![]() |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري فتبينوا 24ـ4ـ1431هـ أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، نِعمَةٌ مِن أَكبرِ النِّعَمِ عَلَى العَبدِ أَن يَحيَا في دُنيَاهُ خَافِضَ الجَنَاحِ مُتَوَاضِعًا ، سَلِيمَ الصَّدرِ نَقِيَّ الفُؤَادِ ، خَاليَ القَلبِ مِنَ الغِلِّ وَالحِقدِ وَالحَسَدِ ، رَؤُوفًا بِالمُؤمِنِينَ رَحِيمًا ، يُحِبُّ لإِخوَانِهِ مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ ، وَلا يَحسُدُهُم عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ ، وَلا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيرٍ مَا لم يَتَحَاسَدُوا ، فَإِذَا تَحَاسَدُوا وَضَاقَت صُدُورُ بَعضِهِم بِبَعضٍ فَقَد فَتَحُوا لِلشَّيطَانِ عَلَيهِم بَابًا لإِفسَادِ ذَاتِ بَينِهِم ، وَهُوَ المَأزِقُ الَّذِي رَضِيَ عَدُوُّهُم بِإِسقَاطِهِم فِيهِ لَمَّا يَئِسَ مِن إِيقَاعِهِم في شَرَكِ الشِّركِ وَدَرَكِ الكُفرِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ الشَّيطَانَ قَد يَئِسَ أَن يَعبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ وَلَكِنْ في التَّحرِيشِ بَينَهُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ . أَمَّا حِينَ يَبلُغُ الحَسَدُ بِالمَرءِ إِلى أَن يُقَوِّلَ الآخَرِينَ مَا لم يَقُولُوا أَو يُلَفِّقَ عَلَيهِم مَا لم يَفعَلُوا ، ثم يَتَصَرَّفَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ دُونَ حِكمَةٍ وَلا رَوِيَّةٍ ، وَيَسمَحَ لِنَفسِهِ بِالبَغيِ وَالظُّلمِ وَالاعتِدَاءِ ، فَتِلكَ مُصِيبَةٌ بَل مَصَائِبُ مُتَلاحِقَةٌ ، لا تَصدُرُ إِلاَّ مِن شَخصٍ قَدِ اسوَدَّ قَلبُهُ وَأَظلَمَ فُؤَادُهُ ، وَزَالَ مِن صَدرِهِ نُورُ الإِيمَانِ وَانقَطَعَ عَنهُ ضِيَاءُ التَّقوَى ، فَاكتَسَحَتهُ المَعَاصِي وَرَانَت عَلَيهِ الذُّنُوبِ ، وَصَرَفَهُ الكِبرُ عَن رُؤَيَةِ مَحَامِدِ أَهلِ الحَمدِ وَأَعمَاهُ التَّعالي وَالفَخرُ عَن شُهُودِ مَدَائِحِهِم ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ : " إِنَّ اللهَ أَوحَى إِليَّ أَن تَوَاضَعُوا حَتى لا يَفخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلا يَبغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ " وَفي هَذَا الحَدِيثِ دِلالَةٌ عَلَى أَنَّ أَهلَ التَّوَاضُعِ وَالتَّطَامُنِ وَخَفضِ الجَنَاحِ هُم ذَوُو العَدلِِ وَالإِنصَافِ وَالوُقُوفِ عِندَ الحَدِّ وَقَبُولِ الحَقِّ ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ وَاضِحَةٌ إِلى كَونِ الكِبرِ وَالفَخرِ طَرِيقًا لِلبَغيِ وَالظلَّمِ وَالتَّعَدِّي عَلَى الآخَرِينَ وَهَضمِ حُقُوقِهِم ، وَقَد كَانَ الكِبرُ وَالتَّعالي عَلَى الحَقِّ ، ذَلِكُمُ الخُلُقُ البَغِيضُ وَالمَسلَكُ الكَرِيهُ هُوَ سَبَبَ ظُلمِ إِبلِيسَ لأَبِينَا آدَمَ وَعَدَمِ سُجُودِهِ لَهُ عِندَمَا أُمِرَ بِذَلِكَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِذْ قُلنَا لِلمَلائِكَةِ اسجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إَلاَّ إِبلِيسَ قَالَ أَأَسجُدُ لِمَن خَلَقتَ طِينًا . قَالَ أَرَأَيتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمتَ عَلَيَّ لَئِن أَخَّرتَنِ إِلى يَومِ القِيَامَةِ لأَحتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً . قَالَ اذهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنهُم فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُم جَزَاءً مَوفُورًا " وَإِنَّ المُتَأَمِّلَ في الوَاقِعِ اليَومَ لَيَرَى مِن بَعضِ النَّاسِ عَجَبًا ، يَرَى الرَّجُلَ الرَّزِينَ ذَا الهَيئَةِ الحَسَنَةِ وَالمَنظَرِ الجَمِيلِ فِيمَا يَظهَرُ ، ثُمَّ لا يُفَاجَأُ بِهِ يَومًا إِلاَّ وَقَد أَطلَقَ لِسَانَهُ في مَجلِسٍ عَامٍّ أَو أَمَامَ المَلأِ بِسَبِّ أَخٍ لَهُ أَو تَعيِيرِهِ أَو ثَلبِهِ وَقَدحِهِ ، أَو وَصفِهِ بِأَقبَحِ الأَوصَافِ وَنَبزِهِ بِأَسوَأِ الأَلقَابِ ، لا لأَنَّهُ اعتَدَى عَلَيهِ أَو رَأَى مِنهُ أَو سَمِعَ مَا يَكرَهُهُ ، وَلَكِنْ لِظَنِّ سُوءٍ غَلَبَهُ ، أَو لأَنَّ نَمَّامًا نَقَلَ إِلَيهِ كَلامًا فَصَدَّقَهُ ، أَو لأَنَّ وَاشِيًا أَسَرَّ إِلَيهِ بِتَوَهُّمٍ قَدَحَهُ الشَّيطَانُ في ذِهنِهِ ، فَطَارَ ذَلِكَ العَاقِلُ في ظَاهِرِهِ بِذَلِكَ الظَّنِّ أَو بِتِلكِ الغِيبَةِ ، وَضَاقَ صَدرُهُ بِمَا نُقِلَ إِلَيهِ ، وَامتَلأَ عَلَى صَاحِبِهِ حَنَقًا وَغَضَبًا ، وَكَادَ يَتَمَيَّزُ مِنَ الغَيظِ وَيَتَقَطَّعُ مِنَ الضِّيقِ ، فَلَم يُصَدِّقْ أَن رَآهُ حَتى انفَرَطَ عَلَيهِ يَكِيلُ لَهُ مِن أَردَأِ الكَلامِ مَا عُرِفَ وَمَا لم يُعرَفْ ، وَحتى أَغلَقَ مَا بَينَهُ وَبَينَهُ مِن أَبوَابِ التَّفَاهُمِ وَقَطَعَ مَا كَانَ مِن حِبَالِ الصِّلَةِ ، فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ! أَيَّ قُلُوبٍ يَحمِلُ بَعضُ النَّاسِ ؟ وَبِأَيِّ عُقُولٍ يُفَكِّرُونَ ؟ وَمِن أَيِّ مَبدَأٍ يَنطَلِقُونَ ؟ مَا هَذِهِ الخِفَّةُ الَّتي أَصَابَت عُقُولَهُم فَجَعَلَتهَا كَرِيشَةٍ في مَهَبِّ رِيحٍ ؟ إِنَّهُ التَّهَاوُنُ بِأَوَامِرِ الدِّينِ الحَنِيفِ وَتَوجِيهَاتِ الشَّرعِ المُطَهَّرِ ، إِنَّهُ التَّولِّي وَالإِعرَاضُ عَنِ الآدَابِ الإِسلامِيَّةِ وَالأَخلاقِ النَّبَوِيَّةِ ، إِنَّهُ شُؤمُ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَات ِ ، وَالَّتي مِنهَا مُخَالَفَةُ مَا أَرشَدَنَا إِلَيهِ ـ سُبحَانَهُ ـ في مِثلِ هَذِهِ الأَحوَالِ مِنَ التَّثَبُّتِ وَالتَّبَيُّنِ ، وَعَدَمِ العَمَلِ بِالظَّنِّ الَّذي لا يُغني مِنَ الحَقِّ شَيئًا ، وَإِنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَقطَعُونَ مَا بَينَهُم وَبَينَ إِخَوَانِهِم ممَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ لِمُجَرَّدِ غِيبَةٍ أَو نَمِيمَةٍ أَو ظَنٍّ كَاذِبٍ ، قَد كَانَ بِإِمكَانِ أَحَدِهِم أَن يَرفَعَ سَمَّاعَةَ هَاتِفِهِ أَو يَستَعِينَ بِجَوَّالِهِ ، وَيَتَّصِلَ بِأَخِيهِ وَيَسمَعَ مِنهُ ، وَيَتَأَكَّدَ ممَّا نُقِلَ عَنهُ مِن كَلامٍ أَو ممَّا أَوقَعَهُ الشَّيطَانُ في قَلبِهِ مِن أَوهَامٍ ، وَيَتَعَرَّفَ قَبلَ أَن يَتَصَرَّفَ ، وَيَتَبَيَّنَ قَبلَ أَن يَأتيَ بِالطَّامَّةِ وَيُصِيبَ أَخَاهُ بِجَهَالَةٍ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد نَدَبَنَا رَبُّنَا إِلى العَفوِ وَالصَّفحِ وَإِصلاحِ ذَاتِ البَينِ وَالتَّنَازُلِ عَمَّا لَنَا مِنَ الحُقُوقِ احتِسَابًا لِلأَجرِ وَطَلَبًا لِمَا عِندَهُ مِنَ جَزِيلِ الثَّوَابِ وَحُسنِ الجَزَاءِ ، وَسَمَحَ لَنَا إِن لم نَتَنَازَلَ أَن نَأخُذَ بِحَقِّنَا بِالمِثلِ دُونَ تَعَدٍّ وَتَجَاوُزٍ ، أَمَّا أَن نَظلِمَ وَنَبغِيَ وَنَتَجَاوَزَ بِنَاءً عَلَى ظُنُونٍ وَأَوهَامٍ وَنَقلِ فَاسِقِينَ ، فَمَا أَتعَسَ حَظَّ الظَّالِمِ مِنَّا وَأَشَدَّ عَذَابَهُ ! قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثلُهَا فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعدَ ظُلمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيهِم مِن سَبِيلٍ . إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظلِمُونَ النَّاسَ وَيَبغُونَ في الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ أُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ " فَعَجَبًا لِمَن يُهِينُ نَفسَهُ وَهُوَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَطلُبُ كَرَامَتَهَا ، وَتَبًّا لَهَا مِن كَرَامَةٍ لا تَأتي إِلاَّ بِظُلمِ الآخَرِينَ وَالاعتِدَاءِ عَلَيهِم وَطَعنِ قُلُوبِهِم وَإِيذَائِهِم بِغَيرِ حَقٍّ ! إِنَّهَا وَرَبِّ الكَعبَةِ لَعَينُ الإِهَانَةِ وَمَحضُ الذِّلَّةِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُكرِمٍ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاطلُبُوا مَا عِندَهُ ، وَاحذَرُوا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالجِنِّ ، ممَّن يُوقِعُونَكُم في الظُّلمِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " اِتَّقُوا الظُّلمَ ، فَإِنَّ الظُّلمَ ظُلُمَاتٌ يَومَ القِيَامَةِ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن كَانَت عِندَهُ مَظلَمَةٌ لأَخِيهِ مِن عِرضٍ أَو مِن شَيءٍ فَلْيَتَحَلَّلْ هُ مِنهُ اليَومَ مِن قَبلِ أَلاَّ يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالحٌ أُخِذَ مِنهُ بِقَدرِ مَظلَمَتِهِ ، وَإِنْ لم تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيهِ " وَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ ، وَلْتَكُونُوا بِمَا عِندَ اللهِ أَوثَقَ مِنكُم بِمَا عِندَكُم ، وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ ، وَكُونُوا عِندَ حُدُودِ اللهِ وَقَّافِينَ وَلِلحَقِّ مُتَّبِعِينَ ، وَلِلظُّلمِ وَالجَورِ مُنكِرِينَ مُستَنكِرِينَ ، وَعَن أَعرَاضِ المُسلِمِينَ مُدَافِعِينَ ، وَرَبُّوا أَنفُسَكُم عَلَى مَا رَبَّاكُمُ اللهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ عَلَيهِ مِنِ اجتِنَابِ الظَّنِّ السَّيِّئِ ، وَتَأَدَّبُوا بِمَا أَدَّبَكُم بِهِ مِنَ التَّثَبُّتِ وَالتَّبَيُّنِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن رَدَّ عَن عِرضِ أَخِيهِ رَدَّ اللهُ عَن وَجهِهِ النَّارَ يَومَ القِيَامَةِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثمٌ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُم فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَومًا بِجَهَالَةٍ فَتُصبِحُوا عَلَى مَا فَعَلتُم نَادِمِينَ " أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَيَتبَعُ ظُلمَ الآخَرِينَ في السُّوءِ وَالقُبحِ ، أَن يَقَعَ ذَلِكُمُ الظُّلمُ أَمَامَ النَّاسِ وَعَلَى مَشهَدٍ مِنهُم ثُمَّ لا يَرفَعُوهُ وَلا يَردَعُوهُ ، إِمَّا لأَنَّ الظَّالِمَ قَرِيبٌ لهم أَو لأَنَّ عِندَهُ لهم مَصلَحَةً دُنيَوِيَّةً ، أَو لأَسبَابٍ أُخرَى لا تَخرُجُ عَن مَتَاعِ الدُّنيَا القَلِيلِ ، وَإِنَّهُ لَمِنَ الخُذلانِ لِلعَبدِ أَن يَقدِرَ عَلَى رَدعِ ظَالِمٍ أَو رَدِّ مَظلَمَةٍ أَو دِفَاعٍ عَمَّن هُضِمَ حَقُّهُ ثُمَّ لا يَفعَلَ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " اُنصُرْ أَخَاكَ ظَالمًا أَو مَظلُومًا " فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَنصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظلُومًا ، أَفَرَأَيتَ إِن كَانَ ظَالمًا كَيفَ أَنصُرُهُ ؟ قَالَ : " تَحجُزُهُ أَو تَمنَعُهُ عَنِ الظُّلمِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصرُهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَأَمَّا إِعَانَةُ الظَّالِمِ بِالقَولِ أَوِ الفِعلِ بَل وَبِبَعضِ السُّكُوتِ ، فَإِنَّمَا هُوَ بَابٌ مِن أَبوَابِ سَخَطِ اللهِ وَغَضَبِهِ ، يَلِجُهُ بَعضُ مَن أَعمَى اللهُ بَصِيرَتَهُ تَعَصُّبًا وَحَمِيَّةً جَاهِلِيَّةً ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِغَيرِ حَقٍّ كَانَ في سَخَطِ اللهِ حَتى يَنزَعَ " وَقَالَ : " مَثَلُ الَّذِي يُعِينُ قَومَهُ عَلَى غَيرِ الحَقِّ كَمَثَلِ بَعِيرٍ تَرَدَّى في بِئرٍ فَهُوَ يُنزَعُ مِنهَا بِذَنَبِهِ " وَتَعَالَوا وَاسمَعُوا إِلى هَذَا الحَدِيثِ العَظِيمِ ، وَتَأَمَّلُوا مَا فِيهِ مِن تَهدِيدٍ وَوَعِيدٍ لِمَن أَعَانَ ظَالِمًا وَخَذَلَ مَظلُومًا ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَا مِنِ امرِئٍ يَخذُلُ امرَأً مُسلِمًا في مَوطِنٍ يُنتَقَصُ فِيهِ مِن عِرضِهِ وَيُنتَهَكُ فِيهِ مِن حُرمَتِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللهُ ـ تَعَالى ـ في مَوطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصرَتَهُ ، وَمَا مِن أَحَدٍ يَنصُرُ مُسلِمًا في مَوطِنٍ يُنتَقَصُ فِيهِ مِن عِرضِهِ وَيُنتَهَكُ فِيهِ مِن حُرمَتِهِ إِلاَّ نَصَرَهُ اللهُ في مَوطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصرَتَهُ " |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري (إن لله جنوداً منها البراكين) أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ ، وَامتَثِلُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَقِفُوا عِندَ حُدُودِهِ وَخَافُوهُ " وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في جَزِيرَةٍ نَائِيَةٍ في شَمَالِ المُحِيطِ الأَطلَسِيِّ ، وَبَينَمَا النَّاسُ في حَيَاتِهِم غَادُونَ رَائِحُونَ ، وَدُونَ أَيِّ نُذُرٍ أَو مُقَدِّمَاتٍ ، يَثُورُ بُركَانٌ صَغِيرٌ مِن تَحتِ نَهرٍ جَلِيدِيٍّ ، لِيَنفُثَ كَمِّيَّاتٍ هَائِلَةً مِنَ الرَّمَادِ وَالغُبَارِ ، تُغَطِّي السَّمَاءَ في قَارَّةِ كَامِلَةٍ أَو تَكَادُ ، فَيَفزَعُ النَّاسُ لِذَلِكَ وَيَرتَبِكُونَ ، وَتَتَوَقَّفُ حَرَكَةُ الطَّيَرَانِ وَتَجثُمُ الطَّائِرَاتُ ، وَتُغلَقُ المَطَارَاتُ وَتُؤَجَّلُ الرِحلاتُ ، وَتَخسَرُ الشَّرِكَاتُ مَلايِينَ الدُّولارَاتِ ، وَتَتَقَطَّعُ السُّبُلُ بِالمُسَافِرِين َ ، وَتَتَحَوَّلُ صَالاتُ المَطَارَاتِ إِلى مَهَاجِعَ للمُنتَظِرِينَ ، فَضلاً عَن خَسَائِرِ المَصَدِّرِينَ وَالمُستَورِدِي نَ . لَقَد غَدَت أَورُوبَّا بَينَ عَشِيَّةٍ وَضُحَاهَا مَعزُولَةً عَنِ العَالمِ الخَارِجِيِّ تَقرِيبًا ، وَجَعَلَت تُوَاجِهُ أَكبَرَ تَعَطُّلٍ لِلنَّقلِ في تَارِيخِ طَيَرَانِهَا المَدَنِيِّ ! فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ! مَا أَعجَزَ الخَلقَ أَمَامَ قُدرَةِ خَالِقِهِم وَأَضعَفَهُم حِيَالَ قُوَّتِهِ ! سَحَابُ بُركَانٍ وَاحِدٍ يُصِيبُ قَارَّةً كَامِلَةً بِالذُّعرِ وَالخَوفِ ، وَيُقَيِّدُ حَرَكَتَهَا الجَوِّيَّةَ وَيُكَبِّدُ شَرِكَاتِهَا خَسَائِرَ اقتِصَادِيَّةً ، فَكَيفَ لَو تَفَجَّرَت عِدَّةُ بَرَاكِينَ ؟! كَيفَ لَو تَتَابَعَتِ الآَيَاتُ الأُخرَى وَتَوَالَتِ الكَوارِثُ الكُبرَى ؟! إِنَّهُ لأَمرٌ يَستَدعِي التَّأَمُّلَ وَيَستَوجِبُ النَّظَرَ ، وَيَدعُو إِلى التَّفَكُّرِ الطَّوِيلِ وَالاعتِبَارِ العَظِيمِ " ذَلِكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ " " لا يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ البَرَاكِينَ جُندٌ مِن جُنُودِهِ ـ تَعَالى ـ يُرسِلُهَا عَلَى مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ مَتَى شَاءَ وَكَيفَ شَاءَ ، إِنذَارًا وَوَعِيدًا وَتَخوِيفًا وَتَهدِيدًا " وَمَا نُرسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخوِيفًا " " وَمَا يَعلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكرَى لِلبَشَرِ " وَإِنَّ مِن جُنُودِ اللهِ المُسَلَّطَةِ هَذَا الرَّمَادُ البُركَانيُّ المُكَوَّنُ مِن جُزَيئَاتٍ صَغِيرَةٍ مِنَ الزُّجَاجِ وَالصُّخُورِ المُفَتَّتَةِ ، وَالَّتي تُهَدِّدُ مُحَرِّكَاتِ الطَّائِرَاتِ وَهَيَاكِلَهَا وَتُعِيقُ حَرَكَتَهَا ، بَل وَيُؤَدِّي استِنشَاقُهَا إِلى تَمَزُّقِ النَّسِيجِ الرِّئَوِيِّ لِلإِنسَانِ ، وَإِصَابَتِهِ بِالأَمرَاضِ التََنَفُّسِيَّ ةِ المُستَعصِيَةِ . إِنَّهَا لآيَةٌ مِن آيَاتِ اللهِ ـ تَعَالى ـ أَرسَلَهَا تَذكِرَةً وَمَوعِظَةً لِلمُؤمِنِينَ المُتَّقِينَ ، وَتَخوِيفًا وَتَرهِيبًا لِلكَافِرِينَ وَالمُعرِضِينَ ، فَالقُلُوبُ المُؤمِنَةُ تَتَّعِظُ وَتُخبِتُ وَتُنِيبُ لِرَبِّهَا ، وَالقُلُوبُ الغَافِلَةُ لا يُهِمُّهَا سِوَى الخَسَائِرِ الاقتِصَادِيَّة ِ ، وَتُشغَلُ بِالمُتَابَعَةِ الإِعلامِيَّةِ وَمُرَاقَبَةِ البُركَانِ عَن رَبِّ البُركَانِ " لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بها وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرُونَ بها وَلَهُم آذَانٌ لا يَسمَعُونَ بها أُولَئِكَ كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ " إِنَّ المُؤمِنَ وَقَد أُوتيَ قَلبًا حَيًّا وَحِسًّا مُرهَفًا لِيَتَأَثَّرُ بمِثلِ هَذِهِ الأَحوَالِ المُخِيفَةِ مُقتَدِيًا بِنَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ الَّذِي كَانَ إِذَا رَأَىَ رِيحًا أَو غَيمًا عُرِفَ ذَلِكَ في وَجهِهِ فَأَقبَلَ وَأَدبَرَ وَدَخَلَ وَخَرَجَ خَوفًا مِن نُزُولِ عَذَابٍ ، وَيَخرُجُ في الكُسُوفِ فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ مُستَعجِلاً ، يَخشَى أَن تَكُونَ السَّاعَةُ ، يَفعَلُ ذَلِكَ لِرُؤيَةِ غَيمٍ غَالِبُ مَا يَأتي فِيهِ المَطَرُ وَالغَيثُ ، أَو لِكُسُوفِ الشَّمسِ وَذَهَابِ بَعضِ ضَوئِهَا ، فَكَيفَ لَو رَأَىَ أَعمِدَةَ الرَّمَادِ تَرتَفِعُ في الجَوِّ كَالسَّحَابِ ؟! كَيفَ لَو رَأَى الصَّهِيرَ النَّارِيَّ البُركَانيَّ الَّذِي تَبلُغُ دَرَجَةُ حَرَارَتِهِ أَلفًا وَمِئَتَي دَرَجَةٍ مِئَوِيَّةٍ ؟! إِنَّهَا لَمِن قَسوَةِ القُلُوبِ وَعَمَى البَصَائِرِ أَن يَسمَعَ النَّاسُ وَيَرَونَ القَوَارِعَ الَّتي تَشِيبُ لها مَفَارِقُ الوِلدَانِ ، وَتَتَوَالى عَلَيهِمُ الزَّوَاجِرُ الَّتي تَخشَعُ لها صُمُّ الجِبَالِ ، ثُمَّ يَستَمِرُّوا عَلَىَ تَمَرُّدِهِم وَطُغيَانِهِم وَيَتَمَادَوا في غَيِّهِم وَعِصيَانِهِم ، ويَظَلُّوا عَاكِفِينَ عَلَىَ شَهَوَاتِهِم مُتَّبِعِينَ أَهوَاءَهُم ، غَيرَ عَابِئِينَ بِوَعِيدٍ وَلا مُنَصَاعِينَ لِتَهدِيدٍ ، مُقتَصِرِينَ في تَفسِيرِ مَا حَدَثَ عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ أَمَرٍ طَبَعِيٍّ وَحَدَثٍ اعتِيَادِيٍّ ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى غَفلَةٍ عَن مُدَبِّرِ الكَونِ وَجَهلٍ بِقُدرَةِ مُسَيِّرِهِ ، وَإِلاَّ فَمَنِ الِّذِي يُجرِيهِ وِفقَ ذَلِكَ النِّظَامِ البَدِيعِ وَيُسَخِّرُهُ لِيَنتَفِعُوا بِهِ ، ثُمَّ يُسَلِّطُهُ في لَحظَةٍ عَلَى مَن يَشَاءُ بِتَقدِيرِهِ وَتَدبِيرِهِ " مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " إِنَّ مَا حَدَثَ شَاهِدٌ عَظِيمٌ عَلَى قُدرَتِهِ ـ جَلَّ جَلالُهُ ـ " اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرضِ مِثلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمرُ بَينَهُنَّ لِتَعلَمُوَا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَد أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا " " وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعجِزَهُ مِن شَيءٍ في السَّمَاوَاتِ وَلا في الأَرضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا " وَإِنَّ هَذِهِ البَرَاكِينَ وَالزَّلازِلَ لِتُذَكِّرُنا بِزَلزَلَةِ يَومٍ عَظِيمٍ ، وَإِذَا كَانَ بُركَانٌ وَاحِدٌ يُحدِثُ في دُنيَا النَّاسِ مِنَ الفَزَعِ مَا يُحدِثُ ، فَكَيفَ بِزَلزَلَةِ الأَرضِ كُلِّهَا " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ . يَومَ تَرَونهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ " وَإِنَّ ذَلِكُمُ الغُبَارَ الَّذِي حَجَبَ الشَّمسَ عَن سَمَاءِ تِلكَ الدُّوَلِ ، وَتَنَاثُرَ الرَّمَادِ في الهَوَاءِ ، وَتُعَطَّلَ حَرَكَةِ الطَّيَرَانِ وَإِغلاقَ المَطَارَاتِ ، إِنَّهُ لَيُذَكِّرُنَا بِتَكوِيرِ الشَّمسِ وَانكِدَارِ النُّجُومِ وَتَعَطُّلِ العِشَارِ " إِذَا الشَّمسُ كُوِّرَت . وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَت . وَإِذَا الجِبَالُ سُيِّرَت . وَإِذَا العِشَارُ عُطِّلَت " يَذهَبُ ضَوءُ الشَّمسِ وَتَتَنَاثَرُ النُّجُومُ ، وَيَترُكُ الإِبِلَ أَصحَابُهَا عَلَى نَفَاسَتِهَا وَغَلائِهَا حَيثُ يَأتِيهِم مَا يُذهِلُهُم عَنهَا وَيَشغَلُهُم عَنِ الاهتِمَامِ بها . وَإِنَّ هَذِهِ الغُيُومَ المُتَرَاكِمَةَ الَّتي تَملأُ الجَوَّ عَلَى ارتِفَاعَاتٍ هَائِلَةٍ ، لَتُذَكِّرُنَا بِالدُّخَانِ الَّذِي يَبعَثُهُ اللهُ قَبلَ قِيَامِ السَّاعَةِ : " فَارتَقِبْ يَومَ تَأتي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ . يَغشَىَ النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ " وَإِنَّ عَجزَ القَارَّةِ الأَورُبِّيَّةِ وَذُهُولَهَا مِمَّا وَقَعَ ، وَتَسَاؤُلَ الجَمِيعِ عَمَّا حَدَثَ وَوُقُوفَهُم مَبهُوتِينَ مُتَحَيِّرِينَ ، إِنَّهُ لَيُذَكِّرُنَا بِعَجزِ الإِنسَانِ عِندَ قِيَامِ السَّاعَةِ " إِذَا زُلزِلَتِ الأَرضُ زِلزَالَهَا . وَأَخرَجَتِ الأَرضُ أَثقَالَهَا . وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاعلَمُوا أَنَّ مَا أَصَابَ النَّاسَ وَمَا يُصِيبُهُم إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ طُغيَانِهِم وَعِصيَانِهِم " وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيَكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ " فَهِيَ سُنَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ مَاضِيَةٌ ، مَا كَثُرَتِ المَعَاصِي وَارتُكِبَتِ الكَبَائِرُ وَالمُوبِقَاتُ ، وَلا شَاعَتِ الفَوَاحِشُ وَاستُسِيغَتِ المُخَالَفَاتُ وَالمُنكَرَاتُ ، وَلا انتَشَرَ الظُّلمُ وَالقَتلُ وَعَمَّ الطُّغيَانُ , إِلاَّ نَزَلَتِ العُقُوبَاتُ وَكَثُرَتِ المَصَائِبُ العَامَّةُ ، مِنَ الأَعَاصِيرِ المُهلِكَةِ وَالفَيَضَانَات ِ المُغرِقَةِ ، وَالزَّلازِلِ المُدَمِّرَةِ وَالبَرَاكِينِ المُحرِقَةِ ، وَالحُرُوبِ الطَّاحِنَةِ وَالأَمرَاضِ الفَتَّاكَةِ ، وَالطَّوَاعِينِ العَامَّةِ وَالآفَاتِ القَاضِيَةِ ، وَالنَّقصِ في النُّفُوسِ وَفَسَادِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ ، مِمَّا يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ العِبَادَ وَيُذَكِّرُهُم بِقُوَّتِهِ وَسَطوَتِهِ " ظَهَرَ الفَسَادُ في البَرِّ وَالبَحرِ بما كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ " وَلَيسَت هَذِهِ بِآخِرِ الكَوارِثِ الَّتي سَتُصِيبُ مَن يُعرِضُ عَنِ اللهِ وَيَتَنَكَّبُ المَنهَجَ الحَقَّ ، وَإِنَّ لِلَّذِينَ كَفَرُوَا وَطَغَوا في البِلادِ لأَمثَالَهَا " فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثلَ ذَنُوبِ أَصحَابِهِم فَلا يَستَعجِلُونِ " " وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بما صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَو تَحُلُّ قَرِيبًا مِن دَارِهِم حَتَّى يَأتيَ وَعدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخلِفُ المِيعَادَ " وَهَكَذَا كُلَّمَا طَغَىَ الإِنسَانَ وَتَكَبَّرَ في الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَتَجَبَّرَ ، وَادَّعَى الوُصُولَ لأَعلَىَ دَرَجَاتِ الكَمَالِ وَالاستِغنَاءِ عَن خَالِقِهِ ، فَإِنَّ اللهَ يَبعَثُ لَهُ مَا يُبَيِّنُ ضَعفَهُ وَيُثبِتُ عَجزَهُ ، وَيَدُلُّهُ عَلَى فَقرِهِ إِلى خَالِقِهِ وَحَاجَتِهِ إِلى مَولاهُ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنيُّ الحَمِيدُ . إِن يَشَأْ يُذهِبْكُم وَيَأتِ بِخَلقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ . وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَىَ وَإِنْ تَدعُ مُثقَلَةٌ إِلىَ حِملِهَا لا يُحمَلْ مِنهُ شَيءٌ وَلَو كَانَ ذَا قُربىَ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفسِهِ وَإِلى اللهِ المَصِيرُ " أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ تَقوَاهُ ، وَاستَعِدُّوا بِالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ لِيَومِ لِقَاهُ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، كَثِيرًا مَا يَتَبَجَّحُ الغَربُ وَأَتبَاعُهُ وَالمُعجَبُونَ بِهِ مِن بَنِي جِلدَتِنَا بما وَصَلَت إِلَيهِ تِلكَ الدُّوَلُ مِن عِلمٍ وَتِقنِيَةٍ ، وَتَرَاهُم في المُقَابِلِ يُزرُونَ عَلَى مَن عَدَاهُم وَيَتَنقَّصُونَ غَيرَهُم !! وَلَكِنْ يَأبى اللهُ إِلاَّ أَن يُرغِمَ أَنفَ هَذِهِ الحَضَارَةِ المَادِّيَّةِ وَإِن هِيَ تَكَبَّرَت وَشَمَخَت . فَمَاذَا صَنَعَت تِلكَ الدُّوَلُ الََّتي تُسَمَّى بِالمُتَقَدِّمَ ةِ ؟ أَينَ ذَهَبَت جُيُوشُهُم وَقُوَّاتُهُم أَمَامَ هَذَا الجُندِيِّ مِن جُنُودِ اللهِ ؟! هَلِ استَطَاعُوا مَنعَهُ أَو قَدِرُوا عَلَى إِيقَافِهِ ؟ أَينَ مَا وَصَلُوا إِلَيهِ مِن مُختَرَعَاتٍ ومُكتَشَفَاتٍ ؟! أَينَ مَا شَغَلُوا بِهِ العَالَمَ مِن مَبَاحِثَ وَدِرَاسَاتٍ ؟! أَينَ إِعدَادَاتُهُم وَتِرسَانَاتُهُ م ؟ هَل دَفَعَت للهِ أَمرًا أَو عَطَّلَت قَدَرًا ؟ هَل رَدَّت بَلاءً أَو مَنَعَت عَذَابًا ؟! في لَحَظَاتٍ مَعدُودَةٍ وَبِحَرَكَةٍ مِنَ الأَرضِ يَسِيرَةٍ ، يَنقَلِبُ الأَمنُ خَوفًا وَيُصبِحُ الهُدُوءُ انزِعَاجًا ، وَتَضِيقُ الصُّدُورُ وَتَعبِسُ الوُجُوهُ ، وَتَتَحَوَّلُ المَكَاسِبُ إِلى خَسَائِرَ ، وَتَقِفُ قَارَّةٌ بِأَكمَلِهَا عَاجِزَةً أَمَامَ هَذِهِ الكَارِثَةِ ، لِيُطلِعَهُمُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَلَى مَدَى ضَعفِهِم وَقِلَّةِ حِيلَتِهِم ، وَلِيَعلَمُوَا صِدقَ قَولِهِ ـ تَعَالى ـ : " قُلْ إِنَّ الأَمرَ كُلَّهُ للهِ " وَقَولِهِ : " وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا " وَقَولِهِ : " وَمَا أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلاَّ قَلِيلاً " وَقَولِهِ : " أَمَّن هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُم يَنصُرُكُم مِن دُونِ الرَّحمَنِ إِنِ الكَافِرُونَ إِلاَّ في غُرُورٍ " اغتَرُّوا وَخُيِّلَ إِلَيهِم أَنَّهُم في أَمَانٍ وَحِمَايَةٍ وَاطمِئنَانٍ !! وَظَنُّوا أَنَّهُم مَلَكُوا الجَوَّ وَبَلَغُوا في مَجَالِ الطَّيَرَانِ شَأنًا عَظِيمًا ، وَإِذْ ذَاكَ أَتَاهُمُ البُركَانُ عَلَى حِينِ غِرَّةٍ وَهَجَمَ عَلَيهِم عَلَى حِينِ غَفلَةٍ ، فَأَصَابَ طَيَرَانَهُم بِالعَجزِ وَأَلبَسَهُمُ الخَسَارَةَ الفَادِحَةَ " حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرضُ زُخرُفَهَا وَازَّيَّنَت وَظَنَّ أَهلُهَا أَنَّهُم قَادِرُونَ عَلَيهَا أَتَاهَا أَمرُنَا لَيلاً أَو نهَارًا " وَمَعَ أَنَّهُ بِمَقدُورِ البَشَرِ في أَحيَانٍ كَثِيرَةٍ التَّنَبُّؤُ بِهَذِهِ الآَيَاتِ الكَونِيَّةِ قَبلَ وُقُوعِهَا ، إِلاَّ أَنَّ وُقُوعَ مِثلِ هَذِهِ الحَوَادِثِ وَالفَواجِعِ تُثبِتُ يَومًا بَعدَ يَومٍ قُصُورَ البَشَرِ وَضَعفَ آلَتِهِم ، سَوَاءٌ في الرَّصدِ وَالتَّحلِيلِ وَتُوُقُّعِ الأَزَمَاتِ ، أَو في إِكمَالِ الاستِعدَادَاتِ وَإِتمَامِ الاحتِيَاطَاتِ ، أَو في التَّصَدِّي لها وَتَخفِيفِ أَثَرِهَا . إِنَّهُ قَدَرُ اللهِ وَاقِعٌ لا مَحَالَةَ ، وَمَشِيئَتُهُ نَافِذَةٌ وَلا بُدَّ ، وإِذَا نَزَلَ أَمرُهُ فَلا تَنفَعُ مَعَاهِدُ الأَبحاثِ حِينَئِذٍ وَلا الدِّرَاسَاتُ ، وَلا تَمنَعُ مِنهُ أَجهِزَةُ التَّحَكُّمِ وَلا مَرَاكِزُ المَعلُومَاتِ ، وَلا يُغنِي حَذَرٌ مِن قَدَرٍ ، وَ" للهِ الأَمرُ مِن قَبلُ وَمِن بَعدُ " وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ لَيسَ لِلإِنسَانِ مَهمَا عَظُمَت قُوَّتُهُ وَامتَدَّت سُلطَتُهُ ، أو بَلَغَ عِلمُهُ وَوَصَلَ ذَكَاؤُهُ ، إِلاَّ اللُّجُوءُ إِلى خَالِقِهِ وَالانطِرَاحُ بَينَ يَدَيهِ ، وَإِخلاصُ الدُّعَاءِ لَهُ وَتَوحِيدُهُ وَصِدقُ التَّوَجُّهِ إِلَيهِ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا " فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ فَإِنَّ مَا يُصِيبُنَا في السَّنَوَاتِ المُتَأَخِّرَةِ مِن شُحِّ الأَمطَارِ وَغَورِ الآبَارِ ، وَتَوَالي أَيَّامِ القَحطِ وَالغُبَارِ ، لَهُوَ نَذِيرٌ لَنَا وَتَذكِيرٌ ، فَالتَّوبَةَ التَّوبَةَ ، فَإِنَّهُ لَيسَ بَينَ اللهِ وَلا أَحَدٍ مِن خَلقِهِ إِلاَّ العَمَلُ الصَّالحُ " مَن عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلعَبِيدِ " |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري جزاك الله الف خير وكثر الله من امثالك واثابك الفردوس الاعلى على ماتقدم من نشر لللخير |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري بارك الله فيك |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري إتباع سبيل المؤمنين والتحذير من الغناء والمغنين 13/7/1431هـ أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ . لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، عَن عَبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ ـ رَضِي اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : كَيفَ أَنتُم إِذَا لَبِسَتكُم فِتنَةٌ يَهرَمُ فِيهَا الكَبِيرُ وَيربُو فِيهَا الصَّغِيرُ وَيتَّخِذُهَا النَّاسُ سُنَّةً ، فَإِذَا غُيِّرَت قَالُوا : غُيِّرَتِ السُّنَّةُ . قِيلَ : مَتَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبدِالرَّحمَنِ ؟ قَالَ : إِذَا كَثُرَت قُرَّاؤُكُم وَقَلَّت فُقَهَاؤُكُم ، وَكَثُرَت أُمَرَاؤُكُم وَقَلَّت أُمَنَاؤُكُم ، وَالتُمِسَتِ الدُّنيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ وَتُفُقِّهَ لِغَيرِ الدِّينِ ... رَضِي اللهُ عَنِ ابنِ مَسعُودٍ وَأَرضَاهُ ، فَلَم يكُنْ لِيَقُولَ مِثلَ هَذَا مِن تِلقَاءِ نَفسِهِ أَو بِمَحضِ رَأيِهِ ، إِذْ إِنَّهُ مِن أُمُورِ الغَيبِ الَّتي لا تُدرَكُ بِخَالِصِ الرَّأيِ وَلا تَصِلُ إِلَيهَا قُوَّةُ العَقلِ ، أَمَّا وَقَد وَقَعَ مَا في كَلامِهِ ـ رَضِي اللهُ عَنهُ ـ في زَمَانِنَا هَذَا ، فَتَسَابَقَ النَّاسُ عَلَى المَنَاصِبِ دُونَ أَهلِيَّةٍ لَهَا ، وَتَنَافَسُوا في الشُّهرَةِ وَلَو بِمُخَالَفَةِ الحَقِّ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَلامَ ابنِ مَسعُودٍ وَإِن كَانَ مَوقُوفًا لَفظًا فَإِنَّ لَهُ حُكمَ المَرفُوعِ مَعنَىً . وَإِنَّ المُسلِمَ لِيتَذَكَّرُ هَذَا الكَلامَ وَيستَحَضِرُهُ بِشِدَّةٍ وَالأُمَّةُ تُصدَمُ كُلَّ يَومٍ بما تُصدَمُ بِهِ مِن أَقوَالٍ شَاذَّةٍ وَآرَاءَ مَرجُوحَةٍ ، تَستَنكِرُهَا الفِطَرُ السَّلِيمَةُ قَبلَ القُلُوبِ التَّقِيَّةِ ، وَلَكِنَّ كَثِيرِينَ قَد لا يَستَنكِرُونَهَ ا بَل وَيفرَحُونَ بها وَينتَشُونَ لِظُهُورِهَا ، وَيُسَارِعُونَ لِتَلمِيعِهَا وَنَشرِهَا وَالتَّروِيجِ لَهَا ، كَمَا تَفعَلُ ذَلِكَ في الغَالِبِ وَسَائِلُ الإِعلامِ مِنَ الجَرَائِدِ وَالقَنَوَاتِ ، لا لِرَأيٍ مُعتَبَرٍ اطَّلَعُوا عَلَيهِ فَتَبَنَّوهُ ، وَلا لِفِقهٍ جَدِيدٍ وَجَدُوهُ فَأَذَاعُوهُ ، وَإِنَّمَا لأَنَّهُم وَمَن سَارَ مَعَهُم قَد تَعَوَّدُوا عَلَى بَعضِ المُنكَرَاتِ وَنَبَتَت عَلَيهَا لُحُومُهُم ، وَتَشَرَّبَتهَا قُلُوبُهُم وَجَرَت بها دِمَاؤُهُم ، فَأَرَادَ لَهُمُ الشَّيطَانُ بَعدَ أَن أَيَّسَهُم مِن التَّوبَةِ مِنهَا أَن ينقُلَهُم مِن مُجَرَّدِ الوُقُوعِ فِيمَا صَغُرَ مِنهَا وَمَا كَبُرَ ، إِلى أَن يقَعُوا في وَرَطَاتٍ تَصعُبُ النَّجَاةُ مِنهَا ، مِن القَولِ عَلَى اللهِ بِغَيرِ عِلمٍ ، وَتَحلِيلِ مَا حَرَّمَهُ اللهُ وَتَحرِيمِ مَا أَحَلَّهُ ، وَالافتِيَاتِ عَلَى الشَّرِيعَةِ وَالتَّقَدُّمِ بَينَ يدَي أَئِمَّةِ الفِقهِ مِن المُتَقَدِّمِين َ وَالمُتَأَخِّرِ ينَ ، أَو تَقُوِيلِهِم مَا لم يَقُولُوا وَتَلبِيسِهِم مَا لم يَلبَسُوا ، وَالشُّذُوذِ عَنِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ وَاتِّبَاعِ غَيرِ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ . فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ! كَيفَ يَفعَلُ بِالمَرءِ ضَعفُ انقِيادِهِ لِلشَّرعِ وَتَسَاهُلُهُ بِالأَوَامِرِ وَالَنَّوَاهِي ؟ وَكَيفَ يصِيرُ مَآلُهُ حِينَ يَتَّبِعُ خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ وَينسَاقُ وَرَاءَهَا ، فَمِن تَركِ السُّنَنِ وَالوُقُوعِ في المَكرُوهَاتِ ، إِلى انتِهَاكِ المُحَرَّمَاتِ وَالتَّهَاونِ بِالوَاجِبَاتِ ، إِلى السُّقُوطِ في شِرَاكِ البِدَعِ وَالمُحدَثَاتِ ، ثُمَّ يكُونُ بَعدُ مَا يكُونُ مِن زَيغٍ وَضَلالاتٍ ، وَهَكَذَا لا يُزِيغُ اللهُ قَلبَ عَبدٍ حَتَّى يكُونَ هُوَ الجَانيَ عَلَى نَفسِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَنُقَلِّبُ أَفئِدَتَهُم وَأَبصَارَهُم كَمَا لم يُؤمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ " فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُم " وَهَكَذَا يُقبَضُ العِلمُ وَتَندَرِسُ مَعَالِمُ الحَقِّ ، وَيصِيرُ المَعرُوفُ مُنكَرًا وَالمُنكَرُ مَعرُوفًا ، وَيُصَدَّقُ الكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ الصَّادِقُ ، وَيُؤتَمَنُ الخَائِنُ وَيُخَوَّنُ الأَمِينُ ، حِينَ تَكُونُ وَسَائِلُ الإِعلامِ هِيَ الرَّائِدَةَ لِعُقُولِ النَّاسِ ، تَتَقَدَّمُهُم إِلى كُلِّ مَرعًى وَخِيمٍ ، وَتَأخُذُ بِهِم إِلى كُلِّ مَرتَعٍ وَبِيلٍ ، فَتَجعَلُ الصَّحَفِيَّ مُفتِيًا ، وَتُظهِرُ الجَاهِلُ بِمَظهَرِ العَالِمِ ، وَتُلَمِّعُ المَفتُونِينَ مِمَّن استَهوَتهُمُ الشُّبهَةُ وَمَلَكَهُم بَرِيقُ الشُّهرَةِ ، فَتُبرِزُهُم بِزِيِّ العُلَمَاءِ العَارِفِينَ ، وَتَغُشُّ بِهِمُ العَامَّةَ وَالغَافِلِينَ ، وَصَدَقَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حَيثُ قَالَ : " إِنَّ اللهَ لا يَقبِضُ العِلمَ انتِزَاعًا يَنتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ ، وَلَكِنْ يَقبِضُ العِلمَ بِقَبضِ العُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لم يُبقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفتَوا بِغَيرِ عِلمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا " رَوَاهُ الشَّيخَانِ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد بَدَأَت تَظهَرُ في الآوِنَةِ الأَخِيرَةِ مَقَالاتٌ شَاذَّةٌ وَآرَّاءُ مُخَالِفَةٌ لِسَبِيلِ المُؤمِنِينَ ، تُسَمِّيهَا وَسَائِلُ الإِعلامِ فَتَاوَى لِتَكبِيرِ أَمرِهَا ، وَتُجرِي اللِّقَاءَاتِ وَالحِوَارَاتِ حَولَهَا لِتَعظِيمِ شَأنِهَا ، وَتُقَلِّبُهَا عَلَى كُلِّ جَانِبٍ لِتَمكِينِهَا في قُلُوبِ العَامَّةِ ، وَتَاللهِ مَا هِيَ بِالفَتَاوَى وَلا الفَتَاوَى مِنهَا في شَيءٍ ، بَل هِي شُذُوذَاتٌ وَشُبُهَاتٌ ، وَانحِرَافَاتٌ وَسَقَطَاتٌ ، وَوَرْطَاتٌ وَزَلاَّتٌ . وَإِنَّ مِنَ الابتِلاءِ أَن يَقَعَ بَعضُ النَّاسِ في حَيرَةٍ مِن أَمرِهِ حِينَ يَسمَعُهَا ، أَو تُؤَدِّيَ بِهِ إِلى أَن يَحقِرَ العِلمَ وَأَهلَهُ وَيَتِّهِمَهُم بِالتَّضَارُبِ ، نَاسِيًا أَو مُتَنَاسِيًا أَنَّ اللهَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ في كِتَابِهِ قَد ذَكَرَ مِثلَ هَذَا وَأَشَارَ إِلى مَا يَجِبُ عَلَى المُؤمِنِ حِيالَهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُحكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأوِيلِهِ وَمَا يعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ في العِلمِ يقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا وَمَا يذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلبَابِ " فَقَسَّمَ ـ سُبحَانَهُ ـ وَلَهُ الحِكمَةُ البَالِغَةُ كِتَابَهُ إِلى آيَاتٍ مُحكَمَاتٍ وَاضِحَاتِ الدَّلالَةِ ، لَيسَ فِيهَا شُبهَةٌ وَلا إِشكَالٌ ، وَجَعَلَهُنَّ أَصلَهُ الَّذِي يَرجِعُ إِلَيهِ كُلُّ مُتَشَابِهٍ ، وَتِلكَ الآيَاتُ هِيَ مُعظَمُهُ وَأَكثَرُهُ ، ثُمَّ جَعَلَ مِنهُ آيَاتٍ أُخَرَ مُتَشَابِهَاتٍ ، يَلتَبِسُ مَعنَاهَا عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الأَذهَانِ ، إِمَّا لِكَونِ دَلالَتِهَا مُجمَلَةً ، أَو لأَنَّهُ يتَبَادَرُ إِلى بَعضِ الأَفهَامِ غَيرُ المُرَادِ مِنهَا ، وَقَد كَانَ الوَاجِبُ عَلَى المُسلِمِ أَن يَرُدَّ المُتَشَابِهَ إِلى المُحكَمِ وَالخَفِيَّ إِلى الجَلِيِّ ، لأَنَّهُ لا سَبِيلَ لِلوُصُولِ إِلى الحَقِّ إِلاَّ هَذَا المَسلَكُ ، لِيُصَدِّقَ بَعضُ القُرآنِ بَعضًا ، وَلِئَلاَّ يَحصُلَ فِيهِ مُنَاقَضَةٌ وَلا مُعَارَضَةٌ ، وَلَكِنَّ النَّاسَ مَعَ هَذَا انقَسَمُوا إِلى فِرقَتَينِ : فِرقَةٌ زَاغَت قُلُوبُهُم وَمَالَت عَن الاستِقَامَةِ ، وَانحرَفُوا عَن طَرِيقِ الهُدَى وَالرَّشَادِ بِسَبَبِ فَسَادِ مَقَاصِدِهِم وَتَحَرِّيهِمُ الغَيَّ وَالضَّلالَ ، فَتَرَكُوا المُحكَمَ الوَاضِحَ وَذَهَبُوا إِلى المُتَشَابِهِ طَلَبًا لِفِتنَةِ مِنَ أَرَادَ اللهُ فِتنَتَهُ " وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتنَتَهُ فَلَن تَملِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيئًا " وَأَمَّا القِسمُ الثَّاني وَهُمُ الرَّاسِخُونَ في العِلمِ ، فَرَدُّوا المُتَشَابِهَ إِلى المُحكَمِ ، وَفَسَّرُوا بَعضَ القُرآنِ بِبَعضٍ وَلم يَضرِبُوا بَعضَهُ بِبَعضٍ ، لِعِلمِهِم وَيقِينِهِم أَنَّ كَلاًّ مِنَ المُحكَمِ وَالمُتَشَابِهِ مِن عِندِ رَبِّهِم ، وَمَا كَانَ مِن عِندِهِ فَلَيسَ فِيهِ تَعَارُضٌ وَلا تَنَاقُضٌ بِأَيِّ وَجهٍ مِنَ الوُجُوهِ ، بَل هُوَ مُتَّفِقٌ يُصَدِّقُ بَعضُهُ بَعضًا وَيَشهَدُ بَعضُهُ لِبَعضٍ ، وَمِن ثمَّ صَارَ أُولَئِكَ هُم أُولي الأَلبَابِ الخَالِصَةِ وَأَصحَابَ العُقُولِ الرَّاجِحَةِ ، وَصَارَ مَن سِوَاهُم مِن مُتَّبِعِي المُتَشَابِهِ هُمُ القُشُورَ الَّتي لا نَفعَ فِيهَا ، وَلِعِلمِ اللهِ ـ سُبحَانَهُ ـ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَن يَزِيغُ وَالحَقُّ بَينَ يدَيهِ أَو يَضِلُّ وَالقُرآنُ بَينَ جَنبَيهِ ، فَقَد أَخبَرَ عَنِ الرَّاسِخِينَ في العِلمِ أَنَّهُم يَدعُونَ قَائِلِينَ : " رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذْ هَدَيتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ " وَهَذَا الَّذِي جَاءَت بِهِ هَذِهِ الآيَاتُ ـ عِبَادَ اللهِ ـ قَد جَاءَ في المُتَّفَقِ عَلَيهِ مِن حَدِيثِ النُّعمَانِ بنِ بَشِيرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " الحَلالُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ ، وَبَينَهُمَا مُشتَبِهَاتٌ لا يَعلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ استَبرَأَ لِدِينِهِ وَعِرضِهِ ، وَمَن وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرعَى حَولَ الحِمَى يُوشِكُ أَن يَرتَعَ فِيهِ ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً ، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ ، أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلا وَهِي القَلبُ " أَلا فَاتَّقُوا رَبَّكُم وَتَمَسَّكُوا بِدِينِكُم ، وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ وَالزَمُوا جَمَاعَةَ المُسلِمِينَ ، وَخُذُوا بِأَقوَالِ العُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ ، وَإِيَّاكُم وَمَشَاقَّةَ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعَ غَيرِ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ " وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلىَّ وَنُصلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَت مَصِيرًا " وَاعلَمُوا أَنَّ الأَقوَالَ الشَّاذَّةَ لَن تَقِفَ عِندَ حَدٍّ وَلَن تَنتَهِيَ ، فَقَد وُجِدَت مُنذُ قُرُونٍ طَوِيلَةٍ وَظَهَرَت مُنذُ آمَادٍ بَعِيدَةٍ ، وَمَا زَالَتِ البَلوَى بها تُصِيبُ بَينَ حِينٍ وَحِينٍ ، وَمَن أَحسَنَ الظَّنَّ عَلِمَ أَنَّ كُلَّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَلم يَزَلِ العُلَمَاءُ يُصِيبُونَ وَيُخطِئُونَ ، فَمَاذَا نَحنُ فَاعِلُونَ ؟! هَل سَنَنجَرِفُ وَرَاءَ كُلِّ شُذُوذٍ وَمُخَالَفَةٍ ؟! هَل سَنَقَعُ في الفِتنَةِ عِندَ أَوَّلِ نَازِلَةٍ ؟! هَل سَنُغَيِّرُ قَنَاعَاتِنَا وَنَقتَلِعُ ثَوَابِتَنَا لأَدنى شُبهَةٍ ؟! إِنْ كُنَّا كَذَلِكَ فَبِئسَ القَومُ نَحنُ !! وَلَو أَنَّا أَخَذنَا بِزَلَّةِ كُلِّ عَالِمٍ وَانزَلَقنَا مَعَ كُلِّ طَالِبِ عِلمٍ في سَقَطَاتِهِ ، لاجتَمَعَ فِينَا الشَّرُّ كُلُّهُ ، وَلَصِرنَا عَبِيدًا لأَهوَائِنَا لا عَابِدِينَ لِرَبِّنَا ، وَقَد حَذَّرَنَا النَّاصِحُ الشَّفِيقُ مِمَّن يَأتُونَنَا بِالغَرَائِبِ وَيُحَدِّثُونَ بِشَوَاذِّ المَسائِلِ فَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يَكُونُ في آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ ، يَأتُونَكُم مِنَ الأَحَادِيثِ بما لم تَسمَعُوا أَنتُم وَلا آبَاؤُكُم ، فَإِيَّاكُم وَإِيَّاهُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ ، وَحَتَّى مَعَ إِحسَانِ الظَّنِّ بِبَعضِ مَن تَزِلُّ بِهِمُ الأَقدَامُ وَيَشِذُّونَ ، فَإِنَّ المَوقِفَ الصَّحِيحَ أَن يُحفَظَ لَهُم حَقُّهُم وَيُعرَفَ قَدرُهُم ، وَلَكِن لا يُرفَعُونَ فَوقَ مَنزِلَتِهِم وَلا يُقَرُّونَ عَلَى خَطَئِهِم ، فَإِنَّ نَبيَّ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَد قَالَ : " مَثَلُ مَا بَعَثَني اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلمِ كَمَثَلِ الغَيثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرضًا ، فَكَانَ مِنهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ المَاءَ فَأَنبَتَتِ الكَلأَ وَالعُشبَ الكَثِيرَ ، وَكَانَت مِنهَا أَجَادِبُ أَمسَكَتِ المَاءَ فَنَفَعَ اللهُ بها النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوا وَزَرَعُوا ، وَأَصَابَ مِنهَا طَائِفَةً أُخرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لا تُمسِكُ مَاءً وَلا تُنبِتُ كَلأً ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَن فَقُهَ في دِينِ اللهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَني اللهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ، وَمَثَلُ مَن لم يَرفَعْ بِذَلِكَ رَأسًا وَلم يَقبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرسِلتُ بِهِ " فَلَيسَ كُلُّ مَن حَفِظَ القُرآنَ صَارَ فَقِيهًا ، وَإِن كَانَ في الوَاقِعِ لَدَيهِ مِنَ العِلمِ مَا لَدَيهِ ، فَليُنتَبَهْ لِذَلِكَ وَلَيُؤخَذْ بِهِ ، وَليُقتَصَرْ في أَخذِ الفَتوَى عَن أَهلِهَا المَعرُوفِينَ بها ، فَبِذَلِكَ أَمَرَنَا رَبُّنَا ـ سُبحَانَهُ ـ فَقَالَ : وَمَا أَرسَلنَا مِن قَبلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيهِم فَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمُونَ . بِالبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم وَلَعَلَّهُم يتَفَكَّرُونَ " أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَخَافُوهُ وَلا تَنسَوهُ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن آخِرِ مَا زَلَّت بِهِ أَفكَارُ بَعضِ مَن نَسأَلُ اللهَ لَهُمُ الهِدَايةَ وَالرُّجُوعَ إِلى الحَقِّ ، القَولُ بِإِبَاحَةِ الغِنَاءِ وَالمَعَازِفِ ، وَبَعِيدًا عَن مُنَاقَشَةِ هَذَا القَولِ وَالدُّخُولِ في مَتَاهَاتِ الشُّبُهَاتِ ، فَهَذِهِ بَعضُ أَحَادِيثِ الصَّادِقِ المَصدُوقِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ المُحَرِّمَةِ لِلغِنَاءِ وَالمَعَازِفِ ، وَالمُحذِّرَةِ مِنَ اللَّهوِ وَالمُغَنِّينَ ، رَوَى البُخَارِيُّ عَن أَبي مَالِكٍ الأَشعَرِيِّ ـ رَضِي اللهُ عَنهُ ـ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " لَيكُونَنَّ مِن أُمَّتي أَقوَامٌ يَستَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ وَالخَمرَ وَالمَعَازِفَ " وَعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ ـ رَضِي اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " صَوتَانِ مَلعُونَانِ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ : مِزمَارٌ عِندَ نِعمَةٍ ، وَرنَّةٌ عِندَ مُصِيبَةٍ " أَخرَجَهُ البَزَّارُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَعَن عَبدِالرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ ـ رَضِي اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنِّي لم أُنْهَ عَنِ البُكَاءِ ، وَلَكِنِّي نُهِيتُ عَن صَوتَينِ أَحمَقَينِ فَاجِرَينِ : صَوتٌ عِندَ نِعمَةٍ : لَهوٌ وَلَعِبٌ وَمَزَامِيرُ الشَّيطَانُ ، وَصَوتٌ عِندَ مُصِيبَةٍ : لَطمُ وُجُوهٍ وَشَقُّ جُيُوبٍ وَرَنَّةُ شَيطَانٍ " أَخرَجَهُ الحَاكِمُ وَالبَيهَقِيُّ وَغَيرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَعَن عَبدِاللهِ بنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِي اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيَّ ـ أَو حَرَّمَ ـ الخَمرَ وَالمَيسِرَ وَالكُوبَةَ ، وَكُلُّ مُسكِرٍ حَرَامٌ " أَخرَجَهُ أَبُو دَاودَ وَأَحمَدُ وَغَيرُهُم وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي المُعجَمِ الكَبِيرِ قَالَ سُفيانُ : قُلتُ لِعَلِيِّ بنِ بُذِيمَةَ : مَا الكُوبَةُ ؟ قَالَ : الطَّبلُ . وَعَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يكُونُ في أُمَّتي قَذفٌ وَمَسخٌ وَخَسفٌ " قِيلَ : يا رَسُولَ اللهِ ، وَمَتَى ذَاكَ ؟ قَالَ : " إِذَا ظَهَرَتِ المَعَازِفُ وَكَثُرَتِ القِيَانُ وَشُرِبَتِ الخُمُورُ " أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، بَينَ حِينٍ وَآخَرَ يَقبِضُ رِجَالُ الحِسبَةِ عَلَى شَابَّينِ في خَلوَةٍ شَيطَانِيَّةٍ ، أَو يَكشِفُونَ وَكرَ دَعَارَةٍ وَمَقَرَّ فَسَادٍ خُلُقِيٍّ ، أَو تَعثُرُ السُّلُطَاتُ الأَمنِيَّةُ عَلَى لَقِيطٍ مَترُوكٍ لَدَى بَابِ مَسجِدٍ أَو مَدخَلِ مُستَشفًى أَو وَسَطَ سُوقٍ ، أَو مَرمِيٍّ بِجَانِبِ حَاوِيَةٍ أَو مُلقًى عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ ، وَاللهُ ـ تَعَالى ـ يَقُولُ : " وَلا تَقرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً " وَالعُلَمَاءُ يقُولُونَ إِنَّ الغِنَاءَ بَرِيدُ الزِّنَا ، وَإِنَّ مِنَ العَجَبِ أَن يَزعُمَ مِن يُبِيحُ الغِنَاءَ أَنَّهُ لا يَقُولُ بِإِبَاحَتِهِ إِلاَّ إِذَا كَانَ غَيرَ مُثِيرٍ لِلشَّهوَةِ ، وَيَا سُبحَانَ اللهِ !! مَتَى كَانَ الغِنَاءُ لا يُثِيرُ الشَّهَوَاتِ وَلا يَبعَثُ عَلَى الشَّوقِ إِلى لِقَاءِ النِّسَاءِ الأَجنَبِيَّاتِ ؟! مَتَى كَانَت كَلِمَاتُ الغِنَاءِ خَارِجَةً عَن ذِكرِ مَفَاتِنِ النِّسَاءِ وَتَهيِيجِ النَّاسِ عَلَى الفَوَاحِشِ ؟! هَل سَمِعتُم مُغَنِّيًا يَحُثُّ عَلَى مَكَارِمِ الأَخلاقِ وَمَحمُودِ الصِّفَاتِ ؟! هَل سَمِعتُم مُغَنِّيًا يَحُثُّ عَلَى العِفَّةِ وَالطَّهَارَةِ وَالنَّزَاهَةِ وَالابتِعَادِ عَن الخَنَا وَمَوَاطِنِ الرِّيبَةِ ؟! لا وَاللهِ ، مَا عَرَفنَا الغِنَاءَ وَالمُغَنِّينَ إِلاَّ هَائِمِينَ في أَودِيَةِ الغَيِّ وَالضَّلالَةِ ، يَصِفُونَ مَفَاتِنَ النِّسَاءِ وَيَذكُرُونَ مَحَاسِنَهُنَّ ، وَيُوقِعُونَ القُلُوبَ قَبلَ الأَعيُنِ عَلَى مَكَامِنِ الجَمَالِ في كُلِّ جُزءٍ مِن أَجسَادِهِنَّ ، وَيَصِفُونَ لَوَاعِجَ الشَّوقِ وَيَشكُونَ حَرَارَةِ الحُبِّ ، فَأَيُّ فِقهٍ هَذَا الَّذِي يَقُولُ بِهِ مَن يُبِيحُ الغِنَاءَ إِذَا لم يكُنْ يُثِيرُ الغَرَائِزَ ؟ إِنَّ مَن يَقُولُ بِهَذَا كَمَن يقُولُ لا بَأسَ بِشُربِ الخَمرِ إِذَا لم تُسكِرْ . وَتَاللهِ إِنَّهُ إِذَا كَانَتِ الخَمرُ لا تَنفَكُّ عَنِ الإِسكَارِ وَإِذهَابِ العَقلِ وَإِيقَاعِ شَارِبِهَا في الإِثمِ وَالكَبَائِرِ ، فَإِنَّ الغِنَاءَ لا يَنفَكُّ عَن إِيقَادِ نَارِ الشَّهوَةِ وَتَحرِيكِ كَوَامِنِ الغَرِيزَةِ وَصَدِّ مُستَمِعِهِ عَن ذِكرِ اللهِ وَقِرَاءَةِ القُرآنِ وَعَنِ الصَّلاةِ ، وَتَحبِيبِ الزِّنَا إِلَيهِ وَإِيقَاعِهِ في الفَوَاحِشِ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ فَإِنَّ الأُمَّةَ وَهِيَ في حَالِ حَربٍ مَعَ أَعدَائِهَا في الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ لَيسَت بِحَاجَةٍ إِلى مَن يُبِيحُ لها الغِنَاءَ وَيَفتِنُهَا بِسَمَاعِهِ ، فَيَزِيدُهَا غَفلَةً وَوَهنًا ، وَيُلبِسُهَا خُمُولاً وَضَعفًا ، بَل إِنَّ الوَاجِبَ عَلَى أَفرَادِهَا أَن يُقبِلُوا عَلَى رَبِّهِم وَيُكثِرُوا مِن ذِكرِهِ ، فَذَلِكَ أَدعَى لَطُمَأنِينَةِ نُفُوسِهِم وَأَربَطُ لِقُلُوبِهِم وَأَقرَبُ لِنَصرِهِم ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُم فِئَةً فَاثبُتُوا وَاذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري جزاك اللله الجنه لك فتره يابو عبد الرحمن لم تنقل لنا خطبه الشيخ عبد الرحمن ,,,, عسى المانع خير ونحن نترقبها دائمأ اسأل الله الكريم المنان ان يجمعنا في جنته الشيخ عبد الرحمن البصري ونعم الرجال وهذا الوقت المناسب لتحذير من الغناء والمغنين |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري جزاك الله خير يابو عبدالرحمن وجزى الشيخ البصري الف خير... |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته جزاكم الله خيرا وأثابكم على هذه الجهود |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري قصب السكر في الزواج المبكر 26/7/1431هـ أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَلْيَخشَ الَّذِينَ لَو تَرَكُوا مِن خَلفِهِم ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيهِم فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَولاً سَدِيدًا " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَا زَالَ أَعدَاءُ الإِسلامِ وَلَن يَزَالُوا يُحَارِبُونَ هَذِهِ الأُمَّةَ مَادِّيًّا وَمَعنَوِيًّا ، وَيَسعَونَ لِتَوهِينِ أَمرِهَا وَإِضعَافِ شَأنِهَا اجتِمَاعِيًّا وَاقتِصَادِيًّا " وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّى يَرُدُّوكُم عَن دِينِكُم إِنِ استَطَاعُوا " غَيرَ أَنَّ الحَربَ الَّتي تُوَجَّهُ إِلى العَقَائِدِ وَالأَخلاقِ ، بَاتَت هِيَ الحَربَ الَّتي يُرَكِّزُونَ عَلَيهَا مُنذُ عُقُودٍ ، بَعدَ أَن يَئِسُوا مِن هَزِيمَةِ المُسلِمِينَ بِقُوَّةِ السِّلاحِ القَاهِرَةِ ، أَوِ التَّغَلُّبِ عَلَيهِم بِأُسلُوبِ المُوَاجَهَةِ المُبَاشِرَةِ . لَقَد خَطَّطَ الأَعدَاءُ لِغَزوِ المُسلِمِينَ في مَبَادِئِهِم وَقِيَمِهِم وَأَخلاقِهِم ، وَجَنَّدُوا المُفَكِّرِينَ لإِحدَاثِ البَلبَلَةِ في أَوسَاطِهِم ، وَاجتَهَدُوا لتَشكِيكِهِم في الثَّوَابِتِ وَالمُسلَّمَاتِ ، الَّتي مَضَت عَلَيهَا أَجيَالُهُم وَتَوَارَثُوهَا بِالقَبُولِ وَالتَّسلِيمِ كَابِرًا عَن كَابِرٍ . وَإِنَّ مَوضُوعَ الزَّوَاجِ المُبَكِّرِ لَمِنَ المَوضُوعَاتِ الَّتي تَزَايَدَ حَولَهَا الجَدلُ في العُقُودِ المُتَأَخِّرَةِ ، حَيثُ سَعَى مُغرِضُونَ إلى تَحدِيدِ سِنٍّ لا يَجُوزُ الزَّوَاجُ قَبلَهُ ، مُحَاوِلِينَ إِقنَاعَ الأُمَّةِ بِفَوَائِدَ مَزعُومَةٍ لِتَأخِيرِ الزَّوَاجِ ، وَالإِرجَافَ بِأَنَّ ثَمَّةَ أَضرَارًا بَالِغَةً لِلتَّبكِيرِ بِهِ ، بَل وَسَعَوا إلى مَا هُوَ أَكبَرُ مِن ذَلِكَ وَأَبعَدُ أَثَرًا ، بِمُحَاوَلَةِ سَنِّ القَوَانِينِ وَفَرَضِ الأَنظِمَةِ الَّتي تَجعَلُ مِنَ الزَوَاجِ المُبَكِّرِ جَرِيمَةً في حَقِّ الإِنسَانِ وَظُلمًا لَهُ وَهَضمًا ، نَاسِينَ أَو مُتَنَاسِينَ أَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلشَّرعِ مُنَاقِضٌ لِلمَصَالِحِ الَّتي جَاءَ بهَا ، هَادِمٌ لأَهدَافِ الزَّوَاجِ في الإِسلامِ مِن أَصلِهَا ، وَهِيَ الأَهدَافُ الَّتي أَعلَنَهَا إِمَامُ الأُمَّةِ وَقُدوَتُهَا ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ بِقَولِهِ : " يَا مَعشَرَ الشَّبَابِ ، مَنِ استَطَاعَ مِنكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلبَصَرِ وَأَحصَنُ لِلفَرجِ " وَبِقَولِهِ : " تَزَوَّجُوا الوَلُودَ الوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُم " وَإِذَا كَانَ الزَّوَاجُ المُبَكِّرُ يُسَاعِدُ عَلَى تَحقِيقِ هَذِهِ الأَهدَافِ النَّبِيلَةِ وَتَحصِيلِ تِلكَ الغَايَاتِ الكَرِيمَةِ ، مِن غَضِّ الأَبصَارِ وَتَحصِينِ الفُرُوجِ ، وَتَطهِيرِ المُجتَمَعِ مِنَ الفَوَاحِشِ وَوِقَايَتِهِ مِنَ الزِّنَا ، وَتَكثِيرِ سَوَادِ الأُمَّةِ وَتَقوِيَةِ شَأنِهَا ، فَإِنَّ تَأخِيرَهُ قَد يُفَوِّتُ كُلَّ هَذِهِ المَصَالِحِ وَيُعَطِّلُهَا ، فَقَد يَقَعُ الشَبَابُ في الفَاحِشَةِ ، خَاصَّةً في هَذِهِ الأَزمِنَةِ الَّتي كَثُرَت فِيهَا دَوَاعِيهَا وَتَيَسَّرَت أَسبَابُهَا ، وَبِتَأخِيرِهِ يَقِلُّ النَّسلُ وَيَضِيعُ مَغزَى تَكثِيرِ أَفرَادِ المُجتَمَعِ ، الَّذِي هُوَ رَافِدٌ كَبِيرٌ مِن رَوَافِدِ القُوَّةِ ، وَسَبَبٌ مَتِينٌ مِن أَسبَابِ الِعزَّةِ وَالمَنَعَةِ . إِنَّنَا نَسمَعُ في مُجتَمَعِنَا اليَومَ أَصوَاتًا تُنَادِي بِتَأخِيرِ سِنِّ الزَّوَاجِ ، وَتُدَندِنُ حَولَ زَوَاجِ القُصَّرِ ، في حِينِ أَنَّهَا لا تَمَلُّ مِن مُمَارَسَةِ أَدوَارٍ خَبِيثَةٍ بِوَسَائِلَ مُضِلَّةٍ لإِيقَادِ نَارِ الشَّهَوَاتِ وَتَأَجِيجِ سُعَارِهَا ، وَمَعَ مَا نَسمَعُ وَنَرَى مِن تَزَايُدِ أَعدَادِ العَوَانِسِ في المُجتَمَعِ الإِسلامِيِّ نَتِيجَةَ تَأخِيرِ سِنِّ الزَّوَاجِ ، فَإِنَّ هَؤُلاءِ الحَمقَى يَرفَعُونَ أَصوَاتَهُم بِتَأخِيرِهِ ، مُعتَمِدِينَ عَلَى تَوصِيَاتٍ ظَالِمَةٍ وقَرَارَاتٍ مُتَعَسِّفَةٍ ، صَادِرَةٍ عَن مُؤتَمَرَاتٍ مَوبُوءَةٍ وَاجتِمَاعَاتٍ مَشبُوهَةٍ ، دَعَت إِلَيهَا أُمَمٌ كَافِرَةٌ ، وَنَظَّمَتهَا هَيئَاتٌ فَاجِرَةٌ ، وَتَرَى هَؤُلاءِ الإِعلامِيِّينَ إِذَا ظَفِرُوا بِحَالَةِ زَوَاجٍ مُبَكِّرٍ فَاشِلَةٍ أَقَامُوا الدُّنيَا وَلم يُقعِدُوهَا ، وَعَمَّمُوا الأَحكَامَ وَلم يُخَصِّصُوهَا ، عَبرَ الشِّنشِنَةِ المَعرُوفَةِ مِنهُم بِالاستِدلالِ عَلَى مَا يُرِيدُونَ وَلَو بِحَالاتٍ فَردِيَّةٍ لا تُمَثِّلُ شَيئًا يُذكَرُ ، في حِينِ أَنَّهُم يَتَعَامَونَ عَنِ تَنَاوُلِ الأَسبَابِ الحَقِيقِيَّةِ لِفَشَلِ كَثِيرٍ مِن حَالاتِ الزَّوَاجِ ، وَالَّتي قَد تَكُونُ مَادِّيَّةً أَو أُسْرِيَّةً أَو تَوعَوِيَّةً . وَإِنَّ العَاقِلَ لَيَعجَبُ أَشَدَّ العَجَبِ لِكُلِّ مَا يُبذَلُ مَن جُهُودٍ لِتَقبِيحِ صُورَةِ الزَّوَاجِ المُبَكِّرِ وَمُحَارَبَتِهِ ، بِتَلفِيقِ القَصَصِ وَنَسَجِ الحِكَايَاتِ المَكذُوبَةِ تَارَةً ، وَ وَاختِرَاعِ الأَرقَامِ وَالإِحصَاءَاتِ تَارَةً أُخرَى ، وَبِتَألِيفِ المَسرَحِيَّاتِ المُغرِضَةِ وَنَشرِ الرُّسُومَاتِ السَّاخِرَةِ ، حَتَّى وَصَلَ الحَالُ بِبَعضِهِم إلى وَصفِ المُعَارِضِينَ لِتَحدِيدِ سِنِّ الزَّوَاجِ بِأَنَّهُم خَوَارِجُ أَو مُتَشَدِّدُونَ أَو إِرهَابِيُّونَ ، وَهَذَا مِن الجَهلِ الشَّنِيعِ وَالعِنَادِ الفَضِيعِ ؛ بَل قَد يَكُونُ مِنَ المُشَاقَّةِ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَعَدَمِ اتِّبَاعِ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ ، بَل هُوَ اتِّبَاعٌ لِلكُفَّارِ عَلَى حَسَدِهِم لَنَا عَلَى النَّقَاءِ وَالطَّهَارَةِ الَّتي مَا زَالَ مُجتَمَعُنَا يَعِيشُهَا بِسَبَبِ تَسهِيلِ أُمُورِ الزَّوَاجِ وَتَيسِيرِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوَا مِن أَهلِ الكِتَابِ وَلا المُشرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيكُم مِن خَيرٍ مِن رَبِّكُم " أَمَّا السُّنَّةُ في الإِسلامِ فَقَد مَضَت بِعَدَمِ تَحدِيدِ سِنٍّ لِلزَّوَاجِ ، وَدَلَّت نُصُوصُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجمَاعُ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ زَوَاجِ الصَّغِيرَةِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِن نِسَائِكُم إِنِ ارتَبتُم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشهُرٍ وَاللاَّئِي لم يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأَحمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعنَ حَملَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا " فَذَكَرَ في الآيَةِ من أَصنَافِ النِّسَاءِ الصَّغِيرَةَ الَّتي لم تَحِضْ بَعدُ ، وَجَعَلَ عِدَّتَهَا ثَلاثَةَ أَشهُرٍ ، وَفي هَذَا دَلالَةٌ وَاضِحَةٌ مِن كِتَابِ اللهِ ـ تَعَالى ـ عَلَى صِحَّةِ زَوَاجِ الصَّغِيرَةِ الَّتي لم تَبلُغْ ، وَلَو كَانَ زَوَاجُهَا غَيرَ جَائِزٍ لَمَا ذَكَرَ لها المَولى ـ جَلَّ وَعَلا ـ عِدَّةً في كِتَابِهِ . وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَيَستَفتُونَكَ في النِّسَاءِ قُلِ اللهُ يُفتِيكُم فِيهِنَّ وَمَا يُتلَى عَلَيكُم في الكِتَابِ في يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتي لا تُؤتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالمُستَضعَفِي نَ مِنَ الوِلدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِليَتَامَى بِالقِسطِ وَمَا تَفعَلُوا مِن خَيرٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا " فَوَرَدَ في الآيَةِ ذِكرُ اليَتَامَى مِنَ النِّسَاءِ وَالرَّغبَةُ في نِكَاحِهِنَّ ، وَاليُتمُ في لُغَةِ العَرَبِ لا يُطلَقُ إلاَّ عَلَى الصَّغِيرِ غَيرِ البَالِغِ . وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِن خِفتُم أَلاَّ تُقسِطُوا في اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِن خِفتُم أَلاَّ تَعدِلُوا فَوَاحِدَةً أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم ذَلِكَ أَدنى أَلاَّ تَعُولُوا " قَالَت أَمُّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ : هِيَ اليَتِيمَةُ تَكُونُ في حَجرِ وَلِيِّهَا ، تُشَارِكُهُ في مَالِهِ ؛ فَيُعجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا ؛ فَيُرِيدُ أَن يَتَزَوَّجَهَا بِغَيرِ أَن يُقسِطَ في صَدَاقِهَا ؛ فَيُعطِيَهَا مِثلَ مَا يُعطِيهَا غَيرُهُ ؛ فَنُهُوا أَن يَنكِحُوهُنَّ إِلاَّ أَن يُقسِطُوا لَهُنَّ ، وَيَبلُغُوا بِهِنَّ أَعلَى سُنَّتِهِنَّ في الصَّدَاقِ . وَعَنهَا ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنتُ سِتِّ سِنِينَ ، وَبَنى بها وَهِيَ بِنتُ تِسعِ سِنِينَ . وَقَد زَوَّجَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ ابنَتَهُ فَاطِمَةَ بَعلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ وَعُمرُهَا خَمسَ عَشرَةَ سَنَةً وَخَمسَةُ أَشهُرٍ . وَأَخرَجَ عَبدُالرَّزَّاق ِ أَنَّ عَلَيَّ بنَ أَبي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ زَوَّجَ ابنَتَهُ أُمَّ كُلثُومٍ مِن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ وَقَد وَلَدَت لَهُ قَبلَ مَوتِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَتَزَوَّجَهَا عُمَرُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ وَهِيَ صَغِيرَةٌ لم تَبلُغْ بَعدُ . وَزَوَّجَ الزُّبَيرُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ ابنَةً لَهُ صَغِيرَةً . قَالَ الشَّافِعِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : وَزَوَّجَ غَيرُ وَاحِدٍ مِن أَصحَابِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ابنَتَهُ صَغِيرَةً . وَقَالَ النَّوَوِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : أَجمَعَ المُسلِمُونَ عَلَى جَوَازِ تَزوِيجِهِ ـ يَعنِي الأَبَ ـ ابنَتَهُ الصَّغِيرَةَ . وَقَالَ ابنُ عَبدِ البَرِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : أَجمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلأَبِ أَن يُزَوِّجَ ابنَتَهُ الصَّغِيرَةَ . وَقَالَ ابنُ المُنذِرِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : أَجمَعَ كُلُّ مَن نَحفَظُ عَنهُ مِن أَهلِ العِلمِ أَنَّ نِكَاحَ الأَبِ ابنَتَهُ الصَّغِيرَةَ جَائِزٌ إِذَا زَوَّجَهَا مِن كُفءٍ . وَقَالَ ابنُ بَطَّالٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : أَجمَعَ العُلَمَاءُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلآبَاءِ تَزوِيجُ الصِّغَارِ مِن بَنَاتِهِم وَإِنْ كُنَّ في المَهدِ ، إِلاَّ أَنَّهُ لا يَجُوزُ لأَزوَاجِهِنَّ البِنَاءُ بِهِنَّ إِلاَّ إِذَا صَلَحنَ لِلوَطءِ وَاحتَمَلْنَ الرِّجَالَ ، وَأَحوَالُهُنَّ في ذَلِكَ تَختَلِفُ في قَدرِ خَلْقِهِنَّ وَطَاقتِهِنَّ . وَقَالَ ابنُ قُدَامَةَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : وَأَمَّا الإِنَاثُ فَلِلأَبِ تَزوِيجُ ابنَتِهِ البِكرِ الصَّغِيرَةِ الَّتي لم تَبلُغْ تِسعَ سِنِينَ بِغَيرِ خِلافٍ إِذَا وَضَعَهَا في كَفَاءَةٍ . وَبِهَذَا يُعرَفُ أَنَّ تَزوِيجَ الصَّغِيرَةِ جَائِزٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجمَاعِ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ ، وَيَكفِي في ذَلِكَ زَوَاجُ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِعَائِشَةَ وَعَقدُهُ عَلَيهَا وَهِيَ ذَاتُ سَتِّ سِنِينَ ، ثُمَّ بِنَاؤُهُ بهَا وَدُخُولُهُ عَلَيهَا وَهِيَ ذَاتُ تِسعِ سِنِينَ ، إِنَّ ذَلِكَ لأَعظَمُ رَدٍّ عَلَى مَن في قَلبِهِ مَرَضٌ . وَلَكِنَّهَا مُخَطَّطَاتُ مَن قَالَ اللهُ فِيهِم : " وَيَسعَونَ في الأَرضِ فَسَادًا " وَمَن قَالَ ـ تَعَالى ـ فِيهِم : " وَدُّوا مَا عَنِتُّم قَد بَدَتِ البَغضَاءُ مِن أَفوَاهِهِم وَمَا تُخفِي صُدُورُهُم أَكبَرُ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاحرِصُوا عَلَى تَزوِيجِ أَبنَائِكُمُ وَبَنَاتِكُم " وَأَنكِحُوا الأَيَّامَى مِنكُم وَالصَّالِحِينَ مِن عِبَادِكُم وَإِمَائِكُم إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغنِهِمُ اللهُ مِن فَضلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . وَليَستَعفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغنِيَهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ وَالَّذِينَ يَبتَغُونَ الكِتَابَ مِمَّا مَلَكَت أَيمَانُكُم فَكَاتِبُوهُم إِن عَلِمتُم فِيهِم خَيرًا وَآتُوهُم مِن مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُم وَلا تُكرِهُوا فَتَيَاتِكُم عَلَى البِغَاءِ إِن أَرَدنَ تَحَصُّنًا لِتَبتَغُوا عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَمَن يُكرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِن بَعدِ إِكرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ " أَمَّا بَعدُ فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد تَبَارَى دُعَاةُ تَأخِيرِ سِنِّ الزَّوَاجِ في تَعدَادِ الأَضرَارِ الَّتي تَنشَأُ عَنِ الزَّوَاجِ المُبَكِّرِ وَبَالَغُوا فِيهَا وَضَخَّمُوهَا ، وَتَنَاوَلُوا هَذَا الأَمرَ وَكَأَنَّهُ بِدعَةٌ حَادِثَةٌ ، مُتَغَافِلِينَ عَن أَنَّ الزَّوَاجَ المُبَكِّرَ مَا زَالَ مَعرُوفًا مُنذُ أَن خَلَقَ اللهُ بَنِي آدَمَ وَأَوجَدَهُم ، وَمَعَ هَذَا لم يَتَحَدَّثِ الأَطِبَّاءُ يَوَمًا وَلا المُؤَرِّخُونَ وَلا البَاحِثُونَ عَن أَضرَارٍ بَيِّنَةٍ أَو مَفَاسِدَ مُتَحَقِّقَةٍ لِلزَّوَاجِ المُبَكِّرِ ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الهَالَةَ الَّتي يُحَاطَ بِهَا الزَّوَاجُ المُبَكِّرُ وَالتَّكَلُّفَ في عَدِّ أَضرَارِهِ وَمَفَاسِدِهِ المَزعُومَةِ ، إِنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ دِعَايَاتٍ خَالِيَةٍ مِنَ البَرَاهِينِ ، وَأَنَّ بَعضَ المَوَاقِفِ الفَردِيَّةِ الَّتي قَد تَحصُلُ هُنَا وَهُنَاكَ ، إِنَّمَا هِيَ وَقَائِعُ أَعيانٍ تَحدُثُ فِيهَا أَضرَارٌ عَارِضَةٌ ، لا يَخلُو مِنهَا حَتَّى الزَّوَاجُ المُتَأَخِّرُ في أَحيَانٍ كَثِيرَةٍ . إِنَّهُ لا حَلَّ لِمُشكِلَةِ العُنُوسَةِ الَّتي تَتَزَايَدُ نِسَبُهَا في العَالَمِ يَومًا بَعدَ يَومٍ إِلاَّ بِالتَّشجِيعِ عَلَى الزَّوَاجِ المُبَكِّرِ ؟ أَلا فَلنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلنَحذَرْ مِن هَذِهِ الدَّعَوَاتِ الغَربِيَّةِ المَاكِرَةِ ، وَلنَحرِصْ عَلَى تَسهِيلِ الزَّوَاجِ وَالتَّبكِيرِ بِهِ ، فَإِنَّهُ أَحفَظُ لأَخلاقِ الشَّبَابِ وَأَدعَى إِلى شُعُورِهِم بِالمَسؤُولِيَّ ةِ ، وَهُوَ أَفضَلُ لِصِحَّةِ الزَّوجَينِ عَامَّةً وَلِلزَّوجَةِ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ ، وَلا يَغتَرَّنَّ أَحَدٌ بمَا يُقَالُ مِن أَنَّ الزَّوَاجَ المُبَكِّرَ يَشغَلُ عَنِ التَّحصِيلِ العِلمِيِّ أَو يُلهِي عَنِ الدِّرَاسَةِ ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي دَلَّ عَلَيهِ الوَاقِعُ أَنَّ الزَّوَاجَ مَدعَاةٌ إلى سُكُونِ النَّفسِ وَطُمَأنِينَةِ القَلبِ وَرَاحَةِ الضَّمِيرِ وَقُرَّةِ العَينِ ، وَبِهِ صَفَاءُ الذِّهنِ وَنَقَاءُ الفِكرِ وَالسَّلامَةُ مِنَ القَلَقِ ، وَهِيَ الأُمُورُ الَّتي تُسَاعِدُ عَلَى زِيَادَةِ التَّحصِيلِ . وَلْنَحذَرْ مِمَّا يُقَالُ مِن أَنَّ الزَّوَاجَ المُبَكِّرَ يُحَمِّلُ الشَّابَّ مَؤُونَةَ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوجَةِ وَعَلَى الأَولادِ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِن ضَعفِ اليَقِينِ وَالثِّقَةِ بِالخَالِقِ الرَّزَّاقِ ذِي القُوَّةِ المَتِينِ ، بَل إِنَّ الزَّوَاجَ مَجلَبَةٌ لِلرِّزقِ مَدعَاةٌ لِلبَرَكَةِ ، إِذ هُوَ طَاعَةٌ للهِ وَرَسُولِهِ ، وَالطَّاعَةُ كُلُّهَا خَيرٌ وَبَرَكَةٌ ، وَمَن تَزَوَّجَ مُمتَثِلاً أَمرَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَمُتَحَرِّيًا لما وَعَدَ بِهِ مِنَ الخَيرِ وَصَدَقَت نِيَّتُهُ في اتِّبَاعِ السُّنَّةِ ، كَانَ زَوَاجُهُ سَبَبَ خَيرٍ لَهُ ، وَالأَرزَاقُ بِيَدِ اللهِ القَائِلِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَمَا مِن دَابَّةٍ في الأَرضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزقُهَا " والقَائِلِ ـ سُبحَانَهُ ـ : " نَحنُ نَرزُقُكُم وَإِيَّاهُم " وَتَاللهِ إِنَّهُ مَا حَصَلَ إِثقَالٌ بِسَبَبِ الزَّوَاجِ ذَاتِهِ ، وَلا كَانَ صِغَرُ الزَّوجَينِ دَاعِيًا لِفَشَلِ الزَّوَاجِ ، وَإِنَّمَا هُوَ ابتِعَادُ النَّاسِ عَنِ الآدَابِ الشَّرعِيَّةِ وَتَركُ السُّنَنِ النَّبَوِيَّةِ ، وَالاشتِغَالُ بِالأُمُورِ الجَانِبِيَّةِ الهَامِشِيَّةِ ، ممَّا لا عِلاقَةَ لَهَا بِإِنَجَاحِهِ مِن قَرِيبٍ وَلا بَعِيدٍ ، بَل قَد تَكُونُ هِيَ سَبَبَ فَشَلِهِ ، مِن المُغَالاةِ في المَلابِسِ وَالحُلِيِّ ، وَالإِسرَافِ في الوَلائِمِ وَالأَطعِمَةِ ، وَالتَّفَاخُرِ في الدَّعَوَاتِ وَالمَحَافِلِ ، أَلا فَرَحِمَ اللهُ امرَأً بَكَّرَ بِالزَّوَاجِ وَعَمِلَ فِيهِ بِالسُّنَّةِ ، فَأَحسَنَ الاختِيَارَ وَيَسَّرَ ، وَتَوَاضَعَ وَلم يَتَكَبَّرْ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِذَا أَتَاكُم مَن تَرضَونَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلاَّ تَفعَلُوا تَكُنْ فِتنَةٌ في الأَرضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " الدُّنيَا مَتَاعٌ ، وَخَيرُ مَتَاعِهَا المَرأَةُ الصَّالِحَةُ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " تُنكَحُ المَرأَةُ لأَربَعٍ : لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا ، فَاظفَرْ بِذَاتِ الدَّينِ تَرِبَت يَدَاكَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ مِن يُمنِ المَرأَةِ تَيسِيرَ خِطبَتِهَا وَتَيسِيرَ صَدَاقِهَا وَتَيسِيرَ رَحِمِهَا " وَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ : أَلا لا تَغلُوا صُدُقَ النِّسَاءِ ، فَإِنَّهُ لَو كَانَ مَكرُمَةً في الدُّنيَا أَو تَقوَى عِندَ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ كَانَ أَولاكُم بِهِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مَا أَصدَقَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ امرَأَةً مِن نِسَائِهِ وَلا أُصدِقَتِ امرَأَةٌ مِن بَنَاتِهِ أَكثَرَ مِن ثِنتَي عَشرَةَ أُوقِيَّةً ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُغلِي بِصَدَقَةِ امرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ في نَفسِهِ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري حظيرة القدس في وليمة العرس 4/8/1431هـ أَمَّا بَعدُ فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " أَيُّهَا المُسلِمونَ ، في الإِجَازَاتِ الصَّيفِيَّةِ تَكثُرُ مُنَاسَبَاتُ الزَّوَاجِ ، وَتُقَامُ لَهَا الوَلائِمُ وَالمَحَافِلُ ، وَيُعزَمُ فِيهَا عَلَى المَرءِ بِالحُضُورِ ، فَتَرَى أَحَدَنَا في حَيرَةٍ مِن أَمرِهِ لِكَثرَةِ مَا يَصِلُ إِلَيهِ مِن دَعَوَاتٍ ، يُسَائِلُ نَفسَهُ : هَل أَنَا مُلزَمٌ بِإِجَابَةِ كُلِّ هَذِهِ الدَّعَوَاتِ وَتَتَبُّعِهَا وَلَو بَعُدت عَلَيَّ وَشَقَّت ؟ أَم أَقتَصِرُ عَلَى إِجَابَةِ الأَقَارِبِ وَالجِيرَانِ وَالزُّمَلاءِ وَالأَصدِقَاءِ ؟ أَم أَترُكُهَا كُلَّهَا وَأَستَرِيحَ مِنَ العَنَاءِ ؟ وَلأَنَّ الوَلِيمَةَ في الزَّوَاجِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَإِجَابَتَهَا وَاجِبَةٌ ، كَانَ هَذَا الأَمرُ مِمَّا يَجِبُ عَلَى المُسلِمِ أَن يَقِفَ فِيهِ عَلَى بَعضِ مَا يُهِمُّهُ مِن أَحكَامٍ ؛ لِيَسِيرَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ ، وَلِيَكُونَ في إِجَابَتِهِ أَوِ امتِنَاعِهِ عَلَى هُدًى ، فَيَكسِبَ الأَجرَ وَالثَّوَابَ إِنْ حَضَرَ ، وَيَتَخَلَّصَ مِنَ الإِثمِ وَالوِزرِ إِن هُوَ امتَنَعَ . عَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَن النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ رَأَى عَلَى عَبدِالرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ أَثَرَ صُفرَةٍ ، فَقَالَ : " مَا هَذَا ؟ " قَالَ : إِنِّي تَزَوَّجتُ امرَأَةً عَلَى وَزنِ نَوَاةٍ مِن ذَهَبٍ . قَالَ : " بَارَكَ اللهُ لَكَ ، أَولِمْ وَلَو بِشَاةٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَعَن بُرَيدَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : لَمَّا خَطَبَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّهُ لا بُدَّ لِلعُرسِ مِن وَلِيمَةٍ " وَعَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : أَقَامَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بَينَ خَيبَرَ وَالمَدِينَةِ ثَلاثَ لَيَالٍ يُبنَى عَلَيهِ بِصَفِيَّةَ ، فَدَعَوتُ المُسلِمِينَ إِلى وَلِيمَتِهِ ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِن خُبزٍ وَلا لَحمٍ ، وَمَا كَانَ فِيهَا إِلاَّ أَن أَمَرَ بِالأَنطَاعِ فَبُسِطَت ، فَأُلقِيَ عَلَيهَا الَتَّمرُ وَالأَقِطُ وَالسَّمنُ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَعَن صَفِيَّةَ بِنتِ شَيبَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : أَوَلَمَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى بَعضِ نِسَائِهِ بِمُدَّينِ مِن شَعِيرٍ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ . فَهَذِهِ الجُملَةُ مِنَ الأَحَادِيثِ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ تَدُلُّ عَلَى مَشرُوعِيَّةِ إِقَامَةِ الوَلِيمَةِ لِلزَّوَاجِ ، شُكرًا للهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَإِظهَارًا لِلفَرَحِ وَالسُّرُورِ ، إِذِ الزَّوَاجُ مِن نِعَمِ اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ الَّتي يُفرَحُ بها وَتُشكَرُ ، بِهِ تَنعَقِدُ الأَوَاصِرُ بَينَ الأُسَرِ ، وَتَقوَى العِلاقَاتُ بَينَ البُيُوتِ ، وَيَبقَى النَّسلُ البَشَرِيُّ وَيُحفَظُ النَّوعُ الإِنسَانيُّ ، وَبِهِ يَقضِي كُلٌّ مِنَ الزَّوجَينِ وَطَرَهُ في الحَلالِ ، فَتُغَضُّ الأَبصَارُ وَتُحَصَّنُ الفُرُوجُ ، وَتَكثُرُ الأُمَّةُ وَيَقوَى شَأنُهَا وَيَعِزُّ جَانِبُهَا ، وَمِن ثَمَّ كَانَ مِن شُكرِ اللهِ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ أَن يُولِمَ صَاحِبُهَا وَيَدعُوَ إِلَيهَا . وَلأَنَّ بَعضَ النَّاسِ قَد يَصعُبُ عَلَيهِ الأَمرُ وَيُكَلِّفُهُ فَوقَ طَاقَتِهِ ، فَإِنَّ مِن كَرِيمِ الأَخلاقِ وَنَبِيلِ الصِّفَاتِ أَن يُعَانَ المتَزَوِّجُ مِمَّن حَولَهُ مِن ذَوِي القُدرَةِ وَاليَسَارِ ، وَأَن يُشَارِكَهُ أَهلُ الخَيرِ وَالسَّعَةِ في إِقَامَةِ وَلِيمَتِهِ ، وَهُوَ الأَمرُ الَّذِي كَانَ عَلَيهِ المُسلِمُونَ وَمَا زَالوا مُنذُ صَدرِ الإِسلامِ وَإِلى اليَومِ بِحَمدِ اللهِ ، فَعَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ في قِصَّةِ زَوَاجِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِأُمِّ المؤمِنِينَ صَفِيَّةَ : حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتهَا لَهُ أُمُّ سُلَيمٍ فَأَهدَتهَا لَهُ مِنَ اللَّيلِ ، فَأَصبَحَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَرُوسًا فَقَالَ : " مَن كَانَ عِندَهُ شَيءٌ فَليَجِئْ بِهِ " قَالَ وَبَسَطَ نِطَعًا . قَالَ : فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالأَقِطِ ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمرِ ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمنِ ، فَحَاسُوا حَيسًا ، فَكَانَت وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ . وَأَمَّا إِجَابَةُ الدَّعوَةِ ـ أَيُّهَا المُسلِمونَ ـ فَهِيَ وَاجِبَةٌ ، جَعَلَهَا النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مِن حَقِّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ ، وَأَمَرَ بِإِجَابَتِهَا وَلَو صَغُرَت وَقَلَّ فِيهَا الطَّعَامُ ، وَأَجَابَهَا بِنَفسِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " حَقُّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ سِتٌّ : إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيهِ ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ ، وَإِذَا استَنصَحَكَ فَانصَحْ لَهُ ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتْهُ ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُم إِلى الوَلِيمَةِ فَلْيَأتِهَا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَفي رِوَايَةٍ لِمُسلِمٍ : " فَليُجِبْ ، عُرسًا كَانَ أَو نَحوَهُ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " فُكُّوا العَانِيَ ، وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ ، وَعُودُوا المَرِيضَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَمَن لم يُجِبِ الدَّعوَةَ فَقَد عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لَو دُعِيتُ إِلى ذِرَاعٍ أَو كُرَاعٍ لأَجَبتُ ، وَلَو أُهدِيَ إِليَّ ذِرَاعٌ أَو كُرَاعٌ لَقَبِلتُ " قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : وَفي الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى حُسنِ خُلُقِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَتَوَاضُعِهِ وَجَبرِهِ لِقُلُوبِ النَّاسِ ، وَعَلَى قَبُولِ الهَدِيَّةِ وَإِجَابَةِ مَن يَدعُو الرَّجُلَ إِلى مَنزِلِهِ وَلَو عَلِمَ أَنَّ الَّذِي يَدعُوهُ إِلَيهِ شَيءٌ قَلِيلٌ ... وَفِيهِ الحَضُّ عَلَى المُوَاصَلَةِ وَالتَّحَابِّ وَالتَّآلُفِ ، وَإِجَابَةِ الدَّعوَةِ لِمَا قَلَّ أَو كَثُرَ ، وَقَبُولِ الهَدِيَّةِ كَذَلِكَ . وَقَالَ ابنُ عَبدِ البَرِّ ـ رَحمَهُ اللهُ ـ : لا خِلافَ في وُجُوبِ الإِجَابَةِ إِلى الوَلِيمَةِ لِمَن دُعِيَ إِلَيهَا إِذَا لم يَكُنْ فِيهَا لَهوٌ . وَقَد جَعَلَ العُلَمَاءُ لِوُجُوبِ إِجَابَةِ الدَّعوَةِ شُرُوطًا ، مِنهَا : أَن يَكُونَ الدَّاعِي مُسلِمًا مكَلَّفًا حُرًّا رَشِيدًا ، وَأَلاَّ يَخُصَّ بِدَعوَتِهِ الأَغنِيَاءَ دُونَ الفُقَرَاءِ ، وَأَلاَّ يَسبِقَهُ غَيرُهُ ، فَمَن سَبَقَ تَعَيَّنَت إِجَابَتُهُ دُونَ الآخَرِ . وَأَلاَّ يَكُونَ هُنَاكَ مَا يَتَأَذَّى بِحُضُورِهِ مِن مُنكَرٍ وَغَيرِهِ ، وَأَلاَّ يَكُونَ لَهُ عُذرٌ مِن بُعدِ طَرِيقٍ وَمَشَقَّةٍ . وَلَيسَ مِن شَرطِ إِجَابَةِ الدَّعوَةِ أَن يَأكُلَ ، بَل يَجِبُ عَلَيهِ الحُضُورُ ، فَإِن شَاءَ أَكَلَ وَإِن شَاءَ تَرَكَ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُم إِلى طَعَامٍ فَليُجِبْ ، وَإِن شَاءَ طَعِمَ وَإِن شَاءَ تَرَكَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . بَل حَتَّى الصَّائِمُ عَلَيهِ إِجَابَةُ الدَّعوَةِ ؛ لِحَدِيثِ أَبى سَعِيدٍ الخُدرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : " صَنَعَتُ لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ طَعَامًا فَأَتَاني هُوَ وَأَصحَابُهُ ، فَلَمَّا وُضِعَ الطَّعَامُ قَالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ : إِنِّي صَائِمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : دَعَاكُم أَخُوكُم وَتَكَلَّفَ لَكُم " ثُمَّ قَالَ لَهُ : " أَفطِرْ وَصُمْ مَكَانَهُ يَومًا إِن شِئتَ " وَهَذَا الأَمرُ مِنهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ لِذَلِكَ الرَّجُلِ بِالإِفطَارِ وَالأَكلِ لَيسَ لِلوُجُوبِ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الاستِحبَابِ تَطيِيبًا لِخَاطِرِ الدَّاعِي ؛ لِقَولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في الحَدِيثِ الآخَرِ : " إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُم فَليُجِبْ ، فَإِن كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ ـ أَي فَلْيَدعُ ـ ، وَإِن كَانَ مُفطِرًا فَليَطعَمْ " وَعَلَى مَن حَضَرَ الدَّعوَةَ أَن يَدعُوَ لِصَاحِبِهَا بِالبَرَكَةِ ؛ لِحَدِيثِ عَبدِاللهِ بنِ بُسرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ أَبَاهُ صَنَعَ طَعَامًا لِلنَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَدَعَاهُ فَأَجَابَهُ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِن طَعَامِهِ قَالَ : "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُم فِيمَا رَزَقتَهُم وَاغفِرْ لَهُم وَارحَمْهُم " وَفي حَدِيثٍ آخَرَ : "اللَّهُمَّ أَطعِمْ مَن أَطعَمَني وَأَسقِ مَن أَسقَاني " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مِمَّا يَحسُنُ بِصَاحِبِ الوَلِيمَةِ أَن يَدعُوَ لِوَلِيمَتِهِ الصَّالِحِينَ ، لِقَولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤمِنًا ، وَلا يَأكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ " وَلِقَولِهِ في دُعَائِهِ لِمَن أَطعَمَهُ : " أَفطَرَ عِندَكُمُ الصَّائِمونَ ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبرَارُ ، وَصَلَّت عَلَيكُمُ المَلائِكَةُ " وَأَمَّا أَن يُخَصَّ الأَغنِيَاءُ وَالوُجَهَاءُ بِالدَّعوَةِ ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا نُهِيَ عَنهُ ، لِقَولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ يُمنَعُهَا مَن يَأتِيهَا وَيُدعَى إِلَيهَا مَن يَأبَاهَا " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمونَ ـ وَاحرِصُوا عَلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ في كُلِّ شُؤُونِكُمُ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ " لَقَد كَانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا " أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ تَقوَاهُ ، وَاستَعِدُّوا بِالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ لِيَومِ لِقَاهُ . أَيُّهَا المسلِمونَ ، رَوَى البُخَارِيُّ وَمسلِمٌ عَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَوَلَمَ عَلَى امرَأَةٍ مِن نِسَائِهِ مَا أَولَمَ عَلَى زَينَبَ ، فَإِنَّهُ ذَبَحَ شَاةً . قَالَ : أَطعَمَهُم خُبزًا وَلَحمًا حَتَّى تَرَكُوهُ ... هَل تَأَمَّلتُم هَذَا الخَبَرَ الصَّحِيحَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَفقِهتُمُوهُ ؟ إِنَّهُ لَخَبَرٌ عَجَبٌ حَقًّا ، رَسُولُ اللهِ محَمَّدُ بنُ عَبدِاللهِ ، إِمَامُ المُرسَلِينَ وَقَائِدُ الأُمَّةِ وَخَيرُ الخَلقِ ، أَكرَمُ النَّاسِ وَأَجوَدُهُم ، يُولِمُ في زَوَاجِهِ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ ، نَعَم ، شَاةٌ وَاحِدَةٌ ، وَيُشبِعُهُم خُبزًا وَلَحمًا وَيَنتَهِي الأَمرُ . وَقَد كَانَ هَذَا هُوَ أَكثَرَ مَا أَولَمَ بِهِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلامِ صَاحِبِهِ وَخَادِمِهِ وَالمُطَّلِعِ عَلَى الدَّقِيقِ وَالجَلِيلِ مِن أَحوَالِهِ ، وَبَعدُ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَلْنُوَازِنْ بَينَ هَذَا الهَديِ النَّبَوِيِّ الكَرِيمِ ، وَبَينَ مَا عَلَيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اليَومَ ، حَيثُ يُسرِفُونَ في الوَلائِمِ أَيَّمَا إِسرَافٍ ، وَيُبَالِغُونَ في الأَطعِمَةِ أَيَّمَا مُبَالَغَةٍ ، حَتَّى تَمتَلِئَ الحَاوِيَاتُ مِن مُخَلَّفَاتِ وَلائِمِهِم ، بل وَلا تَجِدُ الجَمعِيَّاتُ مَكَانًا تَضَعُ فِيهِ هَذَا الفَائِضَ مِنَ الطَّعَامِ ، ثُمَّ يَرَى أُولَئِكَ المُسرِفُونَ أَنَّ هَذَا هُوَ الكَرَمُ ، وَمَن فَعَلَ مِثلَهُ فَبَيَّضَ اللهُ وَجهَهُ ، وَمَن لم يَفعَلْ فَحَقُّهُ السَّوَادُ وَالذَّمُّ ، فَوَا عَجَبًا مِنِ انقِلابِ المَفَاهِيمِ وَانتِكَاسِ الفِطَرِ ، لا يُرَى الرَّجُلُ كَرِيمًا حَتَّى يَعصِيَ رَبَّهُ وَيَكفُرَ نِعمَةَ خَالِقِهِ وَيُخَالِفَ هَديَ نَبِيِّهِ وَيُسرِفَ وَيُبَاهِيَ !! إِنَّهَا لِجُرأَةٌ عَجِيبَةٌ أَن يَدَّعِيَ أَحَدٌ أَنَّهُ أَكرَمُ مِن رَسُولِ اللهِ ، وَمَن ذَا الَّذِي يَزعُمُ أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أَوَلَمَ بِشَاةٍ بُخلاً مِنهُ أَو تَركًا لِمَا هُوَ أَولى بِهِ ؟ حَاشَاهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أَن يَبخَلَ وَهُوَ الكَرِيمُ الجَوَادُ ، الَّذِي لم يَكُن يَومًا مَا بَخِيلاً وَلا مُبَخَّلاً ، وَلَكِنَّنَا حِينَ نَتَأَمَّلُ قَولَ أَنَسٍ : أَطعَمَهُم خُبزًا وَلَحمًا حَتَّى تَرَكُوهُ ، وَنُقَارِنُهُ بِأَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ لم يَذبَحْ إِلاَّ شَاةً وَاحِدَةً ، يَظهَرُ لَنَا بِوُضُوحٍ وَجَلاءٍ أَنَّ مَقصُودَهُ لم يَكُنِ المُفَاخَرَةَ وَلا المُكَاثَرَةَ ، وَإِنَّمَا إِطعَامُ صَحَابَتِهِ وَإِشبَاعُهُم شُكَرًا لِرَبِّهِ ، فَهَل هَذَا هُوَ حَالُ مَن يَذبَحُونَ النَّعَمَ في هَذِهِ الأَيَّامِ وَيُبَدِّدُونَ النِّعَمَ ؟ هَل قَصدُهُم إِشبَاعُ البُطُونِ أَم إِشبَاعُ العُيُونِ ؟ إِنَّ مِثلَ هَؤُلاءِ حَرِيُّونَ بِأَلاَّ يُجَابُوا وَلا يُؤكَلَ طَعَامُهُم ، بَل حَقُّهُم أَن يُهجَرُوا ويُقَاطَعُوا ، حَتَّى يَعُودُوا إِلى رُشدِهِم وَيَحفَظُوا نِعمَةَ رَبِّهِم ، جَاءَ في الحَدِيثِ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " المُتَبَارِيَان ِ لا يُجَابَانِ ، وَلا يُؤكَلُ طَعَامُهُمَا " قَالَ المَنَاوِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : " المُتَبَارِيَان ِ " أَي المُتَعَارِضَان ِ بِفِعلِهِمَا في الطَّعَامِ ، لِيُمَيَّزَ أَيُّهُمَا يَغلِبُ " لا يُجَابَانِ وَلا يُؤكَلُ طَعَامُهُمَا " تَنزِيهًا ، فَتُكرَهُ إِجَابَتُهُمَا وَأَكلُهُ ، لِمَا فِيهِ مِنَ المُبَاهَاةِ وَالرِّيَاءِ ، وَلِهَذَا دُعِيَ بَعضُ العُلَمَاءِ لِوَلِيمَةٍ فَلَم يُجِبْ ، فَقِيلَ لَهُ : كَانَ السَّلَفُ يُجِيبُونَ . قَالَ : كَانُوا يُدعَونَ لِلمُؤَاخَاةِ وَالمؤَاسَاةِ ، وَأَنتُم تُدعَونَ لِلمُبَاهَاةِ وَالمكَافَأَةِ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلْنَحرِصْ عَلَى السُّنَّةِ وَحِفظِ النِّعمَةِ وَشُكرِ المُنعِمِ ـ سُبحَانَهُ ـ وَلْنَحذَرْ مِنَ الكُفرِ بِأَنعُمِ اللهِ لِئَلاَّ تَنَالَنَا عُقُوبَتُهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيهَا رِزقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بما كَانُوا يَصنَعُونَ . وَلَقَد جَاءَهُم رَسُولٌ مِنهُم فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ العَذَابُ وَهُم ظَالِمُونَ . فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشكُرُوا نِعمَةَ اللهِ إِن كُنتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ " |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري جزاك الله الف خير ورزقك بزوجه اخرى صالحه وكثر الله من امثالك جهودك واضحه ,, اسأل الله ان يجمعنا واياك في جنه عرضها كـ عرض السموات والارض امين |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري ردع العائل عن شواذ المسائل 11/8/1431هـ أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، خَلَقَ اللهُ النَّاسَ لِعِبَادَتِهِ كَمَا قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ " وَإِنَّ لِلعِبَادَةِ شَرطَينِ لا بُدَّ مِن تَحَقُّقِهِما لِتُقبَلَ وَيُؤجَرَ العَبدُ عَلَيهَا ، أَوَّلُهُمَا الإِخلاصُ للهِ دُونَ سِوَاهُ ، وَثَانِيهِمَا المُتَابَعَةُ لِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَالَّتَمَسُّكُ بما جَاءَ بِهِ ، وَلِهَذَا جَاءَ الحَثُّ عَلَى التَّفَقُّهِ في الدِّينِ ، وَجُعِلَ فِقهُ المَرءِ في الدِّينِ مِن إِرَادَةِ اللهِ بِهِ الخَيرَ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ " وَلأَنَّ التَفَقُّهَ في الدِّينِ قَد لا يَسَعُ كُلَّ أَحَدٍ وَلا يَستَطِيعُهُ كُلُّ مُكَلَّفٍ ، كَانَ المُؤمِنُ مُلزَمًا بِسُؤَالِ العُلَمَاءِ عَمَّا لا يَعلَمُهُ ، وَاستِفتَائِهِم فِيمَا أَشكَلَ عَلَيهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمُونَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّمَا شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالُ " وَإِنَّهُ مَا أَرَادَ المُستَفتي بِاستِفتَائِهِ مَعرِفَةَ الحَقِّ وَالعَمَلَ بِهِ ، وَلا حَرِصَ عَلَى سُؤَالِ مَن يَعلَمُ أَو يَغلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَهلٌ لِلفَتوَى ، ثُمَّ انتَبَهَ لِجَوَابِ المُفتي وَفَهِمَهُ فَهمًا وَاضِحًا فَأَخَذَ بِهِ ، إِلاَّ هُدِيَ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ ، وَمَا طَلَبَ أَحَدٌ الرُّخَصَ وَتَتَبَّعَ زَلاَّتِ العُلَمَاءِ ، وَاشتَغَلَ بِشَوَاذِّ المَسَائِلِ وَمُفرَدَاتِهَا ، وَجَعَلَ حَاكِمَهُ هَوَى نَفسِهِ وَشَهوَتَهَا ، إِلاَّ ضَلَّ وَتَزَندَقَ وَخَلَعَ رِبقَةَ الإِسلامِ مِن عُنُقِهِ . وَقَد كَانَ المُسلِمُونَ عَلَى مَرِّ عُصُورِهِم عَلَى نَهجٍ كَرِيمٍ ، يَطلُبُونَ فِيهِ الحَقَّ فَيَلزَمُونَهُ ، وَيَتَحَرَّونَ الصَّوَابَ فَيَأخُذُونَ بِهِ ، حَرِيصِينَ عَلَى أَن يَعبُدُوا رَبَّهُم عَلَى عِلمٍ وَبَصِيرَةٍ ، مُتَحَرِّينَ لما يُرضِيهِ وَلَو خَالَفَ مُشتَهَى نُفُوسِهِم ، وَمَا زَالُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى غَشَتِ النَّاسَ في السَّنَوَاتِ المُتَأَخِّرَةِ غَوَاشٍ مِن جَهلٍ وَاتِّبَاعِ هَوَىً وَقِلَّةِ دِيَانَةٍ ، وَإِخلادٍ لِلدُّنيَا وَنِسيَانٍ لِلآخِرَةِ ، فَضَعُفَ لَدَيهِمُ استِشعَارُ المَسؤُولِيَّةِ ، وَظَهَرَ مِنهُم التَّهَاوُنُ بِالأَمَانَةِ ، فَتَسَرَّعُوا في تَلَقُّفِ الفَتَاوَى الشَّاذَّةِ ، وَتَهَاوَنُوا بِقَبُولِ الأَقوَالِ الفَاذَّةِ ، وَتَسَاهَلُوا بِاتِّبَاعِ مَن يَقُولُ عَلَى اللهِ بِغَيرِ عِلمٍ ، وَتَمَادَوا في اختِيَارِ مَا تَمِيلُ إِلَيهِ نُفُوسُهُم ، وَارتَاحُوا لما تُملِيهِ عَلَيهِم شَهَوَاتُهُم ، وَبَدَلاً مِن أَن تَحكُمَ الشَّرِيعَةُ أَهوَاءَهُم وتُهَذِّبَهَا ، انقَلَبَتِ المَوَازِينُ لَدَى بَعضِهِم رَأسًا عَلَى عَقِبٍ ، وَصَارُوا يُحَكِّمُونَ أَهوَاءَهُم في مَسَائِلِ الخِلافِ ؛ فَيَأخُذُونَ أَهوَنَ الأَقوَالِ وَأَيسَرَهَا عَلَى نُفُوسِهِم ، دُونَ استِنَادٍ إِلى دَلِيلٍ شَرعِيٍّ وَلا حُجَّةٍ وَاضِحَةٍ ؛ بَل تَقلِيدًا لِمَن زَلَّ من العُلَمَاءِ ، أَوِ استِئنَاسًا بِتَخلِيطِ مَن ضَلَّ مِنَ الأَدعِيَاءِ ، بَل وَصَلَ الحَالُ بِبَعضِ هَؤُلاءِ إِلى أَنَّ يَتَّخِذَ لِنَفسِهِ مَذهَبًا يَقُومُ عَلَى التَّلفِيقِ بَينَ آرَاءِ الفُقَهَاءِ وَالتَّرقِيعِ بَينَ أَقوَالِ العُلَمَاءِ ، فَإِذَا طُوَلِبَ بِالدَّلِيلِ الرَّاجِحِ وَحُجَجِ الشَّرعِ الوَاضِحَةِ ، تَنَصَّلَ مِن ذَلِكَ بِإِلقَاءِ المَسؤُولِيَّةِ عَلَى مَن أَفتَاهُ ، وَرَمَى بِكَامِلِ العُهدَةَ عَلَيهِ ، مُعتَقِدًا أَنَّ قَولَ ذَلِكَ المُفتي سَيَكُونُ حَجَّةً لَهُ يَومَ القِيَامَةِ بَينَ يَدَي رَبِّهِ . وَقَد زَادَ في انتِشَارِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ أَمرَانِ : أَوَّلُهُمَا كَثرَةُ المُفتِينَ في الفَضَائِيَّاتِ وَمَوَاقِعِ الشَّبَكَةِ العَالَمِيَّةِ ، مِمَّن جَهِلُوا أَو تَسَاهَلُوا ، فَنَشَرُوا الفَتَاوَى الشَّاذَّةَ وَالرُّخَصَ المُخَالِفَةَ ؛ وَثَانِيهِمَا فَرِيقٌ مَفتُونٌ مِن أَهلِ الأَهوَاءِ ، مِمَّن يَتَكَلَّمُونَ بِأَلسِنَتِنَا وَيَكتُبُونَ في صُحُفِنَا ، حَمَلُوا أَفكَارًا غَرِيبَةً ، وَانتَحَلُوا تَوَجُّهَاتٍ مُرِيبَةً ، اِنبَهَرُوا بِالحضَارَةِ الغَربِيَّةِ الكَافِرَةِ ، وَأَرَادُوَا نَقلَهَا لَنَا بِعُجَرِهَا وَبُجَرِهَا ، فَهَجَمُوا عَلَى كُلِّ شَيءٍ في الدِّينِ أُصُولاً وَفُرُوعًا ، وَتَجرَّؤُوا عَلَى العِلمِ وَهَجَمُوا عَلَى العُلَمَاءِ ؛ فأَهمَلُوا أُصُولاً وَأَحدَثُوا فُصُولاً ، وَجَاؤُوا بِمَنهَجٍ جَدِيدٍ سَمَّوهُ حُرِّيَّةَ الرَّأيِ وَالفَتوَى ، وَمَا هُوَ إِلاَّ الأَخذُ بِالرُّخَصِ وَالتَتَبُّعُ لِلشَّوَاذِّ . وَإِنَّ المُسلِمِينَ وَقَد رَضُوا بِاللهِ رَبًّا وَبِالإِسلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ نَبِيًّا رَسُولاً ، إِنَّهُم لَمُطَالَبُونَ بِالتَّحَاكُمِ إِلى كِتَابِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في جَمِيعِ مَسَائِلِ ، مُلزَمُونَ بِالتَّسلِيمِ وَالانقِيَادِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، لا إِيمَانَ لَهُم بِغَيرِ ذَلِكَ ، وَلا بَرَاءَةَ لِذِمَمِهِم إِلاَّ بِجَعلِهِ طَرِيقًا لهم وَمَنهَجًا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " فَإِنْ تَنَازَعتُم في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً " وَإِنَّ مِنَ الأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ في هَذَا الشَّأنِ اعتِبَارَ فَهمِ السَّلَفِ الصَّالِحِ لِنُصُوصِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَعَدَمَ التَّطَاوُلِ عَلَيهِ أَو التَّقلِيلِ مِن شَأنِهِ ؛ فَهُمُ السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ وَهُم خَيرُ القُرُونِ ، لُغَتُهُم أَفصَحُ اللُّغَاتِ ، وَلَهجَتُهُم أَصدَقُ اللَّهَجَاتِ ، وَفَهمُهُم خَيرُ الفُهُومِ وَأَزكَاهَا ، هُمُ الَّذِينَ عَاصَرُوا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَعَايَشُوا نُزُولَ الوَحيِ بَينَ يَدَيهِ ، وَفَقِهُوا الدِّينَ وَعَرَفُوا مَقَاصِدَ التَّشرِيعِ ، وَسَارُوا عَلَيهِ في حَيَاتِهِم وَمَنهَجِهِم وَسُلُوكِهِم ، وَزَكَّاهُمُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِم وَالتَّمَسُّكِ بها فَقَالَ : " خَيرُكُم قَرني ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم " وَقَالَ : " فَعَلَيكُم بِسُنَّتي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيِّينَ مِن بَعدِي ، تَمَسَّكُوا بها وَعَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمُورِ ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدعَةٍ ضَلالَةٌ " وَأَمرٌ آخَرُ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ ذَلِكُم هُوَ اعتِبَارُ حُجِّيَّةِ الإِجمَاعِ وَعَدَمُ خَرَقِهِ أَوِ التَّقلِيلِ مِن شَأنِهِ ، كَيفَ وَقَدِ استَقَرَّ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لا تَجتَمِعُ عَلَى ضَلالَةٍ ؛ قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلىَّ وَنُصلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَت مَصِيرًا " وَأَمَّا ثَالِثَةُ الأَثَافي لِمَن أَرَادَ الحَقَّ وَابتَغَى لِنَفسِهِ النَّجَاةَ ، فَهِيَ الرُّجُوعُ في المَسَائِلِ المُتَنَازَعِ فِيهَا إِلى العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّي نَ ، المَشهُودِ لَهُم بِالعِلمِ وَالتَّقوَى ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم وَلَولا فَضلُ اللهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ لاتَّبَعتُمُ الشَّيطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " فَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمُونَ . بِالبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ " وَأَمَّا تَتَبُّعُ الرُّخَصِ وَجَعَلُهَا دِينًا وَدَيدَنًا ، بِأَن يَختَارَ المَرءُ مِن كُلِّ مَذهَبٍ مَا هُوَ الأَهوَنُ عَلَيهِ دُونَ عِلمٍ وَلا نَظَرٍ وَلا فِقهٍ ، وَلا دَافِعٍ مِن قُوَّةِ الدَّلِيلِ أَو صَادِقِ البَرَاهِينِ ؛ بَل تَشَهِّيًّا وَجَهلاً ، وَرَغبَةً في اتِّبَاعِ الأَيسَرِ وَالأَخَفِّ عَلَى النَّفسِ ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ التَّرَخُّصُ المَذمُومُ ؛ الَّذِي اشتَدَّ نَكِيرُ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّي نَ عَلَى مَن قَالَ بِهِ أَو فَعَلَهُ . قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ : ثَلاثَةٌ يَهدِمنَ الدِّينَ : زَلَّةُ العَالِمِ ، وَجِدَالُ المُنَافِقِ ، وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ . وَقَالَ سُلَيمَانُ التَّيمِيُّ : لَو أَخَذتَ بِرُخصَةِ كُلِّ عَالِمٍ اجتَمَعَ فَيكَ الشَّرُّ كُلُّهُ . وَقَالَ إِبرَاهِيمُ بنُ أَبي عُلَيَّةَ : مَن تَبِعَ شَوَاذَّ العِلمِ ضَلَّ . وَقَالَ الإِمَامُ الأَوزَاعِيُّ : مَن أَخَذَ بِنَوَادِرِ العُلَمَاءِ خَرَجَ مِن الإِسلامِ . وَقَالَ العِزُّ بنُ عَبدِالسَّلامِ : يَجُوزُ تَقلِيدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِن الأَئِمَّةِ الأَربَعَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُم ـ ... وَلا يَجُوزُ تَتَبُّعُ الرُّخَصِ . وَقَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : مَن تَتَبَّعَ رُخَصَ المَذَاهِبِ وَزَلاَّتِ المُجتَهِدِينَ فَقَد رَقَّ دِينُهُ . وَقَالَ الإِمَامُ ابنُ القَيِّمِ : لا يَجُوزُ لِلمُفتي تَتَبُّعُ الحِيَلِ المُحَرَّمَةِ وَالمَكرُوهَةِ ، وَلا تَتَبُّعُ الرُّخَصِ لِمَن أَرَادَ نَفعَهُ ، فَإِنْ تَتَبَّعَ ذَلِكَ فَسَقَ وَحَرُمَ استِفتَاؤُهُ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَليَكُنْ طَلَبُ الحَقِّ رَائِدَكُم وَهَدَفَكُم ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ لا احتِجَاجَ بِأَقوَالِ العُلَمَاءِ وَلا آرَائِهِمُ المُخَالِفَةِ لِلنُّصُوصِ الشَّرعِيَّةِ ؛ لأَنَّنَا مُتَعَبَّدُونَ بِالأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ مَأمُورُونَ بِاتِّبَاعِهَا ، وَاللهُ ـ تَعَالى ـ قَد أَمَرَ نَبِيَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ بِالحُكمِ بما أَنزَلَهُ عَلَيهِ فَقَالَ لَهُ : " وَأَنِ احكُمْ بَينَهُم بما أَنزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهوَاءَهُم " فَلا تَهُولَنَّكُم تِلكَ العِبَارَاتُ الرَّنَّانَةُ ، وَلا تَخدَعَنَّكُمُ الأَقوَالُ البَرَّاقَةُ ، الَّتي يَتَشَدَّقُ بها بَعضُ المَفتُونِينَ مِمَّن يُرِيدُونَ تَطوِيعَ الفَتوَى بِحُجَّةِ مُسَايَرَةِ الوَاقِعِ وَمُوَاكَبَةِ العَصرِ ، أَو مِمَّن يُنَادُونَ بِتَغيِيرِ الفِقهِ الإِسلامِيِّ لِيَكُونَ بِزَعمِهِم فِقهَ تَيسِيرٍ وَوَسَطِيَّةٍ ، وَمَا كُلُّ ذَلِكَ في الحَقِيقَةِ إِلاَّ تَميِيعٌ لِلدِّينِ وَتَنَصُّلٌ مِن شَرِيعَةِ رَبِّ العَالَمِينَ ، عُطِّلَت بِهِ حُدُودٌ وَتُرِكَت فِيهِ أَحَادِيثُ ، وَفُتِحَ بِهِ لِلجُهَّالِ مَجَالٌ لِلتَطَاوُلِ عَلَى الدِّينِ وَالسُّخرِيَةِ بِأَهلِهِ ، وَظَهَرَت فَتَاوَى يَستَنكِرُهَا أَصحَابُ الفِطَرِ السَّلِيمَةِ مِنَ العَامَّةِ فَضلاً عَن أَهلِ العِلمِ وَالخَاصَّةِ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُحكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأوِيلِهِ وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ في العِلمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلبَابِ . رَبَّنَا لا تُزِغ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذ هَدَيتَنَا وَهَب لَنَا مِن لَدُنْكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ " أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَلا تَنسَوهُ . وَتَحَرَّوا مَن تَثِقُونَ في دِينِهِ وَتَقوَاهُ فَاستَفتُوهُ ، وَانظُرُوا مَن يَتَتَبَّعُ الشَّاذَّ مِن أَقوَالِ العُلَمَاءِ وَيَتَعَلَّقُ بِزَلاَّتِهِم فَاحذَرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ لا عَيبَ في الأَخذِ بِالرُّخَصِ الشَّرعِيَّةِ المُعتَبَرَةِ ، الَّتي جَاءَ بها الشَّارِعُ الحَكِيمُ تَخفِيفًا عَلَى المُكَلَّفِينَ وَتَسهِيلاً لِلأَحكَامِ ، وَتَيسِيرًا لِلعَمَلِ وَدَفعًا لِلمَشَقَّةِ وَالحَرَجِ ، فَهِيَ مِن رَحمَةِ اللهِ بِالعِبَادِ وَفَضلِهِ عَلَيهِم ؛ لِئَلاَّ يَقَعَ عَلَيهِم حَرَجٌ فِيمَا كُلِّفُوا بِهِ أَو يُصِيبَهُم مِنهُ عَنَتٌ . قَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسرَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " عَلَيكُم بِرُخصَةِ اللهِ الَّتي رَخَّصَ لَكُم " وَلا خِلافَ عِندَ جُمهُورِ أَهلِ العِلمِ في مَشرُوعِيَّةِ الأَخذِ بِالرُّخَصِ الشَّرعِيَّةِ إِذَا وُجِدَت أَسبَابُهَا وَتَحَقَّقَت دَوَاعِيهَا ، وَالمَشَقَّةُ تَجلِبُ التَّيسِيرَ ، وَالحَرَجُ مَرفُوعٌ وَالضَّرَرُ يُزَالُ ، وَإِذَا ضَاقَ الأَمرُ اتَّسَعَ ، وَإِنَّمَا العَيبُ وَاللَّومُ في الاحتِجَاجِ بِوُجُودِ الخِلافِ في مَسأَلَةٍ مَا لِيَأخُذَ المَرءُ فِيهَا بما شَاءَ مِن أَقوَالٍ ، قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : لَو جَازَ اتِّبَاعُ أَيِّ مَذهَبٍ شَاءَ لأَفضَى إِلى أَن يَلتَقِطَ رُخَصَ المَذَاهِبِ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ وَيَتَخَيَّرَ بَينَ التَّحلِيلِ وَالتَّحرِيمِ وَالوُجُوبِ وَالجَوَازِ ؛ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلى الانحِلالِ مِن رِبقَةِ التَّكلِيفِ . وَقَالَ الإِمَامُ الشَّاطِبيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : فَإِنَّ في مَسَائِلِ الخِلافِ ضَابِطًا قُرآنيًّا يَنفِي اتِّبَاعَ الهَوَى جُملَةً ، وَهُوَ قَولُهُ ـ تَعَالى ـ :" فَإِنْ تَنَازَعتُم في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسُولِ " وَالرَّدُّ إِلى اللهِ ـ سُبحَانَهُ ـ هُوَ الرَّدُّ إِلى كِتَابهِ ، وَالرَّدُّ إِلى الرَّسُولِ هُوَ الرَّدُّ إِلَيهِ نَفَسِهِ في حَيَاتِهِ وَإِلى سُنَّتِهِ بَعدَ وَفَاتِهِ . إِنَّ عَلَى المُسلِمِ ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَنَّ يُسَلِّمَ قِيَادَهُ لِنُصُوصِ الشَّرعِ حَيثُ تَوَجَّهَت بِهِ ؛ مُتَجَرِّدًا لِلحَقِّ مُبتَعِدًا عَنِ الهَوَى وَالتَّعَصُّبِ ، جَاعِلاً نَهجَهُ وَمَقصِدَهُ طَلَبَ الحَقِّ بِدَلِيلِهِ ، وَمَن فَعَلَ ذَلِكَ هُدِيَ وَوُفِّقَ " وَمَن يَعتَصِم بِاللهِ فَقَد هُدِيَ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ " وَأَمَّا تَتَبُّعُ الرُّخَصِ فَإِنَّهُ مُخَالَفَةٌ صَرِيحَةٌ لأُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَهَدمٌ لِمَقَاصِدِهَا ؛ لأَنَّه اتِّبَاعٌ لِلهَوَى ، وَالشَّرِيعَةُ قَد جَاءَت لِتُخرِجَ الإِنسَانَ مِن دَوَاعِي الهَوَى وَنَهَت عَنِ اتِّبَاعِهِ ، ثُمَّ إِنَّ في تَتَبُّعِ الرُّخصِ تَركَ اتِّبَاعِ الدَّلِيلِ ؛ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَولِهِ ـ تَعَالى ـ : " فَإِن تَنَازَعتُم في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً " وَفيهِ تَركُ مَا هُوَ مَعلُومٌ إِلى مَا لَيسَ بِمَعلُومٍ . وَفيهِ انخِرَامُ نِظَامِ السِّيَاسَةِ الشَّرعِيَّةِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى العَدَالَةِ وَالتَّسوِيَةِ ؛ بِحَيثُ إِذَا انخَرَمَ أَدَّى إِلى الفَوضَى وَالمَظَالِمِ وَتَضيِيعِ الحُقوُقِ بَينَ النَّاسِ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَخَافُوا لِقَاءَهُ ، وَتَذَكَّرُوا " إِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الكُبرَى . يَومَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى . وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِمَن يَرَى . فَأَمَّا مَن طَغَى . وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنيَا . فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأوَى . وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى . فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى " |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري وماتوفيقي إلا بالله 18/8/1431هـ [IMG]file:///C:/Users/user/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.g if[/IMG]أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَتَأَمَّلُ المَرءُ فِيمَن حَولَهُ وَيُقَلِّبُ النَّظَرَ في المُحِيطِينَ بِهِ ، فَيَرَى هَذَا نَشِيطًا في طَاعَةِ رَبِّهِ مُقبِلاً عَلَى عِبَادَتِهِ ، تَخِفُّ نَفسُهُ لِكُلِّ خَيرٍ ، وَتَمتَدُّ يَدُهُ إِلى كُلِّ بِرٍّ ، يُرِيدُ الإِصلاحَ وَيُسهِمُ فِيهِ ، وَيَصنَعُ المَعرُوفَ وَيُعِينُ عَلَيهِ ، وَيَرَى ذَاكَ كَسُولاً عَمَّا يُقَرِّبُهُ إِلى مَولاهُ غَافِلاً عَن شُكرِ نِعمَتِهِ ، يُسِيءُ وَلا يُحسِنُ ، وَيَقطَعُ وَلا يَصِلُ ، وَيُفسِدُ وَلا يُصلِحُ ، وَيُخَذِّلُ وَلا يُعِينُ ، وَيَرجِعُ المَرءُ البَصَرَ كَرَّةً أُخرَى فَيَتَأَمَّلُ حَالَ النَّاسِ في دُنيَاهُم ، فَيَجِدُ الجَادَّ الحَرِيصَ عَلَى مَا يَنفَعُهُ ، وَيُلفِي الهَازِلَ العَاجِزَ عَمَّا فِيهِ مَصلَحَتُهُ ، بَل وَيَرَى المُشتَغِلَ بما يَضُرُّهُ وَيُهلِكُ نَفسَهُ ، وَفي جَانِبٍ آخَرَ أَعمَقَ وَأَدَقَّ يَرَى العُلَمَاءَ وَالدُّعَاةَ وَالوُعَّاظَ ، يَقضِي كَثِيرٌ مِنهُم حَيَاتَهُ بَينَ عِبَادَةٍ وَدَعوَةٍ وَنَفعٍ لِلنَّاسِ وَنَشرٍ لِلعِلمِ وَدَعمٍ لِلخَيرِ ، ثُمَّ مَا يَزَالُ عَلَى هَذَا حَتَّى يَتَوَفَّاهُ رَبُّهُ وَالأَلسِنَةُ لا تَكِلُّ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيهِ وَطَلَبِ الرَّحمَةِ لَهُ كُلَّمَا ذَكَرَتهُ ، وَآخَرُونَ يَتَذَبذَبُونَ يَمنَةً وَيَسرَةً ، وَيَلمَعُ نَجمُهُم فَترَةً ثُمَّ يَخبُو فَترَةً ، بَل وَقَد يَتَحَوَّلُونَ دُعَاةً لِلبَاطِلِ مُثِيرِينَ لِلفِتنَةِ ، مُضِلِّينَ لِلنَّاسِ بِبَعضِ أَقوَالِهِمُ الشَّاذَّةِ وَأَفعَالِهِمُ المُنكَرَةِ ، وَقَد يَمضِي بَعضُهُم إِلى رَبِّهِ وَالأُمَّةُ بَعدَهُ تَتَجَرَّعُ مَرَارَةَ شُبُهَاتِهِ وَتَكتَوِي بِنَارِ ضَلالاتِهِ ، وَيَتَسَاءَلُ المَرءُ بَعدَ ذَلِكَ : مَا بَالُ هَذَا التَّنَوُّعِ في دُنيَا النَّاسِ وَمَا مَنشَؤُهُ ؟! أَلَيسَ لِكُلٍّ مِنهُم قَلبٌ وَعَقلٌ وَفَهمٌ ؟! أَلَيسُوا يَسمَعُونَ وَيُبصِرُونَ ؟! وَحينَئِذٍ يَأتِيهِ الجَوَابُ مِن طَرفٍ خَفِيٍّ : بَلَى إِنَّهُم لَكَذَلِكَ ، وَقَد يَملِكُ بَعضُهُم مِنَ القُدُرَاتِ مَا يَعجِزُ عَنهُ الآلافُ مِنَ النَّاسِ ، وَلَكِنَّهُ التَّوفِيقُ وَالخِذلانُ . نَعَم ، إِنَّهُ تَوفِيقُ اللهِ لِمَن عَلِمَ فِيهِ الخَيرَ ، وَخِذلانُهُ لِمَن عَلِمَ أَنَّهُ دُونَ ذَلِكَ . قَالَ الإِمَامُ ابنُ القَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : وَقَد أَجمَعَ العَارِفُونَ بِاللهِ أَنَّ التَّوفِيقَ هُوَ أَلاَّ يَكِلَكَ اللهُ إِلى نَفسِكَ ، وَأَنَّ الخِذلانَ هُوَ أَن يُخَلِّيَ بَينَكَ وَبَينَ نَفسِكَ ، فَالعَبِيدُ مُتَقَلِّبُونَ بَينَ تَوفِيقِهِ وَخِذلانِهِ ، بَلِ العَبدُ في السَّاعَةِ الوَاحِدَةِ يَنَالُ نَصِيبَهُ مِن هَذَا وَهَذَا ، فَيُطِيعُهُ وَيُرضِيهِ وَيَذكُرُهُ وَيَشكُرُهُ بِتَوفِيقِهِ لَهُ ، ثُمَّ يَعصِيهِ وَيُخَالِفُهُ وَيُسخِطُهُ وَيَغفَلُ عَنهُ بِخِذلانِهِ لَهُ ، فَهُوَ دَائِرٌ بَينَ تَوفِيقِهِ وَخِذلانِهِ ، فَإِنْ وَفَّقَهُ فَبِفَضلِهِ وَرَحمَتِهِ ، وَإِنْ خَذَلَهُ فَبِعَدلِهِ وَحِكمَتِهِ ، وَهُوَ المَحمُودُ عَلَى هَذَا وَهَذَا لَهُ أَتَمُّ حَمدٍ وَأَكمَلُهُ ، وَلم يَمنَعِ العَبدَ شَيئًا هُوَ لَهُ ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مَا هُوَ مُجَرَّدُ فَضلِهِ وَعَطَائِهِ ، وَهُوَ أَعلَمُ حَيثُ يَضَعُهُ وَأَينَ يَجعَلُهُ . وَيَقُولُ قَائِلٌ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ : وَمَا الفَائِدَةُ مِنِ استِحضَارِ مِثلِ هَذَا ؟! وَهَل لي في جَلبِ التَّوفِيقِ لِنَفسِي يَدٌ فَأَجتَهِدَ في جَلبِهِ وَأَسعَى إِلَيهِ ؟ وَهَل أَملِكُ دَفعَ الخِذلانِ عَنهَا فَأَعمَلَ عَلَى دَفعِهِ وَرَفعِهِ ؟! فَيُقَالُ : أَمَّا الفَائِدَةُ مِنِ استِحضَارِ مِثلِ هَذَا فَإِنَّهَا كَبِيرَةٌ وَعَظِيمَةٌ ، ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى استَحضَرَ العَبدُ هَذَا وَأَعطَاهُ حَقَّهُ ، عَلِمَ شِدَّةَ ضَرُورَتِهِ إِلى التَّوفِيقِ في كُلِّ نَفَسٍ وَكُلِّ لَحْظٍ ، وَأَنَّ إِيمَانَهُ وَتَوحِيدَهُ بِيَدِ رَبِّهِ ـ تَعَالى ـ لا يُمسِكُهُ إِلاَّ هُوَ ـ سُبحَانَهُ ـ وَلَو تَخَلَّى عَنهُ طَرفَةَ عَينٍ وَوَكَلَهُ إِلى نَفسِهِ لَضَلَّ وَزَلَّ ، وَلَفَقَدَ إِيمَانَهُ وَسُلِبَ تَوحِيدَهُ ، وَلَعَجِزَ عَن أَن يَعمَلَ مِنَ الصَّالِحَاتِ شَيئًا . وَأَمَّا مِفتَاحُ التَّوفِيقِ الَّذِي يَجمُلُ بِالعَبدِ مَعرِفَتُهُ وَاستِعمَالُهُ وَالاحتِفَاظُ بِهِ ، فَإِنَّهُ الافتِقَارُ إِلى اللهِ وَالالتِجَاءُ إِلَيهِ وَالإِقبَالُ عَلَيهِ ، وَصِدقُ الرَّغبَةِ وَالرَّهبَةِ إِلَيهِ ، وَسُؤَالُهُ التَّوفِيقَ وَالاستِعَاذَةُ بِهِ مِنَ الخِذلانِ ، فَمَتَى أَعطَى اللهُ العَبدَ هَذَا المِفتَاحَ فَقَد فَتَحَ لَهُ التَّوفِيقَ ، وَمَتَى أَضَلَّهُ عَنهُ بَقِيَ بَابُ الخَيرِ دُونَهُ مُرتَجًا . وَعَلَى قَدرِ نِيَّةِ العَبدِ وَهِمَّتِهِ وَرَغبتِهِ في الخَيرِ يَكُونُ تَوفِيقُ اللهِ ـ سُبحَانَهُ ـ لَهُ وَإِعَانَتُهُ إِيَّاهُ ، فَالمَعُونَةُ مِنَ اللهِ تَنزِلُ عَلَى العِبَادِ عَلى قَدرِ ثَبَاتِهِم وَرَغبَتِهِم وَرَهبَتِهِم ، وَالخِذلانُ يَنزِلُ عَلَيهِم عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ ، وَاللهُ ـ سُبحَانَهُ ـ أَحكَمُ الحَاكِمِينَ وَأَعلَمُ العَالِمِينَ ، يَضَعُ التَّوفِيقَ في مَوَاضِعِهِ اللاَّئِقَةِ بِهِ ، وَيَضَعُ الخِذلانَ في مَوَاضِعِهِ اللاَّئِقَةِ بِهِ ، وَكُلَّمَا كَانَت نَفسُ العَبدِ شَريفَةً كَبيرَةً لم تَرضَ مِنَ الأَشيَاءِ إِلاَّ بِأَكمَلِهَا وَأَعلاهَا ، وَلم تَقبَلْ مِنهَا إِلاَّ أَفضَلَهَا وَأَسمَاهَا ، وَلم تَشتَغِلْ إِلاَّ بِأَحمَدِهَا عَاقِبَةً وَأَوفَاهَا ، وَكُلَّمَا كَانَتِ النَّفسُ دَنيئَةً صَغيرَةً لم تَحُمْ إِلاَّ حَولَ صَغَائِرِ الأُمُورِ ، وَلم تَقَعْ إِلاَّ عَلَى الدَّنيءِ مِنهَا وَالحَقِيرِ ، كَمَا يَقَعُ الذُّبَابُ عَلَى الجُرُوحِ وَالأَقذَارِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قَد أَفلَحَ مَن زَكَّاهَا . وَقَد خَابَ مَن دَسَّاهَا " أَيْ أَفلَحَ مَن كَبَّرَهَا وَكَثَّرَهَا وَنَمَّاهَا بِطَاعَةِ اللهِ ، وَخَابَ مَن صَغَّرَهَا وَحَقَّرَهُا بِمَعَاصِي اللهِ ، وَمِن عَدلِ اللهِ أَنَّ كُلَّ نَفسٍ تَمِيلُ إِلى مَا يُنَاسِبُهَا وَيُشَاكِلُهَا ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " قُل كُلٌّ يَعمَلُ عَلى شَاكِلَتِهِ " أَيْ عَلَى مَا يُشَاكِلُهُ وَيُنَاسِبُهُ ، وَيُوَافِقُ أَخلاقَهُ وَطَبِيعَتَهُ ، وَيَجرِي عَلَى طَريقَتِهِ وَمَذهَبِهِ ، وَيُطَابِقُ عَادَاتِهِ الَّتي أَلِفَهَا وَصِفَاتِهِ الَّتي جُبِلَ عَلَيهَا ، فَالمُؤمِنُ يَعمَلُ بما يُشَاكِلُهُ مِن شُكرِ المُنعِمِ وَمَحَبَّتِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيهِ وَالتَّوَدُّدِ إِلَيهِ ، وَالحَيَاءِ مِنهُ وَالمُرَاقَبَةِ لَهُ وَتَعظِيمِهِ وَإِجلالِهِ ، وَالفَاجِرُ يَعمَلُ بما يُشبِهُ طَريقَتَهُ مِن مُقَابَلَةِ النِّعَمِ بِالمَعَاصِي وَالإِعرَاضِ عَنِ المُنعِمِ المُتَفَضِّلِ ، وَإِذَا عَلِمَ اللهُ ـ سُبحَانَهُ ـ مِن قَلبِ عَبدٍ أَنَّهُ سَيَشكُرُ وَفَّقَهُ لِلخَيرِ وَزَادَهُ ، وَإِذَا عَلِمَ مِنهُ أَنَّهُ سَيَكفُرُ خَذَلَهُ وَتَخَلَّى عَنهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ البُكمُ الَّذينَ لا يَعقِلُونَ وَلَو عَلِمَ اللهُ فِيهِم خَيرًا لأَسمَعَهُم وَلَو أَسمَعَهُم لَتَوَلَّوا وَهُم مُعرِضُونَ " وَقَد وَفَّقَ اللهُ ـ تَعَالى ـ بِرَحمَتِهِ نَبِيَّهُ سُلَيمَانَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ لَمَّا أَنعَمَ عَلَيهِ فَشَكَرَ " قَالَ هَذَا مِن فَضلِ رَبِّي لِيَبلُوَني أَأَشكُرُ أَم أَكفُرُ " وَخَذَلَ بِعَدلِهِ قَارُونَ حَيثُ كَفَرَ " قَالَ إِنَّمَا أُوتيتُهُ عَلَى عِلمٍ عِندِي " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَأَحسِنُوا النِّيَّةَ ، وَاسأَلُوا رَبَّكُمُ التَّوفِيقَ وَلا تَتَوَاكَلُوا عَلَى جُهُودِكُم وَلا تَعتَمِدُوا عَلى قُوَاكُم ، وَاحمَدُوا اللهَ الَّذِي " حَبَّبَ إِلَيكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ في قُلُوبِكُم وَكَرَّهَ إِلَيكُمُ الكُفرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ . فَضلاً مِنَ اللهِ وَنِعمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " وَاستَعِينُوا بِاللهِ وَلا تَعجِزُوا ، فَإِنَّهُ : إِذَا لَم يَكُن عَونٌ مِنَ اللهِ لِلفَتَىً فَأَوَّلُ مَا يَجني عَلَيهِ اجتِهَادُهُ قَالَ بَعضُ السَّلَفِ : فَوَاتِحُ التَّقوَى حُسنُ النِّيَّةِ ، وَخَوَاتِيمُهَا التَّوفِيقُ ، وَالعَبدُ فِيمَا بَينَ ذَلِكَ بَينَ هَلَكَاتٍ وَشُبُهَاتٍ ، وَنَفْسٍ تَحطِبُ عَلى شُلْوِهَا ، وَعَدُوٍّ مَكِيدٍ غَيرِ غَافِلٍ وَلا عَاجِزٍ ، ثُمَّ قَرَأَ : " إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا " وَيُروَى عَن سَالِمِ بنِ عَبدِاللهِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلى عُمَرَ بنِ عَبدِالعَزِيزِ ـ رَحِمَهُمَا اللهُ ـ قَائِلاً : اِعلَمْ يَا عُمَرُ أَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ عَونٌ لِلعَبدِ بِقَدرِ النِّيَّةِ ، فَمَن تَمَّت نِيَّتُهُ تَمَّ عَونُ اللهِ ـ تَعَالى ـ إِيَّاهُ ، وَمَن قَصُرَت عَنهُ نِيَّتُهُ قَصُرَ عَنهُ مِن عَونِ اللهِ ـ تَعَالى ـ بِقَدرِ ذَلِكَ ، وَقَد قَالَ اللهُ ـ تَعَالى ـ في تَصدِيقِ ذَلِكَ : " إِنْ يُرِيدَا إِصلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَينَهُمَا " فَجَعَلَ سَبَبَ التَّوفِيقِ إِرَادَةَ الإِصلاحِ ؛ فَذَلِكَ هُوَ أَوَّلُ التَّوفِيقِ مِنَ المُوَفِّقِ المُصلِحِ لِلعَامِلِ الصَّالِحِ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ فَإِنَّهُ يَأمُرُ بِالفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَلَولا فَضلُ اللهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِن أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ كَمَا أَمَرَكُم يُنجِزْ لَكُم مَا وَعَدَكُم " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، قَالَ بَعضُ العَارِفِينَ : وَكُلُّ عَمَلٍ وَإِن قَلَّ لا بُدَّ فِيهِ مِن ثَلاثَةِ مَعَانٍ قَدِ استَأثَرَ اللهُ ـ تَعَالى ـ بَتَوَلِّيهَا ، أَوَّلُهَا : التَّوفِيقُ ، وَهُوَ الاتِّفَاقُ أَن يَجمَعَ بَينَكَ وَبَينَ الشَّيءِ ، ثُمَّ القُوَّةُ ، وَهُوَ اسمٌ لِثَبَاتِ الحَرَكَةِ الَّتي هِيَ أَوَّلُ العَقلِ ، ثُمَّ الصَّبرُ ، وَهُوَ تَمَامُ الفِعلِ الَّذِي بِهِ يَتِمُّ ، فَقَد رَدَّ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ هَذِهِ الأُصُولَ الَّتي يَظهَرُ عَنهَا كُلُّ عَمَلٍ إِلَيهِ ، فَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا تَوفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ " وَقَالَ : " مَا شَاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَاصبِرْ وَمَا صَبرُكَ إِلاَّ بِاللهِ " وَإِنَّهَا لَتَمُرُّ بِكُم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ مَوَاسِمُ لِلخَيرِ في كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ ، وَيَأتي عَلَيكُم مَوَاسِمُ سَنَوِيَّةٌ لِلعِبَادَةِ وَالتَّزَوُّدِ مِنَ التَّقوَى ، وَبَينَ هَذَا وَهَذَا تُدعَونَ لِلمُسَاهَمَةِ في الخَيرِ وَتُعرَضُ عَلَيكُم مَشرُوعَاتُ البِرِّ ، وَالمُوَفَّقُ في كُلِّ ذَلِكَ مَن وَفَّقَهُ اللهُ وَسَدَّدَهُ وَأَعَانَهُ ، فَقَدَّمَ لِنَفسِهِ وَتَنَوَّعَ إِحسَانُهُ . إِنَّ بَينَ أَيدِيكُم رَمَضَانَ ، شَهرُ العِبَادَةِ وَالإِيمَانِ ، وَمَوسِمُ البِرِّ وَالإِحسَانِ ، فِيهِ صِيَامٌ وَقِيَامٌ ، وَتَفطِيرٌ وَإِطعَامٌ ، وَالجَمعِيَّاتُ الخَيرِيَّةُ قَد أَعَدَّتِ العُدَّةَ لإِعَانَتِكُم عَلَى المُسَاهَمَةِ في الخَيرِ ، وَثَمَّةَ مَشرُوعَاتٌ لِمَكَاتِبِ الدَّعوَةِ وَجَمعِيَّاتِ التَّحفِيظِ ، وَإِنَّ رَمَضَانَ لَتَجتَمِعُ فِيهِ عِبَادَاتٌ جَلِيلَةٌ ، مَن جَمَعَهَا كَانَ حَقِيقًا بِمَوعُودِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في قَولِهِ : " إِنَّ في الجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِن بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِن ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللهُ لِمَن أَطعَمَ الطَّعَامَ وَأَفشَى السَّلامَ وَصَلَّى بِاللَّيلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " فَاسأَلُوا اللهَ أَن يُوَفِّقَكُم لإِدرَاكِ شَهرِ رَمَضَانَ وَصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ وَالإِحسَانِ فِيهِ ، فَإِنَّهُ لا تَوفِيقَ إِلاَّ بِاللهِ ، فَتَوَكَّلُوا عَلَيهِ وَتُوبُوا إِلَيهِ ، وَقُولُوا كَمَا قَالَ نَبيُّ اللهِ شُعَيبٌ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ : " إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصلاحَ مَا استَطَعتُ . وَمَا تَوفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ . عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنِيبُ " " وَأَحسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحسِنِينَ " " وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِن خَيرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ إِنَّ اللهَ بما تَعمَلُونَ بَصيرٌ " |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري جزى الله ناشر الخير خيرا أعجبني : إِذَا لَم يَكُن عَونٌ مِنَ اللهِ لِلفَتَىً فَأَوَّلُ مَا يَجني عَلَيهِ اجتِهَادُهُ عز الله صدق ها الشاعر ، ما به إلا الله سبحانه ، بعض الناس تجده يقوم ويطيح ويجتهد ويمكن ما يحصل ما يريد ، يالله وفقنا لكل خير إنك سميع مجيب ... جزاك الله خيرا يا شيخ ناصر على هذا الجهد الطيب بنقل هذه الخطب المباركة التي عسى الله ينفع بها الجميع ... وإلى الإمام شيخ ناصر |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري [IMG]file:///C:/Users/user/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.g if[/IMG] اللهم بلغنا رمضان 25/8/1431هـ أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ . لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، بَعدَ لَيَالٍ أَربَعٍ أَو خَمسٍ ، يَحِلُّ بِالأُمَّةِ الإِسلامِيَّةِ ضَيفٌ غَالٍ وَوَافِدٌ كَرِيمٌ ، إِنَّهُ شَهرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرآنُ ، وَكُتِبَ عَلَى الأُمَّةِ فِيهِ الصِّيَامُ ، وَسُنَّ لَهَا فِيهِ التَّهَجُّدُ وَالقِيَامُ ، إِنَّهُ الشَّهرُ الَّذِي يَغتَنِمُهُ مُوَفَّقُونَ فَيُبَادِرُونَ ، وَيُسَابِقُونَ إِلى الخَيرِ وَيَتَنَافَسُون َ ، فَيَفُوزُونَ بِجَزِيلِ الثَّوَابِ وَعَظِيمِ الجَزَاءِ ، وَيُضِيعُهُ مُفرِّطُونَ ويُعرِضُ فِيهِ مَخذُولُونَ ، فَيَتَبَاطَؤُون َ وَيَتَأَخَّرُون َ عَنِ اكتِسَابِ الأَجرِ ، أَو يَتَلَبَّسُونَ بِالمَعَاصِي فَيُثقِلُونَ كَوَاهِلَهُم بِالسَّيِّئَاتِ وَالوِزرِ . وَذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ مِمَّن عَلِمَ في قُلُوبِهِم خَيرًا ، وَتِلكَ حِكمَتُهُ الَّتي يُضِلُّ بها مَن عَلِمَ أَنَّهُم دُونَ ذَلِكَ " يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالمِينَ وَيَفعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ " " وَالَّذِينَ اهتَدَوا زَادَهُم هُدىً وَآتَاهُم تَقوَاهُم " " مَن يَهدِ اللهُ فَهُوَ المُهتَدِي وَمَن يُضلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ " وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ عَلَى المُسلِمِ في قُدُومِ هَذَا الشَّهرِ المُبَارَكِ أَن يَكُونَ شُغلُهُ الشَّاغِلُ وَهَمُّهُ الدَّائِمُ اللُّجُوءَ إِلى رَبِّهِ ـ سُبحَانَهُ ـ وَسُؤَالَهُ التَّوفِيقَ لاغتِنَامِ هَذَا المَوسِمِ العَظِيمِ بما يُقَرِّبُهُ إِلَيهِ زُلفَى ، وَأَن يَشرَحَ صَدرَهُ لِلمُضِيِّ فِيمَا يُرضِيهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ ، وَأَن يَرزُقَهُ قَلبًا يَعقِلُ المَوَاعِظَ وَتَنفَعُهُ الذِّكرَى ، وَنَفسًا تَخِفُّ إِلى الطَّاعَةِ وَتَأَلَفُهَا ، وَيَدًا تَصنَعُ المَعرُوفَ وَتَندَى بِالعَطَاءِ ، فَإِنَّهُ مَا زَكَا مَن زَكَا وَلا أَفلَحَ مَن أَفلَحَ إِلاَّ بِتَوفِيقِ اللهِ لَهُ ، وَلا سَارَ في طَرِيقِ الجَنَّةِ مَن سَارَ إِلاَّ بِرَحمَةِ اللهِ ، وَلا خَابَ إِلاَّ مَن قَسَا قَلبُهُ وَخَبُثَت نَفسُهُ ، وَأَعرَضَ عَمَّا فِيهِ نَفعُهُ وَنَجَاتُهُ " أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدرَهُ لِلإِسلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِن رَبِّهِ فَوَيلٌ لِلقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِن ذِكرِ اللهِ أُولَئِكَ في ضَلالٍ مُبِينٍ . اللهُ نَزَّلَ أَحسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانيَ تَقشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُم وَقُلُوبُهُم إِلى ذِكرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن هَادٍ " وَيَقُولُ ـ سُبحَانَهُ ـ فِيمَن لم يُوَفَّقُوا : " نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُم " وَيَقُولُ ـ تَعَالى ـ في آخَرِينَ ممَّن تكَاسَلُوا عَنِ الخَيرِ : " وَلَو أَرَادُوا الخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُم فَثَبَّطَهُم وَقِيلَ اقعُدُوا مَعَ القَاعِدِين " إِنَّ جُمهُورَ الأُمَّةِ وَعَامَّةَ المُسلِمِينَ لَيَفرَحُونَ بِهَذَا الشَّهرِ فَرَحًا عَظِيمًا ، وَيَستَنفِرُونَ قُوَاهُم في هَذَا المَوسِمِ بما لا يَكَادُونَ يَفعَلُونَهُ في غَيرِهِ ، وَيَبذُلُونَ جُهُودَهُم فِيهِ لِلتِّجَارَةِ الرَّابِحَةِ مَعَ اللهِ ، مُستَحضِرِينَ مَا وَرَدَ مِنَ التَّرغِيبِ وَالبِشَارَةَ ، وَتَرَى الدُّعَاةَ وَالوَاعِظِينَ يُذَكِّرُونَ وَيُنَوِّعُونَ مَوَاعِظَهُم ، وَجَمعِيَّاتِ البِرِّ وَالمُؤَسَّسَات ِ الخَيرِيَّةَ وَمَكَاتِبَ الدَّعوَةِ تُهَيِّئُ الفُرَصَ لِمَن يَبغِي الخَيرِ ، وَتُمَهِّدُ طُرُقَ التَّزَوُّدِ لِلآخِرَةِ لِمَن يُرِيدُ أَن يَسلُكَهَا ، غَيرَ أَنَّ القُلُوُبَ الَّتي أَرَادَ اللهُ بِأَهلِهَا خَيرًا تَتَلَقَّى المَوَاعِظَ وَتَنشَرِحُ لَهَا وَتَندَى بها ، وَتُشرِقُ بِنُورِ رَبِّهَا وَتَستَنِيرُ بِآيَاتِهِ ، وَتَتَفَتَّحُ لِعَمَلِ الخَيرِ وَتَهَشُّ لَهُ وَتَبَشُّ بِهِ ، في حِينِ أَنَّ القُلُوبَ القَاسِيَةَ تَظَلُّ مُغَلَّفَةً بِقَسوَتِهَا وَغِلظَتِهَا ، مُحَاطَةً بِغِشَاوَتِهَا وَظُلمَةِ إِعرَاضِهَا وَمَعَاصِيهَا ، لا تَتَحَرَّكُ لِدَاعِي الخَيرِ ، وَلا تَلتَفِتُ لِمُنَادِي الحَقِّ ، وَشَتَّانَ بَينَ هَذِهِ وَتِلكَ ، وَفَرقٌ عَظِيمٌ بَينَ هَؤُلاءِ وَأُولَئِكَ ، شَتَّانَ بَينَ مَن يَشرَحُ اللهُ صَدرَهُ وَيَمُدُّ لَهُ مِن نُورِهِ فَيَخشَاهُ وَيَتَّقِيهِ ، مُتَلَقِّيًا ذِكرَهُ ـ تَعَالى ـ في وَجَلٍ يَقشَعِرُّ مِنهُ جِلدُهُ ؛ ثُمَّ تَهدَأُ بِالحَقِّ نَفسُهُ ، وَيَأنَسُ إِلَيهِ قَلبُهُ ؛ فَيَلِينُ وَيَطمَئِنُّ إِلى ذِكرِ اللهِ ، شَتَّانَ بَينَ ذَلِكَ وَبَينَ مَن صَدرُهُ ضَيِّقٌ حَرَجٌ ، لا يَقبَلُ الهُدَى وَلا يَجنَحُ إِلَيهِ وَلا يَرغَبُ فِيهِ " وَمَن يُضلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن هَادٍ " فَهَنِيئًا لِمَن أَعطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسنَى ، فَوَفَّقَهُ رَبُّهُ وَيَسَّرَهُ لِليُسرَى ، وَيَا لَخَيبَةِ مَن بَخِلَ وَاستَغنَى وَكَذَّبَ بِالحُسنَى ، فَوُكِلَ إِلى نَفسِهِ وَيُسِّرَ لِلعُسرَى ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبشِرُوا ؛ فَإِنَّهُ لَن يُدخِلَ الجَنَّةَ أَحَدًا عَمَلُهُ " قَالُوا : وَلا أَنتَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " وَلا أَنَا إِلاَّ أَن يَتَغَمَّدَنيَ اللهُ مِنهُ بِرَحمَةٍ ، وَاعلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ العَمَلِ إِلى اللهِ أَدوَمُهُ وَإِن قَلَّ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاجتَهِدُوا بِتَسدِيدِ العَمَلِ وَإِتقَانِهِ ، وَإِلاَّ فَلا أَقَلَّ مِنَ المُقَارَبَةِ وَاتِّقَاءِ اللهِ مَا استَطَعتُم ، تَقرَّبُوا إِلى اللهِ بِالفَرَائِضِ وَتَزَوَّدُوا مِنَ النَّوَافِلِ ، وَدَاوِمُوا عَلَى عَمَلِ الخَيرِ وَاستَكثِرُوا مَن الصَّالِحَاتِ ، مَعَ الاجتِهَادِ أَن يَكُونَ أَحَدُكُم في كُلِّ يَومٍ أَفضَلَ مِنهُ في الَّذِي قَبلَهُ ، وَأَن يَكُونَ في كُلِّ عَامٍ أَقرَبَ إِلى اللهِ مِنَ العَامِ الَّذِي سَبَقَهُ ، فَإِنَّ العَبدَ لا يَزدَادُ بِمُرُورِ الأَيَّامِ إِلاَّ قُربًا مِنَ المَوتِ وَنَقصًا في الأَجَلِ ، غَيرَ أَنَّ المُؤمِنَ يَزدَادُ مَعَ الأَيَّامِ حِرصًا عَلَى الآخِرَةِ وَزُهدًا في الدُّنيَا ، وَتَزوُّدًا مِن صَالِحِ العَمَلِ وَتَوبَةً مِنَ السَّيِّئَاتِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " خَيرُ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَإِنَّهُ لا يَزِيدُ المُؤمِنَ عُمُرُهُ إِلاَّ خَيرًا " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ : " اغتَنِمْ خَمسًا قَبلَ خَمسٍ ، شَبَابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبلَ فَقرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبلَ شُغلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبلَ مَوتِكَ " جَعَلَني اللهُ وَإِيَّاكُم مِمَّن يُدرِكُ الشَّهرَ الكَرِيمَ وَيَفُوزُ فِيهِ بِالأَجرِ العَظِيمِ ، وَأَقُولُ مَا تَسمَعُونَ وَأَستَغفِرُ اللهَ . أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَلا تَنسَوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا " ثُمَّ اعلَمُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ أَنَّ مِمَّا يَزِيدُ المُؤمِنَ حِرصًا عَلَى إِتقَانِ عَمَلِهِ وَاجتِهَادًا في تَحصِيلِ الصَّالِحَاتِ قَدرَ طَاقَتِهِ ، أَن يَستَحضِرَ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ هَذَا هُوَ آخِرَ رَمَضَانَ يَشهَدُهُ ، فَليَصُمْ فِيهِ صِيَامَ مُوَدِّعٍ ، وَليُصَلِّ فِيهِ صَلاةَ مُوَدِّعٍ ، وَليَجتَهِدْ فِيهِ اجتِهَادَ مَن لَعَلَّهُ لا يُدرِكُهُ مَرَّةً أُخرَى ، فَكَم مِمَّن صَامَ مَعَنَا في العَامِ المَاضِي وَقَامَ ، ثُمَّ هُوَ في عَامِهِ هَذَا حَبِيسُ قَبرِهِ وَرَهِينُ عَمَلِهِ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَاسأَلُوهُ التَّوفِيقَ ، وَمَن وَفَّقَهُ اللهُ لإِدرَاكِ رَمَضَانَ فَليُشَمِّرْ عَن سَاعِدِ الجِدِّ مِن أَوَّلِ يَومٍ ، وَليَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَليُنِبْ إِلَيهِ وَليَحذَرِ التَّسوِيفَ ، فَإِنَّ إِدرَاكَ مَوَاسِمِ الخَيرِ نِعمَةٌ لا تَعدِلُهَا نِعمَةٌ ، وَالمَغبُونُ المَحرُومُ مَن لم يَتَعَامَلْ مَعَ رَبِّهِ ، يَقُولُ ـ تَعَالى ـ في الحَدِيثِ القُدسِيِّ : " مَن جَاءَ بِالحََسَنَةِ فَلَهُ عَشرُ أَمثَالِهَا وَأَزِيدُ ، وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ مِثلُهَا أُو أَغفِرُ ، وَمَن تَقَرَّبَ مِنِّي شِبرًا تَقَرَّبتُ مِنهُ ذِرَاعًا ، وَمَن تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبتُ مِنهُ بَاعًا ، وَمَن أَتَاني يَمشِي أَتَيتُهُ هَروَلَةً ، وَمَن لَقِيَني بِقُرَابِ الأَرضِ خَطِيئَةً لا يُشرِكُ بي شَيئًا لَقِيتُهُ بِمِثلِهَا مَغفِرَةً " وقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ ، فَمَن هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَم يَعمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ ـ تَعَالى ـ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ، فَإِنْ هَمَّ بها فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ ـ تَعَالى ـ عِندَهُ عَشرَ حَسَنَاتٍ إِلى سَبعِ مِئَةِ ضَعفٍ إِلى أَضعَافٍ كَثِيرَةٍ ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَم يَعمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ، فَإِنْ هَمَّ بها فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ ـ تَعَالى ـ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ، وَلا يَهلِكُ عَلَى اللهِ إِلاَّ هَالِكٌ " قَالَ الإِمَامُ ابنُ رَجَبٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ وَقَولُهُ بَعدَ ذَلِكَ : " وَلا يَهلِكُ عَلَى اللهِ إِلاَّ هَالِكٌ " يَعني بَعدَ هَذَا الفَضلِ العَظِيمِ مِن اللهِ وَالرَّحمَةِ الوَاسِعَةِ مِنهُ بِمُضَاعَفَةِ الحَسَنَاتِ وَالتَّجَاوُزِ عَنِ السَّيِّئَاتِ ، لا يَهلِكُ عَلَى اللهِ إِلاَّ مَن هَلَكَ وَأَلقَى بِيَدِهِ إِلى التَّهلُكَةِ وَتَجَرَّأَ عَلَى السَّيِّئَاتِ وَرَغِبَ عَنِ الحَسَنَاتِ وَأَعرَضَ عَنهَا . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري مدرسه رمضان3/9/1431هـ [IMG]file:///C:/Users/user/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.g if[/IMG]أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، رَمَضَانُ مَوسِمٌ إِيمَانيٌّ كَبِيرٌ ، وَسُوقٌ لِلمُتَاجَرَةِ مَعَ اللهِ مُتَنَوِّعَةُ العَطَاءِ ، تُعرَضُ فِيهَا بَضَائِعُ الآخِرَةِ بِأَيسَرِ الأَثمَانِ ، وَيُرَغَّبُ فِيهَا في كُلِّ مَكَانٍ وَقَد طَابَ الزَّمَانُ ، وَتَرَى النَّاسَ مِن بَعدُ مُختَلِفِي المَشَارِبِ مُتَعَدِّدِي الاهتِمَامَاتِ ، يَتَّجِهُ كُلٌّ مِنهُم إِلى مَا يُنَاسِبُهُ وَيُوَافِقُهُ " قَد عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشرَبَهُم " وَبِحَسَبِ قُوَّةِ إِيمَانِ النَّاسِ بِرَبِّهِم وَقُربِهِم مِنهُ وَصِدقِ يَقِينِهِم بِوَعدِهِ وَوَعِيدِهِ ، يَكُونُ نَشَاطُهُم وَتَعلُو هِمَمُهُم . وَقَد كَانَ النَّاسُ إِلى أَزمِنَةٍ قَرِيبَةٍ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ في حَالِ عَجِيبَةٍ ، لا يَجِدُ المُسلِمُ مَعَهَا عَنَتًا وَلا مَشَقَّةً في عَمَلِ الصَّالحَاتِ وَفِعلِ الخَيرَاتِ ، فَكُلُّ القُلُوبِ مُتَّجِهَةٌ إِلى رَبِّهَا حَرِيصَةٌ عَلَى مَا يُقَرِّبُهَا مِن مَولاهَا ، مَشغُولَةٌ بما يَزِيدُ إِيمَانَهَا وَيَنفَعُهَا في أُخرَاهَا ، أَمَّا في أَزمَانِنَا هَذِهِ فَإِنَّ المَرءَ لا يُعدَمُ عَلَى الشَّرِّ مُعِينًا وَلا عَنِ الخَيرِ مُخَذِّلاً ، بَل لَقَد أَصبَحَ كَثِيرٌ مِمَّا حَولَهُ لا يُعِينُهُ عَلَى الاجتِهَادِ وَالطَّاعَةِ ، وَلا يُسَاعِدُهُ عَلَى التَّبَتُّلِ وَالعِبَادَةِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِنَ المُتَعَيِّنِ عَلَى المُسلِمِينَ وَلا سِيَّمَا في أَوقَاتِ العِبَادَةِ وَمَوَاسِمِ التَّزَوُّدِ ، أَن يَكُونُوا قُدُوَاتٍ لِبَعضِهِم في الاجتِهَادِ ، وَأَن يَدُلَّ بَعضُهُم بَعضًا إِلى الخَيرِ وَالهُدَى ، وَأَن يَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى ، فَهَذَا بِجُهدِهِ وَذَاكَ بِمَالِهِ ، وَصَاحِبُ العِلمِ يُوَجِّهُ وَالعَامِلُ يَصبِرُ ، وَالفَتى يُشَارِكُ وَالكَبِيرُ يُشَجِّعُ . وَإِنَّ مِن نِعَمِ اللهِ الَّتي تُذكَرُ فَتُشكَرُ ، أَن يَجِدَ المُسلِمُ مِن إِخوَانِهِ مِنَ الأَئِمَّةِ وَالدُّعَاةِ وَالعَامِلِينَ في الجَمعِيَّاتِ وَالمُؤَسَّسَات ِ الخَيرِيَّةَ ، مِن يَبسُطُوُنَ لَهُ بَضَائِعَ الخَيرِ وَيُقَرِّبُونَه َا إِلَيهِ وَيُذَكِّرُونَه ُ بِفَضلِهَا ؛ لِيَختَارَ مِنهَا مَا يَقدِرُ عَلَيهِ وَيَسَعُهُ عَمَلُهُ ، وَإِنَّ مِنَ التَّوفِيقِ أَن يَبحَثَ المُسلِمُ عَنِ البِيئَاتِ الخَيِّرَةِ الَّتي تُعِينُهُ عَلَى الطَّاعَةِ في هَذَا الشَّهرِ المُبَارَكِ ، فَيَصبِرَ نَفسَهُ فِيهَا مَعَ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ ، وَلا يَعدُوَ عَينَيهِ عَنهُم مُرِيدًا زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا ، أَو مُطِيعًا مَن أَغفَلَ اللهُ قَلبَهُ عَن ذِكرِهِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا ، فَيَكفِي المُرِيدَ نَجَاةَ نَفسِهِ وَفِكَاكَ رَقَبَتِهِ طَردًا لِلدُّنيَا أَحَدَ عَشَرَ شَهرًا طُوَالَ سَنَتِهِ ، قَد لا يُقَدِّمُ فِيهَا لأُخرَاهُ شَيئًا يُذكَرُ ، وَلا يَنفَعُ أُمَّتَهُ بِشَيءٍ يُعَدُّ ، فَمَا أَجمَلَهُ بِهِ أَن يَجعَلَ شَهرَ رَمَضَانَ لَهُ كَالدَّورَةِ التَّدرِيبِيَّة ِ المُكَثَّفَةِ ، الَّتي يَتَزَوَّدُ فِيهَا بما يُقَوِّي قَلبَهُ وَيُزَكِّي نَفسَهُ وَيَشرَحُ صَدرَهُ ، وَيَبعَثُ هِمَّتَهُ إِلى الآخِرَةِ وَيُزَهِّدُهُ في الدُّنيَا ، وَيُعَوِّدُهُ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ وَامتِثَالِ أَمرِهِ وَنَهيِهِ ! مَا الَّذِي يَضُرُّ لَو تَعَاوَنَ مَجمُوعَةٌ مِنَ المُسلِمِينَ في كُلِّ مَسجِدٍ فَعَكَفُوا عَلَى كِتَابِ رَبِّهِم بَعدَ كُلِّ صَلاةٍ لِمُدَّةِ نِصفِ سَاعَةٍ أَو أَقَلَّ أَو أَكثَرَ ، لِيَقتَدِيَ بِهِم غَيرُهُم وَيَتَقَوَّى بِهِم مَن سِوَاهُم ؟! إِنَّهُ لَمِنَ المُؤسِفِ وَالمُوحِشِ حَقًّا أَن يَتَلَفَّتَ المُسلِمُ بَعدَ الصَّلاةِ في المَسجِدِ ، بَاحِثًا عَمَّن يَقطَعُ وَحدَتَهُ وَيُؤنِسُ وَحشَتَهُ ، وَيَشُدُّ عَزِيمَتَهُ لِيَعِيشَ لَحَظَاتٍ مَعَ كِتَابِ رَبِّهِ ، فَلا يَجِدُ حَولَهُ أَحَدًا ، فَتَرَاهُ يَتَمَلمَلُ قَلِيلاً وَيَتَلَفَّتُ يَمِينًا وَشِمَالاً ، ثُمَّ لا يَلبَثُ أَن يُسلِمَ لِهَوَى النَّفسِ القِيَادَ وَيَخرُجَ ، وَلَو أَنَّهُ وَجَدَ مِن إِخوَانِهِ قَومًا يَتَرَنَّمُونَ بِالقُرآنِ مِن حَولِهِ لأَعَانُوهُ فَصَبَرَ وَصَابَرَ . لَقَد كَانَتِ المَسَاجِدُ إِلى عَهدٍ قَرِيبٍ في جَمِيعِ دِيَارِ المُسلِمِينَ وَخَاصَّةً في رَمَضَانَ ، لا تَخلُو مِنَ العُبَّادِ وَالمُتَقَرِّبِ ينَ طُوَالَ سَاعَاتِ اليَومِ وَاللَّيلَةِ ، بَينَ تَالٍ وَدَاعٍ وَمُستَغفِرٍ ، وَرَاكِعٍ وَسَاجِدٍ ومُتَهَجِّدٍ ، فَمَا أَحرَانَا أَن نُعِيدَ إِلى مَسَاجِدِنَا نَشَاطَهَا التَّعَبُّدِيَّ بِتَنَوُّعِهِ ! مَا أَحرَانَا أَن نُعِيدَ لِرَمَضَانَ بِالقُرآنِ رَوحَانِيَّتَهُ ! وَأَن نَتَدَارَسَ كِتَابَ رَبِّنَا وَنَتَعَاوَنَ عَلَى تِلاوَتِهِ وَفَهمِهِ ، فَقَد كَانَ جِبرِيلُ يَلقَى نَبِيَّنَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في كُلِّ لَيلَةٍ مِن رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرآنَ ، فَهَلاَّ اقتَدَينَا وَاتَّبَعنَا ، لِيَشعُرَ مَن يَرَانَا أَنَّنَا نَمُرُّ بِمَوسِمِ عِبَادَةٍ حَقًّا !! قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ " مَا اجتَمَعَ قَومٌ في بَيتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُون َهُ فِيمَا بَينَهُم ، إِلاَّ نَزَلَت عَلَيهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتهُمُ الرَّحمَةُ وَحَفَّتهُم المَلائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَن عِندَهُ " وَمِنَ البِيئَاتِ الخَيِّرَةِ في رَمَضَانَ صَلاةُ التَّرَاوِيحِ ، نِصفُ سَاعَةٍ أَو تَزِيدُ قَلِيلاً ، يَقضِيهَا المُسلِمُ مَعَ إِخوَانِهِ صُفُوفًا وَرَاءَ إِمَامٍ وَاحِدٍ ، مُتَّجِهِينَ لِرَبٍّ وَاحِدٍ ، يَسعَونَ لِهَدَفٍ وَاحِدٍ ، يَستَمِعُونَ آيَاتِ المَثَاني ، وَيَركَعُونَ وَيَسجُدُونَ وَيَقنُتُونَ ، وَيَدعُونَ وَيَبتَهِلُونَ وَيَستَغفِرُونَ ، في لَحَظَاتٍ إِيمَانِيَّةٍ عَامِرَةٍ ، تَعقُبُهَا فَرحَةٌ بِالطَّاعَةِ غَامِرَةٌ ، فَيَا سَعَادَةَ مَن رَكَعَ مَعَ الرَّاكِعِينَ وَقَامَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا مَعَ المُصَلِّينَ ، يَقِفُ دَقَائِقَ مَعدُودَةً فَيُكتَبُ لَهُ قِيَامُ لَيلَةٍ كَامِلَةٍ ، وَقَد يُدرِكُ لَيلَةَ القَدرِ الَّتي هِيَ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، فَيَفُوزُ بِذَلِكَ فَوزًا عَظِيمًا بِعَمَلٍ يَسِيرٍ ، وَ" مَن قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ " وَ" مَن قَامَ لَيلَةَ القَدرِ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ " مَا أَحرَى المُسلِمَ أَن يَحرِصَ عَلَى المَسَاجِدِ الكَثِيرَةِ الجَمَاعَةِ ، وَأَن يَحذَرَ مِن تَسَلُّطِ الشَّيطَانِ عَلَيهِ ، فَيَترُكَ صَلاةَ التَّرَاوِيحِ وَيَهَجُرَ السُّنَّةَ ، أَو يَتَقَاعَسَ وَيُصَلِّيَ في بَيتِهِ ، أَو يَنفَرِدَ بِجَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ لِيُؤَدُّوا صَلاةً بَارِدَةً ضَعِيفَةَ الخُشُوعِ لا يَذكُرُونَ اللهَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " صَلاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزكَى مِن صَلاتِهِ وَحدَهُ ، وَصَلاتُهُ مَعَ الرَّجُلَينِ أَزكَى مِن صَلاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ ، وَمَا كَانَ أَكثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلى اللهِ ـ تَعَالى ـ " وَمِنَ البِيئَاتِ الخَيِّرَةِ في شَهرِ رَمَضَانَ ، وَالَّتي تَبرُزُ فِيهَا وَحدَةُ المُسلِمِينَ وَتَقوَى فِيهَا إِلَفَتُهُم وَتَظهَرُ مَحَبَّتُهُم ، بِيئَاتُ تَفطِيرِ الصَّائِمِينَ ، وَهِيَ البِيئَاتُ الَّتي تَقُومُ عَلَيهَا جَمعِيَّاتُ البِرِّ وَالمُؤَسَّسَات ُ الخَيرِيَّةُ وَمَكَاتِبُ الدَّعوَةِ ، وَتُهَيِّئُ لَهَا الأَمَاكِنَ المُنَاسِبَةَ وَتُجَهِّزُهَا بِأَدَوَاتِهَا وَتُعِدُّ لَهَا العُدَّةَ ، وَتُوَفِّرُ لَهَا العَامِلِينَ وَتُنَظِّمُ فِيهَا الدُّرُوسَ وَالمَوَاعِظَ ، فَكَم هُوَ جَمِيلٌ أَن يَجعَلَ المُسلِمُ مِن مَالِهِ شَيئًا لِهَذِهِ المَنَاشِطِ ، وَكَم هُوَ حَرِيٌّ بِهِ أَن يَجعَلَ مِن يَومِهِ العَامِرِ بِالطَّاعَةِ نَصِيبًا لِهَذِهِ المَوَاقِعِ ، فَيُمَرَّ بها لِيَرَى ثَمَرَةَ عَطَائِهِ أَوَّلاً ، فَيَنشَطَ وَيُضَاعِفَ العَطَاءَ وَيَزدَادَ بَذلاً ، وَلِيُشَارِكَ في دَعمِهَا المَعنَوِيِّ ثَانِيًا ، وَيَعرِفَ نِعمَةَ اللهِ عَلَيهِ أَنْ جَعَلَهُ مُسلِمًا يَشهَدُ شَهَادَةَ الحَقِّ ، فَيَجتَمِعَ هُوَ وَأَخُوهُ العَرَبيُّ وَالعَجَمِيُّ عَلَى مَائِدَةٍ وَاحِدَةٍ ، لا يَربِطُهُم إِلاَّ الدِّينُ الحَقُّ ، وَلا يُؤِلِّفُ بَينَهُم إِلاَّ الحُبُّ في اللهِ ، فَيَقوَى بِذَلِكَ إِيمَانُهُ وَيَتَرَسَّخُ يَقِينُهُ بِعَظَمَةِ دِينِهِ ، وَ" مَن فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثلُ أَجرِهِ " وَمِنَ البِيئَاتِ الرَّمَضَانِيَّ ةِ الخَيِّرَةِ وَقتُ السَّحَرِ ، الأَكلَةُ المُبَارَكَةِ وَالوَجبَةُ الطَّيِّبَةُ ، وَقتُ النُّزُولِ الإِلَهِيِّ الكَرِيمِ ، وَفُرصَةُ الاستِغفَارِ وَالدُّعَاءِ وَالابتِهَالِ وَرَفعِ الحَاجَاتِ ، يَحرِصُ عَلَيهَا المُبَارَكُونَ ، وَيَشهَدُهَا المُوَفَّقُونَ ، وَلا يُضِيعُهَا إِلاَّ المَحرُومُونَ المُفَرِّطُونَ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " تَسَحَّرُوا فَإِنَّ في السَّحُورِ بَرَكَةً " وَقَالَ : " عَلَيكُم بِهَذَا السَّحُورِ فَإِنَّهُ هُوَ الغَدَاءُ المُبَارَكُ " فَليَحرِصِ المُسلِمُ عَلَى مَا يَنفَعُهُ وَلْيَحذَرِ النَّومَ وَالكَسَلَ ، وَليُكثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ وَالاستِغفَارِ وَسُؤَالِ اللهِ مَا شَاءَ مِن خَيرَيِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِذَا مَضَى شَطرُ اللَّيلِ أَو ثُلُثَاهُ ، يَنزِلُ اللهُ إِلى السَّمَاءِ الدُّنيَا فَيَقُولُ : هَل مِن سَائِلٍ فَيُعطَى ؟ هَل مِن دَاعٍ فَيُستَجَابَ لَهُ ؟ هَل مِن مُستَغفِرٍ فَيُغفَرَ لَهُ ؟ حَتَّى يَنفَجِرَ الصُّبحُ " وَمِنَ البِيئَاتِ الرَّمَضَانِيَّ ةِ الخَيِّرَةِ سَاعَةُ الإِفطَارِ ، فَرحَةُ المُؤمِنِ وَفُرصَةُ الدَّاعِي ، فِيهَا مَجَالٌ لِلدَّعوَةِ وَالاستِغفَارِ ، وَلَحَظَاتٌ لِلمُنَاجَاةِ لا تُضَاعَ ، المَرءُ إِذ ذَاكَ أَضعَفُ مَا يَكُونُ مِن أَثَرِ الصِّيَامِ ، قَد خَوَى مِنَ الجُوعِ بَطنُهُ ، وَيَبِسَت مِنَ العَطَشِ شَفَتَاهُ ، وَتَهَيَّأَ لِطَاعَةِ رَبِّهِ في الفِطرِ كَمَا أَطَاعَهُ في الصَّومِ " وَلِلصَّائِمِ فَرحَتَانِ يَفرَحُهُمَا : إِذَا أَفطَرَ فَرِحَ بِفِطرِهِ ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَومِهِ " فَمَا أَجمَلَهَا مِن سَاعَةٍ وَمَا أَهنَأَهَا مِن لَحَظَاتٍ ، خَاصَّةً إِذَا دَعَا المَرءُ فِيهَا بَعضَ إِخوَانِهِ وَفَطَّرَهُم وَنَالَ مِثلَ أَجرِهِم ! أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ رَمَضَانَ فُرصَةٌ لا تُعَوَّضُ لِلتَّغيِيرِ لِلأَحسَنِ ، وَمَجَالٌ خِصبٌ لِتَهذِيبِ النَّفسِ وَتَعوِيدِهَا الطَّاعَاتِ ، فَيَجِبُ استِثمَارُ سَاعَاتِهِ المُبَارَكَةِ وَاستِغلالُ أَوقَاتِهِ الشَّرِيفَةِ ، وَالتَّزَوُّدُ قَدرَ الإِمكَانِ مِن عَمَلِ الآخِرَةِ ، صَلاةً وَدُعَاءً ، وَقِرَاءَةً لِلقُرآنِ وَذِكرًا ، وَصَدَقَةً وَإِحسَانًا ، وتَفَطِيرًا لِلصَّائِمِينَ ، وَقَضَاءً لِلحَاجَاتِ وَتَفرِيجًا لِلكُرُبَاتِ . وَإِنَّ في دَاخِلِ كُلٍّ مِنَّا خَيرًا يَجِبُ أَن يُنَمِّيَهُ وَيُقَوِّيَهُ ، وَشَرًّا يَجِبُ أَن يَتَخَلَّصَ مِنهُ وَيَقضِيَ عَلَيهِ ، وَالتَّغيِيرُ إِلى الأَفضَلِ مُمكِنٌ لِمَن صَحَّت نِيَّتُهُ ، هَيِّنٌ عَلَى مَن قَوِيَت عَزِيمَتُهُ وَصَلُبَت إِرَادَتُهُ ، وَمَن لم يَتَقَدَّمْ فَهُوَ يَتَأَخَّرُ ، فَمَا أَحرَى المُؤمِنَ أَن يُحَافِظَ عَلَى مَا بَنَاهُ في نَهَارِهِ فَلا يَهدِمَهُ في لَيلِهِ ! وَأَن يَشِحَّ بِحَسَنَاتِ لِيلِهِ فَلا يُبَدِّدَهَا في نَهَارِهِ ! فَاستَعِينُوا بِرَبِّكُم وَاحرِصُوا عَلَى مَا يَنفَعُكُم وَلا تَعجِزُوا ، استَعِيذُوا بِاللهِ مِنَ العَجزِ وَالكَسَلِ ، وَاحذَرُوا التَّسوِيفَ وَتَجَنَّبُوا التَّأجِيلَ " كَلاَّ وَالقَمَرِ . وَاللَّيلِ إِذْ أَدبَرَ . وَالصُّبحِ إِذَا أَسفَرَ . إِنَّهَا لإِحدَى الكُبَرِ . نَذِيرًا لِلبَشَرِ . لِمَن شَاءَ مِنكُم أَن يَتَقَدَّمَ أَو يَتَأَخَّرَ . كُلُّ نَفسٍ بما كَسَبَت رَهِينَةٌ . إِلاَّ أَصحَابَ اليَمِينِ . في جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ المُجرِمِينَ . مَا سَلَكَكُم في سَقَرَ . قَالُوا لم نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ . وَلم نَكُ نُطعِمُ المِسكِينَ . وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ . وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَومِ الدِّينِ . حَتَّى أَتَانَا اليَقِينُ . فَمَا تَنفَعُهُم شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ " أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ تُقَاتِهِ ، وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَتِهِ وَمَرضَاتِهِ ، وَاعلَمُوا أَنَّ عَرضَ البَضَائِعِ في هَذِهِ السُّوقِ الرَّمَضَانِيَّ ةِ لا يَقتَصِرُ عَلَى أَهلِ الإِحسَانِ مِن طُلاَّبِ الآخِرَةِ وَالدَّالِّينَ عَلَى الخَيرِ ، وَلا عَلَى أَهلِ التِّجَارَةِ مِن طُلاَّبِ الدُّنيَا المُنشَغِلِينَ بِتَنمِيَةِ أَموَالِهِم ، بَل حَتَّى أَهلُ الشَّرِّ وَشَيَاطِينُ الإِنسِ ، هُم أَيضًا يَعرِضُونَ شَرَّ البِضَاعَةِ ، خَاصَّةً في هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي انفَتَحَت فِيهِ الثَّقَافَاتُ عَلَى بَعضِهَا ، وَرَاجَت سُوقُ الإِعلامِ وَصَارَ لَهَا رُوَّادُهَا . وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ عَلَى المُسلِمِ الحَذَرَ مِمَّن يَسرِقُونَ وَقتَهُ ويُبعِدُونَهُ عَن رَبِّهِ ، نَعَمْ ـ أَيُّهَا الإِخوَةُ ـ إِنَّ هَذِهِ القَنَوَاتِ الشِّرِّيرَةَ المَاكِرَةَ تَسرِقُ الوَقتَ وَالجُهدَ وَالمَالَ ، وَقَبلَ ذَلِكَ وَأَخطَرُ مِنهُ ، فَهِيَ تَسرِقُ الدِّينَ وَتُفسِدُ عَلَى النَّاسِ قُلُوبَهُم ، وَمَاذَا يَنتَظِرُ مَن فَسَدَ قَلبُهُ وَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلا وَهِيَ القَلبُ " كَيفَ نَستَنكِرُ أَن يُضِيعَ بَعضُنَا الصَّلَوَاتِ وَيَتَّبِعُوا الشَّهَوَاتِ وَيَتَقَاعَسُوا عَن الخَيرَاتِ وَهُم قَد عَلَّقُوا قُلُوبَهُم بِالقَنَوَاتِ ؟! كَيفَ نُرِيدُ أَن يَجِدُوا لِشَهرِ الخَيرِ طَعمًا وَيُقَدِّمُوا فِيهِ لأَنفُسِهِم خَيرًا وَهُم يَمِيلُونَ مَعَ أَهلِ الشَّهَوَاتِ ؟! إِنَّهُ لَو لم يَكُن مِن شُؤمِ المَعَاصِي إِلاَّ أَنَّهَا تَصرِفُ العَبدَ عَنِ الطَّاعَةِ لَكَفَى ! سُئِلَ بَعضُ الصَّالحِينَ : أَيَجِدُ لَذَّةَ الطَّاعَةِ مَن يَعصِي ؟ فَقَالَ : وَلا مَن هَمَّ . ـ يَعني وَلا مَن هَمَّ بِالمَعصِيَةِ ـ وقَالَ الإِمَامُ ابنُ الجَوزِيِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : فَرُبَّ شَخصٍ أَطلَقَ بَصَرَهُ فَحُرِمَ اعتِبَارَ بَصِيرَتِهِ ، أَو لِسَانَهُ فَحَرَمَهُ اللهُ صَفَاءَ قَلبِهِ ، أَو آثَرَ شُبهَةً في مَطعَمِهِ فَأَظلَمَ سِرُّهُ ، وَحُرِمَ قِيَامَ اللَّيلِ وَحَلاوَةَ المُنَاجَاةِ إِلى غَيرِ ذَلِكَ . فَيَا مَن تَجِدُ مِن نَفسِكَ في رَمَضَانَ ثِقَلاً عَنِ الطَّاعَةِ وَإِعرَاضًا عَنِ الخَيرِ ، تَفَقَّدْ نَفسَكَ وَاحفَظْ جَوَارِحَكَ ، وَغُضَّ بَصَرَكَ وَلْيَصُمْ لِسَانُكَ وَسَمعُكَ ، وَاحفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ ، اِحفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، وَتَقَرَّبْ إِلَيهِ تَجِدْهُ خَيرًا ممَّا تَظُنُّ ، فَوَاللهِ لا يَخِيبُ عَبدٌ أَقبَلَ عَلَى رَبِّهِ وَسَأَلَهُ التَّوفِيقَ " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَستَجِيبُو ا لي وَلْيُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ " وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ يَقُولُ ـ تَعَالى ـ : " أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَاني " اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري التحذير من القول على الله بلا علم 10/9/1431هـ أَمَّا بَعدُ فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ " تَذَكَّرُوا أَنَّكُم في شَهرٍ أَيَّامُهُ مَعدُودَاتٌ وَلَيَالِيهِ مُبَارَكَاتٌ ، يُوشِكُ أَن تُصبِحُوا وَقَد هَلَّ هِلالُ العِيدِ فَفَازَ مُجِدٌّ وَاغتَبَطَ مُجتَهِدٌ ، وَخَسِرَ مُفَرِّطٌ وَتَحَسَّرَ مُقتَصِدٌ . لَقَد مَضَى ثُلُثُ شَهرِكُم وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ، فَاعمُرُوا أَوقَاتَ شَهرِكُمُ الشَّرِيفَةَ بما يُرضِي رَبَّكُم ، وَاحذَرُوا مَا يُنقِصُ ثَوَابَ أَعمَالِكُم أَو يَذهَبُ بِأَجرِكُم ، وَإِيَّاكُم أَن تَكُونُوا ممَّن يَختِمُونَ صِيَامَهُم بِحُضُورِ مَجَالِسِ اللَّغوِ وَشُهُودِ الزُّورِ ، بِمُشَاهَدَةِ مَا تَنضَحُ بِهِ بَعضُ الفَضَائِيَّاتِ المُفسِدَةِ مِنَ السُّخرِيَةِ بِدِينِ اللهِ وَالاستِهزَاءِ بِشَرعِهِ ، وَجَعلِ أَحكَامِهِ مَادَّةً لِلتَّنَدُّرِ وَالتَّفَكُّهِ ، فَقَد وَصَفَ ـ سُبحَانَهُ ـ عِبَادَ الرَّحمَنِ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِم سُجَّدًا وَقِيَامًا بِقَولِهِ : " وَالَّذِينَ لا يَشهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغوِ مَرُّوا كِرَامًا " وحَذَّرَنَا رَبُّنَا ـ جَلَّ وَعَلا ـ مِن حُضُورِ مَجَالِسِ الاستِهزَاءِ الآثِمَةِ فَقَالَ : " وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم في الكِتَابِ أَن إِذَا سَمِعتُم آيَاتِ اللهِ يُكفَرُ بها وَيُستَهزَأُ بها فَلا تَقعُدُوا مَعَهُم حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيرِهِ إِنَّكُم إِذًا مِثلُهُم إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ في جَهَنَّمَ جَمِيعًا " أَيُّهَا المُسلِمُونَ : حُرمَةُ الدِّينِ عَظِيمَةٌ ، وَتَبدِيلُهُ إلى مَا يُرِيدُهُ النَّاسُ كَبِيرَةٌ ، وَالخَوضُ فِيهِ بِلا عِلمٍ ذَنبٌ وَجَرِيرَةٌ ، وَالنُّصُوصُ في التَّحذِيرِ مِن ذَلِكَ كَثِيرَةٌ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ " وَلا تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤُولاً " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " قُل أَرَأَيتُم مَا أَنزَلَ اللهُ لَكُم مِن رِزقٍ فَجَعَلتُم مِنهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُل آللهُ أَذِنَ لَكُم أَم عَلَى اللهِ تَفتَرُونَ . وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ يَومَ القِيَامَةِ " بَلْ لَقَد قَرَنَ ـ تَعَالى ـ تَحرِيمَ ذَلِكَ بِالشِّركِ وَالفَوَاحِشِ فَقَالَ : " قُل إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثمَ وَالبَغيَ بِغَيرِ الحَقِّ وَأَن تُشرِكُوا بِاللهِ مَا لم يُنَزِّلْ بِهِ سُلطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعلَمُونَ " وَبِالجَهلِ بِالحَقِّ ضَلَّ أَكثَرُ أَهلِ الأَرضِ وَأَعرَضُوا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " بَل أَكثَرُهُم لا يَعلَمُونَ الحَقَّ فَهُم مُعرِضُونَ " وَمِن ثَمَّ فَقَد أَلزَمَ ـ سُبحَانَهُ ـ مَن جَهِلَ شَيئًا مِن دِينِهِ بِالرُّجُوعِ إلى أَهلِ العِلمِ وَالأَخذِ عَنهُم ؛ لِيَعبُدَ رَبَّهُ عَلَى بَصِيرَةٍ ، فَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ إِنْ كُنتُم لا تَعلَمُونَ " ذَلِكُم أَنَّ العِبَادَةَ عَلَى جَهلٍ تُؤَدِّي إلى البِدَعِ وَتُوصِلُ إلى الشِّركِ ، وَيُنهِكُ العَابِدُ فِيهَا نَفسَهُ وَيُنصِبُ جَسَدَهُ بِلا أَجرٍ ، فَيَكُونُ مِمَّن " ضَلَّ سَعيُهُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَهُم يَحسَبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعًا " وَلأَنَّ مَقَامَ العِلمِ مَرغُوبٌ وَدَرَكَ الجَهلِ مَرفُوضٌ ؛ فَإِنَّ الإِنسَانَ بِطَبِيعَتِهِ يَأبى الوَصفَ بِالجَهلِ وَيَتَرَفَّعَ عَن أَن يُوصَمَ بِهِ ، وَيُحِبُّ أَن يُنسَبَ إلى العِلمِ وَيُمدَحَ بِهِ ، وَذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَيَرفَعُ بِهِ مَن أَرَادَ ، غَيرَ أَنَّ ثَمَّةَ مَن قَد يَدَّعِي العِلمَ وَلا عِلمَ لَهُ ، فَيَخُوضُ في الشَرِيعَةِ بِجَهلٍ فَيَضِلُّ وَيُضِلُّ غَيرَهُ ، وَإِنَّهُ مَعَ كَثرَةِ أَدَوَاتِ الشُّهرَةِ وَالظُّهُورِ بِاتِّسَاعِ وَسَائِلِ الإِعلامِ وَالاتِّصَالِ ، وَتَعَدُّدِ أَسَالِيبِ التَّلمِيعِ وَالتَّزيِيفِ ، وَاستِحكَامِ الجَهلِ بِالشَّرِيعَةِ في النَّاسِ ، انبَرَى لِلفِقهِ وَالفُتيَا مَن لَيسَ مِن أَهلِهَا ، ممَّن هُوَ إِمَّا قَارِئٌ مُجَوِّدٌ ، أَو وَاعِظٌ مُؤَثِّرٌ ، أَو إِخبَارِيٌّ يُحسِنُ القَصَّ وَيَسحَرُ بِبَيَانِهِ ، فَأَتَى بَعضُ مَن أُولِعَ مِن هَؤُلاءِ بِالغَرَائِبِ بِشُذُوذٍ مِنَ الفِقهِ ، استُبِيحَت بِهِ مُحرَّمَاتٌ أَو أُسقِطَت بِهِ وَاجِبَاتٌ ، بَل تَعَدَّى الأَمرُ ذَلِكَ إلى تَقَحُّمِ مُتَخَصِّصِينَ في الإِدَارَةِ أَو التَّربِيَةِ أَو غَيرِهَا مِنَ العُلُومِ الدُّنيَوِيَّةِ لِلكَلامِ في سِيرَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَسِيرَةِ أَصحَابِهِ ، فَأَتَوا بِشَنَائِعَ مِنَ الخَطَأِ ، وَهَكَذَا : مَن تَكَلَّمَ في غَيرِ فَنِّهِ أَتَى بِالعَجَائِبِ ، وَأَعجَبُ مِن ذَلِكَ وَأَخطَرُ أَنْ صَارَ الحَلالُ وَالحَرَامُ كَلأً مُبَاحًا وَعِرضًا مُستَبَاحًا لأَهلِ النِّفَاقِ وَالفِسقِ وَالفُجُورِ ، مِنَ الصَّحَفِيِّينَ الجَهَلَةِ وَالإِعلامِيِّي نَ الكَذَبَةِ ، الَّذِينَ لم يَتَوَرَّعُوا عَنِ الكَلامِ في دِيَنِ اللهِ بِلا عِلمٍ وَالخَوضِ في الحَلالِ وَالحَرَامِ بِهَوًى وَجَهلٍ ، بَلْ وَصَلَ الأَمرُ إِلى أَن يَظهَرَ لِلنَّاسِ مُغَنٍّ رَقِيعٌ أَو مُمَثِّلٌ خَلِيعٌ ، أَو رَاقِصَةٌ فَاجِرَةٌ أَو مُمَثِّلَةٌ دَاعِرَةٌ ، فيَرفُضُونَ مِنَ الشَّرِيعَةِ مَا تَأبَاهُ نُفُوسُهُم المَرِيضَةُ ، وَيُعلِنُونَ ذَلِكَ في جُرأَةٍ عَلَى اللهِ وَعَلَى الشَّرِيعَةِ ، مَعَ جَهلٍ ذَرِيعٍ بِأَقدَارِ أَنفُسِهِمُ الوَضِيعَةِ ، وَهَكَذَا تُعمِي الشُّهرَةُ المَرءَ فَلا يَعرِفُ مِقدَارَ نَفسِهِ ، وَتَجعَلُهُ يَظُنُّ أَنَّهُ يَعلَمُ وَهُوَ لا يَعلَمُ ، وَهَكَذَا يَندَفِعُ المُعجَبُونَ بِهِ أَوِ المُستَغِلُّونَ لَهُ فَيَدفَعُونَهُ بِالمَدحِ وَالثَّنَاءِ إلى تَجَاوُزِ مَا يُحسِنُ إلى مَا لا يَحسِنُ ، فَيَأتي بِالأَوَابِدِ وَالبَوَاقِعِ ، وَمِن ثَمَّ كَانَ مِن أَوجَبِ الوَاجِبَاتِ حِمَايَةُ جَنَابِ الشَرِيعَةِ مِن عَبَثِ العَابِثِينَ وَسُخرِيَةِ السَّاخِرِينَ ، أَو مِمَّن يَخُوضُونَ فِيهَا بِجَهلٍ أَو بِهَوًى ، فَيُخَالِفُونَ النَّصَّ أَوِ يَخرِقُونَ الإِجمَاعَ ، قَالَ الإِمَامُ ابنُ القَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : مَن أَفتَى النَّاسَ وَلَيسَ بِأَهلٍ لِلفَتوَى فَهُوَ آثِمٌ عَاصٍ ، وَمَن أَقَرَّهُ مِن وُلاةِ الأُمُورِ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ آثِمٌ أَيضًا . ثُمَّ نَقَلَ عَن ابنِ الجَوزِيِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ قَولَهُ : وَيَلزَمُ وَلِيَّ الأَمرِ مَنعُهُم كَمَا فَعَلَ بَنُو أُمَيَّةَ . وَهَؤُلاءِ بِمَنزِلَةِ مَن يَدُلُّ الرَّكبَ وَلَيسَ لَهُ عِلمٌ بِالطَّرِيقِ ، وَبِمَنزِلَةِ الأَعمَى الَّذِي يُرشِدُ النَّاسَ إلى القِبلَةِ ، وَبِمَنزِلَةِ مَن لا مَعرِفَةَ لَهُ بِالطِّبِّ وَهُوَ يُطِبُّ النَّاسَ ، بَل هُوَ أَسوَأُ حَالاً مِن هَؤُلاءِ كُلِّهِم ... وَنَقَلَ أَئِمَّةُ الأَحنَافِ عَن أَبي حَنِيفَةَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ قَولَهُ : لا يَجُوزُ الحَجرُ إِلاَّ عَلَى ثَلاثَةٍ : عَلَى المُفتي المَاجِنِ ، وَعَلَى المُتَطَبِّبِ الجَاهِلِ ، وَعَلَى المُكَارِي المُفلِسِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ الفَاحِشِ إِذَا لم يُحجَرْ عَلَيهِم ، فَالمُفتي المَاجِنُ يُفسِدُ عَلَى النَّاسِ دِينَهُم ، وَالمُتَطَبِّبُ الجَاهِلُ يُفسِدُ أَبدَانَهُم ، وَالمُكَارِي المُفلِسُ يُتلِفُ أَموَالَهُم ، فَيُمنَعُونَ مِن ذَلِكَ دَفعًا لِلضَّرَرِ . وَقَد فَسَّرُوا المُفتِيَ المَاجِنَ بِأَنَّهُ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الحِيَلَ ؛ لِيَحتَالُوا عَلَى الشَّرِيعَةِ ، وَمَا أَكثَرَ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ في زَمَنِنَا هَذَا بِاسمِ التَّيسِيرِ ، أَو بِدَعوَى مُوَافَقَةِ رُوحِ العَصرِ ، أََو بِدَافِعِ الخُضُوعِ لِعُمُومِ البَلوَى وَالاتِّكَاءِ عَلَى المَقَاصِدِ ، وَلَو كَانَ بِانتِهَاكِ الشَرِيعَةِ وَإِسقَاطِ أَحكَامِهَا . وَإِذَا كَانَ يَجِبُ مَنعُ الجَاهِلِ مِنَ الخَوضِ في الشَّرِيعَةِ ، فَوَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ أَلاَّ يَستَمِعُوا إِلَيهِ وَلا يَأخُذُوا عَنهُ ، وَلا يَسألُوهُ عَمَّا أَشكَلَ عَلَيهِم في دِينِهِم ، وَإِنَّمَا يَرجِعُونَ إلى العُلَمَاءِ الثِّقَاتِ المَشهُودِ لَهُم بِالعِلمِ وَالفَضلِ ، وَقَد كَانَ هَذَا هُوَ دَيدَنَ الأُمَّةِ مِن عَهدِ القُرُونِ المُفَضَّلَةِ إِلى عَهدٍ قَرِيبٍ ، خَاصَّةً في هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ ، الَّتي دَرَجَ أَهلُهَا عَلَى تَقدِيرِ العِلمِ وَإِعزَازِ أَهلِهِ ، فَكَانُوا يَحتَاطُونَ لأَنفُسِهِم فَلا يَأخُذُونَ دِينَهُم إِلاَّ عَمَّن يَثِقُونَ في دِينِهِ وَعِلمِهِ ، غَيرَ أَنَّهَا نَبَتَت في هَذِهِ البِلادِ نَوَابِتُ ممَّن لا يَرجُونَ للهِ وَقَارًا ، فَعَبَثُوا بِمَقَامِ الفَتوَى وَتَسَاهَلُوا فِيهَا ، وَسَهَّلُوا لِلنَّاسِ سُلُوكَ كُلِّ طَرِيقٍ نَشَازٍ لَيسَت لَهُم ، فَكَانَ لا بُدَّ مِن وَقفَةٍ جَادَّةٍ حَازِمَةٍ ، تُعِيدُ الشَّارِدَ وَتُقَيِّدُ الآبِدَ ، وَتَهدِي الضَّالَّ وَتُثَبِّتُ المَهتَدِيَ ، وَهُوَ مَا تَوَلاَّهُ وَليُّ الأَمرِ وَفَّقَهُ اللهُ ، حَيثُ أَصدَرَ أَمرَهُ بِأَلاَّ يَتَوَلىَّ الإِفتَاءَ إِلاَّ أَهلُهُ ، مِن حَمَلَةِ العِلمِ الشَّرعِيِّ الرَّاسِخِينَ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَامتَثِلُوا أَمرَ وَليِّ الأَمرِ أَثَابَهُ اللهُ ، وَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمُونَ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " وَلا تَقُولُوا لما تَصِفُ أَلسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لا يُفلِحُونَ " أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاقَدُرُوا هَذَا الشَّهرَ المُبَارَكَ قَدرَهُ وَلا تُضِيعُوهُ ، اُعمُرُوا أَوقَاتَهُ الشَّرِيفَةَ بِأَنوَاعِ الطَّاعَاتِ ، فَإِنَّ العَمَلَ فِيهَا لَيسَ كَالعَمَلِ في غَيرِهَا ، حَافِظُوا عَلَى الفَرَائِضِ وَاستَكثِرُوا مِنَ النَّوَافِلِ ، وَاعلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ حُفَّت بِالمَكَارِهِ فَاصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا ، وَالنَّارَ قَد حُفَّت بِالشَّهَوَاتِ فَانتَبِهُوا وَاحذَرُوا وَاتَّقُوا ، قَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مَا تَرجُونَهُ غَدًا عِندَ رَبِّكُم ، وَفُّوا أَعمَالَكُم وَقُومُوا قِيَامًا طَوِيلاً ، وَلا تَكُونُوا ممَّن لا يَذكُرُونَ اللهَ في صَلاتِهِم إِلاَّ قَلِيلاً ، فَإِنَّ المَوتَ آتٍ وَلِقَاءَ اللهِ قَرِيبٌ ، وَالتَّنَافُسُ المَقصُودُ وَالتَّسَابُقُ المَحمُودُ وَالفَلاحُ المَنشُودُ ، إِنَّمَا هُوَ في الخُشُوعِ وَالتَّبَتُّلِ وَالقُنُوتِ للهِ ، لا في سُرعَةِ الخُرُوجِ مِنَ المَسَاجِدِ وَاغتِنَامِ مَجَالِسِ اللَّهوِ وَاللَّغوِ " مَن كَانَ يَرجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ . وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنيٌّ عَنِ العَالمِينَ . وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَلَنَجزِيَنَّه ُم أَحسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعمَلُونَ " |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري جزا الله الشيح البصري خير الجزاء و وفقه لصالح العمل لاهنت اخي الفاضل على النقل واثابك الله الفردوس الاعلى من الجنه |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري وفقك الله واثابك وجعل ماقمت به في موازين حسناتك تحيتي |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري شهر الأنتصار 17/9/1431هـ [IMG]file:///C:/Users/user/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.g if[/IMG]أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَن عَلِمَ حَقَارَةَ الدُّنيَا وَسُرعَةَ فَنَائِهَا لم يَأسَفْ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنهَا ، وَمَن عَلِمَ حَقِيقَةَ الآخِرَةِ وَبَقَاءَ نَعِيمِهَا حَرِصَ عَلَى أَلاَّ يَفُوتَهُ شَيءٌ مِن فُرَصِهَا ، أَمَّا وَقَد مَضَى مِن رَمَضَانَ أَكثَرُ مِن نِصفِهِ ، فَإِنَّ عَلَى المُسلِمِ أَن يَقِفَ مَعَ نَفسِهِ وَقفَةَ مُحَاسَبَةٍ جَادَّةً ، يَسأَلُ فِيهَا نَفسَهُ : مَاذَا قَدَّمَ فِيمَا مَضَى ؟ وَعَلامَ هُوَ عَازِمٌ فِيمَا بَقِيَ ؟ هَل وَعَى الدَّرسَ الرَمَضَانيَّ الكَبِيرَ فَانتَصَرَ عَلَى نَفسِهِ وَقَتَلَ شَهَوَاتِهَا وَحَطَّمَ أَصنَامَهَا ؟ هَل حَقَّقَ العُبُودِيَّةَ التَّامَّةَ لِرَبِّهِ امتِثَالاً وَاجتِنَابًا ؟ إِنَّ عَلَى المُسلِمِ وَقَد مَضَى أَكثَرُ شَهرِهِ وَقَدَّمَ فِيهِ مَا قَدَّمَ ، أَن يَحذَرَ مِن آفَةٍ طَالما أَصَابَتِ السَّالِكِينَ فَجَعَلَتِ استِفَادَةَ بَعضِهِم مِن مَوَاسِمِ العِبَادَةِ لَيسَت بِتِلكَ ، تِلكُم هِيَ آفَةُ الفُتُورِ بَعدَ النَّشَاطِ وَالتَّرَاخِي بَعدَ الشِّدَّةِ ، ، وَالَّتي مِنَ البَلاءِ أَنَّهَا لا تُصِيبُ صَاحِبَهَا إِلاَّ في خِتَامِ الشَّهرِ وَلَيَالي العَشرِ ، وَبَدَلاً مِن الازدِيَادِ وَالتَّزَوُّدِ بَعدَ التَّعَوُّدِ ، تَخُورُ القُوَى وَتَفتُرُ العَزَائِمُ ، وَيَظهَرُ الكَلالُ وَيَدِبُّ إِلى النُّفُوسِ المَلالُ ، وَمَا هَكَذَا يَنبَغِي أَن يَكُونَ المُؤمِنُ ، كَيفَ وَقَد قَالَ اللهُ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " فَطَرِيقُ الفَلاحِ فِيهِ مِنَ الطُّولِ مَا فِيهِ ، وَيَعتَرِي سَالِكَهُ مِنَ التَّعَبِ مَا يَعتَرِيهِ ، وَقَد حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ ، وَمَن بَعُدَت عَلَيهِ الشُّقَّةُ وَاستَهوَتهُ الأَعرَاضُ القَرِيبَةُ ، تَقَاصَرَت هِمَّتُهُ دُونَ اتِّبَاعِ الهَادِي وَتَخَلَّفَ عَن رَكبِ النَّاجِينَ ، وَمِن ثَمَّ كَانَ لا بُدَّ مِن الصَّبرِ وَالمُصَابَرَةَ وَالمُرَابَطَةِ ، وَإِتقَانِ العَمَلِ وَالإِحسَانِ وَالمُجَاهَدَةِ ، وَبَذلِ الجُهدِ وَتَقوَى اللهِ قَدرَ الاستِطَاعَةِ ، لَعَلَّ الفَلاحَ أَن يَكُونَ خَاتِمةَ العَبدِ وَثَمَرَةَ عَمَلِهِ ، وَلَعَلَّ رَبَّهُ أَن يَرزُقَهُ مِن مَعِيَّتِهِ مَا يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى طَاعَتِهِ وَيَهتَدِي بِهِ إِلى سُبُلِ مَرضَاتِهِ " إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ " " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ " ثُمَّ إِنَّ رَمَضَانَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ لم يَكُنْ لَدَى أُمَّةِ الإِسلامِ في يَومٍ مِنَ الأَيَّامِ شَهرَ كَسَلٍ وَلا مَوسِمَ بَطَالَةٍ ، وَلا عَرَفَ الأَسلافُ فِيهِ الخُمُولَ وَلا الضَّعفَ وَلا الوَهْنَ ، وَلا استَسلَمُوا فِيهِ وَلا استَكَانُوا ، ذَلِكُم أَنَّ هَذَا الشَّهرَ الكَرِيمَ كَانَ مَولِدَ الإِسلامِ وَمَشرِقَ نُورِهِ ، وَفِيهِ بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، وَلِيُخرِجَ بِهِ النَّاسَ مِن ظُلُمَاتِ الشِّركِ وَأَسرِ الهَوَى ، إِلى نُورِ الإِيمَانِ وَسَعَةِ الهُدَى ، وَيَشهَدُ التَّأرِيخُ الإِسلامِيُّ المَجِيدُ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ المَعَارِكِ الفَاصِلَةِ الَّتي انتَصَرَ فِيهَا المُسلِمُونَ عَلَى أَعدَائِهِم ، وَأَنَّ عَدَدًا مِن تِلكَ الفُتُوحِ الَّتي فَرَّقَت بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ ، وَأَنَّ تَحطِيمَ أَكبَرِ الأَصنَامِ وَإِرغَامَ أُنُوفِ أَلَدِّ الأَعدَاءِ ، كَانَ في شَهرِ رَمَضَانَ ، في رَمَضَانَ يَومُ الفُرقَانِ ، يَومَ التَقَى الجَمعَانِ ، ثَلاثُ مِئَةٍ وَبِضعَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنَ المُوَحِّدِينَ الصَّابِرِينَ ، يَهزِمُونَ أَلفًا مِنَ المُشرِكِينَ بِإِذنِ اللهِ ، لِيَثبُتَ أَنَّ النَّصرَ لَيسَ بِالعَدَدِ الكَثِيرِ وَلا بِالسِّلاحِ الوَفِيرِ ، وَلَكِنَّهُ ثَمَرَةُ إِخلاصٍ مَقرُونٍ بِجَمِيلِ تُوَكُّلٍ عَلَى اللهِ وَصِدقِ التِجَاءٍ إِلَيهِ ، وَفي رَمَضَانَ جَاءَ نَصرُ اللهِ وَكَانَ فَتحُ مَكَّةَ ، فَجَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ ، وَتَهَاوَت أَنصَابُ الشِّركِ وَطُهِّرَ البَيتُ الحَرَامُ مِنَ الرِّجسِ ، وَفي رَمَضَانَ رَجَعَ المُسلِمُونَ مِن غَزوَةِ تَبُوكَ بَعدَ مَوَاقِفِ بَذلٍ وَمَقَامَاتِ صِدقٍ رَائِعَةٍ ، وَفِيهِ دَخَلَ المُسلِمُونَ الأَندَلُسَ لِيُقِيمُوا فِيهَا الإِسلامَ أَكثَرَ مِن ثَمَانِيَةِ قُرُونٍ ، وَفي رَمَضَانَ فُتِحَت عَمُّورِيَّةَ استِجَابَةً لِصَرخَةِ امرَأَةٍ مَكلُومَةٍ ، وَفِيهِ استُرِدَّ بَيتُ المَقدِسِ في مَعرَكَةِ حِطِّينَ بَعدَ تَدنِيسٍ نَصرَانيٍّ دَامَ زُهَاءَ تِسعِينَ عَامًا ، وَفي رَمَضَانَ انتَصَرَ المُسلِمُونَ عَلَى التَّتَارِ في مَعرَكَةِ عَينِ جَالُوتَ ، وَفي رَمَضَانَ كَانَ فَتحُ القِسطَنطِينِيّ َةِ عَلَى يَدِ مُحَمَّدِ الفَاتِحِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ لَقَد كَانَ رَمَضَانُ مَولِدًا لِلإِسلامِ ومُبتَدَأَ نَصرٍ لِلمُسلِمِينَ ، وَمَشرِقَ فَتحٍ مُبِينٍ وَمِفتَاحَ مَجدٍ كَرِيمٍ ؟ فِيهِ انتَصَرُوا عَلَى الطُّغَاةِ المُعتَدِينَ ، وَفيهِ أَذَلُّوا الجَبَابِرَةَ المُشرِكِينَ ؟ وَفِيهِ هُدِمَ هُبَلُ وَمَعَهُ أَكثَرُ مِن ثَلاثِ مِئَةٍ وَسِتِّينَ صَنَمًا حَولَ الكَعبَةِ المُشَرَّفَةِ , وَفِيهِ بَعثَ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ لِيَهدِمَ العُزَّى فَهَدَمَهَا ، وَفِيهِ بَعثَ عَمرَو بنَ العَاصِ لِيَهدِم سُوَاعًا فَهَدَمَهُ ، وَفِيهِ بَعَثَ سَعدَ بنَ زَيدٍ لِيَهدِمَ مَنَافًا فَهَدَمَهُ . وَللهِ في تَقدِيرِ كُلِّ تِلكَ الانتِصَارَاتِ وَالفُتُوحَاتِ الحِكمَةُ البَالِغَةُ ، وَإِنَّهَا لإِشَارَاتٌ بَالِغَةٌ وَدُرُوسٌ لِلمُسلِمِينَ عَظِيمَةٌ ، تَبقَى مُعتَبَرًا في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَفي كُلِّ عَصرٍ وَمِصرٍ ، تَفهَمُهَا الأَجيَالُ لاحِقًا بَعدَ سَابِقٍ ، وتَستَلهِمُهَا النُّفُوسُ خَلَفًا بَعدَ سَلَفٍ ، لِيُوقِنَ المُسلِمُونَ أَنَّ شهَرَهُم شَهرُ جِدٍّ لا شَهرَ كَسَلٍ ، وَشَهرُ عَطَاءٍ وَإِقدَامٍ لا شَهرَ بَخلٍ وَنُكُوصٍ ، وَشَهرُ انتِصَارٍ وَعِزٍّ لا شَهرَ هَزِيمَةٍ وَذُلٍّ ، وَشَهرُ وُضُوحٍ وَفُرقَانٍ لا شَهرَ مُصَانَعَةٍ وإِدهَانٍ ، فَلا يَذِلُّوا وَلا يُدَاهِنُوا ، وَلا يَنهَزِمُوا أَمَامَ أَيِّ عَدُوٍّ وَلا يَقِفَ أَمَامَهُم أَيُّ صَنَمٍ ، سَوَاءً هَوَى نَفسٍ كَانَ أَو دَاعِيَ شَهوَةٍ ، أَو عَادَةً شَخصِيَّةً أَو عُرفًا اجتِمَاعِيًّا ، أَو قُوَّةً مَادِّيَّةً بَاهِرَةً أَو تَقَدُّمًا حَضَارِيًّا سَاحِرًا ، أَو دِعَايَاتٍ إِعلامِيَّةً مُضَلِّلَةً أَو مَشَاهِدَ تَمِثِيلِيَّةً فَاتِنَةً . إِنَّ رَمَضَانَ بِأَيَّامِهِ المُبَارَكَةِ وَلَيَالِيهِ المُشرِقَةِ كَانَ وَمَا زَالَ فُرصَةً لِلمُؤمِنِ الصَّادِقِ لِيُظهِرَ اعتِزَازَهُ بِدِينِهِ ، وَلِيُعلِنَ اعتِدَادَهُ بِعَقِيدَتِهِ ، وَلِيُنَادِيَ مُفتَخِرًا بِاتِّبَاعِهِ شَرِيعَةَ رَبِّهِ وَتَمَسُّكِهِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ ، وَلِيُعَلِّقَ قَلبَهُ وَقَالَبَهُ بِمَولاهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ وَحدَهُ دُونَ سِوَاهُ ، وَلِيَنصُرَهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ في أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ ، لِيَنصُرَهُ رَبُّهُ كَمَا وَعَدَهُ حَيثُ قَالَ :" إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتْ أَقدَامَكُم " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَانَصُرُوهُ بِتَقدِيمِ مَا يُحِبُّهُ وَيَرضَاهُ عَلَى مَا تُحِبُّونَ وَتَشتَهُونَ ، اُنصُرُوهُ بِنَصرِ الحَقِّ وَأَهلِهِ ، بَل قَبلَ كُلِّ ذَلِكَ انتَصِرُوا عَلَى نُفُوسِكُمُ الَّتي بَينَ جُنُوبِكُم ، انتَصِرُوا عَلَى شَهَوَاتِكُم ومَلَذَّاتِكُم ، حَقِّقُوا العُبُودِيَّةَ التَّامَّةَ للهِ ـ سُبحَانَهُ ـ وَالاستِسلامَ لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، حَطِّمُوا الأَصنَامَ الَّتي في الصُّدُورِ ، فَإِنَّهُ لا نَصرَ لِلأُمَّةِ وَلا غَلَبَةَ ، وَلا عِزَّ لَهَا وَلا تَمكِينَ ، إِلاَّ بِأَن يَنتَصِرَ أَفرَادُهَا عَلَى أَعدَائِهِمُ الدَّاخِلِيَّين َ وَيَهزِمُوهُم ، مِن نُفُوسِهِمُ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ ، وَشَيَاطِينِ الإِنسِ وَالجِنِّ الَّذِينَ لا يَأَلُونَهُم خَبَالاً ، أَمَّا أَن يَنهَزِمَ المُسلِمُونَ أَمَامَ هَوَى نُفُوسِهِم وَشُحِّهَا ، وَيَستَسلِمُوا لِنَزَغَاتِ شَيَاطِينِهِم وَيُسَلِّمُوا لهمُ القِيَادَ ، وَيَسقُطُوا في مَعرَكَةِ سَاعَةٍ أَو نِصفِ سَاعَةٍ أَو دَقَائِقَ مَعدُودَةٍ ، يُوَاجِهُهُم فِيهَا مُمَثِّلُونَ طَائِشُونَ ، ويَستَرِقُّهُم فِيهَا مُغَنُّونَ مَاجِنُونَ ، فَيَطرَحُونَهُم أَرضًا يَضحَكُونَ وَيَستَهزِئُونَ بِدِينِهِم وَهُم سَامِدُونَ ، أَو يُخلِدُوا لِلفُرُشِ وَيُقَدِّمُوا النَّومَ عَلَى الصَّلاةِ ، أَو تُلهِيَهُم أَموَالُهُم وَأَولادُهُم عَن ذِكرِ اللهِ ، فَمَا أَحرَاهُم حِينَئِذٍ أَن تَدُومَ هَزِيمَتُهُم وَتَظهَرَ إِهَانَتُهُم " وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُكرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفعَلُ مَا يَشَاءُ " وَ" مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُم عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ " نَعَمْ ـ عِبَادَ اللهِ ـ لا عِزَّةَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا نَصرَ إِلاَّ مِن عِندِهِ ، وَلا عِزَّةَ وَلا نَصرَ إِلاَّ بِالكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ ، هَذِهِ هِيَ العِزَّةُ الحَقِيقِيَّةُ وَالعُلُوُّ التَّامُّ وَالسُّلطَانُ القَاهِرُ ، إِنَّهَا الاستِعلاءُ عَلَى شَهَوَاتِ النَّفسِ وَتَحطِيمُ أَصنَامِ الهَوَى وَالعَادَاتِ ، والانفِكَاكُ مِن قُيُودِ الرَّغَبَاتِ وَالنَّزَعَاتِ ، وَالتَّخَلُّصُ مِن ذُلِّ البُخلِ وَقَهرِ الشُّحِّ ، إِنَّهَا خَشيَةٌ للهِ وَتَقوَى ، وَمُرَاقَبَةٌ لَهُ في السِّرِّ وَالنَّجوَى ، فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إِلى غَسَقِ اللَّيلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كَانَ مَشهُودًا . وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحمُودًا . وَقُلْ رَبِّ أَدخِلْني مُدخَلَ صِدقٍ وَأَخرِجْني مُخرَجَ صِدقٍ وَاجعَلْ لي مِن لَدُنْكَ سُلطَانًا نَصِيرًا . وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا . وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالمِينَ إِلاَّ خَسَارًا " أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ . مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجزَى إِلاَّ مِثلَهَا وَمَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ يُرزَقُونَ فِيهَا بِغَيرِ حِسَابٍ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، صُمتُم أَيَّامًا مَعدُودَاتٍ وَقُمتُم لَيَاليَ نَيِّرَاتٍ ، وَذَهَبَ الظَّمَأُ وَابَتَلَّتِ العُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجرُ إِن شَاءَ اللهُ ، لَقَد قَدَّمتُم مَا قَدَّمتُم وَاجتَهَدتُم وَبَذَلتُم ، وَذَهَبَ الكَثِيرُ وَلم يَبقَ إِلاَّ القَلِيلُ ... غَدًا تُوَفَّى النُّفُوسُ مَا كَسَبَت وَيَحصُدُ الزَّارِعُونَ مَا زَرَعُوا إِن أَحسَنُوا أَحسَنُوا لأَنفُسِهِم وَإِن أَسَاؤُوا فَبِئسَ مَا صَنَعُوَا أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَجتَهِدُونَ في إِتمَامِ العَمَلِ وَإِكمَالِهِ وَإِتقَانِهِ ، ثُمَّ يَهتَمُّونَ بَعدَ ذَلِكَ بِقَبُولِهِ وَيَخَافُونَ مِن رَدِّهِ ، أَلا وَإِنَّ مِن إِتقَانِ العَمَلِ الحِرصَ عَلَى الإِحسَانِ في الخَوَاتِيمِ ، فَكَيفَ إِذَا كَانَتِ الخَوَاتِيمُ هِيَ العَشرَ المُبَارَكَةَ الَّتي فِيهَا لَيلَةُ القَدرِ ، العَشرُ الَّتي كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَجتَهِدُ فِيهَا مَا لا يَجتَهِدُ في غَيرِهَا . وَالَّتي كَانَ إِذَا دَخَلَت شَدَّ مِئزَرَهُ وَأَحيَا لَيلَهُ وَأَيقَظَ أَهلَهُ ؟! لَقَد كَانَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَخلِطُ العِشرِينَ بِصَلاةٍ وَنَومٍ ، فَإِذَا دَخَلَتِ العَشرُ شَمَّرَ وَشَدَّ المِئزَرَ ؛ وَمَا ذَاكَ إِلا لِعِلمِهِ بما في هَذِهِ العَشرِ مِنَ الأُجُورِ المُضَاعَفَةِ وَالحَسَنَاتِ المُتَكَاثِرَةِ ، فَكَانَ لِهَذَا يَجتَهِدُ فِيهَا اجتِهَادًا عَظِيمًا وَيَتَفَرَّغُ لِلطَّاعَةِ تَفَرُّغًا تَامًّا ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يَعتَكِفُ فِيهَا فَيَلزَمُ المَسجِدَ وَيَقطَعُ العَلائِقَ بِالخَلائِقِ ، كُلَّ هَذَا مِن أَجلِ أَن يُوَافِقَ لَيلَةَ القَدرِ ، تِلكَ اللَّيلَةُ المُبَارَكَةُ الَّتي يَعدِلُ العَمَلُ فِيهَا عَمَلَ ثَلاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَنَيِّفٍ ، في الصَّحِيحَينِ عَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَعتَكِفُ العَشرَ الأَوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ ، ثُمَّ اعتَكَفَ أَزوَاجُهُ مِن بَعدِهِ . وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ اعتَكَفَ العَشرَ الأَوَّلَ مِن رَمَضَانَ ، ثُمَّ اعتَكَفَ العَشرَ الأَوسَطَ في قُبَّةٍ تُركِيَّةٍ عَلَى سُدَّتِهَا حَصِيرٌ ، قَالَ : فَأَخَذَ الحَصِيرَ بِيَدِهِ فَنَحَّاهَا في نَاحِيَةِ القُبَّةِ ثُمَّ أَطلَعَ رَأسَهُ فَكَلم النَّاسَ فَدَنَوا مِنهُ فَقَالَ : " إِنِّي اعتَكَفتُ العَشرَ الأَوَّلَ أَلتَمِسُ هَذِهِ اللَّيلَةَ ، ثُمَّ اعتَكَفتُ العَشرَ الأَوسَطَ ، ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لي إِنَّهَا في العَشرِ الأَوَاخِرِ ، فَمَن أَحَبَّ مِنكُم أَن يَعتَكِفَ فَليَعتَكِفْ " فَاعتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ . الحَدِيثَ . وَقَد أَرشَدَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلم ـ أُمَّتَهُ إِلى تَحَرِّي هَذِهِ اللَّيلَةِ وَالتِمَاسِهَا وَطَلَبِ مُوَافَقَتِهَا ، في البُخَارِيِّ عَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلم ـ : " تَحَرَّوا لَيلَةَ القَدرِ في الوِترِ مِنَ العَشرِ الأَوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ " وَفي مُسلِمٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " التَمِسُوهَا في العَشرِ الأَوَاخِرِ ـ يَعني لَيلَةَ القَدرِ ـ فَإِن ضَعُفَ أَحَدُكُم أَو عَجَزَ فَلا يُغلَبَنَّ عَلَى السَّبعِ البَوَاقِي " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ مَا استَطَعتُم ، وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم خَيرَ مَا تَجِدُونَ ، فَإِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حَتى تَمَلُّوا . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري جزاك الله كل خير و وفق الله الشيخ عبد الرحمن البصري ,, وكثر من امثاله وتقبل الله مني ومنكم الصيام والقيام وصالح الاعمال وكل عام وانتم بخير |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري [IMG]file:///C:/Users/user/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.g if[/IMG] هل تفرح بالعيد وحدك24/9/1431هـ أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فَإِنَّ التَّقوَى خَيرُ زَادِ المُؤمِنِ العَاقِلِ ، وَهِيَ خَيرُ اللِّبَاسِ لِمَن تَذَكَّرَ " وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولي الأَلبَابِ " " وَلِبَاسُ التَّقوَى ذَلِكَ خَيرٌ ذَلِكَ مِن آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يُطِلُّ عَلَينَا العِيدُ بَعدَ أَيَّامٍ قَلائِلَ ، بَعدَ شَهرٍ حَافِلٍ بِالخَيرِ وَالبِرِّ وَالفَضَائِلِ ، فَيَا فَوزَ مَن خَتَمَ اللهُ شَهرَهُ بِعِتقِ رَقَبَتَهُ ، وَيَا سَعَادَةَ مَن أَصبَحَ يَومَ العِيدِ وَقَد حُطَّت خَطِيئَتُهُ ، فَخَرَجَ إِلى المُصَلَّى نَقِيًّا طَاهِرًا ، لَيسَ عَلَيهِ مِنَ السَّيِّئَاتِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ ، قَد غَفَرَ اللهُ ذُنُوبَهُ وَسَتَرَ عُيُوبَهُ ، صَامَ شَهرَهُ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا ، وَأَحيَا لَيلَهُ سُجُودًا وَاقتِرَابًا ، تَلا كِتَابَ رَبِّهِ وَحَفِظَ وَقتَهُ ، وَبَذَلَ خَيرَهُ وَكَفَّ شَرَّهُ ، لم يُفَرِّطْ في طَاعَةٍ وَلم يُسَوِّفْ بِقُربَةٍ ، وَلم يُعرِضْ عَن عَمَلِ بِرٍّ وَلم يَتَقَاعَسْ عَن بَذلِ مَعرُوفٍ ، فَكَأَنْ قَد نَالَ الجَائِزَةَ الكُبرَى وَسَعِدَ بِالعَطِيَّةِ العُظمَى ، وَفَرِحَ في يَومِ الفَرَحِ الأَكبرِ بِلِقَاءِ رَبِّهِ ، وَلِلصَّائِمِ فَرحَتَانِ : إِذَا أَفطَرَ فَرِحَ بِفِطرِهِ ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَومِهِ " قُل بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَا مَن جَعَلتُم تَستَعِدُّونَ لِلفَرَحِ في العِيدِ ، وَشَرَعتُم تُهَيِّئُونَ لَهُ اللِّبَاسَ الجَدِيدَ ، وَبَدَأَت قُلُوبُكُم وَقُلُوبُ أَهلِيكُم تَخفِقُ سُرُورًا وَاستِبشَارًا ، أَلا تَعلَمُونَ أَنَّ فِيمَن حَولَكُم قَومًا إِذَا اقتَرَبَ العِيدُ عَلَت وُجُوهَهُم مَسحَةُ حُزنٍ وَكَآبَةٍ ، وَغَشِيَتهُم سَحَابَةُ ضِيقٍ وَكَرْبٍ ، وَرَكِبَتهُم جِبَالٌ مِنَ الهَمِّ وَاستَولَت عَلَيهِم جُيُوشُ الغَمِّ ؟ أَلا تَدرُونَ أَنَّ ثَمَّةَ آبَاءً فُقَرَاءَ وَأُمَّهَاتٍ مُمَلِقَاتٍ ، يَفرَحُ النَّاسُ بِالعِيدِ وَلا يَفرَحُونَ ، وَيَهنَأُ غَيرُهُم بِالجَدِيدِ وَلا يَهنَؤُونَ ، لَهُم أَبنَاءٌ وَبُنَيَّاتٌ لا يَدرُونَ مَا الفَقرُ وَلا الغِنَى ، وَلا يُدرِكُونَ مَا العَجزُ وَلا القُدرَةُ ، وَلا يَشعُرُونَ مَا المُمكِنُ وَلا المُستَحِيلُ ، يَرَى أَحَدُهُم أَقرَانَهُ وَأَخدَانَهُ مُبتَهِجِينَ بما لَبِسُوهُ وَاسَتَجَدُّوهُ ، فَيُرِيدُ أَن يَعِيشَ كَمَا يَعِيشُ الآخَرُونَ ، فَيَفزَعُ لأُمِّهِ وَأَبِيهِ رَاجِيًا ، وَقَد يُصِرُّ عَلَيهِمَا بَاكِيًا شَاكِيًا ، فَتَنقَلِبُ المَرأَةُ عَلَى زَوجِهَا بِاللَّومِ ، وَتُلِحُّ عَلَيهِ أَن يَقُومَ فَيُصلِحَ شَأنَهَا وَشَأنَ أَبنَائِهَا وَبُنَيَّاتِهَا ، فَلَم يَبقَ وَقتٌ لِلتَّرَدُّدِ وَالتَّلَبُّثِ ، فَيتَلَفَّتُ الأَبُ المَكلُومُ يَمِينًا وَشِمَالاً ، فَلا يَجِدُ في حِسَابٍ مَالاً ، وَلا يَذكُرُ في مَصرِفٍ رَصِيدًا وَلا في صُندُوقٍ كَنزًا ، فَيَضرِبُ كَفًّا عَلَى كَفٍّ وَيَنطَلِقُ عَلَى وَجهِهِ ، لِيَصِلَ دُيُونَ الأَمسِ الفَادِحَةَ بِدَينٍ آخَرَ مُثقِلٍ أَو قَرضٍ غَيرِ حَسَنٍ ، في حِينِ تَغُصُّ حِسَابَاتُ كَثِيرِينَ بِالمَلايِينِ ، حَتَّى لا يَكَادُ أَحَدُهُم يُحصِي مَا في خَزَائِنِهِ وَلا يُدرِكُ لَهُ عَدًّا ، أَلا فَيَا مَن أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم بِوَفرَةِ المَالِ وَسَعَةِ الغِنى ، أَتَحسَبُونَ ذَلِكَ لِمَزِيدِ فَضلٍ لَكُم أَو لِوَفرَةِ حَظٍّ أَو عُلُوِّ دَرَجَةٍ ؟! " أَهُم يَقسِمُونَ رَحمَةَ رَبِّكَ نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم مَعِيشَتَهُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَرَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضًا سُخرِيًّا وَرَحمَةُ رَبِّكَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ " أَلا فَاعلَمُوا أَنَّ مِن حُسنِ الإِسلامِ وَتَمَامِ الإِيمَانِ وَكَمَالِ الإِحسَانِ ، أَن تَتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم فِيمَا آتَاكُم ، وَأَن تَتَذَكَّرُوا الرُّجُوعَ إِلَيهِ إِذْ فَتَنَكُم بِالخَيرِ وَابتَلاكُم ، وَأَن تَبذُلُوا لأَهلِ الحُقوُقِ في أَموَالِكُم مَا لَهُم ، وَلا تَبخَسُوهُم شَيئًا أَحَلَّهُ اللهُ لَهُم ، فَـ" لَيسَ المُؤمِنُ الَّذِي يَشبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ " وَ" المُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ كَالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا " وَ" المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسلِمُهُ ، وَمَن كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ في حَاجَتِهِ ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ " وَ" السَّاعِي عَلَى الأَرمَلَةِ وَالمِسكِينِ كَالمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللهِ ، أَو كَالقَائِمِ لا يَفتُرُ وَكَالصَّائِمِ لا يُفطِرُ " وَ" مَن لا يَرحَمِ النَّاسَ لا يَرحَمْهُ اللهُ " وَإِذَا كُنتُم تُحِبُّونَ أَن تَرَوا أَبنَاءَكُم وَبُنَيَّاتِكُم في العِيدِ عَلَى أَحسَنِ حَالٍ مِنَ الجَمَالِ ، وَتَبذُلُونَ الكَثِيرَ لإِدخَالِ السُّرُورِ عَلَيهِم وَالبَهجَةِ ، فَإِنَّ إِخوَانَكُم يُحِبُّونَ لأَبنَائِهِم وَبُنَيَّاتِهِم مَا تُحِبُّونَ ، وَلَكِنَّكُم تَقدِرُونَ وَهُم عَاجِزُونَ ، وَتَجِدُونَ وَهُم فَاقِدُونَ ، وَتَتَصَرَّفُون َ وَهُم مُقَيَّدُونَ ، أَفَلا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم وَيُنجِيَكُم مِنَ النَّارِ وَيُدخِلَكُمُ الجَنَّةَ ، إِنَّهُ لا يَتِمُّ لَكُم ذَلِكَ وَلا يَكمُلُ إِيمَانُكُم حَتَّى تُحِبُّوا لإِخوَانِكُم مَا تُحِبُّونَهُ لأَنفُسِكُم ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ " وَقَالَ : " مَن أَحَبَّ أَن يُزَحزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدخَلَ الجَنَّةَ ، فَلْتَأتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، وَلْيَأتِ إِلى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَن يُؤتَى إِلَيهِ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ في المُجتَمَعِ حَولَكُم أَعدَادًا غَيرَ قَلِيلَةٍ مِنَ المُحتَاجِينَ وَالعَاجِزِينَ ، يَنتَظِرُونَ الخَيرَ في شَهرِ الخَيرِ ، وَيَتَرَقَّبُون َ البِرَّ بهم في مَوسِمِ البِرِّ ، وَإِنَّهُ وَإِن كَانَت زَكَاةُ الفِطرِ قَد شُرِعَت في خِتَامِ الشَّهرِ طُعمَةً لِلمَسَاكِينِ وَسَدًّا لِجُوعِهِم ، وَكَفًّا لَهُم عَنِ السُّؤَالِ في يَومِ العِيدِ ، وَصَونًا لِوُجُوهِهِم أَن تُبتَذَلَ في يَومِ العِزِّ والفَرَحِ ، فَمَن ذَا الَّذِي يُتِمُّ فَرحَتَهُم فَيَكسُوَهُم وَيُلبِسَهُم الزِّينَةَ ؟ مَن ذَا الَّذِي يَعِيشُ هَمَّهُم فَيُذِيقَهُم طَعمَ العِيدِ مَعَ إِخوَانِهِم ؟! إِنَّ في الزَّكَاةِ لَتَفرِيجًا لِكُرُبَاتِ كَثِيرِينَ وَقَضَاءً لِحَاجَاتِهِم ، وَإِدخَالاً لِلسُّرُورِ عَلَيهِم وَإِسعَادًا لِقُلُوبِهِم ، وَدَفعًا لَهُم وَلأَبنَائِهِم لِتَذَوُّقِ العَيشِ الكَرِيمِ وَلَو في أَيَّامٍ العِيدِ ، ذَلِكُم أَنَّهَا لَيسَت مَورِدًا يَسِيرًا وَلا قَلِيلاً أَو ضَّئِيلاً ، بَل هِيَ العُشرُ أَو نِصفُ العُشرِ أَو رُبعُ العُشرِ ، فَضلاً عَن زَكَاةِ الفِطرِ الَّتي تَجِبُ عَلَى كُلِّ فَردٍ مِنَ المُسلِمِينَ ، فَلَو أُضِيفَ كُلُّ ذَلِكَ إِلى الصَّدَقَاتِ بِأَنوَاعِهَا وَالنُّذُورِ وَالكَفَّارَاتِ وَالأَوقَافِ وَالهِبَاتِ وَالمَوَارِيثِ وَالنَّفَقَاتِ ، وَغَيرِهَا مِن حُقُوقِ المَالِ في الإِسلامِ ، لَتَحَقَّقَ التَّكَافُلُ المَادِّيُّ بِأَجَلى صُوَرِهِ وَأَجمَلِهَا ، وَلَمَا بَقِيَ فَقِيرٌ وَلا مِسكِينٌ وَلا مُحتَاجٌ ، وَإِنَّ المُتَابِعَ لِلحَرَكَةِ الاقتِصَادِيَّة ِ لَيَرَى أَنَّ ثَمَّةَ بِحَارًا زَاخِرَةً مِنَ الأَغنِيَاءِ المُوسِرِينَ ، وَجِبَالاً شَاهِقَةً مِنَ الأَثرِيَاءِ المُقتَدِرِينَ ، لَو أَدَّوا مَا للهِ عَلَيهِم مِن حَقٍّ في المَالِ وَهِيَ الزَّكَاةُ خَاصَّةً ، لَدَفَنُوا فَقرَ الفُقَرَاءِ وَأَزَالُوا بُؤسَهُم ، فَأَينَ أُولَئِكَ المُمتَلِئُونَ ؟! أَلا يُعَجِّلُونَ بِالزَّكَاةِ طَاعَةً للهِ وَتَفرِيجًا عَن عِبَادِ اللهِ ؟! أَلا يَغتَنِمُونَ مَا بَقِيَ مِن أَيَّامِ هَذَا الشَّهرِ المُبَارَكِ لِيَجمَعُوا بَينَ شَرَفِ الزَّمَانِ وَفَضِيلَةِ تَفرِيجِ الكُرَبِ ؟ إِنَّ مَنعَ الزَّكَاةِ وَالشُّحَّ بها وَالتَّلَكُّؤَ في إِخرَاجِهَا وَالتَّحَايُلَ في ذَلِكَ ، إِنَّهُ لَمُصِيبَةٌ وَأَيُّ مُصِيبَةٌ ، يَكتَوِي بِنَارِهَا الفُقَرَاءُ في الدُّنيَا ، ثُمَّ يَصلَى حَرَّهَا مَانِعُوهَا في الآخِرَةِ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ واغنَمُوا هَذِهِ العَشرَ المُبَارَكَةَ ، وَاحذَرُوا الشُّحَّ وَأَنفِقُوا مِن الطَّيِّبَاتِ ، وَاتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمرَةٍ ، وَاعلَمُوا أَنَّ مَن أَبطَرَهُ الغِنَى أَذَلَّهُ الفَقرُ يَومًا مَا ، وَأَنَّهُ لَيسَ لَكُم مِن أَموَالِكُم الَّتي تَجمَعُونَ إِلاَّ مَا أَكَلتُم فَأفَنَيتُم ، أَو لَبِستُم فَأَبلَيتُم أَو تَصَدَّقتُم فَأَمضِيتُم وَأَبقَيتُم ، قَالَ رَبُّكُم ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ : " وَلا يَحسَبَنَّ الَّذِينَ يَبخَلُونَ بما آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ هُوَ خَيرًا لَهُم بَل هُوَ شَرٌّ لَهُم سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَومَ القِيَامَةِ وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاللهُ بما تَعمَلُونَ خَبِيرٌ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالَّذِينَ يَكنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا في سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَومَ يُحمَى عَلَيهَا في نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكوَى بها جِبَاهُهُم وَجُنُوبُهُم وَظُهُورُهُم هَذَا مَا كَنَزتُم لأَنفُسِكُم فَذُوقُوا مَا كُنتُم تَكنِزُونَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا مِن صَاحِبِ كَنزٍ لا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلاَّ أُحمِيَ عَلَيهِ في نَارِ جَهَنَّمَ فَيُجعَلُ صَفَائِحَ فَيُكوَى بها جَنبَاهُ وَجَبِينُهُ حَتَّى يَحكُمَ اللهُ بَينَ عِبَادِهِ في يَومٍ كَانَ مِقدَارُهُ خَمسِينَ أَلفَ سَنَةٍ ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلى النَّارِ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَيُّكُم مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيهِ مِن مَالِهِ ؟ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيهِ . قَالَ : " فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ ، وَمَالَ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ " لَقَد صُمتُم وَصَلَّيتُم مُصَدِّقِينَ بِيَومِ الدِّينِ مِن عَذَابِ رَبِّكُم مُشفِقِينَ ، أَفَلا تُعتِقُونَ أَنفُسَكُم مِن مَعَرَّةِ الجَزَعِ وَعَارِ الهَلَعِ فَتُؤَدُّوا حَقَّ اللهِ في المَالِ وَتَتَّقُوا الشُّحَّ ؟! قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعًا . إِلاَّ المُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُم عَلى صَلاتِهِم دَائِمُونَ . وَالَّذِينَ في أَموَالِهِم حَقٌّ مَعلُومٌ . لِلسَّائِلِ وَالمَحرُومِ . وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَومِ الدِّينِ . وَالَّذِينَ هُم مِن عَذَابِ رَبِّهِم مُشفِقُونَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَلا يَجتَمِعُ الشُّحُّ وَالإِيمَانُ في قَلبِ عَبدٍ أَبَدًا " وَقَالَ : " كُلِّ امرِئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقضَى بَينَ النَّاسِ " أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم وَفي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفي سَبِيلِ اللهِ وَابنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم ، وَاخَتِمُوا شَهرَكُم بِخَيرِ أَعمَالِكُم ، وَاعلَمُوا أَنَّ مَا يُرَى في عَالَمِ التُّجَّارِ وَحَيَاةِ أَربَابِ الأَموَالِ مِن تَحَاسُدٍ وَتَنَافُسٍ وَشَحنَاءَ وَأَثَرَةٍ ، بَل إِنَّ مَا أَصَابَ النَّاسَ مِن غَلاءٍ في البَضَائِعِ وَارتِفَاعٍ في المَعَايِشِ ، وَمَا بُلُوا بِهِ مِن نَزعٍ لِبَرَكَةِ المَالِ وَضَعفٍ في قِيمَةِ النَّقدِ ، إِنَّ كَثِيرًا مِن ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ نَتِيجَةٌ طَبِيعِيَّةٌ لأَخذِ المَالِ مِن غَيرِ حِلِّهِ وَحَقِّهِ ، ثُمَّ البُخلِ بِهِ وَإِمسَاكِ المَعرُوفِ عَن مُستَحَقِّهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا آتَيتُم مِن رِبًا لِيَربُوَ في أَموَالِ النَّاسِ فَلا يَربُو عِندَ اللهِ وَمَا آتَيتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجهَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضعِفُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَمحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُربي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَمَا أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فَهُوَ يُخلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ " وَصَدَقَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حَيثُ قَالَ : " إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرٌ حُلوٌ ، فَمَن أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ، وَمَن أَخَذَهُ بِإِشرَافِ نَفسٍ لم يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأكُلُ وَلا يَشبَعُ ، وَاليَدُ العُليَا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَا ابنَ آدَمَ ، إِنَّكَ أَنْ تَبذُلَ الفَضلَ خَيرٌ لَكَ ، وَأَن تُمسِكَهُ شَرٌّ لَكَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَاتَّقُوا الشُّحَّ ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُم وَحَمَلَهُم عَلَى أَن سَفَكُوا دِمَاءَهُم وَاستَحَلُّوا مَحَارِمَهُم " وَإِنَّ في الأَزمَاتِ المَالِيَّةِ وَالانهِيَارَات ِ الاقتِصَادِيَّة ِ الَّتي مَا زَالَت تَحصُلُ يَومًا بَعدَ يَومٍ ، وَيُفلِسُ بِسَبَبِهَا كَثِيرٌ مِنَ الأَثرِيَاءِ ، إِنَّ فِيهَا لَعِبرَةً لَنَا بِأَلاَّ نَغتَرَّ بِمَالٍ وَلا نَثِقَ بما في أَيدِينَا ، فَكَم مِن تَاجِرٍ بَاتَ رَافِعًا رَأسَهُ شَامِخًا بِأَنفِهِ مُعتَزًّا بِثَروَتِهِ ، لا يَنظُرُ بِعَينِ التَّوَاضُعِ لِلكُبَرَاءِ فَضلاً عَنِ الفُقَرَاءِ ، فَأَتَى اللهُ بُنيَانَ تِجَارَتِهِ مِنَ القَوَاعِدِ ، فَخَرَّ سَقفُهَا وَتَهَاوَى عَرشُهَا ، فَأَصبَحَ مَدِينًا بَعدَ أَن كَانَ دَائِنًا ، وَعَاشَ الخَوفَ بَعدَ أَن كَانَ آمِنًا ، وَسَارَ في الحَضِيضِ خَافِضًا رَأسَهُ مُتَطَامِنًا . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَاستَدرِكُوا مَا فَاتَ ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ، وَأَكثِرُوا مِنَ الصَّدَقَاتِ وَالهِبَاتِ ، وَاحذَرُوُا أَن تَكُونُوا مِمَّن يَمنَعُونَ مَا للهِ عَلَيهِم في المَالِ مِنَ حَقٍّ ، ثُمَّ يُطِيعُونَ الشَّيطَانَ فِيمَا يَأمُرُهُم بِهِ مِن تَبدِيدِهِ فِيمَا لا يُرضِيهِ ـ سبحانه ـ مِن إِقَامَةِ حَفَلاتِ التَّفَاخُرِ وَوَلائِمِ التَّكَاثُرِ ، أَو إِحرَاقِهِ في المُفَرقَعَاتِ وَالأَلعَابِ النَّارِيَّةِ ، أَو المُبَالَغَةِ في شِرَاءِ المَلابِسِ وَالحُلِيِّ وَالحَلْوَيَاتِ ، وَتَحَرَّوا أَصحَابَ الحَاجَاتِ مِمَّن مَنَعَهُمُ الحَيَاءُ عَنِ السُّؤَالِ ، ممَِّن قَالَ فِيهِمُ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لَيسَ المِسكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقمَةُ وَاللُّقمَتَانِ وَالتَّمرَةُ وَالتَّمرَتَانِ ، وَلَكِنَّ المِسكِينَ الَّذِي لا يَجِدُ غِنًى يُغنِيهِ ، وَلا يُفطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيهِ ، وَلا يَقُومُ فَيَسأَلُ النَّاسَ " اُطلُبُوا أُولَئِكَ وَدُلُّوا عَلَيهِم وَأَوصِلُوا الخَيرَ إِلَيهِم ، فَـ"الدَّالُ عَلَى الخَيرِ كَفَاعِلِهِ " وَقَد قَالَ أَجوَدُ النَّاسِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " ابغُوني ضُعَفَاءَكُم فَإِنَّمَا تُرزَقُونَ وَتُنصَرُونَ بِضُعَفَائِكُم " اللَّهُمَّ بَارِكْ لِكُلِّ مَن زَكَّى مَالَهُ وَأَعطِ كُلَّ مُنفِقٍ خَلَفًا ، اللَّهُمَّ أَخلِفْ لِكُلِّ منَ تَصَدَّقَ بخَيرٍ مِمَّا بَذَلَ وَأَعظِمْ لَهُ الأَجرَ وَضَاعِفْ مَثُوبَتَهُ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري بارك الله فيك اخي واطال عمر شيخنا البصري |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري كشف الغطاء عن فضل العطاء 11 / 5 / 1432 هـ الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى . وَصَدَقَ بِالحُسنى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى . وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاستَغنَى . وَكَذَّبَ بِالحُسنى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرَى . وَمَا يُغني عَنهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الحَيَاةُ أَخذٌ وَعَطَاءٌ ، وَيَدٌ تَمُدُّ وَأُخرَى تَقبِضُ ، وَقُلُوبٌ تَهَبُ وَأَعيُنٌ تَتَرَقَّبُ ، وَمُوسِرُونَ يُنفِقُونَ وَمُقِلُّونَ يَنتَظِرُونَ ، وَقَد جَعَلَ اللهُ النَّاسَ عَلَى قِسمَينِ : قِسمٌ يَجِدُ في العَطَاءِ لَذَّتَهُ ، وَيَرَى البَذلَ مُنتَهَى سَعَادَتِهِ ، وَآخَرُ لا يَعرِفُ إِلاَّ الأَخذَ وَالاستِعطَاءَ ، وَلا يُحسِنُ إِلاَّ السُّؤَالَ وَالاستِجدَاءَ ، وَيَأبى اللهُ لِمَن أَحَبَّهُم مِنَ المُؤمِنِينَ وَاصطَفَاهُم مِن عِبَادِهِ الموَفَّقِينَ ، إِلاَّ أَن يَكُونُوا إِلى الخَيرِ سَابِقِينَ وَفي العَطَاءِ مُتَنَافِسِينَ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ اللهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ ، وَيُحِبُّ مَعَاليَ الأَخلاقِ وَيَكرَهُ سَفسَافَهَا " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ وَغَيرِهِ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " يَا بنَ آدَمَ ، إِنَّكَ أَنْ تَبذُلَ الفَضلَ خَيرٌ لَكَ ، وَأَنْ تُمسِكَهُ شَرٌّ لَكَ ، وَلا تُلامُ عَلَى كَفَافٍ ، وَابدَأْ بِمَن تَعُولُ ، وَاليَدُ العُليَا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى " وَفي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " اليَدُ العُليَا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى ، وَاليَدُ العُليَا هِيَ المُنفِقَةُ ، وَاليَدُ السُّفلَى هِيَ السَّائِلَةُ " وَقَد كَانَت لَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى قِلَّةِ مَا مَعَهُ الأَيَادِي البَيضَاءُ ، فَضَاعَفَ البَذلَ وَتَابَعَ العَطَاءَ ، وَعُرِفَ بِالجُودِ وَالسَّخَاءِ ، وأُوتيَ نَفسًا كَرِيمَةً لا تَعرِفُ المَنعَ وَلا تَرضَى البُخلَ ، في الصَّحِيحَينِ عَن حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَأَعطَاني ، ثَمَّ سَأَلتُهُ فَأَعطَاني ... مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَعَن جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ شَيئًا قَطُّ فَقَالَ لا . رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَفي مُسلِمٍ أَيضًا عَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ غَنَمًا بَينَ جَبَلَينِ فَأَعطَاهُ إِيَّاهُ ، فَأَتَى قَومَهُ فَقَالَ : أَيْ قَومِ أَسلِمُوا ، فَوَاللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الفَقرَ . فَقَالَ أَنَسٌ : إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسلِمُ مَا يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنيَا ، فَمَا يُسلِمُ حَتَّى يَكُونَ الإِسلامُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِنَ الدُّنيَا وَمَا عَلَيهَا " نَعَمْ ـ إِخوَةَ الإِيمَانِ ـ لَقَد أَعطَى ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ ثُمَّ أَعطَى ، حَتَّى كَانَ في عَطَائِهِ وَسَمَاحَتِهِ عَجَبًا عُجَابًا ، وَوَصَلَ بِهِ الجُودُ وَالكَرَمُ إِلى أَن يُعطِيَ ثَوبَهُ الَّذِي عَلَى ظَهرِهِ وَهُوَ إِلَيهِ أَحوَجُ مِمَّنِ استَعطَاهُ إِيَّاهُ ، عَن سَهلِ بنِ سَعدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَتِ امرَأَةٌ بِبُردَةٍ ، قَالَت : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي نَسَجتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكسُوكَهَا ، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مُحتَاجًا إِلَيهَا ، فَخَرَجَ إِلَينَا وَإِنَّهَا لإِزَارُهُ ، فَجَسَّهَا رَجُلٌ مِنَ القَومِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، اُكسُنِيهَا . قَالَ : " نَعَمْ " فَجَلَسَ مَا شَاءَ اللهُ في المَجلِسِ ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاهَا ، ثُمَّ أَرسَلَ بها إِلَيهِ ، فَقَالَ لَهُ القَومُ : مَا أَحسَنتَ ، سَأَلتَهَا إِيَّاهُ وَقَد عَرَفتَ أَنَّهُ لا يَرُدُّ سَائِلاً . فَقَالَ الرَّجُلُ : وَاللهِ مَا سَأَلتُهَا إِلاَّ لِتَكُونَ كَفَني يَومَ أَمُوتُ . قَالَ سَهلٌ : فَكَانَت كَفَنَهُ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ . نَعَمْ ـ إِخوَةَ الإِيمَانِ ـ لَقَد أَعطَى نَبِيُّنَا ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ بُردَتَهُ الجَدِيدَةَ مَن سَأَلَهُ ، لا عَن كَثرَةِ مَالٍ لَدَيهِ وَاتِّسَاعِ غِنىً ، بَل أَعطَاهُ إِيَّاهَا وَهُوَ أَحوَجُ مِنهُ إِلَيهَا ، فَأَيُّ مَحَبَّةٍ لَلعَطَاءِ كَمِثلِ هَذِهِ المَحَبَّةِ ؟! وَأَيُّ جُودٍ كَمِثلِ هَذَا الجُودِ ؟! إِنَّهُ السَّخَاءُ النَّبَوِيُّ ، لم يَكُنْ تَكَلُّفًا أَو تَظَاهُرًا ، بَل كَانَ خُلُقًا كَرِيمًا جَرَى مِنهُ مَجرَى الدَّمِ في العُرُوقِ ، وَسَجِيَّةً تَنَفَّسَهَا مَعَ الهَوَاءِ ، وَمَلَكَةً جَرَت بها نَفسُهُ الشَّرِيفَةُ ، حَتَّى لَقَد بَلَغَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ بِعَطَائِهِ مَرحَلَةً تَجَاوَزَت مَن يُحِبُّهُ وَيُدنِيهِ مِن أَصحَابِهِ وَمُحِبِّيهِ ، وَشَمِلَت مَن يُبغِضُهُ وَيُعَادِيهِ ، وَوَسِعَت مَن يَكرَهُهُ وَيُقصِيهِ ، فَتَمَلَّكَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ بِذَلِكَ القُلُوبَ وَاستَمَالَهَا ، وَهَدَّأَ نُفُورَهَا وَرَدَّ شَارِدَهَا ، وَأَحَالَ نَارَ بُغضِهَا وَكَدَرَ كُرهِهَا ، إِلى جَنَّةِ مَحَبَّةٍ وَصَفَاءِ مَوَدَّةٍ ، فَعَن صَفوَانَ بنِ أُمَيَّةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : وَاللهِ لَقَد أَعطَاني رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مَا أَعطَاني وَإِنَّهُ لأَبغَضُ النَّاسِ إِليَّ ، فَمَا بَرِحَ يُعطِيني حَتَّى إِنَّهُ لأَحَبُّ النَّاسِ إِليَّ . رَوَاهُ مُسلِمٌ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد كَانَ عَطَاؤُهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ عَطَاءَ مَن عَرَفَ حَقِيقَةَ الدُّنيَا وَسُرعَةَ فَنَائِهَا ، وَمَا أَعَدَّهُ اللهُ في الآخِرَةِ لأَهلِ العَطَاءِ مِن مُضَاعَفِ الثَّوَابِ وَكَرِيمِ الجَزَاءِ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد كَانَ لا يَفرَحُ بما أَبقَى كَفَرحِهِ بما أَعطَى ، بَل لَقَد حَرِصَ أَلاَّ يَدَّخِرَ شَيئًا دُونَ مُستَحِقِّهِ أَو سَائِلِهِ ، عَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لا يَدَّخِرُ شَيئًا لِغَدٍ . وَعَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ أَنَّهُم ذَبَحُوا شَاةً فَقَالَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا بَقِيَ مِنهَا ؟ " قَالَت : مَا بَقِيَ مِنهَا إِلاَّ كَتِفُهَا . قَالَ : " بَقِيَ كُلُّهَا غَيرَ كَتِفِهَا " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يَقُولُ العَبدُ : مَالي مَالي . وَإِنَّ لَهُ مِن مَالِهِ ثَلاثًا : مَا أَكَلَ فَأَفنى ، أَو لَبِسَ فَأَبلَى ، أَو أَعطَى فَأَقنى ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . هَذَا هُوَ مَعنى العَطَاءِ عِندَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لَيسَ عَطَاءَ مَن يَرَى لِنَفسِهِ الفَضلَ وَالمِنَّةَ ، بَلْ عَطَاءُ مَن يَعلَمُ أَنَّهُ يُعَامِلُ رَبًّا كَرِيمًا وَيَرجُو إِلَهًا جَوَادًا ، يُعطِي الكَثِيرَ عَلَى القَلِيلِ ، وَيُخلِفُ مَا يَزُولُ وَيَفنى بما يَدُومُ وَيَبقَى ، وَهُوَ القَائِلُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فَهُوَ يُخلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ " يُقَالُ هَذَا الكَلامُ ـ أَيُّهَا الإِخوَةُ ـ وَنَحنُ نَرَى المُنفِقِينَ في سُبُلِ الخَيرِ وَالدَّاعِمِينَ لِجَمعِيَّاتِ البِرِّ وَالمُؤَسَّسَات ِ الخَيرِيَّةَ بَينَ مُتَرَاجِعٍ بَعدَ إِقدَامٍ ، وَمُتَأَخِّرٍ بَعدَ مُسَابَقَةٍ وَمُسَارَعَةٍ ، وَمُتَرَدِّدٍ في نِيَّتِهِ لم تَتَّضِحْ رُؤيَتُهُ وَلا يَعلَمُ أَينَ وِجهَتُهُ ، أَلا فَلْتَعلَمْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُ الدَّاعِمُ لِمُؤَسَّسَاتِ الخَيرِ وَجَمعِيَّاتِ البِرِّ ـ أَنَّكَ تُعَامِلُ رَبَّكَ وَخَالِقَكَ ، وَتُقرِضُ رَازِقَكَ الَّذِي يُضَاعِفَ مَثُوبَتَكَ ، وَأَنَّ أَجرَكَ عَلَى قَدرِ نِيَّتِكَ ، وَأَنَّكَ عِندَمَا تَبذُلُ وَتُعطِي ، فَإِنَّكَ في الوَاقِعِ لا تُعطِي بِقَدرِ مَا تَأخُذُ . نَعَمْ ، إِنَّكَ تَأخُذُ كَثِيرًا بِإِعطَائِكَ القَلِيلَ ، وَتَنَالُ نَتَائِجَ مُضَاعَفَةً وَثَمَرَاتٍ مُوَفَّرَةً ، لَو جُعِلَت إِلى جَنبِ عَطَائِكَ لَصَارَ كَنُقطَةٍ في بَحرٍ لُجِّيٍّ ، إِنَّكَ تَأخُذُ مِمَّن أَعطَيتَهُم في الدُّنيَا مَشَاعِرَ المَدحِ وَالامتِنَانِ ، وَتَكسِبُ أَلسِنَةَ الشُّكرِ وَالعِرفَانِ ، تَحُوزُ مَوَدَّتَهُم وَتَربَحُ مَحَبَّتَهُم ، وَتَأسِرُ قُلُوبَهُم وَتَملِكُ أَفئِدَتَهُم ، وَالأَهَمُّ مِن ذَلِكَ وَالأَغلَى وَالأَنفَعُ والأَبقَى ، دُعَاؤُهُم لَكَ وَذِكرُهُم إِيَّاكَ بِالخَيرِ بَعدَ رَحِيلِكَ ، وَالنَّاسُ شُهَدَاءُ اللهِ في أَرضِهِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يُوشِكُ أَن تَعرِفُوا أَهلَ الجَنَّةِ مِن أَهلِ النَّارِ " قَالُوا : بِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " بِالثَّنَاءِ الحَسَنِ وَالثَّنَاءِ السَّيِّئِ ؛ أَنتُم شُهَدَاءُ اللهِ بَعضُكُم عَلَى بَعضٍ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . كُنْ عَلَى يَقِينٍ ـ أَيُّهَا المُعطِي شَيئًا لِوَجهِ اللهِ ـ أَنَّكَ إِنْ مَنَحتَ الآخَرِينَ شَيئًا مِمَّا تَملِكُ ، فَسَتَرَبحُ أَضعَافَ مَا مَنَحتَ ؛ لأَنَّكَ بِعَطَائِكَ تُعِيدُ الابتِسَامَةَ لِشِفَاهٍ طَالَمَا أُطبِقَت ، وَتَرسَمُ البَهجَةَ عَلَى وُجُوهٍ طَالَمَا عَبَسَت ، وَتُدخِلُ الأَمَلَ وَالفَرَحَ عَلَى قُلُوبٍ يَئِسَت وَتَأَلَّمَت وَحَزِنَت ، كَم مِن يَتِيمٍ فَقَد حَنَانَ الأُبُوَّةِ أَو لم يَذُقْ لِلأُمُومَةِ طَعمًا ، اِنشَرَحَ بِعَطَائِكَ صَدرُهُ ، وَابتَهَجَت بِبَذلِكَ نَفسُهُ ، وَخَفَّت بِجُودِكَ مُعَانَاتُهُ ، وَزَالَ بِكَرَمِكَ شَيءٌ مِن شَقَائِهِ ! وَكَم مِن أَرمَلَةٍ فَقَدَتِ العَائِلَ وَغَابَ عَنهَا الرَّاعِي ، وَذَاقَت مَرَارَةَ الغُربَةِ وَالحِرمَانِ بِفَقدِ زَوجِهَا ، أعَدتَ لَهَا شَيئًا مِنَ الأَمَلِ يُنِيرُ بَقِيَّةَ حَيَاتِهَا ، لِتُوقِنَ أَنَّهُ مَا زَالَ في الدُّنيَا خَيرٌ كَثِيرٌ وَنُفُوسٌ طَيِّبَةٌ وَأَيدٍ مُبَارَكَةٌ ، وَصُدُورٌ تَفِيضُ جُودًا وَقُلُوبٌ تَنبِضُ عَطَاءً ! العَطَاءُ ـ أَيُّهَا المُبَارَكُ ـ أَن تُقَدِّمَ مَا تَجُودُ بِهِ نَفسُكَ لِمَن تُحِبُّ وَمَن لا تُحِبُّ ، العَطَاءُ أَلاَّ تَعِيشَ لِنَفسِكَ مُستَأَثِرًا بما رَزَقَكَ رَبُّكَ ، بَل تَفتَحُ قَلبَكَ لِيَسعَ حَاجَاتِ الآخَرِينَ ، وَتَمُدُّ يَدَكَ لِتَسُدَّ فَاقَاتِ المُحتَاجِينَ ، لا تَنظُرْ لِقَدرِ مَا تُعطِي وَقِيمَتِهِ ، وَلَكِنِ انظُرْ إِلى مِقدَارِ مَا سَيُحدِثُهُ مِن وَقعٍ عَلَى القُلُوبِ ، وَتَفَكَّرْ في مَدَى تَأثِيرِهِ عَلَى النُّفُوسِ ، إِنَّ مِن سِمَاتِ العَطَاءِ الحَقِيقِيِّ أَلاَّ يَنتَظِرَ صَاحِبُهُ مِمَّن أَعطَاهُ أَيَّ مُقَابِلٍ قَلِيلاً كان أَو كَثِيرًا ، وَأَن يُخلِصَ للهِ نِيَّتَهُ وَقَصدَهُ ، وَيَطلُبَ مَا عِندَهُ وَحدَهُ ، العَطَاءُ الحَقِيقِيُّ أَن يُعطِيَ المُؤمِنُ مِن دَاخِلِهِ وَأَعمَاقِ قَلبِهِ ، دُونَ أَن يَشعُرَ أَنَّهُ مُرغَمٌ عَلَى ذَلِكَ أَو مَجبُورٌ ، العَطَاءُ الحَقِيقِيُّ أَن تَكُونَ بِعَطَائِكَ أَفرَحَ مِنَ الآخِذِ بما أَخَذَ ، أَلاَّ يَستَرِيحَ قَلبُكَ وَلا تَهدَأَ نَفسُكَ حَتَّى يَفرَحَ مَن حَولَكَ بما قَدَّمتَهُ لَهُم وَيَسعَدُوا بما وَهَبتَهُم ، أَنْ تُعطِيَ مَا تُعطِي وَدُمُوعُ عَينِكَ أَسبَقُ من يَدِكَ ، ذَاكَ هُوَ العَطَاءُ الصَّادِقُ . مَعشَرَ الدَّاعِمِينَ لِجَمعِيِّاتِ البِرِّ وَمَكَاتِبِ الدَّعوَةِ وَجَمعِيَّاتِ التَّحفِيظِ ، أَمَا تَرضَونَ أَن يَجمَعَ النَّاسُ الأَمَوَالَ وَيَكنِزُوهَا لِيَأكُلَهَا غَيرُهُم بَارِدَةً وَيَتَذَوَّقُوا هم حَرَارَةَ حِسَابِهَا ، وَتَعُودُوا أَنتُم بِخَيرِ مَا عَادَ بِهِ صَاحِبُ مَالٍ ، مَوعُودِينَ بِالخَيرِيَّةِ وَالخَلَفِ ، رَاجِينَ مُضَاعَفَةَ الحَسَنَاتِ وَرِفعَةَ الدَّرَجَاتِ ، طَامِعِينَ في جِوَارِ مُحَمَّدٍ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ في الجَنَّاتِ ؟ قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَقَالَ : " فَوَاللهِ لأَنْ يَهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيرٌ لَكَ مِن أَن يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَقَالَ : " أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذَا " وَأَشارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسطَى ، رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَقَالَ : " السَّاعِي عَلَى الأَرمَلَةِ وَالمِسكِينِ كَالمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللهِ " قَالَ الرَّاوِي : وَأَحسِبُهُ قَالَ : " وَكَالقَائِمِ لا يَفتُرُ وَكَالصَّائِمِ لا يُفطِرُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . يَا مَعشَرَ الدَّاعِمِينَ للمُؤَسَّسَاتِ الخَيرِيَّةِ ، مَا مَقَالاتٌ هَزِيلَةٌ وَتَصَرُّفَاتٌ مَشِينَةٌ تَصدُرُ مِن بَعضِكُم بَينَ فَينَةٍ وَأُخرَى ، إِمَّا مِنَّةً بما بَذَلتُم وَتَعدَادًا لِمَا أَنفَقتُم ، أَو تَخِذِيلاً لِلنَّاسِ وَإِغلاقًا لأَبوَابِ الخَيرِ ، أَو غِيبَةً لِلعَامِلِينَ في الجَمعِيَّاتِ وَأَكلاً لأَعرَاضِهِم لِشَيءٍ في النُّفُوسِ لا حَقِيقَةَ لَهُ في الوَاقِعِ ، أَمَا تَخشَونَ أَن تَحبَطَ بِذَلِكَ الأَعمَالُ ؟! أَمَا تَخَافُونَ أَن تَذهَبَ الصَّدَقَاتُ هَبَاءً مَنثُورًا ؟! إِنَّ اللهَ لَغَنيٌّ عَن كُلِّ عَمَلٍ لا يُرَادُ بِه وَجهُهُ ، عَن أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : أَرَأَيتَ رَجُلاً غَزَا يَلتَمِسُ الأَجرَ وَالذِّكرَ مَالَهُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا شَيءَ لَهُ " فَأَعَادَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا شَيءَ لَهُ " ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ اللهَ لا يَقبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابتُغِيَ بِهِ وَجهُهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقضَى يَومَ القِيَامَةِ عَلَيهِ رَجُلٌ استُشهِدَ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلتَ فِيهَا ؟ قَالَ : قَاتَلتُ فِيكَ حَتَّى استُشهِدتُ . قَالَ : كَذَبتَ ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلتَ لِيُقَالَ جَرِيءٌ ، فَقَد قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وَجهِهِ حَتَّى أُلقِيَ في النَّارِ ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ القُرآنَ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلتَ فِيهَا ؟ قَالَ : تَعَلَّمتُ العِلمَ وَعَلَّمتُهُ وَقَرَأتُ فِيكَ القُرآنَ ، قَالَ : كَذَبتَ ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمتَ العِلمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ ، وَقَرَأتَ القُرآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ ، فَقَد قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وَجهِهِ حَتَّى أُلقِيَ في النَّارِ ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ وَأَعطَاهُ مِن أَصنَافِ المَالِ كُلِّهِ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلتَ فِيهَا ؟ قَالَ : مَا تَرَكتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أَن يُنفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنفَقتُ فِيهَا لَكَ ، قَالَ : كَذَبتَ ، وَلَكِنَّكَ فَعَلتَ لِيُقَالَ : هُوَ جَوَادٌ ، فَقَد قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وَجهِهِ ثُمَّ أُلقِيَ في النَّارِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاحمَدُوهُ ، فَإِنَّ هَذِهِ المُؤَسَّسَاتِ الخَيرِيَّةَ الَّتي تَفتَحُ أَبوَابَهَا لِلرَّاغِبِينَ في البَذلِ وَتَستَقبِلُ مِنهُمُ العَطَاءَ ، إِنَّهَا لَنِعمَةٌ مِنَ اللهِ عَظِيمَةٌ وَمِنحَةٌ مِنهُ جَسِيمَةٌ ، لَو لم تَكُنْ لَظَلَّ كَثِيرُونَ لا يَعرِفُونَ لِلعَطَاءِ بَابًا وَلا يَهتَدُونَ إِلَيهِ سَبِيلاً ، وَإِيَّاكُم وَالمُخَذِّلِين َ بِدَعوَى أَنَّ في الجَمعِيَّاتِ أُنَاسًا مُقصِّرِينَ ، أَو أَنَّهَا تُخطِئُ فَتُعطِي مَن لا يَستَحِقُّونَ ، فَإِنَّمَا لِلمَرءِ مِنَ الخَيرِ مَا قَصَدَ ونَوَى ، وَمَن قَصَّرَ بَعدَ ذَلِكَ مِنَ العَامِلِينَ في الجَمعِيَّاتِ أَو تَهَاوَنَ ، فَإِنَّمَا إِثمُهُ عَلَى نَفسِهِ ، وَمَنِ اجتَهَدَ فَأَخطَأَ فَإِنَّمَا هُوَ بَشرٌ ، وتَأَمَّلُوا هَذَا الحَدِيثَ لِتُدرِكُوا ذَلِكَ وَتَفقَهُوهُ ، عَن مَعنِ بنِ يَزِيدَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : كَانَ أَبي يَزِيدُ أَخرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بها ، فَوَضَعَهَا عِندَ رَجُلٍ في المَسجِدِ ، فَجِئتُ فَأَخَذتُهَا فَأَتَيتُهُ بها ، فَقَالَ : وَاللهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدتُ ، فَخَاصَمتُهُ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : لَكَ مَا نَوَيتَ يَا يَزِيدُ ، وَلَكَ مَا أَخَذتَ يَا مَعنُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ . وَأَنفِقُوا مِن مَا رَزَقنَاكُم مِن قَبلِ أَن يَأتيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولا أَخَّرتَني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَلَن يُؤَخِّرَ اللهُ نَفسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَظُنُّ كَثِيرٌ مِمَّن لم يَنضِجُوا فِكرِيًّا وَلم يَتَرَبَّوا إِيمَانِيًّا ، أَنَّ مُنتَهَى السَّعَادَةِ في صِحَّةِ بَدَنٍ أو جَمَالِ جِسمٍ أَو كَثرَةِ مَالٍ ، وَيَفرَحُ أَحَدُهُم بِقَدرِ مَا يَأخُذُهُ وَيَستَحوِذُ عَلَيهِ ، في حِينِ أَنَّ الكِبَارَ عَقلاً وَالنَّاضِجِينَ فِكرًا ، يَنظُرُونَ بِبَصَائِرِهِم إِلى مَا عِندَ رَبِّهِم ، وَيَعِيشُونَ بِقُلُوبِهِم في الدَّارِ الآخِرَةِ ، وَمِن ثَمَّ فَهُم يَجِدُونَ السَّعَادَةَ في العَطَاءِ ، وَفي جَعلِ النَّاسِ مِن حَولِهِم سُعَدَاءَ . وَإِنَّ مَن وَفَّقَهُ اللهُ فَدَاوَمَ عَلَى العَطَاءِ وَذَاقَ حَلاوَتَهُ ، عَلِمَ أَنَّ الحَيَاةَ لا تَحلُو إِلاَّ لِلمُعطِينَ ، وَاستَنكَرَ عَلَى مَن لم يُرزَقُوا العَطَاءَ كَيفَ يَفرَحُونَ ويَهَنَؤُونَ ؟! وَكَيفَ يَجِدُونَ لِحَيَاتِهِم طَعمًا ولِعَيشِهِم مَعنىً ؟! أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ مَعشَرَ المُسلِمِينَ ـ وَمَن فَتَحَ اللهُ لَهُ بَابَ عَطَاءٍ بِاستِقطَاعٍ شَهرِيٍّ في مَكتَبِ دَعوَةٍ أَو جَمعِيَّةِ قُرآنٍ ، أَو وَفَّقَهُ لاشتِرَاكٍ سَنَوِيٍّ في جَمعِيَّةِ بِرٍّ ، فَلْيَحمَدِ اللهَ أَنْ جَعَلَهُ يَدًا عُليَا ، وَلْيَستَمِرَّ عَلَى عَطَائِهِ ، وَلْيَحذَرْ أَن يُبطِلَهُ بِالمَنِّ وَالأَذَى ، فَإِنَّهُ لا يُمكِنُ أَن يُفَرِّطَ عَاقِلٌ فِيمَا عِندَ اللهِ اتِّبَاعًا لِهَوًى في نَفسِهِ ، أَوِ انقِيَادًا لِخِلافَاتٍ شَخصِيَّةٍ وَطَلَبًا لِلانتِصَارِ عِندَ خِلافٍ . ولَقَد ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ مَثَلاً بَلِيغًا لأَثَرِ الإِنفَاقِ في إِسعَادِ المُنفِقِ وَشُؤمِ البُخلِ عَلَى صَاحِبِهِ فَقَالَ : " مَثَلُ البَخِيلِ وَالمُنفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَينِ عَلَيهِمَا جُنَّتَانِ مِن حَدِيدٍ مِن ثُدِيِّهِمَا إِلى تَرَاقِيهِمَا ، فَأَمَّا المُنفِقُ فَلا يُنفِقُ إِلاَّ سَبَغَت أَو وَفَرَت عَلَى جِلدِهِ حَتَّى تُخفِيَ بَنَانَهُ وَتَعفُوَ أَثَرَهُ ، وَأَمَّا البَخِيلُ فَلا يُرِيدُ أَن يُنفِقَ شَيئًا إِلاَّ لَزِقَت كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا ، فَهُوَ يُوَسِّعُهَا فَلا تَتَّسِعُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . فَيَا مَن يُرِيدُ سَعَادَةَ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، عَلَيكَ بِالعَطَاءِ ، يَا مَن تُرِيدُ مَحَبَّةَ الخَلقِ وَرِضَا الخَالِقِ ، عَلَيكَ بِالعَطَاءِ ، يَا مَن تُرِيدُ البَرَكَةَ في مَالِكَ وَالسَّعَةَ في رِزقِكَ ، عَلَيكَ بِالعَطَاءِ ، ثُمَّ لا تَظُنَّنَّ بَعدُ أَنَّ العَطَاءَ يَختَصُّ بِإِطعَامِ الطَّعَامِ وَتَقدِيمِ المَالِ فَقَطْ ، إِنَّ العَطَاءَ أَوسَعُ مِن ذَلِكَ وَأَشمَلُ ، اُعفُ عَمَّن ظَلَمَكَ ، وَتَجَاوَزْ عَمَّن أَسَاءَ إِلَيكَ ، وَصِلْ مَن قَطَعَكَ ، وَادعُ لإِخوَانِكَ المُسلِمِينَ بِظَهرِ الغَيبِ ، صَفِّ قَلبَكَ وَنَظِّفْ فُؤَادَكَ ، اِقبَلْ عُذرَ مَنِ اعتَذَرَ ، وَأَقِلْ عَثرَةَ مَن عَثَرَ ، قَدِّمْ لِمُجتَمَعِكَ فِكرَةً تُغَيِّرُهُ لِلأَحسَنِ وَالأَفضَلِ ، كُنْ صَالحًا في مُجتَمَعِكُ مُصلِحًا لِمَن حَولَكَ ، اِجعَلِ النَّاسَ يَشعُرُونَ أَنَّ الحَيَاةَ في جِوَارِكَ رَائِعَةٌ وَجَمِيلَةٌ ، تَنَازَلْ عَمَّا تَستَطِيعُ مِن حُقُوقِكَ ابتِغَاءَ وَجهِ اللهِ ، وَآثِرْ غَيرَكَ بِشَيءٍ مِمَّا وَهَبَكَ اللهُ ، لا تَنتَظِرْ مِنَ الآخَرِينَ جَزَاءً وَلا شُكُورًا ، لِيَكُنْ عَطَاؤُكَ وَمَنعُكَ للهِ ؛ لِتَنَالَ أَعظَمَ جَائِزَةٍ وَأَسعَدَ حَيَاةٍ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن أَحَبَّ للهِ وَأَبغَضَ للهِ ، وَأَعطَى للهِ وَمَنَعَ للهِ ، فَقَدِ استَكمَلَ الإِيمَانَ " صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَإِذَا لم تَستَطِعْ أَن تُقَدِّمَ شَيئًا مِنَ الخَيرِ فَكُفَّ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَكَ صَدَقَةٌ . " وَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيرًا أَو لِيَصمُتْ " و" إِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ لِلخَيرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلخَيرِ ، فَطُوبى لِمَن جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الخَيرِ عَلَى يَدَيهِ ، وَوَيلٌ لِمَن جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيهِ " |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري فضل بلاد الشام وكفر النصيرية الطغام 18 / 5 / 1432 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فَاتَّقُوا اللهَ " وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الأُمَّةُ الإِسلامِيَّةُ اليَومَ جَسَدٌ مُثخَنٌ بِالجِرَاحِ ، تَوَالَت عَلَيهِ الطَّعَنَاتُ مِنَ الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ ، وَتَتَابَعَت عَلَيهِ النَّكََبَاتُ مِن قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ ، وَبَينَمَا يَشتَكِي بَعضُ أَجزَائِهِ عَدَاوَةَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالمُلحِدِينَ ، تَتَحَمَّلُ أَجزَاءٌ أُخرَى مَا تَتَحَمَّلُ مِن غَدرِ البَّاطِنِيَّةِ والمُنَافِقِينَ . وَإِنَّ لِبِلادِ الشَّامِ مِن ذَلِكَ نَصِيبًا كَبِيرًا ، إِذْ مَا زَالَت تَشكُو إِلى اللهِ يَهُودًا في فِلِسطِينَ يُدَنِّسُونَ مَسرَى رَسُولِهِ ، وَرَافِضَةً وَنُصَيرِيَّةً وَدُرُوزًا في سُورِيَّةَ وَلُبنَانَ يُحَارِبُونَ أَولِيَاءَهُ ، وَآخَرِينَ مِن دُونِهِم يَتَرَبَّصُونَ بِالمُسلِمِينَ الدَّوَائِرَ وَيَبغُونَهُمُ الفِتنَةَ لا يَعلَمُهُم إِلاَّ اللهُ ، وَبَينَ هَذَا وَفي ثَنَايَاهُ ممَّا يَزِيدُ الأَمرَ سُوءًا ، تَنَازُلُ بَعضِ الشَّامِيِّينَ عَن مَبَادِئِهِم ، وَغَفلَتُهُم عَن مَصدَرِ عِزِّهِم ، وَاشتِغَالُهُم بِالشَّهَوَاتِ عَلَى اختِلافِ أَنوَاعِهَا ، في أُمُورٍ قَد تَقذِفُ بِاليَأسِ في قُلُوبِ بَعضِ المُؤمِنِينَ ، فَيَظُنُّونَ أَنَّ دَولَةَ البَاطِلِ في تِلكَ البِلادِ سَتَظَلُّ أَمَدًا طَوَيلاً ، في حِينِ أَنَّ العَكسَ مِن ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ بِإِذنِ اللهِ ، إِذْ صَحَّتِ الأَحَادِيثُ وَالآثَارُ في فَضلِ الشَّامِ وَأَهلِهِ ، بما يَدفَعُ المُؤمِنِينَ لِلتَّفَاؤُلِ وَيَزِيدُهُم ثِقَةً بِنَصرِ اللهِ ، فَالشَّامُ أَرضٌ مُبَارَكَةٌ ، وَفِيهَا أَجزَاءٌ مُقَدَّسَةٌ ، وَصَفَهَا بِذَلِكَ اللهُ الَّذِي يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَختَارُ ، وَدَعَا لَهَا بِالبَرَكَةِ مُحَمَّدٌ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ ، وَأَخبَرَ أَنَّ فِيهَا صَفوَةَ بِلادِ اللهِ وَمُهَاجَرَ خِيرَةِ عِبَادِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ عَلَى لِسَانِ مُوسَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ : " يَا قَومِ ادخُلُوا الأَرضَ المُقَدَّسَةَ الَّتي كَتَبَ اللهُ لَكُم " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ عن إِبرَاهِيمَ وَلُوطٍ ـ عَلَيهِمَا السَّلامُ ـ " وَنَجَّينَاهُ وَلُوطًا إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا لِلعَالمِينَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلِسُلَيمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجرِي بِأَمرِهِ إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ " وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ قَالَ : " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في شَامِنَا " وَعَن وَاثِلَةَ بنِ الأَسقَعِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " عَلَيكُم بِالشَّامِ ؛ فَإِنَّهَا صَفوَةُ بِلادِ اللهِ ، يُسكِنُهَا خِيرَتَهُ مِن خَلقِهِ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي الشَّامِ خَيرُ جُندِ اللهِ ، صَحَّ بِذَلِكَ الخَبَرُ عَن عَبدِاللهِ بنِ حَوَالَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : "سَتُجَنَّدُونَ أَجنَادًا ، جُندًا بِالشَّامِ وَجُندًا بِالعِرَاقِ وَجُندًا بِاليَمَنِ " قَالَ عَبدُاللهِ : فَقُمتُ فَقُلتُ : خِرْ لي يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ : " عَلَيكُم بِالشَّامِ ، فَمَن أَبى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَليَسْقِ مِن غُدُرِهِ ، فَإِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قَد تَكَفَّلَ لي بِالشَّامِ وَأَهلِهِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي الشَّامِ العِلمُ وَالإِيمَانُ ، فَعَن عَبدِاللهِ بنِ عَمرٍو ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنِّي رَأَيتُ كَأَنَّ عَمُودَ الكِتَابِ انتُزِعَ مِن تَحتِ وِسَادَتي ، فَأَتبَعتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلى الشَّامِ ، أَلا وَإِنَّ الإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الفِتَنُ بِالشَّامِ " أَخرَجَهُ الطَّبَرَانيُّ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَعُقرُ دَارِ المُؤمِنِينَ الشَّامُ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ في حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَالشَّامُ أَرضُ غَنِيمَةٍ وَرِزقٍ ، فَعَن أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " إِنَّ اللهَ استَقبَلَ بِيَ الشَّامَ وَوَلىَّ ظَهرِيَ اليَمَنَ ، وَقَالَ لي : يَا مُحَمَّدُ ، إِنِّي جَعَلتُ لَكَ مَا تُجَاهَكَ غَنِيمَةً وَرِزقًا ، وَمَا خَلفَ ظَهرِكَ مَدَدًا " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي الشَّامِ تَكُونُ قَاعِدَةُ المُسلِمِينَ في زَمَنِ المَلاحِمِ ، وَفِيهَا يَكُونُ نُزُولُ عِيسَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ في آخِرِ الزَّمَانِ وَمَهلِكُ الدَّجَّالِ ، الَّذِي مَا وُجِدَت وَلَن تُوجَدَ عَلَى الأَرضِ فِتنَةٌ هِيَ أَشَدُّ مِنَ فِتنَتِهِ ، فَعَن أَبي الدَّردَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " فُسطَاطُ المُسلِمِينَ يَومَ المَلحَمَةِ بِالغُوطَةِ ، إِلى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشقُ ، مِن خَيرِ مَدَائِنِ الشَّامِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحمَدُ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَنزِلُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ عِندَ المَنَارَةِ البَيضَاءِ شَرقِيَّ دِمَشقَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنزِلَ الرُّومُ بِالأَعمَاقِ أَو بِدَابِقَ ، فَيَخرُجُ إِلَيهِم جَيشٌ مِنَ المَدِينَةِ مِن خِيَارِ أَهلِ الأَرضِ يَومَئِذٍ ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ : خَلُّوا بَينَنَا وَبَينَ الَّذِينَ سَبَوا مِنَّا نُقَاتِلْهُم ، فَيَقُولُ المُسلِمُونَ : لا وَاللهِ ، لا نُخَلِّي بَينَكُم وَبَينَ إِخوَانِنَا ، فَيُقَاتِلُونَه ُم ، فَيَنهَزِمُ ثُلُثٌ لا يَتُوبُ اللهُ عَلَيهِم أَبَدًا ، وَيُقتَلُ ثُلُثٌ هُم أَفضَلُ الشُّهَدَاءِ عِندَ اللهِ ، وَيَفتَتِحُ الثُّلُثُ ، لا يُفتَنُونَ أَبَدًا ، فَيَفتَتِحُونَ قُسطَنطِينِيَّة َ ، فَبَينَمَا هُم يَقتَسِمُونَ الغَنَائِمَ قَد عَلَّقُوا سُيُوفَهُم بِالزَّيتُونِ ، إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيطَانُ : إِنَّ المَسِيحَ قَد خَلَفَكُم في أَهلِيكُم ، فَيَخرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ ، فَإِذَا جَاؤُوا الشَّامَ خَرَجَ ، فَبَينَمَا هُم يُعِدُّونَ لِلقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ ، إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ ، فَيَنزِلُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ فَأَمَّهُم ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ المِلحُ في المَاءِ ، فَلَو تَرَكَهُ لانذَابَ حَتَّى يَهلِكَ ، وَلَكِنْ يَقتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ ، فَيُرِيهِم دَمَهُ في حَربَتِهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَأتي المَسِيحُ مِن قِبَلِ المَشرِقِ هِمَّتُهُ المَدِينَةُ ، حَتَّى يَنزِلَ دُبُرَ أُحُدٍ ، ثُمَّ تَصرِفُ المَلاَئِكَةُ وَجهَهُ قِبَلَ الشَّامِ وَهُنَالِكَ يَهلِكُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَالشَّامُ ـ كَمَا لا يَجهَلُ أَيُّ مُسلِمٍ ـ هِيَ أَرضُ المَحشَرِ وَالمَنشَرِ ، فَعَن أَبي ذَرٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " الشَّامُ أَرضُ المَحشَرِ وَالمَنشَرِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ وَإِنْ تَكُنِ الشَّامُ في أَعقَابِ الزَّمَنِ وَمُتَأَخِّرِ السَّنَوَاتِ قَد نَالَهَا مِنَ الفَسَادِ مَا نَالَ غَيرَهَا ، إِلاَّ أَنَّ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَد مَدَحَهَا بِخَيرِ مَا يُمدَحُ بِهِ حَيثُ قَالَ : " طُوبى لِلشَّامِ " قِيلَ : وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " إِنَّ مَلائِكَةَ الرَّحمَنِ بَاسِطَةٌ أَجنِحَتَهَا عَلَيهَا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَد يَسأَلُ سَائِلٌ فَيَقُولُ : إِذَا كَانَت كُلُّ هَذِهِ الفَضَائِلِ لِلشَّامِ ، فَأَينَ كَانَتِ الشَّامُ طِيلَةَ العُقُودِ المَاضِيَةِ ؟ وَلِمَاذَا نَامَ أَهلُهَا ؟ وَكَيفَ لم يَنصُرُوا قَضَايَاهُم وَيَطرُدُوا العَدُوَّ مِن دِيَارِهِم ؟! وَالجَوَابُ أَنَّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَنَطَقَ بِهِ حَقَّ لا شَكَّ فِيهِ ، وَمَا ذَكَرَهُ مِن فَضَائِلِ الشَّامِ وَأَهلِهَا صِدقٌ لا مِريَةَ فِيهِ ، نُؤمِنُ بِهِ تَمَامَ الإِيمَانِ ، كَمَا نُؤمِنُ أَنَّ مِن سُنَنِ الحَقِّ الَّتي تُفَسِّرُ وَاقِعَ أَهلِ الشَّامِ وَغَيرِهِم مِنَ المُسلِمِينَ مِمَّن ضَعُفُوا اليَومَ وَاستَكَانُوا ، مَا جَاءَ في كِتَابِ اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ حَيثُ قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لم يَكُ مُغَيِّرًا نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَوَلَمَّا أَصَابَتكُم مُصِيبَةٌ قَد أَصَبتُم مِثلَيهَا قُلتُم أَنىَّ هَذَا قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ " نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ لَمَّا عَدَلَتِ الشَّامُ عَن عَقِيدَةِ الإِسلامِ الصَّافِيَةِ ، وَاختَارَتِ الشِّعَارَاتِ الجَاهِلِيَّةَ الكُفرِيَّةَ بَعثِيَّةً وَاشتِرَاكِيَّة ً ، وَجَعَلَت مَكَانَ الهُوِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ قَومِيَّاتٍ مُتَعَصِّبَةً وَحِزبِيَّاتٍ ضَيِّقَةً ، واستَبدَلَت بِرَايَةِ الجِهَادِ المُقَاومَاتِ الوَطَنِيَّةَ ، وَاشتَغَلَ أَهلُهَا بِالدُّنيَا وَانهَمَكُوا في الشَّهَوَاتِ كَغَيرِهِم ، إِذْ ذَاكَ ضَعُفَت كَمَا ضَعُفَ غَيرُهَا ، وَكَانَ الجَزَاءُ أَنْ سَلَبَ اللهُ ـ تَعَالى ـ ذَلِكَ الجِيلَ الخَيرِيَّةَ ، وَسَلَّطَ عَلَيهِ شَرَّ البَرِيَّةِ ، مِن يَهُودٍ وَنَصَارَى وَرَافِضَةٍ وَنُصَيرِيَّةٍ ، فَذَاقُوا بَعدَ العِزَّةِ ذُلاًّ وَمَهَانَةً ، مِصدَاقًا لِقَولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرهَمِ وَتَبَايَعُوا بِالعِينَةِ ، وَتَبِعُوا أَذنَابَ البَقَرِ وَتَرَكُوا الجِهَادَ في سَبِيلِ اللهِ ، أَدخَلَ اللهُ ـ تَعَالى ـ عَلَيهِم ذُلاًّ لا يَرفَعُهُ عَنهُم حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُم " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . ثُمَّ إِنَّ مَا جَاءَ مِن فَضَائِلَ لِلشَّامِ وَأَهلِهَا لَيسَت قَطعًا لِلقَومِيِّينَ وَلا لِلبَعثِيِّينَ وَلا الاشتِرَاكِيِّي نَ ، وَلا لِلبَاطِنِيَّةِ النُصَيرِيَّةِ وَلا لِلرَّافِضَةِ وَالدُّرُوزِ ، بَل هِيَ لأَولِيَاءِ اللهِ الصَّالِحِينَ وَأَهلِ الإِيمَانِ الخَالِصِ ، مِنَ المُقِيمِي الصَّلاةِ المُؤتِينَ الزَّكَاةَ ، المُجَاهِدِينَ في سَبِيلِ اللهِ ، المُنَاصِرِينَ لِلحَقِّ القَائِمِينَ بِهِ ، الذَّابِّينَ عَن حِيَاضِ الدِّينِ ، الَّذِينَ لا يَبتَغُونَ العِزَّةَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ وَلا يَرضَونَ رَبًّا سِوَاهُ ، وَمَا أَكثَرَهُم في الشَّامِ الآنَ ، يَعلَمُ بِذَلِكَ مَن زَارَهَا وَاطَّلَعَ عَلَى حَالِ أَهلِهَا ! وَإِنَّ أَرضًا عَاشَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ ، وَثُغُورًا رَابَطَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الأَبطَالِ وَالمُجَاهِدِين َ ، وَمُدُنًا أَخرَجَت أَفذَاذًا من العُلَمَاءِ وَالمُصلِحِينَ ، كَابنِ تَيمِيَّةَ وَابنِ القَيِّمِ وَابنِ كَثِيرٍ ، وَبِلادًا عَاشَ فِيهَا كِبَارٌ كَالأَوزَاعِيِّ وَابنِ قُدَامَةَ والذَّهَبيِّ ، وَاحتَوَت مَا لا يُحصَى مِن أَربِطَةِ العُلَمَاءِ وَأَوقَافِ المُحسِنِينَ ، وَازدَهَرَت بها مَكتَبَاتُ العِلمِ وَحُفِظَت فِيهَا المَخطُوطَاتُ ، إِنَّهَا لَن تَعجَزَ أَن تَلِدَ رِجَالاً يُعِيدُونَ لها سَابِقَ مَجدِهَا وَغَابِرَ عِزِّهَا ، والأَحَادِيثُ تُبَشِّرُ بِزَوَالِ البَاطِلِ وَظُهُورِ الحَقِّ ، وَالأَيَّامُ دُوَلٌ " وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد تَاهَ أَهلُ الشَّامِ في أَرضِهِم أَربَعَةَ عُقُودٍ بَينَ القَومِيَّةِ وَالبَعثِيَّةِ وَالوَطَنِيَّةِ وَالاشتِرَاكِيّ َةِ ، تَجلِدُ ظُهُورَهُم سِيَاطُ النُصَيرِيَّةِ البَاطِنِيَّةِ ، تِلكَ الشِّرذِمَةُ القَلِيلَةُ مِن أَهلِ الكُفرِ وَالضَّلالِ ، الَّذِينَ رَكِبُوا ظُهُورَ أَهلِ الشَّامِ في وَقتِ غَفلَةٍ ، وَمَا زَالُوا إِلى اليَومِ يَسُومُونَ أَهلَ السُّنَّةِ العَذَابَ ، يُقَتِّلُونَ رِجَالَهُم وَيَزُجُّونَ بهم في السُّجُونِ ، وَيَعِيثُونَ فَسَادًا في أَرضِهِم وَيَستَضعِفُونَ نِساءَهُم ، وَلِسَائِلٍ أَن يَتَسَاءَلَ : وَمَنِ النُّصَيرِيَّةُ ؟! وَمَا مُعتَقَدُهُم ؟ فَيُقَالُ : إِنَّهَا فِرقَةٍ بَاطِنِيَّةٌ خَبِيثَةٌ ، ظَهَرَت في القَرنِ الثَّالِثِ عَلى يَدِ رَجُلٍ يُدعَى مُحَمَّدَ بنَ نُصَيرٍ البَصرِيِّ النُّمَيرِيِّ ، ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَأَلَّهَ عَلَيَّ بنَ أَبي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ وَغلا في الأَئِمَّةِ فَنَسَبَهُم إِلى مَقَامِ الأُلُوهِيَّةِ . وَالنُصَيرِيَّة ُ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ يَقُولُونَ بِأَنَّ ظُهُورَ عَلَيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ الرُّوحَانيَّ بِالجَسَدِ الجِسمَانيِّ الفَاني ، كَظُهُورِ جِبرِيلَ في صُورَةِ بَعضِ الأَشخَاصِ ، وَأَنَّ ظُهُورَهُ في صُورَةِ النَّاسُوتِ لم يَكُنْ إِلاَّ إِينَاسًا لِخَلقِهِ وَعَبِيدِهِ ، وَلِذَلِكَ فَهُم يُحِبُّونَ عَبدَالرَّحمَنِ بنَ مُلجِمٍ قَاتِلَ الإِمَامِ عَلَيٍّ وَيَتَرَضَّونَ عَنهُ لِزَعمِهِم أَنَّهُ خَلَّصَ اللاَّهُوتَ مِنَ النَّاسُوتِ ، وَيَعتَقِدُ بَعضُهُم أَنَّ عَلِيًّا ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ يَسكُنُ السَّحَابَ بَعدَ تَخَلُّصِهِ مِنَ الجَسَدِ الَّذِي كَانَ يُقَيِّدُهُ ، وَإِذَا مَرَّ بِهِمُ السَّحَابُ قَالُوا : السَّلامُ عَلَيكَ يَا أَبَا الحَسَنِ ، وَيَقُولُونَ : إِنَّ الرَّعدَ صَوتُهُ وَالبَرقَ سَوطُهُ ، وَيَعتَقِدُونَ أَنَّ عَلِيًّا خَلَقَ مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَنَّ مُحَمَّدًا خَلَقَ سَلمَانَ الفَارِسِيَّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ وَأَنَّ سَلمَانَ قَد خَلَقَ الأَيتَامَ الخَمسَةَ الَّذِينَ هُم : المِقدَادُ بنُ الأَسوَدِ ، وَيَعُدُّونَه رَبَّ النَّاسِ وَخَالِقَهُم وَالمُوَكَّلَ بِالرُّعُودِ . وَأَبُو ذَرٍّ الغِفَارِيُّ ، وَهُوَ المُوَكَّلُ عِندَهُم بِدَوَرَانِ الكَواكِبِ وَالنُّجُومِ . وَعَبدُاللهِ بنُ رَوَاحَةَ ، وَهُوَ المُوَكَّلُ في زَعمِهِم بِالرِّيَاحِ وَقَبضِ أَروَاحِ البَشَرِ ، وَعُثمَانُ بنُ مَظعُونٍ ، وَهُوَ المُوَكَّلُ في خُزَعبِلاتِهِم بِالمَعِدَةِ وَحَرَارَةِ الجَسَدِ وَأَمرَاضِ الإِنسَانِ . وَقَنبَرُ بنُ كَادَانَ ، وَهُوَ المُوَكَّلُ في كَذِبِهِم بِنَفخِ الأَروَاحِ في الأَجسَامِ . وَالنُّصَيرِيَّ ةُ يُبغِضُونَ الصَّحَابَةَ بُغضًا شَدِيدًا ، وَيَلعَنُونَ أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ وَعُثمَانَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَجمَعِينَ ـ ، وَيُحَرِّمُونَ زِيَارَةَ قَبرِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لأَنَّ في جِوَارِهِ أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ ، وَيَزعُمُونَ أَنَّ لِلعَقِيدَةِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، وَأَنَّهُم وَحدَهُم العَالِمُونَ بِبَوَاطِنِ الأَسرَارِ ، وَلَهُم أَعيَادٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلى مُجمَلِ عَقِيدَتِهِم ، الَّتي هِيَ خَلِيطٌ مِن عَقَائِدِ الفُرسِ المَجُوسِ وَالنَّصَارَى وَالوَثَنِيَّةِ القَدِيمَةِ ، وَقَد تَأَثَّرُوا بِالأَفلاطُونِي َّةِ الحَدِيثَةِ وَنَقَلُوا عَنِ الهِندُوسِيَّةِ البُوذِيَّةِ فِكرَةَ التَّنَاسُخِ وَالحُلُولِ . وَلِهَؤُلاءِ الفَجَرَةِ لَيلَةٌ يَختَلِطُ فِيهَا الحَابِلُ بِالنَّابِلِ ، وَهُم يُعَظِّمُونَ الخَمرَ وَيَحتَسُونَهَا ، وَلا يَتَمَسَّكُونَ بِطَهَارَةٍ وَلا يَتَرَفَّعُونَ عَن جَنَابَةٍ ، وَيُصَلُّونَ صَلاةً تَختَلِفُ في عَدَدِ الرَّكَعَاتِ ، وَلا تَشتَمِلُ عَلَى سُجُودٍ وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَوعٌ مِن رُكُوعٍ أَحيَانًا ، وَلا يُصَلُّونَ الجُمُعَةَ وَلَيسَ لَهُم مَسَاجِدُ عَامَّةٌ ، بَل يُصَلُّونَ في بُيُوتِهِم صَلاةً مَصحُوبَةً بِتِلاوَةِ الخُرَافَاتِ ، وَلا يَعتَرِفُونَ بِالزَّكَاةِ الشَّرعِيَّةِ ، وَإِنَّمَا يَدفَعُونَ ضَرِيبَةً إِلى مَشَايِخِهِم زَاعِمِينَ بِأَنَّ مِقدَارَهَا خُمسُ مَا يَملِكُونَ ، وَالصِّيَامُ لَدَيهِم هُوَ الامتِنَاعُ عَن مُعَاشَرَةِ النِّسَاءِ طِيلَةَ شَهرِ رَمَضَانَ ، وَلا يَعتَرِفُونَ بِالحَجِّ ، بَلْ يَعُدُّونَهُ كُفرًا وَعِبَادَةَ أَصنَامٍ . وَقَد سُئِلَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ عَنِ الدُّرزِيَّةِ وَالنُّصَيرِيّ َةِ : مَاحُكمُهُم ؟ فَأَجَابَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : هَؤُلاءِ الدُّرزِيَّةُ وَالنُصَيرِيَّ ةُ كُفَّارٌ بِاتِّفَاقِ المُسلِمِينَ ، لا يَحِلُّ أَكلُ ذَبَائِحِهِم وَلا نِكَاحُ نِسَائِهِم ، بَلْ وَلا يُقَرُّونَ بِالجِزيَةِ ؛ فَإِنَّهُم مُرتَدُّونَ عَن دِينِ الإِسلامِ ، لَيسُوا مُسلِمِينَ وَلا يَهُودًا وَلا نَصَارَى ، لا يُقِرُّونَ بِوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الخَمسِ ، وَلا وُجُوبِ صَومِ رَمَضَانَ ، وَلا وُجُوبِ الحَجِّ ، وَلا تَحرِيمِ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنَ المَيتَةِ وَالخَمرِ وَغَيرِهِمَا . وَإِن أَظهَرُوا الشَّهَادَتَينِ مَعَ هَذِهِ العَقَائِدِ ، فَهُم كُفَّارٌ بِاتِّفَاقِ المُسلِمِينَ . وَقَالَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : هَؤُلاءِ القَومُ المُسَمَّونَ بِالنُصَيرِيَّة ِ هُم وَسَائِرُ أَصنَافِ القَرَامِطَةِ البَاطِنِيَّةِ أَكفَرُ مِن اليَهُودِ وَالنَّصَارَى ، بَل وَأَكفَرُ مِن كَثِيرٍ مِنَ المُشرِكِينَ ، وَضَرَرُهُم عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَعظَمُ مِن ضَرَرِ الكُفَّارِ المُحَارِبِينَ ، مِثلِ كُفَّارِ التَّتَارِ وَالفِرِنجِ وَغَيرِهِم ؛ فَإِنَّ هَؤُلاءِ يَتَظَاهَرُونَ عِندَ جُهَّالِ المُسلِمِينَ بِالتَّشَيُّعِ وَمُوَالاةِ أَهلِ البَيتِ ، وَهُم في الحَقِيقَةِ لا يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِرَسُولِهِ وَلا بِكِتَابِهِ ، وَلا بِأَمرٍ وَلا نَهيٍ ، وَلا ثَوَابٍ وَلا عِقَابٍ وَلا جَنَّةٍ وَلا نَارٍ ، وَلا بِأَحَدٍ مِنَ المُرسَلِينَ قَبلَ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَلا بِمِلَّةٍ مِنَ المِلَلِ السَّالِفَةِ ، بَل يَأخُذُونَ كَلامَ اللهِ وَرَسُولِهِ المَعرُوفَ عِندَ عُلَمَاءِ المُسلِمِينَ يَتَأَوَّلُونَه ُ عَلَى أُمُورٍ يَفتَرُونَهَا ، يَدَّعُونَ أَنَّهَا عِلمُ البَاطِنِ ..." انتَهَى كَلامُهُ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ وَهُوَ الكَلامُ الفَصلُ الجَزلُ ، الَّذِي حُصِرَت بِهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الخَبِيثَةُ في مَكَانٍ ضَيِّقٍ في بِلادِ الشَّامِ عِدَّةَ قُرُونٍ ، لا يُمَكَّنُونَ مِنَ الوَظَائِفِ وَلا مِنَ التَّعلِيمِ ، حَتَّى احتَلَّت فَرَنسَا بِلادَ الشَّامِ ، فَأَخرَجَتهُم وَأَبرَزَتهُم ولَمَّعَتهُم ، وَلَقَّبَتهُم بِالعَلَوِيِّين َ وَمَكَّنَتهُم مِنَ المَنَاصِبِ المُهِمَّةِ في الدَّولَةِ ... هَذِهِ هِيَ النُصَيرِيَّةُ الكَافِرَةُ المُرتَدَّةُ ، الَّتي سُلِّطَت عَلَى أَهلِ الشَّامِ لَمَّا زَاغُوا عَنِ الحَقِّ وَاتَّبَعُوا نَاعِقَ القَومِيَّةِ ، وَأَرخُوا السَّمعَ لَنَابِحِ الوَطَنِيَّةِ ، وَطَأطَؤُوا الرُّؤُوسَ لِكُفرِ البَعثِيَّةِ وَسَفَاهَةِ الاشتِرَاكِيَّة ِ ، وَتَرَكُوا المَنهَجَ القَوِيمَ وَحَادُوا عَنِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، وَلَن تَرجِعَ لَهُم عِزَّتُهُم وَلَن يَنَالُوا الفَضلَ الَّذِي جَاءَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِم إِلاَّ بِالرُّجُوعِ إِلى دِينِهِمُ الحَقِّ وَتَمَسُّكِهِم بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فَنَسأَلُ اللهَ أَن يُهَيِّئَ لَهُم مِن أَمرِهِم رَشَدًا ، وَأَن يَحقِنَ دِمَاءَهُم وَيَحفَظَ رِجَالَهُم وَنِسَاءَهُم . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري الفوز العظيم والخسران المبين 1 / 7 / 1432 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ ، وَاعمُرُوا أَوقَاتَكُم بما يُرضِيهِ مِنَ الأَقوَالِ وَالأَعمَالِ ، وَتَزَوَّدُوا بما يَكُونُ لَكُم ذُخرًا يَومَ المَآلِ ؛ فَإِنَّ الدُّنيَا إِلى فَنَاءٍ وَزَوَالٍ " يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ . مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجزَى إِلاَّ مِثلَهَا وَمَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ يُرزَقُونَ فِيهَا بِغَيرِ حِسَابٍ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لِكُلِّ امرِئٍ في هَذِهِ الدُّنيَا وِجهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ، وكُلٌّ في هَذِهِ الحَيَاةِ يَغدُو فَبَائِعٌ نَفسَهُ فَمُعتِقُهَا أَو مُوبِقُهَا ، وَيَومَ يُبَعثَرُ مَا في القُبُورِ وَيُحَصَّلُ مَا في الصُّدُورِ ، إِذْ ذَاكَ تُكشَفُ صُّحُفُ الأَعمَالِ وَتَظهَرُ نَتَائِجُ الأَفعَالِ " فَمَن زُحزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ " نَعَم ، مَن صُرِفَ عَنهُ العَذَابُ يَومَئِذٍ وأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَازَ " قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِن عَصَيتُ رَبِّي عَذَابَ يَومٍ عَظِيمٍ . مَن يُصرَفْ عَنهُ يَومَئِذٍ فَقَد رَحِمَهُ وَذَلِكَ الفَوزُ المُبِينُ " وَكَيفَ لا يَكُونُ فَوزًا مُبِينًا عَظِيمًا وَصَاحِبُهُ قَد نَالَ النَّعِيمَ المُقِيمَ ، وَظَفِرَ بِرِضوَانِ رَبِّهِ الرَّحِيمِ ، وَتَمَتَّعَ بِرُؤيَةِ وَجهِهِ الكَرِيمِ ، في خُلُودٍ لا انقِطَاعَ لَهُ وَرِزقٍ مَالَهُ مِن نَفَادٍ ، وَفَوزٍ بِنَعِيمٍ لا مَثِيلَ لَهُ وَلا شَبِيهَ ، لا يُكَدِّرُهُ تَفكِيرٌ في مَوتٍ ، وَلا يُنَغِّصُهُ هَمٌّ وَلا غَمٌّ وَلا سُقمٌ ؛ يَقُولُ أَهلُهُ وَهُم يَرَونَه : " أَفَمَا نَحنُ بِمَيِّتِينَ . إِلاَّ مَوتَتَنَا الأُولى وَمَا نَحنُ بِمُعَذَّبِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ الفَوزُ العَظِيمُ " وَيَقُولُ ـ سُبحَانَهُ ـ في وَصفِهِم : " لا يَذُوقُونَ فِيهَا المَوتَ إِلاَّ المَوتَةَ الأُولى وَوَقَاهُم عَذَابَ الجَحِيمِ . فَضلاً مِن رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ " أَلا وَإِنَّ أَسَاسَ هَذَا الفَوزِ وَأَصلَهُ الَّذِي لا يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِهِ وَلا يَحصُلُ إِلاَّ لأَهلِهِ ، هُوَ الإِيمَانُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ ، جَاءَتِ الآيَاتُ في كِتَابِ اللهِ بِذَلِكَ عَامَّةً وَخَاصَّةً ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَعَدَ الله المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدنٍ وَرِضوَانٌ مِنَ اللهِ أَكبرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدخِلُهُم رَبُّهُم في رَحمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ المُبِينُ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " لِيُدخِلَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ الله فَوزًا عَظِيمًا " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم جَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ ذَلِكَ الفَوزُ الكَبِيرُ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَلا إِنَّ أَولِيَاءَ اللهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . لَهُمُ البُشرَى في الحَيَاةِ الدِّنيَا وَفي الآخِرَةِ لا تَبدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ " وَمِنَ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ التي خُصَّت بِالذِّكرِ في كِتَابِ اللهِ وَوُعِدَ عَامِلُهَا بِالفَوزِ ، الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ وَالهِجرَةُ إِلَيهِ ، وَالتَّحَلِّي بِالصِّدقِ في الأَقوَالِ وَالأَعمَالِ وَالمَقَاصِدِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّ اللهَ اشتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُم وَأَموَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللهِ فَيَقتُلُونَ وَيُقتَلُونَ وَعدًا عَلَيهِ حَقًّا في التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالقُرآنِ وَمَن أَوفى بِعَهدِهِ مِنَ اللهِ فَاستَبشِرُوا بِبَيعِكُمُ الَّذِي بَايَعتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا في سَبِيلِ اللهِ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم أَعظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قَالَ اللهُ هَذَا يَومُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدقُهُم لَهُم جَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ " وَحَتَّى لا يَظُنَّ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ يَستَطِيعُ تَحقِيقَ الفَوزِ بالتَّعَبُّدِ للهِ ـ تَعَالى ـ بِطَاعَةِ غَيرِهِ أَو بِاتِّبَاعِ شَرعٍ غَيرِ شَرعِ نَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَد تَعَدَّدَتِ الآيَاتُ الَّتي تُعَلِّقُ الفَوزَ العَظِيمَ بِطَاعَةِ اللهِ ـ تَعَالى ـ وَتَقوَاهُ وَخَشيَتِهِ ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ " وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ لِلمُتَّقِينَ مَفَازًا " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " تِلكَ حُدُودُ اللهِ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا " وَحِينَ تَنحَرِفُ فِطَرُ بَعضِ النَّاسِ وَتَضعُفُ عُقُولُهُم فَيُسَوُّونَ بَينَ مُؤمِنٍ وَكَافِرٍ فِيمَا قَد يُسَمَّى بِوِحدَةِ الأَديَانِ أَو نَحوِهَا ، يُكَذِّبُهُمُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فيَقُولُ : " لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ " وَحِينَ يَظُنُّ بَعضُ النَّاسِ أَنَّهُ قَد أُوتيَ فَهمًا جَدِيدًا لِلإِسلامِ ، أَو أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَن يَتَّبِعَ غَيرَهُ في شَرقٍ أَو غَربٍ ، إِذْ ذَاكَ تَأتي آيَاتُ الكِتَابِ مُبَيِّنَةً أَنَّ الفَوزَ في تَحقِيقِ كَمَالِ الإِسلامِ ، وَأَنَّ ذَلِكَّ لا يَكُونُ إِلاَّ بِاتِّبَاعِ سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ ، الَّذِينَ صَحِبُوا النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَحَضَرُوا التَّنزِيلَ وَفَهِمُوا التَأوِيلَ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنَّاتٍ تَجرِي تَحتَهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَمَن أَرَادَ الفَوزَ في الآخِرَةِ فَلْيَصبِرْ في الدِّنيَا عَلَى الطَّاعَاتِ وَلْيَصبِرْ عَنِ المَعَاصِي ، وَلْيَتَصَبَّرْ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِن أَقدَارِ اللهِ المُؤلِمَةِ ؛ فَإِنَّ الإِيمَانَ وَالعَمَلَ الصَّالِحَ يَحتَاجَانِ إِلى صَبرٍ وَمُصَابَرَةٍ وَجِهَادٍ وَمُجَاهَدَةٍ ؛ لِيُحَقِّقَ العَبدُ الفَوزَ في الآخِرَةِ ، فَيَكُونَ مِمَّن ثَقُلَت مَوَازِينُهُم وَقَالَ اللهُ ـ تَعَالى ـ فِيهِم : " إِنِّي جَزَيتُهُمُ اليَومَ بما صَبَرُوا أَنَّهُم هُمُ الفَائِزُونَ " وَأَبشِرُوا ـ مَعشَرَ المُؤمِنِينَ ـ فَإِنَّ حَمَلَةَ عَرشِ الرَّحمَنِ يَستَغفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَيَدعُونَ اللهَ ـ تَعَالى ـ بِأَن يَحفَظَهُم مِن مُوجِبَاتِ سَخَطِهِ ؛ لِيَفُوزُوا بِرِضوَانِهِ وَجَنَّتِهِ ، قَالَ اللهُ ـ تَعَالى ـ عَنهُم : " الَّذِينَ يَحمِلُونَ العَرشَ وَمَن حَولَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمدِ رَبِّهِم وَيُؤمِنُونَ بِهِ وَيَستَغفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعتَ كُلَّ شَيءٍ رَحمَةً وَعِلمًا فَاغفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِم عَذَابَ الجَحِيمِ . رَبَّنَا وَأَدخِلهُم جَنَّاتِ عَدنٍ الَّتي وَعَدتَهُم وَمَن صَلَحَ مِن آبَائِهِم وَأَزوَاجِهِم وَذُرِّيَّاتِهِ م إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ . وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَومَئِذٍ فَقَد رَحِمتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ " أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " يَومَ يَجمَعُكُم لِيَومِ الجَمعِ ذَلِكَ يَومُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤمِنْ بِاللهِ وَيَعمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ ، فَإِنَّ تَقوَاهُ ـ سُبحَانَهُ ـ سَبَبٌ لِلفَوزِ يَومَ القِيَامَةِ " وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِم لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُم يَحزَنُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الخَسَارَةُ مُرٌّ مَذَاقُهَا ، شَدِيدٌ عَلَى النَّفسِ وَطؤُهَا ، غَيرَ أَنَّهُ وَمَهمَا تَنَوَّعَت خَسَارَةُ الإِنسَانِ أَو تَعَدَّدَت ، فَفَقَدَ أَهلاً أَو وَلَدًا ، أَو مَالاً أَو سُلطَانًا أَو جَاهًا ، أَو أَخفَقَ في امتِحَانٍ دُنيَوِيٍّ ، فَإِنَّهُ لا أَعظَمَ وَلا أَشَدَّ مِن خَسَارَتِهِ دِينَهُ وَإِيمَانَهُ ؛ إِذْ بِهِ خَسَارَةُ نَفسِهِ وَهَلاكُهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم فَهُم لا يُؤمِنُونَ " وَإِذَا كَانَ كُلُّ عَاقِلٍ يَسعَى في نَفعِ أَهلِهِ وَوَلَدِهِ ، وَتَرَى كُلَّ أَبٍ يَحرِصُ عَلَى نَجَاحِ أَبنَائِهِ في امتحَانَاتِ الدُّنيَا ، وَيَسُرُّهُ أَن يَنَالُوا فِيهَا أَعلَى الشَّهَادَاتِ وَالمُستَوَيَات ِ ، فَإِنَّ مِن أَشَدِّ الخُسرَانِ الَّذِي يُصِيبُ مَن قَصَّرُوا في إِيصَالِ أَعظَمِ نَفعٍ لأَهلِيهِم وَأَولادِهِم في الدُّنيَا وَهُوَ الإِيمَانُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ ؛ أَنَّهُم يُعَذَّبُونَ في النَّارِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم وَأَهلِيهِم يَومَ القِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالمِينَ في عَذَابٍ مُقِيمٍ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " قُلْ إِنَّ الخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم وَأَهلِيهِم يَومَ القِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الخُسرَانُ المُبِينُ " أَلا وَإِنَّ أَسبَابَ الخُسرَانِ في الآخِرَةِ كَثِيرَةٌ ، غَيرَ أَنَّ طَاعَةَ الشَّيطَانِ هِيَ أَصلُ الخُسرَانِ وَأَسَاسُهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيطَانَ وَلِيًّا مِن دُونِ اللهِ فَقَد خَسِرَ خُسرَانًا مُبِينًا " وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لأَنَّهُ يَدعُو إِلى التَّكذِيبِ بِلِقَاءِ اللهِ ، وَالمُكَذِّبُون َ بِهِ خَاسِرُونَ " قَد خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ " وَيَدعُو لِلكُفرِ بِالقُرآنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الهُدَى وَالرَّشَادِ " وَمَن يَكفُر بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ " " وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ " وَيَدعُو لاتِّخَاذِ دِينٍ غَيرِ الإِسلامِ " وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ " " وَمَن يَكفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَد حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ " بَلْ وَلا يَكتَفِي مِمَّن تَبِعَهُ حَتَّى يَجعَلَهُ مِن دُعَاةِ البَاطِلِ وَأَنصَارِهِ المُحَارِبِينَ لِلحَقِّ وَأَتبَاعِهِ " وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ " وَكَم مِن مُجتَهِدٍ في بَاطِلٍ لا يَنفَعُهُ اجتِهَادُهُ ! وَكَم مِن مُنقَطِعٍ في مَعبَدٍ أَو كَنِيسَةٍ يَتَعَبَّدُ فِيهَا لا تُغني عَنهُ عِبَادَتُهُ شَيئًَا ! وَكَم مِن مُرِيدٍ بِعَمَلِهِ غَيرَ وَجهِ اللهِ لم يَنَلْ إِلاَّ الخَسَارَةَ ! " قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرِينَ أَعمَالاً . الَّذِينَ ضَلَّ سَعيُهُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَهُم يَحسَبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعًا " أَلا فَاحذَرُوا الشَّيطَانَ فَإِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مَبِينٌ ، وَاحذَرُوا مِن خِفَّةِ المَوَازِينِ بِتَركِ العَمَلِ الصَّالِحِ وَالتَّمَادِي في العَمَلِ السَّيِّئِ " وَمَن خَفَّت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم في جَهَنَّمَ خَالِدُونَ " وَكُونُوا مِن حِزبِ اللهِ الطَّائِعِينَ المُفلِحِينَ ، وَاحذَرُوا مِن أَن تَكُونُوا مِن حِزبِ الشَّيطَانِ " أَلا إِنَّ حِزبَ الشَّيطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ " وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِن كَيدِ الكُفَّارِ وَأَعوَانِهِم وَأَذنَابِهِم مِنَ المُنَافِقِينَ وَالعِلمَانِيِّ ينَ ، ممَّن يُسَاوِمُونَكُم عَلَى التَّخلِّي عَن ثَوَابِتِ دِينِكُم ، أَو يَسُوقُونَكُم لِلتَّسَاهُلِ في أَعرَاضِكُم ، أَو يُرِيدُونَ الشَّرَّ لِنِسَائِكُم ، بما يَزعُمُونَهُ مِن تَحرِيرٍ لِلمَرأَةِ أَو يَدعُونَ إِلَيهِ مِن مُسَاوَاةٍ بَينَهَا وَبَينَ الرِّجَالِ ، أَو يُزَيِّنُونَهُ في نَظَرِهَا مِن قِيَادَةٍ لِلسَّيَّارَةِ وَخُرُوجٍ مِن بَيتِهَا ، وَتَفَلُّتٍ مِن أَحكَامِ دِينِهَا ، أَو تَمَرُّدٍ عَلَى وُلاةِ أَمرِهَا " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُم عَلَى أَعقَابِكُم فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ " وَإِيَّاكُم وَالاشتِغَالَ بِالمَالِ وَالوَلَدِ عَنِ الفَرَائِضِ وَالوَاجِبَاتِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُم أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ " وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَاصبِرُوا عَلَيهِ ، وَمُرُوا بِالمَعرُوفِ وَكُونُوا مِن أَهلِهِ ، وَانهَوا عَنِ المُنكَرِ وَابتَعِدُوا عَنهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَصلٌ مِن أُصُولِ النَّجَاةِ مِنَ الخَسَارَةِ " وَالعَصرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفي خُسرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ " |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري وأجملوا في الطلب 8 / 7 / 1432 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الدُّنيَا دَارُ اختِبَارٍ وَمَيدَانُ امتِحَانٍ ، وَالمُؤمِنُ فِيهَا مُبتَلًى بِالخَيرِ وَالشَّرِّ ، وَاللهُ قَد أَمَرَنَا وَنَهَانَا ، وَبَيَّنَ لَنَا في كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا يُصلِحُ شَأنَنَا وَتَكُونُ بِهِ نَجَاتُنَا " وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا " " وَمَن يَعصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا " أَلا وَإِنَّ الرِّزقَ مِمَّا ابتُلِيَ النَّاسُ بِالتَّفَاوُتِ فِيهِ في هَذِهِ الدُّنيَا ، وَقُدِّرَ لِكُلِّ أَحَدٍ حَظُّهُ مِنهُ وَهُوَ في بَطنِ أُمِّهِ ، وَمَعَ هَذَا جَعَلَهُ بَعضُهُم غَايَةً لَهُ وَهَمًّا ، يُمسِي وَهُوَ مُنشَعِلٌ بِهِ ، وَيُصبِحُ لا يُفَكِّرُ إِلاَّ فِيهِ ، يَطلُبُهُ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى جَنبٍ ، وَيَسعَى وَرَاءَهُ فَتىً وَشَابًّا وَشَيخًا ، وَلا يَتَوَانى عَنهُ صَحِيحًا أَو سَقِيمًا مُسَافِرًا أَو مُقِيمًا ، بَل وَصَلَ الأَمرُ بِكَثِيرِينَ إِلى أَنِ انشَغَلوُا بِهِ عَمَّا خُلِقُوا مِن أَجلِهِ ، فَطَرَدُوهُ حَتى تَرَكُوا الصَّلَوَاتِ ، وَتَأَخَّرُوا بِسَبَبِهِ عَن إِدرَاكِ الجُمَعِ وَالجَمَاعَاتِ ، وَحَمَلَهُمُ ابتِغَاؤُهُ عَلَى أَن يَكذِبُوا وَيَغُشُّوا ، وَيَشهَدُوا بِالزُّورِ وَيَحلِفُوا الأَيمَانَ الكَاذِبَةَ ، وَمِنهُم مَن دَخَلَ بِسَبَبِهِ في مَعَارِكَ كَلامِيَّةٍ حَادَّةٍ ، وَرُبَّمَا تَجَادَلَ فِيهِ إِخوَانٌ وَأَقَارِبُ وَجِيرَانٌ ، وَرُبَّمَا تَهَاجَرُوا بَعدَ شَكَاوَى وَطُولِ خِصَامٍ ، وَرُبَّمَا لم تُقنِعْهُمُ المَحَاكِمُ الشَّرعِيَّةُ وَلا الأَنظِمَةُ المَرعِيَّةُ ، فَطَالَ بهمُ الطَّرِيقُ في أَخذٍ وَعَطَاءٍ وَفَتلٍ وَنَقضٍ . وَهَكَذَا يَضِيعُ مِنَ العُمُرِ أَوقَاتٌ غَالِيَةٌ ، وَيُصَابُ المَرءُ بِالأَمرَاضِ وَتُهلِكُهُ الأَوجَاعُ ، وَيَتَفَانى وَيُهلِكُ نَفسَهُ في أَمرٍ مَحسُومٍ وَرِزقٍ مَقسُومٍ ، فَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ . أَخرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ وَغَيرُهُمَا عَن عَبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ : إِنَّ أَحَدَكُم يُجمَعُ خَلقُهُ في بَطنِ أُمِّهِ أَربَعِينَ يَومًا ، ثُمَّ يَكُونُ في ذَلِكَ عَلَقَةً مِثلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ في ذَلِكَ مُضغَةً مِثلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يُرسَلُ المَلَكُ فَيَنفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤمَرُ بِأَربَعِ كَلِمَاتٍ : بِكَتبِ رِزقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَو سَعِيدٌ ... " الحَدِيثَ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّهُ لَيسَ شَيءٌ يُقَرِّبُكُم مِنَ الجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُم مِنَ النَّارِ إِلاَّ قَد أَمَرتُكُم بِهِ , وَلَيسَ شَيءٌ يُقَرِّبُكُم مِنَ النَّارِ وَيُبَاعِدُكُم مِنَ الجَنَّةِ إِلاَّ قَد نَهَيتُكُم عَنهُ , وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ في رُوعِي أَنَّهُ لَن تَمُوتَ نَفسٌ حَتَّى تَستَوفيَ رِزقَهَا , فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ , وَلا يَحمِلَنَّكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ أَن تَطلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ , فَإِنَّهُ لا يُدرَكُ مَا عِندَ اللهِ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ " أَخرَجَهُ البَيهَقِيُّ في شُعَبِ الإِيمَانِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ الرِّزقَ لَيَطلُبُ العَبدَ كَمَا يَطلُبُهُ أَجَلُهُ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَغَيرُهُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : صَحِيحٌ لِغَيرِهِ . يُقَالُ هَذَا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَنَحنُ نَرَى كُلَّ فَترَةٍ ضَوَائِقَ وأَزَمَاتٍ ، يَفتَعِلُهَا تُجَّارٌ جَشِعُونَ ، وَيَقَعُ في شِرَاكِهَا مُستَهلِكُونَ مَغَفَّلُونَ ، وَإِنَّهُ مَتَى اجتَمَعَ جَشَعُ التُّجَّارِ وَطَمَعُهُم وَحِرصُ المُشتَرِينَ وهَلَعُهُم ، في جَوٍّ مِن عَدَمِ التَّقَيُّدِ بِأَحكَامِ الإِسلامِ وَضَبطِ النُّفُوسِ بِآدَابِهِ ، لم تَرَ إِلاَّ مَا عَلَيهِ الحَالُ مِن تَقَاطُرِ السَّيَّارَاتِ لِطَلَبِ بَعضِ الحَاجَاتِ ، وَتَشَاحُنِ النَّاسِ وَتَنَازُعِهِم ، وَرَميِ بَعضِهِم بَعضًا بِالسِّبَابِ وَأَقذَعِ الوَصفِ وَأَفحَشِ الكَلامِ ، مِمَّا يَتَرَفَّعُ عَنهُ كُلُّ مُسلِمٍ يَعلَمُ أَنَّ الرِّزقَ بِيَدِ اللهِ ، وَأَنَّهُ لَن يَأتِيَهُ إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ . وَلَو أَنَّ التُّجَّارَ كُلَّمَا أَرَادُوا بِالمُشتَرِينَ فِتنَةً دَفَعَهَا المُشتَرُونَ بِالصَّبرِ وَالتَّعَقُّلِ وَعَدَمِ الانصِيَاعِ لخِطَطِهِمُ الشَّيطَانِيَّة ِ ، لتَأَدَّبَ أُولَئِكَ التُّجَّارُ وَتَرَاجَعُوا ، وَلَرَعُوا مَا لإِخوَانِهِم عَلَيهِم مِنَ الحُقُوقِ ، لَكِنَّهُم وَجَدُوا أَنَّهُم كُلَّمَا استُخفُّوهُم أَطَاعُوهُم ، وَكُلَّمَا أَجلَبُوا عَلَيهِمُ انقَادُوا إِلَيهِم ، وَكُلَّمَا كَذَبُوا عَلَيهِم صَدَّقُوا وَانخَدَعُوا ، وَمِن ثَمَّ جَعَلُوا لا يَألُونَ جُهدًا في اصطِنَاعِ الأَزَمَاتِ وَنَشرِ الشَّائِعَاتِ ، وَالزَّعمِ بِأَنَّ تِلكَ السِّلعَةَ سَتَشِحُّ في السُّوقِ وَسَيَقِلُّ عَرضُهَا مُستَقبَلاً أَو قَد يُقطَعُ استِيرَادُهَا ، وَقَد وَجَدُوا في هَذِهِ الخِطَطِ البَغِيضَةِ تَروِيجًا لِبَضَائِعِهِمُ الكَاسِدَةِ وَتَسوِيقًا لِمَعرُوضَاتِهُ مُ الفَاسِدَةِ ، بَل إِنَّهُم لم يَجِدُوا طَرِيقًا لِلتَخَلُّصِ مِن أَردَأِ مَا لَدَيهِم إِلاَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ المُلتَوِيَةَ ، الَّتي يُسَاعِدُهُم عَلَى سُلُوكِهَا الجَهلُ الَّذِي يَتَّصِفُ بِهِ العَامَّةُ ، وَلَو أَنَّ النَّاسَ وَثِقُوا فِيمَا عِندَ اللهِ مِنَ الفَرَجِ العَاجِلِ لِمَنِ اتَّقَاهُ ، فَقَاطَعُوا أُولَئِكَ التُّجَّارَ وَلَجَؤُوا إِلى رَبِّهِم لُجُوءًا حَقِيقِيًّا ، لَتَغَيَّرَتِ الأَحوَالُ وَلَتَحَسَّنَتِ الأَوضَاعُ ، وَلَتَأَدَّبَ أَهلُ الطَّمَعِ وَالجَشَعِ بِآدَابِ الإِسلامِ وَتَخَلَّقُوا بِأَخلاقِ أَهلِهِ الكِرَامِ ، وَلْنَأخُذْ عَلَى ذَلِكَ مِثَالاً بِأَهلِ المَاشِيَةِ ، الَّذِينَ نَرَى مِنِ اهتِمَامِهِم بِتَوَفُّرِ الأَعلافِ وَسُؤَالِهِم عَنهَا مَا لَو بَذَلُوا نِصفَهُ في اللُّجُوءِ إِلى رَبِّهِم وَدُعَائِهِ وَاستِسقَائِهِ ، لَوَجَدُوا لِذَلِكَ أَثَرًا عَظِيمًا ، وَلَظَفِرُوا مِن رَبِّهِم بِإِجَابَةِ دُعَائِهِم وَتَحقِيقِ رَجَائِهِم ، غَيرَ أَنَّكَ تَرَى أَحَدَهُم إِذَا أُعلِنَ عَن شَاحِنَةِ أَعَلافٍ قَد وَصَلَت ، قَامَ مِن قَبلِ الفَجرِ مُبَادِرًا ، وَأَيقَظَ مَعَهُ عَدَدًا مِن أَبنَائِهِ لِيَأخُذُوا أَمكِنَتَهُم مَعَ المُتَقَاطِرِين َ ، وَتَرَاهُ يُنَبِّهُ جِيرَانَهُ وَمَن يُحِبُّ وَيُؤَكِّدُ عَلَيهِم الحُضُورَ لِنَيلِ نَصِيبِهِم وَأَخذِ حِصَّتِهِم مِن لُقمَةٍ غَيرِ سَائِغَةٍ وَلا هَنِيئَةٍ ، يَتَنازَعُهَا رِجَالٌ كَأَنَّهُمُ السِّبَاعُ الضَّارِيَةُ ، يَتَشَاحُّونَ وَيَتَشَاجَرُون َ ، وَيُضَيِّقُ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ وَيَتَدَافَعُون َ ، مُتَنَاسِينَ أَنَّ لَهُم أَخلاقًا إِسلامِيَّةً عَظِيمَةً ، وَشِيَمًا عَرَبِيَّةً كَرِيمَةً ، تَحُثُّ عَلَى الإِيثَارِ وَتَدعُو إِلى السَّمَاحَةِ ، وَتَمدَحُ الكَرَمَ وَتُشِيدُ بِسُمُوِّ النَفسِ ، وَتُنَفِّرُ مِنَ الأَثَرَةِ وَتَذُمُّ حُبَّ الذَّاتِ . وَتَرَى كَثِيرًا مِن هَؤُلاءِ حِينَ يُدعَى لِصَلاةِ استِسقَاءٍ يَتَباطَؤُونَ وَيَتَأَخَّرُون َ ، وَقَد لا يَهتَمُّ بَعضُهُم بها وَلا يَأتُونَ ، فَكَأَنَّهُم قَد أَصبَحُوا بما عِندَ المَخلُوقِينَ الضُّعَفَاءِ أَوثَقَ مِنهُم بما عِندَ الخَالِقِ الرَّازِقِ ـ سُبحَانَهُ ـ أَلا فَمَا أَحرَى المُسلِمَ أَن يَتَّقِيَ رَبَّهُ وَيُحسِنَ التَّعَامُلَ في كُلِّ مَا يَمُرُّ بِهِ ، فَلا يَستَعجِلَ وَلا يَطمَعَ ، وَلا يَيأَسَ وَلا يَجزَعَ ، بَل يَجعَلُ ثِقَتَهُ بِرَبِّهِ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ ، وَطَمَعَهُ بما عِندَ مَولاهُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، وَرَجَاءَهُ لِتَفرِيجِهِ ـ تَعَالى ـ الكُرَبَ وَتَيسِيرِهِ العُسرَ مُهَيمِنًا عَلَيهِ في كُلِّ وَقتٍ ، فَهُوَ ـ سُبحَانَهُ ـ الَّذِي لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِهِ ، وَلا مَانِعَ لما أَعطَى وَلا مُعطِيَ لما مَنَعَ ، بِيَدِهِ خَزَائِنُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، وَلَيسَ لِلعَبدِ إِلاَّ مَا قَضَاهُ لَهُ وَقَدَّرَهُ ، وَلَيسَ يَنقُصُ في رِزقِ مَخلُوقٍ تَأنٍّ أَو تَبَاطُؤٌ أَو تُؤَدَةٌ ، وَلا يَزِيدُ فِيهِ عَنَاءٌ وَلا سُرعَةٌ وَلا عَجَلَةٌ ، وَمَن شَكَّ في هَذَا فَلْيُرَاجَعْ إِيمَانَهُ وَلْيُصَحِّحْ عَقِيدَتَهُ ، فَإِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ قَد قَالَ : "وَفي السَّمَاءِ رِزقُكُم وَمَا تُوعَدُونَ . فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثلَ مَا أَنَّكُم تَنطِقُونَ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لا يُقَالُ لِلنَّاسِ اجلِسُوا في بُيُوتِكُم مُنتَظِرِينَ ذَهَبًا تُمطِرُ بِهِ السَّمَاءُ ، أَوِ اقعُدُوا عَن طَلَبِ أَرزَاقِكُم وتَوَاكَلُوا وَلا تَعمَلُوا ، لا وَاللهِ ، لا يَقُولُ ذَلِكَ مَن لَهُ مَسكَةُ فِقهٍ وَلا ذَرَّةُ عَقلٍ ، وَلَكِنْ يُقَالُ لِلنَّاسِ اعمَلُوا وَابذُلُوا الأَسبَابَ ، وَقُومُوا وَاقعُدُوا وَاطرُقُوا الأَبوَابَ ، وَامشُوا في مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِزقِهِ " فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا في الأَرضِ وَابتَغُوا مِن فَضلِ اللهِ " وَلَكِنْ " وَاذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " نَعَم ، اُذكُرُوهُ كَثِيرًا فَلا تَغفَلُوا بِالانشِغَالِ بما ضَمِنَهُ لَكُم عَمَّا لم يَضمَنْ ، اُذكُرُوهُ كَثِيرًا وَاعمَلُوا بما أَمَرَكُم بِهِ وَانتَهُوا عَمَّا نَهَاكُم عَنهُ ، اُذكُرُوهُ كَثِيرًا وَقِفُوا عِندَ حُدُودِهِ وَلا تَظلِمُوا أَنفُسَكُم بِتَعَدِّي تِلكَ الحُدُودِ ، اُذكُرُوهُ كَثِيرًا وَخُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ ، اذكُرُوهُ كَثِيرًا فَلا تَغُشُّوا وَلا تُخدَعُوا ، وَبَيِّنُوا وَلا تَكتُمُوا ، اُذكُرُوهُ كَثِيرًا فَاحفَظُوا أَيمَانَكُم في بَيعِكُم وَشِرَائِكُم . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الحِرصَ الزَّائِدَ مُفسِدٌ لِدِينِ المَرءِ مُذهِبٌ لِمُرُوءَتِهِ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا ذِئبَانِ جَائِعَانِ أُرسِلا في غَنَمٍ بِأَفسَدَ لها مِن حِرصِ المَرءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَإِنَّ أَشرَافَ الرِّجَالِ وَكُرَمَاءَهُم ، لا تَرَاهُم إِلاَّ هَادِئِي البَالِ مُتَّزِنِي الطِّبَاعِ ، مُطمَئِنِّي القُلُوبِ مُتَّسِعِي الصُّدُورِ ، مُتَّصِفِينَ بِالسَّمَاحَةِ وَالعِفَّةِ ، لأَنَّهُم يَعلَمُونَ أَنَّ مَا قُدِّرَ لَهُم فَسَيَأتِيهِم وَلَو لم يَأتُوَا إِلَيهِ ، عَنِ ابنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَ سَائِلٌ إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَإِذَا تَمرَةٌ عَائِرَةٌ فَأَعطَاهُ إِيَّاهَا وَقَالَ : " خُذْهَا ، لَو لم تَأتِهَا لأَتَتكَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَربَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلا عَلَيكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنيَا : حِفظُ أَمَانَةٍ ، وَصِدقُ حَدِيثٍ ، وَحُسنُ خَلِيقَةٍ ، وَعِفَّةٌ في طُعمَةٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالطَّبَرَانيّ ُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " رَحِمَ اللهُ عَبدًا سَمحًا إِذَا بَاعَ سَمحًا إِذَا اشتَرَى سَمحًا إِذَا اقتَضَى " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَأَمَّا أُولَئِكَ المُحتَكِرُونَ المُتَلاعِبُونَ بِأَطعِمَةِ النَّاسِ وَأَطعِمَةِ مَوَاشِيهِم ، الَّذِينَ لا يُهِمُّهُم إِلاَّ جَمَعُ المَالِ وَلَو بِطُرُقٍ غَيرِ شَرعِيَّةٍ وَلا مَقبُولَةٍ ، فَهُم مُذنِبُونَ مُخطِئُونَ مُتَوَعَّدُونَ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَنِ احتَكَرَ طَعَامًا فَهُوَ خَاطِئٌ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " ثَلاثَةٌ لا يَنظُرُ اللهُ إِلَيهِم يَومَ القِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ : المُسبِلُ وَالمَنَّانُ وَالمُنَفِّقُ سِلعَتَهُ بِالحَلِفِ الكَاذِبِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِيَّاكُم وَكَثرَةَ الحَلِفِ في البَيعِ ؛ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمحَقُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري وأجملوا في الطلب 8 / 7 / 1432 الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الدُّنيَا دَارُ اختِبَارٍ وَمَيدَانُ امتِحَانٍ ، وَالمُؤمِنُ فِيهَا مُبتَلًى بِالخَيرِ وَالشَّرِّ ، وَاللهُ قَد أَمَرَنَا وَنَهَانَا ، وَبَيَّنَ لَنَا في كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا يُصلِحُ شَأنَنَا وَتَكُونُ بِهِ نَجَاتُنَا " وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا " " وَمَن يَعصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا " أَلا وَإِنَّ الرِّزقَ مِمَّا ابتُلِيَ النَّاسُ بِالتَّفَاوُتِ فِيهِ في هَذِهِ الدُّنيَا ، وَقُدِّرَ لِكُلِّ أَحَدٍ حَظُّهُ مِنهُ وَهُوَ في بَطنِ أُمِّهِ ، وَمَعَ هَذَا جَعَلَهُ بَعضُهُم غَايَةً لَهُ وَهَمًّا ، يُمسِي وَهُوَ مُنشَعِلٌ بِهِ ، وَيُصبِحُ لا يُفَكِّرُ إِلاَّ فِيهِ ، يَطلُبُهُ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى جَنبٍ ، وَيَسعَى وَرَاءَهُ فَتىً وَشَابًّا وَشَيخًا ، وَلا يَتَوَانى عَنهُ صَحِيحًا أَو سَقِيمًا مُسَافِرًا أَو مُقِيمًا ، بَل وَصَلَ الأَمرُ بِكَثِيرِينَ إِلى أَنِ انشَغَلوُا بِهِ عَمَّا خُلِقُوا مِن أَجلِهِ ، فَطَرَدُوهُ حَتى تَرَكُوا الصَّلَوَاتِ ، وَتَأَخَّرُوا بِسَبَبِهِ عَن إِدرَاكِ الجُمَعِ وَالجَمَاعَاتِ ، وَحَمَلَهُمُ ابتِغَاؤُهُ عَلَى أَن يَكذِبُوا وَيَغُشُّوا ، وَيَشهَدُوا بِالزُّورِ وَيَحلِفُوا الأَيمَانَ الكَاذِبَةَ ، وَمِنهُم مَن دَخَلَ بِسَبَبِهِ في مَعَارِكَ كَلامِيَّةٍ حَادَّةٍ ، وَرُبَّمَا تَجَادَلَ فِيهِ إِخوَانٌ وَأَقَارِبُ وَجِيرَانٌ ، وَرُبَّمَا تَهَاجَرُوا بَعدَ شَكَاوَى وَطُولِ خِصَامٍ ، وَرُبَّمَا لم تُقنِعْهُمُ المَحَاكِمُ الشَّرعِيَّةُ وَلا الأَنظِمَةُ المَرعِيَّةُ ، فَطَالَ بهمُ الطَّرِيقُ في أَخذٍ وَعَطَاءٍ وَفَتلٍ وَنَقضٍ . وَهَكَذَا يَضِيعُ مِنَ العُمُرِ أَوقَاتٌ غَالِيَةٌ ، وَيُصَابُ المَرءُ بِالأَمرَاضِ وَتُهلِكُهُ الأَوجَاعُ ، وَيَتَفَانى وَيُهلِكُ نَفسَهُ في أَمرٍ مَحسُومٍ وَرِزقٍ مَقسُومٍ ، فَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ . أَخرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ وَغَيرُهُمَا عَن عَبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ : إِنَّ أَحَدَكُم يُجمَعُ خَلقُهُ في بَطنِ أُمِّهِ أَربَعِينَ يَومًا ، ثُمَّ يَكُونُ في ذَلِكَ عَلَقَةً مِثلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ في ذَلِكَ مُضغَةً مِثلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يُرسَلُ المَلَكُ فَيَنفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤمَرُ بِأَربَعِ كَلِمَاتٍ : بِكَتبِ رِزقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَو سَعِيدٌ ... " الحَدِيثَ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّهُ لَيسَ شَيءٌ يُقَرِّبُكُم مِنَ الجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُم مِنَ النَّارِ إِلاَّ قَد أَمَرتُكُم بِهِ , وَلَيسَ شَيءٌ يُقَرِّبُكُم مِنَ النَّارِ وَيُبَاعِدُكُم مِنَ الجَنَّةِ إِلاَّ قَد نَهَيتُكُم عَنهُ , وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ في رُوعِي أَنَّهُ لَن تَمُوتَ نَفسٌ حَتَّى تَستَوفيَ رِزقَهَا , فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ , وَلا يَحمِلَنَّكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ أَن تَطلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ , فَإِنَّهُ لا يُدرَكُ مَا عِندَ اللهِ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ " أَخرَجَهُ البَيهَقِيُّ في شُعَبِ الإِيمَانِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ الرِّزقَ لَيَطلُبُ العَبدَ كَمَا يَطلُبُهُ أَجَلُهُ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَغَيرُهُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : صَحِيحٌ لِغَيرِهِ . يُقَالُ هَذَا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَنَحنُ نَرَى كُلَّ فَترَةٍ ضَوَائِقَ وأَزَمَاتٍ ، يَفتَعِلُهَا تُجَّارٌ جَشِعُونَ ، وَيَقَعُ في شِرَاكِهَا مُستَهلِكُونَ مَغَفَّلُونَ ، وَإِنَّهُ مَتَى اجتَمَعَ جَشَعُ التُّجَّارِ وَطَمَعُهُم وَحِرصُ المُشتَرِينَ وهَلَعُهُم ، في جَوٍّ مِن عَدَمِ التَّقَيُّدِ بِأَحكَامِ الإِسلامِ وَضَبطِ النُّفُوسِ بِآدَابِهِ ، لم تَرَ إِلاَّ مَا عَلَيهِ الحَالُ مِن تَقَاطُرِ السَّيَّارَاتِ لِطَلَبِ بَعضِ الحَاجَاتِ ، وَتَشَاحُنِ النَّاسِ وَتَنَازُعِهِم ، وَرَميِ بَعضِهِم بَعضًا بِالسِّبَابِ وَأَقذَعِ الوَصفِ وَأَفحَشِ الكَلامِ ، مِمَّا يَتَرَفَّعُ عَنهُ كُلُّ مُسلِمٍ يَعلَمُ أَنَّ الرِّزقَ بِيَدِ اللهِ ، وَأَنَّهُ لَن يَأتِيَهُ إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ . وَلَو أَنَّ التُّجَّارَ كُلَّمَا أَرَادُوا بِالمُشتَرِينَ فِتنَةً دَفَعَهَا المُشتَرُونَ بِالصَّبرِ وَالتَّعَقُّلِ وَعَدَمِ الانصِيَاعِ لخِطَطِهِمُ الشَّيطَانِيَّة ِ ، لتَأَدَّبَ أُولَئِكَ التُّجَّارُ وَتَرَاجَعُوا ، وَلَرَعُوا مَا لإِخوَانِهِم عَلَيهِم مِنَ الحُقُوقِ ، لَكِنَّهُم وَجَدُوا أَنَّهُم كُلَّمَا استُخفُّوهُم أَطَاعُوهُم ، وَكُلَّمَا أَجلَبُوا عَلَيهِمُ انقَادُوا إِلَيهِم ، وَكُلَّمَا كَذَبُوا عَلَيهِم صَدَّقُوا وَانخَدَعُوا ، وَمِن ثَمَّ جَعَلُوا لا يَألُونَ جُهدًا في اصطِنَاعِ الأَزَمَاتِ وَنَشرِ الشَّائِعَاتِ ، وَالزَّعمِ بِأَنَّ تِلكَ السِّلعَةَ سَتَشِحُّ في السُّوقِ وَسَيَقِلُّ عَرضُهَا مُستَقبَلاً أَو قَد يُقطَعُ استِيرَادُهَا ، وَقَد وَجَدُوا في هَذِهِ الخِطَطِ البَغِيضَةِ تَروِيجًا لِبَضَائِعِهِمُ الكَاسِدَةِ وَتَسوِيقًا لِمَعرُوضَاتِهُ مُ الفَاسِدَةِ ، بَل إِنَّهُم لم يَجِدُوا طَرِيقًا لِلتَخَلُّصِ مِن أَردَأِ مَا لَدَيهِم إِلاَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ المُلتَوِيَةَ ، الَّتي يُسَاعِدُهُم عَلَى سُلُوكِهَا الجَهلُ الَّذِي يَتَّصِفُ بِهِ العَامَّةُ ، وَلَو أَنَّ النَّاسَ وَثِقُوا فِيمَا عِندَ اللهِ مِنَ الفَرَجِ العَاجِلِ لِمَنِ اتَّقَاهُ ، فَقَاطَعُوا أُولَئِكَ التُّجَّارَ وَلَجَؤُوا إِلى رَبِّهِم لُجُوءًا حَقِيقِيًّا ، لَتَغَيَّرَتِ الأَحوَالُ وَلَتَحَسَّنَتِ الأَوضَاعُ ، وَلَتَأَدَّبَ أَهلُ الطَّمَعِ وَالجَشَعِ بِآدَابِ الإِسلامِ وَتَخَلَّقُوا بِأَخلاقِ أَهلِهِ الكِرَامِ ، وَلْنَأخُذْ عَلَى ذَلِكَ مِثَالاً بِأَهلِ المَاشِيَةِ ، الَّذِينَ نَرَى مِنِ اهتِمَامِهِم بِتَوَفُّرِ الأَعلافِ وَسُؤَالِهِم عَنهَا مَا لَو بَذَلُوا نِصفَهُ في اللُّجُوءِ إِلى رَبِّهِم وَدُعَائِهِ وَاستِسقَائِهِ ، لَوَجَدُوا لِذَلِكَ أَثَرًا عَظِيمًا ، وَلَظَفِرُوا مِن رَبِّهِم بِإِجَابَةِ دُعَائِهِم وَتَحقِيقِ رَجَائِهِم ، غَيرَ أَنَّكَ تَرَى أَحَدَهُم إِذَا أُعلِنَ عَن شَاحِنَةِ أَعَلافٍ قَد وَصَلَت ، قَامَ مِن قَبلِ الفَجرِ مُبَادِرًا ، وَأَيقَظَ مَعَهُ عَدَدًا مِن أَبنَائِهِ لِيَأخُذُوا أَمكِنَتَهُم مَعَ المُتَقَاطِرِين َ ، وَتَرَاهُ يُنَبِّهُ جِيرَانَهُ وَمَن يُحِبُّ وَيُؤَكِّدُ عَلَيهِم الحُضُورَ لِنَيلِ نَصِيبِهِم وَأَخذِ حِصَّتِهِم مِن لُقمَةٍ غَيرِ سَائِغَةٍ وَلا هَنِيئَةٍ ، يَتَنازَعُهَا رِجَالٌ كَأَنَّهُمُ السِّبَاعُ الضَّارِيَةُ ، يَتَشَاحُّونَ وَيَتَشَاجَرُون َ ، وَيُضَيِّقُ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ وَيَتَدَافَعُون َ ، مُتَنَاسِينَ أَنَّ لَهُم أَخلاقًا إِسلامِيَّةً عَظِيمَةً ، وَشِيَمًا عَرَبِيَّةً كَرِيمَةً ، تَحُثُّ عَلَى الإِيثَارِ وَتَدعُو إِلى السَّمَاحَةِ ، وَتَمدَحُ الكَرَمَ وَتُشِيدُ بِسُمُوِّ النَفسِ ، وَتُنَفِّرُ مِنَ الأَثَرَةِ وَتَذُمُّ حُبَّ الذَّاتِ . وَتَرَى كَثِيرًا مِن هَؤُلاءِ حِينَ يُدعَى لِصَلاةِ استِسقَاءٍ يَتَباطَؤُونَ وَيَتَأَخَّرُون َ ، وَقَد لا يَهتَمُّ بَعضُهُم بها وَلا يَأتُونَ ، فَكَأَنَّهُم قَد أَصبَحُوا بما عِندَ المَخلُوقِينَ الضُّعَفَاءِ أَوثَقَ مِنهُم بما عِندَ الخَالِقِ الرَّازِقِ ـ سُبحَانَهُ ـ أَلا فَمَا أَحرَى المُسلِمَ أَن يَتَّقِيَ رَبَّهُ وَيُحسِنَ التَّعَامُلَ في كُلِّ مَا يَمُرُّ بِهِ ، فَلا يَستَعجِلَ وَلا يَطمَعَ ، وَلا يَيأَسَ وَلا يَجزَعَ ، بَل يَجعَلُ ثِقَتَهُ بِرَبِّهِ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ ، وَطَمَعَهُ بما عِندَ مَولاهُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، وَرَجَاءَهُ لِتَفرِيجِهِ ـ تَعَالى ـ الكُرَبَ وَتَيسِيرِهِ العُسرَ مُهَيمِنًا عَلَيهِ في كُلِّ وَقتٍ ، فَهُوَ ـ سُبحَانَهُ ـ الَّذِي لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِهِ ، وَلا مَانِعَ لما أَعطَى وَلا مُعطِيَ لما مَنَعَ ، بِيَدِهِ خَزَائِنُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، وَلَيسَ لِلعَبدِ إِلاَّ مَا قَضَاهُ لَهُ وَقَدَّرَهُ ، وَلَيسَ يَنقُصُ في رِزقِ مَخلُوقٍ تَأنٍّ أَو تَبَاطُؤٌ أَو تُؤَدَةٌ ، وَلا يَزِيدُ فِيهِ عَنَاءٌ وَلا سُرعَةٌ وَلا عَجَلَةٌ ، وَمَن شَكَّ في هَذَا فَلْيُرَاجَعْ إِيمَانَهُ وَلْيُصَحِّحْ عَقِيدَتَهُ ، فَإِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ قَد قَالَ : "وَفي السَّمَاءِ رِزقُكُم وَمَا تُوعَدُونَ . فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثلَ مَا أَنَّكُم تَنطِقُونَ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لا يُقَالُ لِلنَّاسِ اجلِسُوا في بُيُوتِكُم مُنتَظِرِينَ ذَهَبًا تُمطِرُ بِهِ السَّمَاءُ ، أَوِ اقعُدُوا عَن طَلَبِ أَرزَاقِكُم وتَوَاكَلُوا وَلا تَعمَلُوا ، لا وَاللهِ ، لا يَقُولُ ذَلِكَ مَن لَهُ مَسكَةُ فِقهٍ وَلا ذَرَّةُ عَقلٍ ، وَلَكِنْ يُقَالُ لِلنَّاسِ اعمَلُوا وَابذُلُوا الأَسبَابَ ، وَقُومُوا وَاقعُدُوا وَاطرُقُوا الأَبوَابَ ، وَامشُوا في مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِزقِهِ " فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا في الأَرضِ وَابتَغُوا مِن فَضلِ اللهِ " وَلَكِنْ " وَاذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " نَعَم ، اُذكُرُوهُ كَثِيرًا فَلا تَغفَلُوا بِالانشِغَالِ بما ضَمِنَهُ لَكُم عَمَّا لم يَضمَنْ ، اُذكُرُوهُ كَثِيرًا وَاعمَلُوا بما أَمَرَكُم بِهِ وَانتَهُوا عَمَّا نَهَاكُم عَنهُ ، اُذكُرُوهُ كَثِيرًا وَقِفُوا عِندَ حُدُودِهِ وَلا تَظلِمُوا أَنفُسَكُم بِتَعَدِّي تِلكَ الحُدُودِ ، اُذكُرُوهُ كَثِيرًا وَخُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ ، اذكُرُوهُ كَثِيرًا فَلا تَغُشُّوا وَلا تُخدَعُوا ، وَبَيِّنُوا وَلا تَكتُمُوا ، اُذكُرُوهُ كَثِيرًا فَاحفَظُوا أَيمَانَكُم في بَيعِكُم وَشِرَائِكُم . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الحِرصَ الزَّائِدَ مُفسِدٌ لِدِينِ المَرءِ مُذهِبٌ لِمُرُوءَتِهِ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا ذِئبَانِ جَائِعَانِ أُرسِلا في غَنَمٍ بِأَفسَدَ لها مِن حِرصِ المَرءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَإِنَّ أَشرَافَ الرِّجَالِ وَكُرَمَاءَهُم ، لا تَرَاهُم إِلاَّ هَادِئِي البَالِ مُتَّزِنِي الطِّبَاعِ ، مُطمَئِنِّي القُلُوبِ مُتَّسِعِي الصُّدُورِ ، مُتَّصِفِينَ بِالسَّمَاحَةِ وَالعِفَّةِ ، لأَنَّهُم يَعلَمُونَ أَنَّ مَا قُدِّرَ لَهُم فَسَيَأتِيهِم وَلَو لم يَأتُوَا إِلَيهِ ، عَنِ ابنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَ سَائِلٌ إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَإِذَا تَمرَةٌ عَائِرَةٌ فَأَعطَاهُ إِيَّاهَا وَقَالَ : " خُذْهَا ، لَو لم تَأتِهَا لأَتَتكَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَربَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلا عَلَيكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنيَا : حِفظُ أَمَانَةٍ ، وَصِدقُ حَدِيثٍ ، وَحُسنُ خَلِيقَةٍ ، وَعِفَّةٌ في طُعمَةٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالطَّبَرَانيّ ُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " رَحِمَ اللهُ عَبدًا سَمحًا إِذَا بَاعَ سَمحًا إِذَا اشتَرَى سَمحًا إِذَا اقتَضَى " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَأَمَّا أُولَئِكَ المُحتَكِرُونَ المُتَلاعِبُونَ بِأَطعِمَةِ النَّاسِ وَأَطعِمَةِ مَوَاشِيهِم ، الَّذِينَ لا يُهِمُّهُم إِلاَّ جَمَعُ المَالِ وَلَو بِطُرُقٍ غَيرِ شَرعِيَّةٍ وَلا مَقبُولَةٍ ، فَهُم مُذنِبُونَ مُخطِئُونَ مُتَوَعَّدُونَ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَنِ احتَكَرَ طَعَامًا فَهُوَ خَاطِئٌ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " ثَلاثَةٌ لا يَنظُرُ اللهُ إِلَيهِم يَومَ القِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ : المُسبِلُ وَالمَنَّانُ وَالمُنَفِّقُ سِلعَتَهُ بِالحَلِفِ الكَاذِبِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِيَّاكُم وَكَثرَةَ الحَلِفِ في البَيعِ ؛ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمحَقُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا 15 / 7 / 1432 الخطبة الأولى أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ فَإِنَّ تَقوَاهُ فُرقَانٌ تَستَنِيرُ بِهِ العُقُولُ وَالبَصَائِرُ ، وَنُورٌ تُضَاءُ بِهِ القُلُوبُ وَالضَّمَائِرُ ، وَهِيَ أَقوَى عُدَّةٍ في الشِّدَّةِ ، وَخَيرُ زَادٍ لِيَومِ المَعَادِ ، بها تُغفَرُ الذُّنُوبُ وَتُكَفَّرُ الخَطَايَا ، وَبها تُنَالُ مِنَ اللهِ جَزِيلاتُ العَطَايَا ، مَنِ اتَّقَى اللهَ انكَشَفَت لَهُ الحَقَّائِقُ وَزَالَ عَنهُ اللَّبسُ ، وَعَاشَ مُنشَرِحَ الصَّدرِ مُطمَئِنَّ النَّفسِ ، وَاستَقَرَّت قَدَمُهُ في دُرُوبِ الحَقِّ وَنَبَذ الهَوَى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَو شَاءَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لأَخَذَ النَّاسَ بما كَسَبُوا فَمَا تَرَكَ عَلَى ظَهرِ الأَرضِ مِنهُم أَحَدًا ، لَكِنَّ مِن مُقتَضَى حِلمِهِ وَرَأفَتِهِ بهم وَعَفوِهِ عَنهُم ، وَإِحسَانِهِ ـ تَعَالى ـ إِلَيهِم وَرَحمَتِهِ بهم أَلاَّ يُعَاجِلَهُم بِذَلِكَ قَبلَ تَذكِيرٍ وَإِنذَارٍ " وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحمَةِ لَو يُؤَاخِذُهُم بما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذَابَ بَلْ لَهُم مَوعِدٌ لَن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوئِلاً " نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ مِن رَحمَةِ اللهِ بِعِبَادِهِ أَن يُرسِلَ الآيَاتِ إِنذَارًا لَهُم وَتَذكِيرًا ، وَتَوضِيحًا لِمَا هُم عَلَيهِ وَتَبصِيرًا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : وَلَنُذِيقَنَّه ُم مِنَ العَذَابِ الأَدنى دُونَ العَذَابِ الأَكبرِ لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ " فَمَن رُزِقَ مِنهُمُ التَّوفِيقَ خَافَ مِن رَبِّهِ وَتَرَاجَعَ عَن ذَنبِهِ ، وَتَابَ إِلى مَولاهُ وَأَنَابَ ، وَأَمَّا مَن لم يَرفَعْ بِآيَاتِ رَبِّهِ رَأسًا وَلم يَأبَهْ بها ، مِمَّن خَامَرَ الشَّكُّ قَلبَهُ وَلم تُبَاشِرْ حَقِيقَةُ التَّوحِيدِ فُؤَادَهُ ، فَإِنَّ تَكذِيبَهُ بِتِلكَ الآيَاتِ يَكُونُ بِدَايَةَ شَقَائِهِ ، وَمَا عِندَ اللهِ لَهُ مِنَ العَذَابِ في الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبقَى إِن لم يَتَدَارَكْهُ ـ تَعَالى ـ بِرَحمَةٍ مِنهُ وَتَوبَةٍ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ " وَمَن أَظلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعرَضَ عَنهَا إِنَّا مِنَ المُجرِمِينَ مُنتَقِمُونَ " وَلَقَد حَكَى اللهُ عَن قَومٍ كَذَّبُوا رُسُلَهُم وَطَلَبُوا الآيَاتِ مِن رَبِّهِم ، فَأَرسَلَ ـ تَعَالى ـ لَهُم مِنهَا مَا أَرسَلَ اختِبَارًا وَامتِحَانًا ، فَمَا ازدَادُوا بما ابتُلُوا بِهِ إِلاَّ تَحَيُّرًا وَشَكًّا وَضَلالاً ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَنُخَوِّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُم إِلاَّ طُغيَانًا كَبِيرًا " وَالمَعنى أَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ يُنَبِّهُهُم بِالآيَاتِ وَيُخَوِّفُهُم بها ، فَمَا يَزِيدُهُم التَّخوِيفُ إِلاَّ طُغيَانًا وَتَجَاوُزًا لِلحَدِّ ، وَهَذَا أَبلَغُ مَا يَكُونُ في التَّحَلِّي بِالشَّرِّ وَمَحَبَّتِهِ وَبُغضِ الخَيرِ وَعَدَمِ الانقِيَادِ لَهُ . وَإِنَّ مِن سُنَّةِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ في خَلقِهِ أَن يُنذِرَهُم بِالآيَاتِ وَيَبتَلِيَهُم بِالمَصَائِبِ ، فَإِنْ هُمُ انتَبَهُوا وَأَعتُبُوهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ وَأَرضَوهُ ، تَجَاوَزَ عَنهُم وَعَفَا ، وَإِنْ هُم تَجَاوَزُوا الحَدَّ وَأَصَرُّوا وَعَانَدُوا ، فَعَلَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ بهم مَا فَعَلَ بمن قَبلَهُم مِنَ الكُفَّارِ وَالعُصَاةِ وَالمُجرِمِينَ ، حَيثُ يُحِلُّ بهم عَذَابَ الاستِئصَالِ بَغتَةً ، وَيَقطَعُ دَابِرَهُم عَلَى حِينِ غَفلَةٍ ، قَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَلَقَد أَرسَلنَا إِلى أُمَمٍ مِن قَبلِكَ فَأَخَذنَاهُم بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعُونَ . فَلَولا إِذْ جَاءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَت قُلُوبُهُم وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ . فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحنَا عَلَيهِم أَبوَابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بما أُوتُوا أَخَذنَاهُم بَغتَةً فَإِذَا هُم مُبلِسُونَ . فَقُطِعَ دَابِرُ القَومِ الَّذِينَ ظَلَمُوَا وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَا زَالَت آيَاتُ اللهِ وَنُذُرُهُ عَلَينَا وَعَلَى كَثِيرٍ مِمَّن حَولَنَا تَتَوَالى ، وَمَا زِلنَا نَرَى النَّاسَ قَرِيبًا وَبَعِيدًا في غَفلَةٍ ، حُرُوبٌ وَفِتَنٌ وَقَلاقِلُ ، وَمَصَائِبُ وَمِحَنٌ وَزَلازِلُ ، وَهَرْجَ شَدِيدٌ وَقَتلٌ وَتَشرِيدٌ ، وَكَوَارِثُ وَفَيَضَانَاتٌ وَحَرَائِقُ ، وَتَغَيُّرَاتٌ كَونِيَّةٌ وَغَورُ آبَارٍ وَقِلَّةُ أَمطَارٍ ، وَبَينَ حِينٍ وَآخَرَ تَأتي ظَوَاهِرُ كَونِيَّةٌ غَرِيبَةٌ ، نَاتِجَةٌ عَن تَغَيُّرٍ يُجرِيهِ الخَالِقُ في حَرَكَةِ الكَونِ تَنبِيهًا لِلعِبَادِ وَتَخوِيفًا لأَهلِ العِنَادِ ، غَيرَ أَنَّ المُتَابِعَ لِمَن حَولَهُ في أَثنَاءِ حُدُوثِ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ المُخِيفَةِ ، أَو مَن يَطَّلِعُ عَلَى وَسَائِلِ الإِعلامِ قَبلَ حُدُوثِهَا وَبَعدَهُ ، يَرَى مِنَ النَّاسِ استِجَابَاتٍ غَرِيبَةً وَتَصَرُّفَاتٍ عَجِيبَةً ، تَحَوَّلُوا بها عَمَّا أَرَادَهُ رَبُّهُم إِلى مَا أَملَتهُ عَلَيهِم أَهوَاؤُهُم ، فَقَد يَخسِفُ القَمَرُ خُسُوفًا كُلِّيًّا يَرَاهُ الأَعمَشُ قَبلَ المُبصِرِ ، فَتَجِدُ كَثِيرِينَ في بُيُوتِهِم عَلَى القَنَوَاتِ عَاكِفِينَ ، يُتَابِعُونَ هَذِهِ الظَّاهِرَةَ مُتَابَعَةَ مُسَلسَلٍ هَزَلِيٍّ أَو مَسرَحِيَّةٍ فُكَاهِيَّةٍ ، وَآخَرِينَ يَلعَبُونَ وَيَضحَكُونَ عَلَى مُنكَرٍ مِنَ القَولِ وَزُورٍ ، وَثَمَّةَ مَن تَرَاهُم وَقَد تَوَافَدُوا عَلَى حَدِيقَةٍ أَو مَرصَدٍ ، قَدِ اصطَحَبُوا آلاتِ التَّصوِيرِ وَمَنَاظِيرَ التَّكبِيرِ ، لا هَمَّ لَهُم إِلاَّ مُتَابَعَةُ القَمَرِ وَهُوَ يَدخُلُ في الخُسُوفِ أَو يَخرُجُ مِنهُ ، وَثَمَّةَ مَن هُوَ مُحِبٌّ لِلمَسَائِلِ الحِسَابِيَّةِ مُغرَمٌ بِدِقَّتِهَا ، فَيَكُونُ قُصَارَى جُهدِهِ تَحدِيدَ بِدَايَةِ الخُسُوفِ وَنِهَايَتِهِ . وَيَلتَفِتُ المُؤمِنُ إِلى المَسَاجِدِ لِيَبحَثَ عَن أَهلِ السُّنَّةِ المُقتَدِينَ ، فَلا يَرَاهُم إِلاَّ قَلِيلاً ، وَعِندَئِذٍ يَعلَمُ أَنَّ الأَمرَ قَد رَقَّ وَالَدَّينَ قَد هَزُلَ ، نَعَم ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ لَقَد رَقَّ الدِّينُ وَضَعُفَ الإِيمَانُ وَخَلَتِ القُلُوبُ مِنَ التَّقوَى إِلاَّ قَلِيلاً ، وَإِلاَّ فَأَينَ نَحنُ مِن رَسُولِ اللهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ ؟ أَينَ نَحنُ مِن أَعلَمِ النَّاسِ بِرَبِّهِ وَأَتقَاهُم لَهُ وَأَخشَاهُمُ مِن عَذَابِهِ ؟ لَقَد فَزِعَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِلى مَسجِدِهِ ، وَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ ، بَل وَرَدَ أَنَّهُ مِن عَجَلَتِهِ لَبِسَ دِرعًا لإِحدَى نِسَائِهِ ، هَذَا وَهُوَ يَعلَمُ يَقِينًا أَنَّ اللهَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ قَد جَعَلَهُ أَمَنَةً لِلأُمَّةِ ، وَأَنَّ الأَرضَ لَن تَهلَكَ وَهُوَ حَيٌّ ؛ حَيثُ قَالَ رَبُّهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " : وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فِيهِم " وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى تِلكَ الآيَةَ خَرَجَ فَزِعًا إِلى الصَّلاةِ ، وَأَمَرَ بِالتَّضَرُّعِ وَالدُّعَاءِ ، وَأَمَّا حَالُ الأُمَّةِ اليَومَ فَحَالٌ لا تَسُرُّ ، يُخَوِّفَهُم رَبُّهُم فَلا يَزِيدُ بَعضُهُم إِلاَّ ابتِعَادًا وَعِنَادًا ، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤمِنُ بِيَومِ الحِسَابِ ، نَعُوذُ بِاللهِ مِن كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، نَعُوذُ بِاللهِ ممَّن لم يَقدُرِ اللهَ حَقَّ قَدرِهِ ، نَعُوذُ بِاللهِ مِمَّن يَرَى الشَّمسَ تَكسِفُ وَالقَمَرَ يَخسِفُ ، وَالزَّلازِلَ تَهُزُّ الأَرضَ وَالبَرَاكِينَ تُدَمِّرُ البَشَرَ ، وَيَرَى الفَيَضَانَاتِ تَجتَاحُ المُدُنَ وَالحُرُوبَ تَأكُلُ الرَّطبَ وَاليَابِسَ ، ثُمَّ لا يَتَغَيَّرُ في قَلبِهِ شَيءٌ ، بَل وَنَعُوذُ بِاللهِ مِمَّن يَقرَأُ القُرآنَ وَيَتلُو آيَاتِ المَثَاني ، يُذَكِّرُهُ أَصدَقُ القَائِلِينَ وَيَعِظُهُ ، وَيَقُصُّ عَلَيهِ القَصَصَ الحَقَّ وَيُنذِرُهُ بما حَلَّ بِالأُمَمِ قَبلَهُ لَمَّا خَالَفُوا أَمرَهُ وَعَصَوا رُسُلَهُ ، ثُمَّ لا يَزدَادُ إِلاَّ طُغيَانًا كَبِيرًا ، يَخرُجُ مِن مَعصِيَةٍ إِلى أَكبَرَ مِنهَا ، وَمَن دَاهِيَةٍ إِلى أَدهَى وَأَمَرَّ ، نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ هَذَا القُرآنَ الَّذِي بَينَ أَيدِينَا وَنَقرَؤُهُ وَفِينَا مَن يَحفَظُهُ ، إِنَّ آيَاتِهِ لَكَافِيَةٌ لَنَا عَن كُلِّ مَا سِوَاهَا ، أَلم يَقُلِ اللهُ ـ تَعَالى ـ " أَوَلَم يَكفِهِم أَنَّا أَنزَلنَا عَلَيكَ الكِتَابَ يُتلَى عَلَيهِم " بَلَى وَاللهِ إِنَّهُ لَكَافٍ لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ، فَهُوَ أَعظَمُ مِن كُلِّ آيَةٍ وَأَفخَمُ وَأَجزَلُ ، وَهُوَ آيَةٌ وَاضِحَةٌ وَمُعجِزَةٌ بَاهِرَةٌ ، تَحَدَّى بها اللهُ الثَّقَلَينِ ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ تَتَرَدَّدُ في الآذَانِ غَضَّةً طَرِيَّةً حَتَّى يَأتيَ أَمرُ اللهِ " لَو أَنزَلنَا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِن خَشيَةِ اللهِ وَتِلكَ الأَمثَالُ نَضرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ " وَإِذَا كَانَتِ الآيَاتُ الكَونِيَّةُ تَأتي وَتَذهَبُ وَتَظهَرُ وَتَختَفِي ، وَإِذَا كَانَت مُعجِزَاتُ الرُّسُلِ السَّابِقِينَ قَد مَضَت كُلُّهَا وَانقَضَت ، فَقَد آتَى اللهُ ـ تَعَالى ـ رَسُولَهُ وَخَاتَمَ أَنبِيَائِهِ أَعظَمَ آيَةٍ وَأَكبَرَ مُعجِزَةٍ ، رَوَى الشَّيخَانِ وَغَيرُهُمَا أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ : " مَا مِنَ الأَنبِيَاءِ مِن نَبيٍّ إِلاَّ قَد أُعطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثلُهُ آمَنَ عَلَيهِ البَشَرُ ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحيًا أَوحَى اللهُ إِليَّ ، فَأَرجُو أَن أَكُونَ أَكثَرَهُم تَابِعًا يَومَ القِيَامَةِ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ وَكُونُوا مِن أُولي الأَلبَابِ المُنتَفِعِينَ بِالآيَاتِ الكَونِيَّةِ وَالآيَاتِ القُرآنِيَّةِ ، تَدَبَّرُوا القُرآنَ وَاقرَؤُوا سُنَّةَ نَبِيِّكُم ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَاقتَفُوا أَثَرَهُ ، وَإِيَّاكُم وَهَؤُلاءِ المَفتُونِينَ مِمَّن يُهَوِّنُونَ مِن شَأنِ الآيَاتِ الكَونِيَّةِ وَيُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ في الآيَاتِ القُرآنِيَّةِ ، وَاحذَرُوا الغَفلَةَ وَقَسوَةَ القُلُوبِ عَن ذِكرِ اللهِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُحكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأوِيلِهِ وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ في العِلمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلبَابِ . رَبَّنَا لا تُزِغ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذْ هَدَيتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ . رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَومٍ لا رَيبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخلِفُ المِيعَادَ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، ثُمَّ اعلَمُوا أَنَّهُ لا يَنتَفِعُ بِآيَاتِ اللهِ إِلاَّ مَن كَانَ ذَا قَلبٍ وَاعٍ وَفِكرٍ حَاضِرٍ " إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ " وَأَمَّا مَن لم يَأخُذْ بِأَسبَابِ الهُدَى فَإِنَّهُ لَن يَهتَدِيَ ، وَمَن لم يَفتَحْ بَصِيرَتَهُ عَلَى النُّورِ فَلَن يَرَاهُ ، وَمَن عَطَّلَ مَدَارِكَهُ لم يَنتَفِعْ بِوَظِيفَتِهَا ، وَمِن ثَمَّ فَلا عَجَبَ أَن تَكُونَ نهايَتُهُ إِلى الضَّلالِ وَالخَسَارَةِ مَهمَا رَأَى بِعَينِهِ مِنَ الآيَاتِ البَيِّنَاتِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الخَاسِرِينَ . إِنَّ الَّذِينَ حَقَّت عَلَيهِم كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ . وَلَو جَاءَتهُم كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قُلِ انظُرُوا مَاذَا في السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا تُغني الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَومٍ لا يُؤمِنُونَ . فَهَل يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلِهِم قُلْ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِنَ المُنتَظِرِينَ " وَإِنَّ مَا يَدَّعِيهِ بَعضُ مَن فَتَحَ اللهُ أَبصَارَهُم اليَومَ عَلَى عُلُومِ الدُّنيَا وَأَعمَى بَصَائِرَهُم عَن عِلمِ الآخِرَةِ ، مِن أَنَّ الخُسُوفَ وَالكُسُوفَ مُجَرَّدُ ظَاهِرَتَينِ كَونِيَّتَينِ طَبِيعِيَّتَينَ ، لا تَستَدعِيَانِ الخَوفَ وَلا الفَزَعَ ، إِنَّهُ لأَمرٌ غَيرُ مُستَغرَبٍ ممَّن بَعُدَ عَنِ اللهِ ، فَقَد حَدَثَ في عَهدِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مَا هُوَ أَعظَمُ مِنهُ وَأَكبَرُ ، إِذِ انشَقَّ القَمَرُ وَرَآهُ النَّاسُ في البَوَادِي حَقِيقَةً مَاثِلَةً وَوَاقِعًا مُشَاهَدًا ، وَمَعَ هَذَا ظَلَّ المُعَانِدُونَ عَلَى عِنَادِهِم ، وَوَقَفَ المُشرِكُونَ عَلَى عَجزِهِم وَذُهُوَلِهِم مُستَكبِرِينَ مُستَنكِفِينَ ، ثُمَّ عَادَ بهِمُ الشَّيطَانُ لِيَجعَلُوهُ هَذِهِ الآيَةَ سِحرًا وَيُخرِجُوا أَنفُسَهُم مِن وَرطَةٍ دُنيَوِيَّةٍ يَسِيرَةٍ ، وَيَقَعُوا في وَرطَةٍ أُخرَوِيَّةٍ كَبِيرَةٍ ، غَافِلِينَ عَن أَنَّ ذَلِكَ لا يُغِيِّرُ مِنَ الحَقِّ شَيئًا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ ـ : " اقتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ . وَإِن يَرَوا آيَةً يُعرِضُوا وَيَقُولُوا سِحرٌ مُستَمِرٌّ . وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهوَاءَهُم وَكُلُّ أَمرٍ مُستَقِرٌّ " وَمِن ثَمَّ فَلْنَكُنْ عَلَى يَقِينٍ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ أَنَّ الآيَاتِ الظَّاهِرَةَ وَالمُعجِزَاتِ البَاهِرَةَ ، سَوَاءٌ مِنهَا القُرآنِيَّةُ أَوِ الكَونِيَّةُ ، لا تُؤَثِّرُ فِيمَن أَغفَلَ اللهُ قَلبَهُ عَن ذِكرِهِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا ، وَلِذَلِكَ قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ عَن قَومٍ مِن أُولَئِكَ المُعَانِدِينَ : " وَلَو فَتَحنَا عَلَيهِم بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعرُجُونَ . لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَت أَبصَارُنَا بَل نَحنُ قَومٌ مَسحُورُونَ " غَيرَ أَنَّ الرَّدَّ الحَاسِمَ مِنَ اللهِ ـ تَعَالى ـ الَّذِي بِيَدِهِ مَقَالِيدُ الأُمُورِ وَإِلَيهِ تَصِيرُ الأُمُورُ ، يَأتي لِيَقرَعَ القُلُوبَ الحَيَّةَ وَالنُّفُوسُ الوَاعِيَةَ ، وَيُنقِذَ العُقُولَ الصَّحِيحَةَ وَالفِطَرَ السَّلِيمَةَ ، فَيَقُولُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهوَاءَهُم وَكُلُّ أَمرٍ مُستَقِرٌّ " وَالمَعنى أَنَّ كُلَّ أَمرٍ مِنَ الأُمُورِ لَهُ نِهَايَةٌ وَلَهُ استِقرَارٌ ، وَهَذَا كَقَولِهِ ـ سُبحَانَهُ ـ في مَوضِعٍ آخَرَ مُهَدِّدًا : " لِكُلِّ نَبَإٍ مُستَقَرٌّ وَسَوفَ تَعلَمُونَ " وَقَولِهِ : " إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعجِزِينَ " نَعَم ، َلِكُلِّ وُجُودٍ فَنَاءٌ ، وَلِكُلِّ خَبَرٍ ذُكِرَ في كِتَابِ اللهِ وَقتٌ يَتَحَقَّقُ فِيهِ ، أَلا فَلا تَهُولَنَّكُم هَذِهِ البَهَارِجُ الإِعلامِيَّةُ الَّتي يَتَبَجَّحُ بها الصَّحَفِيُّونَ ويُهَوِّنُونَ فِيهَا مِن شَأنِ آيَاتِ اللهِ ، دَعُوا مَن يُكَذِّبُ عَلَى تَكذِيبِهِ ، وَاترُكُوا مَن يَشُكُّ في شَكِّهِ ، وَلا تَأَبَهُوا بِمَن يَصُدُّ النَّاسَ عَن سُنَّةِ نَبِيِّهِم وَهَديِ حَبِيبِهِم ، فَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ تَنتَهِيَ وَلَيَالٍ تَزُولُ ، في سُنَيَّاتٍ مَعدُودَةٍ وَعُمُرٍ قَصِيرٍ ، ثُمَّ يُطوَى الذِّكرُ وَتُغلَقُ الصَّفَحَاتُ ، وَتَتَبَيَّنُ الحَقَّائِقُ وَتَظهَرُ الخَفِيَّاتُ ، وَفي النِّهَايَةِ تَطُولُ مِنَ الظَّالمِ الحَسَرَاتُ " وَكَم قَصَمنَا مِن قَريَةٍ كَانَت ظَالِمَةً وَأَنشَأنَا بَعدَهَا قَومًا آخَرِينَ . فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأسَنَا إِذَا هُم مِنهَا يَركُضُونَ . لا تَركُضُوا وَارجِعُوا إِلى مَا أُترِفتُم فِيهِ وَمَسَاكِنِكُم لَعَلَّكُم تُسأَلُونَ . قَالُوا يَا وَيلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ . فَمَا زَالَت تِلكَ دَعوَاهُم حَتَّى جَعَلنَاهُم حَصِيدًا خَامِدِينَ . وَمَا خَلَقنَا السَّمَاءَ وَالأَرضَ وَمَا بَينَهُمَا لاعِبِينَ . لَو أَرَدنَا أَن نَتَّخِذَ لَهوًا لاتَّخَذنَاهُ مِن لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ . بَل نَقذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيلُ مِمَّا تَصِفُونَ " وَقَالَ سُبحَانَهُ ـ : " أَفَبِعَذَابِنَ ا يَسْتَعْجِلُونَ . أَفَرَأَيتَ إِن مَتَّعنَاهُم سِنِينَ . ثُمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يُوعَدُونَ . مَا أَغنى عَنهُم مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ . وَمَا أَهلَكنَا مِن قَريَةٍ إِلاَّ لها مُنذِرُونَ . ذِكرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَيُرِيكُم آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللهِ تُنكِرُونَ . أَفَلَم يَسِيرُوا في الأَرضِ فَيَنظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم كَانُوا أَكثَرَ مِنهُم وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا في الأَرضِ فَمَا أَغنى عَنهُم مَا كَانُوا يَكسِبُونَ . فَلَمَّا جَاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحَاقَ بهِم مَا كَانُوا بِهِ يَستَهزِئُونَ . فَلَمَّا رَأَوا بَأسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحدَهُ وَكَفَرنَا بما كُنَّا بِهِ مُشرِكِينَ . فَلَم يَكُ يَنفَعُهُم إِيمَانُهُم لَمَّا رَأَوا بَأسَنَا سُنَّةَ اللهِ الَّتي قَد خَلَت في عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكَافِرُون " |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري اثابك الله اخ ناصر وجزاك الجنة للنقل الاكثر من رائع وجعلها في موازين حسناتك آمين تحيتي لك |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري وإياكم ولكم بالمثل |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري اعآن الله الشيخ عبدالرحمن البصري و وفقه الله وجزاك الله كل خير يابو عبد الرحمن وجمعنا الله وايّاك سبحانه في جنه عرضها كــ عرض السموات ولارض |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري جزاك الله خيرًا ـ اخي الكريم جساس ـ على ما أبديت من شكر ومن دعاء جعلنا الله وإياك من الموفقين المسددين ، وهدى الله الضالين وكفانا شر المضلين . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري الله يجزاكم جميعا كل خير ، واعتقد انه لا مانع ان ننصح ونوصي : جزى الله الاستاذ عبدالله البصري كل خير على اجتهاده ومجهوده وكل عامل .. ولكن اتمنى ان لايفهمني احد غلط لدي بعض التعليقات الذي لن اتردد في ذكرها وهي: الاستاذ عبد الله البصري كلنا نحبه ونشكره على جهوده ولكن ما يلاحظ على ابناء البصري اهتمامهم الكبير ببعض الاعمال واهمالهم لجانب اخر على سبيل المثال نحن في الجامع الجنوبي وبكل صدق نعاني من عناد المؤذن فرج لدرجة اننا كلمناه كثيرا في حكاية طريقة الصلاة فالرجل يطيل بشكل غريب لم ينصح به النبي صلى الله عليه وسلم ولم ياخذ النصيحه لدرجة انه في بعض الاحيان يحب العناد ، فنسي ان وراه الكبير والصغير والعامل والمريض ، لدرجة انه ينفر والعياذ بالله منه الكثير من العماله والصغار وواصبحنا نشهد عدد قليل من المصلين الا صلاة المغرب يجي عندنا امل بوجود الاستاذ عبدالله فيكثر العدد . اما في صلاة الفجر فوالله لا نكمل عدد 15 اكثر بقليل او اقل فهل يعقل المسجد لا يتواجد فيه الا مثل هذا العدد واذا سألت الاخرين اين كانوا قالوا في مساجد اخرى. ايضا اذا اطال فرج الصلاة حرم الاخرين السنه بسبب تأخرهم من فتح المحلات واذا سألت العامل وقلت ليش بس تسلم من الصلاة وبسررررعه تقوم لا تسبيح ولا سنه ، قال الكفيل مشكله . ايضا صلاة الجمعه الاستاذ عبدالرحمن يطيل الخطبه ويتأخر في الحضور ، واذا صلى اطال لدرجة يوم من الأيام ما طلعنا الا الساعة وحده هل يعقل ذلك. المطلوب اما ردع المؤذن من طريقته وان يخف على العباد دون تعذر بإنهم لايستطيعون على ذلك, واما ان يلتزمون هم بالصلاة لكل الفروض . ايضا صوته ليس حسن. ففوق الإطالة الصوت غير واضح واخطاء في القراءة بشكل كبير. واتمنى الاهتمام بذلك وان لايمر الكلام مرور الكرام , وعلى فكره العدد لم يزداد الا بعد ان هدموا مسجد ابو سعود العبيدي لتجديده وثق عزيزي انه متى ما عاد المسجد لن تجد خلف فرج الا اثنان او ثلاثه بالكثير. |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري اقتباس:
سبحان الله نحن باحاجه لمن ينصح ائمة المساجد باإطالة الصلاة ويجي من بيننا من يأمر بالتخفيف بعدين اي تخفيف تريد الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالتخفيف ويقرا بسوره الصافات 182 اية ومعظم صلاواته صلى الله عليه وسلم 50 ايه وقد قراء في ركعه سوره البقرة وال عمران اي تخفيف تريد اخي الكريم !! فالتخفيف الذي يريده النبي صلى الله عليه وسلم مقارنه باهذ الصفه من الطول وليست مقارنه باصلاتنا هذه القصيره وفق الله القائمين على الجامع الجنوبي عبدالله البصري وفرج وغيرهم و ثبتهم على ماهم عليه من الصلاح ثم ياخي الفاضل اذا كان كلامك هذا نصيحه او شكوى فليس هذا مكان مناسب لما طرحت لانه هنا قد يصل للتشهير بمن لايستحق التشهير لانهم ناس فضلاء نحسبهم كذالك والله حسيبنا وحسيبهم هذا مالدي على عجل ولعل فيه كفايه |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري شكرا اخي جساس على المداخلة الجميله التي اتمنى ان تكون في ميزان العمل ، ووفقني واياك والقارئ الكريم. احيي فيك حماسك المنقطع النظير واحيي فيك حبك لما هو خير الدنيا والأخره . ولكن ايضا ما هكذا تورد الأبل اخي !! فالإستاذ عبد الله البصري غالي علينا جميعا ونقدر له جهده ، ولكنك ايضا لا تنسى انه ليس كتابا منزل وإنما بشر مثلي ومثلك ومثل الأخرين ولاتنسى ان فرج بشر ايضا وليس احدهم فوق ان ينتقد . فنحن لم ندخل في اشخاصهم كي تنتفض وتفزع ، وانما كل ما في الأمر انتقاد سلوك ، فقد نصيب وقد نخطئ وهم كذلك. على العموم مازلت مصرا ً على مايفعله المؤذن فرج شيئا ً قد ينفر المصلين ، وان الإهمال الذي عليه الأستاذ عبدالله مزعج لنا , فإما ان يكون امام مستمر او فليتيح الفرصة لمن هو متفرغ , فلا أعتقد ان في الأمر ريب. ايضا اعرف ان خطبة الجمعه تكون قصيره ، والصلاة لاباس ان يقرأ الأمام سور طويله ، اما ان يطيل في الخطبة والصلاة فلم اجد على ذلك دليل. في الأخير نحن لا قدوة لنا في الدنيا الا محمد صلى الله عليه وسلم ولاكتاب نتبعه الا المصحف الشريف ومادون ذلك سننتقد متى ما وجدنا ان هناك ما يستحق. رسالة بسيطه للاخ العزيز جساس : اخي احبك في الله واتمنى طالما انك تملك هذا الحماس الطيب ان تنظر انت وزملائك في مواضيع اهم بما فيها مشاكل الاجانب اللي في الحديقة امام المستشفى ومايدور من خزي بين الشبان والبنات طوال ساعات النهار وحتى ساعات متأخره من الليل . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري اقتباس:
القابض على دينه كـ القابض على الجمر !! انت لديك جدال ليس حوار اسأل الله لي ولك الهدايه حتي الممات قل امـــين اقتباس:
انا ذكرت في ردي صفه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية الطول والقصر ولم تقتنع اقتباس:
لم يرد في السنة ذالك اخي الفاضل وانما الذي ورد قراءة سوره الاعلى والغاشيه وسورة الجمعه والمنافقون وكل السور الذي ذكرت من المفُّصل وليست من طوال السور كما ذكرت انت ! اقتباس:
هذا جهل واضح منك الصلاة الركن الثاني من اركان الاسلام ولا يوجد ماهو اهم منها سوى شهاده ان لاله الا الله وان محمد رسول الله اخي الفاضل ( إنَّ الصَلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ) هل انت مؤمن ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولا لا ؟ هذا سؤال لابد تجاوب عليه انت الان تنهى عن طول الصلاه وتعاني مما تدعية بلادليل وتناقض نفسك لماذا !! وهذة نتائج ماتدعوا إليه لان تضييع الصلاة سبب كل شر وبلا بعدين اذا الوضع كما تقول وانا اشك في ذالك وانما هذا كلام لابينه عليه وانت لست ثقه ناخذ كلامك لماذا لاتتدخل انت خير لك من اكل لحوم الصالحين وتأخذ الاجر ام انت منّصب لانتقاد خلق الله بس اقتباس:
كل المسلمين يحبون ماهو خير للدنياء والاخره لماذا ماتكون معنا اقتباس:
ماعلاقه هذا المثل في موضوعنا ولاسمعته وقلته سؤال لك اخي الكريم هل انت من جماعه الجامع ام تسمع من بعيد ؟ !! اسأل الله ان يجعلني وايكم من المقيمين الصلاة ( اركان و واجبات و خشوع و سنن ) ويختم لي ولكم بشهادة ان لا إله الا الله ويجعلنا من اهل الفردوس الاعلى . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري إنه لا يحب المسرفين 22 / 7 / 1432 هـ الخطبة الأولى : أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في كُلِّ عَامٍ تَأتي الإِجَازَةُ الصَّيفِيَّةُ ، لِتَأتيَ مَعَهَا مُشكِلاتُهَا وَقَضَايَاهَا ، إِنَّهَا مُشكِلاتٌ تُعِيدُ نَفسَهَا ، وَقَضَايَا تَتَكَرَّرُ كَمَا هِيَ غَالِبًا . وَيَتَكَلَّمُ الخُطَبَاءُ وَيُنَاقِشُونَ ، وَيُبَيِّنُونَ لِلنَّاسِ وَيَنصَحُونَ ، وَيُحَاوِلُونَ رَسمَ الحُلُولِ لِلمُشكِلاتِ وَإِيجَادَ البَدَائِلِ الشَّرعِيَّةِ في كَثِيرٍ مِنَ المُخَالَفَاتِ ، وَمَعَ هَذَا تَظَلُّ الأَخطَاءُ هِيَ الأَخطَاءَ ، وَلا تَزدَادُ بَعضُ المُشكِلاتِ إِلاَّ تَدَاخُلاً وتَعقُّدًا . غَيرَ أَنَّ مِنَ الغَريِبِ أَنَّ ثَمَّةَ أُمُورًا إِلى جَانِبِ كَونِهَا مِمَّا يَأثَمُ بها أَصحَابُهَا وَلا يُؤجَرُونَ ، فَقَد تُكَلِّفُهُم أَموَالاً طَائِلَةً وَتُحَمِّلُهُم أَعبَاءً ثَقِيلَةً ، وَمَعَ هَذَا يَغُضُّونَ فِيهَا الطَّرفَ عَن ذَوَاتِهِم وَيَتَسَامَحُون َ مَعَهَا ، وَقَد يَتَكَلَّفُونَ لأَنفُسِهِمُ المَعَاذِيرَ وَيُرضُونَهَا بِأَتفَهِ المُسَوِّغَاتِ ، لا لِمَجدٍ يَستَفِيدُونَهُ وَلا لِشَرَفٍ يَكسِبُونَهُ ، وَلَكِنْ مُجَارَاةً لِلآخَرِينَ وَتَقلِيدًا لِمَن حَولَهُم ، وَإِظهَارًا لِلنُّفُوسِ بِغَيرِ مَا هِيَ عَلَيهِ في الوَاقِعِ ، مِن ذَلِكَ الإِسرَافُ في الوَلائِمِ وَالتَّكَلُّفُ في الحَفَلاتِ ، وَهِيَ الصِّفَةُ الَّتي يُجمِعُ النَّاسُ نَظَرِيًّا عَلَى ذَمِّهَا وَتَقبِيحِهَا ، وَتَتَنَوَّعُ أَسَالِيبُهُم في التَّنفِيرِ مِنهَا وَالتَّشنِيعِ عَلَى أَهلِهَا ، فَإِذَا تَأَمَّلتَ وَاقِعَهُم في أَنفُسِهِم وَسَبَرتَ تَصَرُّفَاتِهِم ، وَجَدتَهُم في بُحُورِهَا غَارِقِينَ ، لا يَمتَنِعُونَ عَنهَا وَلا يَتَحَرَّزُونَ ، يَستَدِينُ أَحَدُهُم مَا لا طَاقَةَ لَهُ بِسَدَادِهِ ، وَقَد يَستَرفِدُ ويُلحِفُ في المَسأَلَةِ ، ثُمَّ يُبَدِّدُ مَا جَمَعَهُ فِيمَا لا يَرضَاهُ اللهُ ، وَيُبَذِّرُ الأَموَالَ مِن أَجلِ أَن يُرضِيَ فُلانًا وَلِئَلاَّ يَغضَبَ عَلَيهِ عَلاَّنٌ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد كَانَ الإِسرَافُ في السَّنَوَاتِ المَاضِيَةِ يَظهَرُ في حَفَلاتِ الزَّفَافِ ، وَيَتَحَمَّلُ مَغَبَّتَهُ عَدَدٌ غَيرُ قَلِيلٍ مِنَ المُتَزَوِّجِين َ وَآبَاؤُهُم وَأَقَارِبُهُم ، مِمَّا أَدَّى إِلى تَأَخُّرِ كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ في الزَّوَاجِ ، وَعُزُوفِ بَعضِهِم عَن بَنَاتِ بَلَدِهِ وَاستِسَهَالِهِ الزَّوَاجَ مِنَ الخَارِجِ لِقِلَّةِ مَا يَدفَعُهُ هُنَالِكَ . وَمَا زَالَ العُقَلاءُ يُحَذِّرُونَ مِن هَذَا البَلاءِ وَيَسعَونَ لِلقَضَاءِ عَلَيهِ وَدَفعِ شَرِّهِ ، خَاصَّةً في ظِلِّ هَذَا الغَلاءِ وَالجَشَعِ وَالطَّمَعِ ، وَزِيَادَةِ أَسعَارِ البَضَائِعِ وَالسِّلَعِ ، غَيرَ أَنَّ هَذَا الإِسرَافَ في السُّنَيَّاتِ المُتَأَخِّرَةِ دَخَلَ في مَجَالاتٍ أُخرَى غَيرِ الزَّوَاجِ ، وَخَاصَّةً فِيمَا يُسَمَّى حَفَلاتِ التَّخَرُّجِ ، وَالَّتي بَعدَ أَن كَانَت تُقَامُ في البُيُوتِ وَعَلَى نِطَاقِ الأُسَرِ أَوِ العَوَائِلِ الصَّغِيرَةِ وَلا تَكَلِّفُ شَيئًا ذَا بَالٍ ، أَصبَحَت في بَعضِ المُدُنِ احتِفَالاً كَبِيرًا يُخَطَّطُ لَهُ قَبلَ أَسَابِيعَ ، وَتُوَزَّعُ لَهُ بِطَاقَاتُ الدَّعوَةِ الفَاخِرَةُ ، وَتُستَأَجَرُ لَهُ القُصُورُ وَتُحجَزُ الاستِرَاحَاتُ ، بَل وَيُبَالِغُ بَعضُهُم حتى لا يَرضَى لَهُ مَقَرًّا دُونَ أَفخَمِ الفَنَادِقِ أَو أَكبَرِ المُنتَجَعَاتِ ، وَقَد يُحضَرُ لإِحيَاءِ هَذِهِ الحَفَلاتِ فِرَقٌ تَرفِيهِيَّةٌ ، أَو يُدعَى لها مُغَنُّونَ وَمُغَنِّيَاتٌ وَمُصَوِّرُونَ وَمُصَوِّرَاتٌ ، وَلا تَسَلْ بَعدَ ذَلِكَ عن تَنَافُسِ النَّاسِ في تَقدِيمِ أطعِمَةٍ وَأشرِبَةٍ تَكفِي لِلمِئَاتِ بَل لِلآلافِ ، مَعَ مَا يُجعَلُ مَعَهَا مِن مُقَبِّلاتٍ وَحَلْوَيَاتٍ وَعَصَائِرَ وَأَطعِمَةٍ خَفِيفَةٍ ، ثُمَّ تَظَلُّ كَمَا هِيَ في كَثِيرٍ مِنَ الأَحيَانِ لم تَصِلْ إِلَيهَا يَدُ لامِسٍ ، وَالأَشُدُّ إِيلامًا لِلنُّفُوسِ وَإِيذَاءً لِلقُلُوبِ ، أَلاَّ تَجِدَ هَذِهِ الأَطعِمَةُ مَن يَحفَظُهَا وَيُوَزِّعُهَا عَلَى مَن يَحتَاجُ إِلَيهَا ، فَلا يَكُونُ لها مَصِيرٌ غَيرَ أَكيَاسِ الزَبَائِلِ وَصَنَادِيقِ القُمَامَاتِ ، وَبَدَلاً مِن أَن تَكُونَ المُنَاسَبَاتُ السَّعِيدَةُ فُرَصًا لانشِرَاحِ الصُّدُورِ وَالفَرَحِ المَشرُوعِ بِفَضلِ اللهِ بِشُكرِهِ وَذِكرِهِ ، تُصبِحُ مَحَطَّاتٍ مُظلِمَةً في طَرِيقِ النَّاسِ ، وَنِقَاطًا سَودَاءَ في صَفَحَاتِ حَيَاتِهِم ، وَمَجَالاً لِلإِسرَافِ وَالتَّبذِيرِ المَنهِيِّ عَنهُمَا ، وَسَبَبًا في تَقَلُّبِهِم بَعدَ تِلكَ الحَفَلاتِ شُهُورًا في عَيشٍ نَكِدٍ وَحَيَاةٍ بَائِسَةٍ ، بَينَ غَلَبَةِ الدَّينِ وَقَهرِ الرِّجَالِ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لم يَدُرْ بِخَلَدِ مَن يُبَالِغُونَ في إِقَامَةِ الحَفَلاتِ وتَضخِيمِ المُنَاسَبَاتِ ، أَنَّهُم فَضلاً عَن كَونِهِم قَد خَالَفُوا أَمرَ اللهِ ـ تَعَالى ـ بِالاعتِدَالِ في المَأكَلِ وَالمَشرَبِ ، وَوَقَعُوا في النَّهيِ عَنِ الإِسرَافِ وَنَالُوا مَعَرَّةَ بُغضِهِ ـ سُبحَانَهُ ـ لِلمُسرِفِينَ ، لم يَدُرْ بِخَلَدِهِمِ أَنَّهُم فَضلاً عَن ذَلِكَ يُدمُونَ قُلُوبَ الضُّعَفَاءِ وَيُضَيِّقُونَ صُدُورَهُم ، وَيُقَرِّحُونَ عُيُونَ الفُقَرَاءِ وَيَكسِرُونَ خَوَاطِرَهُم ، حَيثُ لا يَجِدُ بَعضُهُم مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ وَيَستُرُ الحَالَ ، وَيَتَمَنَّى آخَرُونَ أَن يَتَمَكَّنُوا مِن شِرَاءِ مَلبَسٍ جَدِيدٍ في مُنَاسَبَةٍ سَعِيدَةٍ أَو يَومِ عِيدٍ ، أَو يَتَمَلَّكُوا مَسكَنًا مُتَوَاضِعًا يَكفِيهِم سُعَارَ التُّجَّارِ وَيُؤيهِم عَن مُطَارَدَةِ المُؤَجِّرِينَ ، نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ الإِسرَافَ في الوَلائِمِ وَالتَّكَلُّفَ في الحَفَلاتِ يَوغِرُ صُدُورَ المَسَاكِينِ ، وَيُقَرِّحُ أَكبَادَ الفُقَرَاءِ وَالمُقِلِّينَ ، وَيُنبِتُ في البُيُوتِ وَبَينَ الأُسَرِ مِنَ الخِلافَاتِ وَالمُشكِلاتِ مَا لا يُحِسُّ بِهِ إِلاَّ مَنِ اكتَوَى بِنَارِهِ مِن ذَوِي الدُّخُولِ المَحدُودَةِ ، الَّذِينَ يُلجَؤُونَ لِلإِنفَاقِ لِئَلاَّ يُحرَجَ أبنَاؤَهُم بَينَ المَلأِ ، أَو تَظهَرَ زَوجَاتُهُم وَبَنَاتُهُم بَينَ النِّسَاءِ بِمَظهَرٍ لا يَلِيقُ ، وَإِنْ أَبى أَحَدُهُم أَن يُنفِقَ مِثلَ الآخَرِينَ لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ ، أَو لأَنَّهُ يَعلَمُ يَقِينًا أَنَّ هَذَا المَبلَغَ فَوقَ طَاقَتِهِ ، انطَلَقَت مِن هُنَالِكَ شَرَارَةُ خِلافَاتٍ عَائِلِيَّةٍ ، وَضَاقَت عَلَيهِ صُدُورٌ مَا كَانَ لها أَن تَضِيقَ ، وَتَحَوَّلَت حَيَاةُ ذَلِكَ البَيتِ إِلى جَحِيمٍ مُلتَهِبٍ وَسَعِيرٍ مُشتَعِلٍ ، سَبَبُهُ مُشكِلاتٌ قَدَحَ شَرَارَتَهَا بَعضُ مَن أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم بِسَعَةِ المَالِ وَحَرَمَهُم مِن حُسنِ التَّصَرُّفِ وَسَعَةِ الأُفُقِ ، إِذْ حَمَّلُوا إِخوَانَهُم مُتَوَسِّطِي الحَالِ بِتَبذِيرِهِم مَا لا يُطِيقُونَ ، وَكَلَّفُوهُم بِإِسرَافِهِم صُعُودَ كُلِّ مُرتَقًى صَعبٍ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الإِسرَافَ سَبَبٌ مِن أَسبَابِ الضَّلالِ وَعَدَمِ الهِدَايَةِ ، وَهُوَ طَرِيقٌ لِلهَلاكِ وَالخَسَارَةِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّ اللهَ لا يَهدِي مَن هُوَ مُسرِفٌ كَذَّابٌ " وقال ـ سُبحَانَهُ ـ : " كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَن هُوَ مُسرِفٌ مُرتَابٌ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلمُسرِفِينَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " ثُمَّ صَدَقنَاهُمُ الوَعدَ فَأَنجَينَاهُم وَمَن نَشَاءُ وَأَهلَكنَا المُسرِفِينَ " وَقَدِ اتَّصَفَ بِالإِسرَافِ شَرُّ خَلقِ اللهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ عَن فِرعَونَ : " وَإِنَّ فِرعَونَ لَعَالٍ في الأَرضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ المُسرِفِينَ " وَقَالَ عَن قَومِ لُوطٍ : " إِنَّكُم لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهوَةً مِن دُونِ النِّسَاءِ بَل أَنتُم قَومٌ مُسرِفُونَ " وَقَالَ عَن أَهلِ الشِّمَالِ وَأَصحَابِ النَّارِ : " وَأَصحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصحَابُ الشِّمَالِ . في سَمُومٍ وَحَمِيمٍ . وَظِلٍّ مِن يَحمُومٍ . لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ . إِنَّهُم كَانُوا قَبلَ ذَلِكَ مُترَفِينَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلى اللهِ وَأَنَّ المُسرِفِينَ هُم أَصحَابُ النَّارِ " وَإِنَّ التَّعَوُّدَ عَلَى الإِسرَافِ وَالتَّمَادِيَ فِيهِ يُمَكِّنُهُ مِنَ النُّفُوسِ ، وَإِذَا تَمَكَّنَ الإِسرَافُ في الشَّهَوَاتِ مِن قَومٍ حَتَّى يَغلِبَ عَلَيهِم ، فَإِنَّهُ لا حَدَّ لَهُ وَلا مُنتَهَى ، بَل إِنَّهُ لَيُوقِعُهُم في طَلَبِ شَهَوَاتٍ غَرِيبَةٍ ، لا تُقِرُّهَا عُقُولٌ زَاكِيَةٌ وَلا تَقبَلُهَا فِطَرٌ سَلِيمَةٌ ، وَلا تَهَشُّ لِمِثلِهَا نُفُوسٌ طَيِّبَةٌ ولا تَشتَاقُ لها أَذوَاقٌ رَفِيعَةٌ ، وَانظُرُوا إِلى قَومِ لُوطٍ حِينَ استَرسَلُوا مَعَ الشَّهَوَاتِ المُعتَادَةِ وَأَخَذُوا مِنهَا مَا رَاق لَهُم وَلم يَقِفُوا فِيهَا عِندَ حَدٍّ ، لَقَد أَدَّى بهم ذَلِكَ إِلى أَن وَقَعُوا في فَاحِشَةٍ مَا سَبَقَهُم بها أَحَدٌ مِنَ العَالمِينَ ، وَهَذِهِ شِنشِنَةُ الاستِرسَالِ في الشَّهَوَاتِ ، تَجعَلُ الآدَمِيَّ سَبُعًا ضَارِيًا بَل حَيَوَانًا بَهِيمًا ، لا تُشفَى شَهوَتُهُ ولا تَبرُدُ غُلَّتُهُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ عَن قَومِ لُوطٍ : " وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَومِهِ أَتَأتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بها مِن أَحَدٍ مِنَ العَالمِينَ . إِنَّكُم لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهوَةً مِنَ دُونِ النِّسَاءِ بَل أَنتُم قَومٌ مُسرِفُونَ " وَقَالَ عَنهُم : " أَتَأتُونَ الذُّكرَانَ مِنَ العَالمِينَ . وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُم رَبُّكُم مِن أَزوَاجِكُم بَل أَنتُم قَومٌ عَادُونَ " وَمِن ثَمَّ فَلا عَجَبَ أَن يَكرَهَ اللهُ ـ سُبحَانَهُ ـ إِضَاعَةَ المَالِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُم ثَلاثًا : قِيلَ وَقَالَ ، وَإِضَاعَةَ المَالِ ، وَكَثرَةَ السُّؤَالِ " أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَلا تَقتَصِرُ صُوَرُ الإِسرَافِ في الإِجَازَاتِ عَلَى المَآكِلِ وَالمَشَارِبِ وَالمُبَالَغَةِ في تَفصِيلِ الثِّيَابِ وَالمُغَالاةِ في شِرَاءِ المَلابِسِ فَحَسبُ ، بَل لها صُوَرٌ مُتَنَوِّعَةٌ وَمَظَاهِرُ مُتَعَدِّدَةٌ ، مِن سَهَرٍ في اللَّيلِ طَوِيلٍ ، وَنَومٍ في النَّهَارِ كَثِيرٍ ، وَاستِهلاكٍ لِلمِيَاهِ وَالكَهرَبَاءِ فَوقَ الحَاجَةِ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلْنَكُنْ مِن عِبَادِ الرَّحمَنِ الَّذِينَ وَصَفَهُم بِقَولِهِ : " وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لم يُسرِفُوا وَلم يَقتُرُوا وَكَانَ بَينَ ذَلِكَ قَوَامًا " وَلْنَأتَمِرْ بِأَمرِهِ ـ تَعَالى ـ وَأَمرِ رَسُولِهِ ، فَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا بَني آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفِينَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " كُلُوا وَاشرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالبَسُوا مَا لم يُخَالِطْهُ إِسرَافٌ وَلا مَخِيلَةٌ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " وَآتِ ذَا القُربى حَقَّهُ وَالمِسكِينَ وَابنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبذِيرًا . إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا . وَإِمَّا تُعرِضَنَّ عَنهُمُ ابتِغَاءَ رَحمَةٍ مِن رَبِّكَ تَرجُوهَا فَقُلْ لَهُم قَولاً مَيسُورًا . وَلا تَجعَلْ يَدَكَ مَغلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبسُطْهَا كُلَّ البَسطِ فَتَقعُدَ مَلُومًا مَحسُورًا " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ المَالَ مَالُ اللهِ ، وَنَحنُ عَلَيهِ مُستَخلَفُونَ مُؤتَمَنُونَ ، وَعَنهُ عَمَّا قَرِيبٍ رَاحِلُون مُنتَقِلُونَ ، وَإِذَا كَانَ الدَّاعِي لِلإِسرَافِ وَالتَّبذِيرِ لَدَى بَعضِنَا هُوَ كَثرَةَ المَالِ ، فَمَا هَذِهِ بِطَرِيقِ المُؤمِنِينَ الشَّاكِرِينَ ، الَّذِينَ يُرِيدُونَ الزِّيَادَةَ مِن فَضلِ اللهِ وَحِفظَ مَا لَهُ عَلَيهِم مِن النِّعَمِ ، حَيثُ وَعَدَ بِذَلِكَ بِقَولِهِ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم " وَتَعَالَوا بِنَا نَتَأَمَّلْ حَدِيثَينِ شَرِيفَينِ عَظِيمَينِ ؛ لِنَعلَمَ هَديَ رَسُولِ اللهِ وَطَرِيقَتَهُ في تَصرِيفِ مَا زَادَ عَنِ الحَاجَةِ ، عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " مَن كَانَ مَعَهُ فَضلُ ظَهرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا ظَهرَ لَهُ ، وَمَن كَانَ لَهُ فَضلٌ مِن زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا زَادَ لَهُ " قَالَ : فَذَكَرَ مِن أَصنَافِ المَالِ حَتَّى رَأَينَا أَنَّهُ لا حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا في فَضلٍ . رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَعَن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ أَبي بَكرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ أَصحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ ، وَإِنَّ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " مَن كَانَ عِندَهُ طَعَامُ اثنَينِ فَلْيَذهَبْ بِثَالِثٍ ، وَإِنْ كَانَ عِندَهُ طَعَامُ أَربَعَةٍ فَلْيَذهَبْ بِخَامِسٍ أَو سَادِسٍ " وَأَنَّ أَبَا بَكرٍ جَاءَ بِثَلاثَةٍ ، فَانطَلَقَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِعَشَرَةٍ ، وَإِنَّ أَبَا بَكرٍ تَعَشَّى عِندَ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صُلِّيَتِ العِشَاءُ ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَجَاءَ بَعدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيلِ مَا شَاءَ اللهُ . قَالَت لَهُ امرَأَتُهُ : وَمَا حَبَسَكَ عَن أَضيَافِكَ ؟ قَالَ : أَوَمَا عَشَّيتِيهِم ؟ قَالَت : أَبَوا حَتَّى تَجِيءَ ، فَغَضِبَ وَقَالَ : لا أَطعَمُهُ أَبَدًا ، فَحَلَفَتِ المَرأَةُ أَلاَّ تَطعَمَهُ ، وَحَلَفَ الأَضيَافُ أَلاَّ يَطعَمُوهُ . قَالَ أَبُو بَكرٍ : كَانَ هَذَا مِنَ الشَّيطَانِ ، فَدَعَا بِالطَّعَامِ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا ، فَجَعَلُوا لا يَرفَعُونَ لُقمَةً إِلاَّ رَبَت مِن أَسفَلِهَا أَكثَرُ مِنهَا . فَقَالَ لأَمرَأَتِهِ : يَا أُختَ بَني فِرَاسٍ مَا هَذَا ؟ قَالَت : وَقُرَّةِ عَيني إِنَّهَا الآنَ لأَكثَرُ مِنهَا قَبلَ ذَلِكَ بِثَلاثِ مِرَارٍ ، فَأَكَلُوا وَبَعَثَ بها إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَذَكَرَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنهَا . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . لَقَد وَجَّهَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ مَن زَادَ عِندَهُ مِنَ المَالِ شَيءٌ أَن يَجُودَ بِهِ عَلَى مَن لا مَالَ لَهُ ، وَلَو أَنَّنَا عَمِلنَا بِذَلِكَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ لَمَا أَضَعنَا الأَمَوَالَ في التَّفَاخُرِ وَالتَّبَاهِي ، وَلَرَأَينَا أَغنِيَاءَنا يَجُودُونَ عَلَى مَن هُوَ دُونَهُم وَلا سِيَّمَا في دَعمِ مَن لم يَتَزَوَّجُوا ، وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا ذَلِكَ ابتِغَاءَ وَجهِ اللهِ ، لَعَفَّ بِذَلِكَ شَبَابٌ كَثِيرٌ وَشَابَّاتٌ ، وَلَبُنِيَت بِبَرَكَتِهِم أُسَرٌ عَلَى الطُّهرِ وَالعَفَافِ وَسَترِ العَورَاتِ ، وَلَفَرَّجَ اللهُ عَنهُم مَا هُم فِيهِ مِن كُرَبٍ جَزَاءً وِفَاقًا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " هَل جَزَاءُ الإِحسَانِ إِلاَّ الإِحسَانُ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ ، لا يَظلِمُهُ وَلا يُسلِمُهُ ، وَمَن كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ في حَاجَتِهِ ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللهُ عَنهُ بها كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في حقيقة الأمر انا لن اخرج ولن افند ماكتبه جساس ولكن سأوضح ما هو غايب عن الأخ جساس (( اصلح الله حال)) فحين ذكرت (( ما هكذا تورد الإبل)) احتجاجا على تفكيرك الذي ذهب بعيدا ً جدا ً عن فحوى المقال , فقد دخلت في النوايا والإساءة للأخرين والتشهير بالاستاذ عبدالله وفرج وذكرت انني متجني وغيره وغيره ، وانا لا اقصد ذلك ابدا ً. كل ما في الأمر انني اريد الإعتدال والوسطية في كل شي ومن ضمنها عدم الإطاله ، وللمعلومية المؤذن فرج اذا صار عنده شغل اسرع من صلاته مافيه احد . هل استرحت الآن فلماذا لايطبق على الأخرين ويشعر بشعورهم. وانت تطرقت بان الصلاة ركن ثاني , ولا في ذلك شك ابد ولكن يبدوا انك سرحت كثيرا وذهبت للوادي الذي لا اقصده . فحين ذكرت لك ان هناك اولويات فلا اقصد ما قصدت انت! انما المقصود بذلك هو بدل ما اجلس انا وانت وفرج وبن صالح ليش يطول وليش ينقر وليش انت شخصيا متحمس فمن الاولى ان تعالج امور اخرى اكثر اهميه مثلا تجمع الشباب الهائل والاختلاط الواضح بينهم وبين الشبات في الحديقه . فهذه اهم بكثير من وجهت نظري. اما ما ذكرته بخصوص صلاة الجمعه ويجب ان تختصر الكلمه وتقرا السور الطويله ، فإحس كذا انك صايد شي علي ومتحمس اتجاهه , ولكن اعرف انا ماذا يقرا وماذا يجب؟ ولم اكن اقصد ذلك ولكن من خلال دراستي المتواضعه في الامام كان الشيخ السدلان هو الذي يلقي المحاضره وكان لايحبذ عمل الكثير من الخطباء الذين يعتبرون عاميين وليسوا علماء والعمل هو ان الخطيب يطيل في الخطبة واذا اتى عند كلام الله وسوره يقصر في ذلك . هذا كل ما في الامر , وانت الله يصلحك طلعت على بالك منتصر واصبحت تؤكد ما هو مؤكد ونعرفه هنا (( اهدأ)). إتهامك المباشر لي بالجهل (( هو الجهل بعينه )) فياعساني اخاطب احمد بن حنبل او الحسن البصري ، فقمت الكبر نعت الأخرين بالجهل. فقط كل ماتحتاجه ياجساس ان تحضر ندوات في تعلم اسلوب الحوار وتقدير الاخرين وان كنت لابد ان اوضح شيئا من ذلك لعلني اقابلك عند ربي وانت تشكر لي وتثني ويجازيني الهي بذلك حسنى. هناك يا عزيزي اربعة سمات ، اثنتان محببتان ، واثنتان لاتجدي وانما هي سلبية على اي حال : هناك 1- ان تؤثر على الأخرين بالإقناع وضبط النقاش واعطاء الأمثلة والتأكيد والجزم. 2- الإستجابة للأخرين: الإنصات تلخيص المحتوى توجيه اسئلة تجارب سابقة. والجانب السلبي في الحوار والذي لايخرج بإي نتائج هو: 1- السلوك العدواني : التاكيد على ذاتك وتقليل حجم الأخرين مثال (( انا اعلم منك ، انت جاهل وغيرها ) 2- الإنسحاب من الحوار ومثال ذلك (( انت افهم مني ، انت احسن مني بدون قناعه منك بان المحاور افضل منك . فسؤالي : اين انت من الجانبين السلبي او الإيجابي ؟ يمكنك مراجعة نفسك . انا ولله الحمد كنت في الجانب الايجابي الأعلي سموا وافتخر بذلك: ولا اقول ذلك من فراغ والدليل الردود : لم اكن عدواني واقلل من حجمك ولم انسحب بل ما زلت مصرا على رأيي وضابط النقاش ومنصت ولدي ذكاء عاطفي واطرح اسئله ولكن للاسف لم اجد الا فوقيه واضحه . شوف دخلت معاك بإدب ، وانت دخلت معي حافظ شويت احاديث بفوقيه واني سأثبت لك كذا وكذا (( اقسم بالله هذه نيتك)) وهذا مالم يأتي في شرع محمد صلى الله عليه وسلم بل كان لين ويحب اللين حتى مع اليهودي ، اللي مثلك اقل شي نزل لمستواي شوي وبدأ يأخذ ويعطي ، بطريقه محببه ، مثلا : لو سألت وقلت لي : (( طيب وش رايك اتقابل انا وياك ونروح ونطرح الموضوع على الاستاذ عبدالله ونشوف رايه؟ طيب يمكن الاستاذ عبدالله يقنعني او انت تقنعني ، مو حافظ كلمتين وجاي مندفع . لاحول ولاقوة الا ابالله.عموما انا ساختم القول بالحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله وعلى اله وصحبه اجمعين. |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري الأخر الشامخ هذا الموضوع خاص لخطب الشيخ عبد الله البصري وفقه الله وبإمكانك فتح موضوع مستقل في القسم المناسب لمناقشة ماتريد من مواضيع |
| الساعة الآن 08:15 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
-
arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By
Almuhajir
... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...
.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..