16-06-2011, 05:39 PM
|
| |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا 15 / 7 / 1432 الخطبة الأولى أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ فَإِنَّ تَقوَاهُ فُرقَانٌ تَستَنِيرُ بِهِ العُقُولُ وَالبَصَائِرُ ، وَنُورٌ تُضَاءُ بِهِ القُلُوبُ وَالضَّمَائِرُ ، وَهِيَ أَقوَى عُدَّةٍ في الشِّدَّةِ ، وَخَيرُ زَادٍ لِيَومِ المَعَادِ ، بها تُغفَرُ الذُّنُوبُ وَتُكَفَّرُ الخَطَايَا ، وَبها تُنَالُ مِنَ اللهِ جَزِيلاتُ العَطَايَا ، مَنِ اتَّقَى اللهَ انكَشَفَت لَهُ الحَقَّائِقُ وَزَالَ عَنهُ اللَّبسُ ، وَعَاشَ مُنشَرِحَ الصَّدرِ مُطمَئِنَّ النَّفسِ ، وَاستَقَرَّت قَدَمُهُ في دُرُوبِ الحَقِّ وَنَبَذ الهَوَى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَو شَاءَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لأَخَذَ النَّاسَ بما كَسَبُوا فَمَا تَرَكَ عَلَى ظَهرِ الأَرضِ مِنهُم أَحَدًا ، لَكِنَّ مِن مُقتَضَى حِلمِهِ وَرَأفَتِهِ بهم وَعَفوِهِ عَنهُم ، وَإِحسَانِهِ ـ تَعَالى ـ إِلَيهِم وَرَحمَتِهِ بهم أَلاَّ يُعَاجِلَهُم بِذَلِكَ قَبلَ تَذكِيرٍ وَإِنذَارٍ " وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحمَةِ لَو يُؤَاخِذُهُم بما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذَابَ بَلْ لَهُم مَوعِدٌ لَن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوئِلاً " نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ مِن رَحمَةِ اللهِ بِعِبَادِهِ أَن يُرسِلَ الآيَاتِ إِنذَارًا لَهُم وَتَذكِيرًا ، وَتَوضِيحًا لِمَا هُم عَلَيهِ وَتَبصِيرًا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : وَلَنُذِيقَنَّه ُم مِنَ العَذَابِ الأَدنى دُونَ العَذَابِ الأَكبرِ لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ " فَمَن رُزِقَ مِنهُمُ التَّوفِيقَ خَافَ مِن رَبِّهِ وَتَرَاجَعَ عَن ذَنبِهِ ، وَتَابَ إِلى مَولاهُ وَأَنَابَ ، وَأَمَّا مَن لم يَرفَعْ بِآيَاتِ رَبِّهِ رَأسًا وَلم يَأبَهْ بها ، مِمَّن خَامَرَ الشَّكُّ قَلبَهُ وَلم تُبَاشِرْ حَقِيقَةُ التَّوحِيدِ فُؤَادَهُ ، فَإِنَّ تَكذِيبَهُ بِتِلكَ الآيَاتِ يَكُونُ بِدَايَةَ شَقَائِهِ ، وَمَا عِندَ اللهِ لَهُ مِنَ العَذَابِ في الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبقَى إِن لم يَتَدَارَكْهُ ـ تَعَالى ـ بِرَحمَةٍ مِنهُ وَتَوبَةٍ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ " وَمَن أَظلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعرَضَ عَنهَا إِنَّا مِنَ المُجرِمِينَ مُنتَقِمُونَ " وَلَقَد حَكَى اللهُ عَن قَومٍ كَذَّبُوا رُسُلَهُم وَطَلَبُوا الآيَاتِ مِن رَبِّهِم ، فَأَرسَلَ ـ تَعَالى ـ لَهُم مِنهَا مَا أَرسَلَ اختِبَارًا وَامتِحَانًا ، فَمَا ازدَادُوا بما ابتُلُوا بِهِ إِلاَّ تَحَيُّرًا وَشَكًّا وَضَلالاً ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَنُخَوِّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُم إِلاَّ طُغيَانًا كَبِيرًا " وَالمَعنى أَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ يُنَبِّهُهُم بِالآيَاتِ وَيُخَوِّفُهُم بها ، فَمَا يَزِيدُهُم التَّخوِيفُ إِلاَّ طُغيَانًا وَتَجَاوُزًا لِلحَدِّ ، وَهَذَا أَبلَغُ مَا يَكُونُ في التَّحَلِّي بِالشَّرِّ وَمَحَبَّتِهِ وَبُغضِ الخَيرِ وَعَدَمِ الانقِيَادِ لَهُ . وَإِنَّ مِن سُنَّةِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ في خَلقِهِ أَن يُنذِرَهُم بِالآيَاتِ وَيَبتَلِيَهُم بِالمَصَائِبِ ، فَإِنْ هُمُ انتَبَهُوا وَأَعتُبُوهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ وَأَرضَوهُ ، تَجَاوَزَ عَنهُم وَعَفَا ، وَإِنْ هُم تَجَاوَزُوا الحَدَّ وَأَصَرُّوا وَعَانَدُوا ، فَعَلَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ بهم مَا فَعَلَ بمن قَبلَهُم مِنَ الكُفَّارِ وَالعُصَاةِ وَالمُجرِمِينَ ، حَيثُ يُحِلُّ بهم عَذَابَ الاستِئصَالِ بَغتَةً ، وَيَقطَعُ دَابِرَهُم عَلَى حِينِ غَفلَةٍ ، قَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَلَقَد أَرسَلنَا إِلى أُمَمٍ مِن قَبلِكَ فَأَخَذنَاهُم بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعُونَ . فَلَولا إِذْ جَاءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَت قُلُوبُهُم وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ . فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحنَا عَلَيهِم أَبوَابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بما أُوتُوا أَخَذنَاهُم بَغتَةً فَإِذَا هُم مُبلِسُونَ . فَقُطِعَ دَابِرُ القَومِ الَّذِينَ ظَلَمُوَا وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَا زَالَت آيَاتُ اللهِ وَنُذُرُهُ عَلَينَا وَعَلَى كَثِيرٍ مِمَّن حَولَنَا تَتَوَالى ، وَمَا زِلنَا نَرَى النَّاسَ قَرِيبًا وَبَعِيدًا في غَفلَةٍ ، حُرُوبٌ وَفِتَنٌ وَقَلاقِلُ ، وَمَصَائِبُ وَمِحَنٌ وَزَلازِلُ ، وَهَرْجَ شَدِيدٌ وَقَتلٌ وَتَشرِيدٌ ، وَكَوَارِثُ وَفَيَضَانَاتٌ وَحَرَائِقُ ، وَتَغَيُّرَاتٌ كَونِيَّةٌ وَغَورُ آبَارٍ وَقِلَّةُ أَمطَارٍ ، وَبَينَ حِينٍ وَآخَرَ تَأتي ظَوَاهِرُ كَونِيَّةٌ غَرِيبَةٌ ، نَاتِجَةٌ عَن تَغَيُّرٍ يُجرِيهِ الخَالِقُ في حَرَكَةِ الكَونِ تَنبِيهًا لِلعِبَادِ وَتَخوِيفًا لأَهلِ العِنَادِ ، غَيرَ أَنَّ المُتَابِعَ لِمَن حَولَهُ في أَثنَاءِ حُدُوثِ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ المُخِيفَةِ ، أَو مَن يَطَّلِعُ عَلَى وَسَائِلِ الإِعلامِ قَبلَ حُدُوثِهَا وَبَعدَهُ ، يَرَى مِنَ النَّاسِ استِجَابَاتٍ غَرِيبَةً وَتَصَرُّفَاتٍ عَجِيبَةً ، تَحَوَّلُوا بها عَمَّا أَرَادَهُ رَبُّهُم إِلى مَا أَملَتهُ عَلَيهِم أَهوَاؤُهُم ، فَقَد يَخسِفُ القَمَرُ خُسُوفًا كُلِّيًّا يَرَاهُ الأَعمَشُ قَبلَ المُبصِرِ ، فَتَجِدُ كَثِيرِينَ في بُيُوتِهِم عَلَى القَنَوَاتِ عَاكِفِينَ ، يُتَابِعُونَ هَذِهِ الظَّاهِرَةَ مُتَابَعَةَ مُسَلسَلٍ هَزَلِيٍّ أَو مَسرَحِيَّةٍ فُكَاهِيَّةٍ ، وَآخَرِينَ يَلعَبُونَ وَيَضحَكُونَ عَلَى مُنكَرٍ مِنَ القَولِ وَزُورٍ ، وَثَمَّةَ مَن تَرَاهُم وَقَد تَوَافَدُوا عَلَى حَدِيقَةٍ أَو مَرصَدٍ ، قَدِ اصطَحَبُوا آلاتِ التَّصوِيرِ وَمَنَاظِيرَ التَّكبِيرِ ، لا هَمَّ لَهُم إِلاَّ مُتَابَعَةُ القَمَرِ وَهُوَ يَدخُلُ في الخُسُوفِ أَو يَخرُجُ مِنهُ ، وَثَمَّةَ مَن هُوَ مُحِبٌّ لِلمَسَائِلِ الحِسَابِيَّةِ مُغرَمٌ بِدِقَّتِهَا ، فَيَكُونُ قُصَارَى جُهدِهِ تَحدِيدَ بِدَايَةِ الخُسُوفِ وَنِهَايَتِهِ . وَيَلتَفِتُ المُؤمِنُ إِلى المَسَاجِدِ لِيَبحَثَ عَن أَهلِ السُّنَّةِ المُقتَدِينَ ، فَلا يَرَاهُم إِلاَّ قَلِيلاً ، وَعِندَئِذٍ يَعلَمُ أَنَّ الأَمرَ قَد رَقَّ وَالَدَّينَ قَد هَزُلَ ، نَعَم ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ لَقَد رَقَّ الدِّينُ وَضَعُفَ الإِيمَانُ وَخَلَتِ القُلُوبُ مِنَ التَّقوَى إِلاَّ قَلِيلاً ، وَإِلاَّ فَأَينَ نَحنُ مِن رَسُولِ اللهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ ؟ أَينَ نَحنُ مِن أَعلَمِ النَّاسِ بِرَبِّهِ وَأَتقَاهُم لَهُ وَأَخشَاهُمُ مِن عَذَابِهِ ؟ لَقَد فَزِعَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِلى مَسجِدِهِ ، وَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ ، بَل وَرَدَ أَنَّهُ مِن عَجَلَتِهِ لَبِسَ دِرعًا لإِحدَى نِسَائِهِ ، هَذَا وَهُوَ يَعلَمُ يَقِينًا أَنَّ اللهَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ قَد جَعَلَهُ أَمَنَةً لِلأُمَّةِ ، وَأَنَّ الأَرضَ لَن تَهلَكَ وَهُوَ حَيٌّ ؛ حَيثُ قَالَ رَبُّهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " : وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فِيهِم " وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى تِلكَ الآيَةَ خَرَجَ فَزِعًا إِلى الصَّلاةِ ، وَأَمَرَ بِالتَّضَرُّعِ وَالدُّعَاءِ ، وَأَمَّا حَالُ الأُمَّةِ اليَومَ فَحَالٌ لا تَسُرُّ ، يُخَوِّفَهُم رَبُّهُم فَلا يَزِيدُ بَعضُهُم إِلاَّ ابتِعَادًا وَعِنَادًا ، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤمِنُ بِيَومِ الحِسَابِ ، نَعُوذُ بِاللهِ مِن كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، نَعُوذُ بِاللهِ ممَّن لم يَقدُرِ اللهَ حَقَّ قَدرِهِ ، نَعُوذُ بِاللهِ مِمَّن يَرَى الشَّمسَ تَكسِفُ وَالقَمَرَ يَخسِفُ ، وَالزَّلازِلَ تَهُزُّ الأَرضَ وَالبَرَاكِينَ تُدَمِّرُ البَشَرَ ، وَيَرَى الفَيَضَانَاتِ تَجتَاحُ المُدُنَ وَالحُرُوبَ تَأكُلُ الرَّطبَ وَاليَابِسَ ، ثُمَّ لا يَتَغَيَّرُ في قَلبِهِ شَيءٌ ، بَل وَنَعُوذُ بِاللهِ مِمَّن يَقرَأُ القُرآنَ وَيَتلُو آيَاتِ المَثَاني ، يُذَكِّرُهُ أَصدَقُ القَائِلِينَ وَيَعِظُهُ ، وَيَقُصُّ عَلَيهِ القَصَصَ الحَقَّ وَيُنذِرُهُ بما حَلَّ بِالأُمَمِ قَبلَهُ لَمَّا خَالَفُوا أَمرَهُ وَعَصَوا رُسُلَهُ ، ثُمَّ لا يَزدَادُ إِلاَّ طُغيَانًا كَبِيرًا ، يَخرُجُ مِن مَعصِيَةٍ إِلى أَكبَرَ مِنهَا ، وَمَن دَاهِيَةٍ إِلى أَدهَى وَأَمَرَّ ، نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ هَذَا القُرآنَ الَّذِي بَينَ أَيدِينَا وَنَقرَؤُهُ وَفِينَا مَن يَحفَظُهُ ، إِنَّ آيَاتِهِ لَكَافِيَةٌ لَنَا عَن كُلِّ مَا سِوَاهَا ، أَلم يَقُلِ اللهُ ـ تَعَالى ـ " أَوَلَم يَكفِهِم أَنَّا أَنزَلنَا عَلَيكَ الكِتَابَ يُتلَى عَلَيهِم " بَلَى وَاللهِ إِنَّهُ لَكَافٍ لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ، فَهُوَ أَعظَمُ مِن كُلِّ آيَةٍ وَأَفخَمُ وَأَجزَلُ ، وَهُوَ آيَةٌ وَاضِحَةٌ وَمُعجِزَةٌ بَاهِرَةٌ ، تَحَدَّى بها اللهُ الثَّقَلَينِ ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ تَتَرَدَّدُ في الآذَانِ غَضَّةً طَرِيَّةً حَتَّى يَأتيَ أَمرُ اللهِ " لَو أَنزَلنَا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِن خَشيَةِ اللهِ وَتِلكَ الأَمثَالُ نَضرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ " وَإِذَا كَانَتِ الآيَاتُ الكَونِيَّةُ تَأتي وَتَذهَبُ وَتَظهَرُ وَتَختَفِي ، وَإِذَا كَانَت مُعجِزَاتُ الرُّسُلِ السَّابِقِينَ قَد مَضَت كُلُّهَا وَانقَضَت ، فَقَد آتَى اللهُ ـ تَعَالى ـ رَسُولَهُ وَخَاتَمَ أَنبِيَائِهِ أَعظَمَ آيَةٍ وَأَكبَرَ مُعجِزَةٍ ، رَوَى الشَّيخَانِ وَغَيرُهُمَا أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ : " مَا مِنَ الأَنبِيَاءِ مِن نَبيٍّ إِلاَّ قَد أُعطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثلُهُ آمَنَ عَلَيهِ البَشَرُ ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحيًا أَوحَى اللهُ إِليَّ ، فَأَرجُو أَن أَكُونَ أَكثَرَهُم تَابِعًا يَومَ القِيَامَةِ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ وَكُونُوا مِن أُولي الأَلبَابِ المُنتَفِعِينَ بِالآيَاتِ الكَونِيَّةِ وَالآيَاتِ القُرآنِيَّةِ ، تَدَبَّرُوا القُرآنَ وَاقرَؤُوا سُنَّةَ نَبِيِّكُم ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَاقتَفُوا أَثَرَهُ ، وَإِيَّاكُم وَهَؤُلاءِ المَفتُونِينَ مِمَّن يُهَوِّنُونَ مِن شَأنِ الآيَاتِ الكَونِيَّةِ وَيُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ في الآيَاتِ القُرآنِيَّةِ ، وَاحذَرُوا الغَفلَةَ وَقَسوَةَ القُلُوبِ عَن ذِكرِ اللهِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُحكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأوِيلِهِ وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ في العِلمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلبَابِ . رَبَّنَا لا تُزِغ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذْ هَدَيتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ . رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَومٍ لا رَيبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخلِفُ المِيعَادَ " الخطبة الثانية : أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، ثُمَّ اعلَمُوا أَنَّهُ لا يَنتَفِعُ بِآيَاتِ اللهِ إِلاَّ مَن كَانَ ذَا قَلبٍ وَاعٍ وَفِكرٍ حَاضِرٍ " إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ " وَأَمَّا مَن لم يَأخُذْ بِأَسبَابِ الهُدَى فَإِنَّهُ لَن يَهتَدِيَ ، وَمَن لم يَفتَحْ بَصِيرَتَهُ عَلَى النُّورِ فَلَن يَرَاهُ ، وَمَن عَطَّلَ مَدَارِكَهُ لم يَنتَفِعْ بِوَظِيفَتِهَا ، وَمِن ثَمَّ فَلا عَجَبَ أَن تَكُونَ نهايَتُهُ إِلى الضَّلالِ وَالخَسَارَةِ مَهمَا رَأَى بِعَينِهِ مِنَ الآيَاتِ البَيِّنَاتِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الخَاسِرِينَ . إِنَّ الَّذِينَ حَقَّت عَلَيهِم كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ . وَلَو جَاءَتهُم كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قُلِ انظُرُوا مَاذَا في السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا تُغني الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَومٍ لا يُؤمِنُونَ . فَهَل يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلِهِم قُلْ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِنَ المُنتَظِرِينَ " وَإِنَّ مَا يَدَّعِيهِ بَعضُ مَن فَتَحَ اللهُ أَبصَارَهُم اليَومَ عَلَى عُلُومِ الدُّنيَا وَأَعمَى بَصَائِرَهُم عَن عِلمِ الآخِرَةِ ، مِن أَنَّ الخُسُوفَ وَالكُسُوفَ مُجَرَّدُ ظَاهِرَتَينِ كَونِيَّتَينِ طَبِيعِيَّتَينَ ، لا تَستَدعِيَانِ الخَوفَ وَلا الفَزَعَ ، إِنَّهُ لأَمرٌ غَيرُ مُستَغرَبٍ ممَّن بَعُدَ عَنِ اللهِ ، فَقَد حَدَثَ في عَهدِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مَا هُوَ أَعظَمُ مِنهُ وَأَكبَرُ ، إِذِ انشَقَّ القَمَرُ وَرَآهُ النَّاسُ في البَوَادِي حَقِيقَةً مَاثِلَةً وَوَاقِعًا مُشَاهَدًا ، وَمَعَ هَذَا ظَلَّ المُعَانِدُونَ عَلَى عِنَادِهِم ، وَوَقَفَ المُشرِكُونَ عَلَى عَجزِهِم وَذُهُوَلِهِم مُستَكبِرِينَ مُستَنكِفِينَ ، ثُمَّ عَادَ بهِمُ الشَّيطَانُ لِيَجعَلُوهُ هَذِهِ الآيَةَ سِحرًا وَيُخرِجُوا أَنفُسَهُم مِن وَرطَةٍ دُنيَوِيَّةٍ يَسِيرَةٍ ، وَيَقَعُوا في وَرطَةٍ أُخرَوِيَّةٍ كَبِيرَةٍ ، غَافِلِينَ عَن أَنَّ ذَلِكَ لا يُغِيِّرُ مِنَ الحَقِّ شَيئًا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ ـ : " اقتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ . وَإِن يَرَوا آيَةً يُعرِضُوا وَيَقُولُوا سِحرٌ مُستَمِرٌّ . وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهوَاءَهُم وَكُلُّ أَمرٍ مُستَقِرٌّ " وَمِن ثَمَّ فَلْنَكُنْ عَلَى يَقِينٍ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ أَنَّ الآيَاتِ الظَّاهِرَةَ وَالمُعجِزَاتِ البَاهِرَةَ ، سَوَاءٌ مِنهَا القُرآنِيَّةُ أَوِ الكَونِيَّةُ ، لا تُؤَثِّرُ فِيمَن أَغفَلَ اللهُ قَلبَهُ عَن ذِكرِهِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا ، وَلِذَلِكَ قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ عَن قَومٍ مِن أُولَئِكَ المُعَانِدِينَ : " وَلَو فَتَحنَا عَلَيهِم بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعرُجُونَ . لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَت أَبصَارُنَا بَل نَحنُ قَومٌ مَسحُورُونَ " غَيرَ أَنَّ الرَّدَّ الحَاسِمَ مِنَ اللهِ ـ تَعَالى ـ الَّذِي بِيَدِهِ مَقَالِيدُ الأُمُورِ وَإِلَيهِ تَصِيرُ الأُمُورُ ، يَأتي لِيَقرَعَ القُلُوبَ الحَيَّةَ وَالنُّفُوسُ الوَاعِيَةَ ، وَيُنقِذَ العُقُولَ الصَّحِيحَةَ وَالفِطَرَ السَّلِيمَةَ ، فَيَقُولُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهوَاءَهُم وَكُلُّ أَمرٍ مُستَقِرٌّ " وَالمَعنى أَنَّ كُلَّ أَمرٍ مِنَ الأُمُورِ لَهُ نِهَايَةٌ وَلَهُ استِقرَارٌ ، وَهَذَا كَقَولِهِ ـ سُبحَانَهُ ـ في مَوضِعٍ آخَرَ مُهَدِّدًا : " لِكُلِّ نَبَإٍ مُستَقَرٌّ وَسَوفَ تَعلَمُونَ " وَقَولِهِ : " إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعجِزِينَ " نَعَم ، َلِكُلِّ وُجُودٍ فَنَاءٌ ، وَلِكُلِّ خَبَرٍ ذُكِرَ في كِتَابِ اللهِ وَقتٌ يَتَحَقَّقُ فِيهِ ، أَلا فَلا تَهُولَنَّكُم هَذِهِ البَهَارِجُ الإِعلامِيَّةُ الَّتي يَتَبَجَّحُ بها الصَّحَفِيُّونَ ويُهَوِّنُونَ فِيهَا مِن شَأنِ آيَاتِ اللهِ ، دَعُوا مَن يُكَذِّبُ عَلَى تَكذِيبِهِ ، وَاترُكُوا مَن يَشُكُّ في شَكِّهِ ، وَلا تَأَبَهُوا بِمَن يَصُدُّ النَّاسَ عَن سُنَّةِ نَبِيِّهِم وَهَديِ حَبِيبِهِم ، فَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ تَنتَهِيَ وَلَيَالٍ تَزُولُ ، في سُنَيَّاتٍ مَعدُودَةٍ وَعُمُرٍ قَصِيرٍ ، ثُمَّ يُطوَى الذِّكرُ وَتُغلَقُ الصَّفَحَاتُ ، وَتَتَبَيَّنُ الحَقَّائِقُ وَتَظهَرُ الخَفِيَّاتُ ، وَفي النِّهَايَةِ تَطُولُ مِنَ الظَّالمِ الحَسَرَاتُ " وَكَم قَصَمنَا مِن قَريَةٍ كَانَت ظَالِمَةً وَأَنشَأنَا بَعدَهَا قَومًا آخَرِينَ . فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأسَنَا إِذَا هُم مِنهَا يَركُضُونَ . لا تَركُضُوا وَارجِعُوا إِلى مَا أُترِفتُم فِيهِ وَمَسَاكِنِكُم لَعَلَّكُم تُسأَلُونَ . قَالُوا يَا وَيلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ . فَمَا زَالَت تِلكَ دَعوَاهُم حَتَّى جَعَلنَاهُم حَصِيدًا خَامِدِينَ . وَمَا خَلَقنَا السَّمَاءَ وَالأَرضَ وَمَا بَينَهُمَا لاعِبِينَ . لَو أَرَدنَا أَن نَتَّخِذَ لَهوًا لاتَّخَذنَاهُ مِن لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ . بَل نَقذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيلُ مِمَّا تَصِفُونَ " وَقَالَ سُبحَانَهُ ـ : " أَفَبِعَذَابِنَ ا يَسْتَعْجِلُونَ . أَفَرَأَيتَ إِن مَتَّعنَاهُم سِنِينَ . ثُمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يُوعَدُونَ . مَا أَغنى عَنهُم مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ . وَمَا أَهلَكنَا مِن قَريَةٍ إِلاَّ لها مُنذِرُونَ . ذِكرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَيُرِيكُم آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللهِ تُنكِرُونَ . أَفَلَم يَسِيرُوا في الأَرضِ فَيَنظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم كَانُوا أَكثَرَ مِنهُم وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا في الأَرضِ فَمَا أَغنى عَنهُم مَا كَانُوا يَكسِبُونَ . فَلَمَّا جَاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحَاقَ بهِم مَا كَانُوا بِهِ يَستَهزِئُونَ . فَلَمَّا رَأَوا بَأسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحدَهُ وَكَفَرنَا بما كُنَّا بِهِ مُشرِكِينَ . فَلَم يَكُ يَنفَعُهُم إِيمَانُهُم لَمَّا رَأَوا بَأسَنَا سُنَّةَ اللهِ الَّتي قَد خَلَت في عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكَافِرُون " |