مجالس الرويضة لكل العرب - التفكير والخيال

التفكير هو أهم ما يميز الإنسان العاقل الواعي الذي يدرك قيمة الحياة، وموقعه في هذا الكون الفسيح، وما يستطيع أن يقدمه لنفسه ولأبناء مجتمعه وللإنسانية جمعاء. والتفكير فريضة إسلامية كما يشير إلى ذلك الأستاذ عباس العقاد في أحد مؤلفاته القيمة. ذلك لأن التفكير الصحيح يجعل المسلم على بصيرة بعقيدته والفرق بينها وبين العقائد الأخرى والمذاهب المتباينة والتفكير العميق يجعل الإنسان قوياً بسلامة حكمه على الأشياء وتمييزه للصحيح من الزائف في كل ما يعترض حياته من غث وسمين، من أشواك وورود، من عقبات وطرق ممهدة. ولا قيمة لهذا التفكير إذا كان صاحبه يسعى إلى عمل الشر، لأن هذا التفكير لا يقدم إلا الدمار لصاحبه وللناس.
والتفكير الصحيح هو التفكير الذي يأتي نتيجة للمارسة واكتساب الخبرات والاحتكاك بالناس ومزاولة النشاط الذهني. ويترعرع هذا التفكير في ظل التجربة والقراءة والانفتاح على تجارب الآخرين.

والتفكير الوعي جد مهم للكاتب المبدع لأنه يجعله أكثر موضوعية في معالجة ما يكتبه من آراء ومقترحات، أو ما ينشره من أفكار، فالتفكير الواعي يتيح للكاتب أن يبرز آراءه ومقترحاته وأفكاره في تسلسل منطقي، ذلك ان العقل الناشط الواعي يستطيع أن يبني سلسلة متصلة من الأفكار والآراء التي يمكن أن تكون نافعة لصاحبها ولمجتمعه، وربما للإنسانية جمعاء.

ومع ذلك، فإن التفكير يمكن أن يضمحل أو يذبل إذا لم يدعم بالعمل والإنجاز، حيث ان العمل يجعل التفكير إيجابياً، ويمكن للأفكار والآراء أن تغير أو تبلور المفاهيم المختلفة عند الناس إذا هي تحققت بالعمل والإنجاز.

وإن شخصاً ينظر إلى عالمنا اليوم ليدرك ما للأفكار والآراء من تأثير في حياتنا. فكل شيء كان مجرد فكرة تبلورت (بالعمل والإنجاز)، وتم نشرها لتغدو من الأدوات المحركة لهذا العالم.. فعلامنا اليوم يدين بمخترعاته وتقنياته إلى التفكير العلمي المنظم.

وليس التفكير العلمي هو تفكير العلماء فقط، بل هو أيضاً التفكير المنظم الذي يمكن أن نستخدمه في حياتنا اليومية، أو في نشاطاتنا التي نزاولها عندما نمارس أعمالنا المهنية المعتادة، أو كما يقول المفكر العربي الدكتور فؤاد زكريا: "إن كل ما يشترط في هذا التفكير هو أن يكون منظماً، وأن يبنى على مجموعة من المبادئ التي نطبقها في كل لحظة دون أن نشعر بها شعوراً واعياً، مثل مبدأ استحالة تأكيد الشيء ونقيضه في آن واحد، والمبدأ القائل ان لكل حادث سبباً، وان من المحال ان يحدث شيء من لاشيء".

ولكن ما هي صلة الخيال بالتفكير؟؟

إن الخيال هو مقياس الطموح ورؤية آفاق المستقبل للإنسان، وهو المولد لكثير من المقترحات والأفكار التي كانت مجرد رموز وإيماءات في عالم الحالمين. ولاشك أن استشفاف المستقبل يمكن أن يدعم التفكير، وخاصة إذا كان مبنياً على الحقائق والتطور الذي يحدث في عالم الواقع.

ولقد قرأت في إحدى المجلات أن هناك بعض الشركات والمؤسسات في اليابان وأمريكا تحاول أن تستثمر الخيال في أعمالها ومشاريعها. فبعض الشركات والمؤسسات تستخدم بعض ذوي الخيال الإبداعي، لكي يحلموا ويتخيلوا، بل ويغربوا في الخيال أحياناً ليصوروا بعض ما يحلمون به ويتخيلونه من المخترعات والأشياء الطريفة التي لا يحلم بها الإنسان العادي، وبالفعل فقد نجحت بعض الشركات والمؤسسات في استثمار خيال أولئك الأشخاص، وحققت أحلامهم التي هي في الواقع أحلام الإنسانية في الرقي والتقدم والحضارة.

والخيال الخصب نعمة من نعم الله التي لا تحصى، وإذا ترافق هذا الخيال مع القدرة على التنفيذ، أمكن للإنسان أن يفعل المستحيل.

والخيال ليس معولاً يهدم التفكير كما يعتقد البعض، بل هو حافز قوي لتحقيق الأفكار ونموها وانتشارها، ذلك لأنه يصوّر الأشياء في أبعادها المختلفة، ويجسّم للإنسان كيفية الوصول إلى ما يصبو إليه..!! وهل الصعود إلى القمر أو غزو الفضاء أو السفر بالطائرات وغيرها إلا خيالات حققتها الإنسانية في سعيها الدائم نحو تحقيق المستحيل؟!

إننا في المملكة العربية السعودية نحتاج إلى المز يد من التفكير والخيال المبدع، والمزيد من العمل لنقوم بتحويل مجتمعنا الاستهلاكي إلى مجتمع منتج في جميع المجالات.

والله ولي التوفيق

م ن