15-01-2010, 08:39 PM
|
| |
رد: خطب الشيخ عبدالله البصري أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ كَمَا أَمَرَكُم يُنجِزْ لَكُم مَا وَعَدَكُم " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إَن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ " " وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَمَّا كَانَ العِلمُ هُوَ أَكمَلَ مَطلُوبٍ في الدُّنيَا وَأَشرَفَ مَرغُوبٍ ، وَطَرِيقَ الخَوفِ مِنَ اللهِ وَخَشيَتِهِ وَسَبِيلَ الوُصُولِ إِلى مَرضَاتِهِ وَجَنَّتِهِ ، أَمَرَ اللهُ ـ تَعَالى ـ نَبِيَّهُ بِالاستِزَادَةِ مِنهُ فَقَالَ ـ : " وَقُلْ رَبِّ زِدْني عِلمًا " وَقَد جَعَلَ ـ تَعَالى ـ العِلمَ سَبَبًا لِلرِّفعَةِ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَرفَعِ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجَاتٍ " وَنَفَى ـ سُبحَانَهُ ـ استِوَاءَ أَهلِ العِلمِ بِغَيرِهِم ممَّن لا حَظَّ لَهُ فِيهِ فَقَالَ : " قُلْ هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ " وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لأَنَّ العُلَمَاءَ هُم أَهلُ الصَّبرِ وَاليَقِينِ ، وَهُم أَعرَفُ النَّاسِ بِاللهِ وَأَتقَاهُم لَهُ وَأَخشَاهُم مِنهُ وَأَخوَفُهُم مِن عَذَابِهِ ، وَلأَنَّهُمُ الهُدَاةُ إِلى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ وَالمُرشِدُونَ إِلى الطَّرِيقِ القَوِيمِ ، وَالحَامِلُونَ لِلثَّقَلَينِ وَالحَافِظُونَ لِلوَحيَينِ ، المُتَدَبِّرُون َ لما فِيهِمَا مِنَ الأَمثَالِ ، العَاقِلُونَ لما يَنطَوِيَانِ عَلَيهِ مِنَ الحِكَمِ وَالأَسرَارِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إنَّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاءُ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَتِلكَ الأَمثَالُ نَضرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ " وَقَالَ ـ صَلََّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَحمِلُ هَذَا العِلمَ مِن كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ ، يَنفُونَ عَنهُ تَحرِيفَ الغَالِينَ وَانتِحَالَ المُبطِلِينَ وَتَأوِيلَ الجَاهِلِينَ " رَوَاهُ البَيهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَلَقَدِ استَشهَدَ اللهُ بِالعُلَمَاءِ في أَجَلِّ مَشهُودٍ عَلَيهِ وَهُوَ تَوحِيدُهُ ، فَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُو العِلمِ قَائِمًا بِالقِسطٍ " قَالَ ابنُ القَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضلِ العِلمِ وَأَهلِهِ مِن وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : استِشهَادُهُم دُونَ غَيرِهِم مِنَ البَشَرِ . وَالثَّاني : اقتِرَانُ شَهَادَتِهِم بِشَهَادَتِهِ . وَالثَّالِثُ : اقتِرَانُ شَهَادَتِهِم بِشَهَادَةِ مَلائِكَتِهِ . وَالرَّابِعُ : أَنَّ في ضِمنِ هَذَا تَزكِيَتَهُم وَتَعدِيلَهُم ؛ فَإِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ لا يَستَشهِدُ مِن خَلقِهِ إِلاَّ العُدُولَ . وَقَد عَرَفَ المُسلِمُونَ لِلعُلَمَاءِ قَدرَهُم وَحَفِظُوا لهم مَكَانَتَهُم ، وَأَنزَلُوهُم مَنزِلَتَهُم اللاَّئِقَةَ بهم ، فَكَانُوا مِنَ الخُلَفَاءِ وَالوُلاةِ مَحَلَّ الثِّقَةِ وَفي غَايَةِ التَّقرِيبِ ، وَمِنَ العَامَّةِ في عَينِ الإِعزَازِ وَمَركَزِ التَّقدِيرِ ، وَإِنَّمَا فَعَلَ المُسلِمُونَ ذَلِكَ تَدَيُّنًا وَتَقَرُّبًا إِلى اللهِ ، لِمَا يَحمِلُهُ العُلَمَاءُ مِن مِيرَاثِ النُّبُوَّةِ الَّذِي هُوَ أَثمَنُ مِيرَاثٍ وَأَغلاهُ ، وَلِمَا تَختَزِنُهُ صُدُورُهُم مِن عِلمِ القُرآنِ وَالسُّنَّةِ ، اللَّذَينِ هُمَا أَشرَفُ العُلُومِ وَأَجَلُّ المَعَارِفِ ، وَلأَنَّ ذَلِكَ هُوَ فِعلُ نَبِيِّهِم ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ القَائِلِ : " وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنبِيَاءِ ، وإنَّ الأَنبِيَاءَ لم يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرهَمًا ، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا العِلمَ فَمَن أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وافَرَ " وَلَمَّا جَاءَهُ صَفوَانُ بنُ عَسَّالٍ المُرَادِيُّ طَالِبًا لِلعِلمِ وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِني جِئتُ أَطلُبُ العِلمَ . قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَرحَبًا بِطَالِبِ العِلمِ ، إنَّ طَالِبَ العِلمِ تَحُفُّهُ المَلائِكَةُ بِأَجنِحَتِهَا ثُمَّ يَركَبُ بَعضُهُم بَعضًا حَتَّى يَبلُغُوا السَّمَاءَ الدُّنيَا مِن مَحَبَّتِهِم لما يَطلُبُ " وَقَال ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " فَضلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضلِي عَلَى أَدنَاكُم " وَلِمَ لا يُقَدِّرُ المُسلِمُونَ بَعدَ ذَلِكَ عُلَمَاءَهُم وَيُجَلِّونَهُم ؟ بَل وَمَا لهم لا يَحمِلُونَ لهم خَالِصَ المَحَبَّةِ وَاللهُ يُصَلِّي عَلَيهِم فَوقَ سَمَاوَاتِهِ وَمَلائِكَتُهُ وَأَصغَرُ مَخلُوقَاتِهِ ؟ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهلَ السَّمَاوَاتِ وَأَهلَ الأَرضِ حَتَّى النَّملَةَ في جُحرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ في المَاءِ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيرَ " إِنَّ العُلَمَاءَ لَحَرِيُّونَ بِكُلِّ تَقدِيرٍ وَتَكرِيمٍ ، جَدِيرُونَ بِكُلِّ إِجلالٍ وَإِعزَازٍ ، حَقِيقُونَ بِأَن تَنصَحَ لَهُمُ القُلُوبُ وَتُحِبَّهُمُ النُّفُوسُ ، ذَلِكَ هُوَ سَبِيلُ عِبَادِ اللهِ المُؤمِنِينَ ، وَتِلكَ عَقِيدَتُهُم الَّتي يَحمِلُونَهَا في قُلُوبِهِم ، عَمَلاً بقَولِ إِمَامِهِم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " ثَلاثٌ لا يُغِلُّ عَلَيهِنَّ قَلبُ مُسلِمٍ : إِخلاصُ العَمَلِ للهِ ، وَمُنَاصَحَةُ وُلاةِ الأَمرِ ، وَلُزُومُ الجَمَاعَةِ ؛ فَإِنَّ دَعوَتَهُم تُحيَطُ مِن وَرَائِهِم " وَخَوفًا مِنَ الدُّخُولِ في حَربِ رَبِّهِم وَحَذَرًا مِنَ الخُرُوجِ مِن دَائِرَةِ المُؤمِنِينَ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ في الحَدِيثِ القُدسِيِّ : " مَن عَادَى لي وَلِيًّا فَقَد آذَنتُهُ بِالحَربِ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لَيسَ مِنَّا مَن لم يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ " قَالَ الإِمَامُ أَبُو بَكرٍ الآجُرِّيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنِ العُلَمَاءِ وَمَكَانَتِهِم : فَضَّلَهُم عَلَى سَائِرِ المُؤمِنِينَ وَذَلِكَ في كُلِّ زَمَانٍ وَأَوَانٍ ، رَفَعَهُم بِالعِلمِ ، وَزَيَّنَهُم بِالحِلمِ ، بهم يُعرَفُ الحَلالُ مِنَ الحَرَامِ ، وَالحَقُّ مِنَ البَاطِلِ ، وَالضَّارُّ مِنَ النَّافِعِ ، وَالحَسَنُ مِنَ القَبِيحِ ، فَضلُهُم عَظِيمٌ ، وَخَطَرُهُم جَزِيلٌ ، وَرَثَةُ الأَنبِيَاءِ ، وَقُرَّةُ عَينِ الأَولِيَاءِ ، الحِيتَانُ في البَحرِ لهم تَستَغفِرُ ، وَالمَلائِكَةُ بِأَجنِحَتِهَا لهم تَخضَعُ ، وَالعُلَمَاءُ في القِيَامَةِ بَعدَ الأَنبِيَاءِ تَشفَعُ ، مَجَالِسُهُم تُفِيدُ الحِكمَةَ ، وَبِأَعمَالِهِم يَنزَجِرُ أَهلُ الغَفلَةِ ، هُم أَفضَلُ مِنَ العُبَّادِ ، وَأَعلَى دَرَجَةً مِنَ الزُّهَّادِ ، حَيَاتُهُم غَنِيمَةٌ ، وَمَوتُهُم مُصِيبَةٌ ، يُذَكِّرُونَ الغَافِلَ ، وَيُعَلِّمُونَ الجَاهِلَ ، لا يُتَوَقَّعُ لهم بَائِقَةٌ ، وَلا يُخَافُ مِنهُم غَائِلَةٌ ... إِلى أَن قَالَ ـ رَحِمَهُ اللهُ : فَهُم سِرَاجُ العِبَادِ وَمَنَارُ البِلادِ ، وَقِوَامُ الأُمَّةِ وَيَنَابِيعُ الحِكمَةِ ، هُم غَيضُ الشَّيطَانِ ، بهم تَحيَا قُلُوبُ أَهلِ الحَقِّ وَتَمُوتُ قُلُوبُ أَهلِ الزَّيغِ ، مَثَلُهُم في الأَرضِ كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ يُهتَدَى بها في ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحرِ ، إِذَا انطَمَسَتِ النُّجُومُ تَحَيَّرُوا ، وَإِذَا أَسفَرَ عَنهُمُ الظَّلامُ أَبصَرُوا . وَقَالَ الإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ في عَقِيدَتِهِ : وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنَ السَّابِقِينَ وَمَن بَعدَهُم مِنَ التَّابِعِينَ أَهلِ الخَيرِ وَالأَثَرِ وَأَهلِ الفِقهِ وَالنَّظَرِ لا يُذكَرُونَ إِلاَّ بِالجَمِيلِ ، وَمَن ذَكَرَهُم بِسُوءٍ فَهُوَ عَلَى غَيرِ السَّبِيلِ . وَقَالَ الإِمَامُ الذَّهبيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ في سِيَرِ أَعلامِ النُّبَلاءِ : ثُمَّ إِنَّ الكَبِيرَ مِنَ العُلَمَاءِ إِذَا كَثُرَ صَوَابُهُ وَعُلِمَ تَحَرِّيهِ لِلحَقِّ وَاتَّسَعَ عِلمُهُ وَظَهَرَ ذَكَاؤُهُ وَعُرِفَ صَلاحُهُ وَوَرَعُهُ وَاتِّبَاعُهُ يُغفَرُ لَهُ زَلَلُهُ وَلا نُضَلِّلُهُ وَلا نَطَّرِحُهُ وَنَنسَى مَحَاسِنَهُ . اِنتَهَى كَلامُهُ ... هَذِهِ مَكَانَةُ العُلَمَاءِ عِندَ رَبِّهِم وَنَبِيِّهِم وَالمُؤمِنِينَ ، وَإِنَّكَ لَتَعجَبُ مِن أَقوَامٍ في عَصرِنَا ، ممَّن قَلَّ بِاللهِ عِلمُهُم وَضَعُفَ في الدِّينِ فِقهُهُم ، أُترِعَت قُلُوبُهُم عَلَى العُلَمَاءِ حِقدًا وَحَسَدًا ، وَامتَلأَت صُدُورُهُم عَلَى الدُّعَاةِ غَيظًا وَغِلاًّ ، لم يُقَدِّرُوا عَالِمًا لِعلِمِهِ ، وَلم يُجِلُّوا دَاعِيَةً لِفَضلِهِ ، وَلم يَحفَظُوا لِمُصلِحٍ سَابِقَتَهُ ، وَلم يُقِيلُوا لِذِي هَيئَةٍ عَثرَتَهُ ، سَلِمَ مِنهُم أَعدَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ ، وَلم يَسلَمْ مِنهُم عُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ وَدُعَاةُ الحَقِّ العَامِلِينَ المُخلِصِينَ ، وَبَدَلاً مِن أَن يَبدَؤُوا عُلَمَاءَهُم بِالتَّحِيَّةِ وَالتَّرحِيبِ ، وَيَلقَوا دُعَاتَهُم بِالبِشرِ وَالسُّرُورِ وَالتَّكرِيمِ ، تَلَقَّوهُم بِالسُّخرِيَةِ وَالتَّهَكُّمِ ، وَرَمَوهُم بِالغُلُوِّ وَالتَّشَدُّدِ ، وَاتَّهَمُوهُم بِإِثَارَةِ الفِتَنِ وَالتَّحرِيضِ عَلَى الوُلاةِ ، وَوَصَمُوهُم بِأَنَّهُم بَعِيدُونَ عَنِ الوَاقِعِ ، وَوَصَفُوهُم بِأَنَّهُم يَعِيشُونَ في المَاضِي ، وَإِنَّكَ لَتَعجَبُ أَن يَكُونَ ذَلِكَ في بَعضِ صُحُفِ بِلادِنَا وَجَرَائِدِهَا وَمَوَاقِعِ الشَّبَكَةِ فِيهَا ، وَأَن يَتَوَلاَّهُ أُنَاسٌ ممَّن يُنسَبُونَ إِلى أَهلِ السُّنَّةِ ، لا هَمَّ لهم إِلاَّ السُّخرِيَةُ وَالاستِهزَاءُ وَالشَّمَاتَةُ ، وَلا وَظِيفَةَ لهم إِلاَّ تَصَيَّدُ الزَّلاَّتِ وَتكبِيرُ السَّقطَاتِ ، يَبحَثُونَ عَنِ الكَلِمَاتِ المُوهِمَةِ ، وَيُنَقِّبُونَ عَنِ الأَلفَاظِ المُحتَمِلَةِ ، وَيَضَعُونَ الأَقوَالَ في غَيرِ سِيَاقِهَا ، وَيَبتُرُونَ النُّصُوصَ عَمَّا قَبلَهَا وَبَعدَهَا . إِنَّ عُلَمَاءَ السُّنَّةِ اليَومَ يُوَاجِهُونَ هَجَمَاتٍ شَدِيدَةً ، وَيَلقَونَ تَضيِيقًا وَأَذًى كَثِيرًا ، يَتَوَلاَّهُ أَعدَاءُ الدِّينِ المُنَاوِئِينَ لأَهلِ السُّنَّةِ كَاليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالرَّافِضَةِ ، وَيَنفُخُ فِيهِ مُنَافِقُو الصَّحَافَةِ وَيَنشُرُهُ أَقزَامُ الإِعلامِ ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لأَنَّ عُلَمَاءَ الأُمَّةِ هُم قَادَتُهَا لِلحَقِّ وَأَمَلُهَا في العَودَةِ إِلى سَابِقِ عَهدِهَا مِنَ العِزَّةِ وَالمَنَعَةِ وَالرِّفعَةِ ، وَلأَنَّهُم هُدَاتُهَا إِلى طَرِيقِ الأَمنِ وَمُبَلِّغِيهَا سَاحِلَ الأَمَانِ ، وَلا سِيَّمَا في أَزمِنَةِ الفِتَنِ وَأَوقَاتِ المِحَنِ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَانتَبِهُوا لما يُحَاكُ لَكُم ، فَإِنَّ العُلَمَاءَ هُم أَعلامُ الهُدَى وَنُجُومُ الدُّجَى ، وَهُم دُعَاةُ الخَيرِ وَحُمَاةُ الفَضِيلَةِ ، وُجُودُهُم مِن عَلامَاتِ الخَيرِ وَالبَرَكَةِ ، وَكَثرَتُهُم مِن أَمَارَاتِ التَّوفِيقِ وَالعِصمَةِ ، لا يُحِبُّهُم إِلاَّ مُؤمِنٌ ، وَلا يُبغِضُهُم إِلاَّ مُنَافِقٌ ، وَلا تَزَالُ الأُمَّةُ بِخَيرٍ مَا عَظَّمَتهُم وَوَقَّرَتهُم ، وَعَرَفَت لهم قَدرَهُم وَحَفِظَت لهم مَكَانَتَهُم ، لأَنَّ في ذَلِكَ تَعظِيمًا لِلشَّرِيعَةِ وَحِفظًا لِلدِّينِ ، وَأَمَّا إِذَا أَذَلَّت أُمَّةٌ عُلَمَاءَهَا ، أَو سَمَحَت بِأَن يَنَالَ مِنهُم سُفَهَاؤُهَا ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ نَذِيرٌ شُؤمٍ عَلَيهَا وَمِفتَاحُ شَرٍّ ، وَمُؤذِنٌ لها بِخَيبَةٍ وَخَسَارَةٍ . إِنَّ شَرَفَ العُلَمَاءِ لَيسَ مَربُوطًا بما لهم مِن مَنصِبٍ أَو وَظِيفَةٍ ، وَمَصدَرُ جَاهِهِم لَيسَ مَا هُم عَلَيهِ مِن حَسَبٍ أَو نَسَبٍ أَو مَالٍ ، وَمُوالاتُهُم لَيسَت حَسَبَ بُلدَانِهِم وَجِنسِيَّاتِهِ م وَأَعرَاقِهِم وَانتِمَائِهِم ، بَل شَرَفُهُم بِمَا يَحمِلُونَهُ مِن عِلمِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَجَاهُهُم بِالتِزَامِهِم بِمَنهَجِ الأَنبِيَاءِ في العِلمِ وَالتَّعلِيمِ وَالجِهَادِ وَالدَّعوَةِ ، وَالمَنَاصِبُ هِيَ الَّتي تَشرُفُ بِالعُلَمَاءِ ، وَالبِلادُ هِيَ الَّتي تَفخَرُ بِهِم ، وَهُمُ المِيزَانُ في مَعرِفَةِ مَا عَلَيهِ العَامَّةِ مِنَ الأَحوَالِ ، وَأَهلُ الرَّأيِ في مُدلَهِمَّاتِ الأُمُورِ ، وَلا خَيرَ فِيمَن لا يَعرِفُ لهم قَدرَهُم وَمَنزِلَتَهُم ، وَلا بَرَكَةَ في لِسَانٍ يَطعَنُ في أَمَانَتِهِم وَدِيَانَتِهِم ، ولا عِزَّ لمن يَسعَى جَاهِدًا في تَشوِيهِ صُورَتِهِم ، أَلا فَأَخرَسَ اللهُ أَلسِنَةً تَتَقَوَّلُ عَلَيهِم مَا لم يَفعَلُوا ، وَفَضَّ أَفوَاهًا تَتشدق ِبنَقدِهِم عَلَى غَيرِ بُرهَانٍ ، وَأَعمَى أَعيُنًا لا تَنظُرُ لهم بِنَظرَةِ التَّقدِيرِ وَالتَّكرِيمِ . اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في عُلَمَائِنَا وَدُعَاتِنَا ، وَوَفِّقْنَا لِلاستِفَادَةِ مِنهُم وَسُلُوكِ طَرِيقِهِم عَلَى الحَقِّ ، وَاهدِنَا سَوَاءَ السَّبِيلِ وَتَبْ عَلَينَا ، وَاعفُ عنَّا واغفِرْ لَنَا وَارحَمْنَا ، أَنتَ مَولانَا فَانصُرْنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ . أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَلا تَعصُوهُ . وَاعلَمُوا أَنَّ لِلوَقِيعَةِ في العُلَمَاءِ وَانتِهَاكِ أَعرَاضِهِم عَوَاقِبَ وَخِيمَةً وَنَتَائِجَ خَطِيرَةً وَآثَارًا سَلبِيَّةً ، يُدرِكُهَا مَن تَأَمَّلَ الوَاقِعَ وَاتَّسَعَ أُفُقُهُ وَبَعُدَ نَظَرُهُ . مِن ذَلِكَ أَنَّ جَرحَ العَالِمِ سَبَبٌ في امتِهَانِ مَا يَحمِلُهُ مِنَ العِلمِ وَرَدِّ مَا يَقُولُهُ مِنَ الحَقِّ ، بَلْ إِنَّ جَرحَ العَالِمِ مَا هُوَ إِلاَّ جَرحٌ لِلعِلمِ الَّذِي مَعَهُ وَتَنَقُّصٌ لِلمِيرَاثِ الَّذِي بَينَ جَنبَيهِ ، وَكَفَى بِذَلِكَ جَرحًا لِلنَّبيِّ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَإِيذَاءً لَهُ وَانتِقَاصًا ، وَكَفَى بِهِ إِيذَاءً لِلرَّبِّ ـ جَلَّ وَعَلا ـ وَإِغضَابًا لَهُ ، وَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ " إِنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُم عَذَابًا مُهِينًا . وَالَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتَانًا وَإِثمًا مُبِينًا " وَمِنَ الآثَارِ أَنَّ جَرحَ العُلَمَاءَ إِسقَاطٌ لِلقُدُوَاتِ الصَّالِحَةِ لِلأُمَّةِ ، وَرَفعٌ لِلقُدُوَاتِ الزَّائِفَةِ السَّيِّئَةِ ، ممَّا يُبعِدُ طُلاَّبَ العِلمِ عَنِ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّي نَ ، وَيُعَلِّقُهُم بِالجَاهِلِينَ وَالمُفسِدِينَ ، وَحِينَئِذٍ يَسِيرُ الشَّبَابُ عَلَى غَيرِ هُدًى ؛ فَيَتَعَرَّضُون َ لِلأَخطَارِ وَيَقَعُونَ في الأَخطَاءِ ، وَلا يَسلَمُونَ مِنَ الشَّطَطِ وَالزَّلَلِ ، وَمِن ثَمَّ يَكُونُونَ مَعَاوِلَ هَدمٍ وَعَوَامِلَ إِفسَادٍ . وَمِن آثَارِ تَجرِيحِ العُلَمَاءِ وَتَقلِيلِ شَأنِهِم في نَظَرِ العَامَّةِ ، وَإِذهَابِ هَيبَتِهِم وَإِنقَاصِ قِيمَتِهِم في صُّدُورِ الخَاصَّةِ ، أَنَّ هَذَا أكبرُ خِدمَةٍ وَمُسَاعَدَةٍ يُمكِنُ أَن تُقَدَّمَ لأَعدَاءِ اللهِ ، لِيُنَفِّذُوا مُخَطَّطَاتِهِم في تَغرِيبِ الأُمَّةِ وَإِبعَادِهَا عَن دِينِهَا ، وَلِيَسهُلَ عَلَيهِم تَخرِيبُ البِلادِ وَإِفسَادُ العِبَادِ ، وَلِيَتَمَكَّنُ وا مِن غَزوِ الأَوطَانِ فِكرِيًّا وَتَدمِيرِهَا خُلُقِيًّا . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاعرِفُوا لِعُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ قَدرَهُم ، وَعَظِّمُوا شَعَائِرَ رَبِّكُم " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ " |