الموضوع: السؤال الثاني
عرض مشاركة واحدة
#4 (permalink)  
قديم 28-07-2013, 09:11 PM
حواء
عضو مجالس الرويضة
حواء غير متواجد حالياً
Egypt     Female
لوني المفضل Blueviolet
 رقم العضوية : 6334
 تاريخ التسجيل : 28-07-2013
 فترة الأقامة : 3897 يوم
 أخر زيارة : 10-09-2013 (12:27 PM)
 المشاركات : 110 [ + ]
 التقييم : 100
 معدل التقييم : حواء تم تعطيل التقييم
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي رد: السؤال الثاني



يستدعي الحديث عن الشخصية كمًا هائلاً من المعلومات والمتغيرات التي تكاد تكون خارج السيطرة بسبب كثرتها وتشعبها، ولهذا فإن المدخل البنيوي يعدّ من أجدى المداخل عند الحديث عن النمط والعلاقات. والحقيقة أن نظريات الشخصية المتعددة لاتستطيع فصل عنصر آخر وهو الثقافة عن مكوّنات أي نمط من أنماط الشخصية، وكان الجدل -عند الباحثين الأوائل- يدور حول هذه العلاقة ومدى أسبقية الثقافة وتأثيرها على تكوين الشخصية أو أسبقية الشخصية وقدرتها على صياغة الثقافة. ولتناول فكرة موجزة عن ذلك الجدل لابد من التوضيح أننا أمام مضمونين (أو عنصرين): أحدهما ثقافي والآخر سيكولوجي. وترى بعض الدراسات أن التداخل بين هذين المضمونين أساسي، لهذا نجد الباحثة بندكيت (Benedict) تستخلص أن الثقافة والشخصية عبارة عن جانبين اثنين لحقيقة واحدة، بالانطلاق من أن طبيعة العلاقة بينهما تسير في اتجاه واحد: من الثقافة والمجتمع إلى الشخصية. وهذا الإسهام يبرهن على عملية التنشئة الاجتماعية التي يتمثّل فيها الفردُ الثقافةَ وهي بدورها تجعل كل مجتمع ينتج نموذجًا متميزًا من الشخصية، والنموذج عبارة عن إطار نظري من تنظيم عقلي متوافق يستطيع التكيّف مع متطلبات المجتمع الوظيفية والبنائية.
ويلاحظ أن مفهوم الشخصية -في رأي بندكيت- بمثابة النظير السيكولوجي لمفهوم الثقافة، مما يجعل هذا المفهوم يحتلّ وضعًا متوسطًا بين مفهوم الثقافة ومفهوم المجتمع. ويساعد هذا المفهوم على الإلمام بالتعالق بين معطيين يشرحان الظواهر الاجتماعية التي يطلق عليها الباحث تالكوت بارسونز (t Parsons Talcot) اسم "محافظ نمط النسق الفرعي للمجتمع".
ومن الذين يدمجون الثقافة بالشخصية الباحث رالف لينتون( Linton R. )إذ يرى أن عملية التنشئة الاجتماعية تتكون أساسًا من لعب دور ودمج ذلك الدور مع أدوار أخرى تمثل أنساقاً ثقافية، ليصل إلى تعريف للشخصية على أنها مجموعة من الأدوار. ويُعدّ مفهوم الشخصية عنده بمثابة بناء تصوّري يعني ضمنيًا نموذجًا للسلوك السائد في ثقافة ما.
كما سارت الباحثة الاجتماعية مارجريت ميد ( Mead Margaret)في الاتجاه ذاته ولكن بشكل تنقصه الدقة والتنظيم. فدراستها لعملية تربية الطفل تُقدّم مجموعة متباينة من الآراء حول موضوع كلاسيكي يتعلق بالثقافة والطبيعة، وتوصّلت إلى الجزم بأن الطبيعة الإنسانية هي في النهاية نتاج ثقافي. ويعاب عليها استخدام مصطلح "الطبيعة الإنسانية" لكونه غير متميز في الدلالة على الشخصية الإنسانية من جهة، و من جهة أخرى لغموضه في التعبير الدقيق عن مكوّنات يمكن قياسها. يضاف إلى ذلك عدم وجود معطيات يمكن العثور عليها للدلالة على صلة هذه الطبيعة الإنسانية العالمية بحاجات المرء الأساسية وأوجه نشاطه اليومي (مثل الطعام والجنس والنوم). ولهذا نجد "ميد" ترى أن خواص الذكورة والأنوثة سمات شخصية محددة ثقافيًا عند الجميع، والحقيقة أن ذلك لا ينطبق إلا على الجانب البيولوجي من التمييز بين الجنسين، لكنه لا يشمل الجانب الثقافي. وسبب قصور تعريفها يعود إلى أنها لم تُلقِ بالاً لدور العادات السائدة في المجتمع والأفكار وأساليب تربية الأطفال في تحديد هذه الأدوار بين الجنسين.
ما سبق من آراء يعطي الثقافة أولوية باعتبارها الوعاء الذي ينتج أنماط الشخصيات حتى جاء المحلل النفسي إبرهام كاردنير ( Gardiner A.)لينقد القول بأسبقية الثقافة على الشخصية وبأن العلاقة بينهما تسير في اتجاه واحد (من الثقافة إلى الشخصية). فهو يرى أن نظريات الشخصية والثقافة لم تتعمق في دراسة عملية تكوين الشخصية، ولهذا فقد فشلت في إدراك طبيعة العلاقة الحقيقة بين هذين العنصرين (أي:الثقافة والشخصية). ويؤكد على أن "الموقف الطفولي" يمثل فترة حاسمة في النمو العقلي للفرد. ويؤكد على أن العلاقات بين الطفل ووالديه ذات دلالة مهمّة من بين كل الظروف المؤثرة. واختار -من بين الجوانب الأساسية لهذا الموقف المعقد- الأسلوب المحدد الذي يُشبع به الوالدان رغبات الطفل (الحسيّة، والغذائية، والعاطفية)، ويتعاملان مع دوافعه العدوانية. وبيّن أن هذا الأسلوب يكشف عن البناء القاعدي لشخصية الفرد، لأنه يمثل النسق الأولي للأمن الانفعالي. فعلى سبيل المثال، إن كان الوالدان حنونين وغير ظالمين في تعاملهما مع بواعث الطفل ودوافعه الذاتية، فإن نسق الأمن الانفعالي سيكون إيجابيًا، فتتكامل شخصية الفرد حول مشاعر الأمن الأساسية المتمثلة في الصداقة والثقة. وفي المقابل، لو كان الوالدان أقل حنوا وغير متساهلين فإن نسق الأمن الانفعالي للطفل يكون سلبيًا ويتسبب في تكوّن صورة للعالم على أنه مكان عدواني يصعب العيش فيه.




رد مع اقتباس