العزيز محمد السهلي
تحياتي وتقديري لرأيك الذي أقدرة, وحقاً أنك فتحت حواراً ثرياً, وسوف أحاول هنا أن أطرح بعض الأفكار في هذا الجانب,
الشاعر العربي الكبير أبو تمام يعتبر أبرز من قال الشعر وهو يمثل العصر الذهبي للشعر العربي عموما ًو للعصر العباسي على وجه الخصوص بالإضافة للبحتري والمتنبي.
ذات يوم خاطبه أحدهم بقوله, لماذا تقول ما لايفهم؟؟
فرد عليه أبو تمام: ولماذا أنت لا تفهم ما يقال؟؟؟
من هنا سوف نبدأ, يعتبر الشعر من أهم الفنون وأقدمها قاطبة, وبما أنه فن, فعلية واجب السمو والرقي والنهوض بالمتلقي وواجبه أن يقدم له الفكرة الجديدة في لغة شعرية راقية بعيدة عن التسطيح والابتذال. وعلينا هنا أن نتفق على دور الشعر, هل هو مادة للمتعة واللهو أم أن دوره أبعد وأرقى من هذا,, إن كان للمتعة واللهو , فأنا أتفق معك في كل ما تفضلت به, أما إن كان دورة أبعد من هذا , فعلينا أن نفهم ماهية الشعر ودورة في الحياة, وكيفية التعامل معه لحظة التلقي بغية أن نحصل على كل ما نريد من متعة ولهو ومعرفة وإدراك لكيفية تعاملنا مع واقعنا المعقد.
في البدء, كشاعر, أدعو للاعتدال في كل شيء,ومن ضمنها رؤيتي الفنية حول الشعر, وهذا يتمثل في قطع الطريق نحو القصيدة, بمعني أني مقتنع بدور المتلقي الهام في هذه المسألة, وأتعامل معه كشريك في قصيدتي, وعليّ أن أقطع نصف الطريق للوصول , وعليه أن يقطع هو النصف الآخر من الطريق, وهذا يعني أن نلتقي هو وأنا في نقطة المنتصف, وهذا يعتمد على كيفية بناء قصيدتي مع ترك مفاتيح في القصيدة لهذا المتلقي تعينه على دخول مبنى القصيدة بحرية بعيداً عن هيمنتي وتسلطي عليه وفي نفس الوقت بعيدا عن الدخول المجاني الذي يفقد ذائقته الاحترام, وأوضح هنا أكثر,
تخيل شاعراً يقدم قصيدة واضحة مكشوفة عارية للمتلقي, فأين دور المتلقي هنا, أين فكره, أين ثقافته, أين خبرته في الحياة؟ أن مثل هذه القصيدة العارية تضرب بعرض الحائط بكل هذا, مثل هذا الشاعر ينصّب نفسه وصياً على القارئ, لأنه لا يثق بقدرات هذا القارئ, بدليل أنه يقدم له القصيدة متكشفة بحيث يلغي فكره ولايسمح له بمجرد التفكير فيما تطرحه القصيدة, لأنه في الأساس هومن فكّر عنه.
حقاً هناك شعراء يكتبون طلاسم وألغاز, وهذا بالطبع مرفوض., فلا بأس هنا لو نميز مابين الغموض والإبهام وما بين العمق في الشعر, الغموض مرفوض والعمق مطلوب,فالغموض لا يعتمد على بنية فنية عدا أنه حالة غير مفهمومة, أما العمق فهو متطلب فني يرتكز على التقنية الفنية, بدلالات وإحالات و‘إشارات تقدم للقارئ متعة الكشف والوصول لأبعاد القصيدة, فهنا إذن, متعة وفكر وثقافة ومعرفة, حتى الرموز في القصيدة فهي على ثلاثة مستويات, ( واضح- شفاف-معتم) وبالتدرج والمتابعة والاحتكاك يستطيع المتلقي أن يصل لكل هذا, وليس من العدالة أن يصل القارئ الجديد لكل هذا من قراءة بضع قصائد, فعلى القارئ أيضاً مسؤولية بذل الجهد والذي فيه ثقافة له, كمان أنه ليس مطلوباً من المتلقي أن يفهم القصيدة بحذافيرها, لأن فهم الشعر يكون عادة تراكم صوري وليس جزئي حرفي.
على كل أخي وصديقي محمد , كان ردك أكثر غموضاً من غموض القصيدة.