16-10-2009, 04:06 AM
|
| |
رد: سيـرة سـيد الخـلق[محمـد] "صـلى الله عـليه وسـلم" - دار الأرقم: الوضع فى مكة جد خطير، فالدعوة الوليدة تنساب إلى كل بيت، تهز كيان مكة الدينى، وتزعزع أركان قريش فى أرض العرب، وأعين المشركين وآذانهم تعد على المسلمين أنفاسهم، وتحصى خطواتهم، وتتسمع أخبارهم، لتجهز عليهم، ولذا كان من الواجب على المسلمين أن يستتروا، وأن يتخفوا عند اللقاء، وبدار الأرقم بن أبى الأرقم كان اجتماعهم الدورى بنبيهم -صلى الله عليهوسلم- وكان وراء اختيار هذه الدار أسباب وجيهة. أما ما كان يحدث داخلها، بعيدًا عن أعين قريش، فكان حدثًا فريدًا فى التاريخ، صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أول من آمن به وصدقه ودافع عن دين الله، يجلسون إلى رسول العالمين بنفسه، يتلقون منه آخر ما نزل به جبريل الأمين من ربه -عز وجل-، تلقيا دائمًا مستمرًّا، تزكو به نفوسهم، وتتطهر قلوبهم، وتصاغ عقولهم وأرواحهم صياغة جديدة، رحم الله الأرقم ورضى عنه، لقد جعل داره مرفأ لسفينة الإيمان، ومهدًا لدعوة الله عز وجل، ومدرسة تلقى فيها الأولون دينهم. - الهجرة إلى الحبشة : الدفاع عن النفس، وقتال من بغى واعتدى، لم ينزل أمر الله به بعد، والبقاء فى مكة أصبح مستحيلاً، مع هذا الاضطهاد والتعذيب، فماذا يفعل المسلمون إذن؟ إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرحيم بأمته، قد ارتأى لهم أن يفروا بدينهم إلى ديار آمنة، فأشار عليهم بالهجرة إلى الحبشة، فهاجر منهم فى رجب سنة خمس من النبوة اثنا عشر رجلاً، وأربع نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه زوجه السيدة رقية بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد هاجر هؤلاء الصحابة تسللاً وخفية، فى سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة، حيث النجاشى الملك العادل، الذى لا يظلم عنده أحد. وما كاد المسلمون المهاجرون يستقرون بالحبشة حتى سارت إليهم شائعة بإسلام قريش، فقفلوا راجعين إلى مكة فى شوال من نفس العام، وما تبينوا الحقيقة إلا بعد ساعة من نهار فى مكة. واشتد تعذيب المشركين لهم، فكانت هجرتهم الثانية رغم يقظة المشركين، وشدة حذرهم. وبلغ عددهم فى هذه المرة ثلاثة وثمانين رجلاً وثمان عشرة أو تسع عشرة امرأة، لكن أنى لنار قريش أن يهدأ أوارها، لقد عز عليها أن تعلم أن المسلمين قد وجدوا مأمنًا يعبدون فيه ربهم، فكانت مكيدتها بإرسال رسولين إلى الحبشة لاستردادهم من النجاشى، وقد خاب سعيهم، وبطل مكرهم، ورد النجاشى رسولى مكة دون أن يقضى لهما حاجة، بل أعلن إيمانه بما جاء به محمد -صلى اللهعليه وسلم-، أما هؤلاء المهاجرون، فقد مكثوا بالحبشة، حتى مكن الله لنبيه بالمدينة، فعادوا إليها، وكان آخرهم عودة جعفر بن أبى طالب بعد فتح خيبر. - تقوية شوكة المسلمين : كلما زاد الليل ظلمة، وكلما اشتدت السماء حلكة، كلما كان ذلك إيذانًا ببزوغ فجر جديد. أبو جهل يمر بالنبى -صلى الله عليه وسلم- عند الصفا فيؤذيه وينال منه، فلا يرد عليه الرسول -صلىالله عليه وسلم- شيئًا، ويأبى المعاند أن يترك محمدًا كريم الخلق يمضى فى طريقه، حتى يضربه بحجر فى رأسه الشريفة؛ فيسيل منها الدم نزفًا، ثم تكون هذه الحادثة الأليمة مقدمة لنهاية سعيدة هى إسلام حمزة بن عبد المطلب. حمية فى بادئ الأمر، ثم إيمان راسخ بعدها. ولا تكاد أيام ثلاثة من شهر ذى الحجة للعام السادس من نبوته -صلى الله عليه وسلم- تمر بعد إسلام حمزة -رضى الله عنه- حتى يلطم عمر بن الخطاب أخته فاطمة على وجهها لطمة شديدة؛ لإيمانها بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، فيكون الدم السائل من وجهها سببًا لإيمان ابن الخطاب، وإعلانه شهادة الحق، وفى أيام ثلاثة تتبدل أحوال المسلمين، والدعوة المحبوسة فى دارالأرقم تجد طريقها إلى الكعبة، فى وضح النهار، وعلى مسمع قريش ومرآها، أقدام المسلمين تشق طرقات مكة، فى صفين طويلين، يقدم أحدهما أسد الله حمزة، ويسبق الآخر الفاروق عمر، الذى أبى الاختباء، وأقسم لنبيه -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: والذى بعثك بالحق لنخرجن!، فكان خروج المسلمين وكانت عزتهم. يصف صهيب تلك الحال قائلاً: لما أسلم عمر، ظهر الإسلام ودعى إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتى به!. - تجمع بنى هاشم وبنى المطلب: الأفضل عند المواجهة ألا تكتفى بالرد على خصمك، بل تضع نفسك مكانه، لتتنبأ بما ينوى أن يصنعه، فتبادره قبل أن يسبقك. هكذا تعلم أبو طالب من بيئته الصحراوية المتقلبة، والرجل العاقل الحريص على ابن أخيه استقرأ الأحداث، فوجد قريشًا قد وصلت مع محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى طريق مسدود، ولم يعد أمامها إلا قتل محمد، رضى أبو طالب بعد ذلك أم سخط، ثم إن أحداثًا متعاقبة صارت تؤكد لديه حدسه، فالمشركون هددوه بالمنازلة، وساوموه على قتل ابن أخيه مقابل إعطائهم ابن الوليد له يربيه ويتخذه عوضًا، ثم محاولة أبى جهل رضخ رأس النبى -صلى الله عليه وسلم- بحجر ألقاه، ومحاولة عدو الله عقبة بن أبى معيط خنقه بردائه، وخروج عمر -قبل إسلامه- بسيفه عازمًا ذبح محمد- كل هذه الأحداث تؤكد لأبى طالب أن المشركين لن يأبهوا لجواره وذمته. وهنا لم يبق لأبى طالب إلا المبادرة والحزم، فجمع أهل بيته من بنى هاشم وبنى المطلب ولدى عبد مناف، ودعاهم إلى منع ابن أخيه والقيام دونه، فأجابه إلى ذلك مسلمهم وكافرهم، حمية للجوار العربى، وأدخلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى شعبهم، منعًا له ممن أراد قتله، فأسقط فى يدى قريش، ولم يبق أمامها إلا إعلان المقاطعة العامة. يـــــــــتبع ..~ |