل على مدى الجحود والنكران، والعبث العقدي الذي مارسه هؤلاء...
تلك كانت بعض وقفات من القصص المكي، سنحاول في حلقة قادمة أن نضع بعض الخطوط حول القصص المدني، لنرى كيف يكون المنهج القرآني في القصص!

.

عبدالرحمن الجميعان 07-10-2007 11:47 AM

رد: قصص القرآن
 
(25)

القصص المدني



رأينا شيئاً من المنهجية القرآنية في القصص المكي، ونلاحظ في القرآن المدني، غياب قصص المرسلين وصراعهم مع أقوامهم، مع بقاء هذا القصص مقروءاً في المصاحف إلى قيام الساعة، لإكمال رصيد التجربة، ورصيد العقل، ورصيد السلسلة الدعوية.

في القرآن المكي كان التركيز على الصراع والحوار، وإهلاك المعاندين والكافرين، أما في القصص المدني، فهناك منهجية أخرى، في عرض القصص، فنجد قصة إبراهيم مع ذبح الطيور، وقصة عزير وحماره، وقصص بني إسرائيل..وقد رأينا التكرار والتقطيع في القصص المكي، أما في القصص المدني فلا نجد هذا التكرار.

سورة «المائدة» وقصة قابيل وهابيل:

جاءت هذه القصة في سورة واحدة فقط، لم تتكرر، وهي سورة المائدة، وهي آخر سورة نزلت كاملة، جاء في تفسير ابن كثير (الإمام أحمد روى عن أسماء بنت يزيد قالت: «إني لآخذة بزمام العضباء، ناقة رسول الله () إذ نزلت عليه المائدة كلها، وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة. وروى -أيضاً- الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: «أنزلت على رسول الله () سورة المائدة وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله فنزل عنها»)1.

والحديثان إسنادهما صحيح، كما حقق ذلك العلامة أحمد شاكر رحمه الله تعالى.

وجاء أيضاً (روى جبير بن نفير قال: «حججت فدخلت على عائشة، فقالت لي: يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت: نعم، فقالت: أما انها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم من حرام فحرموه »)2.

و(الغرض الجامع في السورة على ما يعطيه التدبر في مفتتحها ومختتمها، وعامة الآيات الواقعة فيها، والأحكام والمواعظ والقصص التي تضمنتها هو الدعوة إلى الوفاء بالعهود وحفظ المواثيق الحقة كائنة ما كانت، والتحذير البالغ من نقضها وعدم الاعتناء بأمرها، وأن عادته تعالى جرت بالرحمة والتسهيل والتخفيف على من اتقى وآمن ثم اتقى وأحسن، والتشديد على من بغى واعتدى وطغى بالخروج عن ربقة العهد بالطاعة، وتعدى حدود المواثيق المأخوذة عليه في الدين. ولذلك ترى السورة تشتمل على كثير من أحكام الحدود والقصاص، وعلى مثل قصة المائدة، وسؤال المسيح، وقصة ابني آدم، وعلى الإشارة إلى كثير من مظالم بني إسرائيل ونقضهم المواثيق المأخوذة منهم، وعلى كثير من الآيات التي يمتن الله تعالى فيها على الناس بأمور كإكمال الدين، وإتمام النعمة، وإحلال الطيبات، وتشريع ما يطهر الناس من غير أن يريد بهم الحرج والعسر. وهذا هو المناسب لزمان نزول السورة إذ لم يختلف أهل النقل على أنها آخر سورة مفصلة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أواخر أيام حياته وقد ورد في روايات الفريقين: أنها ناسخة غير منسوخة، والمناسب لذلك تأكيد الوصية بحفظ المواثيق المأخوذة لله تعالى على عباده والتثبت فيها)3.

عرض السورة ومحتواها:

(يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد . يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب).

تبدأ السورة بالنداء العلوي الجليل (يا أيها الذين آمنوا..)، فكأن السورة نداء لهؤلاء، ليصيخوا أسماعهم، ويتيقظوا، ويتنبهوا، فالأوامر لهم لا لغيرهم، ثم جاء الأمر بالوفاء بالعهود والمواثيق، وأوفى العهود هو العهد مع الله تعالى، ثم مع المسلمين، ثم مع غير المسلمين، والوفاء بالعهد صفة لا ينبغي أن تنزع من المجتمع المسلم، ولا من الأفراد!

ثم ختمت الآية الأولى(إن الله..) وهكذا يربط القرآن، بين المسلم في حياته، وفي مجتمعه، وبين علاقته بالله تعالى..(يحكم).ف هي أحكام مقننة، ومحكمة، وغير منسوخة..!

في الآية الأولى أمر، وفي الثانية نهي..!

حواش وهوامش

1- عمدة التفسير، مختصر ابن كثير(احمد شاكر)،

2- البيان في تفسير القرآن- ص 342

3- تفسير الميزان السيد الطباطبائي ج 5 ص 157

عبدالرحمن الجميعان 08-10-2007 01:17 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني 26
مع سورة المائدة
ذكرنا طرفاً من إيحاءات الآيتين الأوليين من سورة المائدة، ونكمل في هذه الحلقة شيئاً من ذلك، فالآيات من 3-5 تتحدث عن الحلال والحرام في المأكل والمشرب، وتحليل ما يسمى عليه من ذبائح أهل الكتاب، وهي علاقة جديدة، بين الجماعة المسلمة، وأهل الكتاب(اليهود والنصارى)، و عرجت الآية كذلك إلى تزويج المسلم من الكتابيات العفيفات، و هذه صيغة من صيغ التعايش في المجتمع المسلم الكبير، والمتنامي، فهي حالة جديدة من الحالات التوسعية في المجتمع والدولة، تصاحبها حالة من حالات التوسع في الأحكام، مما يدل على أن هذا المنهج منهج شمولي واقعي، يعيش مع الحدث، ومع هموم المجتمع المسلم والفرد المسلم.
وهنا أيضاً، تبدو سلطة المجتمع المسلم، وفرض هيمنته على القلة التي تريد أن تتعايش، فلا يمنع من تزويج المسلم الذكر فقط، من الكتابيات العفيفات، ولا يمنع المأكل والملبس والمشرب، ولكن كل ذلك بشرط، أن تكون العلامة الظاهرة هي سنة محمد(صلى الله علي وسلم) وإظهار شعار الدين القويم، و ليس التميع، وإعطاء القلة سلطة الاستيلاء والتحكم بالكثرة.
أما الآية السادسة فتتكلم عن الوضوء و التيمم عند القيام للصلاة، و تقتصر الآية على فرائض الوضوء دون سننه، لتترك مجالاً كبيراً جداً، للسنة تعطي تفاصيلها اليومية الدقيقة، التي يتعرض لها الفرد.
نلاحظ منذ أول السورة التعرض للأحكام الفقهية العملية على مستوى الفرد والمجتمع والدولة، وقد سبقتها الأمر بحفظ العقود، والمحافظة على المواثيق و العهود.
أما الآيات (7-8)، ففيها الأمر بالمحافظة على ميثاق الإيمان بين الجماعة المؤمنة، وبين الله تعالى، ولا شك أن كل ذلك كان عن طريق الرسول(صلى الله عليه وسلم)، ثم الأمر بتقوى الله تعالى، و الخوف منه، وعدم هدر المواثيق والعهود، بل يجب المحافظة عليها، ثم يأمرهم القرآن بالشهادة بالعدل، حتى و لو كانت الشهادة، لأقوام بيننا وبين عداء أو بغض أو كره، وتلك تربية سامية، وميزة تميز بها هذا المجتمع عن سائر مجتمعات الأرض بعامة، ولكن الأقوام الآخرين لم يحفظوا للمسلمين هذه الميزة، بل استغلوها أبشع استغلال، وعاثوا في أراض ودماء وأعراض المسلمين!
ثم تمضي الآيات، تذكر اليهود والنصارى، وتذكرهم بالعهود والمواثيق، ثم تذكر الآيات قصة اليهود مع نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام، وهذه قصة مهمة جداً في السياق وهي تمهد لقصة ابني آدم.
وانظر إلى سياق القصة من الآية 20- 26
فهي تحكي قصة بني إسرائيل، الذين أخذ الله منهم الميثاق على الإيمان بالنبي محمد(صلى الله عليه وسلم)، وبالمحافظة على ميثاق الله تعالى، ولكنهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك أبدا، بل خانوا الله وخانوا الرسول(ص) وخانوا المجتمع المسلم.
في هذا السياق تأتي قصة ابني آدم، بعد قصة موسى وقومه، خيانة واضحة، وخور فاضح، وجبن عام، ينزله الله تعالى في آيات تتلى، ليسمع المسلمون، ويأخذوا حذرهم، على أنفسهم، ومن هؤلاء الأشقياء المعاندين المتربصين بالجماعة المسلمة الجديدة، التي سكنت المدينة، وجاورتهم.
فهي قصة مجتمع مهلهل الضمير، خائر القوى، لا يتماسك، يعيش على الخداع و المواربة، و لا يستطيع أن يحيا نظيفاً، مرتقياً بتفكير، و لا مواجهاً للناس، بل يتخفى وينافق، و الكذب علامة واضحة في كل تعاملاته مع الغير.
قصة واقعية قديمة، لنقض العهود والمواثيق، ثم تأتي قصة ابني آدم، لتضيف شيئاً إلى رصيد التجربة في حس المسلم، وإلى رصيد التاريخ، وإلى رصيد معرفته بطبائع البشر، وتقلبات النفوس...
قصتان بعيدتان زمناً، ولكنهما تشتركان في كل من المعطيات، و التفاصيل....... ..
.هناك تمثل الشخصيتان مجتمعين منفصلين، مجتمع يحافظ على إسلامه وتقواه وخوفه من الله، وعلى مواثيقه، وعهوده،
وشخصية تمثل مجتمعاً كاذبا يسطو بيديه و لا يتورع عن أي عمل إجرامي ضد الذي أمامه.
ولهذا تبدأ القصة بكلمة(و اتل عليهم..)..ويذكر الطبري، أنها لأهل الكتاب الذين ظاهروا النبي(صلى الله عليه وسلم) وحاربوه.!
تمهيد للقصة، أتى بشكل سلس، وجميل، مع تفصيل للأحكام، وشرح للمجتمع الإنساني، مع توضيح لشيء من طبائع البشر، منذ القدم..!

عبدالرحمن الجميعان 09-10-2007 10:00 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني 27
منهجية القرآن المدني


نلاحظ في منهجية القصص القرآني المدني، بعض أمور قد لا تكون في المكي، منها على سبيل المثال:

1- القصة في القرآن المدني تبين حكماً شرعياً، وتعمق قيمة هذا الحكم في حياة الناس، و تؤكد مع الإثبات التاريخي، أن الانحراف عن المنهج يؤدي إلى كوارث لا نهاية لها في المجتمعات المنحرفة 2- ربط القصة بالواقع المدني الذي تعيشه الدولة آنذاك.

3- عدم التكرار وتقطيع القصة كما في القرآن المكي، بل ترد القصة مرة واحدة، في مكان واحد، دون تكرارها، أو تقطيعها وتنوعها في سور أخرى. وفق هذا التصور سنتعرض لقصة ابني آدم (قابيل وهابيل) القاتل والمقتول.

قبل هذه القصة ذكرت قصة موسى (عليه السلام) مع قومه، وهي قصة أجداد هؤلاء اليهود الذين يعيشون في المدينة مع النبي (ص) والجماعة المؤمنة، وهي قصة تؤكد قيمة المحافظة على المواثيق والعهود، وكيف أن خيانة هذه العهود ستكون وبالاً على المجتمع، وعلى المستوى الفردي كذلك.

في الآية 11 (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل..)... فهو الميثاق، وهو العهد، الذي لم يصنه بنو إسرائيل..ثم في الآية 20 (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين)... فهو عهد ثم نتيجة تطبيق هذا العهد، ثم أراد منهم نبيهم موسى(عليه السلام) أن يصدقوا العهد ويوفوا مع الله تعالى، ولكنهم لم يصدقوا، ولم يدخلوا الأرض المقدسة، فكانت النتيجة المروعة، أن كتب الله عليهم التيه، أربعين سنة وهم يتيهون في الأرض..!

نتيجة حتمية يضعها القرآن، ليس أمام بني إسرائيل فقط، بل أمام العالم كله، وهي سنن من سنن الله تعالى..من تخلف عن المنهج القويم، سيكون حاله هكذا، وقد يكون أشد، وتصدق هذه الأحداث على المسلمين، فقد ضاعت الأندلس، وضاعت فلسطين، وغيرها من أراض كان يملكها المسلمون...!

ثم بعد هذه القصة التي تمثل النكوص على مستوى الجماعة، و على مستوى الدولة، يأتي القرآن ليؤكد هذه الحقيقة، على مستوى الفرد، وهنا يبدو التناسق التام بين آيات القرآن، فالمائدة ذكرت الأحكام على مستوى الفرد والجماعة، وها هي القصص، تريد تأكيد حقائق الوجود، على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة...إنه القرآن..الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..!

تبدأ القصة هكذا «واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين»..

«هذه القصة تقدم نموذجا لطبيعة الشر والعدوان، ونموذجا كذلك من العدوان الصارخ الذي لا مبرر له. كما تقدم نموذجا لطبيعة الخير والسماحة، ونموذجا كذلك من الطيبة والوداعة. وتقفهما وجها لوجه، كل منهما يتصرف وفق طبيعته.. وترسم الجريمة المنكرة التي يرتكبها الشر، والعدوان الصارخ الذي يثير الضمير، ويثير الشعور بالحاجة إلى شريعة نافذة بالقصاص العادل، تكف النموذج الشرير المعتدي عن الاعتداء، وتخوفه وتردعه بالتخويف عن الإقدام على الجريمة، فإذا ارتكبها - على الرغم من ذلك - وجد الجزاء العادل، المكافىء للفعلة المنكرة. كما تصون النموذج الطيب الخير وتحفظ حرمة دمه. فمثل هذه النفوس يجب أن تعيش. وأن تصان، وأن تأمن، في ظل شريعة عادلة رادعة».

هكذا تبدأ القصة:اتل، أمر بتلاوة وقراءة هذه القصة على الموجودين آنذاك، في قصة موسى وقومه، قال (وإذ قال)، وهنا يقول (اتل)...! هناك إذ الفجائية، وهنا التلاوة والقراءة، فكأن الأمر مهم جداً، وهي قصة جديدة لم تذكر من قبل، قصة البشرية الأولى... وكيف كان فيها من وقائع محزنة، ومؤلمة، من قبل القاتل والمقتول..!

(بالحق) فالقصص كله حق لا زيادة فيه ولا نقصان، والقصة ليست من نسج الخيال، بل هي واقعة، وسيصفها القرآن كما وقعت، ولو لم يذكرها هذا الكتاب، وهو الشاهد الوحيد على التاريخ الذي لم نشهده، ولم يشهده أولئك لما عرفتها البشرية!

عبدالرحمن الجميعان 10-10-2007 05:18 AM

رد: قصص القرآن
 
28
قربان ابني آدم

في آية المائدة، التي تتحدث عن ابني آدم، اللذين قربا قرباناً، و لا نعلم ما هو القربان، ولا نعلم سبب تقريب القربان، وكل ما قيل حول الحادثة محض أحاديث لا تنتهي سنداً إلى الصادق المصدوق ، و حادثة كهذه، لا يمكن الوثوق بالأقاويل، مهما كان قائلها، إلا من خلال وحي معصوم!

هذا، والقضية ليست مهمة، فما جدوى أن نعلم، القرابين، وسببها، إذا كانت العبرة ماثلة أمامنا دون ذكر للتفاصيل التي نريد.

فالقصة كاملة المضمون، والعبرة، دون إخلال، مع عدم وجود التفاصيل.

(..إذ قربا قرباناً..) قرب الاثنان قرباناً، ولم يذكر القرآن قربانيين، بل أفرد القربان، كأنه والله تعالى أعلم، يريد التركيز على أهمية القربان المُتقبل، وإهمال الآخر، لِم؟!

لا لشيء، إلا لأن الآخر، قرب القربان من دون نفس منه، أو أن قربانه لم يكن الأفضل لديه، فلم يتقبله الله تعالى، ولم يذكره، فالمرء، الذي يعمل أعمالاً تُرى في ظاهرها أنها صالحة، لكنها في الحقيقة لا ترفع عند الله ( والعمل الصالح يرفعه)..فقط.!

فالذي لا يبتغي وجه ربه في عمله، ولا يتخذ من أعماله، أفضلها لله، والذي لا يخرج أحسن ماله، ولا عن طيب نفس منه، فكل هذا قد لا يرفع إلى الله تعالى، بل تظل أعماله تحوم حوله، ولا ترتفع!

(فتُقبل).. «والفعل مبني للمجهول؛ ليشير بناؤه هكذا إلى أن أمر القبول أو عدمه موكول إلى قوة غيبية؛ وإلى كيفية غيبية.. وهذه الصياغة تفيدنا أمرين: الأول ألا نبحث نحن عن كيفية هذا التقبل ولا نخوض فيه كما خاضت كتب التفسير في روايات نرجح انها مأخوذة عن أساطير «العهد القديم».. والثاني الإيحاء بأن الذي قبل قربانه لا جريرة له توجب الحفيظة عليه وتبييت قتله، فالأمر لم يكن له يد فيه، وإنما تولته قوة غيبية بكيفية غيبية؛ تعلو على إدراك كليهما وعلى مشيئته.. فما كان هناك مبرر ليحنق الأخ على أخيه، وليجيش خاطر القتل في نفسه! فخاطر القتل هو أبعد ما يرد على النفس المستقيمة في هذا المجال.. مجال العبادة والتقرب، ومجال القدرة الغيبية الخفية التي لا دخل لإرادة أخيه في مجالها..»1..!

(ولم يتقبل من الآخر)..الآخر، ولم يذكر القرآن الاسم، لأن الاسم ليس مهماً، بل المهم هنا هو الفعل، هو الحدث، ولهذا في كثير من القصص لا يذكر الاسم صراحة، بل صفات، أو إيحاءات، لم يقبل الله تعالى قربان هذا الأخير، لشيء حاصل في قلبه، أو لأنه قدم شيئاً، لا يستحق أن يقدم لله، هناك أمر منع من القبول، لم يذكره القرآن، ليظل قلب المؤمن، خائفاً، وجلاً، يتحرى القبول.

وأن هناك أسباباً كثيرة تمنع المرء من قبول عمله عند الله، وهذا الأمر يجعل المؤمن، يبادر إلى التوبة، ويطلب من الله تعالى أن يقبل توبته، ويقبل صدقته، وعمله، لا أن يتجبر، ويتعالى، بل عليه الإنابة والخوف من الله تعالى.

وهذا الأمر كان ما ينقص هذا الابن، فلم يتفكر في عدم قبول قربانه، ولم يسأل الله المغفرة والتوبة، ولم يراجع نفسه، بل بادر إلى شيء تستقبحه النفوس، قال:لأقتلنك...!

و جاء الفعل مؤكداً، بلام التوكيد أو القسم، ثم بنون مشددة، مما يدل على أن هذه النفس فيها من الشر والخبث ما فيها، وليدلنا القرآن، على أن النفوس، قد تسارع في الشر، و تعين الشيطان، فليحذر المرء من نفسه، وليعالجها، ولا يتركها سائبة سائمة كالبهائم، بل لابد من تعاهدها بالذكر والقرآن ومجالسة الصالحين...

وهناك النفس الصالحة، والخابتة لربها تعالى، التي تخاف من عقاب ربها وعذابه، وتحسب لكل شيء حسابا.

قال: إنما يتقبل الله من المتقينً، فالقضية ليست عندي، بل هذا مختص به الله وحده دون سواه، يكلمه و يحادثه، يريد منه أن يتيقظ أن يتفكر بما يقول، ولكن النفس الخبيثة هي النفس الخبيثة تصر على الشر، وتريد بل وتلتذ باقتراف الشر!

1- في ظلال القرآن-سيد قطب-الآية 27 من المائدة

عبدالرحمن الجميعان 11-10-2007 04:22 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني29
جرى الحوار بعد القبول و الرفض للقربانيين، فتحركت النفس الشريرة، تريد الفتك بالنفس الطيبة، فقال لأقتلنك! هكذا، وبدون مقدمات، استخدام وتقديم أسلوب العنف مع الآخر، وهذا نهج انتهجته كثير من ا لنفوس الضعيفة، التي تظن في نفسها القوة، ولكنها قوة غاشمة، غير منضبطة بشرع، ولا بقانون، فهي تمارس البطش بمن تراه، لا تعبأ بضمير، ولا تحترم قرابة، ولا تحنو على أخوة!
نفس أمارة بسوء، صارت مسلكاً لكل من جاء بعدها، من نفوس، وقوات، وحكام، ومناهج، تمارس القتل، والعنف، والتعذيب، لمن يعارضها، أو يقف في طريقها، أو حتى يناقشها أو يطلب معها حواراً!
ولكن الأخ الآخر، لا يمد يده، ولا يقابل الإساءة بالإساءة، بل يعطي درساً رفيعاً، في السلوك الإنساني، وفي القدوة الإيمانية، وفي طهارة النفس الواعية المرتجية لثواب الله تعالى، ويبدو من كلامه، أنه يحمل نفساً شفافة، وروحاً وجلة مشفقة، وعقلاً راجحا، يضبط سلوكياته، من خلال التفكير والتعميق في السلوك قبل الإقدام!
{ ........ِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِ ينَ }
يتقبل الله من المتقين، هكذا بكل دقة، وفهم عميق للدين، والتدين، إن القضية هي قضية تقوى الله تعالى ومخافته، هي الفاصل بين من يدعي الإيمان، وبين من هو مؤمن، وإيمانه يدفعه للسلوك الصحيح، والخلق الرفيع، ولهذا، كان الإسلام أول ما يحرص عليه في سلوك المسلم، التدين بالتعامل الحسن(وإنك لعلى خلق عظيم)..و(إن الرجل ليدرك درجة الصائم القائم بحسن الخلق)..هذا هو سلوك التدين الصحيح، العفو، والصفح، والرقي في التعامل...لا السباب، والشتم، واللعن للناس، ولمن سبقنا، بل هو الرفعة في التعامل وهذا هو التدين الحق، سلوك راق مع الناس، حتى مع غير المسلمين.!
ثم قال المقتول(هابيل):
(لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِ ينَ )
ها هو يصرح وبكل ثقة و استعلاء، ولم يخف، ولم يخش، القتل، بل تسامى بخلقه، وآثر أن يقتل، على أن يدافع عن نفسه، ويقتل أخاه، أما العلة الكبرى، التي جعلت هابيل بهذا السلوك المتسامي، والرفيع، فهو سلوك(إني أخاف الله رب العالمين) ..فقط!
ثم قال القرآن:
{ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِ ينَ }
فزينت له النفس، التي يحملها أن يقتل أخاه، ولعله من المفارقات العجيبة أن يذكر القرآن نمطين من الأخوة، أخوة موسى(عليه السلام) مع أخيه هارون(عليه السلام)، وكيف أنه قال: اجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري..) وهي دعوة حصيفة تدل على حب، وخلق رفيع، وعقل راجح.
وهذا الأنموذج الآخر، لأخ يريد و يصر على قتل أخيه..وتتكرر الصورتان في الحياة...!
قتل الأخ بطريقة ما لا نعلمها، ولم يذكرها القرآن، ولكن النفس زينت، وسهلت درب الشر، فقام بقتل أخيه، وعضيده، ولكن بعد القتل، أصبح من الخاسرين....خسر نفسه، في الدنيا والآخرة، وخسر أخاه، وعضيده، وناصره....وخسر حب الناس، وثناءهم، وخسر نفسه، ولعل من أكثر الأشياء خسارة، أن يخسر الإنسان نفسه...خسرها في الآخرة، فهي في نار جهنم...خالدة تتعذب...!
ولكن يعلمنا الله تعالى –في رمزية الإنسان الأول- كيف كانوا يتعاملون مع الموتى، فلم يكونوا يعرفون الدفن، لأن هابيل أول ميت في الأرض-والله تعالى أعلم- فرحمة الله تدرك الإنسان وتعلمه، وهو علم في التاريخ لم نعلمه إلا من خلال هذا الكتاب العظيم، قال تعالى: { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِ ينَ }..
بعث: فالأمر مدبر، ومقدر، من العلي العظيم الرحيم، وليس صدفة، و لا هملاً، لأنه كون مخلوق وفق حكمة، و وفق سنة إلهية عظيمة.
بعث طيراً، مخلوق يعلم الإنسان ذي العقل شيئاً يحتاجه الإنسان، لينظر ابن آدم كيف أنه لا بد أن يتعلم من مخلوقات الله الشيء الكثير، و أن يدرك أن كل المخلوقات يشكلون وحدة في نظام مختلف، تدل على وحدة الخالق، وكيف أن مصادر المعرفة عند الإنسان متعددة، يأخذها من ظواهر الكون والحياة المتعددة.
قصة عظيمة، تعلم الإنسان الشيء الكثير، وتدله على تاريخ أجداده كيف كان، دون عناء ولا جهد...ولكن من يعتبر!؟

محمد 23-10-2007 01:39 AM

رد: قصص القرآن
 
جزاك الله خير

وكتبها في ميزان حسناتك


الساعة الآن 01:14 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
- arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...

.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..

a.d - i.s.s.w