السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أذكركم بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) [رواه البخاري]
شرحه
هذا الحديث في باب المجاهدة من كتاب رياض الصالحين .
نعمة الصحة لا يعرفها إلا مَن فقدها ، وقد قالوا : من أدرك الإسلام والصحة ما فاته شيء ، والصحة تاجٌ على رؤوس الأصحاء ، لا يراه إلا المرضى ، فلما يكون الإنسان بقوته ، وبسمعه ، وبصره ، وعقله ، وصحته ، الأجهزة كلها صحيحة ؛ القلب ، والرئتان والكبد ، والكليتان ، والعضلات ، والأوردة ، والشرايين ، والعظام ، والدماغ ، والغدد الصمَّاء ، والطحال ، والبنكرياس ، والكظر ، والأجهزة كلها تعمل بانتظام فهذه نعمةٌ لا تعدلها نعمة .
هناك من يخيَّر ، لو أن له مئات الملايين ، ويفقد بعض أعضائه ، أو بعض أجهزته لما رضي ، فالإنسان الصحيح غنيٌ ، وأي غنيّ ، فربنا عزَّ وجل ما جعل هذه الصحة كي تستنفذها في الأمور التافهة ، هذه القوة ؛ أن تمشي ، أن تنهض ، أن تستخدم يديك ، أن تستخدم حواسك ، هذه كلها يجب أن تستخدم في طاعة الله عزَّ وجل ، هذه العين يجب أن ترى بها آيات الله ، هذه الأذن يجب أن تستمع بها إلى الحق ، هذا اللسان يجب أن ينطق بالحق ، هذه اليد يجب أن تساعد بها المحتاجين ، هذه الرِّجل يجب أن تنتقل بها إلى المسجد ، أو إلى عملٍ شريف ، أو إلى عملٍ صالح ، لذلك : (( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ )) .
الذي عنده وقت فراغ ، ويتوانى عن حضور مجلس علم ، فهذا له حسابٌ خاص ، في الفراغ اقرأ القرآن ، والمؤمن يوم القيامة لا يتألم إلا على ساعةٍ مضت لم يذكر الله فيها ، أنت بهذه الساعة اقرأ القرآن ، اذكر ربك ، مُْ بالمعروف ، وانه عن المنكر ، اقرأ بحثًا علميًّا تستفيد منه ، اقرأ موضوعًا في الفقه ، اقرأ شيئًا من السيرة ، عاون أهلك ، اخدم جيرانك ، اكتب موضوعًا ، اعمل عملا ، فهذا الوقت ثمين جداً ، فالإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه ، فهذا الذي أتمناه عليكم أن يكون الوقت أثمن شيء في حياتنا .
كل يوم ينشق فجره يقول : يا ابن آدم أنا خلقٌ جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني ، فإني لا أعود إلى يوم القيامة .
لما يستيقظ الإنسان ويفتح عينيه يجب أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى سمح له أن يعيش هذا اليوم ، كم من إنسان مات ، نام وما استيقظ ، زوجته نائمة إلى جانبه فوضعت يدها على يده فرأتها باردة جداً ، وقفت فرأته ميتًا ، نام وليس به شيء ، فهذه القصص كثيرة جداً ، فلما يعرف الإنسان حاله أن هذا الوقت لابد من أن ينتهي فيجب أن يسارع ، لذلك :
( سورة آل عمران )
أي : لا يأتينكم الموت إلا وأنتم مسلمون ، استسلام كامل ، استسلام في الاستقامة ، استسلام نفسي ، استسلام للمقادير ، فالصحة والفراغ نعمتان كبيرتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس .
واللهِ قال أحد العلماء في الشام ، وقد مر في الطريق أمام مقهى ، فرأى أناسًا يلعبون النرد ، فقال هذا العالم الجليل ، وأظنه الشيخ بدر الدين : سبحان الله !! لو أن الوقت يشترى من هؤلاء لاشتريناه منهم ، جالس في المقهى إلى الساعة الثانية عشرة ، ما هذا ؟ هذا الوقت الثمين أهكذا يستهلك ؟ أهكذا تستهلكه ؟ والله هناك ألف مجال ترقى به إلى الله ، هذه السهرة ، الآن عندك سهرة أيام الشتاء ، ربيع المؤمن ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ((طال ليله فقامه ، وقصر نهاره فصامه)) .
( من كشف الخفاء : عن " أبي سعيد " )
هذه السهرة ذهبت إلى البيت الساعة الثامنة والنصف ، ممكن أن تجلس مع أهلك تحدثهم عن الله عزَّ وجل ، ممكن تقرأ موضوعًا ، ممكن تقرأ القرآن ، ممكن أن تصلي ، ممكن أن تتابع موضوعًا في كتاب ، ممكن أن تكتب مقالة ، ممن أن تنصح إنسانًا ، ممكن أن تتألف قلبَ أخت بعيدة تزورها ، ممكن أن تعاون الأهل ، ممكن أن تقوم بعمل يرضي الله عزَّ وجل .
لذلك هذا الذي يعنيه النبي عليه الصلاة والسلام بالصحة والفراغ ، فهؤلاء الشباب عندهم وقت فراغ ، بعد فترة يتزوج ، باللغة الدارجة ـ ينعمى قلبه ـ يوم مشكلة ، وبكرة ابنه سخن ، وبعد بكرة عند زوجته ولادة ، ويريد إبرة غير متوافرة بالصيدليات من أجل الدم ، لكي لا يصير فساد في الدم ، يدخل الإنسان في عالم ، وبعد ذلك يأتي المولود ، فيحتاج حاجاته ، يريد أن يسعى ليؤمن غذاء للمولود ، فقبل أن يتزوج الرجل هذه فرصة كبيرة جداً ، استغلها في معرفة الله عزَّ وجل ، إذا كان للواحد عمل بسيط ، وساعات دوامه قليلة فهذه نعمة كبيرة ، ثمة أشخاص عندهم عمل اثنتي عشرة ساعة ، وأشخاص ثماني عشرة ساعة يعمل حتى يستطيع أن يؤمن حاجاته وحاجات أهله .
فـ : (( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ؛ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ )) .
هذا الحديث قصير ، لكنه خطير ، يعني استيقظت صباحاً قال عليه الصلاة والسلام : ((لا بورك لي في يومٍ لم أزدد فيه من الله علماً )) .
يا ترى أنا اليوم ماذا تعلمت ؟ هل تعلمت آيةً ؟ هل تعلمت حديثاً ؟ هل تعلمت حكماً فقهياً ؟ هل قرأت شيئاً عن أصحاب رسول الله ؟ هل قرأت شيئاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ماذا تعلمت .
أو : ((لا بورك لي في يومٍ لم أزدد فيه من الله قرباً)) .
ماذا فعلت ؟ جلست ، ماذا تكلمت ؟ هل أثرت في الآخرين ؟ هل أحدثت عند أحدهم توبةً ؟ هل نقلت أحدهم من حالٍ إلى حال ، من قولٍ إلى فعل ؟