![]() |
| ||||||||
| وقبل أن يجيب فوجيء باللكمة الأولى تطـّير سنتين من فمه ، وقبل أن يجيب همس الثاني في أذنه : أبقى اتشطر على العيال حلو. وبقبضة يديه المعقودتين نزل على أم رأسه فلم يحط منطقا . لكنهما ألقيا ماءً باردا على وجهه وأكملا الطريحة . وأمي تشاهد كل شيء ، وتحملني حين لاأستطيع الخطو من شدة ما بقدميّ من جروح . قالت لي وهي تنظر له بشماته : من يريد أن يعمل جدعا يبقى يعمل جدعا على الرجال وليس العيال؟ حط عينيه في الأرض ، وانسل الرجلان من المكان بعد أن فعلا شيئا غريبا ، لقد غابا لنصف ساعة ، بعدها جاءا لأمي ومن مسقط السلم ندها : يا أم مشمش . العلقة دي لوجه الله . حين نزلت أمي لتسأل عن سبب عودتهما دفعا بالنقود إليها ، ومع النقود حملاها لفة ساخنة . جلسنا نأكل الكباب لأول مرة منذ موت أبي ، فيما أغالب وجع قدمي ّ ، وحول الطبلية جلس أخوتي أحمد وتوفيق وأشجان ، كانت أكبرنا بوردتين في الوجنتين وكحل رباني حول العينين . حين انتهينا تربست أمنا علينا الباب ، وعادت لحي الصاغة فاسترجعت أسورتها الذهبية المتموغة ، وهي تزغرد أن الله قد جعل في الأرض من يأخذ بحق الغلابة والمنكسرين من التجار والسماسرة . قالت لي نرجس وهي تهزني بشدة : إنصت السمع . إنه يصعد إلى هنا . حبسنا أنفاسنا ، والتصقت بي ولاحظت ارتجافة خفيفة تسري من جسدها لجسدي ، ومن أعلى نظرنا نحوه ، وجدناه يفتش الأركان ، وعشة الدجاج ، وما وراء زلع الجبن وخزين السكر والملح ، وأجولة الأرز ، والحزم المكدسة من الثوم والبصل وقشور الرمان لزوم البرد والكحة . ثم ألقى نظرة مستطلعة للشخشيخة وفكر لحظة أن يعتليها فلم يجد ما يمكنه من ذلك . شعرت بأنفاسها تكاد تتوقف ، مدت يدا ففكت الزارر الأول ، وبرقش الضوء ورود ثوبها ، وبان نهدان صغيران مستكينان ، وهي تغمض عينيها وتدخلني في بطء مميت . شعرت بسحر غامض ، وزلزلنني هذا التوحد المخيف ، حتى كدت أتخلى عنها وأهبط نحو سطح منزلنا ، فلن يجرؤ على أن يأتي ، فطنت لما يدور في ذهني إذ تمسكت بي أكثر وربتت علي يدي . سمعناه يضرب كفا بكف ، و يبرطم في توعد مخيف : فص ملح وذاب . يكون الأرض انشقت وبلعتها . سوف تتلقى عقابها حين تعود ! رأيناه يهبط السلم ، وسمعنا الدرابزين يئن تحت ثقل خطواته الغضبى ، أسلمت لي شفتيها ، وخفت أن يعذبني الله ، لأن أمي قالت لي مرة أن من يقبل النساء يدخل النار ، قبلتها وجلا ، وهي همست في نشوة : أشكرك . لقد حميتني من هذا المجنون ! سألتها ، وأنا أمسح طعم قبلتها بأن امرر شفتي ّ على طرف قميصي : نرجس . لماذا تزوجتيه إذن؟ قالت وكأنها تلوم نفسها : قسمة ونصيب . ثم أرادت أن أتاكد أنها لا تكذب علي ، فأمسكت يدي ، وكشفت ظهرها وجعلتني أتحسس جروحها . مررت يدي فمسني تيار كهربي صاعق ، ورأيت أن الله قد خلق الجحيم لمثل هذه اللحظة ، قلت وأنا أستجمع بعض شجاعتي : نرجس . بشرتك ناعمة جدا . ضحكت هامسة : كل النساء هكذا ! قلت محتجا : أمي ليست هكذا ! كادت تفلت منها ضحكة مجنونة تفضحنا ، ونظرت للوميض الذي رأته في عيني رغم الظلام المراوغ : كانت يوما مثلي؟ والزمن يحول بشرتنا الناعمة إلى أخرى خشنة . أضافت بعد قليل : وسوء الحظ يحول الوجه الضحوك إلى آخر باك ٍ. سألتها وهي ترد يدي بعد أن شعرت بشيء غامض يجرح جلستنا : مشمش . هل تحافظ على سرنا؟ قبل أن أجيب صعدت أمي السطح ، وراحت تحبّـس دجاجها وديكها الوحيد في العش ، ثم رفعت يديها إلى السماء وتمتمت : الولد مشمش غاب . يارب إحفظه ده كبدي ونن عيني . ده برضه من رائحة المرحوم . كدت أقفز من أعلى الشخشيخة ، وأجثو تحت قدميها ، وأطلب منها السماح ، ثم أصرخ في وجهها : وأنا أحبك يا أمي . قبل أن تعاود هبوطها ، سمعت صوتها ، وكأنها تحدث إنسانا معها : وحشني أبو أحمد قوي . تابعت ونحن نتحرك بحذر لنتابع هبوطها : لولا الولاد كنت اتصرفت ورحت له! اهتز جسد نرجس الملاصق لي وهي تحاول أن تكتم ضحكها . وحين واربت أمي باب السطوح ، قالت لي همسا : كل الستات تخاف من الرجالة . وما تستغناش عنهم . سألتها وكلي خوف : ست نرجس . عايز أبوسك لو سمحت ؟ قالت وهي تضع الإبهام والسبابة فوق شفتي : ستدخل النار ؟أمك قالت هذا ! ألا تصدقها يا مشمش ؟ هززت رأسي وأنا أكاد أبكي : أعرف يا نرجس . أعرف . لكن روحي تختنق . أرجوك دعيني أتحسس جروحك من جديد . لامتني نظرتها المتحيرة ، تنهدت في قلب الظلمة العطشى ، ولفنا هدوء سرمدي ، وقد أحسست أنني قد دخلت النار فعلا ! دمياط 18/8/2005 الموضوع من هنا آخر تعديل hala يوم
06-08-2007 في 03:19 PM. |
| مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| أجمل شعر غزل أعجبني وأمطرت لؤلؤأ من نرجس !!!!!!!!!!!!!! | محمد | صهيل القصيد | 12 | 22-07-2009 02:32 AM |
| نرجس | سمير الفيل | حكايات من الوجد | 18 | 22-06-2007 02:00 PM |
![]() | ![]() |