![]() |
| |
| ||||||||
|
بسم الله الرحمن الرحيم اغتنام الأوقات الخطبة الأولى عباد الله إن حياة الإنسان أنفاس تتردد ، فاغتنموا هذه الأنفاس فيما يعود عليكم بالنفع في دنياكم وآخرتكم، فإن من أكبر علامات المقت إضاعة الوقت ، صح عن رسول الله أنه قال : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ مَا فَعَلَ بِهِ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاهُ ) هذا العمر الذي تعيشه أيها العبد هو مزرعتك التي تجني ثمارها في الدار الآخرة، فإن زرعته بخير وعمل صالح جنيت السعادة والفلاح وكنت مع الذين ينادى عليهم في الدار الباقية : ( كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَ ةِ ). وإن ضيعته بالغفلات وزرعته بالمعاصي والمخالفات ندمت يوم لا تنفعك الندامة وتمنيت الرجوع إلى الدنيا يوم القيامة فيقال لك: ( أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ) عباد الله للوقت خصائص إذا ما تنبه إليها العبد كان حريصاً على وقته : وأول تلك الخصائص أنه سريع الانقضاء فهو يمر مر السحاب ومهما طال عمر الإنسان فهو قصير مادام الموت نهايته ، فعند الموت تنكمش الأعوام والعقود حتى لكأنها لحظات برق مرت ، يحكى عن نبي الله نوح عليه السلام : أنه جاءه ملك الموت ليتوفاه بعد أكثر من ألف سنة عاشها قبل الطوفان وبعده ، فسأله كيف وجدت الدنيا ؟ فقال : كدار لها بابان ، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر ، ويقول العليم الخبير : { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها } ، ويقول سبحانه : { ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم } . وثانيها : أن ما مضى منه لايعود ولا يعوض ، يقول في ذلك الحسن البصري : (( ما من يوم ينشق فجره ، إلا ينادي يابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة )) ، وما من ميت يموت إلا ويندم على ما مضى من عمره فالصالح حينما يرى النعيم يندم الا يكون قد إزداد منه ، والفاسق عياذاً بالله يتمنى لوكان عمل صالحاً حتى أنه ينادي ربه فيقول : { ربي ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت } ولكن هيها هيهات ، فقد طويت صحيفته وحضرت منيته ، وحكمت قضيته . ومن خصائص الوقت : أنه أنفس ما يملك الإنسان ، إنه أنفس من الذهب والجوهر ، يقول أحد المصلحين : الوقت هو الحياة ؛ فما حياة الإنسان إلا الوقت الذي يقضيه من ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة . دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثواني وفي هذا يقول الحسن البصري رحمه الله : (( يابن آدم ، إنما أنت أيام مجموعة كلما ذهب يوم ذهب بعضك )) فمن أمضى يوماً من أيام عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو علم اكتسبه، أو فعل محمود صنعه فقد عق يومه وظلم نفسه. هذا ابن مسعود يقول: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت فيه شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي) ويقول الحسن البصري : (( أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم )) ونُقل عن أحد التابعين الزهاد: أن رجلا قال له كلمني، فقال له: أمسك الشمس. يعني أوقف لي الشمس واحبسها عن المسير حتى أكلمك، فإن الزمن متحرك دائب المضي. وهذا الإمام أبو يوسف القاضي يُباحث وهو على فراش الموت بعض عُوَّاده في مسألة فقهية، رجاء النفع بها لمستفيد أو متعلم، يقول الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله: "السَّنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنما يكون الجذاذ يوم المعاد، فعند الجذاذ يَتبين حلو الثمار من مرها" . عباد الله الشباب عماد الأمة، قلوبها النابضة، شرايينها المتدفقة، عقودها المتلألئه، هم جيل اليوم، ورجال المستقبل، وبناة الحضارة، وصناع الأمجاد، وثمرات الفؤاد، وفلذات الأكباد، بالأمس كانوا في بداية العام الدراسي وفي لمحة بصر أو طرفة عين وصلوا إلى نهاية المطاف وها نحن على أبواب الإجازة الصيفية هذه الفترة الحرجة التي يمر بها الشباب من الجنسين، والتي تعتبر مفرق طرق، ونقطة تحول في انحراف الكثير من الشباب، فهم يتمتعون بقوة في أبدانهم، وصحة في أجسادهم، ونضوج في غرائزهم، تجتمع هذه كلها مع فراغ قاتل، وفكر هائم، فلا بد من تربية الأبناء تربية صحيحة شاملة، و لابد من شغل أوقاتهم بطريقة متوازنة، فهذه الأشهر التي يمرون بها في فراغ من المشاغل الدراسية النظامية، لا بد أن يستثمرها أولياء أمورهم ببرامج حافلة، تكسبهم المهارات، وتنمِّي فيهم القدرات، تقوِّي إيمانهم، وتصقل فكرهم، وتثري ثقافتهم، فأين الآباء والمربون من إعداد البرامج المفيدة، وهي كثيرة بحمد الله، كحفظ كتاب الله عز وجل، واستظهار شيء من سنة رسوله ، وتعلم العلم النافع، وكثرة القراءة في كتب أعلام الإسلام قديمًا وحديثًا، والاطلاع على السير والتآريخ والآداب ونحوها، والذهاب بهم إلى بيت الله الحرام في عمرة، أو إلى مسجد رسول الله في زيارة ، حتى لا يقعوا فريسة في دهاليز الإنترنت، ، وضحايا في سراديب القنوات الفضائية ، وأرصفة البطالة واللهو والمغريات. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى : " أوصي الشباب خاصة والمسلمين عامة بتقوى الله عز وجل أينما كانوا واستغلال الإجازة فيما يرضي الله عنهم ويعينهم على أسباب السعادة والنجاة ، ومن ذلك شغل الإجازة بمراجعة الدروس الماضية والمذاكرة فيها مع الزملاء لتثبيتها والاستفادة منها في العقيدة والأخلاق والعمل ، كما أوصي جميع الشباب بشغل هذه الإجازة بالاستكثار من قراءة القرآن الكريم بالتدبر والتعقل وحفظ ما تيسر منه والعمل به أينما كانوا ؛ لأن هذا الكتاب العظيم هو أصل السعادة لجميع المسلمين ، أنزله الله سبحانه تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ، وجعله سبحانه هاديا للتي هي أقوم ورغب عباده في تلاوته وتدبر معانيه كما قال سبحانه :{ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَ} وقال تعالى :{ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ }وقال عز وجل :{ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} . |
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
![]() | ![]() |