صحيفة أخبارية
عدد الضغطات : 43,892
منتدى المزاحمية العقاري
عدد الضغطات : 67,796
عدد الضغطات : 9,387
العودة   مجالس الرويضة لكل العرب > مجالس الرويضة الخاصة > روحانيات
روحانيات على نهج اهل السنه والجماعة
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
#96 (permalink)  
قديم 28-10-2011, 12:09 AM
ناصرعبدالرحمن
.:: مراقب ::.
ناصرعبدالرحمن غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 787
 تاريخ التسجيل : 17-04-2007
 فترة الأقامة : 6825 يوم
 أخر زيارة : 06-10-2012 (01:31 PM)
 العمر : 46
 المشاركات : 2,069 [ + ]
 التقييم : 39340
 معدل التقييم : ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي رد: خطب الشيخ عبدالله البصري




إصلاح الظواهر والسرائر وتعظيم الحرمات والشعائر 30 / 11 / 1432




الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " قُلْ لا يَستَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَو أَعجَبَكَ كَثرَةُ الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولي الأَلبَابِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لِلعَبدِ في سَيرِهِ إِلى اللهِ مَرَاحِلُ ، وَلِلدَّارِ الآخِرَةِ أَسوَاقٌ وَمَوَاسِمُ ، وَلِطَلَبِ الخَيرِ فُرَصٌ وَلِلرَّحمَةِ نَفَحَاتٌ ، وَلِلبِرِّ سَاعَاتٌ وَأَوقَاتٌ وهَبَّاتٌ ، وَالأَيَّامُ سَرِيعَةُ المُرُورِ وَالانقِضَاءِ ، وَالأَعمَارُ مَهمَا طَالَت فَهِيَ إِلى زَوَالٍ وَفَنَاءٍ ، وَهَا هُوَ الزَّمَنُ قَد مَرَّ سَرِيعًا بَعدَ رَمَضَانَ ، لِتَدخُلَ عَلَى المُسلِمِينَ عَشرٌ مُبَارَكَةٌ ، عَشرٌ أَقسَمَ اللهُ بها في كِتَابِهِ وَعَظَّمَ أَمرَهَا ، وَامتَدَحَهَا رَسُولُهُ وَحَثَّ عَلَى اغتِنَامِهَا ، فِيهَا حَجُّ بَيتِ اللهِ الحَرَامِ ، أَحَدُ أَعمِدَةِ المِلَّةِ وَأَركَانِ الإِسلامِ ، وَفِيهَا تَعظِيمُ الشَّعَائِرِ وَالتَّقَرُّبُ إِلى اللهِ بِذَبحِ النُّسُكِ وَالأَضَاحِي ، وَفِيهَا تَكبِيرٌ وَتَهلِيلٌ وَتَسبِيحٌ وَتَحمِيدٌ ، وَفِيهَا صِيَامٌ وَبَذلٌ وَصَدَقَاتٌ .

وَوَاللهِ لا يُفَرِّطُ في هَذِهِ العَشرِ إِلاَّ مَغبُونٌ ، وَلا يُحرَمُ خَيرَاتِهَا إِلاَّ مَحرُومٌ ، إِلاَّ أَنَّ الغَبنَ الحَقِيقِيَّ وَالخَسَارَةَ المُحَقَّقَةَ لَيسَا دَائِمًا بِقِلَّةِ العَمَلِ ، وَمَا الفَوزُ بِكَثَرَةِ العَطَاءِ وَتَنَوُّعِ البَذلِ غَالِبًا ، وَلَكِنَّ أَعظَمَ الخِذلانِ وَأَشَدَّ الحِرمَانِ ، أَن يَفتَقِدَ العَبدُ الإِخلاصَ في بَاطِنِهِ ، أَو لا يُوَفَّقَ لِلسُّنَّةِ في ظَاهِرِهِ ، وَقَد يَعمَلُ إِذْ ذَاكَ كَثِيرًا وَيَدخُلُ مِن كُلِّ بَابٍ ، ثم يَخرُجُ صِفرَ اليَدَينِ خِلوًا مِنَ الأَجرِ وَالثَّوَابِ ، بَينَمَا يَأتي مُخلِصٌ لِرَبِّهِ مُخبِتٌ للهِ قَلبُهُ ، فَيَجتَهِدُ قَدرَ استِطَاعَتِهِ وَيَأخُذُ بِبَعضِ مَا يُمكِنُهُ ، وَيَتَحَرَّى السُّنَّةَ وَيَبذُلُ أَسبَابَ القَبُولِ ، فَيُدرِكُ مَا لم يُدرِكْهُ صَاحِبُهُ ، وَيَصِيرُ لَهُ شَأنٌ غَيرُ شَأنِهِ ، فَلَيسَتِ العِبرَةُ بِكَثرَةِ عَمَلٍ وَلا مُسَايَرَةٍ لِلعَامِلِينَ ، وَإِنَّمَا المُعَوَّلُ عَلَى الإِخلاصِ للهِ وَتَطهِيرِ القَلبِ مِن كُلِّ مَن سِوَاهُ ، ثم السَّيرِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الدَّلِيلُ في كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلاً "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ . الَّذِي خَلَقَ المَوتَ وَالحَيَاةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ "
نُقِلَ عَنِ الفُضَيلِ بنِ عِيَاضٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ في تَفسِيرِ قَولِهِ ـ تَعَالى ـ : " أَحسَنُ عَمَلاً " أَنَّهُ قَالَ : أَخلَصُهُ وَأَصوَبُهُ . قِيلَ : يَا أَبَا عَلِيٍّ : مَا أَخلَصُهُ وَأَصوَبُهُ ؟ فَقَالَ : إِنَّ العَمَلَ إِذَا كَانَ خَالِصًا وَلم يَكُنْ صَوَابًا لم يُقبَلْ ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلم يَكُنْ خَالِصًا لم يُقبَلْ ، حَتى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا .

عِبَادَ اللهِ ، الحَجُّ مِن أَجَلِّ الأَعمَالِ الَّتي تَكُونُ في هَذَا المَوسِمِ العَظِيمِ ، وَقَد جَاءَ في سُورَتَينِ مِن كِتَابِ اللهِ بَيَانُ كَيفَ يَكُونُ وَعَلامَ يُبنى ، أَمَّا الأُولى فَهِيَ سُورَةُ البَقَرَةِ ، وَقَد جَاءَ فِيهَا التَّأكِيدُ عَلَى أَحكَامِ إِتمَامِ الحَجِّ للهِ ، بَدأً بِمَوَاقِيتِهِ الزَّمَانِيَّةِ وَهِيَ الأَهِلَّةُ ، وَبُيِّنَتِ فِيهَا المَنهِيَّاتُ وَوُضِّحَتِ الكَفَّارَاتُ ، ثم خُتِمَت بِذِكرِ اللهِ في الأَيَّامِ المَعدُودَاتِ ، مَعَ الإِشَارَةِ لِلتَّقوَى وَالأَمرِ بها ، تَنبِيهًا عَلَى عِظَمِ أَمرِهَا وَعُلُوِّ شَأنِ أهلِهَا .
وَأَمَّا السُّورَةُ الأُخرَى فَهِيَ سُورَةُ الحَجِّ ، وَفِيهَا عُولِجَت أُمُورُ القُلُوبِ الَّتي هِيَ أَهَمُّ وَأَعظَمُ ، فَبُيِّنَ أَنَّ القَبُولَ لِلتَّقوَى وَأَهلِهَا ، وَأَنَّهُ لا تَقوَى بِغَيرِ تَعظِيمٍ لِلحُرُمَاتِ وَالشَّعَائِرِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقوَى مِنكُم " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ "

وَمَن تَدَبَّرَ هَاتَينِ السُّورَتَينِ وَفَقِهَ مَا فِيهِمَا ، تَيَقَّنَ أَنَّهُ لا قَبُولَ لِكَثِيرِ عَمَلٍ أَو قَلِيلٍ ، صَلاةً كَانَ أَو زَكَاةً أَو صِيَامًا ، أَو حَجًّا أَو نُسَكًا أَو ذَبحًا ، إِلاَّ لِمَن جَمَعَ بَينَ الإِخلاصِ وَالمُتَابَعَةِ ، وَطَهَّرَ بَاطِنَهُ وَأَصلَحَ ظَاهِرَهُ ، وَعَظَّمَ اللهَ في قَلبِهِ كَمَا يَتَلَبَّسُ بِعِبَادَتِهِ عَلَى جَوَارِحِهِ .
وَمِن فَضلِ اللهِ أَنَّ جُلَّ أَحكَامِ الحَجِّ مَعلُومٌ عِندَ المُسلِمِينَ حَتى عِندَ عَامَّتِهِم ، وَالمُؤَلَّفَات ُ فِيهِ كَثِيرَةٌ صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً ، وَالجَهلُ فِيهِ بِحَمدِ اللهِ قَلِيلٌ .
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالإِخلاصِ وَالتَّعظِيمِ ، فَمَا أَقَلَّ الفِقهَ فِيهِ وَإِن كَانَ هُوَ الأَهَمَّ وَالأَعظَمَ ! وَمَا أَكثَرَ مَا يَحدُثُ فِيهِ مِن خَلَلٍ وَنَقصٍ ! يَدُلُّ لِهَذَا قِسمَةُ القُلُوبُ في سُورَةِ الحَجِّ إِلى أَربَعَةٍ : قَلبٌ أَعمَى وَقَلبٌ مَرِيضٌ وَقَلبٌ قَاسٍ وَقَلبٌ مُخبِتٌ ، وَفي هَذَا إِشَارَةٌ إِلى كَثرَةِ مَن يَنحَرِفُونَ عَنِ الطِّرِيقِ القَوِيمِ وَيُجَانِبُونَ الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ، وَبَيَانُ ضَرُورَةِ إِصلاحِ مَن أَرَادَ النَّجَاةَ لِقَلبِهِ ، وَوُجُوبِ إِخبَاتِهِ إِلى رَبِّهِ ، وَحَاجَتِهِ في كُلِّ عَمَلٍ للِخُشُوعِ وَالخُضُوعِ لِمَولاهُ ، وَعَدَمِ اغتِرَارِهِ بِكَثِيرِ عَمَلِهِ أَو إِعجَابِ المَخلُوقِينَ بِهِ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ عِلاجَ القُلُوبِ الَّذِي جَاءَت بِهِ سُورَةُ الحَجِّ ، يَدُورُ عَلَى أَمرٍ مُهِمٍّ أَلا وَهُوَ التَّعظِيمُ ، نَعَم ، تَعظِيمُ اللهِ في القَلبِ بِتَجرِيدِ التَّوحِيدِ وَالتَّخَلُّصِ مِنَ الشِّركِ ، وَالابتِعَادِ عَنِ الرِّيَاءِ وَطَلَبِ السُّمعَةِ ، وَالتَّعظِيمِ لِيَومِ لِقَائِهِ وَسَاعَةِ المَصِيرِ إِلَيهِ ، وَالتَّعظِيمِ لأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ وَشَعَائِرِهِ ، فَمَن لم يُعَظِّمِ اللهَ فَمَا عَرَفَه حَقَّ مَعرِفَتِهِ ، وَمَن لم يُعَظِّمْ أَمرَهُ وَنَهيَهُ فَمَا عَبَدَهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ ، وَمَن لم يُعَظِّمْ لِقَاءَهُ هَانَ عَلَيهِ أَن يَعصِيَهُ . أَمَّا الأَمرُ الأَوَّلُ وَهُوَ تَعظِيمُ اللهِ رَبًّا وَمَعبُودًا ، وَالخُلُوصُ إِلَيهِ وَالثِّقَةُ الكَامِلَةُ بِهِ ، بَحَيثُ لا يَشُوبُ ذَلِكَ نَقصٌ وَلا كَدَرٌ بِأَيِّ وَجهٍ مِنَ الوُجُوهِ ، فَقَد جَاءَت آيَاتُ السُّورَةِ فِيهِ كَثِيرَةً وَمُتَعَدِّدَةً ، تَحُثُّ النَّاسَ عَلَى تَقوَى اللهِ وَخَشيَتِهِ ، وَتُذَكِّرُهُم بِعَظِيمِ قُدرَتِهِ وَشَدِيدِ قُوَّتِهِ ، وَتُبَيِّنُ لهم وَاسِعَ عِلمِهِ وَعُلُوَّ سُلطَانِهِ ، وَأَنَّهُ مَا سِوَاهُ إِلاَّ الضَّعفُ وَالمَهَانَةُ وَالبَاطِلُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّهُ يُحيِي المَوتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " أَلم تَرَ أَنَّ اللهَ يَسجُدُ لَهُ مَن في السَّمَاوَاتِ وَمَن في الأَرضِ وَالشَّمسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيهِ العَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُكرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفعَلُ مَا يَشَاءُ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " حُنَفَاءَ للهِ غَيرَ مُشرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخطَفُهُ الطَّيرُ أَو تَهوِي بِهِ الرِّيحُ في مَكَانٍ سَحِيقٍ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَلم تَعلَمْ أَنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا في السَّمَاءِ وَالأَرضِ إِنَّ ذَلِكَ في كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ . وَيَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لم يُنَزِّلْ بِهِ سُلطَانًا وَمَا لَيسَ لَهُم بِهِ عِلمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَصِيرٍ "
وَفي خِتَامِ السُّورَةِ يَبرُزُ ذَلِكَ المَثَلُ العَجِيبُ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاستَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَن يَخلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيئًا لا يَستَنقِذُوهُ مِنهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطلُوبُ . مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " فَأَينَ مِن مِثلِ هَذِهِ الآيَاتِ مَن يُشرِكُونَ بِاللهِ بِتَعظِيمِ غَيرِهِ أَو دُعَائِهِ ، أَوِ التَّوَسُّلِ بِهِ أَو رَجَائِهِ ؟
أَينَ مَن يُعَلِّقُ قَلبَهُ بِغَيرِ رَبِّهِ ؟
وَاللهِ مَا فَقِهَ التَّعظِيمَ مَن دَعَا غَيرَ اللهِ أَو قَصَدَ بِعَمَلِهِ سِوَاهُ ، مَا عَظَّمَ اللهَ مَن دَعَا مَلَكًا أَو رَسُولاً أَو وَلِيًّا أَو صَالحًا ، مَا عَظَّمَ اللهَ مَن تَزَلَّفَ إِلى مَلِكٍ أَو رَئِيسٍ أَو أَميرٍ أَو وَزِيرٍ ، أَو جَعَلَ هَمَّهُ رِضَا عَشِيرَةٍ أَو ثَنَاءَ قَبِيلَةٍ ، أَو تَعَلَّقَ بِغَيرِهِم مِنَ الضِّعَافِ في جَنبِ القَوِيِّ القَاهِرِ ـ سُبحَانَهُ ـ .

وَأَمَّا الأَمرُ الثَّاني الَّذِي جَاءَت سُورَةُ الحَجِّ بِتَعظِيمِ أَمرِهِ وَبَيَانِ خَطَرِهِ وَهُوَ اليَومُ الآخِرُ ، فَإِنَّ آيَاتِهَا في ذَلِكَ تَأخُذُ بِمَجَامِعِ القُلُوبِ وَتَهُزُّ الجَوَانِحَ هَزًّا شَدِيدًا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ في مَطلَعِهَا : " إِنَّ زَلزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ . يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ "
وَفي وَسَطِهَا يَقُولُ ـ سُبحَانَهُ ـ عَن حَالِ مَن كَفَرُوا في ذَلِكَ اليَومِ : " هَذَانِ خَصمَانِ اختَصَمُوا في رَبِّهِم فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَت لَهُم ثِيَابٌ مِن نَارٍ يُصَبُّ مِن فَوقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ . يُصهَرُ بِهِ مَا في بُطُونِهِم وَالجُلُودُ . وَلَهُم مَقَامِعُ مِن حَدِيدٍ . كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخرُجُوا مِنهَا مِن غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ "
وَأَمَّا المُؤمِنُونَ فَلَهُم في ذَلِكَ اليَومِ مِن رَبِّهِم وَعدٌ جَمِيلٌ ، حَيثُ يَقُولُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ اللهَ يُدخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ يُحَلَّونَ فِيهَا مِن أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤلُؤًا وَلِبَاسُهُم فِيهَا حَرِيرٌ "

وَأَمَّا ثَالِثُ مَا جَاءَتِ السُّورَةُ بِتَعظِيمِهِ وَتَفخِيمِهِ ، وَهِيَ شَعَائِرُ اللهِ وَأَركَانُ دِينِهِ العِظَامِ ، فَقَد أَصَّلَت لَهُ بِبَيَانِ مَوضِعِهِ وَمَنبَعِهِ ، وَهُوَ القَلبُ بِتَقوَاهُ وَإِخبَاتِهِ وَخُشُوعِهِ ، قَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقوَى مِنكُم كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُم لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَبَشِّرِ المُحسِنِينَ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلنَا مَنسَكًا لِيَذكُرُوا اسمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ فَإِلَهُكُم إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسلِمُوا وَبَشِّرِ المُخبِتِينَ . الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُم وَالمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ "
وَلأَنَّ قِلَّةَ تَعظِيمِ العَبدِ لِشَعَائِرِ اللهِ مِن أَعظَمِ مَا يُضعِفُ مَسِيرَهُ إِلى رَبِّهِ ، وَقَد يَقطَعُه عَنهُ بِالكُلِّيَّةِ وَيَمنَعُهُ الخَيرَ ، وَيَحرِمُهُ جَزِيلَ الثَّوَابِ وَعَظِيمَ الأَجرِ ، فَقَد أَبَانَ ـ سُبحَانَهُ ـ في سُورَةِ الحَجِّ وكرَّر وأكَّدَ عَلَى وُجُوبِ تَعظِيمِ المَسجِدِ الحَرَامِ وَمَا حَولَهُ مِن شَعَائِرِ ، وَوُجُوبِ تَعظِيمِ الهَديِ الَّذِي لا يُرَاقُ دَمُهُ إِلاَّ للهِ ، لِيَعلَمَ النَّاسُ أَنَّ للهِ بَيتًا قَد أَضَافَهُ إِلَيهِ تشريفًا وتعظيمًا ، وَجَعَلَ لَهُ حَرَمًا وَحِمىً ، لِيَأمَنَ فِيهِ الإِنسَانُ بَل وَالحَيَوَانُ وَالشَّجَرُ .
في الصَّحِيحَينِ قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " ‏إِنَّ اللهَ حَرَّمَ‏ ‏مَكَّةَ‏ ‏يَومَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرضَ فَهِيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللهِ إِلى يَومِ القِيَامَةِ ، لم تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبلِي وَلا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعدِي ، وَلم تَحلِلْ لي قَطُّ إِلاَّ سَاعَةً مِنَ الدَّهرِ ، لا يُنَفَّرُ صَيدُهَا ، وَلا يُعضَدُ ‏‏شَوكُهَا ، وَلا ‏يُختَلَى ‏خَلاهَا " وَقَد أَدرَكَتِ ‏البَهَائِمُ العَجَمَاوَاتُ تَعظِيمَ هَذَا البَيتِ وَتِلكَ الشَّعَائِرِ ، ففي صَحِيحِ البُخَارِيِّ عَنِ‏ ‏المِسوَرِ بنِ مَخرَمَةَ ‏َقَالَ : " ‏خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ ‏زَمَنَ‏ ‏الحُدَيبِيَةِ ‏‏حَتَّى إِذَا كَانَ ‏بِالثَّنِيَّةِ ‏ ‏الَّتي يُهبَطُ عَلَيهِم مِنهَا بَرَكَت بِهِ رَاحِلَتُهُ ، فَقَالَ النَّاسُ : حَلْ حَلْ ‏.. فَأَلَحَّتْ ،‏ ‏فَقَالُوا ‏: خَلأَتِ ‏ ‏القَصوَاءُ ،‏ ‏خَلأَتِ ‏ ‏القَصوَاءُ ، فَقَالَ النَّبيُّ ـ ‏‏صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ :‏ " ‏مَا ‏خَلأَتِ ‏‏القَصوَاءُ وَمَا ذَاكَ لها بِخُلُقٍ ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الفِيلِ " ثُمَّ قَالَ : " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لا يَسأَلُوني خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلاَّ أَعطَيتُهُم إِيَّاهَا ، ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَت "
فَيَا للهِ ! نَاقَةٌ تُدرِكُ عَظَمَةَ البَيتِ وَحُرمَةَ الشَّعَائِرِ فَتَقِفُ وَلا تَتَحَرَّكُ ، وَيُدرِكُ ذَلِكَ قَبلَهَا فِيلٌ فَيَحرُنُ وَيَمتَنِعُ عَنِ التَّوَجُّهِ لِلبَيتِ وَلا يَسِيرُ إِلى هَدمِهِ ! بَينَمَا يَبقَى في النَّاسِ مَن لم يُدرِكْ عَظَمَةَ هَذِهِ الشَّعَائِرِ ، فَتَبرُزُ هُنَالِكَ وَعَلى تِلكَ الأَرَاضِي الطَّاهِرَةِ أُمُورٌ مُنكَرَةٌ وَمَظَاهِرُ مُستَنكَرَةٌ ، وَيَحدُثُ خَلَلٌ في الدَّقِيقِ مِن أَحكَامِ الحَجِّ وَالجَلِيلِ ، وَتُرتَكَبُ نَوَاقِضُ وَنَوَاقِصُ ، وَتَقَعُ مُخَالَفَاتٌ يَمتَلِئُ بها المَكَانُ وَالزَّمَانُ ، تَفرِيطٌ مِن بَعضِ الحُجَّاجِ في الصَّلَوَاتِ ، وَظُلمٌ لِلآخَرِينَ وَتَعَدٍّ عَلَيهِم ، وَسَرِقَةٌ لأَموَالِهِم وَنَهبٌ لِمَتَاعِهِم ، وَغِشٌّ لهم وَكَذِبٌ عَلَيهِم ، وَسَبٌّ وَلَعنٌ وَشَتمٌ ، وَغِيبَةٌ وَنَمِيمَةٌ وَسُخرِيَةٌ .
وَكَم تَرَى مِن تَسَاهُلٍ في كَشفِ العَورَاتِ وَانتِقَاصٍ لِلحُرُمَاتِ ، وَتَدخِينٍ وَرَميٍ لِلأَذَى وَالمُستَقذَرَا تِ ، وَتَضيِيقٍ مِن بَعضِ الحُجَّاجِ عَلَى بَعضٍ وَسُوءِ خُلُقٍ !
كُلُّ ذَلِكَ وَغَيرُهُ يَقَعُ حَولَ بَيتِ اللهِ وَفي شَعَائِرِ الحَجِّ ! نَعَم يَحدُثُ ذَلِكَ في الحَجِّ وَفي غَيرِهِ ، وَأَكبَرُ سَبَبٍ هُوَ ضَعفُ التَّعظِيمِ لِلعَظِيمِ ـ سُبحَانَهُ ـ ، وَالغَفلَةُ عَن عَظِيمِ لِقَائِهِ ، وَضَعفُ تَعظِيمِ شَعَائِرِهِ العِظَامِ ، بَينَمَا لَو سَارَ المُؤمِنُ إِلى اللهِ بِقَلبِهِ وَجَوَارِحِهِ ، مُخبِتًا خَائِفًا وَجِلاً ، مُتَذَكِّرًا لِلمَوتِ وَسَاعَةِ الرَّحِيلِ وَيَومِ البَعثِ ، لَرَأَيتَهُ خَلقًا آخَرَ في عِبَادَتِهِ وَتَعَامُلِهِ وَأَخذِهِ وَعَطَائِهِ ، وَلَوَجَدتَ عَلَيهِ طُمَأنِينَةً وَسَكِينَةً وَهَيبَةً وَوَقَارًا ، وَلَعَاشَ آمِنًا في حَيَاةٍ إِيمَانِيَّةٍ مُبَارَكَةٍ ، تَتَنَزَّلُ فِيهَا المَوَدَّةُ وَتَغشَاهَا الرَّحمَةُ ، وَتَعُمُّهَا المَحَبَّةُ وَتَلُفُّهَا الأُلفَةُ ، في ذِكرٍ وَدُعَاءٍ وَرَجَاءٍ ، وَصَلاةٍ وَصَدَقَةٍ وَإِحسَانٍ وَعَطَاءٍ ، وَعَدلٍ وَتَنَازُلٍ وَبَذلٍ وَتَكَامُلٍ .

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالمَسجِدِ الحَرَامِ الَّذِي جَعَلنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلحَادٍ بِظُلمٍ نُذِقْهُ مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأنَا لإِبرَاهِيمَ مَكَانَ البَيتِ أَنْ لا تُشرِكْ بي شَيئًا وَطَهِّرْ بَيتيَ لِلطَّائِفِينَ وَالقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللهِ في أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقضُوا تَفَثَهُم وَلْيُوفُوا نُذُورَهُم وَلْيَطَّوَّفُو ا بِالبَيتِ العَتِيقِ . ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّت لَكُمُ الأَنعَامُ إِلاَّ مَا يُتلَى عَلَيكُم فَاجتَنِبُوا الرِّجسَ مِنَ الأَوثَانِ وَاجتَنِبُوا قَولَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لهِل غَيرَ مُشرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخطَفُهُ الطَّيرُ أَو تَهوِي بِهِ الرِّيحُ في مَكَانٍ سَحِيقٍ . ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ . لَكُم فِيهَا مَنَافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلى البَيتِ العَتِيقِ . وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلنَا مَنسَكًا لِيَذكُرُوا اسمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ فَإِلَهُكُم إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسلِمُوا وَبَشِّرِ المُخبِتِينَ . الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُم وَالمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ . وَالبُدنَ جَعَلنَاهَا لَكُم مِن شَعَائِرِ اللهِ لَكُم فِيهَا خَيرٌ فَاذكُرُوا اسمَ اللهِ عَلَيهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَت جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا القَانِعَ وَالمُعتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرنَاهَا لَكُم لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ . لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقوَى مِنكُم كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُم لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَبَشِّرِ المُحسِنِينَ "




الخطبة الثانية :


أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ تُقَاتِهِ ، وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَتِهِ وَمَرضَاتِهِ ، وَاعلَمُوا أَنَّكُم بِهَذِهِ العَشرِ المُبَارَكَةِ قَد أُرِيدَ بِكُم خَيرٌ مِن رَبِّكُم ، فَلا تَحرِمُوا أَنفُسَكُم ، أَصلِحُوا القُلُوبَ وَجَنِّبُوهَا كُلَّ قَاطِعٍ وَمَانِعٍ ، وَعَالِجُوهَا مِن كُلِّ شُبهَةٍ أَو شَهوَةٍ ، وَطَهِّرُوهَا من كُلِّ شِركٍ أَو شَكٍّ ، وَنَقُّوهَا ممَّا بها مِن غِلٍّ أَو حِقدٍ أَو حَسَدٍ ، وَلا يَكُنْ فِيهَا كِبرٌ عَلَى الآخَرِينَ أَوِ احتِقَارٌ لِلمُؤمِنِينَ ، أَو إِصرَارٌ عَلَى هَجرٍ أَخٍ أو مُصَارَمَةِ قَرِيبٍ أَو قَطِيعَةِ رَحِمٍ .
إِنَّهُ لا نَجَاةَ إِلاَّ لأَصحَابِ القُلُوبِ السَّلِيمَةِ ، وَلا صَلاحَ لِلظَّاهِرِ إِلاَّ بِإِصلاحِ البَاطِنِ ، وَلا وَاللهِ يَضُرُّ قَاسِي القَلبِ إِلاَّ نَفسَهُ " فَوَيلٌ لِلقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِن ذِكرِ اللهِ "
أَلا فَلا يَغُرَّنَّ عَبدٌ ضَعِيفٌ نَفسَهُ وَيَدَّعِي الصَّلاحَ وَفي قَلبِهِ مَا فِيهِ مِن فَسَادٍ ، كَفَى مَا فَاتَ مِن تَقصِيرٍ وَابتِعَادٍ وَعِنَادٍ ، وَهَلُمَّ جَمِيعًا إِلى سَبِيلِ الهُدَى وَالرَّشَادِ ، وَ" اركَعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " " وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " وَأَبشِرُوا مَعَ الإِخلاصِ أَيُّهَا المُحسِنُونَ ، وَلا يَغُرَّنَّكُمُ المُفَرِّطُونَ ، فَإِنَّمَا لأَنفُسِكُم تُقَدِّمُونَ وَلِنَجَاتِكُم تَطلُبُونَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " مَن كَفَرَ فَعَلَيهِ كُفرُهُ وَمَن عَمِلَ صَالِحًا فَلأَنفُسِهِم يَمهَدُونَ . لِيَجزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ "
</b></i>



 توقيع : ناصرعبدالرحمن

رد مع اقتباس
#97 (permalink)  
قديم 03-11-2011, 08:17 PM
ناصرعبدالرحمن
.:: مراقب ::.
ناصرعبدالرحمن غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 787
 تاريخ التسجيل : 17-04-2007
 فترة الأقامة : 6825 يوم
 أخر زيارة : 06-10-2012 (01:31 PM)
 العمر : 46
 المشاركات : 2,069 [ + ]
 التقييم : 39340
 معدل التقييم : ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي رد: خطب الشيخ عبدالله البصري




صدقات وصالحات في أيام مباركات 8 / 12 / 1432


الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في كُلِّ مَوسِمٍ مِنَ المَوَاسِمِ الفَاضِلَةِ كَأَيَّامِ العَشرِ المُبَارَكَةِ ، يَجتَهِدُ المُؤمِنُونَ فِيمَا يَنفَعُهُم عِندَ رَبِّهِم مِن أَعمَالٍ صَالحةٍ ، بَينَمَا لا يَكتَفِي مُخلِصُونَ بما يُقَدِّمُونَهُ مِن خَيرٍ لأَنفُسِهِم ، حَتى يُضِيفُوا إِلَيهِ خَيرَاتٍ يُقَدِّمُونَها لإِخوَانِهِم ، وَذَلِكَ بِدَلالَتِهِم عَلَى مَوَاطِنِ البَذلِ وَالعَطَاءِ ، وَتَسهِيلِ سُبُلِ الإِنفَاقِ لهم وَتَيسِيرِ وُصُولِهِم إِلَيهَا ، وَتَوَسُّطِهِم بَينَ الغَنيِّ القَادِرِ وَالفَقِيرِ المُحتَاجِ ، رَجَاءَ أَن يَنَالُوا بِذَلِكَ أَجرَ الدَّلالَةِ عَلَى الخَيرِ ، وَيُحَصِّلُوا مُضَاعَفَ الثَّوَابِ بِالدَّعوَةِ إِلى الهُدَى ، وَ" مَن دَلَّ عَلَى خَيرٍ فَلَهُ مِثلُ أَجرِ فَاعِلِهِ " وَ" مَن دَعَا إِلى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مِثلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ ، لا يَنقُصُ ذَلِكَ مِن أُجُورِهِم شَيئًا "

وَفي هذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ ، تَتَنَافَسُ مُؤَسَّسَاتٌ خَيرِيَّةٌ وَجَمعِيَّاتٌ وَمَكَاتِبُ دَعوَةٍ ، عَلَى تَقدِيمِ بَرَامِجَ مُتَنَوِّعَةٍ وَفَتحِ آفَاقٍ وَاسِعَةٍ ، لإِعَانَةِ المُسلِمِينَ عَلَى أَعمَالِ الخَيرِ وَالبِرِّ ، وَغَالِبًا مَا تَكُونُ تِلكَ الأَعمَالُ وَالبَرَامِجُ مُنتَظِمَةً تَحتَ مَجَالٍ في الإِسلامِ عَظِيمٍ ، ذَلِكُم هُوَ مَجَالُ الإِنفَاقِ وَالصَّدَقَةِ ، في تَحجِيجِ الحُجَّاجِ وَإِيوَائِهِم ، وَإِطعَامِهِم وَسَقيِهِم ، وَإِهدَاءِ مَا يَنفَعُهُم في دِينِهِم وَدُنيَاهُم ، وَذَبحِ الأَضَاحِي وَإِطعَامِ الطَّعَامِ ، وَكِسوَةِ العِيدِ وَنَفَقَةِ المُحتَاجِينَ ، وَتَيسِيرِ العُسرِ وَتَفرِيجِ الكُرُبَاتِ ، إِلى غَيرِ ذَلِكَ مِن وُجُوهٍ وَأَبوَابٍ .

وَقَد وَرَدَت في فَضَائِلِ الصَّدَقَاتِ وَمَا لِلبَاذِلِينَ مِن جَزَاءٍ آيَاتٌ وَأَحَادِيثٌ ، وَرُغِّبَ في العَطَاءِ وَمُدِحَ أَصحَابُهُ ، وَرُهِّبَ مِنَ البُخلِ وَذُمَّ أَهلُهُ ، في أَسَالِيبَ قُرآنِيَّةٍ وَنَبَوِيَّةٍ كَرِيمَةٍ ، بَلِيغَةِ الدَّلالَةِ نَاصِعَةِ البَيَانِ ، مَا قَرَأَهَا أَو سَمِعَهَا مُؤمِنٌ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، وَلا وَعَاهَا مُوقِنٌ بما أَعَدَهُ اللهُ لِعِبَادِهِ الصَّادِقِينَ ، إِلاَّ وَدَّ أَنَّ لَهُ في كُلِّ مَجَالٍ يَدًا بَيضَاءَ وَمُسَاهَمَةً وَعَطَاءً ، وَكَيفَ لا يَكُونُ ذَلِكَ وَالصَّدَقَةُ تُطفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَقِي مِنَ النَّارِ ، وَتُظِلُّ صَاحِبَهَا في ظِلِّ العَرشِ في يَومٍ شَدِيدٍ حَرُّهُ ، وَتُدَاوِي القَلبَ وَالجَسَدَ وَتَدفَعُ عَنِ العَبدِ أَنوَاعًا مِنَ البَلاءِ ، وَبها يَنشَرِحُ الصَّدرُ وَتَرتَاحُ النَّفسُ وَيَطمَئِنُّ القَلبُ ، وَيُضَاعَفُ الأَجرُ وَتُمحَى الخَطَايَا ، وَهِيَ بُرهَانٌ عَلَى الإِيمَانِ وَبها تُنَالُ حَقِيقَةُ البِرِّ ، وَبها يُطَهَّرُ المَالُ وَيُبَارَكُ فِيهِ ، وَهِيَ الَّتي تَبقَى مِنهُ لِصَاحِبِهِ في الآخِرَةِ ، وَبها الفَوزُ بِدُعَاءِ المَلَكِ لِلمُنفِقِينَ مَعَ إِشرَاقَةِ الشَّمسِ في كُلِّ يَومٍ ؟
فَمَن ذَا الَّذِي يُفَرِّطُ في الصَّدَقَةِ وَلَو بِالقَلِيلِ وَقَد جَاءَت بِكُلِّ هَذِهِ المَعَاني الآيَاتُ وَصَحَّتِ الأَحَادِيثُ ؟!

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لِمَا في الصَّدَقَةِ لِلمُؤمِنِ مِن عَظِيمِ ثَوَابٍ وَمُضَاعَفِ أَجرٍ ، وَبَرَكَةٍ في المَالِ وَنَجَاةٍ في المَآلِ ، كَانَ الشَّيطَانُ يَقِفُ لِلمُؤمِنِينَ بِالمِرصَادِ في بَابِهَا ، وَيَضَعُ في طَرِيقِهِم مِنَ العَوَائِقِ وَالمَوَانِعِ مَا يَضمَنُ بِهِ وُقُوعَهُم في الشُّحِّ وَالبُخلِ ، وَمِن ثَمَّ يَكُونُ ارتِكَاسُهُم في الخَسَارَةِ وَالهَلاكِ ، وَمُجَانَبَتُهُ م سَبِيلَ الفَلاحِ . وَقَد بَيَّنَ المَولى ـ جَلَّ وَعَلا ـ في كِتَابِهِ أَنَّ مَن وُقِيَ شُحَّ نَفسِهِ فَقَد أَفلَحَ ، وَبَيَّنَ الحَبِيبُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أَنَّ الشُّحَّ سَبَبٌ لِلهَلاكِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ "
وَفي الحَدِيثِ : " اِتَّقُوا الشُّحَّ ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُم ، حَمَلَهُم عَلَى أَن سَفَكُوا دِمَاءَهُم وَاستَحَلُّوا مَحَارِمَهُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَمِن هُنَا فَإِنَّ المُسلِمَ حِينَ يَتَحَامَلُ عَلَى نَفسِهِ ، وَيُخَالِفُ مَحَبَّتَهُ الفِطرِيَّةَ لِلمَالِ وَيَقمَعُ دَوَاعِيَ جَمعِهِ وَمَنعِهِ ، ثم يُنفِقُهُ لِوَجهِ اللهِ ابتِغَاءَ مَا عِندَهُ ، إِنَّهُ بِذَلِكَ يَتَغَلَّبُ عَلَى الشَّيَاطِينِ وَيَقهَرُهَا ، وَيُخَالِفُهَا فِيمَا تُسَوِّلُهُ لَهُ وَتُملِيهِ عَلَيهِ ، وَتَاللهِ مَا يَفعَلُ ذَلِكَ وَيَقدِرُ عَلَيهِ إِلاَّ مَن أُوتيَ مِنَ الإِيمانِ حَظًّا عَظِيمًا ، رَوَى الإِمَامُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ : " مَا يُخرِجُ رَجُلٌ شَيئًا مِنَ الصَّدَقَةِ حَتى يَفُكَّ عَنهَا لَحيَي سَبعِينَ شَيطَانًا "
نَعَم " مَا يُخرِجُ رَجُلٌ شَيئًا مِنَ الصَّدَقَةِ حَتى يَفُكَّ عَنهَا لَحيَي سَبعِينَ شَيطَانًا "
إِنَّهَا صُورَةٌ بَيَانِيَّةٌ بَلِيغَةٌ ، تُبَيِّنُ مَدَى حِرصِ الشَّيَاطِينِ عَلَى مَنعِ الصَّدَقَةِ ، حَتى لَكَأَنَّهَا تَعَضُّ عَلَيها بِفَكَّيهَا لِئَلاَّ يَنتَزِعَهَا صَاحِبُهَا فَيُنفِقَهَا ، وَهَذِهِ الشَّيَاطِينُ الَّتي شَرُّ سِلاحِهَا في هَذَا البَابِ أَن تَعِدَ الإِنسَانَ الفَقرَ إِذَا هُوَ تَصَدَّقَ ، لا تَقِفُ عِندَ هَذَا الحَدِّ فَحَسبُ ، بَل لا تَزَالُ بِهِ حَتى تَأتِيَهُ مِن أَبوَابٍ أُخرَى ، وَتَبعَثَ عَلَيهِ مِن أَعوَانِهَا مِنَ الإِنسِ مَن يُخَذِّلُونَهُ وَيُضعِفُونَ عَزِيمَتَهُ ، بما يَبُثُّونَهُ مِن شَائِعَاتٍ أَو يَنشُرُونَهُ مِن مَقَالاتٍ ، فَتَرَى مِنهُم مَن يُخِيفُ النَّاسَ مِنَ المُؤَسَّسَاتِ الخَيرِيَّةِ بِدَعوَى دَعمِ الإِرهَابِ ، وَتَرَى مَن يَزعُمُ أَنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ قَد تَقَعُ في أَيدِي أَغنِيَاءَ غَيرِ مُحتَاجِينَ ، أَو أَنَّ غَالِبَ المُستَفِيدِينَ مِنهَا خَارِجَ البِلادِ وَلا يُعرَفُ شَيءٌ عَن حَالِهِم ، أَو غَيرَ ذَلِكَ مِنَ الأَعذَارِ الوَاهِيَةِ وَالحِجَجِ الدَّاحِضَةِ ، وَالحَقُّ أَنَّ المُؤمِنَ إِذَا تَغَلَّبَ عَلَى شُحِّ نَفسِهِ مُصَدِّقًا بَمُوعُودِ اللهِ مُكَذِّبًا بَوَعدِ الشَّيَاطِينِ ، ثم بَحَثَ عَن أَهلِ الخَيرِ المَوثُوقِ فِيهِم قَدرَ استِطَاعَتِهِ ، وَاجتَهَدَ في أَن يَضَعَ صَدَقَتَهُ مَحَلَّهَا قَدرَ مَا يُمكِنُهُ ، وَأَخلَصَ للهِ وَطَلَبَ مَا عِندَهُ ، فَإِنَّ أَجرَهُ قَد تَمَّ وَنِيَّتَهُ قَد بَلَغَت ، وَمَا هُوَ بِمُكَلَّفٍ بما وَرَاءَ ذَلِكَ ، رَوَى البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ عَن مَعنِ بنِ يَزِيدَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : كَانَ أَبي يَزِيدُ أَخرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بها ، فَوَضَعَهَا عِندَ رَجُلٍ في المَسجِدِ ، فَجِئتُ فَأَخَذتُهَا فَأَتَيتُهُ بها ، فَقَالَ : وَاللهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدتُ . فَخَاصَمتُهُ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : لَكَ مَا نَوَيتَ يَا يَزِيدُ ، وَلَكَ مَا أَخَذتَ يَا مَعنُ "
وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " قَالَ رَجُلٌ لأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيلَةَ بِصَدَقَةٍ ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا في يَدِ زَانِيَةٍ ، فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ : تُصُدِّقَ اللَّيلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ . قَالَ : اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ ، عَلَى زَانِيَةٍ ! لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا في يَدِ غَنيٍّ ، فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ : تُصُدِّقَ عَلَى غَنيٍّ . قَالَ : اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ ، عَلَى غَنيٍّ ! لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا في يَدِ سَارِقٍ ، فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ : تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ . فَقَالَ : اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ ، عَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنيٍّ وَعَلَى سَارِقٍ ! فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ : أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَد قُبِلَت ، أَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا تَستَعِفُّ بها عَن زِنَاهَا ، وَلَعَلَّ الغَنيَّ يَعتَبِرُ فَيُنفِقُ مِمَّا أَعطَاهُ اللهُ ، وَلَعَلَّ السَّارِقَ يَستَعِفُّ بها عَن سَرِقَتِهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ ، فَإِنَّمَا عَلَى نِيَّاتِكُم تُؤَجَرُونَ ، وَمَعَ الغَنيِّ الكَرِيمِ تَتَعَامَلُونَ ، فَلا يُثَبِّطَنَّكُم ُ المُخَذِّلُونَ ، وَلا يَغُرَّنَّكُمُ المُكَذِّبُونَ بِيَومِ الدِّينِ ، الَّذِينَ يَدُعُّونَ اليَتِيمَ وَلا يَحُضُّونَ عَلَى طَعَامِ المِسكِينِ وَيَمنَعُونَ المَاعُونَ .

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبتُم وَمِمَّا أَخرَجنَا لَكُم مِنَ الأَرضِ وَلا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنهُ تُنفِقُونَ وَلَستُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغمِضُوا فِيهِ وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنيٌّ حَمِيدٌ . الشَّيطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقرَ وَيَأمُرُكُم بِالفَحشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُم مَغفِرَةً مِنهُ وَفَضلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "



الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَلازِمُوا طَاعَتَهُ وَلا تَترُكُوهَا ، وَاعلَمُوا أَنَّكُم في أَيَّامٍ مُبَارَكَةٍ فَاقدُرُوهَا حَقَّ قَدرِهَا وَعَظِّمُوهَا ، وَاغتَنِمُوا مَا بَقِيَ مِن أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ وَمَا بَعدَهَا مِن أَيَّامٍ مَعدُودَاتٍ .
لَقَد بَقِيَ يَومُ عَرَفَةَ وَيَومُ العِيدِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ ، أَمَّا يَومُ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ يَومُ إِكمَالِ الدِّينِ وَإِتمَامِ النِّعمَةِ عَلَى الأُمَّةِ ، اليَومُ المَشهُودُ ، الَّذِي يُعتِقُ اللهُ فِيهِ مَن قَبِلَهُ مِنَ الحُجَّاجِ وَيُجِيبُ دُعَاءَهُم ، وَفِيهِ يُستَحَبُّ لِغَيرِ الحَاجِّ الصَّومُ وَالتَّكبِيرُ بَعدَ الصَّلَوَاتِ مِن فَجرِهِ إِلى صَلاةِ العَصرِ مِن آخِرِ أَيَّامِ التَّشرِيقِ ، رَوَى النَّسَائِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، عَن طَارِقِ بنِ شِهَابٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ إِلى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ ، آيَةٌ في كِتَابِكُم تَقرَؤُونَهَا ، لَو عَلَينَا مَعشَرَ اليَهُودِ نَزَلَت لاتَّخَذنَا ذَلِكَ اليَومَ عِيدًا . قَالَ : أَيُّ آيَةٍ ؟ قَالَ : " اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا " فَقَالَ عُمَرُ : إِنَّي لأَعلَمُ المَكَانَ الَّذِي نَزَلَت فِيهِ وَاليَومَ الَّذِي نَزَلَت فِيهِ ، نَزَلَت عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في عَرَفَاتٍ في يَومِ جُمَعَةٍ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " خَيرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَومِ عَرَفَةَ ، وَخَيرُ مَا قُلتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِن قَبلِي : لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍٍ قَدِيرٌ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَا مِن يَومٍ أَكثَرَ مِن أَن يُعتِقَ اللهُ فِيهِ عَبدًا أَو أَمَةً مِنَ النَّارِ مِن يَومِ عَرَفَةَ ، وَإِنَّهُ لَيَدنُو ثم يُبَاهِي بِهِمُ المَلائِكَةَ فَيَقُولُ : مَاذَا أَرَادَ هَؤُلاءِ ؟ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتي بَعدَهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَأَمَّا يَومُ العِيدِ فَهُوَ يَومُ الحَجِّ الأَكبَرِ ، وَبَعدَهُ يَومُ القَرِّ أَوَّلُ أَيَّامِ التَّشرِيقِ الثَّلاثَةِ ، وَكُلُّهَا أَيَّامٌ عَظِيمَةٌ مُبَارَكَةٌ ، فِيهَا مِن أَعمَالِ الحَجِّ أَكثَرُهَا ، وفِيهَا التَّقَرُّبِ إِلى اللهِ بِذَبحِ الهَدَايَا وَالأَضَاحِي ، وَالتَّوسِيعُ عَلَى النُّفُوسِ بِالأَكلِ وَالشُّربِ مَعَ الإِكثَارِ مِن ذِكرِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَعظَمُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ ثم يَومُ القَرِّ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يَومُ عَرَفَةَ وَيَومُ النَّحرِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ عِيدُنَا ـ أَهلَ الإِسلامِ ـ وَهِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ " رَوَاهُ أَهلُ السُّنَنِ إِلاَّ ابنَ مَاجَه ، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَعِندَ مُسلِمٍ : " أَيَّامُ التَّشرِيقِ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ للهِ "

فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَصُومُوا يَومَ عَرَفَةَ ، وَاحضُرُوا صَلاةَ العِيدِ وَالبَسُوا الجَدِيدَ ، وَضَحُّوا وَكُلُوا وَاشرَبُوا ، وَتَصَدَّقُوا وَأَهدُوا ، وَ" اركَعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "
</b></i>




رد مع اقتباس
#98 (permalink)  
قديم 11-11-2011, 06:15 AM
ناصرعبدالرحمن
.:: مراقب ::.
ناصرعبدالرحمن غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 787
 تاريخ التسجيل : 17-04-2007
 فترة الأقامة : 6825 يوم
 أخر زيارة : 06-10-2012 (01:31 PM)
 العمر : 46
 المشاركات : 2,069 [ + ]
 التقييم : 39340
 معدل التقييم : ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي رد: خطب الشيخ عبدالله البصري




دروس من الحج والعشر 15 / 12 / 1432




الخطبة الأولى :


أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ . لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ "


أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَرَّت بِالمُسلِمِينَ أَيَّامٌ عَظِيمَةٌ مِن أَيَّامِ اللهِ ، وَعَاشُوا مَوسمًا كَرِيمًا مِن مَوَاسِمِ الآخِرَةِ ، فَنِعمَ الأَيَّامُ تِلكَ الأَيَّامُ ! وَنِعمَ المَوسِمُ ذَلِكَ المَوسِمُ !
إِنَّ تِلكَ الأَيَّامَ وَإِنْ كَانَت لم تَتَجَاوَزْ ثَلاثَةَ عَشَرَ يَومًا ، إِلاَّ أَنَّهَا احتَوَت مِنَ الدُّرُوسِ وَالعِبَرِ وَالفَوَائِدِ ، مَا لَو وَعَتهُ القُلُوبُ وَتَشَرَّبَتهُ النُّفُوسُ ، وَطُبِّقَ في سَائِرِ أَيَّامِ العَامِ ، لَتَغَيَّرَت في الوَاقِعِ أُمُورٌ وَلَتَحَسَّنَت أَحوَالٌ ، فَالحَجُّ إِلى بَيتِ اللهِ الحَرَامِ ، وَمَا فِيهِ مِنِ اجتِمَاعَاتٍ مَحشُودَةٍ وَأَيَّامٍ مَشهُودَةٍ ، وَالعَيدُ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ ، وَمَا فِيهَا مِن أَضَاحٍ وَتَكبِيرٍ وَأَعمَالٍ صَالحةٍ وَقُرُبَاتٍ ، وَصِلَةِ أَرحَامٍ وَزَيَارَةٍ أَقَارِبَ ، كُلُّ تِلكَ العِبَادَاتِ الجَلِيلَةِ وَالأَعمَالِ النَّبِيلَةِ ، إِنَّمَا هِيَ مَحَطَّاتٌ إِيمَانِيَّةٌ وَمَوَاقِفُ رَوحَانِيَّةٌ ، تَستَلهِمُ مِنهَا الأُمَّةُ دُرُوسًا في العُبُودِيَّةِ ، وَالَّتي مَا وُجِدَ النَّاسُ عَلَى هَذِهِ الأَرضِ إِلاَّ لأَجلِهَا ، وَلا يَجُوزُ لهم بِحَالٍ أَن يَتَنَاسَوهَا ، ثم يَنطَلِقُوا في دُرُوبِ دُنيَاهُم ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ، لِجَمعٍ وَمَنعٍ وَعُقُوقٍ وَقَطِيعَةٍ ، أَو قِيلٍ وَقَالٍ وَاتِّبَاعِ هَوًى وَطَاعَةِ شَيطَانٍ .


لَقَد خَلَقَ اللهُ ـ تَعَالى ـ الخَلقَ لِعِبَادَتِهِ ، وَتَكَفَّلَ لهم بِأَرزَاقِهِم وَسَخَّرَ لهم مَا في الأَرضِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنهُم مِن رِزقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطعِمُونِ . إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزقًا لَكُم فَلا تَجعَلُوا للهِ أَندَادًا وَأَنتُم تَعلَمُونَ "


وَإِنَّ مَا مَرَّ بِنَا مِن أَعمَالٍ وَقُرُبَاتٍ في العَشرِ وَأَيَّامِ التَّشرِيقِ ، لَيُؤَصِّلُ فِينَا مَا قَد نَغفَلُ عَنهُ في خِضَمِّ هَذِهِ الحَيَاةِ مِن مَهَامِّ العُبُودِيَّةِ ، فَتَوَقُّفُ مَن أَرَادَ أَن يُضَحِّيَ عَن أَخذِ شَيءٍ مِن شَعرِهِ وَبَشَرَتِهِ ، وَاللَّهَجُ بِالتَّكبِيرِ قِيَامًا وَقُعُودًا وَفي البُيُوتِ وَالمَسَاجِدِ وَالأَسوَاقِ ، وَصَومُ يَومِ عَرَفَةَ وَذَبحُ الأَضَاحِي ، وَأَعمَالُ الحَجِّ بَدأً بِالإِحرَامِ وَلَبسِ ثِيَابِهِ المُوَحَّدَةِ ، فَالمَسِيرُ إِلى تِلكَ المَشَاعِرِ المَقَدَّسَةِ ، ثم وُقُوفُ الحُجَّاجِ بِزِيٍّ وَاحِدٍ في أَمَاكِنَ وَاحِدَةٍ في وَقتٍ وَاحِدٍ ، ثم الطَّوَافُ وَالسَّعيُ وَالرَّميُ وَالذَّبحُ وَسَائِرُ الأَعمَالِ إِلى طَوَافِ الوَدَاعِ ، إِنَّ كُلَّ تِلكَ الأَعمَالِ لَتُعطِينَا دُرُوسًا جَلِيلَةً ، وَتُؤَسِّسُ في نُفُوسِنَا أُصُولاً أَصِيلَةً ، وَتَغرِسُ فِيهَا ثَوَابِتَ مَتِينَةً ، وَتُقَرِّرُ مَبَادِئَ يَجِبُ عَلَينَا العَضُّ عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ وَاستِحضَارُهَا في الدَّقِيقِ وَالجَلِيلِ مِن أُمُورِنَا ؛ لِنَكُونَ كَمَا أُرِيدَ بِنَا حُنَفَاءَ للهِ غَيرَ مُشرِكِينَ بِهِ ، مُسلِمِينَ لَهُ وُجُوهَنَا وَقُلُوبَنَا وَسَائِرَ جَوَارِحِنَا ، لَهُ صَلاتُنَا وَلَهُ نُسُكُنَا ، وَلَهُ مَحيَانَا وَلَهُ مَمَاتُنَا ، نَعبُدُهُ كَمَا أَرَادَ هُوَ لا كَمَا نُرِيدُ نَحنُ ، وَنَتَمَسَّكُ بما يُوجِبُهُ عَلَينَا في الصَّغِيرِ قَبلَ الكَبِيرِ ، وَنَكتَفِي بما أَحَلَّ لَنَا وَنَدَعُ مَا حَرَّمَ ، لا أَن نَتَفَلَّتَ مِن وَاجِبَاتِ دِينِنَا شَيئًا فَشَيئًا وَنَتَسَاهَلَ بِتَنَاوُلِ الشُّبُهَاتِ ، ثم نَقَعَ في المَكرُوهَاتِ وَالمُحَرَّمَات ِ وَنَغشَى الكَبَائِرَ وَالمُوبِقَاتِ .


إِنَّ المُسلِمَ المُرِيدَ لِلأُضحِيَةِ ، حِينَ يُمسِكُ مِن دُخُولِ العَشرِ عَن قَصِّ الشَّعرِ وَالظُّفرِ وَالأَخذِ مِن شَيءٍ مِنَ البَشَرَةِ مَهمَا قَلَّ بِلا حَاجَةٍ ، إِنَّهُ لَيَتَعَلَّمُ تَعظِيمَ الأَمرِ وَالنَّهيِ ، وَتَوقِيرَ الآمِرِ النَّاهِي ـ سُبحَانَهُ ـ وَإِجلالَهُ ، وَالوُقُوفَ عِندَ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ في الصَّغِيرِ مِنَ الأُمُورِ قَبلَ الكَبِيرِ .
وَيُحرِمُ الحَاجُّ أَيًّا كَانَ مَنصِبُهُ أَو مَالُهُ أَو عَشِيرَتُهُ أَو بَلَدُهُ ، مُتَجَرِّدًا مِن مَلابِسِهِ أَيًّا كَانَ ثَمَنُهَا أَو نَوعُهَا ، وَيَغتَسِلُ لإِحرَامِهِ وَيَتَنَظَّفُ وَيَتَطَيَّبُ ، فَيَتَجَرَّدُ بهذَا مِن آفَاتِ الدُّنيَا وَدَنَايَاهَا ، وَيَنبُذُ جَمِيعَ مَقَايِيسِهَا وَمَعَايِيرِهَا ، وَيَغتَسِلُ مِن مَاضِيهِ وَيَتُوبُ إِلى اللهِ ممَّا قَد يَكُونُ فِيهِ مِن حَالٍ لا تُرضِيهِ ، وَتَرَاهُ في طَرِيقِهِ يَلهَجُ بِالتَّلبِيَةِ ، لِيُعلِنَ أَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إِلى رَبِّهِ لا إِلى غَيرِهِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ التَّوَجُّهَ مُتَكَرِّرٌ في الحَيَاةِ مَرَّةً بَعدَ مَرَّةً ، تَوَجُّهٌ مُستَمِرٌّ لا يَتَوَقَّفُ ، في عُبُودِيَّةٍ تَنتَظِمُ كُلَّ أُمُورِ الحَيَاةِ وَلا تَنقَطِعُ ، لا خُرُوجَ فِيهَا لِلعَبدِ عَن إِرَادَةِ رَبِّهِ ، بَل هُوَ طَوعٌ لأَوَامِرِهِ رَهنٌ لِتَعَالِيمِ دِينِهِ ، مُرتَضٍ لها في كُلِّ شَأنٍ مِن شُؤُونِهِ , لِعِلمِهِ أَنَّهُ خَالِقُهُ وَرَازِقُهُ ، وَأَنَّهُ المُنعِمُ المُتَفَضِّلُ ، فَمِن حَقِّهِ أَن يُعبَدَ وَيُوَحَّدَ وَيُحمَدَ ، وَأَن يُذكَرَ وَيُشكَرَ وَلا يُكفَرَ ، وَأَن تُخلَصَ لَهُ العِبَادَةُ وَلا يُشرَكَ بِهِ .
وَيَلهَجُ غَيرُ الحُجَّاجِ بِالتَّكبِيرِ في كُلِّ أَوقَاتِهِم ، وَبعدَ صَلَوَاتِهِم وَحِينَ ذَبحِ أُضحِيَاتِهِم ، وَفي هَذَا التَّكبِيرِ مَعَانٍ جَلِيلَةٌ كَثِيرَةٌ ! فَاللهُ أَكبرُ مِن كُلِّ شَيءٍ وَأَعظَمُ ، وَاللهُ أَعلَى مِن كُلِّ شَيءٍ وَأَجَلُّ , وَأَمرُهُ ـ تَعَالى ـ وَنَهيُهُ أَكبرُ وَأَعظَمُ وَأَعلَى وَأَجَلُّ , وَمَا يُرِيدُهُ ـ سُبحَانَهُ ـ يَجِبُ أَن يَكُونَ في كُلِّ نَفسٍ هُوَ الأَكبَرَ وَالأَعظَمَ وَالأَهَمَّ , اللهُ أَكبرُ مِن كُلِّ دُنيَا يُطمَعُ فِيهَا ، اللهُ أَكبرُ مِن كُلِّ مَنصِبٍ يُؤبَهُ لَهُ ، اللهُ أَكبرُ مِن كُلِّ جَاهٍ تَتُوقُ لَهُ النُّفُوسُ ، اللهُ أَكبرُ وَأَعظَمُ مِن كُلِّ مَخلُوقٍ مَهمَا كَبُرَ أَو تَكَبَّرَ أًو عُظِّمَ أَو تَعَاظَمَ .
وَيَطُوفُ الحُجَّاجُ وَيَسعَونَ وَيَبِيتُونَ بِمِنًى ، ثم يَنطَلِقُونَ جَمِيعًا إِلى عَرَفَةَ ثم إِلى مُزدَلِفَةَ ، ثم يَعُودُونَ لِمِنًى وَيَبِيتُونَ فِيهَا , وَهُم إِنَّما يَتَحَرَّكُونَ ذَاهِبِينَ إِلى هَذَا المَشعَرِ أَو عَائِدِينَ لِذَاكَ , طَاعَةً لِرَبِّهِم ـ سُبحَانَهُ ـ وَتَحقِيقًا لِلعُبُودِيَّةِ الَّتي مِن أَجلِهَا خُلِقُوا ، وَاقتِدَاءً بِمَن أُمِرُوا بِالأَخذِ عَنهُ وَالسَّيرِ عَلَى نَهجِهِ ، في صُورَةٍ رَائِعَةٍ لِلوِحدَةِ الَّتي يَجِبُ أَن يَكُونُوا عَلَيهَا ، بِلا فَرقٍ بَينَ أَبيَضَ أَو أَسوَدَ ، أَو عَرَبيٍّ أَو عَجَمِيٍّ ، أَو غَنيٍّ أَو فَقِيرٍ ، أَو رَئِيسٍ أَو مَرؤُوسٍ .
وَتَرَاهُم في ثَلاثَةِ أَيَّامٍ يَرمُونَ الجَمَرَاتِ وَيُكَبِّرُونَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ، وَفي ذَلِكَ تَذكِيرٌ لهم بِمُوَاصَلَةِ الحَربِ مَعَ عَدُوِّهِمُ اللَّدُودِ الشَّيطَانِ , وَتَجدِيدٌ لِلحَذَرِ مِن إِغوَائِهِ أَوِ السَّيرِ في طُرِقِهِ , وَتَعوِيدٌ لهم أَن يَذكُرُوا اللهَ وَيَستَحضِرُوا عَظَمَتَهُ وَجَلالَهُ كُلَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ العَدُوُّ أَو أَحَدٌ مِن أَعوَانِهِ أَن يُغوُوهُم أَو يُفسِدُوا عَلَيهِم سَيرَهُم إِلى رَبِّهِم ، وَأَن يَرجُمُوا خِطَطَ أُولَئِكَ الأَعدَاءِ وَيَنبُذُوهَا وَرَاءَ ظُهُورِهِم وَلا يُقِيمُوا لها وَزنًا .
وَيَذبَحُ المُسلِمُونَ الهَديَ وَالأَضَاحِيَ ، فَيَتَذَكَّرُون َ أَبَا الأَنبِيَاءِ وَإِمَامَ الحُنَفَاءِ ، المُسلِمَ القَانِتَ لِرَبِّهِ ، إِبرَاهِيمَ الخَلِيلَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ الَّذِي لم يَتَرَدَّدْ هُوَ وَابنُهُ إِسمَاعِيلُ في تَنفِيذِ مَا أُمِرَا بِهِ ، بَل ضَرَبَا أَعظَمَ الأَمثِلَةِ في الاستِجَابَةِ لِمَن بِيَدِهِ الخَلقُ وَالأَمرُ ، حَيثُ قَدَّمَ الابنُ رُوحَهُ مُستَسلِمًا ، وَقَدَّمَ الأَبُ فَلَذَةَ كَبِدِهِ صَابِرًا ، فَكَانَ لهما الذِّكرُ الحَسَنُ في الدُّنيَا ، وَالعَاقِبَةُ المَحمُودَةُ في الآخِرَةِ .
وَحِينَ يَقُولُ ـ تَعَالى ـ : " الحَجُّ أَشهُرٌ مَعلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ في الحَجِّ " فَإِنَّ في ذَلِكَ تَربِيَةً لِلمُؤمِنِينَ أَن يَكُونُوا في حَيَاتِهِم عَلَى أَحسَنِ مَا يَكُونُ مِنَ السُّلُوكِ ، وَأَن يَكُونَ دَيدَنُهُمُ التَّحَلِّيَ بِأَجمَلِ الأَخلاقِ وَالآدَابِ ، وَعَدَمَ التَّدَنِّي إِلى الرَّفَثِ أَوِ التَّدَنُّسِ بِالفُسُوقِ ، أَوِ النُّطقِ بِالفُحشِ وَالانشِغَالِ بِالجَدَلِ الَّذِي لا طَائِلَ وَرَاءَهُ .
وَالحَجُّ كُلُّهُ بِشَعَائِرِهِ العَدِيدَةِ وَأَعمَالِهِ المُتَنَوِّعَةِ ، وَالَّتي لا تَخلُو مِن بَذلِ الجُهدِ وَتَحَمُّلِ التَّعَبِ وَالمَشَقَّةِ ، وَصَبرِ الحَاجِّ عَلَى مَا يَحصُلُ لَهُ مِن عَقَبَاتٍ وَمَا يَوَاجِهُهُ مِن صِعَابٍ ، يُذَكِّرُ الأُمَّةَ بِذُروَةِ سَنَامِ الإِسلامِ وَهُوَ الجِهَادُ , لِتَتَذَكَّرَ أَنَّهُ لا عِزَّةَ لها وَلا انشِرَاحَ لِصُدُورِهَا وَلا ارتِفَاعَ لِرُؤُوسِهَا إِلاَّ بِالجِهَادِ .


أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَلْنَحمَدِ اللهَ عَلَى مَا شَرَعَهُ لَنَا مِن عِبَادَاتٍ وَمَا جَعَلَهُ مِن مَوَاسِمَ لِلخَيرَاتِ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسْمَ اللهِ في أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقضُوا تَفَثَهُم وَلْيُوفُوا نُذُورَهُم وَلْيَطَّوَّفُو ا بِالبَيتِ العَتِيقِ . ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّت لَكُمُ الأَنعَامُ إِلاَّ مَا يُتلَى عَلَيكُم فَاجتَنِبُوا الرِّجسَ مِنَ الأَوثَانِ وَاجتَنِبُوا قَولَ الزُّورِ . حُنَفَاءَ للهِ غَيرَ مُشرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخطَفُهُ الطَّيرُ أَو تَهوِي بِهِ الرِّيحُ في مَكَانٍ سَحِيقٍ . ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ "




الخطبة الثانية :


أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ، وَاعلَمُوا أَنَّ أَيَّامَ العَشرِ بما فِيهَا مِنَ الحَجِّ وَالعَجِّ وَالثَّجِّ ، وَالسَّفَرِ وَالاجتِمَاعِ ثم الافتِرَاقِ وَالعَودَةِ ، وَالتَّضحِيَةِ بِالنَّفسِ وَالمَالِ وَالأَوقَاتِ وَالأَهلِ وَالدِّيَارِ ، وَالتَّجَرُّدِ مِنَ الزِّينَةِ وَارتِدَاءِ لِبَاسِ الإِحرَامِ المُتَوَاضِعِ ، إِنَّ كُلَّ أُولَئِكَ مَدرَسَةٌ بَل جَامِعَةٌ إِيمَانِيَّةٌ تَربَوِيَّةٌ ، يَجِبُ أَن تَستَفِيدَ مِنهَا الأُمَّةُ مَا يُصلِحُ شَأنَهَا وَيُعلِي قَدرَهَا وَيَنفَعُهَا في أُخرَاهَا ، وَاضِعَةً نُصبَ عَينَيهَا أَنَّ الدُّنيَا بِكُلِّ مَا فِيهَا لا تَعدُو أَن تَكُونَ رِحلَةً كَرِحلَةِ الحَجِّ ، وَأَنَّ أَيَّامَهَا كَأَيَّامِ العَشرِ ، تُوشِكُ أَن تَنتَهِيَ عَاجِلاً ثم يَعُودَ كُلُّ عَبدٍ إِلى رَبِّهِ ، فَيُجَازِيَهُ بما عَمِلَهُ وَقَدَّمَهُ ، وَمِن ثَمَّ فَلا حَاجَةَ لِلرُّكُونِ إِلى الزَّخَارِفِ وَالانشِغَالِ بِالزِّينَةِ وَالمُلهِيَاتِ ، بَل يَكفِي المُؤمِنَ زَادٌ كَزَادِ الرَّاكِبِ الَّذِي خَرَجَ مِن أَهلِهِ حَاجًّا ثم عَادَ ، مَعَ الصَّبرِ عَلَى مَا في الدُّنيَا مِن نَقصٍ وَتَغَيُّرٍ وَتَبَدُّلِ حَالٍ ، إِلى أَن يَلقَى العَبدُ رَبَّهُ في دَارٍ لا نَصَبَ فِيهَا وَلا تَعَبَ .
</b></i>




رد مع اقتباس
#99 (permalink)  
قديم 17-11-2011, 09:29 PM
ناصرعبدالرحمن
.:: مراقب ::.
ناصرعبدالرحمن غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 787
 تاريخ التسجيل : 17-04-2007
 فترة الأقامة : 6825 يوم
 أخر زيارة : 06-10-2012 (01:31 PM)
 العمر : 46
 المشاركات : 2,069 [ + ]
 التقييم : 39340
 معدل التقييم : ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي رد: خطب الشيخ عبدالله البصري




أشاهد صلاة الفجر أم مع المنافقين 22 / 12 / 1432



الخطبة الأولى :


أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "

عِبَادَ اللهِ ، إِنْ تَعجَبُوا ، فَإِنَّهُ لا أَعجَبَ مِن مُرِيدٍ لِلجَنَّةِ بِلا إِيمَانٍ ، وَمُدَّعِي إِيمَانٍ بِلا صَبرٍ ، وَرَاجِي صَبرٍ بِلا مُصَابَرَةٍ وَمُرَابَطَةٍ ! وَهَل تَحصُلُ تَقوَى اللهِ الَّتي بها نَجَاةُ العَبدِ وَدُخُولُهُ الجَنَّةَ بِغَيرِ الإِيمَانِ ؟ لا وَاللهِ وَتَاللهِ ، لا تَقوَى إِلاَّ بِإِيمَانٍ ، وَبَينَ هَذِهِ التَّقوَى وَذَاكَ الإِيمَانِ مَرَاحِلُ مِنَ الصَّبرِ عَلَى الطَّاعَةِ ، وَمَوَاطِنُ تَحتَاجُ إِلى مُصَابَرَةٍ وَمُرَابَطَةٍ ، وَمَوَاقِفُ لا بُدَّ فِيهَا مِن مُجَاهَدَةٍ لِلنَّفسِ وَمُحَاسَبَةٍ ، وَسَيرٍ عَلَى الجَادَّةِ وَاستِقَامَةٍ عَلَى الصِّرَاطِ وَأَدَاءٍ لِلوَاجِبَاتِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ . وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " تِلكَ الجَنَّةُ الَّتي نُورِثُ مِن عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِم لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُم يَحزَنُونَ "
وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : سُئِلَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : مَا أَكثَرُ مَا يُدخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ ؟ قَالَ : " تَقوَى اللهِ وَحُسنُ الخُلُقِ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ حِبَّانَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لا تَدخُلُونَ الجَنَّةَ حَتى تُؤمِنُوا " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ كَمَا عِندَ البُخَارِيِّ : " يَا بِلالُ ، قُمْ فَأَذِّنْ : لا يَدخُلُ الجَنَّةَ إِلاَّ مُؤمِنٌ "
وَعِندَ مُسلِمٍ : " يَا بنَ الخَطَّابِ ، اِذهَبْ فَنَادِ في النَّاسِ : إِنَّهُ لا يَدخُلُ الجَنَّةَ إِلاَّ المُؤمِنُونَ "
إِنَّ دُخُولَ الجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ أُمنِيَّةً لِكُلِّ مُسلِمٍ ، فَهُوَ لَيسَ بِالأَمرِ الهَيِّنِ الَّذِي يَحصُلُ بِالأَمَانيِّ ، وَلَكِنَّهُ مَطلَبٌ غَالٍ لا يُحَصِّلُهُ إِلاَّ مَن قَامَ بِحَقِّهِ ، وَغَايَةٌ نَفِيسَةٌ لا يُدَرِّكُهَا إِلاَّ مَن سَلَكَ طَرِيقَهَا " لَيسَ بِأَمَانِيِّكُم وَلا أَمَانيِّ أَهلِ الكِتَابِ مَن يَعمَلْ سُوءًا يُجزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا . وَمَن يَعمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ وَلا يُظلَمُونَ نَقِيرًا "
وَقَد أَرسَلَ اللهُ الرُّسُلَ وَبَيَّنَ المَحَجَّةَ ، لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عُذرٌ وَلا حُجَّةٌ " رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ في الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ : " إِنَّمَا هِيَ أَعمَالُكُم أُحصِيهَا لَكُم ثم أُوَفِّيكُم إِيَّاهَا ، فَمَن وَجَدَ خَيرًا فَلْيَحمَدِ اللهَ ، وَمَن وَجَدَ غَيرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ "

أُمَّةَ الإِسلامِ ، صَلاةُ الفَجرِ الَّتي هِيَ مِنَ الفَوَارِقِ بَينَ الإِيمَانِ وَالنِّفَاقِ ، وَإِحدَى الصَّلَوَاتِ الخَمسِ الَّتي فَرَضَهَا اللهُ في اليَومِ وَاللَّيلَةِ ، وَجَعَلَ المُحَافَظَةَ عَلَيهَا مِن أَسبَابِ النَّجَاةِ ، مَا بَالُهَا تَشكُو قِلَّةَ مَن يَشهَدُهَا مِنَ المُصَلِّينَ ؟
بَل مَا بَالُ عَدَدِ التَّارِكِينَ لها يَزدَادُ مَعَ مُرُورِ الأَيَّامِ وَيَكثُرُ عَامًا بَعدَ عَامٍ ؟
أَيَترُكُ عِبَادُ اللهِ في الأَرضِ صَلاةً يَشهَدُهَا عِبَادُهُ في السَّمَاءِ مِنَ المَلائِكَةِ ؟
أَلَم يَقُلْ أَصدَقُ القَائِلِينَ : " إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كَانَ مَشهُودًا " أَيْ تَشهَدُهُ المَلائِكَةُ وَتَحضُرُهُ وَتَشهَدُ لِحَاضِرِيهِ ؟!
بَلَى وَاللهِ إِنَّهُ لَكَذَلِكَ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَتَعَاقَبُونَ فِيكُم مَلائِكَةٌ بِاللَّيلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجتَمِعُونَ في صَلاةِ الفَجرِ وَصَلاةِ العَصرِ ، ثم يَعرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُم فَيَسأَلُهُم رَبُّهُم وَهُوَ أَعلَمُ بهم : كَيفَ تَرَكتُم عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ : تَرَكنَاهُم وَهُم يُصَلُّونَ ، وَأَتَينَاهُم وَهُم يُصَلُّونَ " مُتَفَّقٌ عَلَيهِ .
فَإِلى مَتى يَا مَن تَدَّعُونَ الإِيمَانَ وَتَطلُبُونَ الجَنَّةَ ، إِلى مَتى تُضِيعُونَ أَمرَ اللهِ وَتُفَرِّطُونَ في الأُجُورِ وَالحَسَنَاتِ ؟
إِلى مَتى تَزهَدُونَ في جَنَّةٍ عَرضُهَا الأَرضُ وَالسَّمَاوَاتُ ؟
إِلى مَتى تُخرِجُونَ أَنفُسَكُم بِسَهوِكُم عَن تِلكَ الصَّلاةِ مِن عَهدِ اللهِ لَكُم بِالنَّجَاةِ ؟
أَلَم تَسمَعُوا مَا قَالَهُ مَن لا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَيثُ قَالَ : " خَمسُ صَلَوَاتٍ افتَرَضَهُنَّ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ مَن أَحسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلاَّهُنَّ لِوَقتِهِنَّ ، وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ ، كَانَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهدٌ أَن يَغفِرَ لَهُ ، وَمَن لم يَفعَلْ فَلَيسَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهدٌ ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .

عِبَادَ اللهِ ، أَخرِجُوا أَنفُسَكُم مِن دَائِرَةِ النِّفَاقِ ، وَادخُلُوا في ذِمَّةِ اللهِ بِصَلاتِكُمُ الفَجرَ مَعَ عِبَادِ اللهِ المُؤمِنِينَ ، عَن أُبيِّ بنِ كَعبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَومًا الصُّبحَ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ : " أَشَاهِدٌ فُلانٌ ؟ " قَالُوا : لا . قَالَ : " إِنَّ هَاتَينِ الصَّلاتَينِ أَثقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى المُنَافِقِينَ ، وَلَو تَعلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَيتُمُوهُمَ ا وَلَو حَبوًا عَلَى الرُّكَبِ ، وَإِنَّ الصَّفَّ الأَوَّلَ عَلَى مِثلِ صَفِّ المَلائِكَةِ ، وَلَو عَلِمتُم مَا فَضِيلَتُهُ لابتَدَرتُمُوهُ ، وَإِنَّ صَلاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزكَى مِن صَلاتِهِ وَحدَهُ ، وَصَلاتَهُ مَعَ الرَّجُلَينِ أَزكَى مِن صَلاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلى اللهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ في ذِمَّةِ اللهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .

إِنَّ صَلاةَ الفَجرِ مَحَكُّ اختِبَارٍ وَمِيزَانُ إِيمَانٍ ، إِنَّهَا امتِحَانٌ نَتِيجَتُهُ وَاضِحَةٌ ، تُدرَكُ بِأَقَلِّ التَّفكِيرِ بَل تُرَى بِالعَينِ المُجَرَّدَةِ ، إِنَّهَا حُضُورٌ مَعَ الجَمَاعَةِ في المَسَاجِدِ ، وَانتِظَامٌ في صُفُوفِ المُؤمِنِينَ المَحُوطِينَ بِرِعَايَةِ اللهِ الدَّاخِلِينَ في عَهدِهِ وَذِمَّتِهِ ، أَو تَكَاسُلٌ وَغِيَابٌ وَانقِطَاعٌ ، فَخُرُوجٌ مِن ذِمَّةِ اللهِ وَعَهدِهِ ، وَدُخُولٌ في صُفُوفِ أَهلِ النِّفَاقِ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ .
فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ اِتَّقُوا اللهَ يَا مَن تَثقُلُ عَلَيكُم صَلاةُ الفَجرِ في الصَّيفِ لِقِصَرِ اللَّيلِ وَاستِغرَاقِكُم في النَّومِ بَعدَ السَّهرِ ، ثم يَصعُبُ عَلَيكُم تَركُ فُرُشِكُم في الشِّتَاءِ رَغبَةً في الدِّفءِ وَلِئَلاَّ تَتَعَرَّضُوا لِلبَردِ ، مَتَى بِرَبِّكُم تَكُونُونَ عَبِيدًا للهِ لا عَبِيدًا لِهَوَى أَنفُسِكُم ؟
أَتَظُنُّونَ أَنَّكُم بِإِعطَائِكُمُ النُّفُوسَ هَوَاهَا قَد أَدرَكتُمُ الرَّاحَةَ ؟!
لا وَاللهِ ، فَلا رَاحَةَ في الدُّنيَا تَامَّةً ، وَإِنَّمَا الرَّاحَةُ الكَامِلَةُ في الجَنَّةِ لِمَن دَخَلَهَا ، وَلا يَدخُلُهَا إِلاَّ المُؤمِنُونَ المُتَّقُونَ ، وَلا إِيمَانَ وَتَقوَى إِلاَّ بِعَمَلٍ صَالحٍ وَطَاعَةٍ للهِ وَرَسُولِهِ ، وَخَيرُ الأَعمَالِ الصَّالحةِ الصَّلاةُ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " اِستَقِيمُوا وَلَن تُحصُوا ، وَاعلَمُوا أَنَّ خَيرَ أَعمَالِكُمُ الصَّلاةُ ، وَلا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلاَّ مُؤمِنٌ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
فَاتَّقُوا اللهَ وَاصبِرُوا في طَاعَتِهِ وَعَن مَعصِيَتِهِ كَمَا صَبَرَ المُوَفَّقُونَ ، فَإِنَّهُم عَانَوا كَمَا تُعَانُونَ أَو أَكبَرَ مِنهُ ، لَكِنَّهُم عَلِمُوا بما عَلَّمَهُمُ اللهُ أَنْ لا أَمنَ في الآخِرَةِ وَلا رَاحَةَ إِلاَّ لِمَن خَافَ رَبَّهُ في الدُّنيَا وَتَعِبَ في طَاعَتِهِ ، عَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ عَنِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَروِي عَن رَبِّهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ قَالَ : " وَعِزَّتي ، لا أَجمَعُ عَلَى عَبدِي خَوفَينِ وَأَمنَينِ ، إِذَا خَافَني في الدُّنيَا أَمَّنتُهُ يَومَ القِيَامَةِ ، وَإِذَا أَمِنَني في الدُّنيَا أَخَفتُهُ يَومَ القِيَامَةِ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
فَرَحِمَ اللهُ قَومًا مِنَ الآبَاءِ وَالأَجدَادِ وَالسَّلَفِ الصَّالحِ ، عَانَوُا المَشيَ إِلى المَسَاجِدِ في الظُّلُمَاتِ ، وَلم يَرُدَّهُم عَن إِجَابَةِ النِّدَاءِ بُعدُ مَسجِدٍ أَو وُجُودُ هَوَامَّ ، وَكَانَ مِنهُم مَن يُؤتَى بِهِ يُهَادَى بَينَ الرَّجُلَينِ حَتى يُقَامَ في الصَّفِّ ، وَمِنهُم مَن يَزحَفُ إِلَيهَا زَحفًا ، وَمِنهُم مَن لا تَفُوتَهُ تَكبِيرَةُ الإِحرَامِ أَعوَامًا عَدِيدَةً .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الكُبرَى . يَومَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى . وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِمَن يَرَى . فَأَمَّا مَن طَغَى . وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنيَا . فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأوَى . وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى . فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى "



الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ كَمَا أَمَرَكُم يُنجِزْ لَكُم مَا وَعَدَكُم " وَمَن يَتِّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ "

عِبَادَ اللهِ ، مَا أَجمَلَ المُسلِمِينَ وَقَدِ بَكَرُوا كِبَارًا وَصِغَارًا إِلى بُيُوتِ اللهِ ، مُتَطَهِّرِينَ مُستَغفِرِينَ ، مُحتَسِبِينَ خُطُوَاتِهِم وَلَحَظَاتِهِم ، مُحَافِظِينَ عَلَى صَلاتِهِم ، يَرجُونَ رَحمَةَ رَبِّهِم وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ !
وَمَا أَسوَأَ الحَالَ وَقَد جَعَلَ الكَبِيرُ لا يُحِسُّ بِمَسؤُولِيَّتِ هِ ، وَلا يَجِدُ الصَّغِيرُ فِيهِ قُدوَتَهُ ،

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا الكِبَارُ مِن آبَاءٍ وَإِخوَةٍ ـ وَارعَوا أَمَانَاتِكُم ، فَوَاللهِ مَا اعتَادَ الشَّبَابُ وَالمُرَاهِقُون َ في عَصرِنَا تَركَ الصَّلاةَ وَاستَمرَؤُوهُ ، إِلاَّ حِينَ صَارَ الآبَاءُ مَا بَينَ حَرِيصٍ عَلَى الصَّلاةِ بِنَفسِهِ مُهمِلٍ لأَبنَائِهِ ، أَو آخَرَ لا يَقِي مِنَ النَّارِ نَفسًا ، وَلا يَأمُرُ بِمَعرُوفٍ أَهلاً وَلا وَلَدًا ، وَلا يَرعَى أَمَانَةً وَلا عَهدًا ، فَاتَّقُوا اللهَ وَقُومُوا بِحَقِّهِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُون "
</b></i>




رد مع اقتباس
#100 (permalink)  
قديم 25-11-2011, 10:20 AM
ناصرعبدالرحمن
.:: مراقب ::.
ناصرعبدالرحمن غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 787
 تاريخ التسجيل : 17-04-2007
 فترة الأقامة : 6825 يوم
 أخر زيارة : 06-10-2012 (01:31 PM)
 العمر : 46
 المشاركات : 2,069 [ + ]
 التقييم : 39340
 معدل التقييم : ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي ناصرعبدالرحمن عضو الماسي
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي رد: خطب الشيخ عبدالله البصري



سيادة الشريعة 29/12/1432هـ
حأَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، المُؤمِنُ الِّذِي رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا وَبِالإِسلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا رَسُولاً ، يَعلَمُ عِلمَ يَقِينٍ لا شَكَّ فِيهِ أَنَّ مِن أَعظَمِ مُحْكَمَاتِ الإِيمَانِ التَّسلِيمَ لِلشَّرِيعَةِ في كُلِّ أَمرٍ مِنَ الأُمُورِ صَغُرَ أَو كَبُرَ ، وَعَدَمَ تَقدِيمِ رَأيٍ أَو عَقلٍ أَو هَوًى عَلَى مَا جَاءَ مِن عِندِ اللهِ وَرَسُولِهِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَينَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " فَلا أَغلَبِيَّةَ وَلا أَكثَرِيَّةَ ، وَلا سِيَادَةَ أُمَمِيَّةً وَلا شَعبِيَّةً ، وَلا حُرِّيَّةَ مُطلَقَةً وَلا فَوضَوِيَّةَ ، بَل هِيَ هَيمَنَةُ الشَّرِيعَةِ وَحَاكِمِيَّتُه َا وَالقَبُولُ بها قَولاً وَعَمَلاً ، فَذَلِكَ هُوَ الإِيمَانُ الحَقَّ ، وَتِلكَ هِيَ العُبُودِيَّةُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ ، وَإِلاَّ فَمَا ثَمَّةَ إِلاَّ الحَرَجُ وَالشَّكُّ وَالتَّذَبذُبُ ، وَمِن ثَمَّ فَلا إِيمَانَ وَلا تَسلِيمَ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا " يُقَالُ هَذَا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَالأُمَّةُ لم تَكَدْ تَرفَعُ الرُّؤُوسَ ابتِهَاجًا بِسُقُوطِ أَكثَرَ مِن رَمزٍ مِن رُمُوزِ العَلمَنَةِ وَإِقصَاءِ الشَّرِيعَةِ عَنِ الحُكمِ ، حَتى بُلِيَت بِكُتَّابٍ يَتَسَاءَلُونَ : هَل تَصلُحُ الشَّرِيعَةُ لِحُكمِ الشُّعُوبِ وَقِيَادَتِهَا ؟ وَآخَرِينَ يَرفَعُونَ أَصوَاتَهُم : هَل يَتَمَكَّنُ الإِسلامِيُّونَ مِن بِنَاءِ دُوَلٍ حَضَارِيَّةٍ حَدِيثَةٍ تُوَاكِبُ الدُّوَلَ المُتَقَدِّمَةَ ؟ وَتَيَّارَاتٍ تَزعُمُ أَنَّهَا وَسَطِيَّةٌ تَنوِيرِيَّةٌ ، خَرَجَت هِيَ الأُخرَى عَلَى النَّاسِ بِفِكرَةٍ خَالَفَت بها إِجمَاعَ المُسلِمِينَ ، وَاتَّبَعَت غَيرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ ، وَوَافَقَت فِيهَا الكُفَّارَ وَالعِلمَانِيِّ ينَ ، إِذْ زَعَمَت أَنَّ الإِيمَانَ بِالشَّرِيعَةِ اعتِقَادٌ قَلبيٌّ شَخصِيٌّ ، وَأَنَّهُ يَكفِي المَرءَ أَن يُؤمِنَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيَعمَلَ بهما في نَفسِهِ ، أَو يَتَعَبَّدَ في بَيتِهِ أَو مَسجِدِهِ كَيفَ يَشَاءُ ، وَأَمَّا تَحكِيمُ الشَّرِيعَةِ وَالتَّحَاكُمُ إِلَيهَا ، فَيَرَى هَؤُلاءِ المُخَلِّطُونَ أَنَّ النَّاسَ لا يُلزَمُونَ بِهِ إِلاَّ إِذَا أَرَادُوهُ لأَنفُسِهِم وَاختَارُوهُ . وَالحَقُّ أَنَّ هَذَا التَّصَوُّرَ المُتَنَاقِضَ غَايَةَ التَّنَاقُضِ ، مَا هُوَ إِلاَّ كُفرٌ وَشِركٌ ، إِذْ مَا مَعنى إِيمَانِ المَرءِ بِاللهِ وَإِسلامِهِ الوَجهَ لِرَبِّهِ ، وَمَا فَائِدَةُ اعتِقَادِهِ أَنَّ هَذَا حَلالٌ وَذَاكَ حَرَامٌ ، إِذَا هُوَ لم يُقِرَّ بِشَرعِيَّتِهِ إِلاَّ بَعدَ أَن تُقِرَّ بِهِ أُمَّةٌ أَو يَختَارَهُ شَعبٌ أَو يُوَافِقَ عَلَيهِ مَجلِسٌ ، إِنَّهَ بهذا يَجعَلُ الشَّعبَ هُوَ الحَاكِمَ ، وَيَعتَقِدُ أَنَّ الأُمَّةَ هِيَ المُشَرِّعَةَ ، وَلَيسَ اللهَ ـ سُبحَانَهُ ـ وَلا رَسُولَهُ . وَإِذَا كَانَ الأَمرُ كَذَلِكَ ، فَمَا الفَرقُ بَينَهُ وَبَينَ كُفَّارِ قُرَيشٍ ، الَّذِينَ استَنكَرَ اللهُ عَلَيهِم مِثلَ هَذَا حَيثُ قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَم لَهُم شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِنَ الدِّينِ مَا لم يَأذَنْ بِهِ اللهُ وَلَولا كَلِمَةُ الفَصلِ لَقُضِيَ بَينَهُم وَإِنَّ الظَّالمِينَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ " إِنَّهُ لا فَرقَ بَينَ أُولَئِكَ الكُفَّارِ الأَصلِيِّينَ وَهَؤُلاءِ المُشرِكِينَ المُحدَثِينَ ، وَإِذَا كَانَ أُولَئِكَ قَدِ اتَّبَعُوا آبَاءَهُم وَأَجدَادَهُم فِيمَا أَحَلُّوهُ وَحَرَّمُوهُ مِن تِلقَاءِ أَنفُسِهِم أَو أَملَتهُ عَلَيهِمُ الشَّيَاطِينُ ، فَإِنَّ هَؤُلاءِ العِلمَانِيِّين َ لم يَخرُجُوا عَمَّا قَرَّرَتهُ شَيَاطِينُ الغَربِ في قَوَانِينِهَا ، ممَّا أَسمَتهُ بِـ" سِيَادَةِ الأُمَّةِ " حَيثُ أَعطَت لِلأُمَّةِ أَوِ الشَّعبِ السُّلطَةَ العُليَا في التَّشرِيعِ ، فَلا قَانُونَ لَدَيهَا إِلاَّ مَا أَقَرَّتهُ الأُمَّةُ وَرَضِيَتهُ ، وَلا إِذعَانَ إِلاَّ لِمَا اتَّفَقَ عَلَيهِ الشَّعبُ وَاختَارَهُ ؛ لأَنَّ الأُمَّةَ وَالشَّعبَ في رَأيِهِم هُمُا المُستَحِقَّانِ لِلتَّشرِيعِ المُطلَقِ ، وَهَذَا يَعني أَنَّ الأُمَّةَ أَوِ الشَّعبَ لَو أَحَلُّوا حَرَامًا أَو حَرَّمُوا حَلالاً ، فَيَجِبُ القَبُولُ بِهِ وَعَدَمُ تَعَدِّيهِ ، وَلا يَجُوزُ الخُرُوجُ عَنهُ وَلا تَجَاوُزُهُ ، وَهَلِ الحُكمُ بِغَيرِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلاَّ هَذَا ؟! وَهَلِ الكُفرُ وَالرِّدَّةُ إِلاَّ ذَلِكَ ؟! قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَمَن لم يَحكُمْ بما أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ "
إِنَّ سِيَادَةَ الشَّرِيعَةِ وَهَيمَنَتَهَا في الحُكمِ بَينَ النَّاسِ ، هِيَ الأَصلُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الإِسلامُ وَأَمَرَ اللهُ بِهِ نَبِيَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَأَنِ احكُمْ بَينَهُم بما أَنزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهوَاءَهُم وَاحذَرْهُم أَن يَفتِنُوكَ عَن بَعضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيكَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَاعلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعضِ ذُنُوبِهِم وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ " وَقَد أَجمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى كُفرِ مَن أَجَازَ الخُرُوجَ عَلَى الشَّرعِ أَو سَوَّغَ لِلنَّاسِ ذَلِكَ ، وَمِن قَوَاعِدِ الإِسلامِ الكُبرَى الَّتي لا يُمَارِي فِيهَا أَقَلُّ النَّاسِ عِلمًا ، أَنَّهُ لا طَاعَةَ لِمَخلُوقٍ في مَعصِيَةِ الخَالِقِ ، فَلا طَاعَةَ لِوَالِدٍ أَو وَليِّ أَمرٍ أو عَالِمٍ ، إِذَا هُم أَمَرُوا بما لم يَأذَنْ بِهِ اللهُ أَو خَالَفُوا الشَّرِيعَةَ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشرِكَ بي مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلا تُطِعْهُمَا " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " السَّمعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرءِ المُسلِمِ فِيمَا أَحَبَّ أَو كَرِهَ مَا لم يُؤمَرْ بِمَعصِيَةٍ ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعصِيَةٍ فَلا سَمعَ وَلا طَاعَةَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . هَذَا مَعَ عِظَمِ حَقِّ الوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ وَوَليِّ الأَمرِ عَلَى رَعِيَّتِهِ ، وَقَالَ ـ تَعَالى ـ مُستَنكِرًا عَلَى النَّصَارَى طَاعَتَهُم لأَحبَارِهِم وَرُهبَانِهِم في التَّحلِيلِ وَالتَّحرِيمِ : " اتَّخَذُوا أَحبَارَهُم وَرُهبَانَهُم أَربَابًا مِن دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ ابنَ مَريَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبحَانَهُ عَمَّا يُشرِكُونَ " فَاللهُ ـ سُبحَانَهُ ـ يَستَنكِرُ عَلَى النَّصَارَى تَغيِيرَ حُكمِهِ وَلَو كَانَ المُغَيِّرُ لَهُ مِن أَكَابِرِ العُلَمَاءِ أَوِ العُبَّادِ ، فَكَيفَ يُقَالُ بِجَوَازِ أَن يَختَارَ عَوَامُّ النَّاسِ مَا يُحكَمُونَ بِهِ وَلَو كَانَ مُخَالِفًا لِلشَّرعِ ؟! وَقَد يَقُولُ قَائِلٌ : إِنَّ إِعطَاءَ الشَّعبِ المَجَالَ لِيَختَارَ القَانُونَ الَّذِي يُرِيدُ أَن يَحكُمَ بِهِ ، إِنَّهُ مِن بَابِ الشُّورَى ، وَهِيَ ممَّا جَاءَ بِهِ الإِسلامُ وَدَعَا إِلَيهِ ، فَيُقَالُ تَصحِيحًا لِهَذَا اللَّبسِ وَإِزَالَةً لِهَذَا الغَبَشِ وَالغُمُوضِ ، إِنَّ الشُّورَى الَّتي جَاءَ بها الإِسلامُ وَأَقَرَّهَا ، لا تَكُونُ إِلاَّ في الأُمُورِ المُبَاحَةِ ، وَأَمَّا فِعلُ الوَاجِبَاتِ وَاجتِنَابُ المُحَرَّمَاتِ ، فَلا شُورَى فِيهَا وَلا اختِيَارَ ، بَلِ الأُمَّةُ مُلزَمَةٌ بِهِ أَفرَادًا وَجَمَاعَاتٍ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا " هَذَا هُوَ مُقتَضَى العُبُودِيَّةِ للهِ ، فَكَيفَ تُجعَلُ الشَّرِيعَةُ بِكُلِّ وَاجِبَاتِهَا وَمُحَرَّمَاتِه َا مَوضُوعًا قَابِلاً لِلتَّشَاوُرِ بَينَ البَشَرِ ، إِنْ أَجَازُوهُ طُبِّقَ وَحُكِمَ بِهِ ، وَإِنْ لم يُجِيزُوهُ لم يُطَبَّقْ وَلم يُحكَمْ بِهِ ؟! سُبحَانَكَ هَذَا بُهتَانٌ عَظِيمٌ !!
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَقُولُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنِ الحُكمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمُونَ " فَالحُكمُ لَهُ ـ سُبحَانَهُ ـ وَحدَهُ ، وَتَحقِيقُهُ مِن تَوحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ ، وَأَمَّا التَّحَاكُمُ إِلى غَيرِهِ كَائِنًا مَن كَانَ ، فَهُوَ مِنَ التَّحَاكُمِ إِلى الطَّاغُوتِ ، وَقَد قَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَإِنْ تَنَازَعتُم في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً " وَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَتِ الأُمَّةُ قَد عَانَت مِنَ الحُكَّامِ الظَّلَمَةِ عُقُودًا مِنَ الزَّمَنِ ، ثم استَطَاعَت أَن تَتَخَلَّصَ مِن بَعضِهِم وَتَتَنَفَّسَ شَيئًا ممَّا قَد يُسَمَّى بِالحُرِّيَّةِ ، فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ أَن تَعتَقِدَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيهَا أَن تَتَخَلَّصَ مِن أَيِّ سِيَادَةٍ مُطلَقًا وَلَو كَانَت سِيَادَةَ الدِّينِ وَالشَّرعِ ، أَو تَزعُمُ أَنَّهَا هِيَ الأَحَقُّ بِالتَّشرِيعِ وَالهَيمَنَةِ المُطلَقَةِ عَلَى نَفسِهَا ، ظَانَّةً أَنَّ ذَلِكَ هُوَ طَرِيقُ حُرِّيَّتِهَا وَتَمَتُّعِهَا بما تُحِبُّ ، كَلاَّ وَاللهِ لا يَجُوزُ لها ذَلِكَ ، وَكَونُهَا تَرفَضُ الظُّلمَ وَتَأبى الاستِبدَادَ ، وَتُحَارِبُ سِيَاسَةَ تَورِيثِ الحُكمِ أَو نَقلِ الرِّئَاسَةِ لِمَن لا يَستَحِقُّهَا فَهَذَا أَمرٌ مَحمُودٌ ، أَمَّا أَن تَرفُضَ تَحكِيمَ الشَّرِيعَةِ وَتَرُدَّ ذَلِكَ إِلى مُوَافَقَتِهَا وَإِجَازَتِهَا وَالإِقرَارِ بها ، فَهَذِهِ مُغَالَطَةٌ مِنهَا كَبِيرَةٌ وَخُرُوجٌ عَنِ الحُدُودِ شَنِيعٌ ، بَل جَهلٌ ذَرِيعٌ بما هُوَ مِن صُلبِ الدِّينِ الَّذِي تَدِينُ بِهِ .
إِنَّ الشُّعُوبَ وَإِن هِيَ خَرَجَت مِن ظُلمِ أُولَئِكَ الحُكَّامِ المُجرِمِينَ ، فَقَد دَخَلَت في نَفَقِ أَقوَامٍ مِنَ المُنَافِقِينَ وَالمُرَاوِغِين َ ، الَّذِينَ يَعلَمُونَ أَنَّهُم لَو قَالُوا لَهَا دَعِي الإِسلامَ وَاختَارِي الكُفرَ أَو أَيَّ دِينٍ مُحَرَّفٍ ، لامتَنَعَت وَأَبَت وَقَاتَلَتهُم حَتى آخِرِ قَطرَةٍ مِن دَمِهَا ، لِكَنَّهُم أَتَوهَا بِهَذِهِ الفِكرَةِ العِلمَانِيَّةِ الخَبِيثَةِ ، وَالَّتي وَإِنْ كَانَ العِلمَانِيُّون َ الأَوَّلُونَ قَد صَرَّحُوا بها بِلا التِوَاءٍ ، فَإِنَّ هَؤُلاءِ قَد أَلبَسُوهَا ثَوبَ الحُرِّيَّةِ الفَضفَاضَ ، وَدَغدَغُوا بها عَوَاطِفَ الشُّعُوبِ ، زَاعِمِينَ أَنَّهُ لَن يَكُونَ لأَحَدٍ غَيرِهَا الخِيَارُ في حُكمِهَا ، وَأَنَّهَا هِيَ الَّتي سَتَختَارُ القَانُونَ الَّذِي يَكفَلُ لها مَا تُرِيدُ وَيُحَقِّقُ لها مَا تَصبُو إِلَيهِ ، وَمَا عَلِمَت تِلكَ الشُّعُوبُ المُستَغفَلَةُ ، أَنَّهَا بِرَفضِهَا العُبُودِيَّةَ لِرَبِّ العَالمِينَ وَتَركِهَا تَحكِيمَ شَرِيعَتِهِ ، تَخرُجُ مِن ظُلمَةٍ إِلى ظُلمَةٍ ، وَتَنتَقِلُ مِن سَيِّئٍ إَلى أَسوَأَ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ أَنَّهُ لا طَاعَةَ إِلاَّ للهِ وَلِرَسُولِهِ ، وَلاحُكمَ يُصلِحُ البَشَرَ إِلاَّ حُكمُ اللهِ وَرَسُولِهِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَّانِ الرَّجِيمِ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأَمرِ مِنكُم فَإِنْ تَنَازَعتُم في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً . أَلم تَرَ إِلى الَّذِينَ يَزعُمُونَ أَنَّهُم آمَنُوا بما أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلى الطَّاغُوتِ وَقَد أُمِرُوا أَن يَكفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيطَانُ أَن يُضِلَّهُم ضَلالا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُم تَعَالَوا إِلى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلى الرَّسُولِ رَأَيتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا "

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ مَا يُدعَى إِلَيهِ مِن جَعلِ حُكمِ الشَّعبِ لِلشَّعبِ ، حَتى في اختِيَارِ القَانُونِ الَّذِي يُحكَمُ بِهِ وَلَو كَانَتِ الشَّرِيعَةَ ، إِنَّهُ لَضَلالٌ عَن سَبِيلِ اللهِ ، إِذْ مَا في عُقُولِ كَثِيرٍ مِنَ البَشَرِ إِلاَّ الظُّنُونُ وَالتَّخَرُّصَا تُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِن تُطِعْ أَكثَرَ مَن في الأَرضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُم إِلاَّ يَخرُصُونَ . إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدِينَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا أَكثَرُ النَّاسِ وَلَو حَرَصتَ بِمُؤمِنِينَ " وَإِنَّ في تَجرِبَةِ هَذِهِ البِلادِ في تَحكِيمِ الشَّرِيعَةِ الإِسلامِيَّةِ ، وَتَمَتُّعِهَا بِالأَمنِ وَالاطمِئنَانِ وَالاستِقرَارِ ، مَعَ مُوَاكَبَتِهَا الرُّقِيَّ وَالتَّقَدُّمَ في جَمِيعِ مَجَالاتِهِ ، إِنَّ في ذَلِكَ لأَكبَرَ رَدٍّ عَلَى مَن يَزعُمُونَ أَنَّ الإِسلامِيِّينَ لا يَستَطِيعُونَ أَن يَجمَعُوا بَينَ الحُكمِ بِالشَّرِيعَةِ وَمَوَاكَبَةِ الحَضَارَةِ ، فَهَا هِيَ بِلادُ الحَرَمَينِ تَنعُمُ بِحُكمِ الشَّرِيعَةِ ، وَتَمشِي في رَكبِ الحَضَارَةِ بِلا تَخَلُّفٍ أَو تَأَخُّرٍ ، وَمَا يَكُنْ مِن ضَعفٍ في جَانِبٍ أَو مَجَالٍ ، فَإِنَّمَا مَرَدُّهُ إِلى ضَعفٍ بَشَرِيٍّ مُلازِمٍ ، أَو تَضيِيعِ أَمَانَةٍ حَادِثٍ ، أَو تَقصِيرٍ في عِلمٍ لازِمٍ ، وَأَمَّا الشَّرِيعَةُ فَهِيَ كَامِلَةٌ مُكَمَّلَةٌ ، شَامِلَةٌ لِلصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِن عُلُومِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَنَزَّلنَا عَلَيكَ الكِتَابَ تِبيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحمَةً وَبُشرَى لِلمُسلِمِينَ " وَعَن أَبِي ذَرٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : تَرَكَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَمَا طَائِرٌ يَطِيرُ بِجَنَاحَيهِ إِلاَّ عِندَنَا مِنهُ عِلمٌ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
منبر الجامع الجنوبي بالرويضة ****خطبة الشيخ عبد الله البصري في تحريم الإختلاط الغمام الماطر روحانيات 15 17-10-2011 01:39 PM
دعواتكم لسماحة الشيخ عبدالله بن جبرين .. السفير احتواء ما لا يحتوى 11 30-04-2009 12:10 AM
(( الشيخ / عبدالله بن وهق )) سعد بن تويم نشيد الروح 12 28-04-2009 03:34 PM
ننعي لكم خبر وفاة الشيخ حمد بن عبدالله الســلمان عبد العزيز بن عبد الله أخبار الرويضة 15 15-09-2008 01:33 AM
الشيخ / عبدالله الغديان يتعرض لحادث الخفاش الأسود احتواء ما لا يحتوى 11 09-04-2008 01:46 AM


الساعة الآن 06:43 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
- arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...

.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..

a.d - i.s.s.w