دموع الجدران

أعجبت بها من النظرة الأولى



وتمنيت أن تكون من نصيبي



قالها مبتسماً



وهو يمعن النظر في اللوحة التي يحملها بين يديه

ومضى ليحضر مسمار ومطرقة



بعدها عم السكون أرجاء المكان



وبدأ همس الجدران





كانت البداية من الجدار الشرقي



قال بهمهمة : سوف احمل اللوحة المشئومة



رد الجدار الذي تتوسطه النافذة :



جمال هذه اللوحة بني على آلام غيرها



علق السقف بهدوء كعادته :



ما أكثر معاناتكم أيها الجدران



تحملون أشياء لا تعنيكم



ردت اللوحة ببرود وخبث :



من يحمل جمالي يحتمل آلامي



تنهد الجدار الغربي وقد ظل صامتاً :



لست افهم أين جمالك ؟



هل هو في البرواز الذي تكاملت أطرافه



على مأساة شجرة حرمت من أغصانها



أم في ألامنا من ضرب المسامير !



ردت اللوحة بسرعة .. وتعالي :



أنتم مثل البشر اعتراضاتكم كثيرة لكنها مؤقتة





فجأة . . دخل الرجل حاملاً المسمار والمطرقة



متجهاً نحو الجدار الذي ارتعدت أطرافه



كان منظر المطرقة اقرب إلى نقار الخشب



أو الساحرة العجوز في أفلام الكرتون



كانت توزع ابتسامات التشفي على الجدران



مع ترحيب خاص .. من اللوحة



أما الجدران فقد تعالت أصواتها التي تناشد الرجل وتؤازر الجدار



توالت الضربات .. وعم الضجيج



واختلط اعتذار المسمار بأنينه :



سوف أعاني مثلك أيها الجدار . .



الم تسمع المثل القائل .. المسمار يتأذى مرتين



تواصل ضرب المطرقة



بهستيريا وضحكات عاليه



وكأنها وجدت لذة في ضرب المسمار



إنها لذة المستبد على جراح المكلوم



أخيراً .. توقف الرجل



بعد أن غرس المسمار في صدر الجدار



ثم تناول اللوحة وعلقها



وغادر الغرفة مسروراً بمنظر اللوحة الفنية



لم يشعر الرجل بما دار من حوارات الألم



لم يرى سوى المنظر الجميل



استندت اللوحة على صدر الجدار الجريح



وبصوت خافت .. مصحوباً بشيء من الخبث :



هل تريد أن تحمل هذا الجمال دون ضريبة !



كانت ذرات الغبار .. التي تساقطت أثناء الطرق



أشبه بالدموع . . وأبلغ تعبير عن معاناة الجدار





خيم الصمت على المكان



ولم يقطعه سوى صوت الجدار الذي تتوسطه النافذة



عندما تحدث بحرقة :



كان هذا المنزل أرضاً قاحلة



غرسنا قواعدنا في جوفها



وتعاضدنا معشر الجدران حتى أقمناه منزلاً ً جميلاً



ومازلنا نحمل بنيانه ونحمي قاطنيه



ثم تأتي لوحة غريبة فتأخذ قلب صاحب المنزل



يهيم بها ويعرضها بفخر على كل زائر



وينسى أننا أساس هذا المنزل



نحن أشبه بالشعوب عندما يسرق الغرباء



تاريخهم وعرقهم وأوطانهم



ونشبه أشياء كثيرة في هذه الحياة



يطمس فيها الجديد الثانوي .. كل قديم أصيل