27-03-2008, 08:21 PM
|
| |
رد: القاص والروائي (إبراهيم) ضيف كرسي المجالس..
رد: القاص والروائي (إبراهيم) ضيف كرسي المجالس..
--------------------------------------------------------------------------------
القاص والروائي ابراهيم يقول نستهلُّ حوارنا بما تفضَّلت به مضيفتنا الكريمة الأديبة منال أحمد التي استهلَّت مُداخلتها بالتساؤلْ:
* لكل مبدع محطة انطلاق كان لها الفضل في وصوله إلى شاطئ المجد وتعليق راية الإبداع. ما هي محطتك التي أخذتك إلى ذاك الشاطئ؟
ـ نعم.. بالتأكيد هناك نقطة انطلاقٍ أولى لكُلِّ مُبْدِعٍ أديباً كانَ أم فَنَّاناً يعودُ إليها الفَضْل في ما يُقَدِّمه من إنجاز. وعادةً تكون ثَمَّة نقاط انطلاقٍ كثيرة، فمسيرة الإبداعِ لا تمضي في خَطٍّ مُستقيم، بل تتَخَلَّلها مُنْحَنياتٌ ومُنْعَطَفاتٌ كثيرة، كما أنّها لا تخلو من عثَراتٍ كثيرة أيضاً. لكنني أودُّ فقط أن أسْتأذنك ـ قبل التطُرِّقِ إلى الحديث عن البدايات ـ في تقديمِ اسْتِدْراكٍ بسيط هو أنَّني لم أصِلْ ـ بَعْدُ ـ إلى شَاطئ المَجْد، ولَمْ أعَلِّق رايةَ الإبْداع، بل ما أزال أسْبَحُ في بَحْرِ القَوْل ـ شِعْراً أو نَثْراً ـ وأجتهدُ في تَقديم أفضل ما عندي من تَجْربَة، وما يَزَال الشَّوْطُ بعيداً وقدْ ينفَذُ ما عندي من زادٍ قبل بلوغِ شاطئ الأمانْ.
أمَّا عن نقاط الانطلاق والمُنْعَطَفات في مَسيرتي المتواضعة فإنَّني يُمكنُ أن أوجزها في ثَلاثِ نِقَاطْ: الأولى تتَعَلَّقُ بالنَّشْأة، والثانية تختصُّ بالقراءاتِ ومنابع الثقافة في مراحل العُمرِ المُختلفة، والثالثة بالارتحال والسَّفرْ. كُلُّ نقطةٍ أو مَحَطَّةٍ من هذه المَحَطّات كان لها تأثيرها الجوْهَريُّ في تشكيل الوَعْي وتربية الوجدان وصَقْل الموهبة وشَحْذِ العَقْلِ وتكوين عناصرِ الرُّؤية ورَفْدِ ينابيعِ التَّجربة. كما أنَّ كُلَّ محَطَّةٍ من هذه المَحَطّات كانت نقطة انطلاقٍ لمرحلةٍ أخرى جديدة.
حينَ أتَحَدَّثُ عن نشْأتي الأولى أشعرُ بأنَّني مَدينٌ لها بكُلِّ حَرْفٍ كتَبْتُه. فأنا ابْنُ القَرْيَة المِصْرِيَّة بكُلِّ خصائصها ومُعطياتها الثقافية ومنظومة قِيَمِهَا وموروثاتها الاجتماعية وأساطيرها وحكاياتها الشَّعْبيَّة. مَسْقَط رأسي بسيون هي بَلْدة وسط بين القَرْيَةِ والمَدينة تقعُ في غَربِ الدِّلتا شمال مصر. وهي مُؤلَّفَةٌ من شِطْرَيْن ـ الرِّيف والحَضَرْ ـ يفصل بينهما نهرٌ وخطّ سِكَّة حَديدٍ اندثر وتوارى مع الزمن. وقدْ نشأتُ وأمضيْتُ طفولتي ومطْلَعَ صِبَايَ في الجانب الرِّيفيّ بكُلِّ خشونته وجفائه وخُرافاته وصَرامة تقاليده وشعوره الجَمْعي المُتَصَلِّب بمفاهيم الشَّرَفِ والثَّأر وارتباطه الحميم بالأسرة والأرضِ وما عليها من زَرْعٍ وكائناتٍ حَيَّة. على زَمَاننا لم تكن وسائل الإعلام والاتصال قد تَطَوَّرت على النَّحو الذي نشْهده في عالم اليوم. فلم يكن هُناك تلفازٌ أو سِينما في القَرْية، حتّى المِذْيَاعْ كانَ حِكْراً على الخَاصَّة وميْسوري الحالْ، وكانت وسيلة التسلية والترفيه الوحيدة هي مجالس السَّمر والحكايات أو الحواديت والأساطير والنَّوادرُ والأمثالُ والسِّيَر الشَّعبيَّة جَنْباً إلى جَنْب مع القَصَص الدِّيني. ومن شأنِ هذه القصصُ والرِّوايات المَسْموعة ـ لا المَرْئيَّة ـ أنها تُخاطبُ العاطفة وتُحَفِّزُ المُخَيِّلة وتوقِظُ ملكةَ المُحَاكَاة وتُشْعِلُ جذْوَةَ الخَلْقِ والإبْداعْ.
هذا العالم ـ شِبْه الأسطوري ـ كان هو الشَّرارة الأولى التي فَجَّرتْ موهبة الخَلْق، وشَكَّلتْ جُزْءاً حَيَويّاً من الخلفية الثقافيّة والمخزون المَعْرفيّ الذي تغَذّى في ـ مراحل العُمر المُختلفة ـ بمصادرَ أخرى للمعرفة. وكان عالمُ القَرْيَة أيضاً ـ بأحداثه وشخوصه وذكْرياته ومشاهده وموروثاته ـ هو المَنْبَع الخِصْب والرَّافد الرئيسي للتَّجربة الأدبية التي قُدِّرَ لي بعد ذلك أن أنهلَ منها وأعَبِّرَ عن مُفْرَداتها. وكان هذا العالم ـ ببكارةِ مُفرَداته وملامِستَه الحَيَّة للأحاسيس والمشاعر وعواطفه المشبوبة وأخْيلته الجامحة ـ مُحَفِّزاً على الكتابة الأدبيَّة بمختلفِ أجناسها.
وقد تَجَلَّى حضور هذا العالم في مجموعة قصصية بأكملها هي (فَحْل التُّوتْ) ورواية (ماء الحَيَاة). وكلاهما تحت الطَّبع الآن وسوف يكون في متناول القارئ الكريم خلال شهرٍ واحد بمشيئة الله.
لقاؤنا قائمٌ وحديثنا موصولٌ بإذن الله لنُكْملَ حوارنا مع ما طرحته أديبتنا المُبدعة منال أحمد من تساؤلاتْ. |
))على قدر اهل العزم تاتي العزائم((
توقيع : alwafe
سبحان الله وبحمدة
| |