أنيس منصور
( مقال )


نعم ممكن جدا أن يعيش الإنسان على عضو واحد.. وهذا العضو قد امتاز عن كل الأعضاء بقدرة فريدة.. في مصانع العطور نجد عددا من الخبراء لديهم القدرة الفذة على التفرقة بين العطور في القوة والنفاذ.. وإذا أغمضنا عينيه وأتينا خلاصة أحد العطور فإنه يقول لك: ف 26 أو ن15. ولا يخطئ. وهو يعيش على هذه الخاصية التي انفرد بها هو وأولاده وأجداده عن سائر الناس. وإذا نظرت إلى أنفه من قريب أو من بعيد فلا فرق بينه وبين أي أنف آخر!

وعندما ذهبت إلى مزارع الشاي في مدينة كولمبو عاصمة سري لانكا. زرت حقول الشاي والمصانع الملحقة بها. ودخلت إحدى القاعات فوجدت بها مئات من أكواب الشاي. وكل كوب له لون واسم ودرجة ومكتوب عليه بخط واضح. وجاء الخبراء وطلبوا منا أن نمتحنهم. ووضعوا عصابة على أعينهم. وطلبوا منا أن نختار أي فنجان في أي مكان. وقدمت الفنجان. واحتسى منه القليل ومضمضه وبعد لحظة قال: ت00141 وفعلا كان هذا الرقم.. وكوب ثان وثالث ورابع ولم يخطئ مرة واحدة.. وسألنا. قالوا لنا إن هذه قدرة خاصة في حاسة التذوق وهى مهنة وراثية.. أو موهبة وراثية.. ولكي يحتفظ بهذه الموهبة فهو لا يدخن ولا يشرب الخمر.. أي لا يقوم بأي عمل يضعف حاسة التذوق عنده!

وفي مصانع السجائر في مدينة الجيزة عندهم خبراء يسمونهم: الخرمنجي ـ أي الذي يستطيع أن يفرز أنواع السجائر.. وأحسن خلطة من السجائر.. وكيف اهتدوا إلى الخلطة السعيدة التي يختارون منها أحسن الأدخنة.. فيأتون له بأي نوع من السجائر وهى كثيرة جدا. وكل واحدة لها رقم.. ويطلبون إليه وهو معصوب العينين أن يسميها. فيقول.. ويكون صحيحا. كيف؟ لنفس الأسباب؛ إنها موهبة في الشم فريدة ولا يملكها إلا القليلون.. ثم إنه لا يدخن ولا يشرب الخمر ولا يستخدم العطور؟!

وعندما جاء (بيليه) ساحر الكرة البرازيلية إلى مصر. وأقمنا له حفلة في مؤسسة «أخبار اليوم» طلبت إليه أن يخلع حذاءه.. وخلعه. وجوربه وخلع الجورب. والبنطلون ورأيت ساقيه وقدميه.. لا فرق بينهما وبين قدمي أنا وساقي. ولكنها موهبة فوق.. في دماغه.. موهبة مثل الأنف والأذن واللسان!

عندما ذهبت إلى محل (ميكوموتو) لبيع اللؤلؤ المزروع قدموا لنا عددا من الخبراء. والخبير يستطيع أن يمسك ألف حبة من حبات اللؤلؤ ويفرزها.. باللون والحجم ودرجة الاستدارة.. بمجرد النظر واللمس.. أكثر من ذلك يستطيع من دون أن يخطئ أن يقول لك كم تزن هذه الحبة.. والفرق بينها وبين حبة أخرى جزء على عشرة من الجرام أو من المليجرام.. ومن المستحيل أن يخطئ. كيف؟ نفس الإجابة.. إنها نفس الموهبة.. وهذا الرجل ممنوع أن يحمل شيئا في يديه أثقل من ملابسه وإلا..