مجالس الرويضة لكل العرب - عرض مشاركة واحدة

#3 (**permalink**) 02-12-2008, 12:12 PM

متاهة الإنتظار على مرافيء الزمن الحزين!!... خواطر وأشجان !!(3)

ابوبكر يوسف إبراهيم

المتن:

الغربة إستلبت منا الذكريات وما الذكريات إلا بعض من أنفسنا ، هي علاقتنا العضوية بالحياة والمحيط الإنساني ، الغربة الذكريات هي ضوء من مشيج الخلق يصلب على محاجر العيون عندما نجترها في مهاجرنا.. مع الغربة بيعت احلام الصبا بدرهم أو دينار أو ريال كانت لنا به حاجة آنية وحالما تسرب البهرج والأبهة إلى أنفسنا ثم فقدنا الذات أو ربما بعناها لقاء حفنة دراهم أو دولار و فقدنا ذوات فلذات أكبادنا . مسخ إنسان هم الآن .. فقدنا الذات وفُنن بفقد الغربةهؤلاء البنون من ذعر العودة غلى أرضٍ لم يألفوها.. فمن رحم مثالب الغربة اسودت نية البراعم علياء السماء..يومذاك كان المغترب أسطورة ومعه ولدت اسطورة الانسان المغترب .. الغريب يا أمي انفاسه تتعثر فيعيش في تجاعيد الانسلاخ .. المغترب إنسان في غيبوبة يصيح من عري التجلي تلفه مهاوي الاعالي .. يعيش هاجس لفظة الغريب هو القربان الذي ينتظر موته..صوته خافت كشمعة تضيء عتمة الليل بالكاد..يشنقه همسه .. فتنفى الجثة ليتحلل مبعدا عن رمسه..أنفه من وطن ومن لحد يهدي الشعاع لشمسه!!

يا بلادي الغالية .. يا أمي الحبيبة؛
انت يا أمي الارض التي تقحلت من فطمي وفقدي ..رضيعا أنا من حلمة كهلي ..امتص معنى الحياة بؤسا حليب بؤسي ..مهاجرا في قوارب ياسي..لا زلت طفلا في أعماقي كهلاً في مظهري اناغي قمرا استعير به شمسي ..خارج ارضك احبو على حرد..خارج ارض بلادي أنا مسخ .. أنا جثة .. أنا كفن .. وربما نعش طائر!!..الغربة هي موت.. موت ..موت ؛ هي موتنا الفاتك.. موتنا الصامت .. موتنا الصارخ.. موتنا الظامئ و موتنا الضروس.. الغريب هو لحظة مأتم ؛ نعم أنا الغريب الذي اسجي نفسي على نعشي..أنت يا أمي الارض امتدادي ..تنكرت وطنا حسا يخلو من نفس !!

أمي الحبية؛
عندما كنت في أحضانك كان للصبح معنى الإشراق فالصباح فيك كون وعوالم أخريات .. الصباح في أرض النيلين لا أمتلك إلا أن أقول عنه أنه الآمال العراض والتفاؤل كل يومٍ فيه جديد لم أره قبلاً ؛ عمر يتجدد وكأنك أمي التي لم أعرفها بعد.. صباحك أجمل.. وفي صباح معطر بمثلك لا تمتلك عيناي إلا أن تشرق سناء ، أقتحم عليك ساعتك الصباحية التي تمتلكيها مع فلذاتك تباركينهم فيسعون في مناكب أرضك ويعودون!!.. أما ما بيني وبينك يا أمي اليوم فضاء .. ولقيانا إسفيرية
ألتقيك على شاطئ رقمي يسوده الجنون كما هو عالم المجرات التي تلتقي كما التقت مجراتنا ذات يوم في جنون رحلة الإغتراب ، في سماء أطياف متمردة لم تر النور بعد، فما زلت أخنقها لعلها تولد مع عودة طيف أنتظره ذات يوم، والأطياف لا تعود يا أمي فهي طاقة من نور تتجه باتجاه واحد سابرة أعماق الكون المجهول حتى تتلاشى.. مثلما تلاشت أرواحنا ذواتنا في منافي الغربة!! .. لا تعتبي عليّ يا أمي فإني أعلم أنني عققتك .. جنحت إلى التنائي فبعت أجمل أيام العمر في سوق لا قيمة للذكرى والإنتماء والهوية فيه أي قيمة.. أنا مجموعة أوراق ثبوتية دونها أنا متسلل أجرم.. دونها أنا نكرة .. وأنا مدان مدانٌ مدان حتى أُرَحّل قسراً لأحضانك فتضمينني بحنان رغم الجنوح والعقوق .. في أحضانك لا ضرورة لأوراق تثبت هويتي أنا معرفة بين وأهلي وناسي وخلاني !!

رحلة الإهتجار هي رحلة الموت الذي نفرح به دون أن نحسه ونلاقيه .ز كل يوم نعاني سكراته ولكن ماذا بعد الهوت؟ لقد تأخر بنا الوقت فلا عودة للحياة!!..كانت غربتناأسطورة مجنونة معتقة بخمر يحمل في كينونته كل تلاوين الزمان، خطفوا الروح والذات وتركو1 الجسد وبقايا إنسان كهل وحيدا على الشاطئ المهجور، تبكي معه حوريات البحر، وتعزف له على القيثارات المكسورة لحنا حزينا مغرق بطعم ملح البحر، بعد أن أغرق قاربه وفقد القدرة على الإبحار من جديد، يصرخ على حروف ضاعت، فيرتد إليه رجع الصدى فما من مجيب.. أيتها الغربة من أين لك كل هذه القدرة على إثارة النـزف الذي يشابه نزف اليتيم ونكأ الجراح التي تشابه جراح الحزانى وتفجير فوهة البركان.إنها الغربة والإغتراب رغبة في إمتلاك أشمال تميزني عن الآخر .. الآخر آثر أحضانك وأنا آثرت عقوقك .. الآخر أراد الأمان وأنا اخترت عيش الحرمان.!!

الحاشية:
رغم جنوحي وعقوقي فأنت ملاذي وملجئي .. أنت عمري الماضي والحاضر والآتي .. أنت تاريخ هويتي ورعونتي ..تعريني بزمنك من كل الأقنعة التي تخفي ندبات الزمن على وجهي، فيلد الزمان منا اثنين في مكانين مختلفين ونزفين مختلفين، يتسرب البنفسج من جراحهم، فتدفعين الجرح والهذيان من ذاكرة مشروخة بسيف الإغتراب الحاد فارتوى من دمي، إلى نزف أمطار من أصابعي تمطرها سحابة ملونة، بلون الدم وطعم الدم ورائحة الدم وجنون الدم، فأتذوق جرح البعد والمسافات والقهر، فأهذي في رحاب معبدك المجنون جنونا آخر، يخرجني من جاذبية الزمان والمكان. وعندما أستفيق لا أجد إلاك فاتحة ذراعيك
وأحضانك أن هيا إليّ بنيّ!!

،،،،أبوقصي،،،،