مجالس الرويضة لكل العرب

مجالس الرويضة لكل العرب (http://www.rwwwr.com/vb/httb:www.rwwwr.com.php)
-   روحانيات (http://www.rwwwr.com/vb/f5.html)
-   -   آية وتفسيرها .. (http://www.rwwwr.com/vb/t52976.html)

عطـ فواح ــر 09-06-2012 01:36 AM

رد: آية وتفسيرها ..
 
وخندق رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المدينة، فحصروا المدينة، واشتد الأمر، وبلغت القلوب الحناجر، حتى بلغ الظن من كثير من الناس كل مبلغ، لما رأوا من الأسباب المستحكمة، والشدائد الشديدة، فلم يزل الحصار على المدينة، مدة طويلة، والأمر كما وصف اللّه‏:‏ ‏{‏وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ‏}‏ أي‏:‏ الظنون السيئة، أن اللّه لا ينصر دينه، ولا يتم كلمته‏.‏
{‏هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ‏ }‏ بهذه الفتنة العظيمة ‏{‏وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا‏}‏ بالخوف والقلق، والجوع، ليتبين إيمانهم، ويزيد إيقانهم، فظهر ـ وللّه الحمد ـ من إيمانهم، وشدة يقينهم، ما فاقوا فيه الأولين والآخرين‏.‏
وعندما اشتد الكرب، وتفاقمت الشدائد، صار إيمانهم عين اليقين، {‏وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا‏}
وهنالك تبين نفاق المنافقين، وظهر ما كانوا يضمرون قال تعالى‏:‏


‏[‏12‏]‏ ‏{‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا‏}
وهذه عادة المنافق عند الشدة والمحنة، لا يثبت إيمانه، وينظر بعقله القاصر، إلى الحالة القاصرة ويصدق ظنه‏.‏
{‏وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ‏}‏ من المنافقين، بعد ما جزعوا وقلَّ صبرهم، وصاروا أيضًا من المخذولين، فلا صبروا بأنفسهم، ولا تركوا الناس من شرهم، فقالت هذه الطائفة‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ يَثْرِبَ‏} يريدون ‏{‏يا أهل المدينة‏}‏ فنادوهم باسم الوطن المنبئ ‏[‏عن التسمية‏}‏ فيه إشارة إلى أن الدين والأخوة الإيمانية، ليس له في قلوبهم قدر، وأن الذي حملهم على ذلك، مجرد الخور الطبيعي‏.‏


{‏يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ في موضعكم الذي خرجتم إليه خارج المدينة، وكانوا عسكروا دون الخندق، وخارج المدينة، ‏{‏فَارْجِعُوا‏ }‏ إلى المدينة، فهذه الطائفة تخذل عن الجهاد، وتبين أنهم لا قوة لهم بقتال عدوهم، ويأمرونهم بترك القتال، فهذه الطائفة، شر الطوائف وأضرها، وطائفة أخرى دونهم، أصابهم الجبن والجزع، وأحبوا أن ينخزلوا عن الصفوف، فجعلوا يعتذرون بالأعذار الباطلة، وهم الذين قال اللّه فيهم‏:‏ {‏وَيَسْتَأْذِن ُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ‏}‏ أي‏:‏ عليها الخطر، ونخاف عليها أن يهجم عليها الأعداء، ونحن غُيَّبٌ عنها، فَأْذَنْ لنا نرجع إليها، فنحرسها، وهم كذبة في ذلك‏.‏

{‏وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ‏}‏ أي‏:‏ ما قصدهم ‏{‏إِلَّا فِرَارًا‏}‏ ولكن جعلوا هذا الكلام، وسيلة وعذرًا‏.‏ ‏[‏لهم‏}‏ فهؤلاء قل إيمانهم، وليس له ثبوت عند اشتداد المحن‏.‏
{‏وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ‏}‏ المدينة ‏{‏مِنْ أَقْطَارِهَا‏}‏ أي‏:‏ لو دخل الكفار إليها من نواحيها، واستولوا عليها ـلا كان ذلكـ ‏{‏ثُمَّ‏}‏ سئل هؤلاء ‏{‏الْفِتْنَة‏} ‏ أي‏:‏ الانقلاب عن دينهم، والرجوع إلى دين المستولين المتغلبين ‏{‏لَآتَوْهَا‏} ‏ أي‏:‏ لأعطوها مبادرين‏.‏

{‏وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا‏} أي‏:‏ ليس لهم منعة ولا تَصلُّبٌ على الدين، بل بمجرد ما تكون الدولة للأعداء، يعطونهم ما طلبوا، ويوافقونهم على كفرهم، هذه حالهم‏.‏
والحال أنهم قد ‏{‏عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا‏} سيسألهم عن ذلك العهد، فيجدهم قد نقضوه، فما ظنهم إذًا، بربهم‏؟‏
‏[‏16‏]‏ ‏{‏قُلْ‏}‏

‏{‏قُلْ‏}‏ لهم، لائمًا على فرارهم، ومخبرًا أنهم لا يفيدهم ذلك شيئًا {‏لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ‏}‏ فلو كنتم في بيوتكم، لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعكم‏.‏
والأسباب تنفع، إذا لم يعارضها القضاء والقدر، فإذا جاء القضاء والقدر، تلاشى كل سبب، وبطلت كل وسيلة، ظنها الإنسان تنجيه‏.‏

‏{‏وَإِذَا‏}‏ حين فررتم لتسلموا من الموت والقتل، ولتنعموا في الدنيا فإنكم ‏{‏لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ متاعًا، لا يسوى فراركم، وترككم أمر اللّه، وتفويتكم على أنفسكم، التمتع الأبدي، في النعيم السرمدي‏.‏
ثم بين أن الأسباب كلها لا تغني عن العبد شيئًا إذا أراده اللّه بسوء، فقال‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ‏}‏ أي‏:‏ يمنعكم {‏من اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا‏} أي‏:‏ شرًا، {‏أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً‏}‏ فإنه هو المعطي المانع، الضار النافع، الذي لا يأتي بالخير إلا هو، ولا يدفع السوء إلا هو‏.‏
{‏وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا‏}‏ يتولاهم، فيجلب لهم النفع ‏{‏وَلَا نَصِيرًا‏}‏ أي ينصرهم، فيدفع عنهم المضار‏.‏

فَلْيَمْتَثِلُو ا طاعة المنفرد بالأمور كلها، الذي نفذت مشيئته، ومضى قدره، ولم ينفع مع ترك ولايته ونصرته، وَلِيٌّ ولا ناصر‏.‏
ثم توَّعد تعالى المخذلين المعوقين، وتهددهم فقال‏:‏{‏قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ‏} عن الخروج، لمن ‏[‏لم‏}‏ يخرجوا ‏{‏وَالْقَائِلِ ينَ لِإِخْوَانِهِمْ ‏}‏ الذين خرجوا‏:‏ ‏{‏هَلُمَّ إِلَيْنَا‏}‏ أي‏:‏ ارجعوا، كما تقدم من قولهم‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا‏}

وهم مع تعويقهم وتخذيلهم ‏{‏وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ‏} أي‏:‏ القتال والجهاد بأنفسهم ‏{‏إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ فهم أشد الناس حرصًا على التخلف، لعدم الداعي لذلك، من الإيمان والصبر، ووجود المقتضى للجبن، من النفاق، وعدم الإيمان‏.

‏{‏أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ‏}‏ بأبدانهم عند القتال، وبأموالهم عند النفقة فيه، فلا يجاهدون بأموالهم وأنفسهم‏.‏ ‏{‏فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ‏}‏ نظر المغشى عليه ‏{‏مِنَ الْمَوْتِ‏}‏ من شدة الجبن، الذي خلع قلوبهم، والقلق الذي أذهلهم، وخوفًا من إجبارهم على ما يكرهون، من القتال‏.‏

عطـ فواح ــر 09-06-2012 01:37 AM

رد: آية وتفسيرها ..
 
‏فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ‏}‏ وصاروا في حال الأمن والطمأنينة، ‏{‏سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَة‏}‏ أي‏:‏ خاطبوكم، وتكلموا معكم، بكلام حديد، ودعاوى غير صحيحة‏.‏

وحين تسمعهم، تظنهم أهل الشجاعة والإقدام، ‏
{‏أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ‏}‏ الذي يراد منهم، وهذا شر ما في الإنسان، أن يكون شحيحًا بما أمر به، شحيحًا بماله أن ينفقه في وجهه، شحيحًا في بدنه أن يجاهد أعداء اللّه، أو يدعو إلى سبيل اللّه، شحيحًا بجاهه، شحيحًا بعلمه، ونصيحته ورأيه‏.‏
‏{‏أُولَئِكَ‏}‏ الذين بتلك الحالة ‏{‏لَمْ يُؤْمِنُوا‏}‏ بسبب عدم إيمانهم، أحبط الله أعمالهم، ‏{‏وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا‏}

وأما المؤمنون، فقد وقاهم اللّه، شح أنفسهم، ووفقهم لبذل ما أمروا به، من بذل لأبدانهم في القتال في سبيله، وإعلاء كلمته، وأموالهم، للنفقة في طرق الخير، وجاههم وعلمهم‏.‏
{‏يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا‏}‏ أي‏:‏ يظنون أن هؤلاء الأحزاب، الذين تحزبوا على حرب رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، لم يذهبوا حتى يستأصلوهم، فخاب ظنهم، وبطل حسبانهم‏.‏
{‏وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ‏}‏ مرة أخرى ‏{‏يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ‏} أي‏:‏ لو أتى الأحزاب مرة ثانية مثل هذه المرة، ودَّ هؤلاء المنافقون، أنهم ليسوا في المدينة، ولا في القرب منها، وأنهم مع الأعراب في البادية، يستخبرون عن أخباركم، ويسألون عن أنبائكم، ماذا حصل عليكم‏؟‏

فتبًا لهم، وبعدًا، فليسوا ممن يبالى بحضورهم ‏{‏وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ فلا تبالوهم، ولا تأسوا عليهم‏.‏
{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ‏} حيث حضر الهيجاء بنفسه الكريمة، وباشر موقف الحرب، وهو الشريف الكامل، والبطل الباسل، فكيف تشحون بأنفسكم، عن أمر جاد رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنفسه فيه‏؟‏‏"‏
فَتأَسَّوْا به في هذا الأمر وغيره‏.‏
واستدل الأصوليون في هذه الآية، على الاحتجاج بأفعال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن الأصل، أن أمته أسوته في الأحكام، إلا ما دل الدليل الشرعي على الاختصاص به‏.‏
فالأسوة نوعان‏:‏ أسوة حسنة، وأسوة سيئة‏.‏
فالأسوة الحسنة، في الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن المتأسِّي به، سالك الطريق الموصل إلى كرامة اللّه، وهو الصراط المستقيم‏.‏
وأما الأسوة بغيره، إذا خالفه، فهو الأسوة السيئة، كقول الكفار حين دعتهم الرسل للتأسِّي بهم {‏إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ‏}
وهذه الأسوة الحسنة، إنما يسلكها ويوفق لها، من كان يرجو اللّه، واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان، وخوف اللّه، ورجاء ثوابه، وخوف عقابه، يحثه على التأسي بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏
لما ذكر حالة المنافقين عند الخوف، ذكر حال المؤمنين فقال‏:
‏ ‏{‏وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ‏}‏ الذين تحزبوا، ونزلوا منازلهم، وانتهى الخوف، ‏{‏قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ‏}في قوله‏:‏ ‏{‏أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ‏}

{‏وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ‏}‏ فإنا رأينا، ما أخبرنا به ‏{‏وَمَا زَادَهُمْ‏}‏ ذلك الأمر ‏{‏إِلَّا إِيمَانًا‏}‏ في قلوبهم ‏{‏وَتَسْلِيمًا‏ }‏ في جوارحهم، وانقيادًا لأمر اللّه‏.‏
ولما ذكر أن المنافقين، عاهدوا اللّه، لا يولون الأدبار، ونقضوا ذلك العهد، ذكر وفاء المؤمنين به، فقال‏:‏ ‏{‏مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ‏} أي‏:‏ وفوا به، وأتموه، وأكملوه، فبذلوا مهجهم في مرضاته، وسبَّلوا أنفسهم في طاعته‏.‏
{‏فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ‏} أي‏:‏ إرادته ومطلوبه، وما عليه من الحق، فقتل في سبيل اللّه، أو مات مؤديًا لحقه، لم ينقصه شيئًُا‏.‏
{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ‏}‏ تكميل ما عليه، فهو شارع في قضاء ما عليه، ووفاء نحبه ولما يكمله، وهو في رجاء تكميله، ساع في ذلك، مجد‏.‏
{‏وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا‏} كما بدل غيرهم، بل لم يزالوا على العهد، لا يلوون، ولا يتغيرون، فهؤلاء، الرجال على الحقيقة، ومن عداهم، فصورهم صور رجال، وأما الصفات، فقد قصرت عن صفات الرجال‏.‏
{‏لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ‏} أي‏:‏ بسبب صدقهم، في أقوالهم، وأحوالهم، ومعاملتهم مع اللّه، واستواء ظاهرهم وباطنهم، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا‏} الآية‏.‏
أي‏:‏ قدرنا ما قدرنا، من هذه الفتن والمحن، والزلازل، ليتبين الصادق من الكاذب، فيجزي الصادقين بصدقهم ‏{‏وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ ‏}‏ الذين تغيرت قلوبهم وأعمالهم، عند حلول الفتن، ولم يفوا بما عاهدوا اللّه عليه‏.‏
‏{‏إِنْ شَاءَ‏}‏ تعذيبهم، بأن لم يشأ هدايتهم، بل علم أنهم لا خير فيهم، فلم يوفقهم‏.‏
{‏أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ‏}‏ بأن يوفقهم للتوبة والإنابة، وهذا هو الغالب، على كرم الكريم، ولهذا ختم الآية باسمين دالين على المغفرة، والفضل، والإحسان فقال‏:‏ {‏إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رحيمًا‏} غفورًا لذنوب المسرفين على أنفسهم، ولو أكثروا من العصيان، إذا أتوا بالمتاب‏.‏ ‏{‏رَحِيمًا‏}‏ بهم، حيث وفقهم للتوبة، ثم قبلها منهم، وستر عليهم ما اجترحوه‏.‏

{‏وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا‏}‏ أي‏:‏ ردهم خائبين، لم يحصل لهم الأمر الذي كانوا حنقين عليه، مغتاظين قادرين‏}‏عليه‏[‏ جازمين، بأن لهم الدائرة، قد غرتهم جموعهم، وأعجبوا بتحزبهم، وفرحوا بِعَدَدِهمْ وعُدَدِهِمْ‏.‏

فأرسل اللّه عليهم، ريحًا عظيمة، وهي ريح الصبا، فزعزعت مراكزهم، وقوَّضت خيامهم، وكفأت قدورهم وأزعجتهم، وضربهم اللّه بالرعب، فانصرفوا بغيظهم، وهذا من نصر اللّه لعباده المؤمنين‏.‏

{‏وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ‏} بما صنع لهم من الأسباب العادية والقدرية، {‏وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا‏} لا يغالبه أحد إلا غُلِبَ، ولا يستنصره أحد إلا غَلَبَ، ولا يعجزه أمر أراده، ولا ينفع أهل القوة والعزة، قوتهم وعزتهم، إن لم يعنهم بقوته وعزته‏.‏
{‏وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ‏}‏ أي عاونوهم ‏{‏مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏} أي‏:‏ اليهود ‏{‏مِنْ صَيَاصِيهِمْ‏}‏ أي‏:‏ أنزلهم من حصونهم، نزولاً مظفورًا بهم، مجعولين تحت حكم الإسلام‏.‏

عطـ فواح ــر 09-06-2012 01:38 AM

رد: آية وتفسيرها ..
 
{‏وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ‏}‏ فلم يقووا على القتال، بل استسلموا وخضعوا وذلوا‏.‏ ‏{‏فَرِيقًا تَقْتُلُونَ‏}‏ وهم الرجال المقاتلون ‏{‏وَتَأْسِرُون َ فَرِيقًا‏}‏ مَنْ عداهم من النساء والصبيان‏.‏
‏{‏وَأَوْرَثَكُ مْ‏}‏ أي‏:‏ غنَّمكم {‏أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا‏} أي‏:‏ أرضا كانت من قبل، من شرفها وعزتها عند أهلها، لا تتمكنون من وطئها، فمكنكم اللّه وخذلهم، وغنمتم أموالهم، وقتلتموهم، وأسرتموهم‏.‏


{‏وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا‏}‏ لا يعجزه شيء، ومن قدرته، قدَّر لكم ما قدر‏.‏
وكانت هذه الطائفة من أهل الكتاب، هم بنو قريظة من اليهود، في قرية خارج المدينة، غير بعيدة، وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏[‏حين‏}‏ هاجر إلى المدينة، وادعهم، وهادنهم، فلم يقاتلهم ولم يقاتلوه، وهم باقون على دينهم، لم يغير عليهم شيئًا‏.‏


فلما رأوا يوم الخندق، الأحزاب الذين تحزبوا على رسول اللّه وكثرتهم، وقلة المسلمين، وظنوا أنهم سيستأصلون الرسول والمؤمنين، وساعد على ذلك، ‏[‏تدجيل‏}‏ بعض رؤسائهم عليهم، فنقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومالؤوا المشركين على قتاله‏.‏
فلما خذل اللّه المشركين، تفرغ رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقتالهم، فحاصرهم في حصنهم، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي اللّه عنه، فحكم فيهم، أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتغنم أموالهم‏.‏
فأتم اللّه لرسوله والمؤمنين، المنة، وأسبغ عليهم النعمة، وأَقَرَّ أعينهم، بخذلان من انخذل من أعدائهم، وقتل من قتلوا، وأسر من أسروا، ولم يزل لطف اللّه بعباده المؤمنين مستمرًا‏.‏


‏[‏28 ـ 29‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنّ َ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا‏}

لما اجتمع نساء رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الغيرة، وطلبن منه النفقة والكسوة، طلبن منه أمرًا لا يقدر عليه في كل وقت، ولم يزلن في طلبهن متفقات، في مرادهن متعنتات، شَقَّ ذلك على الرسول، حتى وصلت به الحال إلى أنه آلى منهن شهرًا‏.‏
فأراد اللّه أن يسهل الأمر على رسوله، وأن يرفع درجة زوجاته، ويُذْهِبَ عنهن كل أمر ينقص أجرهن، فأمر رسوله أن يخيرهن فقال‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا‏} أي‏:‏ ليس لكن في غيرها مطلب، وصرتن ترضين لوجودها، وتغضبن لفقدها، فليس لي فيكن أرب وحاجة، وأنتن بهذه الحال‏.‏


‏{‏فَتَعَالَيْن َ أُمَتِّعْكُنَّ‏ }‏ شيئا مما عندي، من الدنيا ‏{‏وَأُسَرِّحْكُن َّ‏}‏ أي‏:‏ أفارقكن ‏{‏سَرَاحًا جَمِيلًا‏}‏ من دون مغاضبة ولا مشاتمة، بل بسعة صدر، وانشراح بال، قبل أن تبلغ الحال إلى ما لا ينبغي‏.‏
{‏وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ‏}‏ أي‏:‏ هذه الأشياء مرادكن، وغاية مقصودكن، وإذا حصل لَكُنَّ اللّه ورسوله والجنة، لم تبالين بسعة الدنيا وضيقها، ويسرها وعسرها، وقنعتن من رسول اللّه بما تيسر، ولم تطلبن منه ما يشق عليه، ‏{‏فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا‏} رتب الأجر على وصفهن بالإحسان، لأنه السبب الموجب لذلك، لا لكونهن زوجات للرسول فإن مجرد ذلك، لا يكفي، بل لا يفيد شيئًا، مع عدم الإحسان، فخيَّرهن رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك، فاخترن اللّه ورسوله، والدار الآخرة، كلهن، ولم يتخلف منهن واحدة، رضي اللّه عنهن‏.‏
وفي هذا التخيير فوائد عديدة‏:‏

منها‏:‏ الاعتناء برسوله، وغيرته عليه، أن يكون بحالة يشق عليه كثرة مطالب زوجاته الدنيوية‏.‏
ومنها‏:‏ سلامته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذا التخيير من تبعة حقوق الزوجات، وأنه يبقى في حرية نفسه، إن شاء أعطى، وإن شاء منع ‏{‏مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ‏}


ومنها‏:‏ تنزيهه عما لو كان فيهن، من تؤثر الدنيا على اللّه ورسوله، والدار الآخرة، وعن مقارنتها‏.‏
ومنها‏:‏ سلامة زوجاته، رضي اللّه عنهن، عن الإثم، والتعرض لسخط اللّه ورسوله‏.‏
فحسم اللّه بهذا التخيير عنهن، التسخط على الرسول، الموجب لسخطه، المسخط لربه، الموجب لعقابه‏.‏
ومنها‏:‏ إظهار رفعتهن، وعلو درجتهن، وبيان علو هممهن، أن كان اللّه ورسوله والدار الآخرة، مرادهن ومقصودهن، دون الدنيا وحطامها‏.‏
ومنها‏:‏ استعدادهن بهذا الاختيار، للأمر الخيار للوصول إلى خيار درجات الجنة، وأن يَكُنَّ زوجاته في الدنيا والآخرة‏.‏

ومنها‏:‏ ظهور المناسبة بينه وبينهن، فإنه أكمل الخلق، وأراد اللّه أن تكون نساؤه كاملات مكملات، طيبات مطيبات ‏{‏وَالطَّيِّبَات ُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ‏ }
ومنها‏:‏ أن هذا التخيير داع، وموجب للقناعة، التي يطمئن لها القلب، وينشرح لها الصدر، ويزول عنهن جشع الحرص، وعدم الرضا الموجب لقلق القلب واضطرابه، وهمه وغمه‏.‏


الساعة الآن 08:40 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
- arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...

.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..

a.d - i.s.s.w