الموضوع: قصص القرآن
عرض مشاركة واحدة
#26 (permalink)  
قديم 02-10-2007, 09:59 AM
عبدالرحمن الجميعان
عضو مجالس الرويضة
عبدالرحمن الجميعان غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 1082
 تاريخ التسجيل : 28-08-2007
 فترة الأقامة : 6675 يوم
 أخر زيارة : 27-01-2008 (11:48 AM)
 العمر : 71
 المشاركات : 50 [ + ]
 التقييم : 100
 معدل التقييم : عبدالرحمن الجميعان مجتهد عبدالرحمن الجميعان مجتهد
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي رد: قصص القرآن



(20)
مع سورة هود!

وقفنا في حلقة سابقة عند الآية التي في سورة هود، «وهي تجري..» وتأملنا حروف الجر، تجري بهم، وتجري في موج...وحرف الجر الأول أفاد أنهم في السفينة، وهم في مأمن، لأنهم «بها» بداخلها، وحرف الجر «في أفاد»، أنها في عمق الموج، وفي عمق الماء، ولكنها أيضاً في مأمن، كل ذلك ليصور ضخامة الماء، ثم رحمة الله بالمؤمنين، وقدرته على إنقاذهم، وعلى التصرف في كل الكون.

تأمل الآيات: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

يرى نوح عليه السلام، هذا التغير الكوني، ويعلم ماذا سيحصل هناك، فيلمح ابنه، فتتحرك عاطفة الأبوة هنا، ويحن إلى ابنه، ويناديه، بكل حنان وحب، (يابني)...ويؤكد القرآن(وكان في معزل) عن السفينة، العزل المادي والمعنوي، فهو في معزل عن أبيه نوح عليه السلام، من الناحية الإيمانية، فهما في معتقدين مختلفين كل المخالفة، وهما أيضاً مختلفان في المكان، فنوح عليه السلام، في سفينة النجاة، وابنه هناك مع الكافرين.

يناديه بعاطفة الأبوة والقرابة، اركب، وهذه الكلمة تقرأ بين اركن، واركب، وكلا المعنيين صحيح، فيطلب منه أن يركب معهم، فينجو، ويركن مع المؤمنين، ولا تكن مع الكافرين، لا تكن معهم معتقداً وموقفاً، بل كن معنا، في السفينة، لتتحفك النجاة في الدنيا والآخرة، و هنا تبدو قسوة الابن، مع عاطفة الأب الحنون، فيقابل الإحسان والحب بالقسوة، والعنف، والسخرية، سآوي إلى...ظن الولد أن الأمر اعتيادي وطبيعي، مياه تثور، وأمطار ستتوقف، وما علم أن الأمر (أمرنا) أمر الله وقضاؤه، وهذا القضاء لا يمكن أن يقف أمامه أحد، والملاحظ تكرار كلمة (أمرنا) لتدل على عظم العذاب، وأن الله بيده تسيير الكون وتسخيره، وأن القضية ليست غضب طبيعة ولا شيئاً من هذا، بل هو غضب الله تعالى، وتدبيره. ثم قال تعالى( وحال بينهما الموج فكان..)..وهذا- والله تعالى أعلم- من رحمة الله تعالى لقلب نوح، الا يرى ابنه يغرق أمامه، فكانت الأمواج تحول بين نوح وبين رؤية الغرق لابنه.

قضي الأمر، نفذ أمر الله تعالى، وتم كل شيء، وغرق الكافرون، فقال تعالى ( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وقيل بصيغة المبني للمجهول، نداء للأرض، ابلعي، انظر إلى التشبيه، والمعنى والألفاظ، قيل، لم يذكر من القائل، للدلالة على العظمة والقوة، والإبهام، يا أرض، نداء إلى غير العاقل، ليعقل الأمر ثم تتوجه بالاستجابة، أي إعجاز هذا؟ و أي بيان هذا؟

(ابلعي): والبلع ليس فيه مضغ، ولا بطء، بل السرعة في الالتهام، ما يدل على أن الماء بُلع في باطن الأرض بسرعة، وسماه ماءك، منسوب إليك، الماء الذي أخرجته، ماؤك..

ثم جاء النداء الثاني: ويا سماء أقلعي...دون ذكر ماذا تقلع!

اقلعي عن الماء، وغيض الماء، أي تناقص وغار، وقضي الأمر: قضي وانتهى بكلمات قليلات وطوي المشهد العام للغرق، بكلمات قليلة جداً، ايضاً دُمِّر الكافرون، وأغرقوا، ونجّا الله تعالى المؤمنين، ثم استوت السفينة ورست على جبل الجودي...!

ثم قيل، كأن الكون وكل مخلوق كان ينطق بهذا القيل بعداً ولعنة للقوم الظالمين، وهكذا تطوى هذه الصفحة الكبيرة في بضع كلمات، ولكن القصة لم تنته بعد، فالحوار بين الله تعالى ونوح(عليه السلام)، سنذكره في مقالة قادمة بإذنه تعالى



 توقيع : عبدالرحمن الجميعان

رد مع اقتباس