مجالس الرويضة لكل العرب

مجالس الرويضة لكل العرب (http://www.rwwwr.com/vb/httb:www.rwwwr.com.php)
-   حكايات من الوجد (http://www.rwwwr.com/vb/f13.html)
-   -   ذاكرة المُدن (2): صديقتي العاقلة.. باميلاَ...!! (http://www.rwwwr.com/vb/t982.html)

محمد 03-12-2006 03:44 PM

ذاكرة المُدن (2): صديقتي العاقلة.. باميلاَ...!!
 

• ذاكرة المدن (2)


صديقتي العاقلة .. بَامِيـلاَ ..!!


اليوم أحدثكم عن المدن العاقلة، تلك المدن التي ــ لفرط هدوئها ونظافتها وانشغال الناس فيها بأمورهم الخاصة دون التطفل عليك أو اقتحام خصوصياتك ــ تُفْقدك عَقْلَك وتدفعك دفعاً إلى الطيش والتهور. أثناء سفري بالقطار من بانكوك إلى كوالالامبور ــ وهي رحلة تستغرق قرابة اليوم ونصف اليوم لكنك لا تشعر بالوقت وأنت تجيل عينيك في المناظر الخلابة من حولك ــ التقيت مسافراً بريطانيا في مثل سني، أصبح صديقاً فيما بعد بحكم إقامتنا شبه الدائمة في بانكوك. المهم تعارفنا ورحنا نتجاذب أطراف الحديث ونستعرض أحوال المدنِ التي زرناها وتلك التي نحلم برؤيتها. قلت له إنني أرغب في رؤية مدينة سنغافورة. سألني بدهشة حقيقية أثارت دهشتي: لماذا ..؟! قلت له : يقولون إنها مدينة جميلة ونظيفة وهادئة ...
قطع عليَّ استرسالي قائلاً: نَعَمْ .. إنها كالمستشفى نظيفة ومرتبة وهادئة ، ولذا لا تطيق البقاء فيها !!
حين زرت سنغافورة ـ بعد أيام قلائل ــ كنت قد عقدت العزم على أن أقضي بها أسبوعاً ، لكنني ــ لدهشتي ــ وجدتني أحجز بالقطار العائد إلى كوالالامبور في نفس اليوم. لكن هذه قصة أخرى قد أقصها عليكم يوماً. أما المدينة العاقلة الأخرى التي أودُّ أن أحدثكم عنها اليوم فهي بلدة سان خوزيه في ولاية كاليفورنيا بأمريكا. بلدة فيها كل صفات الجمال التي تخطر ولا تخطر لك على بال، ومع هذا أحسست فيها بتعاسة حقيقية، ربما لم أشعر بمثلها في أكثر أحياء بلادنا فقراً وعشوائية. بلدة فيها كل ما تشتهي نفسك ؛ ماءٌ وخضرة ووجه حسن وهواء نقي يملأ صدرك بعبق الورود وعطر الحسان، مناخ صحي وطقس رائع صيفا وشتاء، شوارع نظيفة وميادين واسعة ونافورات تنثر رذاذ مائها على وجهك وتضفي على المشهد لمسة جمال رائعة، متاجر ضخمة فيها كل ما تحتاجه وما هو فائض عن حاجتك، ومكتبات تجد فيها متعة القراءة المجانية لكل ما ترغب في الاطلاع عليه، قاعات فخمة وأماكن للترفيه يجد فيها طُلاَّبُ المتعة بِغْيتهم ..و..و.. ومع ذلك ــ بل ربما بسبب ذلك ــ تشعر هناك بأنك غريب ويتيم ومقطوع من شجرة، يُداهمك أحياناً حُزْنٌ مُسْتَوْحِشٌ غريبٌ وتُحِسُّ برغبة مُلِحَّة في الانخراط بالبكاء. لماذا ؟! ربما لأن الناس هناك مشغولون دوماً بأمور حياتهم ، فلا أحد يلتفتُ إليك أو حتى يتنبه لوجودك ، لا أحد يأبه لفرحك أو حزنك أو نشوتك أو نجاحك أو انكسارك ، فالكل مُنْغمسٌ حتى الثمالة في خَلِيَّتِه البيئية niche ، يدور في مداره المعتاد كما تدور الإلكترونات حول نواة الذّرَّة. بلدة كل ما فيها يمنحك إحساساً لا شبهة فيه بأنك نكرة ومنبوذ وزائد عن الحاجة. هناك عرفت من محامٍ إريتري مُهاجر معلومةً لم أدهش لها مع أنه هو نفسه كان يحكيها كمفارَقَةٍ غريبة، قال لي: هل تُصَدِّق أن الجريمة هنا منتشرة على نطاقٍ واسع، خاصةً تعاطي المخدرات والسرقات الصغيرة من المتاجر ؟!
قلتُ له: هذا أمر لا يدهشني .. فهو خروج طبيعي على مجتمع يبدو لي غير طبيعي !!.

ومع ذلك فأنا لم أعْدم في هذه البلدة الموحشة صَديقاً أو بالأحرى صديقة. فتاة في أواخر العقد الثالث من العمر مُنحدرة من أصل إسباني، نحيلة القَدِّ رائعة القوام كعود خيزران، مُهَوَّشة الشعر في وجهها شحوبٌ يُضْفي عليه ظِلاًّ رومانسيا بديعاً، لها عينان في لون البندق تنبعثُ منهما نظرات شاردة، وعلى شفتيها المُرهفتين ابتسامة ترحيبٍ دائمة. تعرفت عليها ذات يوم في مقهى الصعاليك، وهو مقهى عثرت عليه بعد جهد جهيد، يتردَّد عليه كل المُهَمَّشين من كتاب وفنانين وبيتلز وهيبيز وشبابٍ ضائعٍ يحترف الغناء والشحاذة والبدع الغريبة ولا يقيم وزناً لأية مُحَرّمات !! . كان مقهى ذا طابع شعبي خاص اعتدت أن أعرج عليه لأحتسي شاي الظهيرة كل يوم . أما باميلا ــ وهذا هو اسمها ــ فهي رسامة موهوبة ، لها قدرة غريبة على استخلاص ملامح الوجوه وقسماتها المميزة لتصنع منها اسكتشات بديعة. تعارفنا في بساطة مدهشة، وصارت بيننا لقاءات وأحاديث وجولات بالمدينة التي بدت لي ــ أنا الغريق الذي يتعلق بالقشة ــ أكثر ألفة وأقل وحشة من ذي قبل. حدَّثتني عن نفسها وحدَّثتها عن نفسي، وباح كل منا للآخر بأسرار قد لا يأتمن عليها أقرب الناس إليه، بثثتها كل آلامي وقهري وانكساري بهذه المدينة التي بلا قلب، وبكت هي على صدري حتى أحسست بلولة دمعها على جسدي. كانت تأتيني كل لقاء بهدايا وأشياء صغيرة؛ تفاحة أو شطيرة أو قطعة شيكولاته نقتسمها معاً أو جورب أو قَلم تهديه إلي أو سيجار ندخنه معا. وكانت أشياؤها الصغيرة تسعدني. لم تُخْلف موعدي معها يوماً، حتى كان ذلك اليوم الذي انتظرتها فيه طويلاً ولم تأتِ. سألت النادلة عنها فأجابتني باقتضاب : باميلا لن تأتي .. يمكنك الانصراف إن شئت !!
سألتها دهشاً عن السبب، فأجابت بنفاذ صبر : قبضوا عليها بأحد المتاجر متلبسة بالسرقة !!
واستطردت وهي تنظف الطاولة: وماذا سرقت؟ سيجاراً ثمنه دولار واحد!!
واختتمت حديثها معي وهي تتناول ثمن المشروب: لا تقلق.. سوف يطلقون سراحها بعد يومٍ أو يومين.. إنهم يعرفونها حق المعرفة.. لها سجل حافل بالسوابق عندهم !!
قلت باندهاش حقيقي: وماذا يعرفون عنها حتى يطلقون سراحها؟
قالت بيقينٍ بدا لي غريباً: يعرفون أنها مجنونة بالطبع .. ألا تعرف أنت؟!
هززتُ رأسي نَفْياً وأبديت أسفي لحالها. بينما لسان حالي يقول: موتوا بعقلكم أيها البُلدَاءْ، فأنا وجدتُ أخيراً ضالتي المنشودة بمدينتكم العاقلة !!.

إبراهيم سعد الدين


محمد 03-12-2006 05:02 PM



ذاكرة المــدن .. وابراهيم


سرد رائع أستاذي ...

بلا شك سنكمل معك ..

تحيتي



محمد 03-12-2006 07:14 PM


باميلا ..
ربّما هي مجنونة في زَمَن عالِق ..!
حين يكون العقل ..مجنون .. تُفقِدنا رتابة الحياة وروتينها القاتِل
نكهة .. النظام ... ):

ابراهيم سعدالدين
غمرتَ الورقَة بعطر الصديقة
ورحلت معكَ إلى باميلا .. في عِدَّة مُدن
حتى شعرت بكآبة عينٍ .. ابتسمت حين غادَرَت
مدينة ..!
.
.
http://www.shathaaya.com/vb/images/smilies/i.gif


علي عفيش 03-12-2006 07:19 PM

http://www.rwwwr.com/vb/images/threadbag/wd06.gif

إبراهيم

كلام جميـل


كلام عطر

كلام يبهر الذاكره من أحساسـه
http://www.rwwwr.com/vb/images/threadbag/wd06.gif

تحياتي



علي عفيش

ابو نـــmkـــواف 03-12-2006 11:15 PM

ابراهيم


سلمت اناملك على السرد القصصي الجميل

محمد 06-12-2006 03:24 PM


مُجَرّد أُنثى..

تحيةَ مودّةٍ وإعزازٍ وتقدير. قراءةُ المُبْدعِ للنّصّ هي مشاركةٌ في عملية الخلقِ والإبداعْ، فهي تُضيفُ إليه من روحها رؤىً وتصاويرَ ومعانٍ جديدة. وهذا ما فَعَلْتهِ أنتِ بذاكرة المُدن.

سعِدْتُ وشَرُفتُ بإطلالتك الغالية وأشْرفُ بحضوركِ الدّائم.

دُمتِ بألفِ خيرٍ وعافية.

إبراهيم سعد الدين

محمد السهلي 06-12-2006 03:31 PM



ابراهيم سعد الدين

ويبقى للروعة نكهتها ونحن نتابعك كقاص ّ جميل

خطفت القلوب الى متصفحك فكان الرحيق الأجمل

هديتك لزوارك -- دمت شعاعا

محمد 06-12-2006 03:37 PM


حَبّة كَرْز..

تحيةً عبقةً بطيوبِ الودِّ تليقُ بشخصكِ الكريم وحضوركِ الرّائعْ وحرفِكِ المُضيء. أقفُ دائماً وقفة المُتأمّلِ المأخوذ بعُمقِ رؤيتكِ للنّصّ وجمالِ لُغتك وعذوبة روحِكِ المُبْدعةِ الخَلاّقة. قراءتُكِ تُضفي على النّصّ ألقاً وهّاجاً وتنثُّ فيه عبقاً آسراً ينفذُ للقلبِ دون استئذان.

سعِدتُ وشَرُفتُ بإطلالتك الجميلة وأشرفُ دوماً بحضوركِ الكريم.

دُمتِ بألفِ خيرٍ وعافية.

إبراهيم سعد الدين

محمد 06-12-2006 03:45 PM


علي عفيش..

تحيةً طيبة وسلاماً عَطِراً يليقان بشخصك الكريم وزيارتك الغالية وكلماتك الطيبة الوضّاءة. مُرورُك علينا أشبه بدفقةِ أنسامٍ مُحمّلةٍ بأزكى الطّيوبْ. وكلماتك الموجزة البليغة أشبه بنجومٍ زاهرة أضاءت سماءَ النّصّ.

سعِدْتُ وشَرُفتُ بحضوركَ الكريم وأتطلّعُ دوماً لحضوركَ الجميلْ.

دُمتَ بألفِ خيرٍ وعافية.

إبراهيم سعد الدين

محمد 06-12-2006 04:03 PM


أبو نُوافْ..

أهديكَ أطيبَ تحية وأزكى سلام، وأشكرك عميق الشُّكر لهذه الإطلالة الكريمة التي أضاءت سماء النّصّ وأشاعتْ في أجوائه دفء المودّة وعبق الأصالة وجمال الحضورْ.

سَلِمْتَ وسَلِمَ وجدانُكَ الطّيّب وروحُك الكريمة المِعطاءة.

سعدتُ وشَرُفتُ بزيارتك وأتطلعُ دوماً لتواصلك الجميلْ.

دُمتَ بألفِ خيرٍ وعافية.

إبراهيم سعد الدين

محمد 06-12-2006 04:20 PM


محمد السّهلي..

أيّة تحية تليقُ بشخصكَ الكريم ومشاعرك النبيلة وكلماتك النّابضة بحرارةِ الصّدقِ وسلامةِ الذّوقِ ورُقِيّ الإحساسْ..؟! وأيّةُ كلماتٍ تُقالُ بعد كُلّ ما تفضلتَ به من قولٍ كريم..؟!

حضورك يُضفي على النّصّ رونقاً وبهاءً ويزيده جمالاً ونصوعاً وإشراقاً. لا حُرِمنا أبداً من إطلالتك الغالية.

دُمتَ بألفِ خيرٍ وعافية.

إبراهيم سعد الدين

محمد 12-12-2006 06:02 PM

هي مجنونة لانها ودودة في مدينة

لاتعرف المودة ولا الحب لذلك جعلوا

منها مجنونة لانهم عقلاء بالجفاء


جميل أنت سيدي في طرحك

مودتي وتقديري


إيمان

محمد 22-12-2006 08:49 PM

ماقصرت ابراهيم على ماكتبته لنا

بارك الله فيك

بانتظار جديدك القادم

محمد 23-12-2006 10:06 PM


إيمان السّعيدْ (مَلاك الحَرْف)..

تَحِيّةً وسلاماَ يليقانِ بحضوركِ الطَيِّبْ. ومَعذرةً لتأخري في الرّدّ بسبب السفر.

قراءةُ المُبْدعِ تُضفي على النّصِّ مَسْحةً من جمالٍ وجَذْوةً من ألقْ وقَبساً من وهَجْ. وهذا ما فعلته قراءتُكِ المُدهِشَةُ الخَلاّقة بهذا النّصّ.

أتطلّعُ دوماً لمروركِ الكريم وتواصلكِ الجميلْ.

ودُمتِ بألفِ خيرٍ وعافية.

إبراهيم سعد الدين

محمد 23-12-2006 10:17 PM

محمد بن تُركي..

تحيةَ إعزازٍ وتقديرٍ لشخصِكَ الكريم. وعميق شُكري وامتناني لحُضوركَ الطّيّبْ وكلماتِكَ الرّاقية.

أسْعَدُ وأشرُفُ دوماً بوجودِكَ الذي يُضفي على المُنتدى جمالاً وإشراقاً.

دُمتَ بألفِ خيرٍ وعافية.

إبراهيم سعد الدّين



الساعة الآن 11:06 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
- arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...

.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..

a.d - i.s.s.w