29-03-2008, 02:27 AM
|
| |
رد: القاص والروائي (إبراهيم) ضيف كرسي المجالس..
لقاؤنا يَتَجَدَّدُ مع شاعرتنا المرموقة تُقى المُرسي وباقة مُزهرة من تساؤلاتها التي تَمَسُّ دوماً جوهرَ الأشياءِ وتحملُ في ثناياها شواغلَ الفِكْرِ والوجدان في حياتنا الأدبية.
* متى تشعرُ بالرضا عن عملٍ من أعمالك شعراً كان أو نثرا ؟
ـ لم أشْعُرْ بالرِّضا قََطّ عن كُلِّ ما كتبته شِعْراً كانَ أم نَثْراً. ربَّما أحِسُّ بالراحة والتَّحَرُّر من مشاعرَ مؤرِّقة وهمومٍ مُلِحَّةٍ على العقل والوجدان لحظة انتهائي من كتابة عَملٍ أدبيّ ما، لكنّني لا أتَذَكَّرُ مَرَّةً عُدتُ فيها إلى ما كتبته وأحسستُ بالرِّضا عنه. دائماً هناكَ هاجسٌ داخليّ بأنَّ النَّصَّ ينقصه شيء ما، وأنه كان بالإمكان أن يخرجَ بصورةٍ أفضلْ. أعتقد أنها ظاهرة صِحِّيَّة أن يَشعرَ الإنسان بأنّه ما يزالُ لديْه الأفضل والأجودْ ليقدّمه. لأنَّ إحساس المُبدع بتمام الرِّضا عن إبداعه يعني أنه وصلَ إلى مرحلة الشيخوخة الأدبيّة ولم تَعُدْ لديْه القُدرة على تجديد فكره وعطائه وتجاوز ما وصلَ إليْه. المُبْدع الحقيقي يَعيشُ حالة تَمَرُّدٍ واستنفارٍ دائم وعدم رضا عن الواقع، إنّه يتَمَرَّدُ حتى على ما أنجزه وما بَشَّرَ به لأنَّ أحلامه حين تتحقَّق على أرضِ الواقع لا تكون أبداً مُطابقةً لحُلْمه، فتولَدُ لديْه أحلامٌ جديدة. هكذا الإبداعْ.. أية قصيدةٍ أو قصّةٍ أو عَمَلٍ فَنِّيٍّ يَخرجُ إلى حَيِّز الوجود لا يُضاهي أبداً صورته التي كانت في مُخَيِّلة المُبدعْ، ولا يَتَجَسَّدُ ـ من خلال اللغة أو الرّيشة مثلاً ـ بنفس الملامح التي تشكّلَ فيها وهو ما يزالُ جنيناً برحمِ الغَيْب، فالمشاعر والأحاسيس تبقى أعمق وأروع من أيِّ كلامٍ مكتوبٍ أو لوحةٍ فَنِّيّة مرسومة، وليس هناك لغةٌ في الوجود قادرةٌ على تصوير إحساس المُبدع وتجسيد خياله، لأن الخيال والمشاعر رَمْزٌ وتجريد بينما اللغة تعبيرٌ وتجسيدٌ بالكلمات. لذا تُعْتَبَرُ الموسيقى من أرقى الفنون بل أرقاها وأنْقاها جميعاً، لأنها تنبعُ من الحِسِّ وتُخاطبُ الحِسَّ مباشرةً دون وساطة من لغةٍ أو ألوانٍ أو خطوط أو أفكارْ.
* وما مقاييس حكمك على أعمال الآخرين بالتميز أو العكس..؟
ـ حين أقرأ عملاً أدَبِيّاً لا أُطَبِّقُ عليه أيةَ معايير أو مقاييس نقْدِيّة للحُكم عليه سَلْباً أو إيجاباً، بل أتلقَّاه بالحِسِّ والفطرةِ وأتقَمَّصُ حالةَ الخَلْقِ لأتَلَمَّسَه في بكارته وبراءته الأولى. الأدبُ الجَيِّد يَنْفُذُ إلى أحاسيسنا مباشرَةً ويوقِعنا في أسْره فنتواصَلُ معه أخذاً وعطاءً، ونتجاوبُ مع نَبْضِه ونتحسّسُ حرارةَ الحياة فيه. هناك ـ بطبيعة الحال ـ معايير للنَّقد الأدبي ونظريّاتٌ ومقولاتٌ صحيحة وصالحة لتقييم العمل الأدبي، لكنَّنا حين نتلقَّى النَّصَّ نتعاملُ معه كما يَتَعامَلُ الطِّفلُ لحظة تَفَتُّح وَعْيه على العالم من حوله، بحاسَّة التَّذَوّق وشَهْوة الكَشْف وتلامس الحَواسّ. والنَّصُّ الجيّد ينطوي دائماً على سِحْرٍ خاصّ ووَهَجٍ يخطفُ البصَر ويُثيرُ دَهْشَتَنا ويَمَسُّ فينا عصبَ مشاعرنا وأحاسيسنا. قد نكتشفُ بعد ذلك أنّ إعجابنا بالنَّصّ له ما يُبَرِّره في مفاهيم النقد الأدبي ونظرياته لكن العكس ـ في تقديري ـ غير صحيح، لأنّ العمل الأدبي أو الفَنّيّ يظلُّ دائماً مُسْتَعْصياً على أيِّ تنظيرٍ أو تبرير، إنه كائنٌ حيّ لا يَمْنَحُ نفسه بسهولة، بل يُغرينا دائماً بالاقتراب منه والتواصلِ معه وكشف أسراره وتفسير رموزه والتعرف على ملامحه المُمَيِّزة وعلاماته الفارقة، وتبيُّن دلالاته ومعانيه. النَّصُّ الجَيّد لا يَقْبَلُ تفسيراً واحداً بل يكون ـ دائماً ـ حَمَّال أوْجُهٍ وقابلاً لقراءاتٍ مُتَعَدّدة ومُشِعّاً بدِفء الحياة مهما تقادََم عليه العَهْد.
لقاؤنا مُتَجَدِّدٌ وحوارنا موصول مع شاعرتنا الرَّاقية تُقى المُرسي ومعكم بإذن الله. آخر تعديل &صدى الهمس& يوم
29-03-2008 في 02:32 AM. |