![]() |
كفاحٌ . . وحسرة في الحي الشعبي من المدينة العتيقة بيتٌ قديم . . زاحمته البيوت عن يمينه وشماله حتى صار بينهم .. كالسن المكسور . . في زاويته الشرقية فناءٌ صغير . .بغرفةٍ رديئة البناء والأثاث تجاورها نخلةٌ اطلت براسها خارج السور . .كأنها تريد الهرب منه تعيش في هذه البساطة . . إمرأةٌ مسنة خاصمها الزمن فاسكنها هذا الفناء الكئيب تمرها الأيام ثقيلة ..ملتفةٌ بالرتابة والحرمان . . في احدى ليال الصيف .. جلست المراة العجوز على سجادتها التي فقدت الوانها وبقيت آثار نقوشها . . بعد أن ادت صلاة العشاء والحقتها بكثير من السنن اسندت ظهرها الى الجدار الذي مازال يحتفظ بحرارته . . عله يلين ظهرها المقوس الذي شابه الهلال . . ثم اصلحت حجابها . . ودارت به حول وجهها النحيل مدت قدمها المتعبة وثنت الأخرى ..واضعةً يديها على ركبتها المنصوبة كان النور خافتآ . .والهدوء مملآ . . والوحدة موحشة . . والوقت يسير كالسلحفاة مرت بجانبها . . قطةٌ تحمل صغارها بين اسنانها . . واحدآ تلو الآخر حتى استقرت بهم تحت النخلة . . تبسمت المراة مرحبة . . واقتربت بجسمها دون أن تقوم من مكانها فاتسعت عينا القطة معلنة حالة الخطر . . لكن المراة العجوز هدأتها وهي تقول . . كنت أمآ مثلك . .لثلالة اطفال عرفوا اليتم قبل ان يعرفوا حنان الأب فاصبحت امهم واباهم . . وسماهم وارضهم . . وكل حياتهم احتضنهم عند نومهم كما تحتضن الحمامة بيضها . .واخرج بهم كأفراخ القطا . . كنت ابيع القماش في السوق . . واخدم الناس في مناسباتهم . . ولو اضطررت لنظفت الشوارع والميادين . . من اجلهم صمت ليأكلوا . . وسهرت ليناموا . . وكدت اهلك في السوق من البرد والحر مراتٍ عديدة التصق جسم القطة بالأرض . . وضاقت عيناها معلنة حالة السلام والإستماع فأكملت العجوز فضفضتها . . عندما دخل الأكبر المدرسة .. بكيت بكاء العروس خوفٌ وفرحٌ وامل . . حفظت اسماء الكتب .. والمدرسين وتعرفت على امهاتهم وبكيت على ابوابهم واستلفت لنجاحهم وأفراحهم . . تربعت العجوز في جلستها . . واصلحت حجابها كعادتها . . ثم اردفت قائلة عانيت اشد المعاناة . . وتعبت كل التعب . . ومن تعبي الشديد نذرت ان احرق لفافة القماش عندما يتخرج ابنائي ويعملون . . لكن الزمن لم يهادنني . . او يصالحني بل حمل عصاه خلفي حتى يشيعني الى قبري . . ولعل الله قد اجل اجري الى الحياة الآخرة وهو العدل الرحيم ثم بدا صوت المرأة يتهدج ويختلج بعبرة مكبوتة . . وهي تقول تخرجوا . . والتحقوا بأعمالهم . . فاحرقت لفافة الأقمشة . . وفاءآ بنذري وفرحآ بأبنائي .. فقد آن الحصاد والراحة . . لكن الأول والثاني . . رحلا فاصبحت اراهم كأبعد اقربائي والثالث يسكن بقية هذا البيت . . وكأنه جارٌ . . أتى من جنوب البلاد او شمالها لم يعودوا كأفراخ القطا . . بل صاروا ابناء الهوام والجوارح . . نزعوا صورتي من عيونهم وحلت مكانها صور زوجاتهم . . وجف حنان الأمومة في دمائهم ليسيل حب ابنائهم . . كم احسدك ايتها القطة . . لإن امومتك قصيرة فلن يذهب نصف عمرك . . عناءٌ وكفاح ويبقى النصف الآخر . . حسرة وندم |
رد: كفاحٌ . . وحسرة وصف جميل جدا |
رد: كفاحٌ . . وحسرة منى الأجمل . . حضورك اختي العزيزة |
رد: كفاحٌ . . وحسرة طرح رائع كما عوودتنا دائما استمر بهذا التألق تحيتي لك |
رد: كفاحٌ . . وحسرة مشكور اخوى على الموضوع |
| الساعة الآن 09:46 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
-
arab-line : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0 TranZ By
Almuhajir
... جميع الحقوق محفوظه لمجالس رويضة العرض لكل العرب ...
.. جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ...ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر المنتدى..