![]() |
| |
| |||||||||||
| وخندق رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المدينة، فحصروا المدينة، واشتد الأمر، وبلغت القلوب الحناجر، حتى بلغ الظن من كثير من الناس كل مبلغ، لما رأوا من الأسباب المستحكمة، والشدائد الشديدة، فلم يزل الحصار على المدينة، مدة طويلة، والأمر كما وصف اللّه: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ} أي: الظنون السيئة، أن اللّه لا ينصر دينه، ولا يتم كلمته. {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ } بهذه الفتنة العظيمة {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} بالخوف والقلق، والجوع، ليتبين إيمانهم، ويزيد إيقانهم، فظهر ـ وللّه الحمد ـ من إيمانهم، وشدة يقينهم، ما فاقوا فيه الأولين والآخرين. وعندما اشتد الكرب، وتفاقمت الشدائد، صار إيمانهم عين اليقين، {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} وهنالك تبين نفاق المنافقين، وظهر ما كانوا يضمرون قال تعالى: [12] {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} وهذه عادة المنافق عند الشدة والمحنة، لا يثبت إيمانه، وينظر بعقله القاصر، إلى الحالة القاصرة ويصدق ظنه. {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ} من المنافقين، بعد ما جزعوا وقلَّ صبرهم، وصاروا أيضًا من المخذولين، فلا صبروا بأنفسهم، ولا تركوا الناس من شرهم، فقالت هذه الطائفة: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ} يريدون {يا أهل المدينة} فنادوهم باسم الوطن المنبئ [عن التسمية} فيه إشارة إلى أن الدين والأخوة الإيمانية، ليس له في قلوبهم قدر، وأن الذي حملهم على ذلك، مجرد الخور الطبيعي. {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ} أي: في موضعكم الذي خرجتم إليه خارج المدينة، وكانوا عسكروا دون الخندق، وخارج المدينة، {فَارْجِعُوا } إلى المدينة، فهذه الطائفة تخذل عن الجهاد، وتبين أنهم لا قوة لهم بقتال عدوهم، ويأمرونهم بترك القتال، فهذه الطائفة، شر الطوائف وأضرها، وطائفة أخرى دونهم، أصابهم الجبن والجزع، وأحبوا أن ينخزلوا عن الصفوف، فجعلوا يعتذرون بالأعذار الباطلة، وهم الذين قال اللّه فيهم: {وَيَسْتَأْذِن ُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} أي: عليها الخطر، ونخاف عليها أن يهجم عليها الأعداء، ونحن غُيَّبٌ عنها، فَأْذَنْ لنا نرجع إليها، فنحرسها، وهم كذبة في ذلك. {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ} أي: ما قصدهم {إِلَّا فِرَارًا} ولكن جعلوا هذا الكلام، وسيلة وعذرًا. [لهم} فهؤلاء قل إيمانهم، وليس له ثبوت عند اشتداد المحن. {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ} المدينة {مِنْ أَقْطَارِهَا} أي: لو دخل الكفار إليها من نواحيها، واستولوا عليها ـلا كان ذلكـ {ثُمَّ} سئل هؤلاء {الْفِتْنَة} أي: الانقلاب عن دينهم، والرجوع إلى دين المستولين المتغلبين {لَآتَوْهَا} أي: لأعطوها مبادرين. {وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا} أي: ليس لهم منعة ولا تَصلُّبٌ على الدين، بل بمجرد ما تكون الدولة للأعداء، يعطونهم ما طلبوا، ويوافقونهم على كفرهم، هذه حالهم. والحال أنهم قد {عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا} سيسألهم عن ذلك العهد، فيجدهم قد نقضوه، فما ظنهم إذًا، بربهم؟ [16] {قُلْ} {قُلْ} لهم، لائمًا على فرارهم، ومخبرًا أنهم لا يفيدهم ذلك شيئًا {لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ} فلو كنتم في بيوتكم، لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعكم. والأسباب تنفع، إذا لم يعارضها القضاء والقدر، فإذا جاء القضاء والقدر، تلاشى كل سبب، وبطلت كل وسيلة، ظنها الإنسان تنجيه. {وَإِذَا} حين فررتم لتسلموا من الموت والقتل، ولتنعموا في الدنيا فإنكم {لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا} متاعًا، لا يسوى فراركم، وترككم أمر اللّه، وتفويتكم على أنفسكم، التمتع الأبدي، في النعيم السرمدي. ثم بين أن الأسباب كلها لا تغني عن العبد شيئًا إذا أراده اللّه بسوء، فقال: {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ} أي: يمنعكم {من اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا} أي: شرًا، {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} فإنه هو المعطي المانع، الضار النافع، الذي لا يأتي بالخير إلا هو، ولا يدفع السوء إلا هو. {وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا} يتولاهم، فيجلب لهم النفع {وَلَا نَصِيرًا} أي ينصرهم، فيدفع عنهم المضار. فَلْيَمْتَثِلُو ا طاعة المنفرد بالأمور كلها، الذي نفذت مشيئته، ومضى قدره، ولم ينفع مع ترك ولايته ونصرته، وَلِيٌّ ولا ناصر. ثم توَّعد تعالى المخذلين المعوقين، وتهددهم فقال: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} عن الخروج، لمن [لم} يخرجوا {وَالْقَائِلِ ينَ لِإِخْوَانِهِمْ } الذين خرجوا: {هَلُمَّ إِلَيْنَا} أي: ارجعوا، كما تقدم من قولهم: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} وهم مع تعويقهم وتخذيلهم {وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ} أي: القتال والجهاد بأنفسهم {إِلَّا قَلِيلًا} فهم أشد الناس حرصًا على التخلف، لعدم الداعي لذلك، من الإيمان والصبر، ووجود المقتضى للجبن، من النفاق، وعدم الإيمان. {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} بأبدانهم عند القتال، وبأموالهم عند النفقة فيه، فلا يجاهدون بأموالهم وأنفسهم. {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ} نظر المغشى عليه {مِنَ الْمَوْتِ} من شدة الجبن، الذي خلع قلوبهم، والقلق الذي أذهلهم، وخوفًا من إجبارهم على ما يكرهون، من القتال.
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| آيه وتفسيرها | عطـ فواح ــر | روحانيات | 3 | 09-05-2011 02:03 AM |
![]() | ![]() |