السيدة : مريم بنت عمران / دراسات فكرية /

"" قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ""

يعني بذلك جل ثناؤه : قال زكريا يا مريم أنى لك هذا ؟ من أي وجه لك هذا الذي أرى عندك من الرزق قالت مريم مجيبة له : هو من عند الله تعني أن الله هو الذي رزقها ذلك فساقه إليها وأعطاها وإنما كان زكريا يقول ذلك لها لأنه كان فيما ذكر لنا يغلق عليها سبعة أبواب ويخرج ثم يدخل عليها فيجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فكان يعجب مما يرى من ذلك ويقول لها تعجبا مما يرى : أنى لك هذا ؟ فتقول : من عند الله

"" فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ""

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : "" فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ""
قال: كان جذعا يابسا

وأخرج عبد بن حميد من طريق هلال بن خباب عن أبي عبيد الله "" فأجاءها المخاض إلى جذع ""
نخلة يابسة قد جيء به ليبنى به بيت يقال له بيت لحم فحركته فإذا هو نخلة

"" وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ""

حدثنا ابن بشار قال: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان قال :

قال مجاهد "" وهزي إليك بجذع النخلة""

قال : النخلة

حدثنا ابن بشار قال ثنا أبو أحمد قال ثنا سفيان عن عيسى بن ميمون عن مجاهد في قوله "" وهزي إليك بجذع النخلة ""

قال: العجوة

أقول والله الموفق

إن ركزنا قليلا سنجد أن هذه الأنثى المباركة من قبل ولادتها هي نطفة صالحة من نسب أنبياء

والأمر الذي يشدني لهذه الدراسة ما يلي :

هذه الأنثى في كفالة من الله تعالى وكان يطعمها ويسقيها لدرجة الخوارق للعادة ففاكهة الصيف بالشتاء وفاكهة الشتاء بالصيف وهذا مثبت بما قرأنا من أقاويل بكتب التفاسير

أما ما أريد قوله

فكيف لها هذا وكيف نالته ؟



أقول والله الموفق :

أن درجة الإيمان التي كانت عند السيدة مريم درجة عالية جدا فلن تفكر في لحظة آنذاك بشيء من أمور الدنيا حيث كانت في معبدها ومحرابها وكلها إيمان وذكر لله حتى أن زكريا تلقى منها درسا إيمانيا حين سألها "" أنى لك هذا ""

وكان الجواب بلا تردد

"" هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ""

فما كان منه إلا

"" هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء... ""

إذا درسا إيمانيا يقينيا من السيدة مريم لمن يتكفلها وهو زكريا زوج أختها للسيدة مريم

ويقينا لا يشبهه يقين كلها لله ولا تفكر بشيء سوى الله

هذه السيدة لم تعذب ساعة لا من ليل ولا من نهار ولكن

كيف يقول الله لها

"" وهزي إليك بجزع النخلة ""

ألا توافقني بأن النخلة تحتاج أكثر من عشرين رجل ليهزها

والسيدة مريم في تلك اللحظة بأمس الحاجة للراحة كونها نُفَسَاْءْ

وفي حالة وضع وولادة ؟

أقول والله أعلم

السيدة مريم سيدة من البشر حين نفخ فيها وأضحى الحمل ظاهرا بدأت تفكر ماذا ستقول للقوم عن هذا الغلام فصاب الفكر منها انشغالا عن الله لقليل من الوقت وتغير الحال عن السابق فبالسابق كانت عبادة كلية وتفكير كلي بالله ولا انشغال عن الله إلا بالله
والآن انشغال بفكر دنيوي

فلابد لها أن تعمل للدنيا كونها تفكر بأمور الدنيا

ولو أنها لم تعطي للدنيا والحمل بالا لما كان نصيبها الألم في المخاض والهز للجذع

فهناك كان

"" يرزق من يشاء بغير حساب ""

وهنا

"" أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ""

وهناك

فاكهة الصيف بالشتاء وفاكهة الشتاء بالصيف

وهنا

هزي الجذع وتحركي رغم ألم المخاض


فسبحانه جل في علاه كل عنده بقدر جل جلاله

ثانيا :

حتى يعود لها يقينها القديم على الله وتعود كما كانت في أيام محرابها جعل الله الجذع المقطوع اليابس يتساقط عليها الرطب

وهذا هنا أمر خارق للعادة أيضا

فالجذع اليابس لا يثمر

والبنت البكر ولا زوج لديها لا تلد أيضا حالها حال الجذع

وبعد أن ولدت أضحت حالها حال النساء نُفَسَاْء

وكيف للنفساء أن تهز الجذع وهي غير قادرة على الحركة ؟!!

هنا هذا الهز شكلي لترى فقط أن من أخرج الرطب من يابس الجذع يخرج المولود من العذراء ويحفظها ويحفظه

ومن كان يطعمك فاكهة الصيف بالشتاء والعكس

قادر على أن يخرج الجنين منك بدون ملامسة البشر

بعد أن تلقت هذه الدروس الإلهية ليكمل تقبلها ونباتها قال لها

"" فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ""

إذا دعي الأمر لنا واكتفي بالفكر بالله وتفكري بقدرته وانظري إلى عجائب صنعه فكما رأيتِ هنا الكثير ستجدي مع القوم الكثير وما يدريكِ لعل الله ينطق طفلك فما كان منها إلا أن عادت ولبَّت أوامر ربها
فنذرت الصوم ولم تكلم من سألها رغم أن الله أباح أن تقول لهم

"" إني نذرت للرحمن صوما""

ولكنها لم تقل فهي الآن على يقين كامل بأن الله من سينجيها من قومها وليست بحاجة لتعود للإنشغال عن الله ولو بحرف واحد فاكتفت بالإشارة

"" فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ""

وبالطبع من أنبت وأثمر الجذع أنطق الغلام ليرد عن أمه ما يكيدوا لها من كيد

فنطق الطفل وهي تنظر وقال :

قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا {30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا {31} وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا {32} وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا


ولنلاحظ أنه قال :

""وبرا بوالدتي"" ولم يقل بوالديَّ لأنه لا يملك الوالدين بل يملك الوالدة فقط



لي عودة للسيدة مريم بقراءة جديدة غير هذه ففي قصتها الكثير الكثير مما ذكر القرآن الكريم

إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان


8 / 9 / 2007

علاء الدين