شعر الغزل والحب.. وحكم الشرع

د. رجب أبو مليح


الإجابة للمفتي: الدكتور رجب أبو مليح- دكتوراه في الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة:

لو كان شعرُ الحب والغزل هذا مبنيًّا على الأخلاق والصفات الحميدة دون ذكر مفاتن المرأة أو الرجل أو ما يثير الغرائز عند الطرفين فهذا جائز، وقد سمع النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- شعرَ الغزل كقصيدة كعب بن زُهَيْر "بَانَتْ سُعَادُ"، فقد كان هذا غزلاً عفيفًا، ولم يكن يتغزَّل بامرأة بَعَيْنِها لا تَحِلُّ له، فـ"سعاد" هنا ليست امرأةً مُعيَّنةً ولكنها رمزٌ، ويكون الغزل بأخلاقها وقيمها وأدبها.



وقد ورد في هذا السياق كلامٌ قَيِّمٌ لفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي ننقله لمزيد من الاستفادة، يقول فضيلته:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

إذا كان الإسلام قد دعا إلى الإحساس بالجمال وتذوّقه وحبه، فإنه قد شَرَّع التعبير عن هذا الإحساس والتذوق والحب بما هو جميل أيضًا.



وأبرز ما يتجلَّى ذلك في فنون القول من الشعر والنثر والمقامة والقصة والملحمة، وسائر فنون الأدب، وقد استمع النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى الشعر وتأثَّر به، ومنه قصيدة كعب بن زهير الشهيرة "بانت سعاد"، وفيها من الغزل ما هو معروف، وقصيدة النابغة الجعدي، ودعا له، ووُظِّف الشعرُ في خدمة الدعوة والدفاع عنها، كما صنع مع حَسَّان.



واستشهد بالشعر كما في قوله: "أصدق كلمة قالها شاعر، كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل" (متفقٌ عليه عن أبي هريرة) واستشهد أصحابُه بالشعر، وفسَّروا به معاني القرآن، بل منهم من قاله وأجاد فيه، كما يُروَى عن علي كرَّم الله وجهه، وهناك عدد كبير من الصحابة كانوا شعراء، وكثير من الأئمة الكبار كانوا شعراء، مثل الإمام عبد الله بن المبارك، والإمام محمد بن إدريس الشافعي وغيرهما وقال- صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ من الشِّعْرِ حكمة" (متفقٌ عليه عن أُبَيّ، وقد رُوي عن جمع من الصحابة. صحيح الجامع الصغير- 2219) "إنَّ من البَيَانِ لَسِحرًا" (رواه مالك وأحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عمر، المصدر السابق- 2216)، "إن من البيان سحرًا، وإن من الشعر حكمًا" (رواه أحمد وأبو داود عن ابن عباس- المصدر نفسه- 2215).



ومفهوم الحديث أن من الشعر ما هو بعيد عن الحكمة، بل هو نقيضها، مثل شعر المديح بالباطل، والفخر الكاذب، والهجاء المتعدي، والغزل المكشوف، ونحو ذلك مما لا يتفق مع القيم الأخلاقية والمثل العليا.



ولهذا ذَمَّ القرآنُ الشعراءَ الزائفين والمزيّفين، الذين لا يتورَّعون عن شيء، والذين تكذّب أفعالهم أقوالهم، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَالشُّع َرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ (226) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227)﴾ (الشعراء).

فالشعر والأدب عامة والفن بوجه أعمّ له هدف ووظيفة، وليس سائبًا، فهو شعر ملتزم، وأدب ملتزم، وفن ملتزم.

المصدر

أرجو أن أكون قد وفقت في نقل هذا الموضوع

و منتظر نقاشا جادا على قدر أهمية الموضوع عندكم