كيف نغير أنفسنا ؟
*************** *****
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين , نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
سئم كثير من الناس حياة الغفلة , والبعد عن الله تعالى , وتاقت أنفسهم إلى
حياة الاستقامة .. يريدون أن يعيشوا حياة طيبة سعيدة مطمئنة .
إنهم ينتظرون نسمات التغيير , وإشراقات الاستقامة .. فيتساءلون في حيرة .
كيف نغير أنفسنا ؟ .. كيف نستيقظ من غفلتنا ؟
كيف نعالج واقعنا الأليم ؟
أخي المسلم .. أختي المسلمة : إن مجرد تفكيرك في التغيير يعد نوعاً من التغيير
, وما دامت نفسك تتطلع إلى السمو والارتقاء نحو المعالي , فإن ذلك يدل على
حياة قلبك , وخير في نفسك .. وإليك الخطوات العملية نحو التغيير :
1-التأمل في عظم الجناية :
فيشاهد القلب من خلال هذا التأمل عظمة الرب سبحانه
وتعالى وقوته وجبروته , وأنه خالق هذا العالم , وأنه رازق هذه الكائنات جميعاً
, وأنه المحي المميت الفعال لما يريد , وأنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له
. ويشاهد بعد ذلك ضعف نفسه وحقارته وفقره , وهو مع ذلك متعدٍّ حدود الله عز
وجل , بعيد عن سبل طاعته , والرب مع ذلك يستره ويرحمه ويحلم عليه , ويوح له
طريق الخير ليسلكه , وطريق الشر ليجتنبه , وهذا التأمل ينتفع به القلب أعظم
انتفاع حيث ينزعج من هذا الواقع الذي يعيشه بعيداً عن الله تعالى , ولا يزال
يضرب على صاحبه ويحثه على تغيير هذا الواقع , والسير في طريق الهداية
والاستقامة .
2-العزيمة الصادقة :
بعد أن يتطلع القلب إلى التغيير لابد من العزيمة الصادقة
على هذا التغيير , لأنه لولا هذه العزيمة سرعان ما يفتر القلب , فالعزيمة سبب
في استمرار انتباه القلب ورغبته في التغيير . والعزيمة نوعان : أحدهما عزم
الإنسان على سلوك الطريق وهو من البدايات , والثاني العزم على الاستمرار على
الطاعات , وعلى الانتقال من حالٍ إلى حالٍ أكمل منه وهو النهايات , وعون الله
للعبد على قدر قوة عزيمته وضعفها فمن صمم على إرادة الخير أعانه وثبته . ومتى
صدق العبد في عزمه على سلوك طريق الطاعة والاستمرار فيه , أعانه الله عز وجل
بـ " البصيرة " وهي نور يقذفه الله تعالى في قلبه يرى به حقيقة الأشياء ومحاسن
ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم , ومساوئ المخالفة لما جاء به الرسول صلى
الله عليه وسلم .
3-التوبة :
وهي الرجوع عما يكره الله ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه الله ظاهراً
وباطناً , قال الله تعالى : " وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم
تفلحون " وهي البداية العملية للتغيير .
4-المسارعة :
إن عملية التغيير لابد أن تسير بخطى سريعة , لأن البطء يمكن أن
يؤدي إلى التكاسل عن إتمام العملية , وبالتالي الانسحاب دون تحقيق المراد .
قال الله تعالى : " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت
للمتقين " وقال تعالى : " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ... " . وقال النبي
صلى الله عليه وسلم : " التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة " .
5-الفورية :
إن التغيير من المعصية إلى الطاعة , ومن الاعوجاج إلى الاستقامة
واجب على الفور , فمن انتبهت من غفلتها وأبصرت ما هي عليه من ضياع لابد أن
تبدأ فوراً بالتغيير , فهؤلاء سحرة فرعون لما ظهر لهم الحق قالوا على الفور "
آمنا برب العالمين . رب موسى وهارون " ولم يلتفتوا بعد ذلك إلى فقد مناصبهم
الدنيوية ومكانتهم الاجتماعية , ولم يعبئوا بما توعدهم به فرعون من العذاب .
6-العلم :
إن عملية التغيير هي الجانب العملي , لابد أن يرافقها جانب علمي ,
وهذا الجانب العلمي هو الذي تنضبط به عملية التغيير , فلا تنحرف لا إلى
التفريط ولا إلى الإفراط , وإنما تسير على المنهج الوسط الذي ارتضاه الله
تعالى لعباده , قال الله تعالى في شأن أعظم كلمة وهي كلمة التوحيد : " فاعلم
أنه لا إله إلا الله " . فعلى مريدة التغيير أن تطلب العلم بكل طريقة شرعية ,
فتجالس العالمات الداعيات , وطالبات العلم , وتكثر من المطالعة في كتب أهل
العلم , وتستفيد من الأشرطة المسجلة , ومتابعة مواقع أهل العلم في المنتديات .
7-التقيد بالكتاب والسنة :
على طالبة التغيير أن تتقيد بالكتاب والسنة وما دار
في فلكهما , ولتحذر أشد الحذر من أهل الأهواء والبدع , فإن فتنتهم عظيمة
وخطرهم كبير , فعليها أن تعتقد عقيدة أهل السنة والجماعة , وهي العقيدة
الصحيحة التي لا نجاة للمرء إلا باعتقادها .
8-الجدية :
الجدية مطلب أساس لطالبة التغيير , قال الله تعالى : " خذوا ما
آتيناكم بقوة " . وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجدية في التمسك بالسنة
, فقال عليه الصلاة والسلام : " عضوا عليها بالنواجذ ... " . والجدية تشمل
المظهر والجوهر .
9-تبديل الاهتمامات :
فطالبة التغيير تترك ماكانت عليه من اهتمامات باطلة ,
وتجعل مكانها غيرها من الاهتمامات النافعة , مثال ذلك : التهاون في الصلاة ,
التبرج والسفور , مخالطة الرجال الأجانب غير المحارم , سماع الغناء , وكل عمل
أو خلق دنيء , وتتجه إلى طاعة الله وتقواه في كل شؤونها ..
10-تغيير الصحبة :
على طالبة التغيير وهي في بداية الطريق أن تقطع علاقاتها
بأهل الفساد والغواية , يقول الله تعالى : " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا
المتقين " . وتستبدلهن بصحبة الصالحات الخيرات , لأن الاستمرار في مخالطة أهل
الشر والفساد يؤدي إلى الانتكاس , والعودة إلى الماضي السيئ .
11-ترتيب الأولويات :
طالب التغيير يبدأ بأهم المهمات , ثم الأهم فالمهم ,
فتبدأ بتصحيح العقيدة , وتقدم الفرائض على النوافل , والواجبات على المستحبات
, وتعطي كل شيء حقه من العناية , وتهتم بتنظيم وقتها حتى لا يضيع من شيء دون
فائدة .
12-الاستعانة بالله عز وجل :
وهذه من أهم المهمات في مرحلة التغيير , فهي تعني
الخروج من الحول والقوة , وطلب الحول والقوة والمنعة من الله تعالى , ولأهمية
الاستعانة به عز وجل أمر الله عباده بقولها في كل ركعة من ركعات الصلاة " إياك
نعبد وإياك نستعين " . كما على طالبة التغيير أن تكثر من دعاء الله عز وجل
بالتوفيق والثبات على الطريق .
13-الصبر والمجاهدة :
إن عملية التغيير ليست بالأمر اليسير , فإنها ميلاد جديد
, لذلك تحتاج إلى الصبر , وبهذا الصبر والمجاهدة تتبين الصادقة من الكاذبة ,
فالصادقة تتجرع مرارة الصبر , وتجاهد نفسها على الطاعة . أما الكاذبة فإنها لا
تقدر على ذلك , بل تستسلم لأول بارقة من فتنة , وتنكص على عقبيها . قال الله
تعالى : " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...