![]() |
| ||||||||
| وطنية أم جاهلية ؟! 25 / 10 / 1432 </b></i>
الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسلِمُونَ . وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذْ كُنتُم أَعدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا وَكُنتُم عَلَى شَفَا حُفرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِنهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُم آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ " عِبَادَ اللهِ ، أُمَّةُ الإِسلامِ أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ ، أَخرَجَهَا اللهُ لِتَكُونَ مِنَ الأُمَمِ في مَوضِعِ القِيَادَةِ ، وَأَرَادَ لها مِن دُونِ النَّاسِ الرِّيَادَةَ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد جَعَلَ ـ سُبحَانَهُ ـ لِجَمَاعتِهَا وَاجتِمَاعِهَا رَكَائِزَ تَقُومُ عَلَيهَا حَيَاتُهَا ، وَثَوَابِتَ يَستَقِيمُ بها أَمرُهَا ، وَمَنهَجًا تَستَطِيعُ بِهِ أَن تَضطَلِعَ بِالأَمَانَةِ الَّتي حُمِّلَت ، فَإِنْ هِيَ أَقَامَت تِلكَ الرَّكَائِزَ وَحَفِظَت ثَوَابِتَهَا وَاجتَمَعَت عَلَى مَنهَجٍ صَحِيحٍ ، فَهِيَ أَهلٌ لِمَا أُمِرَت بِهِ مِن دَعوَةٍ إِلى الخَيرِ وَإِخرَاجٍ لِلنَّاسِ مِن ظُلُمَاتِ المُنكَرِ إِلى نُورِ المَعرُوفِ ، وَإِنْ هِيَ رَضِيَت بِهَدمِ رَكَائِزِهَا أَو تَخَلَّت عَن ثَوَابِتِهَا ، أَو أَضَاعَت مَنهَجَهَا ، أَو جَعَلَت أَمرَهَا شِيَعًا وَتَفَرَّقَت ، أَو نَادَت بِغَيرِ مَا يُرِيدُهُ اللهُ مِنهَا وَرَسُولُهُ ، فَلا وَاللهِ لا مَكَانَ لها في قِيَادَةٍ وَلا هِي أَهلٌ لِلرِّيَادَةِ ، وَلا وَاللهِ تَزدَادُ إِلاَّ ضَعفًا وَوَهنًا ، وَحِينَئِذٍ فَلَن تَرَاهَا أُمَمُ الأَرضِ إِلاَّ مَجمُوعَةً مِنَ الأَعرَابِ عَلَى المَاءِ يَتَشَاحُّونَ ، وَمِن أَجلِ البَهَائِمِ يَتَقَاتَلُونَ ، وَعَلَى أَتفَهِ الأَسبَابِ تَقُومُ بَينَهُمُ الحُرُوبُ الطَّوِيلَةُ ثُمَّ لا تَقعُدُ . أَلا وَإِنَّ أَعظَمَ مَا تَجتَمِعُ عَلَيهِ أُمَّةُ الإِسلامِ مِمَّا أَوصَاهُمُ اللهُ بِهِ وَرَبَّاهُم عَلَيهِ رَسُولُهُ ، قَاعِدَتَانِ مُتَلازِمَتَانِ وَأَمرَانِ لا يَفتَرِقَانِ ، أَلا وَهُمَا الإِيمَانُ بِاللهِ وَالأُخُوَّةُ في الإِسلامِ ، الإِيمَانُ بِاللهِ وَتَقوَاهُ وَمُرَاقَبَتُهُ ، إِيمَانًا وَتَقوَى وَمُرَاقَبَةً تَملأُ كُلَّ لَحَظَاتِ عُمُرِ المُسلِمِ وَلا تُفَارِقُهُ في أَيِّ عَصرٍ أَو مِصرٍ أَو مَرحَلَةٍ ، وَتَستَمِرُّ مَعَهُ حَتَّى لا يَمُوتَ إِلاَّ مُسلِمًا ، فَلا تَغيِيرَ وَلا تَبدِيلَ وَلا تَميِيعَ ، وَلا تَهَاوُنَ وَلا تَسَاهُلَ ولا تَرَاجُعَ ، بَل هُوَ إِسلامٌ وَاستِسلامٌ ، وَطَاعَةٌ للهِ وَاتِّبَاعٌ لِمَا أَرَادَهُ ، واحتِكَامٌ إِلى مَا جَاءَ في كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ . وَأَمَّا الرَّكِيزَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الأُخُوَّةُ في اللهِ ، فَهِيَ رَابِطَةٌ عَظِيمَةٌ كَرِيمَةٌ ، تَنبَثِقُ مِن الإِسلامِ وَالتَّقوَى ، وَمِن أَجلِهِمَا تَقوَى وَتَبقَى ، وَلِتَقوِيَتِهِ مَا تَعمَلُ وَتَجتَهِدُ . إِنَّهَا أُخُوَّةٌ في اللهِ خَالِصَةٌ ، تَمِيعُ عِندَهَا كُلُّ رَابِطَةٍ ، وَتَنقَطِعُ بَعدَهَا كُلُّ آصِرَةٍ ، وَيَكُونُ بها الاجتِمَاعُ للهِ وَفي ذَاتِ اللهِ ، وَمِنهَا تَنشَأُ أُمَّةٌ مُسلِمَةٌ صَامِدَةٌ ، ذَاتُ قُوَّةٍ ثَابِتَةٍ وَعَزِيمَةٍ مَاضِيَةٍ ، قَادِرَةٌ عَلَى إِقَامَةِ الحَيَاةِ عَلَى أَسَاسِ مَلئِهَا بِالمَعرُوفِ وَتَطهِيرِهَا مِن لَوثَاتِ المُنكَرِ ، وَلَيسَ لَهَا أَيُّ هَدَفٍ آخَرَ ، وَلا تَنظُرُ إِلى أَيِّ تَجَمُّعٍ مُغَايِرٍ ، وَمَهمَا دُعِيَ إِلى أَيِّ مَنهَجٍ مُنحَرِفٍ أَو لُمِّعَ أَو أُظهِرَ عَلَى أَنَّهُ الجَامِعُ المُخَلِّصُ ، فَإِنَّهَا لا تَلتَفِتُ إِلَيهِ وَلا تَأخُذُ بِهِ ، إِذْ مَا هُوَ في نَظَرِهَا الصَّحَيحِ إِلاَّ نَوعٌ مِنَ الجَاهِلِيَّاتِ الكَثِيرَةِ ، وَالَّتي لم تُغنِ يَومًا عَمَّن تَمَسَّكَ بها ، وَلَن تَنفَعَ مَن سَيَأخُذُ بها ، لأَنَّهَا مَصَالِحُ شَخصِيَّةٌ فَردِيَّةٌ لا تَفتَأُ أَن تَنقَطِعَ حِبَالُهَا لأَيِّ سَبَبٍ دُنيَوِيٍّ ! أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لَمَّا أَمَرَ اللهُ المُؤمِنِينَ بِتَقوَاهُ وَالاعتِصَامِ بِحَبلِهِ وَنَهَاهُم عَنِ التَّفَرُّقِ ، فَقَد ذَكَّرَهُم بِنِعمَةِ الأُخُوَّةِ فِيهِ ، حَيثُ كَانُوا قَبلَهَا أَعدَاءً مُتَنَافِرِينَ ، فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِهِم فَأَصبَحُوا مُجتَمِعِينَ ُمَتَحَابِّينَ ، وَكَانُوا إِلى النَّارِ يَسِيرُونَ فَأَنقَذَهُم مِنهَا ، ثُمَّ حَذَّرَهُم ـ تَعَالى ـ مِنَ التَّشَبُّهِ بِأَهلِ التَّفَرُّقِ وَالاختِلافِ ، مِمَّن لا يُقِيمُونَ وَزنًا لِمَا جَاءَهُم مِنَ البَيِّنَاتِ ، وَإِنَّمَا هَمُّهُم النَّفخُ في القَبَلِيَّاتِ وَالعَصَبِيَّات ِ وَالقَومِيَّاتِ . أَلا فَمَا بَالُ فِئَاتٍ مِنَ المُجتَمَعِ قَد كَثُرَ نَفخُهُم في مُتَأَخِّرِ السَّنَوَاتِ في عِلاقَاتٍ جَاهِلِيَّةٍ مُنتِنَةٍ حَذَّرَ الإِسلامُ مِنهَا ؟ وَأَرَادُوا إِعَادَةَ جَمعِ النَّاسِ تَحتَ رَايَاتٍ عُمِّيَّةٍ قَد أَنقَذَهُمُ اللهُ مِنهَا ؟ مَا كُلُّ هَذَا التَّلمِيعِ لِمَا يُسَمَّى بِالوَطَنِيَّةِ ، تِلكَ الفِتنَةُ العَميَاءُ الَّتي شَغَلُوا بها المُسلِمِينَ ، وَدَعَوهُم إِلى تَمجِيدِهَا وَرَفعِ شَأنِهَا ، بَل وَقَصَدُوا إِلى جَعلِهَا مَعقِدًا لِلوَلاءِ وَالبَرَاءِ ، مُتَغَافِلِينَ عَن أَنَّ مِن أَكبَرِ دَعَاوَى الجَاهِلِيَّةِ الَّتي حَارَبَهَا الإِسلامُ وَوَاجَهَهَا بِقُوَّةٍ وَذَمَّهَا بِشِدَّةٍ وَنَفَّرَ مِنهَا ، مَا يَدعُونَ إِلَيهِ وَيَنشُرُونَهُ وَيَحتَفِلُونَ بِهِ كُلَّ عَامٍ ، وَيُرِيدُونَ تَأصِيلَهُ في قُلُوبِ النَّاشِئَةِ ، مِن جَعلِ التَّميِيزِ وَالتَّفرِقَةِ بَينَ المُسلِمِينَ عَلَى أَسَاسِ الوَطَنِ وَالانتِمَاءِ إِلَيهِ ، نَاسِينَ أَو مُتَنَاسِينَ أَنَّ العِبرَةَ في شَرعِ اللهِ لَيسَت بِجِنسِيِّةٍ وَلا وَطَنٍ وَلا أَيِّ انتِمَاءٍ قَبَلِيٍّ أَو عُنصُرِيٍّ أَو مَذهَبيٍّ ، وَأَنَّ التَّميِيزَ بَينَ النَّاسِ وَالتَّفَاضُلَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالإِيمَانِ وَالتَّقوَى ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ لم يَكُنْ يَسمَحُ لأَيِّ رَابِطَةٍ غَيرِ رَابِطَةِ الإِسلامِ أَن تَطفُوَ عَلَى السَّطحِ أَو يَكُونَ لها وُجُودٌ أَو ظُهُورٌ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا فَضلَ لِعَرَبيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبيٍّ ، وَلا لأَحمَرَ عَلَى أَسوَدَ ، وَلا لأَسوَدَ عَلَى أَحمَرَ إِلاَّ بِالتَّقوَى " رَوَاهُ البَيهَقِيُّ في شُعَبِ الإِيمَانِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَعَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : كُنَّا في غَزَاةٍ ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنصَارِ . فَقَالَ المُهَاجِرِيُّ : يَا لَلمُهَاجِرِينَ . وَقَالَ الأَنصَارِيُّ : يَا لَلأَنصَارِ . فَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : " مَا بَالُ دَعوَى الجَاهِلِيَّةِ ؟ " قَالُوا : رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلاً مِنَ الأَنصَارِ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنتِنَةٌ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . هَكَذَا يُقَرِّرُ الحَبِيبُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أَنَّ أَيَّ دَعوَى إِلى رَابِطَةٍ غَيرِ رَابِطَةِ الإِسلامِ ، فَإِنَّمَا هِيَ دَعوَى مُنتِنَةٌ ، لا خَيرَ فِيهَا وَإِنْ كَانَت مِن أَفضَلِ الرَّوَابِطِ وَأَهلُهَا مِن خَيرِ أَهلِ الأَرضِ ، نَعَم ـ إِخوَةَ الإِسلامِ ـ لا يَجُوزُ أَن تَكُونَ أَيُّ رَابِطَةٍ دُونَ الإِسلامِ مَجَالاً لِتَجَمُّعِ فِئَةٍ دُونَ أُخرَى ، حَتَّى وَلَو كَانَ الارتِبَاطُ عَلَى رَابِطَةٍ شَرِيفَةٍ كَالهِجرَةِ أَو نَصرِ النَّبيِّ ، فَكَيفَ بِوَطَنِيَّةٍ أَو عَصَبِيَّةٍ أَو قَومِيَّةٍ ؟! فَلا يُؤَلِّفُ بَينَ النَّاسِ مَهمَا تَحَضَّرُوا وَتَمَدَّنُوا إِلاَّ الإِسلامُ وَحدَهُ ، وَلا يَجمَعُ شَتَاتَ قُلُوبِهِم وَيُذهِبُ تَنَافُرَهَا إِلاَّ الاعتِصَامُ بِحَبلِ اللهِ ، الَّذِي مَتى اعتَصَمُوا بِهِ أَصبَحُوا بِنِعمَةِ اللهِ إِخوَانًا ، وَمَتى أَفلَتُوهُ وَخَلَت مِنهُ أَيدِيهِم وَنُزِعَ مِن قُلُوبِهِم ، رَجَعُوا إِلى نَبشِ أَحقَادِهِمُ التَأرِيخِيَّةِ المَورُوثَةِ ، وَأَظهَرُوا ثَارَاتِهِمُ القَبَلِيَّةَ المَدفُونَةَ ، وتَوَلَّتهُمُ الأَطمَاعُ الشَّخصِيَّةُ والمَصَالِحُ الفَردِيَّةُ ، وَعَبَثَت بِهِمُ الرَّايَاتُ العُنصُرِيَّةُ الجَاهِلِيَّةِ . هَكَذَا جَاءَ الإِسلامُ وَهَكَذَا يُرِيدُ اللهُ وَرَسُولُهُ ، وَلَكِنَّ الكَفَرَةَ وَالمُنَافِقِين َ وَأَعدَاءَ الدِّينِ لا يَرضَونَ بِذَلِكَ وَلا يُرِيدُونَهُ ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ جَمعَ النَّاسِ مُسلِمِهِم وَكَافِرِهِم وَبَرِّهِم وَفَاجِرِهِم تَحتَ أُخُوَّةِ الوَطَنِ وَالانتِمَاءِ لِلبَلَدِ ، وَمَا هَذَا في حَقِيقَتِهِ إِلاَّ تَميِيعٌ لِمَبدَأٍ عَظِيمٍ مِن مَبَادِئِ الإِسلامِ ، أَلا وَهُوَ الوَلاءُ وَالبَرَاءُ ، وَالَّذِي هُوَ مِن أَوثَقِ عُرَى الإِيمَانِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَوثَقُ عُرَى الإِيمَانِ المُوَالاةُ في اللهِ وَالمُعَادَاةُ في اللهِ ، والحُبُّ في اللهِ وَالبُغضُ في اللهِ " أَخرَجَهُ الطَّبرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . لَقَد هَاجَرَ المُسلِمُونَ إِلى الحَبَشَةِ ثُمَّ إِلى المَدِينَةِ مَعَ حُبِّهِم لِوَطَنِهِمُ الأَصلِيِّ وَهُوَ مَكَّةُ المُكَرَّمَةُ ، فَعَلُوا ذَلِكَ لِيُقِيمُوا دِينَهُم ، بَل خَرَجَ مِنهَا الحَبِيبُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَهُوَ يَعلَمُ أَنَّهَا خَيرُ أَرضِ اللهِ وَأَحَبُّ أَرضِ اللهِ إِليه ، وَتَرَكَهَا وَأَمَرَ أَصحَابَهُ بِتَركِهَا وَالخُرُوجِ مِنهَا ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيهَا بَعدَ سَنَوَاتٍ لِيَفتَحَهَا بِجَيشٍ جُلُّ أَفرَادِهِ لَيسُوا مِن أَبنَائِهَا ، وَانتَصَرَ بِهِم عَلَى أَهلِ وَطَنِهِ وَأَبنَاءِ عُمُومَتِهِ . وَفي المُقَابِلِ وَجَدنَا الأَنصَارَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُم ـ قَد أَحَبُّوا المُهَاجِرِينَ وَفَضَّلُوهُم حَتَّى عَلَى أَنفُسِهِم وَأَهلِيهِم ، وَهُمُ الَّذِينَ مِن أَجلِ الدِّينِ أَبغَضُوا مَن كَانَ مَعَهُم في المَدِينَةِ مِنَ اليَهُودِ وَكَرِهُوهُم وَعَادَوهُم ، وَأَخرَجُوهُم مِنهَا وَأَجلَوهُم ، إِنَّ كُلَّ هَذَا لَيَغرِسُ في قُلُوبِ الأُمَّةِ وَيُحيِي في نُفُوسِهَا أَنَّهُ لا وَلاءَ وَلا انتِمَاءَ لِوَطَنٍ لا يُقِيمُ لِلدِّيِنِ وَزنًا ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ المَرءُ في وَطَنٍ يُقِيمُ الدِّينَ وَيَحكُمُ بِالشَّرِيعَةِ ، فَمَرحَبًا بِالدِّينِ وَأُخُوَّةٍ عَلَى الدِّينِ ، فَعِبَادَةُ اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ هِيَ الغَايَةُ ، وَمَنهَجُ خَيرِ خَلقِ اللهِ هُوَ تَحقِيقُ العُبُودِيَّةِ للهِ في أَيِّ مَكَانٍ وَوَطَنٍ ، وَهُوَ الَّذِي لَمَّا كَانَ البَقَاءُ في مَكَّةَ يُحَقِّقُ العُبُودِيَّةِ للهِ ـ سُبحَانَهُ ـ بَقِيَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فِيهَا ، وَلَمَّا تَعَذَّرَ ذَلِكَ وَصَارَت عُبُودِيَّتُهُ لِرَبِّهِ تَتَحَقَّقُ بِالهِجرَةِ مِنهَا هَاجَرَ وَتَرَكَهَا ، وَلَمَّا صَارَت هَذِهِ العُبُودِيَّةُ تَتَحَقَّقُ بِمُقَاتَلَةِ أَهلِهَا ثُمَّ بِفَتحِهَا قَاتَلَهُمُ ثُمَّ فَتَحَهَا ، فَتَحقِيقُ العُبُودِيَّةِ للهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ هُوَ الأَصلُ ، وَلِهَذَا فَقَد بَيَّنَ اللهُ ـ سُبحَانَهُ ـ عَاقِبَةَ مَن تَمَسَّكُوا بِالأَرضِ وَالوَطَنِ وَلم يُهَاجِرُوا لِيَتَمَكَّنُوا مِن إِقَامَةِ دِينِهِم ، فَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِم قَالُوا فِيمَ كُنتُم قَالُوا كُنَّا مُستَضعَفِينَ في الأَرضِ قَالُوا أَلَم تَكُنْ أَرضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَسَاءَت مَصِيرًا " فَهَل عَلِمَ دُعَاةُ الوَطَنِيَّةِ ومُشغِلُو النَّاسِ بهَا أَيَّ جُرمٍ يَجنُونَهُ عَلَى أَنفُسِهِم وَعَلَى مُجتَمَعِهِم إِذْ يُرِيدُونَ العَودَةَ بِهِ إِلى الجَاهِلِيَّةِ العَميَاءِ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ جَمِيعًا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلْنَعلَمْ أَنَّ الوَلاءَ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكُلِّ مُسلِمٍ بَرٍّ تَقِيٍّ أَيًّا كَانَ وَطَنُهُ ، وَالبَرَاءَ مِن كُلِّ فَاجِرٍ شَقِيٍّ وَلَو كَانَ أَقرَبَ قَرِيبٍ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا . وَلَو أَنَّا كَتَبنَا عَلَيهِم أَنِ اقتُلُوا أَنفُسَكُم أَوِ اخرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنهُم وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيرًا لَهُم وَأَشَدَّ تَثبِيتًا . وَإِذًا لآتَينَاهُم مِن لَدُنَّا أَجرًا عَظِيمًا . وَلَهَدَينَاهُم صِرَاطًا مُستَقِيمًا . وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِيَ نَّ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا . ذَلِكَ الفَضلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيِّما " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ الوَطَنِيَّةَ وَالعِلمَانِيَّ ةَ وَالقَومِيَّةَ وَالاشتِرَاكِيّ َةَ وَنَحوَهَا ، إِنَّمَا هِيَ وُجُوهٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِكَائِنٍ خَبِيثٍ وَاحِدٍ ، وَمَجمُوعَةُ أَسمَاءٍ مُخَادِعَةٍ لِمُسَمًّى قَبِيحٍ فَاسِدٍ ، وَالمُرَادُ إِبعَادُ الدِّينِ عَن دُنيَا النَّاسِ ، وَجَعلُهُم يَجتَمِعُونَ عَلَى غَيرِ دِيَنٍ وَلا عَقِيدَةٍ ، وَإِذَا كَانَ حُبُّ الوَطَنِ الَّذِي هُوَ مِنَ الفِطرَةِ يَعني حُبَّ الوَطَنِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ الإِنسَانُ وَعَلَى أَرضِهِ مَشَى وَمِن خَيرَاتِهِ اغتَذَى وَبِمَائِهِ ارتَوَى ، فَإِنَّ هَؤُلاءِ المُنحَرِفِينَ قَدِ انحَرَفُوا بِهِ لِيَجعَلُوهُ انتِمَاءً لِلوَطَنِ بِمَعنَاهُ السِّيَاسِيِّ أَوِ القَومِيِّ ، بَل جَعَلَهُ كَثِيرٌ مِنَ الرُّؤَسَاءِ وَالقَادَةِ مَلجَأً لَهُم حِينَ يُحِسُّونَ بِالخَطَرِ عَلَى أَنفُسِهِم ، لَكِنَّهُم حِينَ تَقتَحِمُ الشُّعُوبُ هَيبَتَهُمُ الشَّخصِيَّةَ وَتَنَالُ مِن مَصَالِحِهِمُ الفَردِيَّةِ ، أَو تَرفَعُ أَصوَاتَهَا مُطَالِبَةً إِيَّاهُم بِحُقُوقِهَا المَشرُوعَةِ ، يَنسَونَ هَذِهِ الوَطَنِيَّةَ أَو يَتَنَاسُونَهَا ، بَل يَطَؤُونَهَا بِأَقدَامِهِم وَيَدفِنُونَهَا ، وَيَسحَقُونَ شُعُوبَهُم بِكُلِّ مَا يَستَطِيعُونَ ، نَاسِينَ أَنَّ تِلكَ الشُّعُوبَ المَغلُوبَةَ عَلَى أَمرِهَا ، قَد تَغَنَّت بِهَذِهِ الوَطَنِيَّةِ المَزعُومَةِ وَرَاءَهُم يَومًا مَا ، وَبَالَغَت في مَدحِهِم وَمَجَدَّتهُم ، وَرَفَعَت صُوَرَهَم وَأَطَاعَتهُم مِن دَونِ اللهُ ، فَمَا نَفَعَهَا ذَلِكَ وَلا أَغنى عَنهَا شَيئًا ، وَقَد رَأَينَا مَا حَصَلَ في عَدَدٍ مِنَ الدُّوَلِ الَّتي ثَارَت شُعُوبُهَا عَلَى حُكَّامِهَا ، أَو تِلكَ الَّتي قَامَت فِيهَا بَعضُ الطَّوَائِفِ المُنحَرِفَةِ بِإِثَارَةِ القَلاقِلِ وَالمُشكِلاتِ ، أَوِ الأُخرَى الَّتي قَامَت فِيهَا أَقَلِّيَّةٌ مُجرِمَةٌ مُمسِكَةٌ بِالزِّمَامِ ، فَقَتَلُوا أَهلَ وَطَنِهِم مِمَّن هُم عَلَى الحَقِّ وَالسُّنَّةِ وَسَحَقُوهُم ، وَهَدَمُوا مَسَاجِدَهُم وَاعتَدَوا عَلَى مُمتَلَكَاتِهِم وَنَهَبُوا أَموَالَهُم وَهَتَكُوا أَعرَاضَهُم ، فَأَينَ هِيَ الوَطَنِيَّةُ المَزعُومَةُ ؟! وَلِمَاذَا لم تَجمَعِ النَّاسَ وَتُؤَلِّفْ بَينَهُم وَتَحمِيهِم ؟! أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لا يُنكَرُ مَا جُبِلَ عَلَيهِ الإِنسَانُ مِن حُبِّ وَطَنِهِ وَحِرصِهِ على الذَّودِ عَن حِيَاضِهِ وَدَفعِ كُلِّ مَا قَد يَمَسُّهُ مِن مَكرُوهٍ ، فَذَلِكَ نَوعٌ مِنَ الوَطَنِيَّةِ لا بَأسَ بِهِ مَتى كَانَ تَابِعًا لِمَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرضَاهُ ، وَلا يَتبُعُهُ تَعَدٍّ عَلَى حَدٍّ مِن حُدُودِ اللهِ أَو تَعطِيلٌ حُكمٍ مِن أَحكَامِ شَرعِهِ ، وَأَمَّا الوَطَنِيَّةُ بِمَفهُومِهَا الَّذِي يُرِيدُهُ كَثِيرٌ مِنَ المُنَادِينَ بها اليَومَ وَيُرَوِّجُونَ لَهَا ، لِيَكُونَ النَّصرَانيُّ وَاليَهُودِيُّ وَالرَّافِضِيُّ وَكُلُّ صَاحِبِ دَينٍ مُحَرَّفٍ أَو مَذهَبٍ ضَالٍّ مُسَاوِينَ لِلمُسلِمِينَ في كُلِّ شَيءٍ ، فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ وَمَرفُوضَةٌ وَلا خَيرَ فِيهَا كَائِنَةً مَا كَانَت . وَأَمَّا اختِزَالُ الوَطَنِيَّةِ في يَومٍ يُجعَلُ إِجَازَةً ويُحتَفَلُ فِيهِ ، وَتُرفَعُ فِيهِ الأَعلامُ وَالشِّعَارَاتُ ، وَيُتَكَلُّفُ لَهُ في المَيَادِينِ العَامَّةِ بِالحَفَلاتِ ، وَتُحيَا لَهُ مَهرَجَانَاتٌ يختَلِطُ فِيهَا الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ ، وَتُرفَعُ فِيهَا أَصوَاتُ المَزَامِيرِ وَالغِناءِ ، وَيحصُلُ بَعدَهَا مَا يَحصُلُ مِن هَرجٍ وَمَرجٍ وَازدِحَامٍ وَإِيذَاءٍ لِلآخَرِينَ ، وَفوضَى عَامَّةٍ وَجَهَالاتٍ عَارِمَةٍ وَتَكسِيرٍ وَتَصوِيرٍ ، فَمَا كُلُّ هَذَا إِلاَّ تَجَنٍّ عَلَى الوَطَنِ وَإِزرَاءٌ بِهِ ، وَشَغلٌ لِلأُمَّةِ وَالمُجتَمَعِ بِدَعَاوَى فَارِغَةٍ ، وَهَدرٌ لِلأَموَالِ العَامَّةِ وَعَبَثٌ بِالمُقَدَّرَات ِ ، لا يَرضَاهُ مُسلِمٌ تَقِيٌّ وَلا يَفعَلُهُ عَاقِلٌ نَقِيٌّ ، وَلا يُشَجِّعُهُ مَن يُرِيدُ لِمُجتَمَعِهِ الخَيرَ . فاللَّهُمَّ اجعَلْنَا مِمَّن يَستَمسِكُونَ بما أُوحِيَ إِلَيهِم وَيَثبُتُونَ عَلَيهِ ، وَجَنِّبْنَا البِدَعَ وَالمُحدَثَاتِ وَالمُنكَرَاتِ ، وَأَلزِمْنَا سُنَّةَ نَبِيِّكَ وَهَديَهُ الكَرِيمَ ، وَاجمَعْ قُلُوبَنَا عَلَى الإِيمَانِ وَاجعَلْنَا بِهِ إِخوَةً مُتَحَابِّينَ .
|
| ||||||||
| كيف نتعامل مع أذى الآخرين ؟ 2 / 11 / 1432 </b></i>
الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِمَّا لا بُدَّ مِنهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ ، حُصُولُ الأَذَى لِلمَرءِ مِن غَيرِهِ ، وَوُقُوعُ الظُّلمِ عَلَيهِ مِنَ الآخَرِينَ ، وَتَعَدِّيهِم عَلَيهِ في نَفسِهِ أَو مَالِهِ أَو عِرضِهِ ، وَهُوَ الأَمرُ الَّذِي لا يَسلَمُ مِنهُ أَحَدٌ مَهمَا بَلَغَ مِن قُوَّةٍ في دِينِهِ ، أَو أُعطِيَ مِن رَجَاحَةِ العَقلِ أَو حُسنِ الخُلُقِ ، غَيرَ أَنَّ تَحَمُّلَ النَّاسِ لِهَذَا الأَمرِ وَاختِلافَ رُدُودِ أَفعَالِهِم تِجَاهَهُ ، هُوَ الَّذِي يُحَدِّدُ مَن كَانَ مِنهُم ذَا حَظٍّ عَظِيمٍ مِمَّن هُوَ دُونَ ذَلِكَ ، أَلا وَإِنَّ أَعظَمَ النَّاسِ في هَذَا الشَّأنِ حَظًّا وَأَعلاهُم قَدرًا وَأَكثَرَهُم أَجرًا ، هُم المُوَفَّقُونَ الَّذِينَ يَدفَعُونَ السَّيِّئَ بِالحَسَنِ ، وَيَرُدُّونَ الظُّلمَ بِالعَفوِ ، وَيُقَابِلُونَ الخَطَأَ بِالصَّفحِ ، جَاعِلِينَ نِبرَاسَهُم في ذَلِكَ قَولَ الحَقِّ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ : " وَلا تَستَوِي الحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزغٌ فَاستَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ " إِنَّ المُؤمِنَ الَّذِي وَفَّقَهُ اللهُ وَأَعظَمَ حَظَّهُ وَأَعلَى نَصِيبَهُ ، لَيَجعَلُ مِن هَذِهِ الآيَاتِ نُورًا لَهُ يَسِيرُ عَلَيهِ في حَيَاتِهِ ، وَقَاعِدَةً يَنطَلِقُ مِنهَا في تَعَامُلِهِ مَعَ المُسِيئِينَ إِلَيهِ ، فَيَتَحَمَّلُ الأَذَى وَيَصبِرُ عَلَى الخَطَأِ ، وَيَتَجَاوَزُ عَن كُلِّ تَجَاوُزٍ وَيَقصُرُ نَظرَهُ عَن كُلِّ تَقصِيرٍ ، مُتَدَرِّعًا بِالصَّبرِ مُتَجَرِّعًا لِلغَيظِ ، مُستَعِينًا بِاللهِ ـ تَعَالى ـ مُستَعِيذًا مِنَ الشَّيطَانِ ، إِذْ إِنَّ رَبَّهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ يَسمَعُ وَيَعلَمُ وَيَرَى ، وَهُوَ خَالِقُ أَفعَالِ العِبَادِ خَيرِهَا وَشَرِّهَا ، وَمَا يَكُنْ مِن تَسلِيطِ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّمَا هُوَ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ ، وَلَو شَاءَ ـ سُبحَانَهُ ـ أَلاَّ يَقَعَ أَمرٌ لما وَقَعَ ، وَلَولا تَقدِيرُهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَن يُؤذِيَ العَبدَ مَن آذَاهُ لَمَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الأَذَى ، وَإِنَّهُ مَتى نَظَرَ العَبَدُ بهَذَا المِنظَارِ وَلم يَأبَهْ بِأَفعَالِ أُولَئِكَ المُخطِئِينَ ، استَرَاحَ مِنَ الهَمِّ وَالغَمِّ ، وَحَمِدَ اللهَ عَلَى الضَّرَّاءِ كَمَا يَحمَدُهُ عَلَى السَّرَّاءِ ، وَأَورَثَهُ ذَلِكَ لَذَّةً يَجِدُهَا في قَلبِهِ وَرَاحَةً تَملأُ نَفسَهُ . وَأَمرٌ آخَرُ يَقَعُ في نَفسِ المُؤمِنِ بَعدَ كُلِّ أَذًى يَحصُلُ لَهُ أَو ظُلمٍ يَقَعُ عَلَيهِ ، أَلا وَهُوَ يَقِينُهُ أَنَّهُ لم يُسَلَّطْ عَلَيهِ مَن سُلِّطَ في الغَالِبِ إِلاَّ بِذَنبٍ مِنهُ وَتَقصِيرٍ في جَنبِ اللهِ ، وَإِذَا رَأَيتَ المَرءَ يَقَعُ في النَّاسِ إِذَا آذَوهُ وَلا يُفَكِّرُ وَلَو قَلِيلاً أَنَّ إِيَذَاءَهُم قَد يَكُونُ بِسَبَبٍ مِنهُ فَيَلُومُ نَفسَهُ عَلَى خَطَئِهَا وَيُحَاوِلُ تَطهِيرَهَا بِالتَّوبَةِ وَكَثرَةِ الاستِغفَارِ ، فَاعلَمْ أَنَّ مُصِيبَتَهُ عَظِيمَةٌ وَمُضَاعَفَةٌ ، إِذِ اجتَمَعَ عَلَيهِ مَعَ أَذَى النَّاسِ لَهُ غَفلَتُهُ عَن نَفسِهِ ، وَأَمَّا إِذَا أَكثَرَ الاستِغفَارَ وَاتَّهَمَ ذُنُوبَهُ بأنَّهَا السَّبَبُ فِيمَا حَصَلَ لَهُ من أَذًى ، فَإِنَّ الأَذَى حِينَهَا يَتَحَوَّلُ في حَقِّهِ إِلى نَوعٍ مِنَ النِّعمَةِ ، إِذْ يَصقُلُ بِهِ نَفسَهُ وَيُطَهِّرُهَا مِنَ الذُّنُوبِ ، وَيَرجِعُ إِلى رَبِّهِ وَيُنِيبُ إِلَيهِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَهُوَ ـ سُبحَانَهُ ـ نَصِيرُهُ وظَهِيرُهُ . وَقَد يَقُولُ قَائِلٌ : إِنَّ هَذَا الأَمرَ لَيسَ عَلَى إِطلاقِهِ وَعُمُومِهِ ، وَلَيسَ كُلُّ مَن حَصَلَ لَهُ مِنَ النَّاسِ أَذًى فَهُوَ بِسَبَبِ تَقصِيرِهِ أو بما اكتَسَبَ مِنَ الذُّنُوبِ ، كَيفَ وَقَد حَصَلَ الأَذَى لِخَيرِ الخَلقِ مِنَ الأَنبِيَاءِ وَالرُّسُلِ ، وَخَيرُ الوَرَى وَأَفضَلُهُم مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ قَد أُوذِيَ في اللهِ مَا لم يُؤذَ غَيرُهُ ، وَهُوَ الَّذِي قَد غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، فَيُقَالُ : نَعَم ، إِنَّهُ حِينَ لا يَكُونُ أَذَى النَّاسِ لِعَبدٍ مَاحِيًا لِذُنُوبِهِ طَارِحًا لِسَيِّئَاتِهِ ، فَإِنَّهُ في المُقَابِلِ رَافِعٌ لِدَرَجَاتِهِ زَائِدٌ في حَسَنَاتِهِ ، وَقَد وَعَدَ اللهُ مَن عَفَا وَصَبَرَ أَن يَكُونَ عَلَيهِ ـ تَعَالى ـ أَجرُهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثلُهَا فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالمِينَ " نَعَم ، فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللهِ ، عَلَى اللهِ وَحدَهُ لا عَلَى غَيرِهِ ، فَمَا ظَنُّ عَبدٍ يَكُونُ عَلَى اللهِ أَجرُهُ ؟! هَنِيئًا لَهُ ثُمَّ هَنِيئًا ثُمَّ هَنِيئًا ، فَإِنَّمَا يَتَعَامَلُ مَعَ أَكرَمِ الأَكرَمِينَ وَيَرجُو أَجزَلَ المُعطِينَ ، وَمَن كَانَ في اللهِ تَلَفُهُ ، كَانَ عَلَى اللهِ خَلَفُهُ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمِمَّا يُعِينُ المُؤمِنَ عَلَى تَحَمُّلِ الأَذَى وَالصَّبرِ عَلَيهِ ، أَن يَعلَمَ أَنَّهُ مَا انتَقَمَ أَحَدٌ قَطُّ لِنَفسِهِ ، إِلاَّ أَورَثَهُ ذَلِكَ الانتِقَامُ ذُلاًّ يَجِدُهُ وَلَو بَعدَ حِينٍ ، وَأَمَّا مَن عَفَا فَقَد سَلَكَ سَبِيلَ العِزَّةِ وَلا بُدَّ ، وَإِذَا كَانَ المُنتَقِمُ مِمَّن آذَاهُ وَظَلَمَهُ يَظُنُّ أَنَّ في انتِقَامِهِ عِزًّا لَهُ وَحِفظًّا لِحَقِّهِ أَمَامَ النَّاسِ وَإِبقَاءً عَلَى كَرَامَتِهِ ، فَقَدِ اختَلَطَت عَلَيهِ الأُمُورُ وَاشتَبَهَت ، إِذِ العِزُّ الحَاصِلُ بِالعَفوِ أَنفَعُ لِصَاحِبِهِ مِنَ العِزِّ الحَاصِلِ لَهُ بِالانتِقَامِ ، فَإِنَّ عِزَّ الانتِقَامِ دُنيَوِيٌّ عَاجِلٌ ظَاهِرٌ ، وَهُوَ في النِّهَايَةِ يُورِثُ في البَاطِنِ ذُلاًّ وَلَو بَعدَ حِينٍ ، وَأَمَّا العَفوُ فَمَعَ أَنَّهُ قَد يُعَدُّ في الظَّاهِرِ ذُلاًّ ، إِلاَّ أَنَّهُ يُورِثُ عِزًّا بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَلَو بَعدَ أَمَدٍ ، وَهَذَا هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ أَصدَقُ القَائِلِينَ ـ سُبحَانَهُ ـ في كِتَابِهِ ، وَهُوَ ـ تَعَالى ـ الخَالِقُ لِلنُّفُوسِ العَالِمُ بِحَقِيقَةِ مَا فِيهَا ، قَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " اِدفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ " وَبِهَذَا أَخبَرَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَيثُ قَالَ : " وَمَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَقَالَ : " وَلا ظُلِمَ عَبدٌ مَظلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيهَا إِلاَّ زَادَهُ اللهُ عِزًّا " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَإِذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اليَومَ حَتَّى مِنَ الصَّالِحِينَ وَالمُثَقَّفِين َ ، قَدِ اتَّخَذَ لِنَفسِهِ قَاعِدَةً في التَّعَامُلِ مَعَ الآخَرِينَ يَرَى أَنَّهَا غَايَةُ الأَدَبِ وَقِمَّةُ الخُلُقِ وَطَرِيقُ التَّعَامُلِ الصَّحِيحِ ، وَهِيَ أَن يُعَامِلَ الآخَرِينَ بما يُحِبُّ أَن يُعَامِلُوهُ بِهِ ، وَأَن يَصنَعَ مَعَهُم كَمَا صَنَعُوهُ مَعَهُ ، وَأَن يُكَافِئَهُم عَلَى تَصَرُّفِهِمِ مِثلاً بِمِثلٍ ، فَإِنَّ لِلمُؤمِنِ الَّذِي يَنظُرُ بِنُورِ اللهِ وَيَتَعَامَلُ في حَيَاتِهِ مَعَ رَبِّهِ وَيَرجُو مَا عِندَهُ لَشَأنًا آخَرَ ، نَعَم ، إِنَّ لَهُ لَشَأنًا آخَرَ وَنَظَرًا أَدَقَّ وَتَفكِيرًا أَعمَقَ ، إِنَّهُ لَيَرَى أَنَّ المُعَامَلَةَ الصَّحِيحَةَ لِلآخَرِينَ ، هِيَ أَن يَعلَمَ أَنَّ الجَزَاءَ مِن جِنسِ العَمَلِ ، وَأَنَّهُ بِنَفسِهِ ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ مُذنِبٌ مُقَصِّرٌ ، وَأَنَّهُ بِقَدرِ مَا يَعفُو عَنِ النَّاسِ يَعفُو اللهُ عَنهُ ، وَأَنَّهُ إِنْ يَغفِرْ لَهُم يَغفِرِ اللهُ لَهُ ، وَرَضِيَ اللهُ عَن أَبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ وَأَعلَى دَرَجَتَهُ ، فَإِنَّهُ لَمَّا حَلَفَ أَلاَّ يُنفِقَ عَلَى ابنِ عَمِّهِ مِسطَحٍ حِينَ خَاضَ مَعَ الخَائِضِينَ في عِرضِ ابنَتِهِ أُمِّ المُؤمِنِينَ ، فَأَنزَلَ اللهُ ـ تَعَالى ـ قَولَهُ : " وَلا يَأتَلِ أُولُو الفَضلِ مِنكُم وَالسَّعَةِ أَن يُؤتُوا أُولي القُربى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِين َ في سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعفُوا وَلْيَصفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " عِندَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكرٍ : بَلَى وَاللهِ يَا رَبَّنَا ، إِنَّا لَنُحِبُّ أَن تَغفِرَ لَنَا ، وَعَادَ لابنِ عَمِّهِ مِسَطَحٍ بما كَانَ يَصنَعُ إِلَيهِ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيهِ وَالإِحسَانِ إِلَيهِ ، كُلُّ ذَلِكَ مَحَبَّةً في أَن يَغفِرَ اللهُ لَهُ وَيَعفُوَ عَنهُ ، وَيُعَامِلَهُ بما فَعَلَهُ مِن إِحسَانٍ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مِمَّا يُعِينُ عَلَى تَحَمُّلِ الأَذَى وَتَركِ الانتِقَامِ ، أَن يَعلَمَ الصَّابِرُ أَنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِ وَيُحِبُّهُ ، وَمَن كَانَ اللهُ مَعَهُ وَيُحِبُّهُ ، دَفَعَ عَنهُ أَنوَاعَ الأَذَى وَالمَضَرَّاتِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالَّذِينَ هَاجَرُوا في اللهِ مِن بَعدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّه ُم في الدُّنيَا حَسَنَةً وَلأَجرُ الآخِرَةِ أَكبرُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ . الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَاصبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ " وَأَمَّا مَنِ انتَصَرَ لِنَفسِهِ فَقَد وَكَلَهُ اللهُ إِلَيهَا فَكَانَ هُوَ النَّاصِرَ لَهَا ، وَأَينَ يَكُونُ مَن نَاصِرُهُ اللهُ خَيرُ النَّاصِرِينَ إِلى جَنبِ مَن نَاصِرُهُ نَفسُهُ أَعجَزُ النَّاصِرِينَ وَأَضعَفُهُم ؟! وَمِمَّا يُكَرِّهُ المُؤمِنَ في الانتِقَامِ وَيُزَهِّدُهُ فِيهِ وَيَمنَعُهُ مِنهُ ، أَنَّ مَن اعتَادَ الانتِقَامَ وَلم يَصبِرْ ، فَإِنَّهُ لا بُدَّ أَن يَقَعَ في ظُلمِ الآخَرِينَ يَوَمًا مَا ، ذَلِكَ أَنَّ النَّفسَ لا تَقتَصِرُ في كَثِيرٍ مِن مَوَاقِفِ الانتِقَامِ عَلَى قَدرِ العَدلِ الوَاجِبِ لها ، بَل كَثِيرًا مَا تَعجَزُ عَنِ الاقتِصَارِ عَلَى قَدرِ الحَقِّ ، وَلا تَقنَعُ حَتَّى تَرَى أَنْ قَد رَدَّتِ الكَيلَ بِكَيلَينِ وَجَزَت عَلَى الصَّاعِ بِصَاعَينِ ؛ وَقَد يَخرُجُ الغَضَبُ بِصَاحِبِهِ إِلى حَدٍّ لا يَعقِلُ مَعَهُ مَا يَقُولُ وَلا مَا يَفعَلُ ، فَبَينَمَا هُوَ مَظلُومٌ مَهضُومٌ يَنتَظِرُ النَّصرَ مِن رَبِّهِ وَالعِزَّ بِصَبرِهِ ، إِذِ انقَلَبَ بِانتِقَامِهِ ظَالِمًا مُعتَدِيًا ، يَنتَظِرُ مِن رَبِّهِ المَقتَ وَالعُقُوبَةَ جَزَاءَ مَا وَقَعَ فِيهِ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ وَإِيَّاكُم وَالانتِقَامَ ، وَاصبِرُوا تُؤجَرُوا وَتُنصَرُوا . وَلا يَغُرَّنُّكُم مَن قَد يُغرُونَ المَرءَ بِمَدحِهِم لَهُ بِأَنَّهُ لا يُؤخَذُ لَهُ حَقٌّ وَلا يُهضَمُ ، في حِينِ أَنَّهُ قَد يَكُونُ مِن أَظلَمِ خَلقِ اللهِ بِأَخذِهِ أَكثَرَ مِن حَقِّهِ ، فَيَصدُقُ عَلَيهِ مَا رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ : " إِنَّ المُفلِسَ مَن أُمَّتي مَن يَأتي يَومَ القِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيأتي قَد شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعطَى هَذَا مِن حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِن حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَت حَسَنَاتُهُ قَبلَ أَن يُقضَى مَا عَلَيهِ أُخِذَ مِن خَطَايَاهُم فَطُرِحَت عَلَيهِ ، ثم طُرِحَ في النَّارِ " جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُم مِمَّن يَنتَفِعُونَ بِآيَاتِ كِتَابِهِ وَيَهتَدُونَ بِهَديِ نَبِيِّهِ ، وَأَقُولُ مَا تَسمَعُونَ وَأَستَغفِرُ اللهَ . الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوا أَمرَهُ وَاجتَنِبُوا نَهيَهُ ، وَكُونُوا مَعَهُ يَكُنْ مَعَكُم " وَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ . إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدعُو حِزبَهُ لِيَكُونُوا مِن أَصحَابِ السَّعِيرِ " وَلْيَعلَمِ المُؤمِنُ أَنَّهُ إِذَا شَغَلَ نَفسَهُ بِالانتِقَامِ وَطَلَبِ مُقَابَلَةِ كُلِّ سَيِّئَةٍ بِمِثلِهَا ، ضَاعَ عَلَيهِ بِذَلِكَ زَمَانُهُ ، وَتَفَرَّقَ عَلَيهِ قَلبُهُ وَضَاقَ صَدرُهُ ، وَتَوَازَعَتهُ الهُمُومُ في كُلِّ وَادٍ وَصَارَ أَمرُهُ إِلى شَتَاتٍ ، وَفَاتَهُ مِن مَصَالِحِهِ مَا لا يُمكِنُهُ استِدرَاكُهُ ، وَبِهَذَا يَجمَعُ عَلَى نَفسِهِ مَصَائِبَ مُتَعَدِّدَةً ، تُضَافُ إِلى المُصِيبَةِ الَّتي نَالَتهُ مِن جِهَةِ النَّاسِ ، فَيُصبِحُ غَرَضًا لِلمَصَائِبِ وَالمِحَنِ مِن جِهَاتٍ عَدِيدَةٍ ، وَأَمَّا إِذَا عَفَا وَصَفَحَ ؛ فَإِنَّهُ يُفَرِّغَ قَلبَهُ وَجِسمَهُ لِمَصَالِحِهِ الَّتي هِيَ أَهَمُّ عِندَهُ مِنَ الانتِقَامِ ، سَوَاءٌ في ذَلِكَ مَصَالِحُهُ الدُّنيَوِيَّةُ مِن طَلَبِ مَعَاشٍ وَتَربِيَةِ أَبنَاءٍ ، وَرِعَايَةِ حَرثٍ وَزَرعٍ وَتَنمِيَةِ تِجَارَةٍ ، أَو مَصَالِحُهُ الأُخرَوِيَّةُ وَهِيَ الأَهَمُّ ، مِن تَزكِيَةٍ لِلنَّفسِ بِالطَّاعَاتِ ، وَطَلَبٍ لأَعلَى المَنَازِلِ وَأَرفَعِ الدَّرَجَاتِ ، وَسَعيٍ لِصُحبَةِ مُحَمَّدٍ وَصَحبِهِ في أَعلَى عِلِّيِّينَ . لَقَد أَضَاعَ الانتِقَامُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَوقَاتَهُم وَأَذهَبَ أَعمَارَهُم ، وَفَوَّتَ عَلَيهِم مَصَالِحَهُم ، وَبَغَّضَهُم إِلى الخَلقِ وَبَغَّضَ الخَلقَ إِلَيهِم ، وَجَعَلَ لَهُم شَيئًا مِمَّا لَيسَ بِشَيءٍ ، فَشَهرٌ يَضِيعُ في مَركَزِ الشُّرطَةِ ، وَآخَرُ في المَحكَمَةِ ، وَثَالِثٌ في دِيوَانِ المَظَالِمِ ، وَضَغطُ قَلبٍ مُرتَفِعٌ ، وَسُكَّرُ دَمٍ زَائِدٌ ، وَأَلَمٌ يَعتَصِرُ القَلبَ وَهَمٌّ يَملأُ الصَدرَ ، وَضِيقٌ في النَّفَسِ وَانسِدَادٌ في الشَّرَايِينِ ، وَنَومٌ مُتَكَدِّرٌ وَتَفكِيرٌ مُتَشَتِّتٌ ، وَمُعَامَلاتٌ تَصدُرُ وَأُخرَى تَرِدُ ، وَأَموَالٌ تُعطَى مُحَامِينَ وَهَدَايَا تُمَدُّ لِمُستَشَارِينَ ، وَقَد يَصِلُ حُبُّ الانتِقَامِ وَمُحَاوَلَةُ دَفعِ الأَذَى إِلى دَفعِ رَشَاوَى وَاستِشهَادِ مُزَوِّرِينَ أَو إِيقَادِ حَمِيَّاتٍ جَاهِلِيَّةٍ ، أَو يَبلُغُ الجَزَعُ بِالمَرءِ إِلى التَّهَوُّرِ بِضَربِ مُؤذِيهِ أَو قَتلِهِ أَو إِفسَادِ شَيءٍ مِمَّا لَهُ ، وَكُلٌّ مِمَّا ذُكِرَ ضَيَاعٌ لِلدِّينِ وَذَهَابٌ لِلعَقلِ ، وَفَسَادٌ لِلصِحَّةِ وَخَسَارَةٌ لِلرَّاحَةِ ، وَقَد يَكُونُ نَدَمًا في الدُّنيَا وَنَدَامَةً يَومَ القِيَامَةِ ، فَرَحِمَ اللهُ امرَأً جَعَلَ طَلَبَ الأَجرِ بَينَ عَينَيهِ ، وَالتَمَسَ عَظِيمَ الثَّوَابِ وَرَفِيعَ الدَّرَجَةِ عِندَ رَبِّهِ ، وَأَيقَنَ بِقُربِ المَوتِ وَسُرعَةِ انقِضَاءِ العُمُرِ ، وَعَلِمَ أَنَّ بَعدَ الرَّحِيلِ ذِكرًا حَسَنًا أَو سَيِّئًا ، وَسُمعَةً طَيِّبَةً أَو خَبِيثَةً ، وَمَدحًا أَو ذَمًّا ، وَدُعَاءً لَهُ أَو عَلَيهِ ، وَالنَّاسُ شُهَدَاءُ اللهِ في الأَرضِ ، مَن أَثنَوا عَلَيهِ خَيرًا وَجَبَت لَهُ الجَنَّةُ ، وَمَن أَثنَوا عَلَيهِ شَرًّا وَجَبَت لَهُ النَّارُ ، بِذَلِكَ صَحَّ الخَبَرُ عَنِ الحَبِيبِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ في الصَّحِيحَينِ وَغَيرِهِمَا . |
| |||||||
| |
| ||||||||
| حقيقة الرافضة والتحذير منهم 9 / 11 / 1432 </b></i>
الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، دِينُ اللهِ الحَقُّ وَاحِدٌ هُوَ الإسلامُ ، لا يَرضَى ـ سُبحَانَهُ ـ بِغَيرِهِ وَلا يَقبَلُ سِوَاهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسلامُ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ " وَكَمَا حَصَلَ التَّفَرُّقُ في الأَديَانِ السَّابِقَةِ ، وَخُرُوجُ فِرَقٍ شَاذَّةٍ تُخَالِفُ المَنهَجَ الصَّحِيحَ وَتُنَاصِبُ الأَنبِيَاءَ وَالمُؤمِنِينَ العِدَاءَ ، فَقَد حَصَلَ الأَمرُ نَفسُهُ في هَذَا الدِّينِ ، مِصدَاقًا لِقَولِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " اِفتَرَقَتِ اليَهُودُ عَلَى إِحدَى وَسَبعِينَ فِرقَةً ، فَوَاحِدَةٌ في الجَنَّةِ وَسَبعُونَ في النَّارِ ، وَافتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثنتَينِ وَسَبعِينَ فِرقَةً ، فَوَاحِدَةٌ في الجَنَّةِ وَإِحدَى وَسَبعُونَ في النَّارِ ، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَتَفتَرِقَنَّ أُمَّتي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبعِينَ فِرقَةً ، فَوَاحِدَةٌ في الجَنَّةِ ، وَثِنتَانِ وَسَبعُونَ في النَّارِ " قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ مَن هُم ؟ قَالَ : " هُمُ الجَمَاعَةُ " رَوَاهُ أَهلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبانيُّ ، وَهَذَا لَفظُ ابنِ مَاجَه . وَالكَلامُ في الفِرَقِ الَّتي نَشَأَت مُنذُ عَهدٍ مُبَكِّرٍ وفي صَدرِ الإِسلامِ يَطُولُ ، غَيرَ أَنَّ مِن أَشهَرِهَا وَأَنكَرِهَا وَأَخطَرِهَا ، وَأَلَدِّهَا لأَهلِ الحَقِّ عِدَاءً وَبُغضًا ، وَأَشَدِّهَا بِأهلِ السُّنَّةِ تَرَبُّصًا وَفَتكًا ، تِلكُمُ الفِرقَةُ البَاطِنِيَّةُ المُسَمَّاةُ زُورًا بِالشِّيعَةِ ، وَإِنَّمَا هِيَ في حَقِيقَتِهَا نَبتَةٌ يَهُودِيَّةٌ خَبِيثَةٌ ، سَقَتهَا دِمَاءُ كَربَلاءَ وَالجَمَلِ وَصِفِّينَ ، وَلم تَزَلْ أَحقَادُهَا تُشَبُّ في عَاشُورَاءَ مِن كُلِّ عَامٍ ، في مَنَاحَاتٍ يَهرَمُ فِيهَا الكَبِيرُ وَيُرَبىَّ عَلَيهَا الصَّغِيرُ ، تُشَقُّ فِيهَا الثِّيَابُ وَالجُيُوبُ ، وَتُلطَمُ الصَّدُورُ وَالخُدُودُ ، وَيُحلَقُ وَيُصلَقُ وَيُتَوَعَّدُ وَيُتَهَدَّدُ ، في بُكَاءٍ وَصُرَاخٍ وَعَوِيلٍ ، وَإِلفٍ لِمَشَاهِدِ الدِّمَاءِ تَسِيلُ ، وَتَغَنٍّ بِالانتِقَامِ وَحُلمٍ بِالثَّأرِ . إِنَّهُمُ الرَّافِضَةُ ، سَرَطَانُ الأُمَّةِ وَمَرَضُهَا العُضَالُ ، خَدَعُوا بِالتُّقيَةِ حَتى العُلَمَاءَ ، فَتَأَلَّفُوا عَلَى بَاطِلِهِم قُلُوبَهُم ، وَأَعمَوا عَنِ الحَقِّ عُيُونَهُم ، حَتى شَغَلُوا الأُمَّةَ عَشَرَاتِ السِّنِينَ بِدَعَوَاتِ التَّقرِيبِ بَينَ أَهلِ السُّنَّةِ وَالرَّافِضَةِ ، مُتَنَاسِينَ أَنَّهُ وَمُنذُ أَنِ انتَصَرَ المُسلِمُونَ في مَعرَكَةِ القَادِسِيَّةِ عَلَى أَجدَادِ الرَّافِضَةِ مِنَ الفُرسِ المَجُوسِ ، وَمُنذُ أَن أَسقَطُوا المَدَائِنَ الَّتي كَانَت عَاصِمَةَ مُلكِهِم ، وَهُم يَحمِلُونَ الحِقدَ في نُفُوسِهِم وَتَمتَلِئُ بِالغَيظِ صُدُورُهُم ، غَيرَ أَنَّهُم بَدؤُوا بِالثَّأرِ مُبَكِّرِينَ ، فَقَتَلَ أَبُو لُؤلُؤَةَ المَجُوسِيُّ الخَلِيفَةَ الرَّاشِدَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ ، ثم ظَهَرَ عَبدُاللهِ بنُ سبأٍ اليَهُودِيُّ ، فَادَّعَى الإِسلامَ ظَاهِرًا مَعَ كُفرِهِ بَاطِنًا ، وَلم يَزَلْ حَتى أَلَّبَ الثُّوَّارَ عَلَى ثَالِثِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عُثَمَانَ بنِ عَفَّانَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ فَقَتَلُوهُ ، ثم مَا زَالَ حَتى جَعَلَ عَلِيًّا ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ إِلَهًا ، وَلَمَّا استَنكَرَ عَلَيهِ عَلِيٌّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ وَعَلَى فِرقَتِهِ مَقَالَتَهُم وَنَفَاهُ وَحَرَّقَ قَومَهُ بِالنَّارِ ، طَفِقَ الخَبِيثُ يَكِيدُ لِلمُسلِمِينَ ، وَيَشُبُّ بَينَهُمُ الفِتَنَ وَيُوقِعُ المَعَارِكَ ، وَلَمَّا اجتَمَعَت كَلِمَتُهُم عَلَى يَدِ سَيِّدِ شَبَابِ أَهلِ الجَنَّةِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ إِذْ تَنَازَلَ لِمُعَاوَيَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ بِالخِلافَةِ ، تَخَلَّى الشِّيعَةُ عَنِ الحُسَينِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ وَأَسلَمُوهُ ، فَقُتِلَ في يَومِ عَاشُورَاءَ ، ثم مَا زَالُوا بَعدُ يَكِيدُونَ لِلمُسلِمِينَ وَيُؤَسِّسُونَ لِحَربِهِم ، فَظَهَرَ القَرَامِطَةُ في الأَحسَاءِ وَالبَحرَينِ ، وَنَشَأَتِ الزَّيدِيَّةُ في اليَمَنِ ، وَقَامَت دَولَةُ العُبَيدِيِّينَ الرَّافِضِيَّةُ في مِصرَ وَالمَغرِبِ ، وفي القَرنِ الرَّابِعِ ظَهَرَتِ الدَّولَةُ البُوَيهِيَّةُ الرَّافِضِيَّةُ في الدَّيلَمِ . وَقَد كَانَ لِكُلٍّ مِن تِلكَ الفِرَقِ وَالدُّوَلِ نَصِيبٌ مِن عِدَاءِ أَهلِ السُّنَّةِ ، فَالقَرَامِطَةُ قَتَلُوا الحُجَّاجَ في المَسجِدِ الحَرَامِ في إِحدَى السَّنَوَاتِ في يَومِ التَّروِيَةِ ، وَاقتَلَعُوا الحَجَرَ الأَسوَدَ مِن مَكَانِهِ وَأَبقَوهُ بِحَوزَتِهِم في الأَحسَاءِ أَكثَرَ مِن عِشرِينَ عَامًا ، وَالبُوَيهِيُّو نَ أَظهَرُوا الفَسَادَ في بَغدَادَ ، وَتَجَرَّأَ السُّفَهَاءُ في عَهدِهِم عَلَى شَتمِ الصَّحَابَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُم ـ وَكَانَ مِن أَمرِهِم أَن أَمَرُوا بِإِغلاقِ الأَسوَاقِ في يَومِ عَاشُورَاءَ وَعَطَّلُوا البَيعَ ، وَظَهَرَتِ النِّسَاءُ نَاشِرَاتٍ لِشُعُورِهِنَّ يَلطِمنَ في الأَسوَاقِ ، وَأُقِيمَتِ النَّائِحَةُ عَلَى الحُسَينِ لأَوَّلِ مَرَّةٍ في تَارِيخِ بَغدَادَ ، وَأَمَّا العُبَيدِيُّونَ المُسَمَّونَ زُورًا بِالفَاطِمِيِّي نَ ، فَقَد كَانَ أَبرَزُ حُكَّامِهِمُ الحَاكِمَ بِأَمرِ اللهِ ، الَّذِي ادَّعَى الأُلُوهِيَّةَ ، وَدَعَا إِلى القَولِ بِتَنَاسُخِ الأَروَاحِ ، وَعَزَمَ مَرَّتَينِ عَلَى نَبشِ قَبرِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَنَقلِهِ إِلى مِصرَ ، وَبَنى لِذَلِكَ مَكَانًا وَأَنفَقَ عَلَيهِ مَالاً ، فَأَخزَاهُ اللهُ وَأَذَلَّهُ ، وَفي تِلكَ الدَّولَةِ نَشَأَت بِدعَةُ المَولِدِ النَّبَوِيِّ ، وَمِن مَسَاوِئِهَا أَن بَنَت مَشهَدًا بِمِصرَ يُقَالُ لَهُ ( تَاجُ الحُسَينِ ) حَيثُ زَعَمُوا أَنَّ بِهِ رَأسَ الحُسَينِ ، وَمَازَالَ كَثِيرٌ مِنَ الرَّافِضَةِ يَزُورُونَهُ إِلى يَومِنَا هَذَا . وَأَمَّا خِيَانَةُ الرَّافِضَةِ العُظمَى لِلمُسلِمِينَ وَبَلِيَّتُهُم الكُبرَى عَلَيهِم ، فَقَد حَصَلَت بِقِيَادَةِ نُصَيرِ الدِّينِ الطُّوسِيِّ وَابنِ العَلقَمِيِّ الرَّافِضِيَّين ِ ، حَيثُ تَعَاوَنَا مَعَ التَّتَارِ وَأَدخَلُوهُم بِلادَ الإِسلامِ ، فَقُتِلَ بِسَبَبِهِم أَكثَرُ مِن مِليُوني مُسلِمٍ في بَغدَادَ وَحدَهَا ، وَسَقَطَتِ الدَّولَةُ العَبَّاسِيَّةُ السُّنِّيَّةُ ، وَخَرَجَتِ الفِرقَةُ النُّصَيرِيَّةُ الخَبِيثَةُ ، وَالَّتي مَا زَالَ إِخوَانُنَا في سُورِيَّةَ يَذوقُونَ الأَمَرَّينِ مِنهَا إِلى اليَومَ . وَفي القَرنِ العَاشِرِ قَامَتِ الدَّولَةُ الصَّفوِيَّةُ الرَّافِضِيَّةُ في إِيرَانَ عَلَى يَدِ الشَّاه إِسمَاعِيلَ الصَّفوِيِّ الرَّافِضِيِّ ، الَّذِي قَتَلَ مَا يَقرُبُ مِن مِليُونَ مُسلِمٍ ، لا لِشَيءٍ إِلاَّ أَنهَّم لا يَعتَنِقُونَ مَذهَبَ الرَّفضِ ، وَلَمَّا قَدِمَ بَغدَادَ أَعلَنَ سَبَّهُ لِلخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ، وَنَبَشَ قُبُورَ كَثِيرٍ مِن أَموَاتِ أَهلِ السُّنَّةِ ، وَمِنهَا قَبرُ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَةَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ . وَفي عَهدِ الدَّولَةِ السُّعُودِيَّةِ الأُولى قَدِمَ رَافِضِيٌ خَبِيثٌ مِنَ العِرَاقِ إِلى الدِّرعِيَّةِ ، وَأَظهَرَ الزُّهدَ وَالتَّنَسُّكَ ، وَلم يَزَلْ حَتى طَعَنَ الإِمَامَ عَبدَالعزِيزِ بنَ محمدِ بنِ سُعُودٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ وَهُوَ سَاجِدٌ في صَلاةِ العَصرِ بِخِنجَرٍ فَقَتَلَهُ . وَفي عَهدِ مُؤَسِّسِ هَذِهِ الدَّولَةِ المَلِكِ عَبدِالعَزِيزِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ حَاوَلَ رَافِضِيٌّ أَن يَغتَالَهُ وَهُوَ يَطُوفُ في الحَرَمِ ، فَقَتَلَ اثنَينِ مِن حُرَّاسِهِ ، وَلَكِنَّ اللهَ أَخزَاهُ وَأَبطَلَ كَيدَهُ . وَفي نِهَايَةِ القَرنِ المَاضِي وَبِدَايَةِ هَذَا القَرنِ ، قَامَت جُمهُورِيَّةُ الرَّفضِ في إِيرَانَ عَلَى يَدِ الهَالِكِ الخُمَينيِّ ، وَبِاسمِ الثَّورَةِ الإِسلامِيَّةِ قَامَت تِلكَ الدَّولَةُ وَمَا زَالَت تَقُومُ بِالإِفسَادِ ، بَل جَعَلَت أَطهَرَ بِقَاعِ الأَرضِ وَأَشرَفَهَا وَهِيَ مَكَّةُ وَالمَدِينَةُ ، وَأَشرَفَ الأَزمِنَةِ وَهُوَ مَوسِمُ الحَجِّ ، جَعَلَت ذَلِكَ مَكَانًا وَزَمَانًا لإِفسَادِهَا ، فَنَظَّمُوا المَسِيرَاتِ الغَوغَائِيَّةَ ، وَحَاوَلُوا أَن يَعِيثُوا في حَرَمِ اللهِ وَفِيمَا حَولَهُ فَسَادًا ، فَقَتَلُوا في إِحدَى السَّنَوَاتِ عَدَدًا مِن رِجَالِ الأَمنِ وَالحُجَّاجِ ، وَكَسَّرُوا أَبوَابَ المَتَاجِرِ وَحَطَّمُوا السَّيَّارَاتِ ، وَأَوقَدُوا النَّارَ فِيهَا وَفي أَهلِهَا ، ثم لم يَألُوا جُهدًا حَتى زَرَعَ جَمَاعَةٌ مِن مُخَرِّبِيهِم المُتَفَجِّرَات ِ حَولَ المَسجِدِ الحَرَامِ في سَنَةٍ أُخرَى ، وَلَمَّا أَمكَنَ اللهُ مِنهُم وَقُتِلُوا ، قَامَ آخَرُونَ انتِقَامًا لهم بِنَشرِ غَازٍ سَامٍّ في أَحَدِ الأَنفَاقِ في مِنى في السَّنَةِ الَّتي تَلِيهَا ، وَقَتَلُوا مِنَ الحُجَّاجِ مَن قَتَلُوا ، وَهَكَذَا مَا زَالُوا يُحَاوِلُونَ الإِفسَادَ قَدرَ استِطَاعَتِهِم ، حَيثُ نَبَشُوا بَعضَ القُبُورِ قَبلَ عِدَّةِ أَعوَامٍ في البَقِيعِ ، وَرَفَعُوا الأَهَازِيجَ الَّتي تُعلِنُ بُغضَ هَذِهِ الدَّولَةِ وَحُكَّامِهَا مِن أَهلِ السُّنَّةِ ، وَنَظَّمُوا المَسِيرَاتِ حَولَ المَسجِدِ النَّبَوِيِّ وَاعتَدُوا عَلَى رِجَالِ الأَمنِ وَالهَيئَةِ ، وَهَا هُم بَينَ حِينٍ وَآخَرَ في مُدُنِهِم في شَرقِ هَذِهِ البِلادِ يُنَظِّمُونَ مَسِيرَاتٍ وَيَرفَعُونَ أَصوَاتًا ، فَعَلِيهِم مِنَ اللهِ مَا يَستَحِقُّونَ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمَعَ أَنَّ الشِّيعَةَ أَوهَمُوا المُسلِمِينَ في أَوَّلِ الأَمرِ أَنَّهُم مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ إِلاَّ أَنَّهُم في النِّهَايَةِ خَذَلُوهُ وَعَصَوهُ وَتَرَكُوهُ ، بَل قَتَلَهُ مَن كَانَ يَدَّعِي التَّشَيُّعَ لَهُ بَعدَ أَن خَرَجَ عَلَيهِ ، وَبَعدَ أَن كَانَ التَّشَيُّعُ لُعبَةً ظَاهِرُهَا الاختِلافُ حَولَ أَحقِيَّةِ عَلِيٍّ في الخِلافَةِ أَو تَفضِيلِهِ عَلَى عُثمَانَ ، أَصبَحَ يَحمِلُ في طَيَّاتِهِ عَقَائِدَ بَاطِلَةً ، كَانَ لِليَهُودِ يَدٌ مُبَاشِرَةٌ في إِقحَامِهَا في الإِسلامِ ، وَقَد تَفَرَّقَتِ الشِّيعَةُ فِرَقًا شَتىَّ ، غَيرَ أَنَّ الرَّافِضَةَ الاثني عَشَرِيَّةَ الإِمَامِيَّةَ ، هِيَ أَشهَرُهَا وَأَكثَرُهَا انتِشَارًا ، وَهُمُ الَّذِينَ يَسعَونَ لِتَشيِيعِ أَهلِ السُّنَّةِ ، وَيُسَخِّرُونَ في ذَلِكَ القَنَوَاتِ الإِذَاعِيَّةَ وَالمَرئِيَّةَ . وَلِهَؤُلاءِ الأَنجَاسِ الأَرجَاسِ اعتِقَادَاتٌ كُفرِيَّةٌ ، حَيثُ يُجَاوِزُونَ بِأَئِمَّتِهِم القِيَادَةَ الدُّنيَوِيَّةَ وَالسِّيَاسِيَّ ةَ ، فَيَجعَلُونَ أَحَدَهُم كَالنَّبيِّ ، زَاعِمِينَ أَنَّ صِفَاتِهِ كِصِفَاتِهِ ، وَأَنَّ لَهُ مُعجِزَاتٍ كَمُعجِزَاتِهِ ، بَل يَزعُمُونَ أَنَّ أَئِمَّتَهُم يَعلَمُونَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ ، وَأَنَّهُم يَطَّلِعُونَ عَلَى اللَّوحِ المَحفُوظِ ، وَأَنَّهُم لا يَمُوتُونَ إِلاَّ بِاختِيَارِهِم ، وَأَنَّ تَعيِينَهُم كَتَعيِينِ النَّبيِّ لا يَتِمُّ إِلاَّ بِاختِيَارٍ إِلَهِيٍّ . وَقَد تَجَرَّؤُوا عَلَى تَكفِيرِ الصَّحَابةِ إِلاَّ نَفَرًا قَلِيلاً ، وَكَفَّرُوا حَفصَةَ وَعَائِشَةَ زَوجَتيِ النَّبيِّ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ ، بَل وَاتَّهَمُوا عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةَ بِالزِّنَا . ثم هُم يُؤمِنُونَ بِوُجُودِ إِمَامٍ هُوَ الثَّانيَ عَشَرَ ، وَيُلَقِّبُونَه ُ بِصَاحِبِ الزَّمَانِ ، وَيَعتَقِدُونَ أَنَّهُ مُختَفٍ في سِردَابٍ بِمَدِينَةِ سَامُرَّاءَ ، وَهُم يَنتَظِرُونَ خُرُوجَهُ . وَالرَّافِضَةُ يُعرِضُونَ عَنِ القُرآنِ وَالسُّنَّةِ ، وَيَعتَمِدُونَ عَلَى كَذِبِ أَئِمَّتِهِم ، وَلَهُم عَقَائِدُ فَاسِدَةٌ حَتى في حَقِّ اللهِ ـ تَعَالى ـ حَيثُ يُشرِكُونَ بِهِ ، وَيَزعُمُونَ أَنَّهُ ـ تَعَالى ـ يَبدُو لَهُ الشَّيءُّ فَيُغَيِّرُ مَا كَانَ قَد سَبَقَ لَهُ تَقدِيرُهُ ، وَهَذِهِ عَقِيدَةٌ يَهُودِيَّةٌ تُسَمَّى البَدَاءَ ، وَمِن عَقَائِدِهِمُ التُّقيَةُ ، حَيثُ يُجَوِّزُونَ لأَنفُسِهِم أَن يُظهِرُوا لِغَيرِهِم مَا لا يُبطِنُونَ ، وَهِيَ فِكرَةٌ استَفَادُوهَا مِنَ اليَهُودِ ، الَّذِينَ هُم مِن أَخبَثِ الخَلقِ وَأَشَدِّهِم إِتقَانًا لِلتَّخَفِّي وَالبَقَاءِ ، وَعَلَى التُّقيَةِ تَرَبىَّ الرَّافِضَةُ مُنذُ نُعُومَةِ أَظَفَارِهِم ، وَبها يَدَّعوُنَ الوَطَنِيَّةَ وَحُبَّ الوَطَنِ ، وَهُم في الحَقِيقَةِ مِن أَشَدِّ النَّاسِ عَدَاوَةً لأَهلِ السُّنَّةِ وُلاةً وَعُلَمَاءَ وَعَامَّةً . وَمِن عَقَائِدِهِمُ الفَاسِدَةِ القَولُ بِتَحرِيفِ القُرآنِ ، حَيثُ يَرَونَ أَنَّ هَذَا القُرآنَ المَوجُودَ بَينَ أَيدِي النَّاسِ مُحَرَّفٌ ، وَأَنَّهُ قَد ذَهَبَ مِنهُ أَكثَرُ مِنَ الثُّلُثَينِ ، ثم هُم بِتَكفِيرِهِم لِصَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ ، قَد أَدَارُوا ظُهُورَهُم لِكُلِّ مَا رَوَاهُ أُولَئِكَ الصَّحبُ الكِرَامُ مِن أَحَادِيثِ المُصطَفَى ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَفعَالِهِ وَأَحوَالِهِ وَسِيَرِهِ وَأَيَّامِهِ ، وَلِهَذَا لا يَقبَلُونَ الأَحَادِيثَ الَّتي يَروِيهَا أَهلُ السُّنَّةِ في كُتُبِهِم ، وَبِهَذَا هَدَمُوا الإِسلامَ مِن أَسَاسِهِ ، فَعَلَيهِم مِنَ اللهِ مَا يَستَحِقُّونَ . وَمِن فَسَادِ أُولَئِكَ الرَّافِضَةِ تَحلِيلُهُم زَوَاجَ المُتعَةِ ، وَبِهِ جَعَلُوا الزَّوَاجَ عِلاقَةً جِنسِيَّةً مَحضَةً ، تَربُطُ رَجُلاً بِامرَأَةٍ دُونَ أَن تَكفَلَ لها أَيَّ حَقٍّ مِنَ الحُقُوقِ الَّتي يِكفَلُهَا لها الزَّوَاجُ ، وَبِذَلِكَ صَارَتِ المَرأَةُ لَدَيهِم مُجَرَّدَ وَسِيلَةٍ لِلمُتعَةِ وَقَضَاءِ الوَطَرِ ، بِلا شَرطٍ سِوَى صِيغَةِ العَقدِ وَذِكرِ المَهرِ وَالمُدَّةِ وَلَو يَومًا وَاحِدًا أَو سَاعَاتٍ مَعدُودَةً ، وَهَذِهِ دَعوَةٌ مُبَاشِرَةٌ إِلى الفَسَادِ ، وَنَشرٌ عَرِيضٌ لِلفَاحَشَةِ ، بَلْ لم يَكتَفُوا بها حَتى رَتَّبُوا عَلَيهَا الثَّوَابَ وَالمَغفِرَةَ ، حَيثُ يَزعُمُونَ أَنَّ الرَّجُلَ لا يُكَلِّمُ مَن يَتَمَتَّعُ بها كَلِمَةً إِلاَّ كُتِبَ لَهُ حَسَنَةٌ ، وَإِذَا دَنَا مِنهَا غُفِرَ لَهُ بِذَلِكَ ذَنبٌ ، فَإِذَا اغتَسَلَ غُفِرَ لَهُ بِعَدَدِ مَا مَرَّ المَاءُ عَلَى شَعرِهِ . وَالرَّافِضَةُ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ يُبغِضُونَ أَهلَ السُّنَّةِ ، وَيُسَمُّونَهُم ُ النَّوَاصِبَ ، وَيُكَفِّرُونَه ُم وَيَرَونَ قَتلَهُم ، وَلا يُجِيزُونَ مُنَاكَحَتَهُم وَلا أَكلَ ذَبَائِحِهِم وَلا السَّكَنَ مَعَهُم ، وَيَنهَونَ عَنِ الصَّلاةِ خَلفَهُم وَعَلَى أَموَاتِهِم إِلاَّ تُقيَةً أَو لِكَي يَدعُوا عَلَيهِم بَدلاً مِنَ الدُّعَاءِ لهم ، كَمَا يَحكُمُونَ بِنَجَاسَة السُّنِّيِّ ، وَأَنَّ اليَدَ تُغسَلُ مِن مُصَافَحَتِهِ ، بَلْ وُتَمسَحُ بَالتُّرَابِ . فَمَاذَا بَعدَ كُلِّ هَذَا ؟! إِنَّهُ مَا بَعدَهُ إِلاَّ الحَذَرُ منهم ، وَمَعرِفَةُ أَنَّهُ لا مَجَالَ لِقَبُولِهِم إِخوَةً وَلا مُوَاطِنِينَ ، وَالعِلمُ بِحَقِيقَةِ المَعرَكَةِ بَينَنَا وَبَينَهُم ، وَفَهمُ طَبِيعَةِ الصِّرَاعِ مَعَهُم ، وَأَلاَّ يَخفَى عَلَينَا خُبثُهُم ، وَأَنَّهُ مَهمَا زَعَمُوا أَنَّهُم يُحِبُّونَ هَذَا الوَطَنَ أَو يَدِينُونَ بِالوَلاءِ لِوُلاةِ أَمرِهِ ، فَإِنَّهُم إِنما يَتَحَيَّنُونَ كُلَّ فُرصَةٍ لِلإِيقَاعِ بِأَهلِهِ ، وَإِنَّ مَا نَشَرَتهُ وِزَارَةُ الدَّاخِلِيَّةِ ممَّا حَدَث في هَذَا الأُسبُوعِ مِنهُم مِن إِثَارَةٍ وَبَلبَلَةٍ في إِحدَى مُدُنِهِم ، إِنَّمَا هُوَ غَيضٌ مِن فَيضٍ ممَّا تَحتَقِنُ بِهِ صُدُورُهُم ، وَالوَاجِبُ عَلَى أَهلِ هَذِهِ البِلادِ الاعتِصَامُ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَلُزُومُ جماعَةِ المُسلِمِينَ وَإِمَامِهِم ، وَالحِرصُ عَلَى وِحدَةِ أَهلِ السُّنَّةِ وَائتِلافِهِم ، وَالحَذرُ مِنَ التَّنَازُعِ وَالاختِلافِ بَينَهُم ، عَمَلاً بِقَولِ اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا " وَقَولِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " تَرَكتُ فِيكُم أَمرَينِ لَن تَضِلُّوا مَا إِنْ تَمَسَّكتُم بهما : كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتي " رَوَاهُ الحَاكِمُ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . بَارَكَ اللهُ لي وَلَكُم في القُرآنِ وَالسُّنَّةِ ... الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى أَهلِ السُّنَّةِ جَمِيعًا ، حُكَّامًا وَمَحكُومِينَ ، عُلَمَاءَ وَمُفَكِّرِينَ ، وَقَادَةً وَعَامَّةً ، أَن يَتَصَدَّوا لِهَذِهِ الفِرقَةِ الخَبِيثَةِ ، وَأَن يَعلَمُوا أَنَّ هُنَالِكَ مُخَطَّطًا رَافِضِيًّا يُرَوَّجُ لَهُ لإِسقَاطِ أَهلِ السُّنَّةِ ، وَمِمَّا ظَهَرَ مِن أَجزَائِهِ شِرَاءُ الأَرَاضِي في مُدُنِ أَهلِ السُّنَّةِ ، وَهُوَ الأَمرُ الَّذِي أَفتى عُلَمَاؤُنَا بِعَدَمِ جَوَازِهِ ، فَالحَذَرَ الحَذَرَ ، وَلا تَكُنِ الدُّنيَا عِندَ أَحَدِنَا أَهَمَّ مِن دِينِهِ وَعَقِيدَتِهِ ، وَعَلَينَا الالتِفَافُ حَولَ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّي نَ وَالدُّعَاةِ الصَّادِقِينَ وَخَاصَّةً في أَزمِنَةِ الفِتَنِ ، فَقَد قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم " وَإِنَّ لَنَا فِيمَا حَصَلَ في لِبنَانَ عَلَى يَدِ حَرَكَةِ أَمَلٍ الرَّافِضِيَّةِ قَبلَ أَكثَرَ مِن عِشرِينَ عَامًا مِن قَتلٍ ذَرِيعٍ لِلمُسلِمِينَ الفِلَسطِينِيِّ ينَ ، وَمَا حَصَلَ في العِرَاقِ مِن تَعَاوُنِ الرَّافِضَةِ مَعَ دَولَةِ الكُفرِ وَرَائِدَةِ الطُّغيَانِ ، وَمَا يَحصُلُ الآنَ في سُورِيَّةَ مِن حَربِ النُّصَيرِيَّةِ عَلَى أَهلِ السُّنَّةِ ، إِنَّ لَنَا في ذَلِكَ لِعِبرَةً ، فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَهلَ السُّنَّةِ ـ وَلْنَحذَرْ هَؤُلاءِ وَإِن أَظهَرُوا الوَطَنِيَّةَ أَوِ ادَّعُوا أَنَّهُم مَعَنَا ، فَوَاللهِ إِنَّهُم لَيَدِينُونَ بِالوَلاءِ لِدَولَةِ الرَّفضِ إِيرَانَ ، فَلْنَنتَبِهْ وَلْنَنْصُرِ اللهَ بِنَصرِ دِينِهِ وَالمُؤمِنِينَ بِهِ ، وَلْنُبشِرْ بَعدَ ذَلِكَ بِنَصرِ اللهِ لَنَا حَيثُ قَالَ ـ سُبحَانَهُ " وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ " |
| ||||||||
| عمل المرأة في الشورى والمجالس البلدية 16 / 11 / 1432 </b></i>
الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَا زَالَ الفَاتِنُونَ المَفتُونُونَ مِن أَهلِ الصَّحَافَةِ في الأُسبُوعِينَ المَاضِيَينِ ، يَتَنَاوَلُونَ تَجوِيزَ عَمَلِ المَرأَةِ في مَجلَسِ الشُّورَى وَمَجَالِسِ البَلَدِيَّاتِ ، زَاعِمِينَ أَنَّهُ سَيَكُونُ مُقَيَّدًا بِالضَّوَابِطِ الشَّرعِيَّةِ ، وَمَعَ هَذَا فَلَم يَذكُرُ أُولَئِكَ وَاحِدًا مِن هَذِهِ الضَّوَابِطِ المَزعُومَةِ ، وَلا مَن هُوَ المُخَوَّلُ دُونَ غَيرِهِ بِوَضعِهَا وَضَبطِهَا ، وَكَيفَ تُهِمُّهُمُ الضَّوَابِطُ الشَّرعِيَّةُ أَو يُؤَكِّدُونَ عَلَى أَنَّهَا يَجِبُ أَن تَكُونَ عَن طَرِيقِ العُلَمَاءِ ، وَهُمُ الَّذِينَ يَتَنَاوَلُونَ في صُحُفِهِم حُمَاةَ الشَّرعِ مِنَ العُلَمَاءِ بِالسَّبِّ وَالثَّلبِ ، وَيَستَهزِئُونَ بهم في مَقَالاتِهِم وَيَسخَرُونَ مِنهُم ؟! أَمَّا عَمَلُ المَرأَةِ في مَجلِسِ الشُّورَى أَوِ المَجَالِسِ البَلَدِيَّةِ ، فَيَكفِي العَاقِلَ لِلعِلمِ بِتَحرِيمِهِ وَفَسَادِهِ ، أَن يَتَصَوَّرَ أَنَّهُ يَشتَمِلُ عَلَى عِدَّةِ مَحظُورَاتٍ ، مِن وِلايَةِ المَرأَةِ عَلَى الرِّجَالِ ، وَاختِلاطِهَا بهم ، وَاضطِرَارِهَا لِلسَّفَرِ دُونَ مَحرَمٍ ، وَبُرُوزِهَا في المَحَافِلِ نَازِعَةً ثِيَابَ سِترِهَا خَالِعَةً حِجَابِهَا ، وَلَو لم يَحصُلْ إِلاَّ وَاحِدٌ مِن هَذِهِ الأُمُورِ لَكَانَ كَافِيًا لِلقَولِ بِتَحرِيمِ عَمَلِ المَرأَةِ مُستَشَارَةً بَينَ الرِّجَالِ ، فَكَيفَ وَقَدِ اجتَمَعَت فِيهِ كُلُّهَا ، لَكِنَّ الجَرَائِدَ ضَرَبَت عَن هَذِهِ المَفَاسِدِ صَفحًا وَأَغفَلَتهَا ، إِمعَانًا في الفِتنَةِ وَالإِفسَادِ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَقُولُ اللهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بما فَضَّلَ اللهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وَبما أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم " فَلَم يَجعَلْ ـ سُبحَانَهُ ـ لِلمَرأَةِ وِلايَةً عَلَى زُوجِهَا وَفي بَيتِهَا ، وَذَلِكَ لِمَا في المَرأَةِ مِن رِقَّةٍ في الطَّبعِ وَغَلَبَةِ عَاطِفَةٍ ، وَضَعفٍ فِطرِيٍّ في الشَّدَائِدِ وَالمُلِمَّاتِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَوَمَن يُنَشَّأُ في الحِليَةِ وَهُوَ في الخِصَامِ غَيرُ مُبِينٍ " وَإِذَا كَانَتِ المَرأَةُ لا تَصلُحُ لِلقِيَامِ عَلَى زَوجِهَا وَهُوَ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَفي بَيتِهَا وَهُوَ مُجتَمَعٌ صَغِيرٌ مَحدُودٌ ، فَكَيفَ بِأَمرِ العَامَّةِ وَالأُمَّةِ وَفي بِلادٍ وَاسِعَةٍ بِأَكمَلِهَا ؟! إِنَّ الرَّجُلَ مَتى كَانَ ضَعِيفًا في شَخصِيَّتِهِ لم يَجُزْ لَهُ أَن يَتَوَلىَّ الإِمَارَةَ ، فَكَيفَ بِالمَرأَةِ الَّتي هِيَ ضَعِيفَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، في صَحِيحِ مُسلِمٍ مِن حَدِيثِ أَبي ذَرٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَلا تَستَعمِلُني ؟ قَالَ : فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنكِبي ثم قَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ ، وَإِنَّهَا يَومَ القِيَامَةِ خِزيٌ وَنَدَامَةٌ ، إِلاَّ مَن أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيهِ فِيهَا " وَفي رِوَايَةٍ قَالَ لَهُ : " يَا أَبَا ذَرٍّ ، إِنيِّ أَرَاكَ ضَعِيفًا وَإِنيِّ أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفسِي ، لا تَأَمَّرَنّ عَلى اثنَينِ وَلا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ " وَإِنَّمَا لم يُنَاسِبْ رَقِيقَ الطَّبعِ وَضَعِيفَ الشَّخصِيَّةِ تَوَلِّي شَأنِ العَامَّةِ ، لأَنَّ رَأيَهُ غَالِبًا مَا يَضعُفُ تَبَعًا لِرَقَّتِهِ وَضَعفِهِ ، وَالإِسلامُ يُرِيدُ لِلدَّولَةِ أَن تَكُونَ عَزِيزَةً ذَاتَ قُوَّةٍ وَهَيبَةٍ ، وَأَن يَتَوَلىَّ أُمُورَهَا ذَوُو القُوَّةِ وَالأَمَانَةِ ، فَكَيفَ بِاللهِ يَكُونُ حَالُ دَولَةٍ تَستَشِيرُ امرَأَةً في حَالِ حُصُولِ نَازِلَةٌ أو حُلُولِ فِتنَةٌ ، أَو مُدَاهَمَةِ عَدُوٍّ أَو مُرُورِ أَزمَةٍ ؟! إِنَّهَا لَن تَجِدَ مِن تِلكَ المَرأَةِ في تِلكَ الحَالِ إِلاَّ البُكَاءَ وَالنُّوَاحَ وَتَذرَافَ الدُّمُوعِ ، وَمِن ثَمَّ غَلَبَةَ العَاطِفَةِ عَلَى العَقلِ ، وَحِينَئِذٍ فَلَن يَكُونَ القَرَارُ مُوَفَّقًا وَلاصَائِبًا ، وَسَتَضعُفُ الدَّولَةُ وَتَسقُطُ مَكَانَتُهُا وَتَضِيعُ هَيبَتُهَا ، وَصَدَقَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حَيثُ قَالَ فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ : " لَن يُفلِحَ قَومٌ وَلَّوا أَمرَهُمُ امرَأَةً " وَأَمَّا المَفسَدَةُ الثَّانِيَةُ الَّتي يُؤَدِّي إِلَيهَا عَمَلُ المَرأَةِ في مَجلِسِ الشُّورَى وَمَجَالِسِ البَلَدِيَّاتِ فَهِيَ الاختِلاطُ ، حَيثُ تَجلِسُ المَرأَةُ بِجَانِبِ الرَّجُلِ عَلَى كُرسِيَّينِ مُتَجَاوِرَينِ ، وَتُقَابِلُهُم دَاخِلَةً خَارِجَةً ، وَتَتَحَدَّثُ مَعَهُم وَتُنَاقِشُهُم ، وَقَد تُضَاحِكُهُم وَتَخضَعُ بِالقَولِ ، وَقَد يَحصُلُ العَكسُ فَيَحتَدِمُ الخِلافُ وَتَرتَفِعُ الأَصوَاتُ ، وَكُلُّ هَذَا مَنهِيٌّ عَنهُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَلا تَخضَعْنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي في قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَعرُوفًا . وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى " وَهَذِهِ الآيَاتُ أُنزِلَت في حَقِّ نِسَاءِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُنَّ أُمهَاتُ المُؤمِنِينَ وَفي حَقِّ صَحَابَتِهِ الكِرَامِ ، فَكَيفَ بِمَن دُونَهُم مِنَ الأُمَّةِ ؟ بَل كَيفَ بِحَالِ قُلُوبِ رِجَالِ هَذَا الزَّمَانِ وَنِسَائِهِ ؟ ثم إِنَّ هَذَا الاختِلاطَ كَمَا يَحصُلُ في اجتِمَاعَاتٍ دَاخِلِيَّةٍ ، فَلا بُدَّ أن يَحصُلَ مَعَهُ سَفَرٌ لاجتِمَاعَاتٍ خَارِجِيَّةٍ مَعَ غَيرِ مَحرَمٍ ، وَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا تُسَافِرِ المَرأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحرَمٍ ، وَلا يَدخُلْ عَلَيهَا رَجُلٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحرَمٌ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا يَحِلُّ لامرَأَةٍ تُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ أَن تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَومٍ وَلَيلَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحرَمٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَستَدِلُّ المُجَوِّزُونَ لِعَمَلِ المَرأَةِ في مَجلِسِ الشُّورَى بِكَونِ النَّبيِّ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَدِ استَشَارَ زَوجَهُ أُمَّ سَلَمَةَ ، وَأَنَّ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَدِ استَشَارَ ابنَتَهُ حَفصَةَ ، وَيَغفَلُونَ أَنَّهُمَا قَدِ استَشَارَا قَرِيبَاتٍ وَمَحَارِمَ ، وَأَنَّهُمَا استِشَارَتَانِ وَقَعَت كُلٌّ مِنهُمَا بِصُورَةٍ عَارِضَةٍ ، وَلم تَكُنْ أَيٌّ مِن أُمِّ سَلَمَةَ وَلا حَفصَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ مُستَشَارَتَينِ في مَجلِسِ شُورَى ، بَل وَلم يَثبُتْ أَنَّ محمدًا ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَلا أَحَدًا مِن الخُلَفَاءِ والأُمَرَاءِ مِن بَعدِهِ نَصَّبُوا امرَأَةً لِلشُّورَى في قَضَايَا الأُمَّةِ ، لِعِلمِهِم أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ ، وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيهِ الأَمرُ بِالمُشَاوَرَةِ الَّذِي جَاءَ في سِيَاقِ آيَاتٍ عن الجِهَادِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَشَاوِرْهُم في الأَمرِ " وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ أَوَّلُ مُجلِسٍ لِلشُّورَى في خِلافَةِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ فَقَد جَعَلَ أَهلَهُ رِجَالاً ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : وَكَانَ القُرَّاءُ أَصحَابَ مَجلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولاً كَانُوا أَو شُبَّانًا . رَوَاهُ البُخَارِيُّ . ثَمَّ إِنَّ النَّبيَّ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ إِنَّمَا شَكَا لِزَوجَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ عَدَمَ أَخذِ النَّاسِ بِقَولِهِ ، فَأَشَارَت عَلَيهِ بما يَدفَعُهُم لِطَاعَتِهِ فِيمَا رَآهُ هُوَ ، وَلم يَكًنْ لها رَأيٌ غَيرُ رَأيِهِ ، وَلم تَكُنْ في ذَلِكَ بَارِزَةً لِلنَّاسِ ، بَل كَانَت في سِترٍ إِمَّا خَيمَةٍ أَو نَحوِهَا ، في البُخَارِيِّ : قَالَ عُمَرُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لأَصحَابِهِ : " قُومُوا فَانحَرُوا ثم احلِقُوا " قَالَ : فَوَاللهِ مَا قَامَ مِنهُم رَجُلٌ حَتى قَالَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا لم يَقُمْ مِنهُم أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَذَكَرَ لها مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ ، فَقَالَت أُمُّ سَلَمَةَ : يَا نَبيَّ اللهِ ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ ؟! اُخرُجْ لا تُكَلِّمُ أَحَدًا مِنهُم كَلِمَةً حَتى تَنحَرَ بُدنَكَ وَتَدعُوَ حَالِقَكَ فَيَحلِقَكَ ... الحَدِيثَ . فَانظُرُوا كَيفَ أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ دَخَلَ عَلَيهَا وَلم يَستَدعِهَا أَمَامَ النَّاسِ لِيَستَشِيرَهَا ؛ وَمِن ثَمّ فَإِنَّ الاحتِجَاجَ بِاستَشَارَتِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ لأُمِّ سَلَمَةَ عَلَى تَنصِيبِ المَرأَةِ لِلشُّورَى ، إِنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الفَارِقِ ، فهو ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِنَّمَا استَشَارَهَا في استِجَابَةِ النَّاسِ لَهُ لا في أَصلِ رَأيِهِ ، ثُمَّ إِنَّهَا في خِدرِهَا ، وَأَعطَتهُ رَأيَهَا لِنَفسِهِ وَلم يُنَصِّبْهَا لِعُمُومِ المُسلِمِينَ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مَن يَقرَأُ مَا يُنشَرُ في وَسَائِلِ الإِعلامِ مِن كِتَابَاتٍ في هَذَا المَوضُوعِ يَلحَظُ تَعلِيلَهُم لِتَنصِيبِ المَرأَةِ في مَجلِسِ الشُّورَى وَمَجَالِسِ البَلَدِيَّاتِ بِأَنَّهُ إِنصَافٌ لها وَمَنعٌ لِتَهمِيشِهَا ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ في الأَمرِ مَا فِيهِ وَلَيسَ مَقصُودًا مِنهُ مَصلَحَةُ أُمَّةٍ وَلا مُجتَمَعٍ ، إِذِ المَعرُوفُ عَقلاً وَشَرعًا أَنَّ الاستِشَارَةَ تُبنى لِمَصلَحَةِ الأُمَّةِ بِعَامَّةٍ ، وَلَيسَ لِمَصلَحَةِ المُستَشَارِ الخَاصّةِ ، أَمَّا وَهَؤُلاءِ يَجعَلُونَ تَعيِينَ المَرأَةِ في هَذِهِ المَنَاصِبِ دَفعًا لِتَهمِيشِهَا وَإِنصَافًا لها كَمَا يَزعُمُونَ ، فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ المَقصُودَ غَرسُ مَبَادِئَ فِكرِيَّةٍ مُظلِمَةٍ وَتَضيِيعُ أَحكَامٍ شَرعِيَّةٍ مُحكَمَةٍ ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَيُؤَكِّدُ أَنَّهُ مِن صُنعِ الكُفَّارِ وَإِرَادَتِهِم بِالمَرأَةِ في هَذِهِ البِلادِ شَرًّا أَنَّ صُحُفًا غَربِيَّةً قَد تَحَدَّثَت عَنهُ وَمَدَحَتهُ وَأَشَادَت بِهِ ، فَلَيتَ قَومَنَا يَحذَرُونَ ، وَيَعلَمُونَ أَنَّ مَطَالِبَ الكُفَّارِ لَن تَنتَهِيَ عِندَ حَدٍّ دُونَ انسِلاخِ المُسلِمِينَ التَّامِّ مِنَ الإِسلامِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَن تَرضى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعتَ أَهواءَهُم بَعدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَليٍّ وَلا نَصِيرٍ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَاحذَرْهُم أَن يَفتِنُوكَ عَن بَعضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيكَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَاعلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعضِ ذُنُوبِهِم وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ . أَفَحُكمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبغُونَ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللهِ حُكمًا لِقَومٍ يُوقِنُونَ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ فَإِنَّكُم مُلاقُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ الأَصلَ أَن تَتَبَوَّأَ المَرأَةُ المَنزِلَةَ الَّتي كَرَّمَهَا اللهُ بها ، مِنَ القَرَارِ في المَنزِلِ لِتَربِيَةِ أَولادِهَا وَخِدمَةِ زَوجِهَا وَتَدبِيرِ شُؤُونِ بَيتِهَا ، بَعِيدَةً عَن أَمَاكِنِ الفِتَنِ وَالشُّبُهَاتِ ، غَيرَ مُتَعَرِّضَةٍ لِمَا يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيهَا ، وَأَمَّا إِذَا اضطُرَّت إِلى أَن تَعمَلَ خَارِجَ بَيتِهَا أَوِ احتَاجَت إِلى ذَلِكَ ، فَيَنبَغِي أَن تَختَارَ مِنَ الأَعمَالِ مَا يُنَاسِبُهَا في دِينِهَا وَدُنيَاهَا ، ممَّا لا يُؤَثِّرُ عَلَى رِعَايَتِهَا شُؤُونَ زَوجِهَا وَأَولادِهَا ، وَأَمَّا أَن تُنَافِسَ الرِّجَالَ في الأَعمَالِ الَّتي هِيَ مِنِ اختِصَاصِهِم ، فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَجُوزُ ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الأَضرَارِ وَالمَفَاسِدِ ، مِن قَضَاءٍ عَلَى الفُرَصِ المُتَاحَةِ لِلرِّجَالِ في العَمَلِ فِيهَا ، وَجَعلِهَا عُرضَةً لِلاختِلاطِ بهم وَافتِتَانِهِم بها ، وَحُصُولِ مَا لا تُحمَدُ عُقبَاهُ ، إِضَافَةً إِلى أَنَّ ذَلِكَ يُضعِفُ قِيَامَهَا بِوَاجِبَاتِ زَوجِهَا وَشُؤُونِ أَولادِهَا وَبَيتِهَا ، ممَّا يَستَلزِمُ جَلبَ الخَدَمِ وَالخَادِمَاتِ إِلى البُيُوتِ ، وَلا يَخفَى مَا في ذَلِكَ مِن مُشكِلاتٍ كَبِيرَةٍ وَأَضرَارٍ جَسِيمَةٍ عَلَى النَّشءِ في دِينِهِم وَأَخلاقِهِم . |
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| منبر الجامع الجنوبي بالرويضة ****خطبة الشيخ عبد الله البصري في تحريم الإختلاط | الغمام الماطر | روحانيات | 15 | 17-10-2011 01:39 PM |
| دعواتكم لسماحة الشيخ عبدالله بن جبرين .. | السفير | احتواء ما لا يحتوى | 11 | 30-04-2009 12:10 AM |
| (( الشيخ / عبدالله بن وهق )) | سعد بن تويم | نشيد الروح | 12 | 28-04-2009 03:34 PM |
| ننعي لكم خبر وفاة الشيخ حمد بن عبدالله الســلمان | عبد العزيز بن عبد الله | أخبار الرويضة | 15 | 15-09-2008 01:33 AM |
| الشيخ / عبدالله الغديان يتعرض لحادث | الخفاش الأسود | احتواء ما لا يحتوى | 11 | 09-04-2008 01:46 AM |
![]() | ![]() |