الخطبة الثانية
عباد الله لاشك أن لشهر رجب مكانة عند الله تبارك وتعالى، فهو أحد الأشهر الحرم التي كرَّمها الله جل ذكره في كتابه ونهى الناس عن الظلم فيها، لكن لايعني هذا أنه يجوز تخصيصه بعبادة معينة دون غيره من الشهور؛ لأنه لم يثبت عن النبي شيء من ذلك. والعبادات توقيفية؛ لا يجوز فعل شيء منها إلا إذا ورد دليل من الكتاب و صحيح السنة، ولم يصح عن النبي في تخصيص رجب بعبادة معينة حديث صحيح كما نصَّ على ذلك كبار العلماء قال الحافظ ابن حجر: "لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه.. حديث صحيح يصلح للحجة".
ومن البدع التي يفعلها بعض الناس :
تخصيصهم شهر رجب بأنواع من البدع والمحدثات، فمن ذلك تخصيصهم أول جمعة من هذا الشهر بصلاة، يسمونها صلاة الرغائب، ومن ذلك أيضًا تخصيصهم شهر رجب بصيام أيام معينة منه ومن البدع المحدثة الاحتفال بليلة السابع والعشرين من رجب التي يزعم بعض الناس أنها ليلة الإسراء والمعراج وهذا ليس له أصل في الشرع ، بل هو بدعة لا يجوز عملها ، و وقد نبه على ذلك المحققون من أهل العلم ، وليلة الإسراء والمعراج لم تعلم عينها ، وحتى لو ثبت تعيين تلك الليلة لم يجزْ لنا أن نحتفل بها، ولا أنْ نُخصِّصها بشيء لم يشرعه الله ولم يشرعه رسوله ولم يحتفل بها خلفاؤه الراشدون وبقية أصحابه رضي الله عنهم ، ولو كان ذلك خيرا لسبقونا إليه .
والخير كله في اتباعهم والسير على منهاجهم كما قال الله عز وجل : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } وقد صح عن رسول الله أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه. وفي رواية لمسلم : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد . قال أيوب السختياني : "ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا زاد من الله بعداً.
قال ابن القيم رحمه الله: "وكل عمل بلا اقتداء فإنه لا يزيد عامله من الله إلا بعدًا، فإن الله تعالى إنما يعبد بأمره، لا بالآراء والأهواء".
فاتقوا الله عباد الله، والزموا الكتاب والسنة، فإنه لا نجاة للعبد إلا بهما
.