19-03-2008, 08:11 PM
|
| |
رد: القاص والروائي (إبراهيم) ضيف كرسي المجالس..
نَخْتَتِمُ ـ الآن ـ لقاءنا مع الأخت الفاضلة السَّنيورة التي تفضَّلتْ بطرْحِ التَّساؤلين الآتييْن في ختام مداخلتها الكريمة:
*هل القصص الطويلة تعتبر أصعب بالترابط من القصص الصغيرة.؟ وأيهما أفضل برأيك.. وأقرب لشخصك؟
ـ لا.. ليس هناك جِنْسٌ من أجناس الأدب أصْعَبُ من الآخر.. فكُلُّ إبداعٍ له خصائصه وسِمَاته المُمَيِّزة، وله تقَنِيَّاتُه ومكابداته وعوالمه الخاصَّة. كما أنَّ لكُلِّ فَنٍّ من فنون القَصّ أدواته التعبيرية التي تتحَوّلُ من خلالها التَّجربة إلى إبداعٍ قصصيّ. لذا لا مجال للأفضليّة هنا بين شَكْلٍ وآخر من أشكال التعبيرْ. المُهِمّ أن يكون هذا الشَّكْل متناغماً ومُتِّسِقاً مع طبيعة التجربة التي يُعَبِّرُ عنها الكاتب ومضمونها ووافياً بمُتَطَلَّباتها .
كذلك لكُلِّ مَرحلة من مراحلِ العُمر سماتها وميولها. في مُقْتَبَلِ العُمْر كانت القصَّة القصيرة هي خياري الأفضل لأنها أكثر مُلاءَمَةً للتعبير عن اللحظات القصيرة المشحونة بالعاطفة والانفعال. لكن مع تَقَدُّم العُمر وتَراكم الخبرة الإنسانيّة يُصبحُ الكاتب أكثر ميْلاً للحَكْي والاستطراد والإسهاب والوصْف والتَّطَرُّقِ إلى التفاصيل، وأكثر حُنْكةً وتَمَرُّساً بتشابك الأحداث ورَسْمِ ملامح الشَّخصيّات وإدارة الصِّراع بينها في صَبْرٍ وأناةٍ وطولِ نَفَسْ، وهنا تَبْرُزُ الرواية أو القصة الطويلة (النُّوفيلاَّ) كشَكْلٍ ملائمٍ للتَّعْبيرْ. القصص الأولى التي كتبتها ونَشَرْتُها بالمجلات الأدبية كانت قصيرة لا تتجاوز الصَّفْحَتَيْن أو الثَّلاث، وكان يَغْلُبُ عليها التَّكثيف وشاعريّة اللَّغة والتَّركيز الشَّديد على الحَدثْ والعناية الفائقة باللغة والأسلوبْ. وقد كانت هذه أبرز سِمات القصّة في مرحلة السِّتِّينيّات والسَّبعينيّاتْ التي تأثَّرتُ بها وتأثَّرَ بها كُلُّ أبناء جيلي. أما القصص الأخيرة فهي أكثر تَرْكيباً وتَشابكاً وغِنَىً بالتفاصيل والشَّخصيّاتْ. معظم القصص في المجموعة القصصية (مطر صيْفي) تنتمي إلى المرْحلة الأولى المبَكّرة من العُمْر. أما المجموعة القصصيّة (فَحْل التُّوتْ) فهي بأكملها تنتمي إلى مرحلة منتصف العُمر وما بَعْدها. على أنَّ هذه الفَرْضِيَّة ليست قانوناً ثابتاً لأنّ الفَنَّ يَخرجُ على كل القوانين الجامدة، فقد عُدتُ مَرَّةً أخرى إلى كتابة مجموعة من النصوص القصصيّة القصيرة تحت عنوان (مَتْروكاتٌ لم تُرْصَدْ) وهي استحضارٌ لبعض الذكريات القَديمة التي ما تزال تنبضُ بالذاكرة والوجدان وتُلِحُّ على المُخَيِّلة. وربَّما أكون متأثِّراً في كتابتها بتَيَّارٍ يفرضُ وجوده الآن على الساحة الأدبية ـ وإن كانت جذوره موغلةً في القِدَم ـ هو تَيَّار القصة القصيرة جِدّاً أو القِصَّة بالغة القِصَرْ.
وهذا يؤكّدُ أن العِبْرَة ـ أساساً ـ بمدى ملاءمة الشَّكْل القصصي لمضمون التجربة ومعطياتها.
* هل كل شاعر يعتبر روائيّاً أم العكس.. ؟ ومن الذي يحمل الأكثر من الثقافة والشاعرية؟
ـ لا ليس بالضرورة أن يكون كُلُّ شاعر رُوَائيّاً ولا كُلُّ روائيٍّ شاعراً. فمعظم الروائيين ـ إلاّ القليل منهم ـ لم يَطْرقوا بابَ الشِّعْر، وكذلك الغالبية العُظمى من الشُّعراء لم يُمارسوا فَنَّ الرواية. لكن هناك بعضُ الروائيين وكتّاب القصَّة ترقى لُغتهم وأسلوبهم إلى مستوى الشِّعر، مثل الطَّيّب صالح في روايته (موسم الهجرة إلى الشَّمال) وعبد الرَّحمن منيف في روايته (قصة حُبّ مجوسيَّة).
أمَّا من منهما يحمل في داخله قَدْراً أكبر من الشَّاعريَّة فمن المُفترض أن تكون طاقة الشِّعر أكبر بكثير لدى الشَّاعر، بينما موهبة القَصّ تكون أكثر تَوَهُّجاً لدى الرّوائي منها عند الشاعر. وفيما يَتَعَلَّقُ بالثقافة فهي سِمَة فَرْديَّة تختلف بين كاتبٍ وآخر، وتتفاوتُ من شاعرٍ لآخرْ، ولا علاقة لها بالشعر أو الرِّواية أو القصة. |