الخطبة الثانية
عباد الله
كم من كلمة أفرحت ،وأخرى أحزنت ،وكم من كلمة فرقت وأخرى جمعت، وكم من كلمة أقامت ،وغيرها هدمت، وكم من كلمة أضحكت، وأخرى أبكت ، وكم من كلمة واست جروحاً ،وأخرى نكأت وأحدثت حروقاً. وقد ضرَب الله مثلا للكلمة الطيبة و مثلاً للكلمة الخبيثة قال الله تعالى : ( أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ) قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " إنَّ الإنسان يهون عليه التحفُّظُ والاحتراز عن كثيرٍ من أفعال الحرام، من الظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك، ويصعب عليه أن يتحفظ من حركة لسانه؛ حتَّى إنَّك لترى الرجل يُشار إليه بالدين والعبادة والزهد ونحوها من صفات الخير ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ويتقلَّبُ في المحرمَّات، لا يبالي بما يقول، يتكلَّم بالكلمات من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً، يهوي بالكلمة الواحدة في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب، والله المستعان " ا.هـ.
عباد الله
إن الكلام أربعة أقسام: قسم ضرر محض يجب الكف عنه واجتنابه؛ لأنه حرام يؤخذ عليه العبد ويكتب الله به سخطه إلى يوم القيامة، وقسم نفع محض، فهذا خير يجب الإكثار منه والمداومة عليه؛ ليكتب الله به رضوانه إلى يوم القيامة، وقسم فيه ضرر ومنفعة، وقد يغلب ضرره نفعه، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وقسم ليس فيه نفع ولا ضرر فهو من الفضول والضياع الذي يضيع العمل ويضيع العمر
قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَا نِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )
.