![]() |
رد: مسابقة أصحابي كالنجوم / أسيد بن حضير / (04) نعم الرجل أسيد بن الحضير رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الصوت الجميل أسيد بن حضير إنه أسيد بن حضير بن عبد الأشهل الأنصاري -رضي الله عنه-، فارس قومه ورئيسهم، فأبوه حضير الكتائب زعيم الأوس، وواحد من كبار أشراف العرب في الجاهلية. وكان أسيد أحد النقباء الذين اختارهم الرسول ( ليلة العقبة الثانية، فقد أسلم أسيد بعد بيعة العقبة الأولى، عندما بعث النبي ( مصعب بن عمير إلى المدينة، فجلس هو وأسعد بن زرارة في بستان، وحولهما أناس يستمعون إليهما، وبينما هم كذلك، كان أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ زعيما قومهما يتشاوران في أمر مصعب بن عمير الذي جاء يدعو إلى دين جديد. فقال سعد لأسيد: انطلق إلى هذا الرجل، فازجره، فحمل أسيد حربته وذهب إليهما غضبان، وقال لهما: ما جاء بكما إلى حيِّنا (مدينتنا)، تسفهان ضعفاءنا)؟ اعتزلانا، إذا كنتما تريدان الحياة. فقال له مصعب: أَوَ تَجْلِس فتسمع، فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره؟ فقال أسيد: لقد أنصفت، هاتِ ما عندك. فأخذ مصعب يكلمه عن الإسلام ورحمته وعدله، وراح يقرأ عليه آيات من القرآن، فأشرق وجه أسيد بالنور، وظهرت عليه بشاشة الإسلام حتى قال من حضروا هذا المجلس: والله (لقد عرفنا في وجه أسيد الإسلام قبل أن يتكلم، عرفناه في إشراقه وتسهله. ولم يكد مصعب ينتهي من حديثه حتى صاح أسيد قائلاً: ما أحسن هذا الكلام وأجمله، كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين؟ فقال له مصعب: تطهّر بدنك وثوبك، وتشهد شهادة الحق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم تصلي. فقام أسيد مسرعًا فاغتسل وتطهر ثم صلى ركعتين معلنًا إسلامه. وعاد أسيد إلى سعد بن معاذ، وما كاد يقترب من مجلسه، حتى قال سعد لمن حوله: أقسم، لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به، ثم قال له سعد: ماذا فعلت؟ فقال أسيد: كلمت الرجلين، فوالله ما رأيت بهما بأسًا، وقد نهيتهما، فقالا لي: نفعل ما أحببت، ثم قال أسيد لسعد بن معاذ: لقد سمعت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وهم يعلمون أنه ابن خالتك، فقام سعد غضبان وفي يده حربته، ولما وصل إلى مصعب وأسعد وجدهما جالسين مطمئنين، عندها أدرك أن هذه حيلة من أسيد لكي يحمله على السعي إلى مصعب لسماعه، واستمع سعد لكلام مصعب واقتنع به وأعلن إسلامه، ثم أخذ حربته، وذهب مع أسيد بن حضير إلى قومهما يدعوانهم للإسلام، فأسلموا جميعًا. وقد استقبل أسيد النبي ( لما هاجر إلى المدينة خير استقبال، وظل أسيد يدافع عن الإسلام والمسلمين، فحينما قال عبد الله بن أبي بن سلول لمن حوله من المنافقين أثناء غزوة بني المصطلق: لقد أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير دياركم، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فقال أسيد: فأنت والله يا رسول الله تخرجه منها إن شاء الله، هو والله الذليل، وأنت العزيز يا رسول الله، ارفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخرز (حبات يطرز بها التاج) ليتوجوه على المدينة ملكًا، فهو يرى أن الإسلام قد سلبه ملكًا. وذات ليلة أخذ يقرأ القرآن، وفرسه مربوطة بجواره، فهاجت الفرس حتى كادت تقطع الحبل، وعلا صهيلها، فسكت عن القراءة فهدأت الفرس ولم تتحرك، فقرأ مرة ثانية فحدث للفرس ما حدث لها في المرة الأولى، وتكرر هذا المشهد عدة مرات، فسكت خوفًا منها على ابنه الصغير الذي كان ينام في مكان قريب منها، ثم نظر إلى السماء فإذا به يرى غمامة مثل الظلة في وسطها مصابيح مضيئة، وهى ترتفع إلى السماء. فلما أصبح ذهب إلى الرسول ( وحدثه بما رأى، فقال له النبي (: (تلك الملائكة دنت (اقتربت) لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم) [البخاري]. وعاش أسيد -رضي الله عنه- عابدًا قانتًا، باذلا روحه وماله في سبيل الله، وندم أسيد على تخلفه عن غزوة بدر، وقال: ظننت أنها العير، ولو ظننت أنه غزو ما تخلفت. [ابن سعد]، وقد جرح أسيد يوم أحد سبع جراحات، ولم يتخلف عن غزوة بعدها قط. وبعد وفاة النبي ( اجتمع فريق من الأنصار في سقيفة بني ساعدة على رأسهم سعد بن عبادة، وأعلنوا أحقيتهم بالخلافة، وطال الحوار، واشتد النقاش بينهم، فوقف أسيد بن حضير مخاطبًا الأنصار قائلاً: تعلمون أن رسول الله ( كان من المهاجرين، فخليفته إذن ينبغي أن يكون من المهاجرين، ولقد كنا أنصار رسول الله، وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته. وكان أبو بكر -رضي الله عنه- لا يقدم عليه أحدًا من الأنصار، تقول السيدة عائشة: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد منهم يلحق في الفضل، كلهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر. [ابن هشام]. وتوفي أسيد -رضي الله عنه- في عام (20 هـ)، وأصرَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يحمل نعشه على كتفه، ودفنه الصحابة بالبقيع بعد أن صلوا عليه، ونظر عمر في وصيته، فوجد أن عليه أربعة آلاف دينار، فباع ثمار نخله (البلح أو التمر) أربع سنين بأربعة آلاف، وقضى دينه. [البخاري وابن سعد]. |
رد: مسابقة أصحابي كالنجوم / أسيد بن حضير / (04) بطل يوم السقيفة (نِعْمَ الرجل.. أُسَيْد بن حُضيْر) إسمه ولقبه نشأته إسلامه أُسيد يتلو القرآن والملائكة تستمع حب أُسيد لرسول الله أُسيد فى سقيفة بنى ساعدة وفاة أُسيد بن حضير إسمه ولقبه أسيد بن حُضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل نشأته كان الحضير أبا أسيد زعيم الأوس، وكان يلقبه قومه "حُضير القبائل"، واحدا من كبار أشراف العرب فى الجاهلية، وقد ورث أُسيد عن أبيه مكانته، وشجاعته، وجوده فكان قبل أن يسلم، واحدا من زعماء المدينة وأشراف العرب، ورُماتها الأفذاذ إسلامه عندما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، مصعب بن عمير إلى المدينة ليعلم ويفقه المسلمين من الأنصار الذين بايعوا النبى على الإسلام بيعة العقبة الأولى، وليدعوا غيرهم إلى دين الله، كان مقامه عند أسعد بن زرارة وهو ابن خالة سعد بن معاذ. يومئذ جلس أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، وكانا زعيمى قومهما، يتشاوران فى أمر هذا الغريب الذى جاء من مكة يسفه دينهما، ويدعو إلى دين لا يعرفونه، وقال سعد لأسيد:" انطلق إلى هذا الرجل، فازجره" وحمل أسيد حربته، وتوجه إلى مصعب الذى كان يجلس فى جمهرة من الناس يصغون فى إهتمام للكلمات الرشيدة التى يدعوهم بها إلى الله، وفاجأهم أسيد بغضبه وثورته، وقال له مصعب:" هل لك فى أن تجلس فتسمع.. فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته، كففنا عنك ما تكره" فرد عليه أسيد:" لقد أنصفت، هات ما عندك"، وراح مصعب يقرأ القرآن، ويفسر له دعوة الدين الجديد الذى أُمر محمد عليه الصلاة والسلام بتبليغه"، ولم يكد مصعب ينتهى من حديثه حتى صاح أُسيد مبهورا:" ما أحسن هذا الكلام وأجمله، كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا فى هذا الدين؟" قال له مصعب:" تطهر بدنك، وثوبك، وتشهد شهادة الحق، ثم تصلى" وما إن شهد أسيد بأنه دخل فى الإسلام حتى ظهر عليه نور الإيمان، وعندما عاد إلى سعد بن معاذ، لينقل له أخبار المهمة التى كلفه بها، قال سعد فيمن حوله:" أقسم، لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذى ذهب به"، صدق سعد، لقد ذهب أسيد بوجه طافح بالمرارة والغضب والتحدى وعاد بوجه تغشاه السكينة والرحمة والنور أُسيد يتلو القرآن والملائكة تستمع أُولِعَ أُ سيد بن الحضير بالقرآن منذ سمعه من مصعب بن عمير ولعا شديدا فكان لايرى إلا غازيا فى سبيل الله أو عاكفا يتلو كتاب الله، وكان أُسيد رخيم الصوت، مُبينَ النطق، مشرق الأداء، تطيب له قراءة القرآن أكثر ما تطيب فى سكن الليل، وكان الصحابة الكرام يتحينون أوقات قراءته، ويتسابقون إلى سماع تلاوته، وقد استعذب أهل السماء تلاوته كما استعذبها أهل الأرض، ففى جوف ليلة من الليالى كان أسيد جالسا فى مِرْبَدِهِ، وهو فضاء وراء البيت، وابنه يحيى نائم إلى جانبه، وفرسه التى أعدها للجهاد فى سبيل الله مربوطة غير بعيد عنه، وتاقت نفس أسيد لأن يعطر الأجواء الندية بطيب القرآن، فانطلق يتلو { آلم ذلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدى لِلمُتقين. الذينَ يُؤمنُونَ بِالغَيبِ وَيُقيمُونَ الصَّلاةَ وَمِماَّ رَزَقناهُمُ يُنفِقُونَ. وَالذينَ يُؤمنُونَ بِما أُنزِلَ إلَيكَ ومَا أُنزِلَ مِن قَبلِكَ وَبِالآخِرِة هُم يُوقِنُونَ}. فإذا به يسمع فرسه وقد جالت جولة كادت بسببها تقطع رباطها، فسكت، فسكتت الفرس وقرت، فعاد يقرأ { أُولئِكَ عَلى هُدًى مِنْ رَبِّهِم و أُولئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ}. فجالت الفرس جولة أشد من تلك وأقوى، فسكت، فسكنت، وكرر ذلك مرارا، فكان إذا قرأ أجفلت الفرس وهاجت، وإذا سكت سكنت وقرت، فخاف على ابنه أن تطأه، فمضى ليوقظه، وهنا حانت منه التفاتة إلى السماء، فرأى غمامة كالمظلة لم تر العين أروع ولا أبهى منها قط وقد عُلَّقَ بها أمثال المصابيح، فملأت الآفاق ضياء وسناء، وهى تصعد إلى الأعلى حتى غابت عن ناظريه، فلما أصبح مضى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،و قص عليه خبر ما رأى، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم:" تلك الملائكة كانت تستمع لك يا أسيد.. ولو أنك مضيت فى قراءتك "لرآها الناس ولم تستتر منهم حب أُسيد لرسول الله وكما أولع أسيد بن حضير، رضى الله عنه، بكتاب الله فقد أولع برسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان- كما حَدَّثَ عن نفسه- أصفى ما يكون صفاء وأشد ما يكون شفافية وإيمانا حين يقرأ القرآن أو يسمعه، وحين ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب أو يُحَدِّث، وكان كثيرا ما يتمنى أن يمس جسده جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكب عليه لاثما مقبلا، وقد أتيح له ذلك ذات مرة، ففى ذات يوم كان أسيد يطرف القوم بطرائفه، فغمزه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خاصرته بيده، كأنه يستحسن ما يقول، فقال أسيد:" أوجعتنى يا رسول الله" فقال عليه الصلاة والسلام:" اقتص منى يا أسيد"، فقال أسيد:" إن عليك قميصا ولم يكن على قميص حين غمزتنى" فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه عن جسده، فاحتضنه أسيد وجعل يقبل ما بين إبطه وخاصرته وهو يقول:" بأبى أنت وأمى يا رسول الله، إنها لبغية أتمناها منذ عرفتك، وقد بلغتها". وقد كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يبادل أسيد حبا بحب، ويحفظ له سابقته فى الإسلام وذوده عنه يوم أحد حتى أنه طُعن سبع طعنات مميتات فى ذلك اليوم، وكان يعرف قدره ومنزلته فى قومه، فإذا شفع فى أحد منهم شَفَّعَه فيه أُسيد فى سقيفة بنى ساعدة فى يوم السقيفة، إثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أعلن فريق من الأنصار على رأسهم "سعد بن عبادة" أحقيتهم بالخلافة، وطال الحوار، واحتدمت المناقشة، كان موقف أسيد موقفا فعالا فى حسم الموقف، وأسيد كما نعلم زعيم أنصارى كبير، فقد وقف مخاطبا الأنصار:" تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، فخليفته إذن ينبغى أن يكون من المهاجرين" فرد أحد صحابة الأنصار:" ولقد كنا أنصار رسول الله" فقال له أسيد:" وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته" وكانت كلماته بردا وسلاما، وتمت البيعة لأبى بكر الصديق رضى الله عنه وفاة أُسيد بن حضير وفى شهر شعبان عام عشرين للهجرة، مات أسيد، وأبى أمير المؤمنين عمر، رضى الله عنهما، إلا أن يحمل نعشه فوق كتفه، وتحت ثرى البقيع وارى الأصحاب جثمان مؤمن عظيم، وعادوا إلى المدينة وهو يستذكرون مناقبه ويرددون قول الرسول الكريم عنه:" نِعْمَ الرجل.. أُسَيْد بن حُضيْر" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم |
رد: مسابقة أصحابي كالنجوم / أسيد بن حضير / (04) ¤° ""©© أسيد بن حضير بطل يوم السقيفة ©©"" ¤° لقد ورث اسيد بن حضير رضي الله عنه المكارم كابرا عن كابر فأبوه حضير الكتائب كان زعيم الأوس ، وكان واحدا من كبار أشراف العرب في الجاهلية ، ومقاتليهم الأشداء.. وورث أسيد عن أبيه مكانته ، وشجاعته وجوده ، فكان قبل أن يسلم ، واحدا من زعماء المدينة وأشراف العرب ، ورماتها الأفذاذ.. فلما اصطفاه الاسلام ، وهدي الى صراط العزيز الحميد ، تناهى عزه ، وتسامى شرفه، يوم أخذ مكانه ، وأصبح واحدا من انصار الله وأنصار رسوله ، ومن السابقين الى الاسلام العظيم وأحد الاثني عشـر نقيبا حيث شهد العقبـة الثانية ، وشهد أحدا وثبت مع الرسـول صلى الله عليه وسلم حيث انكشف الناس عنه وأصيب بسبع جراحات . ¤° ""©© إسلامه ©©"" ¤° لقد كان اسلامه يوم أسلم سريعا ، وحاسما وشريفا.. فعندما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير رضي الله عنه الى المدينة ليعلم ويفقه المسلمين من الأنصار الذين بايعوه وليدعو غيرهم الى دين الله. يومئذ جلس أسيد بن حضير ، وسعد بن معاذ ، وكانا زعيمي قومما ، يتشاوران في أمر هذا الغريب الذي جاء من مكة يسفه دينهما ، ويدعو إلى دين جديد لا يعرفونه .. وقال سعد لأسيد : ( انطلق الى هذا الرجل فازجره ) فحمل أسيد حربته ، وأغذ السير الى حيث كان مصعب في ضيافة أسعد بن زرارة من زعماء المدينة الذين سبقوا الى الاسلام. وعند مجلس مصعب وأسعد بن زرارة رضي الله عنهما رأى أسيد جمهرة من الناس تصغي في اهتمام للكلمات الرشيدة التي يدعوهم بها الى الله، مصعب بن عمير .. وفجأهم أسيد بغضبه وثورته .. وقال له مصعب رضي الله عنه : ( هل لك في أن تجلس فتسمع ، ان رضيت أمرنا قبلته ، وإن كرهته، كففنا عنك ما تكره ) وكان أسيد رضي الله عنه مستنير العقل ذكي القلب حتى لقبه أهل المدينة ( بالكامل ) وهو لقب كان يحمله أبوه من قبله.. فلما رأى مصعبا رضي الله عنه يحتكم به الى المنطق والعقل ، غرس حربته في الأرض ، وقال : ( لقد أنصفت هات ما عندك ) وراح مصعب رضي الله عنه يقرأ عليه من القرآن ، ويفسر له دعوة الدين الجديد الدين الحق الذي أُمر محمد عليه الصلاة والسلام بتبليغه ونشر رايته. ويقول الذين حضروا هذا المجلس : والله لقد عرفنا في وجه أسيد الاسلام قبل أن يتكلم عرفناه في اشراقه وتههله ولم يكد مصعب رضي الله عنه ينتهي من حديثه حتى صاح أسيد رضي الله عنه مبهورا : ( ما أحسن هذا الكلام وأجمله ، كيف تصنعون اذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ ) قال له مصعب رضي الله عنه : ( تطهر بدنك ، وثوبك ، وتشهد شهادة الحق ، ثم تصلي ) إن شخصية أسيد رضي الله عنه شخصية مستقيمة قوية وناصعة ، وهي اذ تعرف طريقها ، لا تتردد لحظة أمام ارادتها الحازمة .. ومن ثم قام أسيد رضي الله عنه في غير إرجاء ولا إبطاء ليستقبل الدين الذي انفتح له قلبه ، وأشرقت به روحه ، فاغتسل وتطهر ، ثم سجد لله رب العالمين ، معلنا إسلامه ، مودعا أيام وثنيته ، وجاهليته . كان على أسيد أن يعود لسعد بن معاذ رضي الله عنهما ، لينقل اليه أخبار المهمة التي كلفه بها ، مهمة زجر مصعب بن عمير رضي الله عنه واخراجه .. وعاد الى سعد رضي الله عنهما وما كاد يقترب من مجلسه، حتى قال سعد رضي الله عنه لمن حوله : ( أقسم لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به ) أجل .. لقد ذهب بوجه طافح بالمرارة ، والغضب والتحدي .. وعاد بوجه تغشاه السكينة والرحمة والنور .. وقرر أسيد أن يستخدم ذكاءه قليلا ، انه يعرف أن سعد بن معاذ رضي الله عنه مثله تماما في صفاء جوهره ومضاء عزمه، وسلامة تفكيره وتقديره .. ويعلم أنه ليس بينه وبين الاسلام سوى أن يسمع ما سمع هو من كلام الله ، الذي يحسن ترتيله وتفسيره سفير الرسول صلى الله عليه وسلم اليهم مصعب بن عمير رضي الله عنه .. لكنه لو قال لسعد رضي الله عنه : اني أسلمت ، فقم وأسلم ، لكانت مجابهة غير مأمونة العاقبة اذن فعليه أن يثير حمية سعد بطريقة تدفعه الى مجلس مصعب رضي الله عنه حتى يسمع ويرى فقد كان مصعب رضي الله عنه ينزل ضيفا على أسعد بن زرارة وهو ابن خالة سعد بن معاذ رضي الله عنهما ، هنالك قال أسيد لسعد رضي الله عنهما : ( لقد حدثت أن بني الحارثة قد خرجوا الى أسعد بن زرارة ليقتلوه ، وهم يعلمون أنه ابن خالتك ) وقام سعد رضي الله عنه، تقوده الحمية والغضب ، وأخذ الحربة ، وسار مسرعا الى حيث أسعد ومصعب رضي الله عنهما ، ومن معهما من المسلمين .. ولما اقترب من المجلس لم يجد ضوضاء ولا لغطا ، وإنما هي السكينة تغشى جماعة يتوسطهم مصعب بن عمير رضي الله عنه ، يتلو آيات الله في خشوع ، وهم يصغون اليه في اهتمام عظيم .. هنالك أدرك الحيلة التي نسجها له أسيد رضي الله عنه لكي يحمله على السعي إلى هذا المجلس ، وإلقاء السمع لما يقوله سفير الاسلام مصعب بن عمير رضي الله عنه . ولقد صدقت فراسة أسيد رضي الله عنه في صاحبه ، فما كاد سعد رضي الله عنه يسمع حتى شرح الله صدره للإسلام ، وأخذ مكانه في سرعة الضوء بين المؤمنين السابقين. ¤° ""©© قراءة القرآن ©©"" ¤° وكان الاستماع إلى صوت أسيد رضي الله عنه وهو يرتل القرآن إحدى المغانم الكبرى ، وصوته الخاشع الباهر أحسن الناس صوتا ، قال رضي الله عنه : ( قرأت ليلة سورة البقرة ، وفرسي مربوط ويحيى ابني مضطجع قريب مني وهو غلام ، فجالت الفرس فقمت وليس لي هم إلا ابني ، ثم قرأت فجالت الفرس فقمت وليس لي هم إلا ابني ، ثم قرأت فجالت الفرس فرفعت رأسي فإذا شيء كهيئة الظلة في مثل المصابيح مقبل من السماء فهالني ، فسكت فلما أصبحت غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : " اقرأ أبا يحيى " فقلت : ( قد قرأتُ فجالت الفرس فقمت وليس لي هم إلا ابني ) فقال صلى الله عليه وسلم : " اقرأ أبا يحيى " فقلت : ( قد قرأت فجالت الفرس ) فقالصلى الله عليه وسلم : " اقرأ أبا يحيى " فقلت : ( قد قرأت فرفعت رأسي فإذا كهيئة الظلة فيها المصابيح فهالني ) فقال صلى الله عليه وسلم : " تلك الملائكة دنوا لصوتك ، ولو قرأت حتى تصبح لأصبح الناس ينظرون إليهم " ¤° ""©©فضله ©©"" ¤° عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( كان أسيد بن حضير وعباد بن بشر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء ، فتحدثنا عنده حتى إذا خرجا أضاءت عصا أحدهما فمشيا في ضوئها ، فلما تفرق لهما الطريق أضاءت لكل واحد منهما عصاه فمشى في ضوئها ) ¤° ""©©القصاص ©©"" ¤° كان أسيد رضي الله عنه رجلا صالحا مليحا ، فبينما هو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث القوم ويضحكهم ، فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته ، فقال : " أوجعتني " قال صلى الله عايه وسلم : " اقتص " قال رضي الله عنه : ( يا رسول الله عليك قميص ولم يكن علي قميص ) فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه ، فاحتضنه ثم جعل يقبل كشحته فقال : ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله أردت هذا ) ¤° ""©©غزوة بدر ©©"" ¤° لقي أسيد بن الحضير رضي الله عنه رسـول اللـه صلى اللـه عليه وسلم حين أقبل من بدر ، فقال : ( الحمد للـه الذي أظفرك وأقرعينك ، واللـه يا رسـول اللـه ما كان تخلفي عن بدر ، وأنا أظن أنك تلقى عدوا ، ولكن ظننت أنها العير ، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت ) فقال رسـول اللـه صلى اللـه عليه وسلم : " صدقت " ¤° ""©©غزوة بني المصطلق ©©"" ¤° كان أسيد رضي الله عنه يحمل في قلبه ايمانا وثيقا ومضيئا ، وكان إيمانه يفيء عليه من الأناة والحلم وسلامة التقدير ما يجعله أهلا للثقة دوما ، وفي غزوة بني المصطلق تحركت مغايظ عبدالله بن أبي فقال لمن حوله من أهل المدينة : لقد أحللتمومهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم .. أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا الى غير دياركم .. أما والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل .. سمع الصحابي الجليل زيد بن الأرقم رضي الله عنه هذه الكلمات ، بل هذه السموم المنافقة المسعورة ، فكان حقا عليه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وتألم رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ، وقابله أسيد رضي الله عنه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أوما بلغك ما قال صاحبكم ؟ " قال أسيد رضي الله عنه : ( وأي صاحب يا رسول الله ؟ ) قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " عبدالله بن أبي " قال أسيد رضي الله عنه : ( وماذا قال ؟ ) قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " زعم انه ان رجع الى المدينة لخرجن الأعز منها الأذل " قال أسيد رضي الله عنه : ( فأنت والله يا رسول الله ، تخرجه منها ان شاء الله هو والله الذليل ، وأنت العزيز ) ثم قال : ( يا رسول الله ارفق به ، فوالله لقد جاءنا الله بك وان قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه على المدينة ملكا، فهو يرى أن الاسلام قد سلبه ملكا ) بهذا التفكير الهادئ العميق المتزن الواضح ، كان أسيد دائما يعالج القضايا ببديهة حاضرة وثاقبة. ¤° ""©© يوم السقيفة ©©"" ¤° في يوم السقيفة ، اثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أعلن فريق من الأنصار ، وعلى رأسهم سعد بن عبادة رضي الله عنه أحقيتهم بالخلافة ، وطال الحوار ، واحتدمت المناقشة ، كان موقف أسيد رضي الله عنه ، وهو موقف زعيم أنصاري كبير ، كان موقفه فعالا في حسم الموقف ، وكانت كلماته كفلق الصبح في تحديد الاتجاه. وقف أسيد رضي الله عنه فقال مخاطبا فريق الأنصار من قومه : ( تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين ، فخليفته اذن ينبغي أن يكون من المهاجرين ، ولقد كنا أنصار رسول الله ، وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته ) وكانت كلماته ، بردا وسلاما .. ¤° ""©© وفاته ©©"" ¤° لقد عاش أسيد بن حضير رضي الله عنه عابد ا، قانتا ، باذلا روحه وماله في سبيل الخير ، جاعلا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار نصب عينيه : " اصبروا حتى تلقوني على الحوض " ولقد كان لدينه وخلقه موضع تكريم الصديق رضي الله عنه وحبه ، كذلك كانت له نفس المكانة والمنزلة في قلب أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، وفي أفئدة الصحابة جميعا. وكان الاستماع لصوته وهو يرتل القرآن احدى المغانم الكبرى التي يحرص الصحابة عليها .. ذلك الصوت الخاشع الباهر المنير الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الملائكة دنت من صاحبه ذات ليلة لسماعه.. وفي شهر شعبان عام عشرين للهجرة ، مات أسيد رضي الله عنه وأبى أمير المؤمنين عمر الا أن يحمل نعشه فوق كتفه .. وتحت ثرى البقيع وارى الصحابة جثمان مؤمن عظيم ، وعادوا الى المدينة وهم يستذكرون مناقبه ويرددون قول الرسول صلى الله عليه وسلم عنه : " نعم الرجل أسيد بن حضير " |
رد: مسابقة أصحابي كالنجوم / أسيد بن حضير / (04) اسيد بن الحضير رضي الله عنه (نزلت الملائكه لتسمع تلاوته) بسم الله الرحمن الرحيم عودة لقصص الصحابه مع اسيد بن الحضير رضي الله عنه : ولكنها مختصره اولع اسيد بن الحضير رضي الله عنه بالقران عندما سمعه من مصعب بن عمير ولع المحب بحبيبه واقبل عليه اقبال الظاميء على المورد العذب في اليوم القائظ وجعله شغله الشاغل وكان رخيم الصوت مبين النطق مشرق الاداء تطيب له قراءه القران اكثر ما تطيب اذا سكن الليل ونامت العيون وصفت النفوس وكان الصحابه الكرام يتحينون اوقات قرائته ويتسابقون الى سماع تلاوته ففي جوف ليله من الليالي كان جالسا في مربده (فضاء وراء البيت)وابنه يحيى نائم الى جانبه وفرسهالتي اعدها للجهاد في سبيل الله مرتبطه غير ببعيد عنه وكان الليل وادعا ساجيا(ساكنا)واد يم السماء رائقا صافيا وعيون النجوم ترمق الارض الهاجعه بحنان وعطف فاراد اسيد ان يقرا القران : فانطلق يتلو بصوته الرخيم الحنون ( الم (1) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (2) الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون (4)) فاذا به يسمع فرسه وقد جالت جولة كادت تقطع بسببها رباطها فسكت , فسكنت الفرس وقرت فعاد يقرا (اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون) فجالت الفرس جوله اشد من تلك واقوى فسكت فسكنت وكرر ذلك مرارا , وكلما يقرا تهيج الفرس واذا سكت سكنت فخاف على ابنه يحيى ان تطاه فمضى ليوقظه وهنا التفت الى السماء فراى غمامه كالمظله لم تر العين اروع ولا ابهى منها قط وقد علق بها امثال المصابيح فملات الافاق ضياء وسنا وهي تصعد لاعلى حتى غابت عن ناظريه فلما اصبح مضى للرسةل صلى الله عليه وسلم وقص عليه ما راى فقال صلى الله عليه وسلم :تلك الملائكه كانت تستمع لك يا اسيد ولو انك مضيت في قرائتك لراها الناس تستتر منهم . |
رد: مسابقة أصحابي كالنجوم / أسيد بن حضير / (04) ورث المكارم كابرا عن كابر.. فأبوه خضير الكتائب كان زعيم الأوس, وكان واحدا من كبار أشراف العرب في الجاهلية, ومقاتليهم الأشداء.. وفيه يقول الشاعر: لو أن المنايا حدن عن ذي مهابة لهبن خضيرا يوم غلّق واقما يطوف به, حتى اذا الليل جنّه تبوأ منه مقعدا متناغما وورث أسيد عن أبيه مكانته, وشجاعته وجوده, فكان قبل أن يسلم, واحدا من زعماء المدينة وأشراف العرب, ورماتها الأفذاذ.. فلما اصطفاه الاسلام, وهدي الى صراط العزيز الحميد, تناهى عزه. وتسامى شرفه, يوم أخذ مكانه, وأخذ واحدا من انصار الله وأنصار رسوله, ومن السابقين الى الاسلام العظيم.. ** ولقد كان اسلامه يوم أسلم سريعا, وحاسما وشريفا.. فعندما أرسل الرسول عليه السلام مصعب بن عمير الى المدينة ليعلم ويفقه المسلمين من الأنصار الذين بايعوا النبي عليه السلام عل الاسلام بيعة العقبة الأولى, وليدعو غيرهم الى دين الله. يومئذ, جلس أسيد بن خضير, وسعد بن معاذ, وكانا زعيمي قومما, يتشاوران في أمر هذا الغريب الذي جاء من مكة يسفّه دينهما, ويدعو الى دين جديد لا يعرفونه.. وقال سعد لأسيد:" انطلق الى هذا الرجل فازجره".. وحمل أسيد حربته, وأغذ السير الى حيث كان مصعب في ضيافة أسعد بن زرارة من زعماء المدينة الذين سبقوا الى الاسلام. وعند مجلس مصعب وأسعد بن زرارة رأى أسيد جمهرة من الناس تصغي في اهتمام للكلمات الرشيدة التي يدعوهم بها الى الله, مصعب بن عمير.. وفجأهم أسيد بغضبه وثورته.. وقال له مصعب: " هل لك في أن تجلس فتسمع.. فان رضيت أمرنا قبلته, ون كرهته, كففنا عنك ما تكره"..؟؟ ** كان أسيد رجلا.. وكان مستنير العقل ذكيّ القلب حتى لقبه أهل المدينة بالكامل.. وهو لقب كان يحمله أبوه من قبله.. فلما رأى مصعبا يحتكم به الى المنطق والعقل, غرس حربته في الأرض, وقال لمصعب: لقد أنصفت: هات ما عندك.. وراح مصعب يقرأ عليه من القرآن, ويفسّر له دعوة الدين الجديد. الدين الحق الذي أمر محمد عليه الصلاة والسلام بتبليغه ونشر رايته. ويقول الذين حضروا هذا المجلس: " والله لقد عرفنا في وجه أسيد الاسلام قبل أن يتكلم.. عرفناه في اشراقه وتسهّله"..!! ** لم يكد مصعب ينتهي من حديثه حتى صاح أسيد مبهورا: " ما أحسن هذا الكلام وأجمله.. كيف تصنعون اذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين".؟ قال له مصعب: " تطهر بدنك, وثوبك, وتشهد شهادة الحق, ثم تصلي".. ان شخصية أسيد شخصية مستقيمة قوية مستقيمة وناصعة, وهي اذ تعرف طريقها , لا تتردد لحظة أمام ارادتها الحازمة.. ومن ثمّ, قام أسيد في غير ارجاء ولا ابطاء ليستقبل الدين الذي انفتح له قلبه, وأشرقت به روحه, فاغتسل وتطهر, ثم سجد لله رب العالمين, معلنا اسلامه, مودّعا أيام وثنيّته, وجاهليته..!! كان على أسيد أن يعود لسعد بن معاذ, لينقل اليه أخبار المهمة التي كلفه بها.. مهمة زجر مصعب بن عمير واخراجه.. وعاد الى سعد.. وما كاد يقترب من مجلسه, حتى قال سعد لمن حوله: " أقسم لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به".!! أجل.. لقد ذهب بوجه طافح بالمرارة, والغضب والتحدي.. وعاد بوجه تغشاه السكينة والرحمة والنور..!! ** وقرر أسيد أن يستخدم ذكاءه قليلا.. انه يعرف أن سعد بن معاذ مثله تماما في صفاء جوهره ومضاء عزمه, وسلامة تفكيره وتقديره.. ويعلم أنه ليس بينه وبين الاسلام سوى أن يسمع ما سمع هو من كلام الله, الذي يحسن ترتيله وتفسيره سفير الرسول اليهم مصعب بن عمير.. لكنه لو قال لسعد: اني أسلمت, فقم وأسلم, لكانت مجابهة غير مأمونة العاقبة.. اذن فعليه أن يثير حميّة سعد بطريقة تدفعه الى مجلس مصعب حتى يسمع ويرى.. فكيف السبيل لهذا..؟ كان مصعب كما ذكرنا من قبل ينزل ضيفا على أسعد بن زرارة.. وأسعد بن زرارة هو ابن خالة سعد بن معاذ.. هنالك قال أسيد لسعد: " لقد حدّثت أن بني الحارثة قد خرجوا الى أسعد بن زرارة ليقتلوه, وهم يعلمون أنه ابن خالتك".. وقام سعد, تقوده الحميّة والغضب, وأخذ الحربة, وسار مسرعا الى حيث أسعد ومصعب, ومن معهما من المسلمين.. ولما اقترب من المجلس لم يجد ضوضاء ولا لغطا, وانما هي السكينة تغشى جماعة يتوسطهم مصعب بن عمير, يتلو آيات الله في خشوع, وهم يصغون اليه في اهتمام عظيم.. هنالك أدرك الحيلة التي نسجها له أسيد لكي يحمله على السعي الى هذا المجلس, والقاء السمع لما يقوله سفير الاسلام مصعب بن عمير. ولقد صدقت فراسة أسيد في صاحبه, فما كاد سعد يسمع حتى شرح الله صدره للاسلام, وأخذ مكانه في سرعة الضوء بين المؤمنين السابقين..!! ** كان أسيد يحمل في قلبه ايمانا وثيقا ومضيئا.. وكان ايمانه يفيء عليه من الأناة والحلم وسلامة التقدير ما يجعله أهلا للثقة دوما.. وفي غزوة بني المصطلق تحركت مغايظ عبدالله بن أبيّ فقال لمن حوله من أهل المدينة: " لقد أحللتموهم بلادكم, وقاسمتموهم أموالكم.. أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا الى غير دياركم.. أما والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل".. سمع الصحابي الجليل زيد بن الأرقم هذه الكلمات, بل هذه السموم المنافقة المسعورة, فكان حقا عليه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وتألم رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا, وقابله أسيد فقال له النبي عليه السلام: أوما بلغك ما قال صاحبكم..؟؟ قال أسيد: وأيّ صاحب يا رسول الله..؟؟ قال الرسول: عبدالله بن أبيّ!! قال أسيد: وماذا قال..؟؟ قال الرسول: زعم انه ان رجع الى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل. قال أسيد: فأنت والله, يا رسول الله, تخرجه منها ان شاء الله.. هو والله الذليل, وأنت العزيز.. ثم قال أسيد: " يا رسول الله ارفق به, فوالله لقد جاءنا الله بك وان قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه على المدينة ملكا, فهو يرى أن الاسلام قد سلبه ملكا".. بهذا التفكير الهادئ العميق المتزن الواضح, كان أسيد دائما يعالج القضايا ببديهة حاضرة وثاقبة.. وفي يوم السقيفة, اثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أعلن فريق من الأنصار, وعلى رأسهم سعد بن عبادة أحقيتهم بالخلافة, وطال الحوار, واحتدمت المناقشة, كان موقف أسيد, وهو كما عرفنا زعيم أنصاري كبير, كان موقفه فعالا في حسم الموقف, وكانت كلماته كفلق الصبح في تحديد الاتجاهه.. وقف أسيد فقال مخاطبا فريق الأنصار من قومه: " تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين.. فخليفته اذن ينبغي أن يكون من المهاجرين.. ولقد كنا أنصار رسول الله.. وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته".. وكانت كلماته, بردا, وسلاما.. ** ولقد عاش أسيد بن خضير رضي الله عنه عابدا, قانتا, باذلا روحه وماله في سبيل الخير, جاعلا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار نصب عينيه: " اصبروا.. حتى تلقوني على الحوض".. ولقد كان لدينه وخلقه موضع تكريم الصدّيق حبّه, كذلك كانت له نفس المكانة والمنزلة في قلب أمير المؤمنين عمر, وفي أفئدة الصحابة جميعا. وكان الاستماع لصوته وهو يرتل القرآن احدى المغانم الكبرى التي يحرص الأصحاب عليها.. ذلك الصوت الخاشع الباهر المنير الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن الملائكة دنت من صاحبه ذات ليلة لسماعه.. وفي شهر شعبان عام عشرين للهجرة, مات أسيد.. وأبى أمير المؤمنين عمر الا أن يحمل نعشه فوق كتفه.. وتحت ثرى البقيع وارى الأصحاب جثمان مؤمن عظيم.. وعادوا الى المدينة وهم يستذكرون مناقبه ويرددون قول الرسول الكريم عنه: " نعم الرجل.. أسيد بن خضير".. |
| الساعة الآن 11:38 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
-
arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By
Almuhajir
... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...
.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..