15-07-2010, 10:17 PM
|
| |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري حظيرة القدس في وليمة العرس 4/8/1431هـ أَمَّا بَعدُ فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " أَيُّهَا المُسلِمونَ ، في الإِجَازَاتِ الصَّيفِيَّةِ تَكثُرُ مُنَاسَبَاتُ الزَّوَاجِ ، وَتُقَامُ لَهَا الوَلائِمُ وَالمَحَافِلُ ، وَيُعزَمُ فِيهَا عَلَى المَرءِ بِالحُضُورِ ، فَتَرَى أَحَدَنَا في حَيرَةٍ مِن أَمرِهِ لِكَثرَةِ مَا يَصِلُ إِلَيهِ مِن دَعَوَاتٍ ، يُسَائِلُ نَفسَهُ : هَل أَنَا مُلزَمٌ بِإِجَابَةِ كُلِّ هَذِهِ الدَّعَوَاتِ وَتَتَبُّعِهَا وَلَو بَعُدت عَلَيَّ وَشَقَّت ؟ أَم أَقتَصِرُ عَلَى إِجَابَةِ الأَقَارِبِ وَالجِيرَانِ وَالزُّمَلاءِ وَالأَصدِقَاءِ ؟ أَم أَترُكُهَا كُلَّهَا وَأَستَرِيحَ مِنَ العَنَاءِ ؟ وَلأَنَّ الوَلِيمَةَ في الزَّوَاجِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَإِجَابَتَهَا وَاجِبَةٌ ، كَانَ هَذَا الأَمرُ مِمَّا يَجِبُ عَلَى المُسلِمِ أَن يَقِفَ فِيهِ عَلَى بَعضِ مَا يُهِمُّهُ مِن أَحكَامٍ ؛ لِيَسِيرَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ ، وَلِيَكُونَ في إِجَابَتِهِ أَوِ امتِنَاعِهِ عَلَى هُدًى ، فَيَكسِبَ الأَجرَ وَالثَّوَابَ إِنْ حَضَرَ ، وَيَتَخَلَّصَ مِنَ الإِثمِ وَالوِزرِ إِن هُوَ امتَنَعَ . عَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَن النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ رَأَى عَلَى عَبدِالرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ أَثَرَ صُفرَةٍ ، فَقَالَ : " مَا هَذَا ؟ " قَالَ : إِنِّي تَزَوَّجتُ امرَأَةً عَلَى وَزنِ نَوَاةٍ مِن ذَهَبٍ . قَالَ : " بَارَكَ اللهُ لَكَ ، أَولِمْ وَلَو بِشَاةٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَعَن بُرَيدَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : لَمَّا خَطَبَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّهُ لا بُدَّ لِلعُرسِ مِن وَلِيمَةٍ " وَعَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : أَقَامَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بَينَ خَيبَرَ وَالمَدِينَةِ ثَلاثَ لَيَالٍ يُبنَى عَلَيهِ بِصَفِيَّةَ ، فَدَعَوتُ المُسلِمِينَ إِلى وَلِيمَتِهِ ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِن خُبزٍ وَلا لَحمٍ ، وَمَا كَانَ فِيهَا إِلاَّ أَن أَمَرَ بِالأَنطَاعِ فَبُسِطَت ، فَأُلقِيَ عَلَيهَا الَتَّمرُ وَالأَقِطُ وَالسَّمنُ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَعَن صَفِيَّةَ بِنتِ شَيبَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : أَوَلَمَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى بَعضِ نِسَائِهِ بِمُدَّينِ مِن شَعِيرٍ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ . فَهَذِهِ الجُملَةُ مِنَ الأَحَادِيثِ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ تَدُلُّ عَلَى مَشرُوعِيَّةِ إِقَامَةِ الوَلِيمَةِ لِلزَّوَاجِ ، شُكرًا للهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَإِظهَارًا لِلفَرَحِ وَالسُّرُورِ ، إِذِ الزَّوَاجُ مِن نِعَمِ اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ الَّتي يُفرَحُ بها وَتُشكَرُ ، بِهِ تَنعَقِدُ الأَوَاصِرُ بَينَ الأُسَرِ ، وَتَقوَى العِلاقَاتُ بَينَ البُيُوتِ ، وَيَبقَى النَّسلُ البَشَرِيُّ وَيُحفَظُ النَّوعُ الإِنسَانيُّ ، وَبِهِ يَقضِي كُلٌّ مِنَ الزَّوجَينِ وَطَرَهُ في الحَلالِ ، فَتُغَضُّ الأَبصَارُ وَتُحَصَّنُ الفُرُوجُ ، وَتَكثُرُ الأُمَّةُ وَيَقوَى شَأنُهَا وَيَعِزُّ جَانِبُهَا ، وَمِن ثَمَّ كَانَ مِن شُكرِ اللهِ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ أَن يُولِمَ صَاحِبُهَا وَيَدعُوَ إِلَيهَا . وَلأَنَّ بَعضَ النَّاسِ قَد يَصعُبُ عَلَيهِ الأَمرُ وَيُكَلِّفُهُ فَوقَ طَاقَتِهِ ، فَإِنَّ مِن كَرِيمِ الأَخلاقِ وَنَبِيلِ الصِّفَاتِ أَن يُعَانَ المتَزَوِّجُ مِمَّن حَولَهُ مِن ذَوِي القُدرَةِ وَاليَسَارِ ، وَأَن يُشَارِكَهُ أَهلُ الخَيرِ وَالسَّعَةِ في إِقَامَةِ وَلِيمَتِهِ ، وَهُوَ الأَمرُ الَّذِي كَانَ عَلَيهِ المُسلِمُونَ وَمَا زَالوا مُنذُ صَدرِ الإِسلامِ وَإِلى اليَومِ بِحَمدِ اللهِ ، فَعَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ في قِصَّةِ زَوَاجِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِأُمِّ المؤمِنِينَ صَفِيَّةَ : حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتهَا لَهُ أُمُّ سُلَيمٍ فَأَهدَتهَا لَهُ مِنَ اللَّيلِ ، فَأَصبَحَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَرُوسًا فَقَالَ : " مَن كَانَ عِندَهُ شَيءٌ فَليَجِئْ بِهِ " قَالَ وَبَسَطَ نِطَعًا . قَالَ : فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالأَقِطِ ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمرِ ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمنِ ، فَحَاسُوا حَيسًا ، فَكَانَت وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ . وَأَمَّا إِجَابَةُ الدَّعوَةِ ـ أَيُّهَا المُسلِمونَ ـ فَهِيَ وَاجِبَةٌ ، جَعَلَهَا النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مِن حَقِّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ ، وَأَمَرَ بِإِجَابَتِهَا وَلَو صَغُرَت وَقَلَّ فِيهَا الطَّعَامُ ، وَأَجَابَهَا بِنَفسِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " حَقُّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ سِتٌّ : إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيهِ ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ ، وَإِذَا استَنصَحَكَ فَانصَحْ لَهُ ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتْهُ ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُم إِلى الوَلِيمَةِ فَلْيَأتِهَا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَفي رِوَايَةٍ لِمُسلِمٍ : " فَليُجِبْ ، عُرسًا كَانَ أَو نَحوَهُ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " فُكُّوا العَانِيَ ، وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ ، وَعُودُوا المَرِيضَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَمَن لم يُجِبِ الدَّعوَةَ فَقَد عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لَو دُعِيتُ إِلى ذِرَاعٍ أَو كُرَاعٍ لأَجَبتُ ، وَلَو أُهدِيَ إِليَّ ذِرَاعٌ أَو كُرَاعٌ لَقَبِلتُ " قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : وَفي الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى حُسنِ خُلُقِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَتَوَاضُعِهِ وَجَبرِهِ لِقُلُوبِ النَّاسِ ، وَعَلَى قَبُولِ الهَدِيَّةِ وَإِجَابَةِ مَن يَدعُو الرَّجُلَ إِلى مَنزِلِهِ وَلَو عَلِمَ أَنَّ الَّذِي يَدعُوهُ إِلَيهِ شَيءٌ قَلِيلٌ ... وَفِيهِ الحَضُّ عَلَى المُوَاصَلَةِ وَالتَّحَابِّ وَالتَّآلُفِ ، وَإِجَابَةِ الدَّعوَةِ لِمَا قَلَّ أَو كَثُرَ ، وَقَبُولِ الهَدِيَّةِ كَذَلِكَ . وَقَالَ ابنُ عَبدِ البَرِّ ـ رَحمَهُ اللهُ ـ : لا خِلافَ في وُجُوبِ الإِجَابَةِ إِلى الوَلِيمَةِ لِمَن دُعِيَ إِلَيهَا إِذَا لم يَكُنْ فِيهَا لَهوٌ . وَقَد جَعَلَ العُلَمَاءُ لِوُجُوبِ إِجَابَةِ الدَّعوَةِ شُرُوطًا ، مِنهَا : أَن يَكُونَ الدَّاعِي مُسلِمًا مكَلَّفًا حُرًّا رَشِيدًا ، وَأَلاَّ يَخُصَّ بِدَعوَتِهِ الأَغنِيَاءَ دُونَ الفُقَرَاءِ ، وَأَلاَّ يَسبِقَهُ غَيرُهُ ، فَمَن سَبَقَ تَعَيَّنَت إِجَابَتُهُ دُونَ الآخَرِ . وَأَلاَّ يَكُونَ هُنَاكَ مَا يَتَأَذَّى بِحُضُورِهِ مِن مُنكَرٍ وَغَيرِهِ ، وَأَلاَّ يَكُونَ لَهُ عُذرٌ مِن بُعدِ طَرِيقٍ وَمَشَقَّةٍ . وَلَيسَ مِن شَرطِ إِجَابَةِ الدَّعوَةِ أَن يَأكُلَ ، بَل يَجِبُ عَلَيهِ الحُضُورُ ، فَإِن شَاءَ أَكَلَ وَإِن شَاءَ تَرَكَ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُم إِلى طَعَامٍ فَليُجِبْ ، وَإِن شَاءَ طَعِمَ وَإِن شَاءَ تَرَكَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . بَل حَتَّى الصَّائِمُ عَلَيهِ إِجَابَةُ الدَّعوَةِ ؛ لِحَدِيثِ أَبى سَعِيدٍ الخُدرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : " صَنَعَتُ لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ طَعَامًا فَأَتَاني هُوَ وَأَصحَابُهُ ، فَلَمَّا وُضِعَ الطَّعَامُ قَالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ : إِنِّي صَائِمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : دَعَاكُم أَخُوكُم وَتَكَلَّفَ لَكُم " ثُمَّ قَالَ لَهُ : " أَفطِرْ وَصُمْ مَكَانَهُ يَومًا إِن شِئتَ " وَهَذَا الأَمرُ مِنهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ لِذَلِكَ الرَّجُلِ بِالإِفطَارِ وَالأَكلِ لَيسَ لِلوُجُوبِ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الاستِحبَابِ تَطيِيبًا لِخَاطِرِ الدَّاعِي ؛ لِقَولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في الحَدِيثِ الآخَرِ : " إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُم فَليُجِبْ ، فَإِن كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ ـ أَي فَلْيَدعُ ـ ، وَإِن كَانَ مُفطِرًا فَليَطعَمْ " وَعَلَى مَن حَضَرَ الدَّعوَةَ أَن يَدعُوَ لِصَاحِبِهَا بِالبَرَكَةِ ؛ لِحَدِيثِ عَبدِاللهِ بنِ بُسرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ أَبَاهُ صَنَعَ طَعَامًا لِلنَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَدَعَاهُ فَأَجَابَهُ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِن طَعَامِهِ قَالَ : "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُم فِيمَا رَزَقتَهُم وَاغفِرْ لَهُم وَارحَمْهُم " وَفي حَدِيثٍ آخَرَ : "اللَّهُمَّ أَطعِمْ مَن أَطعَمَني وَأَسقِ مَن أَسقَاني " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مِمَّا يَحسُنُ بِصَاحِبِ الوَلِيمَةِ أَن يَدعُوَ لِوَلِيمَتِهِ الصَّالِحِينَ ، لِقَولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤمِنًا ، وَلا يَأكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ " وَلِقَولِهِ في دُعَائِهِ لِمَن أَطعَمَهُ : " أَفطَرَ عِندَكُمُ الصَّائِمونَ ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبرَارُ ، وَصَلَّت عَلَيكُمُ المَلائِكَةُ " وَأَمَّا أَن يُخَصَّ الأَغنِيَاءُ وَالوُجَهَاءُ بِالدَّعوَةِ ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا نُهِيَ عَنهُ ، لِقَولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ يُمنَعُهَا مَن يَأتِيهَا وَيُدعَى إِلَيهَا مَن يَأبَاهَا " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمونَ ـ وَاحرِصُوا عَلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ في كُلِّ شُؤُونِكُمُ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ " لَقَد كَانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا " أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ تَقوَاهُ ، وَاستَعِدُّوا بِالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ لِيَومِ لِقَاهُ . أَيُّهَا المسلِمونَ ، رَوَى البُخَارِيُّ وَمسلِمٌ عَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَوَلَمَ عَلَى امرَأَةٍ مِن نِسَائِهِ مَا أَولَمَ عَلَى زَينَبَ ، فَإِنَّهُ ذَبَحَ شَاةً . قَالَ : أَطعَمَهُم خُبزًا وَلَحمًا حَتَّى تَرَكُوهُ ... هَل تَأَمَّلتُم هَذَا الخَبَرَ الصَّحِيحَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَفقِهتُمُوهُ ؟ إِنَّهُ لَخَبَرٌ عَجَبٌ حَقًّا ، رَسُولُ اللهِ محَمَّدُ بنُ عَبدِاللهِ ، إِمَامُ المُرسَلِينَ وَقَائِدُ الأُمَّةِ وَخَيرُ الخَلقِ ، أَكرَمُ النَّاسِ وَأَجوَدُهُم ، يُولِمُ في زَوَاجِهِ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ ، نَعَم ، شَاةٌ وَاحِدَةٌ ، وَيُشبِعُهُم خُبزًا وَلَحمًا وَيَنتَهِي الأَمرُ . وَقَد كَانَ هَذَا هُوَ أَكثَرَ مَا أَولَمَ بِهِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلامِ صَاحِبِهِ وَخَادِمِهِ وَالمُطَّلِعِ عَلَى الدَّقِيقِ وَالجَلِيلِ مِن أَحوَالِهِ ، وَبَعدُ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَلْنُوَازِنْ بَينَ هَذَا الهَديِ النَّبَوِيِّ الكَرِيمِ ، وَبَينَ مَا عَلَيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اليَومَ ، حَيثُ يُسرِفُونَ في الوَلائِمِ أَيَّمَا إِسرَافٍ ، وَيُبَالِغُونَ في الأَطعِمَةِ أَيَّمَا مُبَالَغَةٍ ، حَتَّى تَمتَلِئَ الحَاوِيَاتُ مِن مُخَلَّفَاتِ وَلائِمِهِم ، بل وَلا تَجِدُ الجَمعِيَّاتُ مَكَانًا تَضَعُ فِيهِ هَذَا الفَائِضَ مِنَ الطَّعَامِ ، ثُمَّ يَرَى أُولَئِكَ المُسرِفُونَ أَنَّ هَذَا هُوَ الكَرَمُ ، وَمَن فَعَلَ مِثلَهُ فَبَيَّضَ اللهُ وَجهَهُ ، وَمَن لم يَفعَلْ فَحَقُّهُ السَّوَادُ وَالذَّمُّ ، فَوَا عَجَبًا مِنِ انقِلابِ المَفَاهِيمِ وَانتِكَاسِ الفِطَرِ ، لا يُرَى الرَّجُلُ كَرِيمًا حَتَّى يَعصِيَ رَبَّهُ وَيَكفُرَ نِعمَةَ خَالِقِهِ وَيُخَالِفَ هَديَ نَبِيِّهِ وَيُسرِفَ وَيُبَاهِيَ !! إِنَّهَا لِجُرأَةٌ عَجِيبَةٌ أَن يَدَّعِيَ أَحَدٌ أَنَّهُ أَكرَمُ مِن رَسُولِ اللهِ ، وَمَن ذَا الَّذِي يَزعُمُ أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أَوَلَمَ بِشَاةٍ بُخلاً مِنهُ أَو تَركًا لِمَا هُوَ أَولى بِهِ ؟ حَاشَاهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أَن يَبخَلَ وَهُوَ الكَرِيمُ الجَوَادُ ، الَّذِي لم يَكُن يَومًا مَا بَخِيلاً وَلا مُبَخَّلاً ، وَلَكِنَّنَا حِينَ نَتَأَمَّلُ قَولَ أَنَسٍ : أَطعَمَهُم خُبزًا وَلَحمًا حَتَّى تَرَكُوهُ ، وَنُقَارِنُهُ بِأَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ لم يَذبَحْ إِلاَّ شَاةً وَاحِدَةً ، يَظهَرُ لَنَا بِوُضُوحٍ وَجَلاءٍ أَنَّ مَقصُودَهُ لم يَكُنِ المُفَاخَرَةَ وَلا المُكَاثَرَةَ ، وَإِنَّمَا إِطعَامُ صَحَابَتِهِ وَإِشبَاعُهُم شُكَرًا لِرَبِّهِ ، فَهَل هَذَا هُوَ حَالُ مَن يَذبَحُونَ النَّعَمَ في هَذِهِ الأَيَّامِ وَيُبَدِّدُونَ النِّعَمَ ؟ هَل قَصدُهُم إِشبَاعُ البُطُونِ أَم إِشبَاعُ العُيُونِ ؟ إِنَّ مِثلَ هَؤُلاءِ حَرِيُّونَ بِأَلاَّ يُجَابُوا وَلا يُؤكَلَ طَعَامُهُم ، بَل حَقُّهُم أَن يُهجَرُوا ويُقَاطَعُوا ، حَتَّى يَعُودُوا إِلى رُشدِهِم وَيَحفَظُوا نِعمَةَ رَبِّهِم ، جَاءَ في الحَدِيثِ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " المُتَبَارِيَان ِ لا يُجَابَانِ ، وَلا يُؤكَلُ طَعَامُهُمَا " قَالَ المَنَاوِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : " المُتَبَارِيَان ِ " أَي المُتَعَارِضَان ِ بِفِعلِهِمَا في الطَّعَامِ ، لِيُمَيَّزَ أَيُّهُمَا يَغلِبُ " لا يُجَابَانِ وَلا يُؤكَلُ طَعَامُهُمَا " تَنزِيهًا ، فَتُكرَهُ إِجَابَتُهُمَا وَأَكلُهُ ، لِمَا فِيهِ مِنَ المُبَاهَاةِ وَالرِّيَاءِ ، وَلِهَذَا دُعِيَ بَعضُ العُلَمَاءِ لِوَلِيمَةٍ فَلَم يُجِبْ ، فَقِيلَ لَهُ : كَانَ السَّلَفُ يُجِيبُونَ . قَالَ : كَانُوا يُدعَونَ لِلمُؤَاخَاةِ وَالمؤَاسَاةِ ، وَأَنتُم تُدعَونَ لِلمُبَاهَاةِ وَالمكَافَأَةِ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلْنَحرِصْ عَلَى السُّنَّةِ وَحِفظِ النِّعمَةِ وَشُكرِ المُنعِمِ ـ سُبحَانَهُ ـ وَلْنَحذَرْ مِنَ الكُفرِ بِأَنعُمِ اللهِ لِئَلاَّ تَنَالَنَا عُقُوبَتُهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيهَا رِزقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بما كَانُوا يَصنَعُونَ . وَلَقَد جَاءَهُم رَسُولٌ مِنهُم فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ العَذَابُ وَهُم ظَالِمُونَ . فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشكُرُوا نِعمَةَ اللهِ إِن كُنتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ " |