| LinkBack | أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
| |||||||||||
قصة قصيرة: نُدْبَةُ الجُرْح نُدْبَـةُ الجُـرْح إبراهيم سعد الدين (الكَلِِِمَاتُ الطَّيِّبَة، والذِّكْرَيَاتُ الخَشِنَة، كُلُّ طَرِيقٍٍ بِثَمَنْ) غَطَّ قَوْسَهُ في شَرَايينِ الشَّفَقْ.. وَقَالَ لَهَا: تَبْكِينْ..؟! لاَ بَأْسَ بِالبُكَاءْ..إن ْ كَانَت الدُّمُوعُ تُشْعِلُ ابْتِسَامَةَ القَمَـرْ. كَانَ يَحْلُمُ بِسُهُولٍ وَوِدْيَانٍ وَمَرْعَىً فَسِيحٍ وعُشْبٍ أَخْضَرْ. كَانَ يَحْلُمُ بِامْرَأَةٍ في مُنْتَصَفِ العُمْرِ تَمْنَحُهُ الحُبَّ بِلاَ مُقَابِل . فَلَمَّا هَبَطَ أرْضَ هَذِهِ المَدِينَةِ هَالَهُ البَيَاضُ المُشَرَّبُ بِالحُمْرَةِ في وُجُوهِ النِّسَاءِ، والرِّجَالُ بِشُعُورِهِم المُرْسَلَةِ وشَوَارِبِهِم الكَثَّةِ ونَهَمِهِمِ الدَّائِمِ لِلضَّحِكِ وَالنِّسَاءْ. قَالَ: هَذِهِ أَرْضٌ تَغْفُو فِيهَا الذِّكْرَى وَتَصْحُو الغَرَاِئزْ. كَانَ جُرْحُهُ القَدِيمُ مَا يَزَالْ، بَقِيَ مِنْهُ ذَلِكَ الوَخْزُ المُمِِضُّ، غَيْرَ أنَّ الإدْمَاءَ كَفَّ والنَّزْفَ تَوَقَّفَ عَلَى أَيَّةِ حَالْ. وحِينَ تَأَمَّلَ وَجْهَهَا ـ أوَّلَ مَرَّةٍ ـ قَالَ يُحَدِّثُ نَفْسَه: هَذِهِ المَدِينَةُ نِسَاؤهَا مِثْلَ جَنَى النَّحْلِ الشَّبْعَانْ، فَكَيْفَ تَخَيَّرْتُ أوْ تَخَيَّرَنِي هَذَا الوَجْهُ الأَسْمَرْ..؟! لَكِنَّ وَجْهَهَا ـ بِسُمْرَتِهِ المُحَبَّبَةِ ونُدْبَةِ الجُرْحِ الغَائِرِ أسْفَلِ الخَدِّ ـ تَبَدَّىَ لَهُ أَشْبَهَ بِخَارِطَةٍ لِوَطَنٍ بَعِيد ، دُونَهُ جُرْحٌ فَاغِرُ الفَمِِ وَأَلَمٌ مُوجِعٌ يَسْتَحِيلُ ـ حِينَ تَسْتَبِدُّ بِهِ الذِّكْرَى ـ إلى أَسْرَابٍ مِنَ النَّمْلِ الجَائِعِ تَسْتَوْطِنُ جَسَدَهُ ، تُوَلِّدُ فِيهِ تِلْكَ الأَحَاسِيسَ المَبْتُورَةَ كَالفُقَّاعَاتِ مَا تَلْبَثُ أنْ تَتَحَقَّقَ حَتَّى تَتَلاَشَى. (عَلِّمْنِي أيُّهَا الوَجْهُ كَيْفَ يُولَدُ الحُبُّ.. وكَيْفَ يَمُوتُ دُونَ أنْ تَمُوتَ فِينَا مَنَابِعُ الإحْسَاسْ .. وهَلْ يَهْدَأُ الجُرْحُ حِينَ نَبُوحْ..؟.. وَأَنْتَ أيُّها الجَسَدُ: مَتَى تُفْصِحُ لِي عَنْ سِرِّكَ الخَبيء مَرَّةً.. يَا أيُّهَا الجَسَدْ ..؟!). في لَحْظَةِ اللِّقَاءِ الأَوَّلِِ كَانَ مَشْحُونَاً بِالصَّمْتِ والتَّوَتُّرِ، لَكِنَّ عَامَيْنِ مِنَ الشَّوْقِ والرَّغْبَةِ واللَّذَّةِ المُخْتَلَسَةِ أعَادَا إلَيْهِ السَّكِينَةَ فَقَرَّتْ نَفْسُهُ وَهَدَأَتْ رُوحُهُ وَأَسْلَمَ جَسَدَهُ لِذَلِكَ الخَدَرِ يَتَسَرَّبُ في خَلاَيَاهُ فَتَذُوبُ المَسَافَةُ والزَّمَنُ والتََّوَارِيخُ وتَقَاطِيعُ الوُجُوهِ ، تَخْلَدُ لِلنَّوْمِ أَطْيَافُ الزَّمَنِ القَدِيمْ. (كَانَ اسْمُهَا سَلْوَى، وكَانَ مَفْرِقُ شَعْرِهَا يَتَوَسَّطُ رَأْسَهَا الجَمِيلَةَ، وَثَمَّةَ ابْتِسَامَةٌ مَاثِِلَةٌ ـ دَوْماً ـ عِِنْدَ زَاوِيَةِ الفَمِ ، وفي قَاعِ عَيْنَيْهَا السَّوْدَاوَيْن ِ يَرْقُدُ ـ فِي وَدَاعَةِ الحَمَائِمِ ـ حُزْنٌ مُقِيمٌ يَجْفَلُ لَحْظَةَ الفَرَحِ وَيَعُودُ يَخْلَدُ للنَّوْم . لَمْ يَكُنْ وَجْهَهَا شَاهِقَ البَيَاضِ وَلاَ دَاكِنَ السُّمْرَةِ لَكِنََّهُ كَانَ يَتَوَرَّدُ حُمْرَةً حِينَ يَهُزُّهَا نِدَاءُ عَيْنَيْهِ، فَتُرْخِي ظِلاَلَ هُدْبِهَا الغَزِيرِ وتُسْلِمُ رَأسَهَا الجَمِيلَةَ إلى رَاحَتَيْه). قَالَتْ تُذَكِّرُهُ بِاللِّقَاءِ الأَوَّلْ: حِينَ لَقِيتُكَ أوَّلَ مَرَّة، حَسِبْتُ أنَّنَا لَنْ نُعَاِوِدَ اللِّقَاءْ. قَالَ وهو يَصْطَنِعُ الدَّهْشَة: كَيْف..؟! قَالَتْ: كُنْتَ كَمَنْ يَتَعَذَّبُ بِحِمْلٍٍ ثَقِيلٍ يَتَهَيَّأُ لِلْخَلاَصِ مِنْه. قَالَ لَهَا: وَبَعْـد..؟! قَالَتْ وَسَوَادُ عَيْنَيْهَا يَتََّسِعُ بِالشَّبَعِ والطُّمَأْنِينَ ة: هَا نَحْن..!! مَوْعِدُهَا آخِرُ اللَّيْلِ، حِينَ يَهْجَعُ الكُلّ. تَجِيئُهُ كَقِطَّةٍ أنْفََقَتْ يَوْمَهَا تَتَجَوَّلُ في الطُّرُقَاتِ المَهْجُورَةِ ، تَنْقُرُ بِأصَابِعِهَا النَّحِيلَةِ عَلَى بَابِ غُرْفَتِه ، وهُوَ ـ مَسْكُوناً بِالوَحْشَةِِ والخَوْفِ وهَوَاجِسِ الزَّمَنِ القَدِيمِ ـ يَتَرَقَّبُ مَوْعِدَهَا. حِينَ تَجِيءُ يَنْشَقُّ فَرَاغُ البَابِ عَنْ وَجْهِهَا الأسْمَرِ، تُشْرِقُ عَيْنَاهَا بِفَرَحٍ مُبَاغِتٍ كَدَمْعَةٍ تَطْفُرُ خِلْسَةً وتَبْقَى مُعَلَََّقَةً بِقَاعِ الجِفْن، بَعْدَهَا يَحِلُّ بِعَيْنَيْهَا سُكُونٌ وَادِعٌ، فَتَضَعُ حَقِيبَةَ يَدِهَا الصَّغيرَةَ فَوْقَ المِنْضَدَةِ وتَتَأَمَّلُ وَجْهَهَا في المِرْآةِ لَحْظَةً، ثُمَّ تُلْقِي بِجَسَدِهَا عَلَى الفِرَاشِ القَدِيمِ، تَتَكَوَّرُ في جِوَارِهِ كَطَائِرٍ مَقْرُورٍ يَتَلَمَّسُ الدِّفْءَ ويَنْشُدُ الأمَانْ. (لَوْ غَابَ عَنِّي هَذَا الجَسَدُ أَوْ غِبْتُ عَنْهُ لَمِتُّ جُوعَاً وَغُرْبَة) ..أشْيَاءُ كَهَذِهِ تُرَاوِدُهُ، لَكِنََََّهَا حِينَ تَجِيءُ تَصْفُو رُوحُهُ وَتَرِقُّ حَاشِيَتُهُ ويَطِيبُ لَهُ الغِنَاءْ. كَانَ يَتْلُو عَلَيْهَا مِنْ قَدِيمِ الشِّعْرِ، وكَانَتْ تَسْتَعْذِبُ شِعْرَهُ حِينَ يَتَهَدَّجُ في صَوْتِهِ كَالنََّزْفِ (عَذَّبْتَنِي بِالنَّوَى يَا أيُّهَا القَمَرُ...). ولَمْ يَعُدْ وَاثِقاً إِنْ كَانَ يُغَنِّي لَهَا أَمْ لِجُرْحِهِ القَدِيمْ. اليَوْمُ كَانَ مِنْ أيَّامِ مَا بَيْنَ الفُصُولْ ، تِلْكَ التي يَتَسَلَّلُ مِنْهَا إلى دَاخِلِكَ هَاجِسٌ لا تَعْرِفُ كُنْهَهُ أو مَبْعَثَهُ، لَكِنَّكَ تُحِسُّهُ طِيلَةَ الوَقْتِ كَالأصَابِعِ الغَرِيبَةِ تَجُوسُ في جَسَدِكْ .( لَعَلَّهُ تَغَيُّرُ الفُصُولْ) هَكَذَا حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ وهو يَتَشَمَّمُ شَعْرَهَا الجَعِدَ الثَّقِيلَ الرَّائِحَة. قَالَتْ: تَعَوَّدَ شَعْرِي الطَّوِيلُ عَلَيْكْ.. تَضَاحَكَ وهو يَقُولْ: صِرْتِ تَقْرِضِينَ الشِّعْرْ. قَالَتْ وَبَحَّةُ صَوْتِهَا تَبِينُ في ضَحِكَتِهَا القَصِيرَة:.. مَنْ عَاشَرَ القَوْم..!! الغُرْفَةُ الصَّغِيرَةُ مَا تَزَالُ والصّوَانُ والمِرْآةُ والفِرَاشُ القَدِيمُ لَكِنَّهَا لَمْ تَعُدْ تَجِيء. ظَلَّ يَتْبَعُهَا في طُرُقَاتِ المَدِينَةِ، يُفَتِّشُ عَنْهَا في وجُوهِ كُلِّ النِّسَاءِ، لَكِنَّهَا لَمْ تَعُدْ تَجِيءْ . كَانَ بِالمَقْهَى خَلْفَ الوَاجِهَةِ الزُّجَاجِيَّةِ ـ يَرْقُبُ أسْرَابَ السَّابِلَةِ وَيُتَابِعُ قَطَرَاِت المَاءِ وهى تَنْسَاحُ عَن الزُّجَاجْ. كَانَ المَطَرُ قَدْ كَفَّ وَزُمْرَةٌ مِنَ الفِتْيَانِ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهُ يَلْعَبُونَ النَّرْد. قَالَ أَحَدُهُمْ: تَأَخَّرَ بِنَا الوَقْت. لَمْ يَنْتَبِهْ أَحَدْ. كَانُوا يَرْقُبُونَ اللََّعِبَ بِتَحَفُّزٍ بَيْنَمَا بَدَا المَقْهَى خَالِياً وَسَيْلُ المَارَّةِ أخذ يَتَقَطَّعُ وَيُبْطِئُ إِيذَاناً بِوُلُوغِ اللَّيْل. قَالَ الَّلاَعِبُ المُتَقَدِّمُ وهو يَرْمِي بِالنَّرْدِ، بَيْنَمَا وَجْهُ الَّلاَعِبِ الآخَرِ شَاحِبٌ تَحْتَ الضَّوْءِ وَمَكْدُودُ العَيْنَيْنِ: تَصَوَّرُوا.. مَا زَالَ قَادِراً عَلَى اللَّجَاجْ..!! قَالَ أَحَدُهُمْ بِتَوَاطُؤْ: دَعُوهُ.. بَعْدَ لَحْظَةٍ يَمُوتُ الاحْتِجَاجْ. أضَافَ آخَرْ وقَدْ أغْرَاهُ رَوِيُّ الحَدِيثِ بِالاسْتِرْسَال ِ في القَافِيَة: يَنْكَسِرُ الزُّجَاجْ.. قَالَ الََّلاَعِبُ المُتَقَدِّمُ وهو يَرْمِي بِالنََّرْدِ إيذَاناً بِلُعْبَةِ النََّهَايَة: يَعُودُ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَمَا أَتَىَ لأَوَّلِهْ !! وَضَعَ عُوَيْنَاتِهِ وَأَحْكَمَ رِبَاطَ عُنُقِهِ وَنَهَضْ. حِينَ دَلَفَ خَارِجَ المَقْهَى شَمِلَتْهُ رَعْشَةٌ مُفَاجِئَةٌ وَأَحَسَّ لَفْحَ الهَوَاءِ البَارِدِ في وَجْهِهْ. كَانَتْ أَضْوَاءُ المَيْدَانِ تَبْدُو ـ عَلَى البُعْد ِـ مُطْفَأَةً، ولَيْسَ ثَمَّةَ غَيْرُ مَصَابِيحِ العَرَبَاتِ المُسْرِعَةِ فَوْقَ الأَرْضِ المُبْتَلَّة. (تأخر بنا الوقت). كَانَ يَسِيرُ بِمُحَاذَاةِ الحَوَانِيتِ المُطْفَأَةِ مُتََّجِهَاً صَوْبَ المَيدانِ، والهَوَاءُ البَارِدُ يَتَسَلَّلُ إلى رِئَتَيْهِ مُحَمَّلاً بِرَائِحَةِ المَطَرْ. تَذَكَّرَ غُرْفَتَهُ الصَّغِيرَةَ وعَاوَدَهُ ذَلِكَ الوَخْزُ القَدِيمْ.. لَكِنْ دُونَ أَلَمْ. فَقَطْ.. أَحَسَّ بِأَنَّ زَمَنَ الرَّحِيلِ قَدْ أَزَفْ. |
| |||||||||||
رد: قصة قصيرة: نُدْبَةُ الجُرْح ستبقى الذكرى دوما تلعب دور الممثل الماهر من خلف الجدران و أصابعه الخفيفة تحرك مشاعرنا بأحبال من شرايين الدماء ستبقى الذكرى دوما . طريق قديم و ربما أثر قد استحال طللا تحنّ إليه الروح في كل وقت نذهب إليه بأجسادنا بأرواحنا بآلامنا و لكن سيبقى له أثر دائم مهما مر الزمن عليه بمجرد أن تمر أصابعنا على بقايا له . أستاذي العزيز : الأستاذ إبراهيم سعد الدين . في وسط كلماتك أحتار في كيفية اختيار رد فإما أن ألتزم الصمت إما أن أسطر خجل الحرف أمام جمال و روعه ما تسطره إتقانك و حرفيتك في تقديم عملك بشطل لائق يجعلنا نفكر كثيرا في كيفية سطر أعمالنا فأنت تعطينا مثالا في كيفية المشاركة البناءة ضبط الموضوع بالشكل يسر كثيرا في توصيل الكلمات بسهوله و يسر فعلا : مدرستك لا تنضب مناهجها فكل يوم نتعلم منك ما هوأجمل . دمت لنا و جزاك الله خيرا على علمك الذي لا تبخل به علينا تقبل كل الاحترام و التقدير الذي يليق بشخصكم الكريم . تلميذك : أحمد صالح
|
| |||||||||||
رد: قصة قصيرة: نُدْبَةُ الجُرْح |
| |||||||||||
رد: قصة قصيرة: نُدْبَةُ الجُرْح |
| |||||||||||
رد: قصة قصيرة: نُدْبَةُ الجُرْح أحمد صَالحْ.. تحيَّةً تليقُ بحضورك البهيّ وحِسِّكَ الرَّاقي وذوقكَ الرَّفيعْ ما كتَبْتَه على هوامش هذا النَّصّ قطعة مُقتَطعة من حدائق الإبداع لها عبقها المُمَيَّز ونبضها الفريد.. لكنه تواضعكَ الجميل الذي يزيدُ قامتكَ الأدبية سُمُوَّاً وعُلُوَّاً سَعِدتُ وشَرُفتُ بوجودك الرَّاقي وأشرفُ دوماً بتواصلك الجميلْ دُمتَ بألفِ خيرٍ وعافية. إبراهيم سعد الدين |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ولم تكن الا غفوة قصيرة | ابو طارق | روحانيات | 13 | 01-02-2010 10:36 PM |
قصه قصيرة جننت كل من قرأها | الساري | حكايات من الوجد | 5 | 19-07-2009 12:13 AM |
وقفات قصيرة تخص المرأة !!! | ابن تيمية | الوقاية خير من الف علاج | 8 | 04-12-2007 11:27 AM |
قصص قصيرة ....... مازن دويكات | مازن دويكات | ركنك الهادي | 0 | 11-08-2007 03:55 PM |
انعكاسات امرأة ( قصة قصيرة ) | محمد | حكايات من الوجد | 2 | 12-03-2007 12:26 AM |