عرض مشاركة واحدة
#1 (permalink)  
قديم 05-08-2009, 11:39 PM
الخفاش الأسود
عضو مجالس الرويضة
الخفاش الأسود غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 743
 تاريخ التسجيل : 24-03-2007
 فترة الأقامة : 6294 يوم
 أخر زيارة : 05-02-2014 (01:12 PM)
 المشاركات : 315 [ + ]
 التقييم : 767
 معدل التقييم : الخفاش الأسود عضو ذهبي الخفاش الأسود عضو ذهبي الخفاش الأسود عضو ذهبي الخفاش الأسود عضو ذهبي الخفاش الأسود عضو ذهبي الخفاش الأسود عضو ذهبي الخفاش الأسود عضو ذهبي
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي سر مجيء آية الدعاء في مقطع آيات الصيام



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


يستوقفنا مقطع آيات الصيام مع آية من آياته جاءت في منتصفه وهي قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون} [البقرة:186]. حيث تحدثت عن موضوع آخر سوى موضوع الصيام وهو موضوع الدعاء! فعلام كان هذا؟! ولأي غرض توسطت آية الدعاء آيات الصيام؟!

ولا بد لنا من وقفة مع الآيات، فبعد أن تحدثت الآيات مخاطبة المؤمنين آمرةً إياهم بالصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون} [البقرة: 183-184]. شرعت في الحديث عن فضل شهر رمضان وحكمة إنزال القرآن فيه؛ فقال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185].

بعد هذا كله جاءت هذه الآية لتقول لنا: إذا كان شأن نهار شهر رمضان عبادة الصيام؛ فإن شأن ليل شهر رمضان عبادة الدعاء، وإذا كان الامتناع عن الطعام والشراب في النهار له غاية؛ فإن أعظم الغايات تقوى الله، وبرهانها التوجه إلى الله بالدعاء والإنابة، وبهذا فإن شهر رمضان قد اكتمل نهاره بليله، وتجمَّل ليله بنهاره، ومن علامات تحقيق التقوى في شهر الصيام انطلاق اللسان بالدعاء، وكما قال ابن عطاء الله السكندري في "حِكَمه": "متى أطلق لسانك بالطلب؛ فاعلم أنه يريد أن يعطيك".

فإنه لا ينطلق اللسان بالطلب من العزيز الكريم إلا بعد أن تُحَلُّ عنه عقدة الصمت، ولا تحل هذه العقدة إلا بتحقيق التقوى؛ فإذا ما بدأ المسلم يدعو ربه بأن يهبه الخير والنعم، وأن يُذهب عنه البلاء والفتن؛ فليعلم حينئذ بأن الله سبحانه وتعالى قد وهبه نعمتين: نعمة الدعاء والتوجه والقيام بحق الربوبية وتحقيق معاني العبودية، ونعمة العطاء من الكريم الرزاق، ولا ينطلق اللسان بالتوجه والدعاء إلا بعد أن يطهر قلبه، وينقي سريرته، ويغسل خطاياه بماء التوبة والإنابة، فمن طُهِّر قلبه فُرِّج كربه، ومن تطلَّع إلى الله بعين الذل والصغار والافتقار؛ نظر إليه ربه نظر الرحمة والمغفرة، وأدخله في دائرة العابدين التائبين، جعلنا الله منهم آمين.

فما أحلاك يا شهر رمضان! وما أروعك يا شهر الكرم والاقتراب؛ فنهارك صيام وافتقار بمعرفة ضعف الأبدان، وليلك دعاء وافتقار بمعرفة ضعف النفوس والأرواح، وأعْظِم به من ربٍّ شرع لعباده شهراً يكون لهم عوناً على بلوغ مراتب العبودية والقيام بواجب الربوبية.

فهذا هو السر في توسُّط آية الدعاء مقطع آيات الصيام، ليعلم الناس أن شهر رمضان ليس هو صيام وحسب وإنما هو صيام يتبعه دعاء وقيام، وبهذا يكتمل هذا، وبانفراد أحدهما عن الآخر فإن العبادة لم تُعطَ حقها، وبالفعل فإن شهر رمضان لا يتسع إلا لنفسه، جعلنا الله ممن يفهم مراده من ترتيبه كتابه. آمين آمين وصلى الله على سيدنا محمد في الأولين والآخرين.



 توقيع : الخفاش الأسود

رد مع اقتباس