مجالس الرويضة لكل العرب

مجالس الرويضة لكل العرب (http://www.rwwwr.com/vb/httb:www.rwwwr.com.php)
-   روحانيات (http://www.rwwwr.com/vb/f5.html)
-   -   قصص القرآن (http://www.rwwwr.com/vb/t8676.html)

عبدالرحمن الجميعان 02-10-2007 09:59 AM

رد: قصص القرآن
 
(20)
مع سورة هود!

وقفنا في حلقة سابقة عند الآية التي في سورة هود، «وهي تجري..» وتأملنا حروف الجر، تجري بهم، وتجري في موج...وحرف الجر الأول أفاد أنهم في السفينة، وهم في مأمن، لأنهم «بها» بداخلها، وحرف الجر «في أفاد»، أنها في عمق الموج، وفي عمق الماء، ولكنها أيضاً في مأمن، كل ذلك ليصور ضخامة الماء، ثم رحمة الله بالمؤمنين، وقدرته على إنقاذهم، وعلى التصرف في كل الكون.

تأمل الآيات: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

يرى نوح عليه السلام، هذا التغير الكوني، ويعلم ماذا سيحصل هناك، فيلمح ابنه، فتتحرك عاطفة الأبوة هنا، ويحن إلى ابنه، ويناديه، بكل حنان وحب، (يابني)...ويؤكد القرآن(وكان في معزل) عن السفينة، العزل المادي والمعنوي، فهو في معزل عن أبيه نوح عليه السلام، من الناحية الإيمانية، فهما في معتقدين مختلفين كل المخالفة، وهما أيضاً مختلفان في المكان، فنوح عليه السلام، في سفينة النجاة، وابنه هناك مع الكافرين.

يناديه بعاطفة الأبوة والقرابة، اركب، وهذه الكلمة تقرأ بين اركن، واركب، وكلا المعنيين صحيح، فيطلب منه أن يركب معهم، فينجو، ويركن مع المؤمنين، ولا تكن مع الكافرين، لا تكن معهم معتقداً وموقفاً، بل كن معنا، في السفينة، لتتحفك النجاة في الدنيا والآخرة، و هنا تبدو قسوة الابن، مع عاطفة الأب الحنون، فيقابل الإحسان والحب بالقسوة، والعنف، والسخرية، سآوي إلى...ظن الولد أن الأمر اعتيادي وطبيعي، مياه تثور، وأمطار ستتوقف، وما علم أن الأمر (أمرنا) أمر الله وقضاؤه، وهذا القضاء لا يمكن أن يقف أمامه أحد، والملاحظ تكرار كلمة (أمرنا) لتدل على عظم العذاب، وأن الله بيده تسيير الكون وتسخيره، وأن القضية ليست غضب طبيعة ولا شيئاً من هذا، بل هو غضب الله تعالى، وتدبيره. ثم قال تعالى( وحال بينهما الموج فكان..)..وهذا- والله تعالى أعلم- من رحمة الله تعالى لقلب نوح، الا يرى ابنه يغرق أمامه، فكانت الأمواج تحول بين نوح وبين رؤية الغرق لابنه.

قضي الأمر، نفذ أمر الله تعالى، وتم كل شيء، وغرق الكافرون، فقال تعالى ( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وقيل بصيغة المبني للمجهول، نداء للأرض، ابلعي، انظر إلى التشبيه، والمعنى والألفاظ، قيل، لم يذكر من القائل، للدلالة على العظمة والقوة، والإبهام، يا أرض، نداء إلى غير العاقل، ليعقل الأمر ثم تتوجه بالاستجابة، أي إعجاز هذا؟ و أي بيان هذا؟

(ابلعي): والبلع ليس فيه مضغ، ولا بطء، بل السرعة في الالتهام، ما يدل على أن الماء بُلع في باطن الأرض بسرعة، وسماه ماءك، منسوب إليك، الماء الذي أخرجته، ماؤك..

ثم جاء النداء الثاني: ويا سماء أقلعي...دون ذكر ماذا تقلع!

اقلعي عن الماء، وغيض الماء، أي تناقص وغار، وقضي الأمر: قضي وانتهى بكلمات قليلات وطوي المشهد العام للغرق، بكلمات قليلة جداً، ايضاً دُمِّر الكافرون، وأغرقوا، ونجّا الله تعالى المؤمنين، ثم استوت السفينة ورست على جبل الجودي...!

ثم قيل، كأن الكون وكل مخلوق كان ينطق بهذا القيل بعداً ولعنة للقوم الظالمين، وهكذا تطوى هذه الصفحة الكبيرة في بضع كلمات، ولكن القصة لم تنته بعد، فالحوار بين الله تعالى ونوح(عليه السلام)، سنذكره في مقالة قادمة بإذنه تعالى

عبدالرحمن الجميعان 03-10-2007 03:52 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني(21)
مع عاد ونبيهم هود(عليه السلام)
قصتا عاد وثمود لم تذكرا، في الكتب السابقة، ولكنها فقط ذكرت في القرآن الكريم، فعاد قبيلة أعطاها الله تعالى ما لم يعط أحداً من العالمين، من قوة، وقدرة على نحت الجبال بيوتاً، وبسطة في الجسم، و كانوا يسكنون في منطقة يقال لها الأحقاب، جاء في موسوعة الإعجاز في القرآن والسنة،
(أهم النقاط التي تطرق القرآن لذكرها في قصة هود :
1. أن قوم هود كانوا يسكنون في الأحقاف، و الأحقاف هي الأرض الرملية، ولقد حددها المؤرخون بين اليمن وعمان .
2. أنه كان لقوم عاد بساتين وأنعام وينابيع قال تعالى :(وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ {132} أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ {133}وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ )
3. أن قوم عاد بنوا مدينة عظيمة تسمى إرم ذات قصور شاهقة لها أعمدة ضخمة لا نظير لها في تلك البلاد لذلك قال تعالى ( ألم ترى كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد).
4. إنهم كانوا يبنون القصور المترفة والصروح الشاهقة (أتبنون بكل ريع ٍ آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون)).
وقد ذكرت القصة في عدة سور من القرآن، مثل الأعراف،و هود، والشعراء، و الأحقاف وغيرها......... ...!
وجاءت القصة في الأعراف كما يلي :
(وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ *
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ * أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *
قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَن ِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ *)
رست السفينة، واستوت على الجودي، وطرد الظالمون الكافرون من رحمة الله في الدنيا والآخرة، ونزل نوح عليه السلام، ومن معه من المؤمنين، ما خلا زوجه، وابنه، ثم استمرت دورة الحياة، وانتشر الناس على وجه البسيطة، وتفرقوا يمضون في مناكب الأرض طلباُ للرزق، وسكن عاد في الأحقاف، وكان رجلاً صالحاً كما يقال، ثم توارثت الذرية، وجاءهم الشيطان يجتالهم عن عبادة الله وحده، إلى عبادة الأصنام، وطاعة السادة والكبراء، وتعطل العقل، وتراجع التفكير، وانحطت الروح في مستنقعات الرذيلة والهوى.!
ولكن رحمة الله الحق،العدل، تأتي لنقذ البشرية، وتتجلى في رسول بشري، يأتي يدعو إلى منهج متكامل للحياة، وحياة للمجتمع، ويكون من أوسطهم نسباً وفضلاً وعقلاً.
فأرسل الله هوداً عليم السلام، لقوم عاد لينقذهم من ضلالهم، وكفرهم، وسطوتهم وجبروتهم، وتحكم السادة والكبراء في أقواتهم، و مسير حياتهم، (وإلى عاد...) معطوف على إرسال نوح، كما أرسلنا إلى قوم نوح، أرسلنا أيضاً إلى قوم عاد، تلك القبيلة العاتية الجبارة، واحداً منهم، يتلكم بلسانهم، ويحيا بينهم، ليدعوهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة غيره، كائناً ما كان هذا الغير.
فسنن إرسال الرسل لا تتبدل ولا تتغير، يضل الناس، ويطغون، وينحرفون عن المنهج، فيرسل لهم الله تعالى رسولاً، ليردهم إلى المنهج القويم، فيتصدى لهذا الدين الجديد، القديم، الملأ، الكبراء، هم من يقف أمام الدعوة للخوف على مصالحهم.
العرض مستمر..!!

عبدالرحمن الجميعان 04-10-2007 10:07 AM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني22
جاءت سورة الأعراف، تريد تأكيد قضية التبليغ، ومواجهة الملأ مواجهة لا هوادة فيها، والثبات على الحق، (كتاب انزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه..)، فالغاية من الدعوة عند محمد(صلى الله عليه وسلم)، هي ذاتها عند نوح، وهود، وصالح، وجميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، و هي تعبيد الناس و إرجاع الناس إلى فطرتهم التي فطر الناس عليها، ودفعهم نحو تطبيق المنهج والتشريع المنزل من الله تعالى على يد النبي والرسول.
ولنسترجع شيئاً من القرآن الذي ذكر بعض القضايا المهمة جداً في الدعوة،
( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)
يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27)
وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (28)
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)
فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ).. ..!
لباس التقوى، وستر العورات المادية والمعنوية، فردياً ومجتمعياً، حركة الشياطين، وقدرتهم على إغواء بني آدم، ضرورة تيقظ أبناء آدم لتلك المعركة التي خاضاها آدم و زوجه، ضد إبليس، الذي كان يريد إخراجهما من رحمة الله، و من الجنة، وهي معركة ستمتد بين بني آدم، وبين بني إبليس، ولكن الله تعالى كان يريد رحمة بني آدم، فلهذا أرسل لهم المرسلين.
تأكيد القرآن لفساد تراث الآباء والأجداد، وأنه لا ينبغي للمجتمع، أن يرتد إلى تلك التقاليد البالية، ثم عدم إلقاء تبعة إضلال بني آدم، مع تراث آبائهم، على الخالق سبحانه، بل هذا من فعل الشيطان وأوامره التي يوسوس بها لبني آدم، من خلال جنوده.
تحول المجتمع الإنساني منذ ذلك العهد الآدمي إلى فريقين، فريق ضلالة، وفريق هدى الله، وهذه قضية استمرت ولا تزال بين المجتمعات، فمجتمع كافر بالله وبرسوله، وآخر مؤمن، ولا يلتقيان أدباً، مهما حاول المموهون، والمميعون أن يجعلوا القضية رهن الواقع، وأن يرفعوا قضية الولاء والبراء، فهذا هو الدين منذ كان آدم، وإلى أن تقوم الساعة.
برزت قضية أخرى في هذا المجتمع القوي، العنيف، الذي جاب الصخور، وصنع منها قصوراً، و عاش بين الجبال، فكأن قلوبهم، اكتسبت شيئاً من قسوة الصخر وشدة الجبال.
نلاحظ التشابه الكبير بين أقوال الأنبياء لأقوامهم، مما يدل على وحدة الدين، و أن الخالق والمرسل واحد لا شريك له.
ثم تشابهت أقوال الملأ، للدلالة على تشابه العقول ونمطية التفكير لدى هذا الملأ، , و أنهم تحركهم مصالحهم و لا يحركهم الدين.
في هذه السورة لم تُذكر تفاصيل كثيرة، كما في سورة هود مثلاً، ولكنها هنا ذكرت لتأكيد قضية أخرى، هي قضية التبليغ والدعوة، ومواجهة المشركين، دون خوف ولا وجل.
الحوار والجدل:
بدأت القصة بهذه الآية،(و إلى عاد أخاهم هوداً،...أفلا تتقون!؟)
(أخاهم) من بني جلدتهم، ومن القبيلة نفسها، فهو قد عاش بينهم، وخبرهم، وتعرف إليهم، وهم عرفوه، فلا غرابة بينه وبينهم.
وعند الإرسال، قال هود لهم: اعبدوا الله، سمى الإله الحق، بأنه الله تعالى، فهو المستحق للعبادة، و هو المستحق لأن يتوجه له الناس بالدعاء، والنذور، والعمل ، ولا يضعون معه شخصاً أو مخلوقاً يتقربون به إلى الله، ما لكم: ليس لكم إله غيره، لماذا؟
لأنه الخالق، و من يخلق، يعرف ما يصلح شأن المخلوقين، لهذا فهو يضع لهم منهجاً، وطريقاً، (ألا يعلم من خلق..)؟!!
فهنا يوجه هود(عليه السلام) في دعوته، هؤلاء المشركين، نحو العقل، ونحو التفكير المنطقي السليم، ويخبرهم، ويريد أن ينفض عنهم التراب، والظلام الذي ران على قلوبهم، فلا إله غيره خلقكم، ورزقكم، وأنعم عليكم..
ثم يستنكر منهم هذا الموقف، وكيف أنهم لا يخافون الله، ولا يتقونه، و هم في هذا التفريط بعبادتهم، و ضعف علاقتهم بالخالق المستحق للعبادة..!

عبدالرحمن الجميعان 06-10-2007 11:20 PM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني 23

اختصرت قصة آدم عليه السلام، وصراعه مع الشيطان قصة الإنسانية، أو قصة الوجود كله في بضع كلمات، و استمر المسلسل الذي يجسد حقيقة الصراع، ويضعها على محك الواقع المعيش، فيأتي القرآن ليؤكد تلك الحقيقة الناطقة في أرجاء الكون(الشيطان لكم عدو، فاتخذوه عدوا ..إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير..)..
فيأتي قصص الغابرين الهالكين مع أنبيائهم، تأكيداً لفعل الشيطان وعمله، وقدرته على إضلالهم وغوايتهم، وحرفهم عن جادة الحق والصواب.
و لا نزال مع هود(عليه السلام)، وهو يواجه قومه بالأدلة والبراهين الدالة على ألوهية الله تعالى وأنه المتفرد بالعبادة، والتشريع للخلق.
وقف الملأ الغلاظ الجفاة أما هود، ودعوته يصدون الناس عنها،(قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ). ..
عند نوح(عليه السلام)، قال الملأ:إنا لنراك في ضلال مبين)، وهنا(سفاهة)، وهذا مما يجعل المرء يتوقف عند ألفاظ القرآن ودقتها، وصدقها في التعبير عن الحال التي فيه القصة..!
فلكل لفظ مدلول يختص به، قد يشترك مع لفظ آخر في بعض معانيه، ولكنه لاشك أنه يحمل معنى آخر، قد يزيد و قد ينقص، فألفاظ اللغة لا يمكن أن تتساوى معنى.
قال في اللسان(ضلَّ الرجلُ يضلُّ ويضَلُّ ضَلالاً وضَلالةً من باب ضربَ وعَلِمَ ضد اهتدى. أي جار عن دينٍ أو حقٍّ أو طريقٍ.
وقيل الضلال موضوع في الأصل للعدول عن الطريق المستقيم عمدًا أو سهوًا قليلاً أو كثيرًا وباقي المعاني متفرّعٌ منهُ.
وضلَّ فلانٌ الطريقَ وعن الطريق يضَلُّ لم يهتدِ إليهِ. وكذا الدار والمنزل وكل شيء مقيم لا يُهتدى لهُ.)..
و السفه هو الطيش وخفة العقل.
و ما من شك أن في اللفظين معنى مختلف عن بعضها البعض، ولكن لم قال الملأ ذلك لنوح ولهود سفاهة؟
كما يبدو لي-وهذا محض اجتهاد- أن قوم نوح(عليه السلام)، لم يكن قبلهم رسول، فظنوا أن طريقهم هو الصواب، فلما جاء نوح بشيء جديد لهم، وغريب عليهم، أرادوا أن يثبتوا أنه ليس قبله من جاء بمثل ما جاء به، لهذا فهو قد انحرف عن الصراط السوي، وعن الطريق الطويل الذي مضى عليه الآباء والأجداد.
أما قوم هود(عليه السلام)، فقد علموا بقصة قوم نوح، فقد سبقهم عالم و قبيلة أخرى في هذا الدرب، ولم يدركوا ما جاء به نوح، وانه مع هود من مشكاة واحدة، فهنا سفهوا رأي هود (عليه السلام)، كأنهم يقول أنت خفيف عقل وضعيف تفكير، أن تقول لنا ذلك، وأنت تعلم من نحن! ومن سبقنا في الطريق.فنحن لسنا أول عابد لهذه الأصنام، بل سبقونا أولئك، فكيف تفكر أنت؟ وكيف تريدنا نحن أن نفكر؟ فهذا هو السفه بعينه!فمن السفه ترك تراث الآباء والأجداد..والله تعالى أعلم.
و لهذا قالوا عن نوح ضلال مبين، واضح الضلالة والانحراف عن الجادة، وهنا قالوا نظنك من الكاذبين، لم يتيقنوا، من أمرهم، لاتهامه بالسفه، فقد تكون سفيها، وقد تكون كذاباً، أو هنا الظن بمعنى اليقين.
وهنا يقف هود(عليه السلام) يرد عليهم ويدافع عن نفسه، وعن رسالته، ولا يسكت عنهم، بل يقارع سفههم، وافتراءهم، وضلالهم بمنطق العقل، (ليس بي سفاهة)..فأنا لست كما تدعون، ليس بي سفاهة، أي سفاهة كبرت أو صغرت، تعددت أو قلت، لا أحمل أي نوع من السفه البتة.
ثم يعقب على من هو! (رسول من رب العالمين)..رسول يحمل رسالة من مرسل، فعليكم الاستماع له.
ثم هو من رب العالمين، والرب هو الخالق والمربي والمتصرف، فأنا مبعوث رب العالمين، ثم يلفت انتباههم إلى العالمين، و العالمون: هو كل الملكوت، وكل الخلق، فالرب الذي تخضع له كل مخلوقات الكون بما فيها أنتم، هو الذي أرسلني، وهي لفتة لتحريك العقول في السماوات والأرض...!
منطق نبوي في الحجاج العقلي، قل نظيره في التعامل الحواري...الحوا ر بالعقل الذي يحتاجه الدعاة في طريقهم الطويل، فعليهم أن يتعلموا و يستفيدوا من القرآن في طريق الدعوة الطويل.

عبدالرحمن الجميعان 06-10-2007 11:26 PM

رد: قصص القرآن
 
القصص القرآني 24
ظواهر خطيرة!
برزت على السطح الآن قضية أخرى، لم نرها في قوم نوح(عليه السلام)، وهي قضية اجتماعية خطيرة، كان يفعلها قوم عاد، تلك هي قضية الاعتداء على الناس و المسافرين، واستخدام القوة الجسدية والعضلية في سبيل إظهار القوة على الجميع، و ممارسة الظلم الواضح، وتلك مسألة خطيرة جداً، متى ما تفشت في المجتمع، فقد حفر قبره بيديه.
( * أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين * أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون )
وقال في سورة الشعراء:
(* أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله وأطيعون )
فقد تميز قوم عاد بزيادة جسمانية، ثم استخدموا هذه البسطة في الجسم بإيذاء الناس.
ثم يخبرهم هود (عليه السلام)، بأنهم يبنون بكل مرتفع من الأرض قصوراً، وبروجاً، ثم يبطشون بقوة في المسافرين، والمارين بهم...
قضية اجتماعية مروعة تطفو على السطح، فلا يدعها النبي، الرسول(عليه السلام) تفوت، دون أن يذكرها، ويعالجها، وهي قضية دعوية مهمة، فعلى الدعاة(الحركة الإسلامية)، أن ينتبهوا إلى أهم قضية في المجتمع، بعد العقيدة، ويضعوا لها البرامج والمشاريع، ويحاولوا علاجها من خلال برنامجهم المعد.
هذه القضايا الاجتماعية الخطيرة برزت بصورة واضحة وجلية، بعد قوم نوح(عليه السلام)، وهذه الظواهر الاجتماعية التي برزت، ظواهر خطيرة جداً، تنخر في عظم المجتمعات فتدمرها، فعند قوم شعيب (عليه السلام )مثلاً، برزت قضية التطفيف، والخداع في الاقتصاد و المال، وعند قوم لوط(سديم) أيضاً هناك ظاهرة اجتماعية خطيرة جداً، لم يسبقوا لها، وهي إتيان الذكران بدلاً من النساء، ثم إتيان هذا المنكر عياناً أمام الناس، (وتأتون في ناديكم المنكر..)، وهكذا تتعدد الظواهر الاجتماعية المدمرة، فيتصدى لها كل رسول، بحسب الظاهرة، و يجعل لها علاجاً ناجعاً، ولا يتركها كما يفعل البعض عند ظهور هذه الأمراض في المجتمعات.
فقوم عاد، كانت هذه الأمراض بينهم، صناعة ما يسكنون، ولا حاجة لهم به، ثم العبث، وذلك العبث دليل خواء الشعوب، ودليل قلة وعي تفكير، العبث بالمال، وإهداره على كل صنوف ملذات الدنيا، ثم العبث بمقدرات الشعوب، ثم العبث بالسياسات، عبث يطال كل مظاهر الحياة، و كل صنوف المعيشة، ويأتي على كل تفكير جاد.
يظن البعض أن القرآن ذكر هذه الأقوام وانتهت المسألة، وما يعلم بأن القضية قد ذكرت، لتبقى في الأذهان، وليعلم الخلف ماذا فعل السلف، فيتجنبوه،لا أن تتكرر الأشياء، وتتشابه النظائر، وكأن لم يكن شيء!..........ب ل لا بد من أخذ الدروس والعبر، مهما بعد العهد بيننا وبين هؤلاء!
ثم دمر الله تعالى هذه الأقوام تدميراً شديدا، واستمع إلى قول الله تعالى في سورة هود:
(* ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ * وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد * وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود )...
وتلك عاد التي أبعدها الله تعالى، و تلك تستخدم للبعيد، جحدت وكفرت، ورفضت، الآيات التي أنزلناها، لها، وعصوا رسله، و هم لم يرسل إليهم إلا رسول واحد فقط، ولكن لأن الرسل دعوتهم واحدة، فمن يكذب برسول فقد كذب الدعوة كلها، وقد كذب بالمرسلين أجمعين.
(واتبعوا..) وهذه هي القضية الأساس التي يريد أن يعالجها القرآن، هي طاعة الكبراء والسلاطين والحكام، فيما لا يرضي الله تعالى، يأمر هؤلاء فيجدون الشعوب تخضع لهم، وتصدر عن أمرهم، دون وعي، بل خوف، أو بالقوة، أو بالمصالح، ويرفضون شرع الله، ودعوة الله تعالى.
وكأن التاريخ يعيد نفسه، وتتكرر المأساة نفسها، ويظل الجبار العنيد سمة ظاهرة وعلامة بارزة على كل مجتمع لا يؤمن بالله، ولا يطبق شريعته.
(واتبعوا في هذه..) أي طردهم الله من رحمته في الدنيا، وجعل خلفهم لعنته وغضبه، فكل ذاكر لهم، لا يذكر إلا بالسوء، واللعن، و يوم القيامة، يقول الأشهاد على رؤوس جميع الخلائق، يفضحهم القائلون أمام العالمين وفي مشهد الحساب، (ألا إن ..) كفروا ربهم، دون ذكر حرف الجر، ليدل على مدى الجحود والنكران، والعبث العقدي الذي مارسه هؤلاء...
تلك كانت بعض وقفات من القصص المكي، سنحاول في حلقة قادمة أن نضع بعض الخطوط حول القصص المدني، لنرى كيف يكون المنهج القرآني في القصص!

.


الساعة الآن 02:24 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
- arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...

.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..

a.d - i.s.s.w