22-03-2008, 06:40 AM
|
| |
رد: القاص والروائي (إبراهيم) ضيف كرسي المجالس..
لقاؤنا يتَجَدِّدٌ وحوارنا يتواصل مع الأخت الكريمة دموع الشُّوق التي تسأل:
* في مجال القصص.. ماذا تعني لك القصة القصيرة بإحساسك ؟؟ في كتابتك للقصص تتجه للخيال أم الواقع ؟
ـ القصة القصيرة هي حدث أو موقف ينمو ويتَطَوّر حتى يصل ذرْوته ثمّ ينتهي بلحظة التنوير. هذا هو التعريف الكلاسيكي أو التقليدي للقصة القصيرة والتي اعتبر الكاتب الفرنسي جي دي موباسان أحد روّادها الأوائل لذا فقد اتُّخذت أقاصيصه نموذجاً مثاليّاً للقصة القصيرة. لكن عبر مسيرة تطورها خرجت القصة كثيراً عن هذا النموذج المثالي، فظهرت أشكالٌ مُتَعَدِّدة للقصة القصيرة مثل قصص آلان روب جرييه وناتالي ساروتْ في مجموعتها الشهيرة (إنفعالاتْ) التي تميل كثيراً إلى التجريد وتكاد تخلو من دراما الموقف أو الحدثْ. ويرى بعض الكتاب والنقاد أنَّ القصة القصيرة لا يوجد لها تعريف شاملٌ جامعٌ ومُحَدَّد بل ترتبط سماتها بشخص كتابها الكبار، فهناك نموذج للقصة القصيرة عند تشيكوف، وآخر عند سومرست موم وثالث عند همنجواي ورابع عند كافكا وخامس عند موباسان.. وهكذا. وقد شاعَ في الآونة الأخيرة نمط القصة القصيرة جدّاً التي تتميَّزُ بكثافتها وإيجازها الشديد وتركيزها على لمحةٍ خاطفة أو لحظةٍ زمنيّةٍ أو موقفٍ مُقْتَضَب ومحدود الشخصياتْ، وانطوائها على المعنى والإيحاء والدّلالة. لكنني أميل كثيراً إلى التعريف التقليدي للقصة القصيرة وأرى أنه صالحٌ للتطبيق حتى على القصص بالغة القصر.
في كتابتي هل أتجه للخيال أم للواقع..؟!
أعتقد أنَّ أيَّ عَملٍ أدبيٍّ أو فَنِّي هو مزجٌ شديد التعقيد بين الواقع والخيال، بحيث لا يُمكن التمييز في بنية هذا العمل بين ما هو واقع وما هو خيال. لأنَّ مُخَيِّلة الشاعر أو القاصّ أو الروائي أو الفنان أيّاً كان مجال إبداعه لا تُسْتثارُ من فراغ، ولا تَتَجَسَّد فيها الرؤى والصور والمشاهد والمواقف من عدَمْ، بل إنّ الواقع هو الذي يُحَفِّز المُخَيِّلة ويغَذّيها بالمادّة الخام للكتابة والتي تتحوّل ـ في مُخَيّلة الأديب أو الفنّان ـ إلى نسيجٍ أدبيّ مُكتمل الخَلْق متَمَيِّز السِّماتْ.
لكن ما هو الواقع..؟! هل هو وجودٌ مُحَدَّدٌ ومُتَّفَقٌ عليه..؟!
لا.. يرى بعض الفلاسفة أنَّ ما نُسَمّيه واقعاً ما هو إلاَّ صورة هذا الواقع في أذهاننا ومن ثَمَّ فإنّ لكُلٍّ مِنَّا صورة خاصَّة به عن هذا الواقع تتشكّل في ذهنه أو مُخَيِّلته، وهكذا فإنَّ كُلَّ ما نكتبه من قصص أو أشعار وما نبدعه من فنون ليس إلاَّ انعكاساً لصورة هذا الواقع واستلهاماً منها ونَسْجاً على منوالها. وفي أيّ عملٍ أدبيٍّ تمتزجُ وتتداخلُ عناصر كثيرة ولا حَصْرَ لها بعضها يتعلّقُ بتاريخ الكاتب ـ بل وربّما ما قبل تاريخه ـ وذكريات طفولته الأولى وشفرته الوراثية وثقافته وبيئته المحيطة به والتي تفَتَّحَ عليها وعيه وخلفيّته الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية... إلى آخر هذه العناصر التي لا يمكن حتى حصرها أو التنبؤ بها.
حوارنا مُتواصل ـ بإذن الله ـ مع الأخت الكريمة دموع الشوق. |